【صلة العـــرب بالكلدانيين والفـــرس】
ـ
ومعارفنا بصلات العرب بالأخمينيين "Achaemenian" وبالبارثيين "الفـــرث" "Parthians" قليلة جدًّا.
ويـــرى بعض المــؤرخين أن العـــرب كانـــوا في أيـــام "الأخمينيين" قـــد تقـــدموا في زحفهـــم نحـــو الشمال فــدخلت قبـــائل منهم إلى العـــراق ووسعت مساحة الأرضين التي كــان العـــرب قـــد استوطنوها سابقًا ، كما تقــدموا في هـــذا العهد نحو الغــرب فتوسعوا في بلاد الشام وفي طـــور سيناء إلى شواطئ نهـر النيل ، حيث كانـــوا قـــد استوطنوها ، وقد قاموا بخدمات كبيـــرة نحـــو ملوك الفرس في زحفهم على مصـــر.
ولــم يلاقِ العـــرب أية مقاومة كانت في أثنـــاء حـــركاتهم وتنقلاتهــم ودخـــولهم الأرضيـن التي كـــان الأخمينيون قد استولوا عليها ، ولكن وجدوا أنفسهم في حرية تامة ، لهم الحـــق في الذهـــاب إلى أي مكـــان شاءوا ، وهذا مما مكنهم من الدخول إلى أرضين جـــديدة وإلى تـــوسيع هجـــرتهم في الأرضين التي كـــان الأخمينيون قـــد بسطـــوا سلطانهم عليها.
لقد ذكر "أكسنوفون" "Xenophon" العرب في جملة أتباع الملك "كيرش" "Cyrus" "Kyros" الثاني "557-529 ق. م." "559-529 ق. م." وذكر أن هذا الملك عين واليًا عنه على "العـــربية" "Arabiai" "Arabioi" ويظهر مــن ورود لفظة "Arabiai" بعد "Kappadokia" أن المـــراد بها "الجـــزيرة", أي "Mesopotamia"، أو جـــزء منها. ويظهر من موضع آخـــر أن "العربية" هي المنطقة الـواقعة في شرق "Araxes" أي : "الخـابور".
وقــد ورد في أخبـــار حملة "كيرش" على "بابل" أن جمـــاعة مـن العـــرب كـــانت تحـــارب معــه , وكــانت تلك الجمـــاعة مــن الأعـــراب الـــراكبين للجمال , وذلك في سنة "539" قبل الميـــلاد.
ويتبين من مراجعة الموارد اليونانية التي تعـــرضت لتــأريخ وجغرافية العـــراق ، أن اليـونان أخذوا يطلقون لفظة "Arabioi" من هـذا الوقت فما بعده بمعنى "العـــرب" و"عرب" ، أي : علـــم لقوم وشعب على نحو ما كانوا يطلقــون مــن أسمـــاء على الشعوب الأخـــرى. وقــد ذكـــروهم في جملة شعوب الجـــزيرة ، أي "Mesopotamia". وقـــد أخـــذوا ذلك مــن "الأيونيين" "Ionien". وعلى هـــذا فسيكون مـــراد "أكسينوفون" وغيـــره مــن العـــربية الأرض التي غلب عليها العـــرب. ومعنى هـذا توسع العرب في زحفهم وتقدمهم نحـــو الشمال وتغلبهم على أرضين جديدة كان سكانها من "بني إرم" وغيرهم ، وتعرب كثير من "بني إرم" وتكوين طبقة عربية مستعربة.
ـ
ـ
ولما قـام "قمببز" الثاني "قمباسوس" "Cambyses" بغـــزو "مصر" سنة "525 ق. م." وطلب معونة العـــرب, أمــدوه بالجمال وبالماء ، وساعــدوه مساعدة كبيـــرة لولاها لما تمكن مـن الوصـــول إلى "مصر".
ويـــزعم "هيرودوتس" أن "فانس" "Phanes"، الذي خان سيده فرعون مصـــر ، فهرب منه وذهب خلسة إلى "قمبيز" وحثه على فتـح مصر ، أشار على المــلك بـــأن يستعين بالعـــرب ليساعدوه في اجتياز الصحراء وكان المــلك يفكـــر في الصعوبــات التي ستعترض جيـــوشه في قطـــع تــلك الفيافي والقفار , ومــن أهمهـا قلـة الماء.
فلمـا اقتنــع المــلك بصـــواب رأي "فانس" وصــدقه ، أرسل رسـولًا إلى ملك العـــرب ليتفاوض معه في هــذا الأمـــر ، فــوافق العـــرب على تقديم المساعدات فهيئوا قِرَبًا كثيرة ملئوها بالماء ، وحملوها على ظهور جمــالهم حيث قــدموها إلى "الفـــرس".
ولـــم يشر "هيرودوتس" إلى اسم الملك العـربي الذي وافق على تموين الجيش الفارسي بما يحتاج إليـه في حملته على مصـــر بالماء ، ولــم يشر أيضـا إلى الأرض التي كــان يحكمها. وقـــد يكـــون هـذا الملك أحــد ملوك "النبط" الــذين كانـــوا يحكمون في أعالي الحجاز وفي الأقسام الجنوبية من الأردن وطور سيناء ، وقـد يكون أحــد كبـــار سادات القبائل العـــربية الكبيرة في طـــور سيناء ، حيث كان لــه سلطان واسع كبير على الأعــراب الساكنين في هـــذه الأرضين.
وأشار "هيرودوتس" في معـــرض كـــلامه على تــزويد العـــرب "قمبيز" بالماء ، إلى وجود نهر عظيم في بلاد العـــرب ، دعاه : "كوريس" "قوريس" "Corys" ، زعم أنه يصب في "البحر الأريتري" "البحر الأرتيري" "Erythraean Sea" أي البحـــر الأحمر ، قائلًا : إن هناك من يزعم أن ملك العـــرب عمــل أنبوبًا من جلـــود الثيـــران والحيوانات الأخـــرى لنقـل المياه مـــن النهر إلى صهاريج ، أمـــر بحفرهـا وعملها في الصحراء لخـــزن الماء فيها ، وإن هناك ثـــلاثة خطوط مــن هـــذه الأنــابيب تنقـل الماء إلى مسافة اثني عشر يومًا من النهر إلى موضـــع هـــذه الصهاريج.
ولا يعقل أن يكــون في بلاد العـــرب نهـــر على الـوصف الـــذي ذكـــره "هيرودوتس" في ذلك العهد , كما أن الأنابيب المذكـــورة الممتدة إلى تلك المسافات المـذكورة ، هي مــن مخيلات القصاص الذين أخـــذ منهم ذلك المؤرخ خبره. والظاهـر أن الذين حـــدثوه عــن ذلك النهـر ، كانــوا قـد سمعـوا أو شاهـــدوا السيـــول التي تصب في البحــر الأحمـر في مواسم الأمطــار الشديدة ، فتصوروها أنهارًا عظيمة تجـــري طـــول السنة.
أما الصهاريج، فإنها معروفة في بلاد العـــرب ، ولا سيما شمـــال العـــربية الغـــربية ، تــأتي إليها ميـــاه الأمطار فتملؤها ، وتغطي فتحاتها، فلا يعرف مواضعها إلا أصحابها ، فــإذا داهمهم عـــدو ، سدُّوا منافذها، فلا يصل إلى مائها أحــد.
والظاهـــر أن الــذين أمــدوا الفــرس بالماء كانـــوا يأخذونه من الصهاريج المنتشرة في مختلف الأماكن ، ومــن هنــا ظهرت أسطورة نقل المياه إليها من ذلك النهر , في ثلاثة خطوط من الأنـــابيب المصنوعة مــن الجلــود.
وذكـــر "هيرودوتس" في أثناء الكلام على "دارا" "داريوش" "داريوس" "Darius" ، أن جميـــع سكـــان آسيا الــذين أذلهــم "كيرش" "كورش" ثــم "قمبيز" بعده قد اعترفوا بسلطانه إلا العــرب , فهؤلاء لم يخضعوا كالرقيق ألبتة لسلطان الفرس ، وإنما كانوا قد تحــالفوا معهــم ، وأصبحـوا حلفـــاء وأصـــدقاء لهم منـذ مهدوا الطـــريق لقمبيز للوصول إلى مصــر. ولو كانت علاقاتهم غيــر ودية معهم , لما تمكن الفـرس من القيام بذلك الغزو. وأثنى هــذا المؤرخ على إباء العـرب ، وعلى شهامتهم ، وعلى محافظتهم على الوعـــد والعهود.
وذكــر "هيرودوتس" أن الأرضين بين "Phoenicia" ، أي "فينيقية" ومدينة "Cadytis" ، كـــانت تابعــة "للسريان الفلسطينيين" "Palaestine Syrian" , أمــا الأرضون بين مـــدينة "Cadytis" وموضـــع "Jenysus" "Ienysos" فقد كانت تابعة للملوك العرب، ويريد بهــم عــددًا مــن سادات القبــائل ولا شك.
ويـــرى "جيمس رنل" "James Rennell" أن مـــدينة "Cadytis" هي القـــدس , ويـــرى آخـــرون أنهـا "غـــزة".
وأمـا "Jenysus" فهي "خــان يونس" في جنوب غربي "غـزة" على رأي "جيمس رنل".
يتبين من قول "هيرودوتس" هـذا أن العرب كانوا في أيـــام "قمبيز" أي : قبــل الميلاد بعدة قـــرون ، في هـذه المنطقة من فلسطين , وأنهم كانـــوا قد انتشروا في "طور سيناء"، ونزلوا المنــاطق الشرقية مــن مصـــر حتى ضفة نهر النيل , ولهـــذا السبب أطلق عليها اسم "العربية" دلالةً على توغل العـــرب فيها.
لقـــد كـــانت "غـــزة" مـــدينة عـربية يحكمها ملوك عـــرب , وقد كانت في حكـــم مــلك عـــربي في أيـــام "هيرودوتس" ، وكـانت كــل الأرضين الواقعـــة بيـن "غـــزة "وبين "Rhinokolura" تحت حكم العــرب أيضا وذلك منـــذ أيام الفلسطينيين.
وقــد كان يحكـــم "غـــزة" في أيــام "هيرود الكبير" ملك من أهل غـــزة , وقد كانت "غـزة" قبيل الإسلام وعند ظهوره فُرْضَة العــرب ، يقصدها أهل العـــربية الغربية للبيــع والشراء , ولا أستبعد أن تكون "غــزة" فرضة عرب العربية الغربية في هذا الوقت أيضا. وقــد كـان تجـــار العـــربية الشرقية يقصدونها أيضا على الرغـم من بعــد المسافة واتساع الشقة، فقد كان أهل "الجرعاء" "جرها" "Gerrha" يقصدونها ، حاملين معهــم تجـــارة الهند وما وراء الهند، فتأخذهم إبلهم عــن طـــريق الواحـــات والآبـــار إلى "دومة الجندل" ومنهـا إلى جنـــوب فلسطين فغـــزة , حيـث يبيعون مــا عندهم ويشترون ما يحتاجون إليــه مــن حاصلات البحر المتوسط , ثــم يعــودون بأمــوالهم الجــديدة إلى بلادهم لبيعها هنـــاك ، أو لشحنها إلى مــا وراء الخليج مـن أرضين.
وفطن "دارا" لخطــورة المشروع القديم، مشروع ربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر عن طريق نهر "النيل" فاحتفره.
وقــد وضـــع أساس هـــذا المشروع "رامسيس الثاني" ، غير أنه امتلأ بعد ذلك بالرمال مرارًا ، فاحتفره من جاء مــن بعـــده مــن الملوك.
وذكـــر "هيرودوتس" أن الفـــرعون "نخو" "Necos" كان قد أرسل بعثة دخلت الخليج العـــربي ، أي :
البحــر الأحمر في اصطلاح اليـــونان عــن طــريق القناة التي حفــرت بين النيل وهذا البحر ، وكانت هذه البعثة من "الفينيقيين" للبحث عـن أعمـــدة "هـــرقل" "Hercules".
ويـــرى بعض الباحثين احتمال كــون الملك الــذي حكـــم "غـــزة" في هـذا العهــد, ملكًا مــن ملــوك اللحيانيين.
واهتــم "دارا" بأمــر التجارة البحرية فأمـــر "Skylax" مــن اليونانيين بالذهــاب إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي لكشف تلك المناطق وتكــوين صـــلات تجـــارية معها ، فوصل هذا المكتشف اليـــوناني -على رواية هيرودوتس- إلى الهند.
وهــو بذلك أول يــوناني يبلغنا خبره حتى الآن , يدخـــل البحـــر الأحمـــر ويطوف حول جزيرة العرب للوصول إلى الهند.
ويفتخر "دارا" في كتــابته التي أشار فيها إلى مشروع القناة، بأنه استطاع أن يسير السفن عبــرها من مصر إلى أرض فارس, وقد كانت هذه الخطوة مــن أعظـــم الخطـــوات في تـــأريخ العالـــم ، ولا شك.
وقــد أثرت تأثيرًا خطيرًا في التجارة العــربية في البحار ، إذ فتحت البحر الأحمـــر والبحـــر العـــربي والمحيط الهنـــدي لمنافسين أقـــوياء ، صـــار بإمكانهم شراء تجارة أفريقية والهند وسواحـل جـــزيرة العـــرب بأسعـــار رخيصة , لبيعها في الأمـــاكن التي تريدها والتي كـــانت تشتريها بأثمان عـــالية ، وبــذلك أخـــذت من التجار العـــرب جـــزءًا كبيـــرًا مـن أرباحهم وألحقت بتجارتهـــم مـــع البحـــر المتوسط ضـــررًا لا يستهان بــه.
ولما تحدث "دارا" عن الأرضين التي خضعت لحكمه ، أدخـــل "عـــرباية" "أرباية" "Arabaya" في جملة تلك البـــلاد , وقـد دعــاها بـ"ماتو أريبي" "Matu A-ra-bi" في النص البابلي. ولـم يقصد "دارا بـ"عرباية" كل البلاد العـــربية ، أي جـزيرة العرب وبـــادية الشام، وإنما أراد بها بادية الشام، كما تحدثت عن ذلك في شرح المراد من "ماتو أريبي" في الكتابات المسمارية.
وقــد كانت هــذه البادية مثل جزيرة العـــرب مـــوطنًا للأعــراب منذ وجد العـــرب.
وقد ذكر "هيرودوتس" أن بلاد العرب كانت تقــدم جزية سنوية من الطيب إلى "دارا" , إلا أنــه لـــم يحدد مكان البـــلاد العـربية ، ولم يشر إلى العرب الذين دفعوا هذه الجزية. ولما كانت هـذه الجزية طيبًا ، فإنها تحملنا على التفكير في أن العــرب الذين دفعوها كانـــوا من رجـــال القـوافل المتاجرة التي تـأتي بتجارة العـــربية الجنوبية لبيعها في بــلاد الشام ومصــر ، وكان الطيب والبخــور مــن أهـــم المـــواد الرائجة في أسواق تلك البلاد. وهذه الجـــزية لـم تكـــن بالمعنى السياسي المفهوم الــذي يـــدل على خضـــوع العـــرب للفـــرس , وإنما كانت جعالة سنوية تــدفع للسلطات الحاكمة على تلك الأســـواق مقـــابل السمـــاح لها بالاتجـــار ، أو أن "هيرودوتس" عنى ببـــلاد العـــرب الأرضين التي كـــان يسكنها العـــرب ودخلت تحت حكم الفرس ، وعنى بالعرب الذين دفعوها بعض القبائل العربية التي كانت تقيم في مصـــر أو طـــور سيناء أو بـادية الشام.
ويـــلاحظ أن "هيرودوتس" كان قــد ذكــر ، كما بينت قبل قليل، أن العرب لم يخضعوا للفـــرس في أيام كورش ولا في أيام قمبيز، وإنما كانوا حلفاء الفـــرس.
فيظهر من كلام "هيرودوتس" الأخير أن العـــرب الـذين خضعوا للفـــرس ولدارا , هـم من أعـــراب بادية الشام ومــن كـــانت منـــازلهم وديارهم في فلسطين وفي طـــور سيناء.
ويـــرى بعض المؤرخين أن "العربية" التي خضعت لحكـــم "دارا" لـــم تكن جزيرة العـرب ، وإنما منطقة الجزيرة الواقعـــة بيــن "بابل" وآشور ، مثــل منطقة "سنجار" "Singara" و"الحضر" ، وكان العـــرب قـد توغلوا فيها.
وقـــد ورد في خبـــر للمـــؤرخ "أكسينوفون" "Xenophon" وفي كتابة لـ" كيرش الثاني" "Kyros II" "Kyrush II" ، ما يفيـــد أن العـــرب كانـوا قد خضعوا لحكم الأخمينيين. فـــورد في كتـــابة "كيرش" مثلًا : "ملـــوك الأرضين الغـــربية الـــذين يقطنون في الخيام"، وذلك في جملة مــن اعتـــراف بسلطان الملك عليهم. غيـــر أن هـــذه الإشارات لا تفيـد أن العـــرب كانـــوا قــد خضعوا لهم مدة طويلة، كما أنها لا تــدل على خضوع حقيقي لهم ، ولا سيما وقد ذكرنا أن "هيرودوتس" قد صرح أن العرب لم يخضعوا لحكم الفرس.
وأشار "هيرودوتس" إلى وجود فرقة عسكـــرية مـن العـــرب في الجيوش الفارسية التي كانت بمصر ، كان على رأسها قائد فارسي دعاه "أرسامس" "Arsames"، وقـــال :
إنـــه أحـــد أولاد "دارا".
ويظهر أن هـــؤلاء الجنـــود هـــم من عرب مصر ، أي : من العرب القاطنين هنـــاك ، ولعلهم مــن سكان الأرضين المحصورة بين النيل والبحر الأحمر.
وقد كان العرب ينزلون هذه المنطقة والمنطقة شرقي النيل وجنوب البحر المتوسط والمتصلة بطور سيناء منذ القديم.
فالعـرب كانوا من قدماء سكان مصر لا كما يتصور بعضهم من أنهم دخلوا مصر في الفتح ، وأنهم لذلك غرباء لا صلة هنـــاك بينهـــم وبيـن المصريين قبـــل الإسلام.
والمعـــروف أن "الهكسوس" الـــذين حكموا مصر كانوا من العرب في رأي كثيــر من العلماء ، بل في نظر قدماء المصريين ، كمـــا حكى ذلك الــراهب المصري المـــؤرخ "مانيتو" "Manetho" في كتـــابه المـــؤلف باليونانية في القـــرن الثـــالث قبـــل الميـــلاد.
وقــد ذهـــب بعض الباحثين إلى أن "هيرودوتس" قصد بـ"العرب" "النبط غيـر أن بعضًا آخــر يخالف هذا الرأي ويعترض عليه ، فيرى أن "النبط" لــم يظهروا ظهورًا بينًا إلا في أواخر أيام "الأخمينيين" ، وكـــان ظهــورهم في "بطرا" "Petra" ومــا حـــولها.
أما مملكتهم فلـــم تقــم إلا في القرن الثاني قبل الميلاد , ولهذا فإن العرب الذين قصدهم المـؤرخ اليوناني هــم عرب آخرون، وإن الأرض التي أرادها ذلك المـــؤرخ هي: طـور سيناء حتى شواطئ نهر النيل.
وظهـــر مــن الإشـارات الـــواردة في التـــوراة ، أن عـــرب الضواحي كانوا يقيمــون في مستوطنات ، عـــرفت بــــ"حاصير" "حازير" "حاصور" "حصور" "Haser" في العبـــرانية, ومعناها : "محاط".
وقـــد كانوا أشباه بــدو في الواقـــع, أناخوا في هـــذه المواضع واستقروا بها وامتهنوا الـــرعي.
وكـــان الجنــود العـــرب يلبسون كما يقــول "هيرودوتس" نوعًا من الثياب يسمى "زيرا" "Zeira"، وهي ثيـــاب طـــويلة تشد عليها الحُـــزُم , ويحمل مرتدوها على أكتـــافهم اليمنى قِسِيًّا طـــوالًا. أما في حاله عدم استعمالها فيعلقونها على طهورهم. والظاهر أن هــذه الكلمة هي تحـــريف "السِّيرا", و"السِّيرا" : "ضرب من البرود، وقيل: ثـــوب مسير ، فيـه خطوط تعمل من القز كالسيور. وقيـل : بــرود يخالطها حـــرير. وقيـــل : هي ثيـــاب اليمن". ويـــلاحظ أن الثياب المخططة كانت ولا تـــزال شائعة بين شعـوب الشرق الأدنى ، فـلا تستبعد أن تكـــون كلمة "Zeira" تصحيفًا أو تحريفًا للسيراء وهي أقـــرب إليها من لفظة "إزار" أو مئــزر على مــا أرى.
وقـــد ألف الفـــرس -بالإضـــافة إلى الجنود العـــرب المشاة- كتائب عربية من الهجانة تقاتل على الإبل، يلبسون ملابس المشاة ، ويحملون أسلحتهم. يقـــول "هيرودوتس" :
إنهــم كانـــوا يوضعون في مؤخـــرة الفرسان, تجنبًا لانزعاج الخيل إذا ما سارت مـــع الإبـــل.
وقــد استعملت دول أخـــرى كتــائب عــربية من الهجانة في جملة القوات المحاربة؛ للعمل في البوادي خاصة حيث يصعب على المشاة والفرسان اجتيازها وتعقب الأعراب. ولا تزال كتائب الهجانة محافظة على حياتها بين القوات المحاربة، ولحماية الحدود الصحراوية حتى الآن.
وقـد ألف العـــرب فــرقة محاربة من الرمـــاة بالسهام ومــن المقاتلين اشتركت في جيش "أحشويرش" "Xerxes" "485-465 ق. م.".
وقـــد أدخل الملك "أحشويرش" "العربية" "Arabia" في جملة البلاد التي كانت قد خضعت لحكمه ، وذلك في نص من أيامه عثر عليه.
وقــد ذكـــر "العـــربية" بعـــد موضع "Maka" وقبل موضع "Gandara".
__________