الفِريضَه
قال الله تعالى في محكم كتابه العظيم :
ياداودُ ِانّا جعلناك خليفةً في الارضِ فاحكُم بين الناسِ بالحق ولاتتَّبع الهوى فيُضلك عن سبيل الله ان الذين يضلُون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نَسُوا يوم الحساب .\ص\27
الحاكم المقصود هو القاضي الذي درس الشرائع والسُّنَن والقوانين،واستلهم منها ما يُوسع مداركه ويزيد من قدرة استيعابه لنواحِ الحياة لمعالجة مايخرج منها من قَيحٍ وقُبحٍ مُقتدياً بأحكام كتاب الله وسنة رسوله الكريم ً وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام.
والإقتداء بالنبي "ص" واجب لأّنَّهُ الأوعى والأعرف بالقيمة الروحية التي يمثلها الإسلام في تقييم الأحداث والأشخاص على أساس التقوى التي تجمع الإيمان والعمل..
ونقلاً عن النبي محمد"ص"..انه قال: " لا يقبل الله صلاة إمام حكم بغير ما أنزل الله "...
و في سند آخر أنَّهُ:" لا يقبل الله صلاة إمامٍ جائر ".
وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه أنه: قال رسول الله "ص":" القضاة ثلاثة: قاضٍ في الجنَّة وقاضيان في النار،قاضٍ عرف الحق فقضى به فهو في الجنة،وقاض عرف الحق فجار متعمداً فهو في النار، وقاضٍ قضى بغير علمٍ فهو في النار ".
فقالوا فما ذنب الذي يجهل؟: قال: " ذنبه ان لا يكون قاضياً حتى يتعلَّم ".ويذكر الميزان: ان القضاة اربعة.
إذن فالقاضي ربما يَذبح بغير سكين.، وعليه ان يكون يوماً في القضاء، ويوماً في البكاء على نفسه..لأنَّهُ مسؤول امام الله في حكمهِ.
كيف إذَن ...إذا كان القاضي أو الحاكم او الوالي لا يقرأ ولا يعرف القراءة والكتابة ، أو لم يدرس الأحكام الشرعية..لكنَّهُ يفتي ويقرر وتحترم الناس قراره ؟!.
ذلك هو ( الفَتْوه أو الفِريضَه،أو العارفه) بالمفهوم القبلي والعشائري .
* فهل يُولد " الفريضه" " فِريضَه " بالفطرة ؟
*هل الحياة أمامه كتاب مفتوح َيقرأه ويستوعب بيانه؟
*هل مثواه النار اذا ما حكم فأصلح ؟
كلّنا سمعنا بحمد آل حمود ـ رحمه الله ـ وأقران له آخرين لهم باع طويل في الفتوى بدون تعليم مسبق!.. واليك واحدة من حكم الفطرة :ـ
حضر حمد آل حمود وعلي آل صوَيِّح في مجلس لآل كاشف الغطاء في النجف، ووجدا متخاصمين يشكو أحدهما الآخر حول عائدية مهرة ولدتها أمها ليلاً ، وادعى المتخاصمان ان لديهما فرسين متشابهين ( معشرات ) حوامل وِلِدتا بنفس الليلة.وقد ماتت احدى المولودتين ،ولا يعرفان أيهما ولدت المهرة الحيَّة .؟
وكلاهما يدعي المهرة له ؟!
احتار الحكم الدارس في حل هذا النزاع . فقال حمد (ا خذوا المهره وامهاتها للشط وشوفوا ياهو التورد وره المهره هيه امها)!!
ويروي الرواة عشرات الفتاوى اعتماداً على النباهة الفطرية وعمق التفكير ، والمنطق لحل قضايا شائكة لا يقع حلّها بين دفَتي قانون مدوَّن ..اليك مثلاً قصة الضرتين ولنسمهما (حلوه ومُرَّه ) حيث قامت حلوه بخنق ولدها الرضيع في أثناء نومه ونوم شقيقه(حسن) الأكبر منه سناً.
وما كان بنائم ولكن لاحظ الجريمة وسكت ..وظنته نائماً.
وأسرعت شاكية لزوجها بأنَّ ضرَّتها مرّه قتلت ولدها الصغير .
اجتمعت عشيرتا المدعوتين في ديوان الفريضه وشرحوا أصل الشكوى" للفتوه" وانه لا يوجد شاهد إثبات .
قضى الفريضه استدعاء الضرتين ليسألهما كلاً على انفراد.
قال لوالدة المجني عليه( حِلْوَه) (أريد منِّج ترفعين ثوبج الى ما فوق الحجل وتدخلين الديوان،وتمرين بين الزلم من الطول للطول ، تكدرين؟).
أجابته: سهله ..أفوت .
استدعى (مرّه) وطلب منها ذات الطلب فأجابته لا. ما أفوت ،وانا القاتله، والعشيرة تجمع الفصل وما افوت .).
قال الفريضه حِلْوَه هيّ الكتلت ابنها).
فصاح ولدها حسن: (وآني أشهد ).
من هذا نستنتج : ان هناك ضرورة لوجود الفريضه في المجتمعات العشائرية ، ولربما لسواها.
في العصور البعيدة او القريبة تفككت بعض عُرى الفضيلة بسبب السياسات الدولية ،ومعاقبة الشعوب اقتصادياً،وقياس لقمة العيش بمقاييس سياسية الأمر الذي أفرز حالات اجتماعية متصاعدة في الجريمة والتحلل وذبول الخصال الحميدة للشعوب والأمم..
.... يتبع...