عقوبة القتل العمـد:
جريمة القتل العمد من أخطر الجرائم وأشدّها إخلالاً بالأمن، ولذا فعقوبتها من اقسى العقوبات، وغالباً ما تكون بإِعدام القاتل.
إذا نظرنا الى القانون الروماني القديم رأيناه يعطف على الجاني اذا كان من الأشراف، فيرفع عنه القتل ويكتفي بنفيه.،وإذا كان من أواسط الناس تقطع رقبته، وإذا كان من الطبقة الدنيا كانت عقوبته الصلب ، ثم غيرت بإلقائه في حضيرة حيوان مفترس، ثم غيرت بالشنق .
والعرب قبل الإسلام تقتل القاتل، ولكنهم كانوا يسرفون في تطبيق هذا المبدأ حتى يكاد يدفعهم هذا العسف الى الحروب، بل تكاد تنتهي بفناء تلك القبائل.
فجاء الإسلام بتشريعه العادل في عقوبة القتل: قال الله تعالى ياأيها الذين آمنوا كُتبَ عليكم القصاص في القتلى، الحرُ بالحرِ والعبدُ بالعبدِ والأُنثى بالأنثى ، فمن عُفي لهُ من أخيهِ شيء فاتباعٌ بالمعروف وأداءٌ اليه بإحسان. ذلك تخفيفٌ من ربكم ورحمة، فمن اعتدى بعد ذلك فله عذابٌ أليم. ولكم في القصاص حياةٌ يا أُوُلي الألباب لعَلَّكُم تتقون |.
هذا هو حُكم القرآن الكريم ..أن يُفعل بالقاتل مثلما فَعل. فالحر بالحر ....
وفي هذا إبطال لما كان جارياً في جزيرة العرب من أنه :ـ إذا قتل شخص من قبيلة ضعيفة شخصاً من قبيلة أقوى لا ترضى هذه إلاّ أن تقتل معه أشخاصاً من شيعته، أو تقتل بريئاً أو, يأخذون الإنسان بالبهيمة.
والإسلام لم يُحَتِّم عقوبة القتل.
بل خَيَّرَ ولي القتيل بين القصاص والعفو عن القاتل مع أخذ الديَّة " فمن عفي له من أخيه شيء ".. والمراد بالشيء هو العفو.
وقد عبَّر الله تعالى عن " العافي " بلفظ "الأخ " تذكيراً بالإخوِّة البشرية والدينية ، وأريحية المروءة الإنسانية.
وقد كتب الله تعالى على اليهود القصاص وحده، وحرَّم عليهم أخذ الدية والعفو.
وقد كَتَبَ الله على النصارى: العفو ، وحَرَّمَ عليهم الديَّة والقصاص.
وخير الله المسلمين بين القصاص والعفو واخذ الدية توسعة عليهم ,وتيسيراً وتفضيلاً لهم على غيرهم .
فالقصاص بمعنى تَتَبُع الدم او تتبع الأثر ،وفي شرع الدية نفع لأولياء المقتول،والعفو تسهيل عن القاتل.والله اعلم.
"واتباع المعروف واداء إليه بإحسان "وصَّية من الله لولي المقتول ان يتبع عفوه بالمعروف فلا يثقل عليه بالبدل ولا يحرجه بالطلب،ووصية منه للقاتل بأن يؤدي الديّة باِحسان ,أي لايماطل و لايبخس فيها.
وان "ذلك تخفيفٌ من ربكم ورحمة" فهو إمتنان من الله على عباده فهو تخفيف عن القاتل ونفع لأولياء القتيل.
وجاء في التفاسير الكثيرة ان "فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم "هو تحذير لمن يرجع بعاطفة الغضب الى قصد الإنتقام فيقتل "اخاه"الذي عفا عنه "أي ما تسمى في يومنا هذا |عكبه على فصل| "فله عذاب الدنيا و الآخرة أي قصاص الدنيا و عذاب الله في الآخرة.
و هناك عقوبة آخرويه هي العذاب يوم القيامة للقاتل والخلود في هذا العذاب المرير.
قال تعالى :
[و من يقتل مؤمنا مـتعمداً فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه وأعدََّ له عذاباً عظيماً] النساء :93.
وعلى وجه التعميم قال تعالى :
"انه من قَتَلَ نفساً بغير نفسٍ أو فساداً في الأرضِ كأنما قتل الناس جميعاً"المائدة :32 .
وقال رسول الله ص: في رجل مسك رجلا وقتله آخر:
اقتلوا القاتل ,و اصبروا الصابر .
أي اقتلوا القاتل و احبسوا الذي مسك الرجل حتى يموت .
و قال "ص":[اذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل و المقتول بالنار ].
فقيل :هذا القاتل .فما بال المقتول ؟
قال :انه كان حريصا ًعلى قتل صاحبه .
عقوبة القتل الخطأ:
اما القتل الخطأـ غير المقصود ـ [الخَطوه ] فقد بينته الآية القرآنية [و ما كان لمؤمن ان يقتل مؤمناً إلاِِ خطأ ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة وديَّة مسلَّمة الى اهله الا أن يصدّقوا ]النساء :92 .
ويذهب المفسرون: ان ليس من شأن المؤمن ولا خُلقه ان يقتل احداً من المؤمنين لكن قد يفعل ذلك خطأً كأَن أراد رمي صيدٍ أو غرض فأصاب مؤمناً فقتله، وكذا إذا ضرب إنساناً بالعصى قاصداً تأديبه فقتلته الضربة ...كان القتل قتل خطأ.
وحدد الله تعالى عقوبة قتل الخطأ..إذْ على القاتل تحرير نفس مؤمنة من الِرقِ.،وإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين. وفي باب آخر دفع كفّارة،أي إطعام ستين مسكيناً توبة الى الله وهذا تخفيف من الله في حق غير المستطيع. وأن يدفع ديَّة الى أهل المقتول..فإذا أسقطها أهل المقتول سقطتْ.
والديَّةُ ما يُعطى من المال عوضاً عن النفس أو العضو أو غيرهما.
وهناك إجتهاد يقول : المؤمن لا يقتل مؤمناً وحُرِّمَ ذلك إلاّ في القتل الخطأ، ولكن بزعم ان المقتول كافر جائز القتل مثلاً فلا حرمة مجعولة هناك... (الميزان في تفسير الفرآن للسيد الطباطبائي) م3|40.
وإن قوله تعالى| إلاّ خطأً| على حقيقة الإستثناء لا يؤدي الى رفع الحرمة عن قتل الخطأ. وبهذا إن كان المقتول خطأ مؤمناً وأهله كُفّار محاربين لا يرثون، وجب تحرير رقبة ولا ديّة إذ لا يرث الكافر المحارب من المؤمن شيئاً.
وإن كان المقتول من قوم لهم ميثاق وعهد مع قوم القاتل المؤمنين وجبت الدية بقوله تعالى وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق |.
ومن هذا يظهر ان الإسلام يرى الحرية حياة والإسترقاق نوعاً من القتل، ويرى المتوسط من منافع وجود الفرد هو الديَّة الكاملة.
سبحان الله لقد فصَّل الآيات ,ووضع أحكاماً لأمهات الجرائم في كتابه العزيز ,وترك للمؤمن الخيار بأن ينحو منحى الفضيلة او ينحدر في مبطلات الإيمان ...
كانت سُنَّةُ عرب الجاهلية القتل بالقتل بأخذ الثأر,او مئة بعير مختلفة السن او يدفع ثمنها,وتقدر بألف دينار.ووصلت الدية الى مئتي دينار ذهب ويقاس دينار الذهب بثلاثة مثاقيل ذهب.
على ان المُتَّبع في قتل الحر المسلم عِدَّة خصال مُخير فيها و هي :
ـ مئة بعير فحل من سمان الأبل .
ـ مئتا بقرة ـ والظاهر عدم الفرق بين الذكر والانثى .
ـ مئتا حلّة،وكل حلّة ثوبان ومن قماش معتد به.
ـ الف دينار .ويراد به الدينار الذهبي المسكوك بسكة المعاملة ووزنه مثقال شرعي واحد ثمانية عشر حَبَّه،وهو يساوي ثلاثة ارباع المثقال الصَّيرَفي والذي يساوي أربعاً و عشرين حبه .
ـ عشرة آلاف درهم ويراد به الدرهم من الفضة المسكوكة بسكة المعاملة .
ـ ألف شاة والظاهر كفاية الف رأس من الغنم سواء كان من الضأن او المعز ومن الذكور او الإناث .لكن لاينبغي ان تكون صغيرة بحيث لا يصدق عليها العنوان ،ولا مريضة ويجب دفع الديَّة من أموال مُخَمَّسَة ومزكّاة (فقه العشائر \السيد محمد الصدر)وليست من مجهول المالك وإلاّ بقيت الذمة مشغولة بها.
كان هرم بن سنان يتحدث مع أبناء قبيلته ,اذ جاءه احد أولاده مرتبكاً وقال لأبيه:يا أبتاه ان شقيقي فلانا قد قتل أخي فلاناً .فقال له والده :لقد قطعت يد اليمين يد اليسار ،ادفع لوالدته مئه بعير لأنها غريبة ليست من عشيرتنا . واستمَرَّ بحديثه.
"الفصل" مئة بعير او ذهب ..هكذا كانت دية القتل في الجاهلية ودأبَ عليها الإسلام احتراماً للعادات والتقاليد العربية التي سادت قبل بدء الرسالة المحمدية المطهرة.
وليس غريباً أن تبقى بعض سُنَنِ العصر الجاهلي سائدة في عصر الرسالة الإسلامية ولم يلغها التشريع الإسلامي لأّنها ليست حكماً سماوياً، بقدرما هي عُرفٌ قبليٌ لضبط الحياة والحدّ من جريمة القتل والإعتداء. يرى الإسلام ان الأخذ به مناسب حسب المنهج الجديد للحياة وهو يتطور بتطور الحياة .
وعلى سبيل المثال ان الرسول "ص" بارك حلف الفضول الذي أنشأهُ كبار رجال مكة ـ قبل الإسلام ـ لنصرة المظلومين وحمايتهم من ظالميهم ،وقدأُنشأً لكثرة حوادث الظلم الإجتماعي. ولكن الحلف لم ينجح في تحقيق الغرض من إنشائه، وعندما جاء الإسلام أوكلَ مهمته الى القضاء والعدالة.
*أمّا في عصرنا الراهن...فقدكَثُرَت السُّنَن وذهب كل رئيس عشيرة ،ورئيس فخذ بسانية عَدَّها من أحسن السنن وأقربها الى حكم القرآن !!.يبدأها بذكر آيٍ من الذِكر الحكيم،ويضمنها أحكاما حسب اجتهاده ومقتضيات المرحلة، ويوقع عليها أجاويد العشيرة أو الفخذ.
*وغالباً ما تنضوي "الحمايل"وهم الرهط من عشائر اخرى تحت سانية "ا لسَّلَف " الذي تسكنه عشيرة كبيرة وتعمل ضمن سانيتها لتأمين محيط آمن لها ولعلاقاتها العامة.