ما قاله إبن خلدون عن بنو هلال
(أهم مآثر هؤلاء الهلاليين ذلك أنهم ربطوا المغرب العربي ببقية العالم العربي لغة و شعبا ذلك أن العرب قبل الهلاليين كان عددهم قليلا و مستقرين في الحواضر الكبرى كتونس و القيروان و كانت اللغة الغالبة على السكان هي الأمازيغية فجاء الهلاليون بأعدادهم الهائلة و انتشروا في جميع أصقاع المغرب العربي و عربوا البلاد فأصبح المغرب العربي عربيا خالصا من حيث اللغة و من حيث كثرة السكان العرب و الأمازيغ المستعربين بحيث ينتشر العرب في غالبية مناطق برقة وطرابلس و فزان ليبيا كما يشكلون أغلب سكان الجزائر اليوم إد دحروا قبائل صنهاجة إلى رؤوس الجبال وقبائل زناتة إلى الغرب ( بنو زيان إلى تلمسان وبنو مرين إلى المغرب الأقصى )كما تقلص عدد البربر بإفريقية تونس حاليا وغلب العنصر العربي على التركيبة السكانية فأصبح البربر المحافضين على خصوصيتهم أقلية تعد بعض الألاف بكامل البلاد التونسية وانضم اليهم اخوانهم من عرب الفتح والأشراف من آل البيت ( بنو سليمان في تلمسان و تونس ) فابتلعوا بقايا البربر بالمصاهرة أو المجاورة فأصبحت الجزائر عربية الدم واللسان. كما ينتشرون في مناطق ورديغة و شاوية و وجدة ودكالة وعبدة في المغرب بينما ينتشر المستعربون في مناطق شياظمة و بني ملال و ازيلال وكثير من المناطق المغربية المعربة بفضل بني هلال . لذا يجب النظر إلى التغريبة الهلالية بعين الموضوعية وعدم ترديد أقوﺍل المستشرقين. كانت بطون هلال و سليم من مضر لم يزالوا بادين منذ الدولة العباسية و كانوا أحياء ناجعة محلاتهم من بعد الحجاز بنجد فبنو سليم مما يلي المدينة و بنو هلال في جبل غزوان عند الطائف و ربما كانوا يطوفون في رحلة الصيف و الشتاء أطراف العراق و الشام فيغيرون على الضواحي و يفسدون السابلة و يقطعون على الرفاق وربما أغار بنو سليم على الحاج أيام الموسم بمكة و أيام الزيارة بالمدينة و ما زالت البعوث تجهز و الكتائب تكتب من باب الخلافة ببغداد للإيقاع بهم وصون الحاج عن مضرات هجومهم ثم تحيز بنو سليم و الكثير من ربيعة بن عامر إلى القرامطة عند ظهورهم و صاروا جندا بالبحرين و عمان و لما تغلب شيعة ابن عبيد الله المهدي على مصر و الشام و كان القرامطة قد تغلبوا على أمصار الشام فانتزعها العزيز منهم و غلبهم عليها و ردهم على أعقابهم إلى قرارهم بالبحرين و نقل أشياعهم من العرب من بني هلال و سليم فأنزلهم بالصعيد و في العدوة الشرقية من بحر النيل فأقاموا هناك و كان لهم أضرار بالبلاد و لما انساق ملك صنهاجة بالقيروان إلى المعز بن باديس بن المنصور سنة ثمان و أربعمائة قلده الظاهر لدين الله علي بن الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز لدين الله أمر أفريقية على عادة آبائه كما نذكره لك بعد و كان لعهد ولايته غلاما يافعا ابن ثمان سنين فلم يكن مجربا للأمور و لا بصيرا بالسياسة و لا كانت فيه عزة و أنفة ثم هلك الظاهر سنة سبع وعشرين و أربعمائة وولي المنتصر بالله معز الطويل أمر الخلافة بما لم ينله أحد من خلفاء الإسلام يقال ولي خمسا و سبعين و قيل خمسا و تسعين و الصحيح ثلاث و سبعون لأن مهلكه كان على رأس المائة الخامسة و كانت أذن المعز بن باديس صاغية إلى مذاهب أهل السنة و ربما كانت شواهدها تظهر عليه و كبابة فرسه في أول ولايته لبعض مذاهبه فنادى مستغيثا بالشيخين أبي بكر و عمر وسمعته العامة فثاروا بالرافضة و قتلوهم بالمعتقد الحق و نادوا بشعار الإيمان وقطعوا من الأذان ( حي على خير العمل ) وأغضى عنه الظاهر من ذلك و ابنه معد المنتصر من بعده و اعتذر بالعامة فقبل و استمر على إقامة الدعوة و المهاداة و هو في أثناء ذلك يكاتب وزيرهما و حاجب دولتهما المضطلع بأمورهما أبا القاسم أحمد بن علي الجرجاني و يستميله يعرض ببني عبيد و شيعتهم و كان الجرجاني يلقب بالأقطع بما كان أقطعه الحاكم بجناية ظهرت عليه في الأعمال و انتهضته السيدة بنت الملك عمة المنتصر فلما ماتت استبد بالدولة سنة أربعة عشر و أربعمائة إلى أن هلك سنة ست و ثلاثين و أربعمائة و ولي الوزارة بعده أبو محمد الحسن بن علي الياروزي أصله من قرى فلسطين و كان أبوه ملاحا بها فلما ولي الوزارة خاطبه أهل الجهات و لم يولوه فأنف من ذلك فعظم عليه و حنق عليه ثمال بن صالح صاحب حلب و المعز بن باديس صاحب أفريقية و انحرفوا عنه و حلف المعز لينقضن طاعتهم و ليحولن الدعوة إلى بني عباس و يمحون اسم بني عبيد من منابره ولج في ذلك و قطع أسماءهم من الطراز و الرايات و بايع القائم أبا جعفر بن القادر من خلفاء بني العباس و خاطبه و دعا له على منابره سنة سبع و ثلاثين و أربعمائة و بعث بالبيعة إلى بغداد وصله أبو الفضل البغدادي و حظي من الخليفة بالتقليد و الخلع و قرأ كتابه بجامع القيروان و نشرت الرايات السود و هدمت دار الإسماعيلية و بلغ الخبر إلى المستنصر معز الخليفة بالقاهرة و إلى الشيعة الرافضة من كتامة و صنائع الدولة فوجموا و طلع عليهم المقيم المقعد من ذلك و ارتكبوا في أمرهم و كان أحياء هلال هؤلاء الأحياء من جشم و الاثبج و زغبة و رياح و ربيعة و عدي في محلاتهم بالصعيد كما قدمناه و قد عم ضررهم و أحرق البلاد و الدولة شررهم فأشار الوزير أبو محمد الحسن بن علي اليازوري باصطناعهم و التقدم لمشايخهم و توليتهم أعمال أفريقية و تقليدهم أمرها و دفعهم إلى حرب صنهاجة ليكونوا عند نصر الشيعة و السبب في الدفاع عن الدولة فإن صدقت المخيلة في ظفرهم بالمعز و صنهاجة كانوا أولياء للدعوة و عمالا بتلك القاصية و ارتفع عدوانهم من ساحة الخلافة و إن كانت الأخرى فلها ما بعدها و أمر العرب البادية أسهل من أمر صنهاجة الملوك فتغلبوا على هدية و ثوراته و قيل إن الذي أشار بذلك و فعله و أدخل العرب إلى أفريقية إنما هو أبو القاسم الجرجاني و ليس ذلك بصحيح فبعث المستنصر وزيره على هؤلاء الأحياء سنة إحدى و أربعين و أربعمائة و أرضخ لأمرائهم في العطاء و وصل عامتهم بعيرا و دينارا لكل واحد منهم و أباح لهم إجازة النيل و قال لهم : قد أعطيتكم المغرب و ملك المعز بن بلكين الصنهاجي العبد الآبق فلا تفتقرون و كتب الباروزي إلى المغرب : أما بعد فقد أنفذنا إليكم خيولا فحولا و أرسلنا عليها رجالا كهولا ليقضي الله أمرا كان مفعولا فطمعت العرب إذ ذاك و أجازوا النيل إلى برقة و نزلوا بها و افتتحوا أمصارها و استباحوها و كتبوا لإخوانهم شرقي النيل يرغبونهم في البلاد فأجازوا إليهم بعد أن أعطوا لكل رأس دينارين فأخذ منهم أضعاف ما أخذوه و تقارعوا على البلاد فحصل لسليم الشرق و لهلال الغرب و خربوا المدينة الحمراء و أجدابية و أسمرا و سرت و أقامت لهيب من سليم و أحلافها رواحة و ناصرة و غمرة بأرض برقة و سارت قبائل دياب و عوف و زغب و جميع بطون هلال إلى أفريقية كالجراد المنتشر لا يمرون بشيء إلا أتوا عليه حتى وصلوا إلى أفريقية سنة ثلاث وأربعين و أربعمائة و كان أول من وصل إليهم أمير رياح موسى بن يحيى الصنبري فاستماله المعز و استدعاه و استخلصه لنفسه و أصهر إليه و فاوضه في استدعاء العرب من قاصية وطنه للاستغلاظ على نواحي بني عمه فاستنفر القرى و أتى عليهم فاستدعاهم فعاثوا في البلاد و أظهروا الفساد في الأرض و نادوا بشعار الخليفة المستنصر و سرح إليهم من صنهاجة الأولياء فأوقعوا بها فتمخط المعز لكبره و أشاط بغضبه و تقبض على أخي موسى و عسكر بظاهر القيروان و بعث بالصريخ إلى ابن عمه صاحب القلعة القائد بن حامد بن بلكين فكتب إليه كتيبة من ألف فارس سرحهم إليه و استفرزوا عن زناتة فوصل إليه المستنصر بن حزور المغراوي في ألف فارس من قومه و كان بالبدو من أفريقية مع الناجعة من زناتة وهو من أعظم ساداتهم و ارتحل المعز في أولئك النفر و من لف لفهم من الأتباع والحشم و الأولياء و من في إيالتهم من بقايا عرب الفتح و حشد زناتة و البربر وصمد نحوهم في أمم لا تحصى يناهز عددهم فيما يذكر ثلاثون ألفا و كانت رياح و زغبة و عدي حيدران من جهة فاس و لما تزاحف الفريقان انخذل بقية عرب الفتح و تحيزوا إلى الهلاليين للعصبية القديمة و خانته زناتة و صنهاجة و كانت الهزيمة على المعز وفر بنفسه و خاصته إلى القيروان و انتهبت العرب جميع مخلفه من المال و المتاع و الذخيرة و الفساطيط و الرايات و قتلوا فيها من البشر ما لا يحصى يقال إن القتلى من صنهاجة بلغوا ثلاثة آلاف و ثلاثمائة و في ذلك يقول علي بن رزق الرياحي كلمته و يقال إنها لابن شداد و أولها( لقد زاروهنا من أميم خيال . و أيدي المطايا بالزميل عجال)
( و أن ابن باديس لأفضل مالك ... لعمري و لكن ما رجال)
( ثلاثون ألفا منهم قد هزمتهم ... ثلاثة آلاف و ذاك ضلال)
ثم نازلوه بالقيروان و طال عليه أمر الحصار و هلكت الضواحي و القرى بإفساد العرب و عيثهم و انتقام السلطان منهم بانتمائهم في ولاية العرب و لجأ إلى القيروان و أكثروا النهب و اشتد الحصار و فر أهل القيروان إلى تونس و سوسه وعم النهب في البلاد و العيث في البلاد و دخلت تلك الأرض سنة خمس و أربعين و أحاطت زغبة و رياح بالقيروان و نزل موسى قريبا من ساحة البلد و فر القرابة والأعياص من آل زير فولاهم موسى قابس و غيرها ثم ملكوا بلاد قسطينة كلها وغزا عامل بن أبي الغيث منهم زناتة و مغراوة فاستباحهم و رجع و اقتسمت العرب بلاد أفريقية سنة ست و أربعين و كان لزغبة طرابلس و ما يليها و لمرداس بن رياح باجة و ما يليها ثم اقتسموا البلاد ثانية فكان لهلال من تونس إلى الغرب و هم : رياح و زغبة و المعقل و جشم و قرة و الاثبج و الخلط و سفيان و تصرم الملك من يد المعز و تغلب عائد بن أبي الغيث على مدينة تونس و سباها و ملك أبو مسعود من شيوخهم مومه صلحا و عامل المعز على خلاص نفسه و صاهره ببناته ثلاثة من أمراء العرب فارس بن أبي الغيث و أخاه عائذا و الفضل بن أبي علي المرادي و قدم ابنه تميم إلى المهدية سنة ثمان و أربعين و أربعمائة و لسنة تسع بعدها بعث إلى أصهاره من العرب و ترحم بهم و لحق بهم بالقيروان و اتبعوه فركب البحر و الساحل و أصلح أهل القيروان فأخبرهم ابنه المنصور بخبر أبيه فساروا بالسودان و المنصور و جاء العرب فدخلوا البلد و استباحوه و اكتسحوا المكاسب و خربوا المباني و عاثوا في محاسنها و طمسوا من الحسن و الرونق معالمها و استصفوا ما كان لآل بلكين في قصورها و شملوا بالعيث و النهب سائر حريمها و تفرق أهلها في الأقطار فعظمت الرزية و انتشر الداء و أعضل الخطب ثم ارتحلوا إلى المهدية فنزلوها و ضيقوا عليها بمنع المرافق و إفساد السابلة ثم حاربوا زناتة من بعد صنهاجة و غلبوهم على الضواحي و اتصلت الفتنة بينهم و أغزاهم صاحب تلمسان من أعقاب محمد بن خزر و جيوشه مع وزيره أبي سعدى خليفة اليفرني فهزموه و قتلوه بعد حروب طويلة و اضطرب أمر أفريقية و خرب عمرانها و فسدت سابلتها و كانت رياسة الضواحي من زناتة و البربر لبني يفرن و مغراوة و بني ماند و بني تلومان و لم يزل هذا دأب العرب و زناتة حتى غلبوا صنهاجة و زناتة على ضواحي أفريقية و الزاب و غلبوا عليها صنهاجة و قهروا من بها من البربر و صاروا لهم عبيدا و خدما بباجة و كان في هؤلاء العرب لعهد دخولهم أفريقية رجالات مذكورون و كان من أشرفهم حسن بن سرحان و أخوه بدر و فضل بن ناهض و ينسبون هؤلاء في دريد بن الأثبج و ماضي بن مقرب و نيونة بن قرة و سلامة بن رزق في بني كثير من بطون كرفة بن الأثبج و شاقة بن الأحمير و أخوه صليصل و نسبوهم في بني عطية من كرفه و دياب بن عانم و ينسبونه في بني ثور و موسى بن يحيى و ينسبونه في مرداس رياح لا مرداس سليم فاحذر من الغلط في هذا و هو بني صفير بطن من بطون مرداس رياح و زيد بن زيدان و ينسبونه في الضحاك و مليحان بن عباس و ينسبونه في حمير و زيد العجاج بن فاضل و يزعمون أنه مات بالحجاز قبيل دخولهم إلى أفريقية و فارس بن أبي الغيث و عامر أخوه و الفضل بن أبي علي و نسبهم أهل الأخبار منهم في مرداس المقهى كل هؤلاء يذكرون في أشعارهم و كان زياد بن عامر رائدهم في دخول أفريقية و يسمونه بذلك أبا مخيبر و شعوبهم لذلك العهد كما نقلناهم زغبة و رياح و الأثبج و قرة و كلهم من هلال بن عامر و ربما ذكر فيهم بنو عدي و لم نقف على أخبارهم و ليس لهم لهذا العهد حي معروف فلعلهم دثروا و تلاشوا و افترقوا في القبائل و كذلك ذكر فيهم ربيعة و لم نعرفهم لهذا العهد إلا أن يكونوا هم المعقل كما تراه في نسبهم و كن فيهم من غير هلال كثير من فزارة و أشجع من بطون غطفان و جشم بن معاوية بن بكر بن هوزان و سلول بن مرة ابن صعصعة بن معاوية و المعقل من بطون اليمنية و عمرة بن أسد بن ربيعة بن نزار و بني ثور بن معاوية بن عبادة بن ربيعة البكاء بن عامر بن صعصعة و عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان و طرود بطن من فهم بن قيس إلا أنهم كلهم مندرجون في هلال و في الأثبج منهم خصوصا لأن الرياسة كانت عند دخولهم للأثبج و هلال فأدخلوا فيهم و صاروا مندرجين في جملتهم و فرقة من هؤلاء الهلاليين لم يكونوا من الذين أجازوا القيل لعهد البازوري أو الجرجاني و إنما كانوا من قبل ذلك ببرقة أيام الحاكم العبيدي ولهم فيها أخبار مع الصنهاجيين ببرقة والشيعة بمصر خطوب و نسبهم إلى عبد مناف بن هلال كما ذكر شاعرهم في قوله
طلبنا القرب منهم و جزيل منهم . بلا عيب من عرب سحاح جمودها )
( و بيت غرت أمره منا و بينها ... طرود أنكاد اللي يكودها )
( ماتت ثلاث آلاف مرة و أربعة .. . بحرمة منا تداوي كبودها )
و قال الآخر منهم
( أيا رب خير الخلق من نائج البلا ... إلا القليل انجار مالا يجيرها )
( و خص بها قرة مناف و عينها ... ديما لأرياد البوادي تشيرها )
فذكر نسبهم في مناف و ليس في هلال مناف هكذا منفردا إنما هو عبد مناف و الله تعالى أعلم و كان شيخهم أيام الحاكم مختار بن القاسم و لما بعث الحاكم يحيى ابن علي الأندلسي لصريخ فلفول بن سعيد بن خزروق بطرابلس على صنهاجة كما نذكره في أخبار بني خزروق أوعز لهم السير معه فوصلوا إلى طرابلس و جروا الهزيمة على يحيى بن علي و رجعوا إلى برقة و بعث عنهم فامتنعوا ثم بعث لهم بالأمان و وصل وفدهم إلى الإسكندرية فقتلوا عن آخرهم سنة أربع و تسعين و ثلثمائة و كان عندهم معلم للقرآن إسمه الوليد بن هشام ينسب إلى المغيرة بن عبد الرحمن من بني أمية و كان يزعم أن لديه أثارة من علم في اختيار ملك آبائه و قبل ذلك منه البرابرة من مرامة و زناتة و لواتة و تحدثوا بشأنه فنصبه بنو قرة و ما بعده بالخلافة سنة خمس و تسعين و ثلثمائة و تغلبوا على مدينة برقة و زحف إليهم جيوش الحاكم فهزموهم و قتل الوليد بن هشام و قائدها من الترك ثم رجعوا به إلى مصر فانهزموا و لحق الوليد بأرض النجاء من بلاد السودان ثم أخفرت ذمته وسيق إلى مصر و قتل و هدرت لبني قرة جنايتهم هذه و عفا عنهم و لما كانت سنة إثنتين و أربعمائة اعترضوا هدة باديس بن منصور ملك صنهاجة من أفريقية إلى مصر فأخذوها و زحفوا إلى برقة فغلبوا العامل عليها و فر في البحر و استولوا على برقة و لم يزل هذا شأنهم ببرقة فلما زحف إخوانهم الهلاليون من زغبة و رياح و الأثبج و اتباعهم إلى أفريقية
د مصطفى سليمان ابوالطيب الهوارى
مؤرخ فى أنساب القبائل العربية
رئيس مجلس إدارة جمعية أبناء هوارة الخيرية
(أهم مآثر هؤلاء الهلاليين ذلك أنهم ربطوا المغرب العربي ببقية العالم العربي لغة و شعبا ذلك أن العرب قبل الهلاليين كان عددهم قليلا و مستقرين في الحواضر الكبرى كتونس و القيروان و كانت اللغة الغالبة على السكان هي الأمازيغية فجاء الهلاليون بأعدادهم الهائلة و انتشروا في جميع أصقاع المغرب العربي و عربوا البلاد فأصبح المغرب العربي عربيا خالصا من حيث اللغة و من حيث كثرة السكان العرب و الأمازيغ المستعربين بحيث ينتشر العرب في غالبية مناطق برقة وطرابلس و فزان ليبيا كما يشكلون أغلب سكان الجزائر اليوم إد دحروا قبائل صنهاجة إلى رؤوس الجبال وقبائل زناتة إلى الغرب ( بنو زيان إلى تلمسان وبنو مرين إلى المغرب الأقصى )كما تقلص عدد البربر بإفريقية تونس حاليا وغلب العنصر العربي على التركيبة السكانية فأصبح البربر المحافضين على خصوصيتهم أقلية تعد بعض الألاف بكامل البلاد التونسية وانضم اليهم اخوانهم من عرب الفتح والأشراف من آل البيت ( بنو سليمان في تلمسان و تونس ) فابتلعوا بقايا البربر بالمصاهرة أو المجاورة فأصبحت الجزائر عربية الدم واللسان. كما ينتشرون في مناطق ورديغة و شاوية و وجدة ودكالة وعبدة في المغرب بينما ينتشر المستعربون في مناطق شياظمة و بني ملال و ازيلال وكثير من المناطق المغربية المعربة بفضل بني هلال . لذا يجب النظر إلى التغريبة الهلالية بعين الموضوعية وعدم ترديد أقوﺍل المستشرقين. كانت بطون هلال و سليم من مضر لم يزالوا بادين منذ الدولة العباسية و كانوا أحياء ناجعة محلاتهم من بعد الحجاز بنجد فبنو سليم مما يلي المدينة و بنو هلال في جبل غزوان عند الطائف و ربما كانوا يطوفون في رحلة الصيف و الشتاء أطراف العراق و الشام فيغيرون على الضواحي و يفسدون السابلة و يقطعون على الرفاق وربما أغار بنو سليم على الحاج أيام الموسم بمكة و أيام الزيارة بالمدينة و ما زالت البعوث تجهز و الكتائب تكتب من باب الخلافة ببغداد للإيقاع بهم وصون الحاج عن مضرات هجومهم ثم تحيز بنو سليم و الكثير من ربيعة بن عامر إلى القرامطة عند ظهورهم و صاروا جندا بالبحرين و عمان و لما تغلب شيعة ابن عبيد الله المهدي على مصر و الشام و كان القرامطة قد تغلبوا على أمصار الشام فانتزعها العزيز منهم و غلبهم عليها و ردهم على أعقابهم إلى قرارهم بالبحرين و نقل أشياعهم من العرب من بني هلال و سليم فأنزلهم بالصعيد و في العدوة الشرقية من بحر النيل فأقاموا هناك و كان لهم أضرار بالبلاد و لما انساق ملك صنهاجة بالقيروان إلى المعز بن باديس بن المنصور سنة ثمان و أربعمائة قلده الظاهر لدين الله علي بن الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز لدين الله أمر أفريقية على عادة آبائه كما نذكره لك بعد و كان لعهد ولايته غلاما يافعا ابن ثمان سنين فلم يكن مجربا للأمور و لا بصيرا بالسياسة و لا كانت فيه عزة و أنفة ثم هلك الظاهر سنة سبع وعشرين و أربعمائة وولي المنتصر بالله معز الطويل أمر الخلافة بما لم ينله أحد من خلفاء الإسلام يقال ولي خمسا و سبعين و قيل خمسا و تسعين و الصحيح ثلاث و سبعون لأن مهلكه كان على رأس المائة الخامسة و كانت أذن المعز بن باديس صاغية إلى مذاهب أهل السنة و ربما كانت شواهدها تظهر عليه و كبابة فرسه في أول ولايته لبعض مذاهبه فنادى مستغيثا بالشيخين أبي بكر و عمر وسمعته العامة فثاروا بالرافضة و قتلوهم بالمعتقد الحق و نادوا بشعار الإيمان وقطعوا من الأذان ( حي على خير العمل ) وأغضى عنه الظاهر من ذلك و ابنه معد المنتصر من بعده و اعتذر بالعامة فقبل و استمر على إقامة الدعوة و المهاداة و هو في أثناء ذلك يكاتب وزيرهما و حاجب دولتهما المضطلع بأمورهما أبا القاسم أحمد بن علي الجرجاني و يستميله يعرض ببني عبيد و شيعتهم و كان الجرجاني يلقب بالأقطع بما كان أقطعه الحاكم بجناية ظهرت عليه في الأعمال و انتهضته السيدة بنت الملك عمة المنتصر فلما ماتت استبد بالدولة سنة أربعة عشر و أربعمائة إلى أن هلك سنة ست و ثلاثين و أربعمائة و ولي الوزارة بعده أبو محمد الحسن بن علي الياروزي أصله من قرى فلسطين و كان أبوه ملاحا بها فلما ولي الوزارة خاطبه أهل الجهات و لم يولوه فأنف من ذلك فعظم عليه و حنق عليه ثمال بن صالح صاحب حلب و المعز بن باديس صاحب أفريقية و انحرفوا عنه و حلف المعز لينقضن طاعتهم و ليحولن الدعوة إلى بني عباس و يمحون اسم بني عبيد من منابره ولج في ذلك و قطع أسماءهم من الطراز و الرايات و بايع القائم أبا جعفر بن القادر من خلفاء بني العباس و خاطبه و دعا له على منابره سنة سبع و ثلاثين و أربعمائة و بعث بالبيعة إلى بغداد وصله أبو الفضل البغدادي و حظي من الخليفة بالتقليد و الخلع و قرأ كتابه بجامع القيروان و نشرت الرايات السود و هدمت دار الإسماعيلية و بلغ الخبر إلى المستنصر معز الخليفة بالقاهرة و إلى الشيعة الرافضة من كتامة و صنائع الدولة فوجموا و طلع عليهم المقيم المقعد من ذلك و ارتكبوا في أمرهم و كان أحياء هلال هؤلاء الأحياء من جشم و الاثبج و زغبة و رياح و ربيعة و عدي في محلاتهم بالصعيد كما قدمناه و قد عم ضررهم و أحرق البلاد و الدولة شررهم فأشار الوزير أبو محمد الحسن بن علي اليازوري باصطناعهم و التقدم لمشايخهم و توليتهم أعمال أفريقية و تقليدهم أمرها و دفعهم إلى حرب صنهاجة ليكونوا عند نصر الشيعة و السبب في الدفاع عن الدولة فإن صدقت المخيلة في ظفرهم بالمعز و صنهاجة كانوا أولياء للدعوة و عمالا بتلك القاصية و ارتفع عدوانهم من ساحة الخلافة و إن كانت الأخرى فلها ما بعدها و أمر العرب البادية أسهل من أمر صنهاجة الملوك فتغلبوا على هدية و ثوراته و قيل إن الذي أشار بذلك و فعله و أدخل العرب إلى أفريقية إنما هو أبو القاسم الجرجاني و ليس ذلك بصحيح فبعث المستنصر وزيره على هؤلاء الأحياء سنة إحدى و أربعين و أربعمائة و أرضخ لأمرائهم في العطاء و وصل عامتهم بعيرا و دينارا لكل واحد منهم و أباح لهم إجازة النيل و قال لهم : قد أعطيتكم المغرب و ملك المعز بن بلكين الصنهاجي العبد الآبق فلا تفتقرون و كتب الباروزي إلى المغرب : أما بعد فقد أنفذنا إليكم خيولا فحولا و أرسلنا عليها رجالا كهولا ليقضي الله أمرا كان مفعولا فطمعت العرب إذ ذاك و أجازوا النيل إلى برقة و نزلوا بها و افتتحوا أمصارها و استباحوها و كتبوا لإخوانهم شرقي النيل يرغبونهم في البلاد فأجازوا إليهم بعد أن أعطوا لكل رأس دينارين فأخذ منهم أضعاف ما أخذوه و تقارعوا على البلاد فحصل لسليم الشرق و لهلال الغرب و خربوا المدينة الحمراء و أجدابية و أسمرا و سرت و أقامت لهيب من سليم و أحلافها رواحة و ناصرة و غمرة بأرض برقة و سارت قبائل دياب و عوف و زغب و جميع بطون هلال إلى أفريقية كالجراد المنتشر لا يمرون بشيء إلا أتوا عليه حتى وصلوا إلى أفريقية سنة ثلاث وأربعين و أربعمائة و كان أول من وصل إليهم أمير رياح موسى بن يحيى الصنبري فاستماله المعز و استدعاه و استخلصه لنفسه و أصهر إليه و فاوضه في استدعاء العرب من قاصية وطنه للاستغلاظ على نواحي بني عمه فاستنفر القرى و أتى عليهم فاستدعاهم فعاثوا في البلاد و أظهروا الفساد في الأرض و نادوا بشعار الخليفة المستنصر و سرح إليهم من صنهاجة الأولياء فأوقعوا بها فتمخط المعز لكبره و أشاط بغضبه و تقبض على أخي موسى و عسكر بظاهر القيروان و بعث بالصريخ إلى ابن عمه صاحب القلعة القائد بن حامد بن بلكين فكتب إليه كتيبة من ألف فارس سرحهم إليه و استفرزوا عن زناتة فوصل إليه المستنصر بن حزور المغراوي في ألف فارس من قومه و كان بالبدو من أفريقية مع الناجعة من زناتة وهو من أعظم ساداتهم و ارتحل المعز في أولئك النفر و من لف لفهم من الأتباع والحشم و الأولياء و من في إيالتهم من بقايا عرب الفتح و حشد زناتة و البربر وصمد نحوهم في أمم لا تحصى يناهز عددهم فيما يذكر ثلاثون ألفا و كانت رياح و زغبة و عدي حيدران من جهة فاس و لما تزاحف الفريقان انخذل بقية عرب الفتح و تحيزوا إلى الهلاليين للعصبية القديمة و خانته زناتة و صنهاجة و كانت الهزيمة على المعز وفر بنفسه و خاصته إلى القيروان و انتهبت العرب جميع مخلفه من المال و المتاع و الذخيرة و الفساطيط و الرايات و قتلوا فيها من البشر ما لا يحصى يقال إن القتلى من صنهاجة بلغوا ثلاثة آلاف و ثلاثمائة و في ذلك يقول علي بن رزق الرياحي كلمته و يقال إنها لابن شداد و أولها( لقد زاروهنا من أميم خيال . و أيدي المطايا بالزميل عجال)
( و أن ابن باديس لأفضل مالك ... لعمري و لكن ما رجال)
( ثلاثون ألفا منهم قد هزمتهم ... ثلاثة آلاف و ذاك ضلال)
ثم نازلوه بالقيروان و طال عليه أمر الحصار و هلكت الضواحي و القرى بإفساد العرب و عيثهم و انتقام السلطان منهم بانتمائهم في ولاية العرب و لجأ إلى القيروان و أكثروا النهب و اشتد الحصار و فر أهل القيروان إلى تونس و سوسه وعم النهب في البلاد و العيث في البلاد و دخلت تلك الأرض سنة خمس و أربعين و أحاطت زغبة و رياح بالقيروان و نزل موسى قريبا من ساحة البلد و فر القرابة والأعياص من آل زير فولاهم موسى قابس و غيرها ثم ملكوا بلاد قسطينة كلها وغزا عامل بن أبي الغيث منهم زناتة و مغراوة فاستباحهم و رجع و اقتسمت العرب بلاد أفريقية سنة ست و أربعين و كان لزغبة طرابلس و ما يليها و لمرداس بن رياح باجة و ما يليها ثم اقتسموا البلاد ثانية فكان لهلال من تونس إلى الغرب و هم : رياح و زغبة و المعقل و جشم و قرة و الاثبج و الخلط و سفيان و تصرم الملك من يد المعز و تغلب عائد بن أبي الغيث على مدينة تونس و سباها و ملك أبو مسعود من شيوخهم مومه صلحا و عامل المعز على خلاص نفسه و صاهره ببناته ثلاثة من أمراء العرب فارس بن أبي الغيث و أخاه عائذا و الفضل بن أبي علي المرادي و قدم ابنه تميم إلى المهدية سنة ثمان و أربعين و أربعمائة و لسنة تسع بعدها بعث إلى أصهاره من العرب و ترحم بهم و لحق بهم بالقيروان و اتبعوه فركب البحر و الساحل و أصلح أهل القيروان فأخبرهم ابنه المنصور بخبر أبيه فساروا بالسودان و المنصور و جاء العرب فدخلوا البلد و استباحوه و اكتسحوا المكاسب و خربوا المباني و عاثوا في محاسنها و طمسوا من الحسن و الرونق معالمها و استصفوا ما كان لآل بلكين في قصورها و شملوا بالعيث و النهب سائر حريمها و تفرق أهلها في الأقطار فعظمت الرزية و انتشر الداء و أعضل الخطب ثم ارتحلوا إلى المهدية فنزلوها و ضيقوا عليها بمنع المرافق و إفساد السابلة ثم حاربوا زناتة من بعد صنهاجة و غلبوهم على الضواحي و اتصلت الفتنة بينهم و أغزاهم صاحب تلمسان من أعقاب محمد بن خزر و جيوشه مع وزيره أبي سعدى خليفة اليفرني فهزموه و قتلوه بعد حروب طويلة و اضطرب أمر أفريقية و خرب عمرانها و فسدت سابلتها و كانت رياسة الضواحي من زناتة و البربر لبني يفرن و مغراوة و بني ماند و بني تلومان و لم يزل هذا دأب العرب و زناتة حتى غلبوا صنهاجة و زناتة على ضواحي أفريقية و الزاب و غلبوا عليها صنهاجة و قهروا من بها من البربر و صاروا لهم عبيدا و خدما بباجة و كان في هؤلاء العرب لعهد دخولهم أفريقية رجالات مذكورون و كان من أشرفهم حسن بن سرحان و أخوه بدر و فضل بن ناهض و ينسبون هؤلاء في دريد بن الأثبج و ماضي بن مقرب و نيونة بن قرة و سلامة بن رزق في بني كثير من بطون كرفة بن الأثبج و شاقة بن الأحمير و أخوه صليصل و نسبوهم في بني عطية من كرفه و دياب بن عانم و ينسبونه في بني ثور و موسى بن يحيى و ينسبونه في مرداس رياح لا مرداس سليم فاحذر من الغلط في هذا و هو بني صفير بطن من بطون مرداس رياح و زيد بن زيدان و ينسبونه في الضحاك و مليحان بن عباس و ينسبونه في حمير و زيد العجاج بن فاضل و يزعمون أنه مات بالحجاز قبيل دخولهم إلى أفريقية و فارس بن أبي الغيث و عامر أخوه و الفضل بن أبي علي و نسبهم أهل الأخبار منهم في مرداس المقهى كل هؤلاء يذكرون في أشعارهم و كان زياد بن عامر رائدهم في دخول أفريقية و يسمونه بذلك أبا مخيبر و شعوبهم لذلك العهد كما نقلناهم زغبة و رياح و الأثبج و قرة و كلهم من هلال بن عامر و ربما ذكر فيهم بنو عدي و لم نقف على أخبارهم و ليس لهم لهذا العهد حي معروف فلعلهم دثروا و تلاشوا و افترقوا في القبائل و كذلك ذكر فيهم ربيعة و لم نعرفهم لهذا العهد إلا أن يكونوا هم المعقل كما تراه في نسبهم و كن فيهم من غير هلال كثير من فزارة و أشجع من بطون غطفان و جشم بن معاوية بن بكر بن هوزان و سلول بن مرة ابن صعصعة بن معاوية و المعقل من بطون اليمنية و عمرة بن أسد بن ربيعة بن نزار و بني ثور بن معاوية بن عبادة بن ربيعة البكاء بن عامر بن صعصعة و عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان و طرود بطن من فهم بن قيس إلا أنهم كلهم مندرجون في هلال و في الأثبج منهم خصوصا لأن الرياسة كانت عند دخولهم للأثبج و هلال فأدخلوا فيهم و صاروا مندرجين في جملتهم و فرقة من هؤلاء الهلاليين لم يكونوا من الذين أجازوا القيل لعهد البازوري أو الجرجاني و إنما كانوا من قبل ذلك ببرقة أيام الحاكم العبيدي ولهم فيها أخبار مع الصنهاجيين ببرقة والشيعة بمصر خطوب و نسبهم إلى عبد مناف بن هلال كما ذكر شاعرهم في قوله
طلبنا القرب منهم و جزيل منهم . بلا عيب من عرب سحاح جمودها )
( و بيت غرت أمره منا و بينها ... طرود أنكاد اللي يكودها )
( ماتت ثلاث آلاف مرة و أربعة .. . بحرمة منا تداوي كبودها )
و قال الآخر منهم
( أيا رب خير الخلق من نائج البلا ... إلا القليل انجار مالا يجيرها )
( و خص بها قرة مناف و عينها ... ديما لأرياد البوادي تشيرها )
فذكر نسبهم في مناف و ليس في هلال مناف هكذا منفردا إنما هو عبد مناف و الله تعالى أعلم و كان شيخهم أيام الحاكم مختار بن القاسم و لما بعث الحاكم يحيى ابن علي الأندلسي لصريخ فلفول بن سعيد بن خزروق بطرابلس على صنهاجة كما نذكره في أخبار بني خزروق أوعز لهم السير معه فوصلوا إلى طرابلس و جروا الهزيمة على يحيى بن علي و رجعوا إلى برقة و بعث عنهم فامتنعوا ثم بعث لهم بالأمان و وصل وفدهم إلى الإسكندرية فقتلوا عن آخرهم سنة أربع و تسعين و ثلثمائة و كان عندهم معلم للقرآن إسمه الوليد بن هشام ينسب إلى المغيرة بن عبد الرحمن من بني أمية و كان يزعم أن لديه أثارة من علم في اختيار ملك آبائه و قبل ذلك منه البرابرة من مرامة و زناتة و لواتة و تحدثوا بشأنه فنصبه بنو قرة و ما بعده بالخلافة سنة خمس و تسعين و ثلثمائة و تغلبوا على مدينة برقة و زحف إليهم جيوش الحاكم فهزموهم و قتل الوليد بن هشام و قائدها من الترك ثم رجعوا به إلى مصر فانهزموا و لحق الوليد بأرض النجاء من بلاد السودان ثم أخفرت ذمته وسيق إلى مصر و قتل و هدرت لبني قرة جنايتهم هذه و عفا عنهم و لما كانت سنة إثنتين و أربعمائة اعترضوا هدة باديس بن منصور ملك صنهاجة من أفريقية إلى مصر فأخذوها و زحفوا إلى برقة فغلبوا العامل عليها و فر في البحر و استولوا على برقة و لم يزل هذا شأنهم ببرقة فلما زحف إخوانهم الهلاليون من زغبة و رياح و الأثبج و اتباعهم إلى أفريقية
د مصطفى سليمان ابوالطيب الهوارى
مؤرخ فى أنساب القبائل العربية
رئيس مجلس إدارة جمعية أبناء هوارة الخيرية