علاقة النسب بين عشائر بني عقبة الجذاميين وعشائر عرب الصقر (المفارجة) الطائيين
Admin في السبت يوليو 04, 2009 11:49 am
علاقة النسب بين عشائر بني عقبة الجذاميين وعشائر عرب الصقر (المفارجة) الطائيين
يسلط البحث التالي ، عبر عدة قرون من الزمن ، الضوء على العلاقة الوطيدة بين عشائر جذام ، وعشائر المفارجة الطائية ، التي لاتزال ذراريها منتشرة في الأردن وفلسطين ، وهذا لا يخص عرب الصقر تحديدا ، كما هو وارد في عنوان المقال ، بل ينطبق على عرب السردية أيضا وعرب النعيمات ، الذين كانوا كتلة واحدة حتى أواخر القرن العاشر الهجري ، وكان آخر شيخ مشترك لهم هو سلامة بن فواز الملقب جغيمان ، والجغم لغة بلسان عرب الصقر هو ملؤ الفم ، والكلمة لمن يلتبس عليه معناها ، مشتقة من جَغَمَ ، يجغم ، جغما ‘ بمعنى قطع ، يقطع ، قطعا ، والقطع بمليء الفم ماء ، أو لبنا ، أو حليبا ، أو جُغْمٌ من فاكهة ، كما في إقتطاع مليء الفم من حبة التفاح ، فالتفاحة مجغومة ، أي مقتطع منها ، بمليء الفم.
علاقة نسب
ومن المتعارف عليه عند علماء النسب ، أن جذام هو لقب لعمرو بن عَدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن كهلان ، غلب لقبه اسمه الأصلي ، وعرف به ، كما هو مبين في صورة شجرة نسب جذام المرفقة ، إذ يروى أن شقيقه مالكا عضه ، فقطع إصبعه ، فأصبح عمرو مجذوم الإصبع ، فأطلق عليه بنو قومه "جذام" ، وكانت ردة فعل عمرو ، مقطوع الإصبع ، أن صفع شقيقه مالكا كفا ، فاصبح مالكا ملخوم الوجه ، فأطلق عليه بنو قومه "لخم" ونلفظها مفخمة ، وليس مرققة. ومن المعلوم لدى علماء النسب ، أن مرة ، والد جذام ، هو شقيق طيء ومذحج. ومن ظهر جذام ، انحدرت قبيلة جذام ، وقيل بنو جذام ، فالجذاميون هم أبناء عمومة الطائيين ، ومن هنا تبدأ علاقة النسب.
ونلاحظ التقارب بين الجذاميين والطائيين في فلسطين والأردن ، عبر مئات السنين ، بحكم تجاورهم في نفس البيئة ، وامتدادهم في محيط ، كان يهيمن عليه الطائيون في القرن الثالث والرابع الهجريين ، بزعامة أمير بنو الجراح ، الأمير المفرج بن دغفل بن الجراح الطائي ، ثم إنتقلت الهيمنة الى قبائل متناحرة , من مكونات النسيج القبلي الطائي ، والجذامي ، كل في مكان نفوذه ، بعد التشرذم الذي أصابهم ، وعن أماكن تواجد عرب المفارجة يقول الجزيري " واعلم أن محارس بني لام بالدرب المصري متعددة منها في دوار حقل ، وعند عش الغراب ، وبوادي عفان عند قبر السقاف بالشرفة ، وبالقرب من عينونه وغيرها" ، أي أنهم كانوا يتداخلون مع الحميريين من حرب (الحروب) وبلي (البلاونة) وجهينة ، إضافة الى جذام.
علاقة مصاهرة
ففي مطلع القرن العاشر الهجري نرى أن أمير بني عُقبة (المتاريك العوامرة والمزايدة) المدعو عمرو بن عامر بن داوود , كان صهرا للشيخ سلامة بن فواز ، الملقب بجغيمان شيخ عشائر بني لام المفارجة ، وهذا يعني أن المفارجة الطائيين , هم أخوال أبناء الطائية زوجة أمير بني عقبة الجذامي ، وإذا حدث مثل هذا التزاوج على مستوى القادة ، فإنه وبالتأكيد حدث مثله زيجات بين أبناء القبيلتين ، هذا الزعم الزواجي ، أورده الجزيري أثناء تحدثه عن قوات الأمن والحماية من أبناء القبائل من الفرسان والهجانة ، ودور العشائر في نقل الحجيج وتحميل (الأحمال) أمتعتهم ، على طريق الحج المصري , من القاهرة الى الحجاز، فيقول " وفي هذه السنة ، أي عام 926هـ ، عينت السلطنة لسلامة بن فواز في كل سنة من الخزائن العامرة ألف دينار راتباً له , ولأولاده من بعده , وضمنه صهره الشيخ عمرو بن عامر بن داود أمير بني عقبة المتاريك والعوامرة والمزايدة".
ومن البديهي أن المصاهرة عند العرب يترتب عليها إختلاط ذراري الأجيال اللاحقة بالتزاوج ، وتداخل الأسر وانتقالها للعيش في كلا الطرفين ، بكل حرية وأمان ، وفي أي زمان. بل أن أبناء العشائر يفزعون لدرء المخاطر عن أخوالهم ، إذا ما حاق بهم الحيف ، أو تعرضوا لغزو ، وكما هو دارج في عرف العشائر "للخال ضربة" ، أي يحق للخال أن يثار لإبن أخته المتزوجة في قوم من غير قومها ، بضربة ثأر محكمة ، رفعا منه لمعنويات شقيقته في غربتها ، وتأكيدا على أنه مع شقيقته حتى وإن كانت خارج العشيرة.
ومن الملاحظ أيضا أن الأمير العُقباوي الجذامي، عمرو بن عامر بن داوود ، قد زوج بناته لأبناء شيخ عربان المفارجة الشيخ سلامة بن فواز ، مما يؤصل من صلة القربى ، وارتفاع الحميمية لدى بني عقبة الجذاميين والمفارجة الطائيين ، وقد جاء ذلك جليا ، واضحا ، في معرض حديث الجزيري ، عن الإتفاقيات المعقودة بين الدولة المصرية ، وزعماء القبائل ، على طريق الحجيج المصري ، عندما تطرق الى توزيع مخصصات قوات الحماية البرية ، على أبناء القبائل لقاء حمايتهم لمسالك الطرق ، في منطقة عيون القصب ، والتي كانت تقع حمايتها ، على عاتق فرسان الشيخ عمرو بن عامر بن داوود ، بعشائره من بني عقبة ، وهم المتاريك والعوامرة والمزايدة ، حيث كان الأمير العقباوي يقبض المبالغ المخصصة له من الدولة ، ويقبض بالوكالة مبالغ المخصصات للشيخ سلامة بن فواز وأبناءه ، الذين هم أصهار الشيخ عمرو بن عامر بن عقبة ، وما يؤيد هذال القول ما أورده الجزيري على هذا النحو" والمرتبات على هذا الدرك اكبر معلوم من سائر الأدراك ، فإن عمرو بن عامر بن داود خالص مقبوضة في كل سنة لنفسه وأولاد عمه من الفضة السليمانية 19 ألف نصف فضة و485 وما يقبضه عادة بطريق الوكالة والضمان لصهورته أولاد سلامة بن فواز المعروف بجغيمان شيخ عربان بني لام المفارجة إنعاماً عليهم من غير درك في كل سنة 1000 دينار ".
ومن الملاحظ أن المبلغ المخصص للشيخ جغيمان لم يكن لقاء حمايته لطريق ، أو لمحطة من محطات الحجيج المصري ، فلم يجند الطائيون فرسانا (درك) لحماية منطقة محددة من مسار الحجيج المصري ، بل أن المبلغ عبارة عن مكافأة سنوية لهم ، لإتقاء شرهم من التعرض للحجيج ، وهذا يدلل على أن الطائيون كانوا أكثر إستفادة من طريق الحجيج الشامي ، لكن هذا لا يمنعهم من التعرض للحجيج المصري ، إذا لم يكافؤا بنصيب محترم. ولم تأت هذه المكافأة من فراغ ، بل جائت بعد أن إعترض أمير الطائيين ، جغيمان ، قافلة الحجيج المصري في موقع الإزلم ، على ساحل البحر الأحمر ، الى الغرب من تبوك ، طبقا لما ذكره مؤرخ الحملات المصرية الجزيري فيقول " وفي عام 926هـ تعرض سلامة بن فواز المعروف بجغيمان شيخ بني لام المفارجة ومعه من لفيف العربان بوادي سماوة بالقرب من الإزلم ".
علاقة حلف "بنعمأ" أم مصاهرة؟
إذن ، لا غرابة أن ترى بين عشائر عرب الصقر المفارجة ، بتشكيلاتها العشائرية الحالية ، وجودا لأفخاذ من عشائر جذام ، يزيد عددها على إثنى عشر فخذا ، والتي لا يمكن تمييزها ، الا من قبل الباحثين في أنساب العشائر ، فهذه العشائر إنصهرت بالطائيين ، وأصبحوا جزءا منهم ، وكانوا عبر عدة قرون ، يرفعون نخوة الصقر في الإغارة ، وهي "حمر الشام" ، و "هيل الجدعاء" ، علاوة على رفع نخوتهم الخاصة بهم ، التي كانوا يصيحون بها في الغزو والملمات ، وهي "جربنت"، وكل أبناء هذه العشائر لا يعرفون حاليا ، سوى أنهم عشائريا ، من قبيلة عرب الصقر، كون أسرهم متشابكة نسبا ، مع كل أفخاذ عرب الصقر ، أخذا ، وعطاء.
وعلاوة على تمسكهم خلال الفترة الماضية بنخوة "جربنت" ، فقد إستقيت معلومة من أحد أحفاد الأمير العُبادي الصقري رحمه الله المدعو حسن المرعي الخوابي ، أن هذه العشائر هي في الأصل براهمة ، من المسيك بتشديد وكسر الياء ، وقد أورد زميلنا فايز أبو فردة في كتابه ، من تاريخ القبائل في فلسطين ، أن طائفة أبو موسى من الجربند، وطائفة المحمدية ، ومنهم جماعة اليزيد ، والمحمدية عن جماعة الشيخ ناصر جربند ، وعمر المسيك ، وشيخ علوان كما ورد في الدفاتر العثمانية في النصف الأول من القرن العاشر الهجري .
وفي معرض حديثه عن بدنات بني عقبة ، عدد الجزيري بدنات بني عقبة ، وعد من بينهم قائلا " جربنت من آل موسى . أن الجربنت من آل موسى ، ومن الجربنت آل محمدية شيخهم عليان بن دعر أبو عباتين" الذين كانوا يضربون منازلهم نواحي الكرك والشوبك.
تأكيد وإقرار
إن تأكيد صقور الجويدة في البلقاء حاليا ، على أن إسمهم يعود الى عرب الصقر المفارجة الطائية ، على الرغم من إنحدارهم وكما يتناقلون ، من قبيلة العمرو ، كما جاء على لسان كل من الأفاضل إبراهيم ومحمد بشر أحمد صقر الصقور ، يؤيد مدى التصاق بنو عقبة بالطائيين، وإنهم إن لم يكونوا صقور الآباء ، فهم صقور الأمهات ، وكلا النسبين عريق وأصيل.
وهنا أود الإشارة الى أن عشائرالمتاريك والبراهمة الجذامية من بني عقبة ، وكما تشير الروايات ، كانت متحالفة مع الأمير الجرمي الطائي ، الذي كان يشكل قطبا رئيسيا من إمارة بني الجراح في الأردن وفلسطين ، ومن سلائل الأمير الجرمي الطائي أسرة كاتب هذا البحث ، الذين أنتقلوا الى بيسان ، عقب ما ألم بإمارة الجرميين الطائية من تمزق في مناطق العوجا وجبل نابلس.
إن عشائر عرب الصقر ذات الأصول الجذامية ، إلتصقت بعرب الصقر (المفارجة) ، ربما منذ بداية القرن العاشر الهجري ، أو أوائل القرن الحادي عشر. أي زمن أمير بني عقبة عمرو بن عامر بن داوود ، فقد سمعت سالم العقاب الملاك أحد أحفاد أمير الصقر جعدان (قعدان) بن ظاهر السلامة ، المتوفي أوائل الثمانينيات من القرن الماضي ، متحدثا الى والدي ، أن عرب جربنت ، كانت لا تعد ولا تحصى ، كناية عن كثرتها ، وهي فزعة أساسية للصقر ، عندما يصيح الصايح في نواحي حيفا ، حتى بدايات القرن العشرين ، أي قبيل زوال الدولة العثمانية.
فإنضمام عشائر جربنت الى قبيلة الصقر الطائية ، سابق على إنضمام أسرة الأمير المهيدي الجذامي الى عرب الصقر ، إثر تغلب العدوان والبلقاء على إمارته ، في النصف الثاني من القرن الثامن عشر ، زمن أمير الصقر جعدان بن ظاهر السلامة ، والذي لا تزال ذراريه ، أي الأمير المهيدي ، حتى كتابة هذه الكلمات ، من مكونات النسيج الإجتماعي لعرب الصقر.
ولا شك ان إحتضان عرب الصقر لعرب عباد البلقاوية ، في أربعينيات القرن التاسع عشر ، بعد أجتماع عشائر البلقاء والعدوان عليها ، وطردها من ديارها ، له مدلول كبير على روابط الدم بين الجذاميين ، إذا علمنا أن أفخاذا عديدة في عباد هي في الأصل من الصقر، ومن تجمع جذام "جربنت"، كما هو الحال في المناصير الذين إنفصلوا عن الصقر عام 1735م ، متحالفين مع عباد بسبب منازعات لا مجال لذكرها هنا ، أثناء حروب الصقر مع جموع ظاهر العمر في مرج بن عامر وجبل