تاريخ الدولة العباسية
(5)
-----------‐------‐------------------------------------
أبو العباس السفاح و قيام الدولة العباسية
️ ملخص ما سبق :
بعد إيقاعه بين فرعي قبائل العرب في خراسان و الإستعانة بإحداها في القضاء على الأخرى ثم الغدر بالتى ساعدته و القضاء عليها ؛ صفت خراسان كلها لأبی مسلم ؛ فبعث عماله إلى جميع الولايات هناك لإدارتها وحكمها لصالح الدعوة الجديدة .
وأمر أحد قواده قحطبة بن شبيب أن يتتبع نصر بن سيار - آخر ولاة بني أمية على خراسان - بعد هزيمته الأخيرة في مرو وفراره ؛ فسار وراءه من بلد إلى بلد حتى مرض نصر بالرى ومات بساوة فأقبل قحطبة بجنوده واستولى على الرى فتم للشيعة السيطرة على خراسان وبلاد الجبل ..
ثم سير قحطبه ابنه الحسن فاستولى على همذان ومنها سار إلى نهاوند فحصرها ولحقه بها أبوه فاجتمعا عليها ثلاثة أشهر ثم فتحت وتلاها شهر زور و الموصل.
سار قحطبة بعد ذلك متوغلا في بلاد العراق فخرج إليه ابن هبيرة أمير العراق من قبل مروان بن محمد الأموي .
مات قحطبة فتولي إمرة الجيش ابنه الحسن .. جرت أثناء ذلك وقائع انهزم فيها ابن هبيرة؛ فسار الحسن منها إلى واسط ثم ارتحل إلى الكوفة فدخلها في محرم(سنة 132ه) وسلم الأمر لأبی مسلمة الخلال الداعية العباسي ..
ثم ارتد الحسن متوجها إلى واسط لقتال ابن هبيرة .
وتوجه حمید بن قحطبة للإستيلاء على المدائن. وتوجه المسيب بن زهير وخالد بن برمك إلى دير قني، والمهلبی وشرحبيل إلى عين التمر. وبسام بن إبراهيم إلى الأهواز .
جرت هذه الوقائع بخراسان والعراق ونار الفتنة في دولة بني أمية مشتعلة بالشام والحجاز وقد مضت هذه المدة كلها وليس عند بني أمية علم بمن تدعو إليه الشيعة، فإنهم كانوا يدعون إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم ولا يعلم السر إلا النقباء والدعاة حتى وقع في يد مروان بن محمد- الخليفة الأموي - كتاب من إبراهيم الإمام - بن محمد بن على العباسي - إلى أبي مسلم الخراساني يأمره فيه بقتل كل من يتكلم العربية بخراسان ..
أرسل مروان في الحال من يقبض على إبراهيم ويسلمه له في حران فلما أحس إبراهيم بما يراد به نعى نفسه إلى أهل بيته وأوصى إلى أخيه أبي العباس(السفاح فيما بعد) وأمر أهله بالسير إلى الكوفة والسمع والطاعة لأبي العباس.
أما إبراهيم فحبس في سجن حران ولم يزل في سجنه حتى مات ؛ وأما أهل بيته فتجهزوا يريدون الكوفة حتى قدموها في صفر (سنة 132ه) فأنزلهم أبو سلمة الخلال وزير آل محمد - دارا بالكوفة وكتم أمرهم عن سائر القواد أربعين ليلة ...انتهى الملخص ....(*1)
------------------------‐--‐------------------‐---------‐-----------
️ محاولة نقل إمامة الدعوة من بني العباس إلى العلويين
ليقفز الفرس على السلطة !!
عمد أبو مسلم الخراساني، بعد أن ثبت أقدامه في المناطق التي سيطر عليها، إلى التخلص من الزعماء البارزين الذين اعتبرهم منافسين له على الزعامة . فقتل سليمان بن كثير الخزاعي، نقيب النقباء، كما قتل ابنه محمد وتخلص من عدد من أنصار الثورة الذين شاركوه في العمل السياسي والعسكري .
وخلا بذلك، الجو لأبي مسلم، وأضحى الحاكم الأوحد لبلاد المشرق، واتخذ لنفسه لقب «أمير آل محمد » وهذا يعني أنه اعتبر نفسه أكثر من مجرد والي على مقاطعة .
وأضحى هذا الرجل، بعد أن تقرب من سكان خراسان أمل الموالي الذين تطلعوا إليه، وتوسموا فيه القدرة لرد اعتبارهم، وإحياء الإرث الفارسي القديم ويمكناعتباره مقدمة لظهور البرامكة والطاهريين والبويهيين، واضعا بذلك أسس الدولة
الخراسانية . (*2)
كان أبو سلمة الخلال قد أنزل بني العباس في دار الوليد بن سعد، مولى بني هاشم، وأمرهم بالاختفاء. وكتم أمرهم عن جميع القادة والشيعة نحوا من أربعين ليلة، ورفض أن يدفع لهم نفقات الانتقال(*3) .
وكتب في الوقت نفسه، إلى زعماء آل البيت من بني علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ يعرض عليهم إمارة المؤمنين بشروط محددة.
{ فكاتب جعفر الصادق بن محمد الباقر وعبد الله المحض بن حسن بن الحسن ؛ وعمر الأشرف زين العابدين ...
وأرسل الكتب مع رجل من مواليهم، وقال له: اقصد أولا جعفر بن محمد، فإن أجاب فأبطل الكتابين الآخرين، فإن لم يجب فالق عبد الله المحض فإن أجاب فأبطل كتاب عمر وإن لم يجب فالق عمر ...
فذهب الرسول إلى جعفر بن محمد أولا ودفع إليه كتاب أبی سلمة فقال : مالي ولأبي سلمة وهو صنعة لغيرى؟ فقال له الرسول: إقرأ الكتاب، فقال جعفر لخادمه : أدن السراج مني، فأدناه فوضع الكتاب على النار حتى احترق .. فقال الرسول: ألا تجيبه فقال: قد رأيت الجواب،...
ثم مضى الرسول إلى عبد الله المحض ودفع إليه الكتاب فقرأه وقبله وركب في الحال إلى جعفر وقال: هذا كتاب أبي
سلمة يدعوني فيه إلى الخلافة قد وصل على يد بعض شيعتنا من أهل خراسان فقال له جعفر : ومتى صار أهل خراسان شيعتك؟ أنت وجهت إليهم أبا مسلم هل تعرف أحدا منهم باسمه أو بصورته ؟! فكيف يكونون شيعتك وأنت لا تعرفهم وهم لا يعرفونك ؟
فقال عبد الله كان هذا الكلام منك لشيء؟! فقال جعفر: قد علم الله أني أوجب النصح على في(*فمي) لكل مسلم فكيف أدخره عنك فلا تمن نفسك الأباطيل، فإن هذه الدولة ستتم لهؤلاء (* يعني الفرس) وقد جاءني مثل الكتاب الذي جاءك.. فانصرف عبد الله من عنده غير راض،...
وأما زین العابدين فإنه رد الكتاب وقال : أنا لا أعرف صاحبه فأجيبه . }.. (*4)
والراجح أنه عزم على تحويل الأمر إلى آل علي عندما بلغه خبر موت الإمام إبراهيم بن محمد، لكن هؤلاء اعتذروا عن قبول الدعوة .
ولنا أن نتساءل : ما هي مبررات أبي سلمة في تحويل الخلافة إلى بيت علي بن أبي طالب؟ وما هي الشروط التي وضعها لتسلم هذا المنصب؟
يبدو أن وزير آل محمد(أبو سلمة الخلال) كما سمى نفسه لم يأخذ وصية الإمام إبراهيم لأخيه أبي العباس مأخذ الجد، أو على الأقل، فإنه لم ير أن أبا العباس هو أصلح الهاشميين لتولي إمارة المؤمنین .
لكن مما لا شك فيه، أن هذا الرجل-أبو مسلم- كان واقعا تحت ضغط الأحداث السياسية المتعددة الاتجاهات، كان أشهرها الاتجاه العلوي، والاتجاه الخراساني، والاتجاه القومي الفارسي المقنع، فكان عليه أن يختار شخصا مقبولا من كافة الأطراف، خاصة وقد بدا الفرق واضحا في وجهات النظر بين الاتجاهين الأولين بشأن صلاحياته .
ويفهم من تحوله إلى آل علي، أنه استنتج من خلال الظروف السياسية المحيطة به، ومن توقعاته للمستقبل، أنه قد لا يحقق تطلعاته السياسية في ظل الحكم العباسي .
ويبدو أنه كان يمثل بعض الزعماء الخراسانيين الفرس، ذات الاتجاه القومي الفارسي المقنع(*المستتر) ، فأراد أن يحول الأمر إلى الطالبين بحيث يكون له الفضل في نقل السلطة إليهم طمعا في تحقيق أهداف-(*الفرس) المتمثلة في إحياء الأماني القومية -لهم .
ونتيجة لهذا الاختلاف في النظرة السياسية والعقدية ، ظل أبو سلمة زهاء شهرين منهمكا في البحث عن شخص(الرضا من آل محمد) يكون مقبولا من الجميع من جهة، ويرضى
بهذا المنصب على الشروط الخراسانية التي جعلت من الصعب ، وربما من المستحيل، وجود ذلك الشخص الذي يقبل بهذا العرض، من جهة أخرى ..
لذلك كان رفض زعماء آل البيت يصب في هذا الاتجاه .(*5)
{ أحس بعض القواد بأمر أبي سلمة الحلال هذا فأحبطوا ما أراده وذهبوا إلى الكوفة فقابلوا أبا العباس (عبدالله السفاح) وسلموا عليه بالخلافة ودخل بعدهم أبو سلمة ففعل كما فعلوا وقد أبقى هذا العمل في نفس أبي العباس ما أبقى فترتب
عليه ما سيأتي ذكره.} (*6)
وأخيرا فرضت الخراسانية مرشحها العباسي، أبا العباس عبد الله بن محمد بن علي أميرا للمؤمنين، فبويع له بالخلافة يوم الجمعة الثاني عشر من شهر ربيع الأول۱۳۲ ه الموافق شهر تشرين الأول عام 749 م. (*7)
ولم يكن أمام أبي سلمة، الذي تم الأمر دون علمه، إلا أن يقبل بالأمر الواقع مبررا موقفه أمام بني العباس : «إني إنما كنت أدبر استقامة الأمر وإلا فلا أعمل فيه شيئا ».(*
ويبدو أن أبا مسلم قد استشير في الأمر قبل حدوثه ووافق عليه، بدليل أن مندوبه السياسي أبا الجهم قام بنشاط ملحوظ في اختيار أبي العباس (*9)
-------------------------------------------------------------------
️ بيعة أبي العباس السفاح وخطبته لإعلان الدولة العباسية
خرج أبو العباس يوم الجمعة (۱۳ ربيع الأول ١٣٢ ه) فصلي بالناس وكان في خطبته بعد حمد الله والثناء عليه أن افتخر بقرابته من رسول الله ، ثم ذكر الخلفاء الراشدين واثني عليهم ونعي على بني حرب بن أمية وبني مروان أثرتهم وظلمهم..
︎نص الخطبة :
{ الحمد لله الذي جعل الإسلام لنفسه ديناً، وكرمه وشرفه وعظمه، واختاره لنا، وأيده بنا، وجعلنا أهله وكهفه، والقوام به، والذابين عنه، والناصرين له، وألزمنا كلمة التقوى، وجعلنا أحق بها وأهلها، ..
خصنا برحم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته، ووضعنا بالإسلام وأهله في الموضع الرفيع، وأنزل بذلك على أهل الإسلام كتاباً يتلى،..
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾،
وقال : ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾،
وقال : ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾،
وقال : ﴿مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ
وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ﴾،
فأعلمهم عز وجل فضلنا، وأوجب عليهم حقنا ومودتنا، وأجزل من الفيء والغنيمة نصيبنا تكرمة لنا وتفضلة علينا، والله ذو الفضل العظيم،...
وزعمت السبابية الضلال أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة والخلافة منا، فشاهت وجوههم،...
أيها الناس بنا هدى الله بعد ضلالتهم، ونصرهم بعد جهالتهم، وأنقذهم بعد هلكتهم، وأظهر بنا الحق، وأدحض بنا الباطل، وأصلح بنا منهم ما كان فاسداً، ورفع بنا الخسيسة، وأتم النقيصة، وجمع الفرقة حتى عاد الناس بعد العداوة أهل تعاطف وبر ومواساة في دنياهم وإخوانا على سرر متقابلين في أخراهم، ...
فتح الله علينا ذلك منة ومنحة بمحمد صلى الله عليه وسلم، فلما قبضه إليه، قام بذلك الأمر بعده أصحابه، وأمرهم شورى بينهم، فحووا مواريث الأمم فعدلوا فيها، ووضعوها مواضعها، وأعطوها أهلها، وخرجوا خماصاً منها، ثم وثب بنو حرب ومروان، فابتزوها لأنفسهم وتداولوها، فجاروا فيها، واستأثروا بها، وظلموا أهلها، ...
فأملى الله لهم حيناً، ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾، فانتزع منهم ما بأيديهم بأيدينا، ورد الله علينا حقنا، وتدارك بنا أمتنا، وتولى أمرنا والقيام بنصرنا، ليمن بنا على الذين استضعفوا في الأرض، وختم بنا كما افتتح بنا، ..
وإني لأرجو أن لا يأتيكم الجور من حيث جاءكم الخير، ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح، وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله،...
يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا، ومنزل مودتنا، وأنتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا، وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم، فاستعدوا فأنا السفاح الهائج*، والثائر المبير. } .. (*10)
*وفي الطبري وابن الأثير
السفاح المبيح والثائر المبير)
ولهذه الجملة الأخيرة لقب بالسفاح .
كان السفاح إذ ذاك موعوكا فاشتد به الوعك فجلس على المنبر وصعدعمه داود بن على وكان من أفصح بني العباس فقام دونه على المنبر فقال :
︎ {الحمد لله شكراً شكراً ، الذي أهلك عدونا ، وأصار إلينا ميراثنا من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،..
أيها الناس ! الآن أُقشعت حنادس (ظلمات) الدنيا ، وانكشف غطاؤها ، وأشرقت أرضها وسماؤها وطلعت الشمس من مطلعها ، وبزغ القمر من مبزغه وأخذ القوس باريها ، وعاد السهم إلى منزعه ، ورجع الحق إلى نصابه في أهل بيت نبيكم ، أهل الرأفة والرحمة بكم ، والعطف عليكم .
أيها الناس ! إنا والله ما خرجنا في طلب هذا الأمر لنكثر لجيناً ، ولا عقياناً ، ولا نحفر نهراً ، ولا نبني قصراً ، وإنما أخرجنا الأنفة من ابتزازهم حقنا ، والغضب لبني عمنا، وما كرئنا (اشتد علينا) من اموركم وبهظنا من شئونكم
لقد كانت أموركم ترمضنا (تثقل علينا) ونحن على فرشنا ، ويشتد علينا سوء سيرة بني أُمية فيكم ، وخرقهم بكم ، واستذلالهم لكم ، واستئثارهم بفئيكم وصدقاتكم ومغانكم عليكم. ....
تباً تباً لبني حرب وبني مروان ، آثروا في مدتهم وعصرهم العاجلة على الآجلة ، والدار الفانية على الدار الباقية ، فركبوا الآثام ، وظلموا الأنام ، وانتهكوا المحارم ، وغشوا الجرائم ، وجاروا في سيرتهم على العباد ، ... وركضوا في ميادين الغى ... فأتاهم بأس الله بياتاً وهم نائمون ، فأصبحوا أحاديث ومزقوا كل ممزق ، فبعداً للقوم الظالمين ،
أيها الناس ! إن أمير المؤمنين نصره الله ...إنما قطعه عن إستتمام الكلام شدة الوعك ..
يا أهل الكوفة ! إنا والله مازلنا مظلومين مقهورين على حقنا ، حتى أتاح الله لنا شيعتنا أهل خراسان ، فأحيا بهم حقنا ، وأفلج بهم حجتنا ، وأظهر بهم دولتنا ، وأراكم الله ما كنتم به تنتظرون وإليه تتشوقون ، فأظهر فيكم الخليفة من هاشم وبيض به وجوهكم ، وأدالكم على أهل الشام ، ونقل إليكم السلطان وعز الإسلام ،..
فخذوا ما آتاكم الله بشكر ، والزموا طاعتنا ولا تخدعوا عن أنفسكم فإن الامر أمركم ، ...
ألا وإنه ما صعد منبركم هذا خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ، وأمير المؤمنين عبد الله بن محمد ، وأشار بيده إلى أبي العباس ، فاعلموا أن هذا الامر فينا ليس بخارج منا حتى نسلمه إلى عيسى بن مريم عليه السلام .} ....(*11)
------------------------------------------------------------------
️الاتجاهات العامة لدولة الخلافة العباسية
جمع العباسيون السياسة مع الدين فأعلنوا أنهم يريدون إحياء السنة وإقامة العدل. فأحاطوا أنفسهم بالعلماء والفقهاء، وارتدوا بردة الرسول صلى الله عليه وسلم كرمز لسلطتهم الدينية، واستغلوا فكرة المهدي حتى أضحت شعارهم الديني والسياسي. واعتمدوا على نظرية الإمامة التي كانت محور عقيدتهم ودعوتهم ..
وقد أعطت هذه السياسة الدينية، للخلافة العباسية، مسحة من القداسة بحيث أضحى سلطان الخلفاء مستمدا من الله سبحانه وتعالى، وأضحى مفهوم الخلافة شبيها بمفهوم الحق الإلهي في الحكم، الذي ساد أيام الساسانيين .
واتبع الخلفاء العباسيون بعض العادات الفارسية مثل : الاستئثار بالسلطة، الاحتجاب عن الناس، الظهور وسط حرس وحاشية ؛ فنشأت نتيجة ذلك وظيفة الحجابة . كما وجدت طريقة خاصة للتسليم على الخليفة مثل: الانحناء، وتقبيل الأرض أو ذيل الثوب ؛ وقد خالف العباسيون بذلك الروح العربية السمحة التي ظللت حياة الأمويين .
وتأثرت حياة الخلفاء، وأساليبهم في العمل، وطريقتهم في الحكم، بالأساليب الفارسية، وطغت على نظمهم الإدارية تقاليد الديوان الفارسي، كما شهد بلاطهم قيام الخدم والجواري.
ومن التأثيرات الفارسية التي دخلت العصر العباسي، منصب الوزارة . وأضحى للوزير من حيث المظهر والاختصاص والتسمية طابع جديد لم يكن من قبل.
ويلاحظ أن معظم الوزراء العباسيين كانوا من أسر فارسية، كالبرامكة، وبني سهل، وبني طاهر ، وبني الفرات، وبني خاقان وغيرهم، .. واتبع الوزراء والكتاب ورجال الدولة
التقاليد الفارسية القديمة في العمل والمراسلات . (*12)
-------------------------------------------------------------------
لقد انتهجت دولة الخلافة العباسية ، منذ قيامها، سياسة مشرقية واضحة، وتطلعت بوجهها إلى خراسان مهد نشأتها، وجاء هذا التحول نتيجة عدة عوامل لعل أهمها :
︎- مناوأة أهل الشام للعباسيين، لأنهم كانوا لا يزالون على ولائهم للأمويين .
︎- انتقال العاصمة من دمشق إلى العراق .
︎- التأثير الفارسي على النظم والحياة العباسية .
︎- انتعاش التجارة المشرقية .
︎- ابتعاد الدولة العباسية عن عالم البحر الأبيض المتوسط .
︎- عدم اهتمام العباسيين بإنشاء أسطول بحري في المتوسط يضارع الأسطول الأموي -
شکل نقل العاصمة من دمشق إلى بغداد ، خطوة نوعية في الانتقال من العالم البيزنطي إلى العالم الفارسي ؛ هذا وقد تراجع النشاط الحربي الكبير الذي شهده العصر الأموي على الجبهة الغربية في عالم البحر المتوسط، ونتيجة لهذا التراجع تولت الإمارات الإسلامية في المغرب والأندلس مسؤولية الدفاع عن الحوض الغربي لهذا البحر .
وانصرف العباسيون، بشكل عام، نحو الشرق. ففي ترکستان، أوقفوا الخطرالصيني الزاحف على ديار المسلمين ، ثم سادت علاقات وثيقة بعد ذلك، مع العالم الصيني، خاصة التجارية، وتوسع المسلمون في إقليم السند، ووطدوا النفوذ الإسلامي هناك .
ونمت البحرية الإسلامية في المحيط الهندي، لتؤدي دورة تجارية، فأتاح ذلك التجارة الهند أن تدخل أسواق العراق بطمأنينة، كما أتاح للثقافة الهندية أن تواكب التجارة، كما أدى تفاهم العباسيين مع ملوك الفرنجة إلى إتاحة الفرصة لتجارتهم أن تمتد إلى غربي أوروبا وشمالها الغربي، إلا أن التركيز اقتصر على الشرق .
نتج عن انتقال العاصمة والابتعاد عن الاهتمام بالشؤون الغربية، أن ضعف النفوذ العباسي في المغرب الإسلامي مما أدى إلى انفصال تلك الأطراف الغربية عن السلطة المركزية، فاستقلت الأندلس على يد عبد الرحمن الداخل الأموي، واستقل المغرب الأقصى على يد الأدارسة العلويين، واستقل بنو رستم ، الخوارج بالمغرب الأوسط، واكتفى العباسيون باقامة دولة حاح و موالية لهم في المغرب الأدنى هي دولة الأغالبه . (*13)
------------------------‐--‐------------------‐---------‐-----------
(*1) انظر الدولة العباسية للشيخ محمد الخضري
ص20-28 .
(*2) محمد سهيل طقوش الدولة العباسية ص 26
(*3) الطبري ج7ص 423 نقلا عن طقوش
(*4) الخضري ص 28-29
(*5) طقوش ص 28-29
(*6) الخضري ص29
(*7) اليعقوبي: ج 2 ص 283. الطبري: ج 7 ص 20
(*
الطبري المصدر نفسه : ص ۹۲۹ - ۳۱.
(*9) طقوش ص 30
(*10) البداية والنهاية ابن كثير ج10 ص45 نسخة
إليكترونية م.ش ؛أو ج10 ص122-123 مطبوعة
(*11) المصدر السابق نفسه بتصرف
(*12) طقوش ص 31-32
(*13) المصدر السابق طقوش ص30-31
-------------------------‐--‐------------------‐---------‐----------
#تاريخ_الدولة_العباسية_جواهر (5)