عاصمة
الفسطاط
نظام الحكم
إمارة
اللغة
العربيَّة (اللغة الرسميَّة)
التُركيَّة (لُغة الجيش)
لُغات أُخرى: السُريانيَّة، القبطيَّة، العبرانيَّة
الديانة
الإسلام: المذهب السُني الحنفي (مذهب الدولة العبَّاسيَّة الرسمي)
المذهب الشيعي الجعفري والإسماعيلي (أقليَّة).
أقليَّات كُبرى وصُغرى: المسيحيَّة، واليهوديَّة
الوالي - الأمير
مُحمَّد بن طُغج الإخشيد
935-946 (الأوَّل)
أحمد بن علي بن الإخشيد
968 (الأخير)
تعديل طالع توثيق القالب
الدَّولةُ الإِخشِيدِيَّةُ أو الإِمَارَةُ الإِخشِيدِيَّةُ أو دَوْلَةُ بَنُو الإِخشِيد، وتُعرفُ اختصارًا وفي الخِطاب الشعبي باسم الإِخشِيدِيُّون، هي إمارة إسلاميَّة أسَّسها مُحمَّد بن طُغج الإخشيد في مصر، وامتدَّت لاحقًا باتجاه الشَّام والحجاز، وذلك بعد مضيّ ثلاثين سنة من عودة الديار المصريَّة والشَّاميَّة إلى كنف الدولة العبَّاسيَّة، بعد انهيار الإمارة الطولونيَّة التي استقلَّت بِحُكم الديار سالِفة الذِكر وفصلتها عن الخِلافة العبَّاسيَّة طيلة 37 سنة.
كان مُؤسس هذه الدولة مُحمَّد بن طُغج مملوكًا تُركيًا،[ْ 1][ْ 2][ْ 3] عيَّنهُ الخليفة العبَّاسي أبو العبَّاس مُحمَّد الراضي بالله واليًا على مصر،[ْ 4] فأقرَّ فيها الأمن والأمان وقضى على المُتمردين على الدولة العبَّاسيَّة، وتمكَّن من الحد من الأطماع الفاطميَّة بِمصر. فلمَّا تمكَّن من ذلك منحهُ الخليفة لقبًا تشريفيًا فارسيًا هو «الإخشيد» تكريمًا لهُ ومُكافأةً على عمله.[1] وما لبث الإخشيد أن سار على طريق أحمد بن طولون مُؤسس الإمارة السابقة لِإمارته، فاستقلَّ بِمصر عن الدولة العبَّاسيَّة، واستولى على أغلب أجناد الشَّام: فلسطين ودمشق وحمص والأُردُن عدا حلب التي تركها لِلحمدانيين. ثُمَّ ضمَّ الحِجاز إلى دولته، وكان ابن طولون قد حاول أن يضُمَّها إليه فلم ينجح. وكان الإخشيد واليًا حازمًا يقظًا خبيرًا بِالحرب، شديد الحذر والحيطة على نفسه، فاعتمد على جُنده وحرسه وخدمه.[1]
وبعد وفاة الإخشيد، تولَّى أبو المسك كافور شُؤون الحُكم، نيابةً عن ولديّ الإخشيد: أُنوجور وعليّ. وكان كافور مملوكًا حبشيًا اشتراه الإخشيد بِثمانية عشر دينارًا كما يُقال، وجعلهُ خادمه الخاص. ولمَّا مات عليّ انفرد كافور بالحُكم، ونشط إلى توسيع رقعة إمارته مُستفيدًا من تضعضُع الدولة الحمدانيَّة، ورضى الخِلافة العبَّاسيَّة عنه. وقد استطاع كافور أن يصمد أمام هجمات الفاطميين القادمين من إفريقية. وأمضى كافور في الحُكم، نيابةً وأصالةً، اثنين وعشرين سنة، من أصل 34 سنة من حياة الدولة الإخشيديَّة كُلَّها. واعتُبر من الشخصيَّات التاريخيَّة النادرة بحيثُ يُعتبرُ بُلُوغه قمَّة الحُكم وهو الخادمُ المملوك، أوَّل حادثةٍ من نوعها في التاريخ الإسلامي، وإن كانت قد تكررت فيما بعد. وقد استغلَّ كافور الظُروف السياسيَّة التي كانت قائمةً في أيَّامه لِمصلحته، فاستفاد من ضُعف الخِلافة في بغداد، ومن الخلاف الناشب بين أُمراء الدُويلات المُجاورة، وحافظ على التوازن في الصراع القائم بين الدولة العبَّاسيَّة المُتداعية في بغداد والدولة الفاطميَّة النامية في إفريقية. وبِموت كافور، ضاع التوازن السياسي الذي كان يُحافظ عليه. فقد خلفه أبو الفوارس أحمد، حفيد الإخشيد، وكان عمره أحد عشر سنة، ولم يستطع أن يُقاوم القُوَّات الفاطميَّة التي استولت على مصر، وأسقطت الدولة الإخشيديَّة. وبدأ في مصر والشَّام عهدٌ جديد هو العهدُ الفاطميّ.[ْ 5]
محتويات [أخف]
1 أصل الإخشيديين
2 خلفيَّة تاريخيَّة 2.1 ضعف الدولة العبَّاسيَّة
2.2 قيام الدولة الطولونيَّة
2.3 أوضاع مصر ما بين سُقُوط الدولة الطولونيَّة وقيام الدولة الإخشيديَّة
3 التاريخ 3.1 ظُهور مُحمَّد بن طُغج في مصر
3.2 تولية مُحمَّد بن طُغج على مصر 3.2.1 دُخُول الإخشيديين إلى مصر
3.2.2 القضاء على المُتمردين
3.3 فُقدان الشَّام
3.4 النزاع مع ابن رائق
3.5 استعادة الشَّام
3.6 عهد خُلفاء مُحمَّد بن طُغج
3.7 تضعضُع الإمارة الإخشيديَّة 3.7.1 غارات القرامطة على الشَّام
3.7.2 ثورة أهل طرابُلس الشَّام
3.7.3 اضطراب الأوضاع الاقتصاديَّة في مصر
3.8 الفتح الفاطمي وسُقُوط الإمارة الإخشيديَّة
4 الثقافة والمظاهر الحضاريَّة 4.1 سياسيًا وإداريًا
4.2 الاقتصاد
4.3 الأوضاع الاجتماعيَّة
4.4 العمارة
4.5 الدين
4.6 العُلُوم والآداب
5 الجيش
6 العلاقة مع دُول الجوار 6.1 مع الخِلافة العبَّاسيَّة
6.2 مع الدولة الحمدانيَّة
6.3 مع الدولة الفاطميَّة
6.4 مع الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة
7 قائمة الأُمراء الإخشيديين
8 المراجع 8.1 باللُغة العربيَّة
8.2 بلُغاتٍ أجنبيَّة
9 وصلات خارجيَّة
أصل الإخشيديين[عدل]
فرغانة
فرغانة
فرغانة
مدينة فرغانة، مسقط رأس بني الإخشيد، وموقعها الحالي في أوزبكستان.
ينتسب الإخشيديُّون إلى «الإخشيد»، وهو لقبٌ فارسيّ قديم منحهُ الخليفة العبَّاسي أبو العبَّاس مُحمَّد الراضي بِالله لِأبي بكر مُحمَّد بن طُغج بن جُف في شهر رمضان من سنة 327هـ المُوافق فيه شهر تمُّوز (يوليو) سنة 939م بناءً على طلبه، وإنَّما لقَّبهُ بِذلك لِأنَّهُ لقب مُلُوك فرغانة وهو من نسلهم،[2] والمعروف أنَّهُ كان يُسيطر على هذا الإقليم كبار المُلَّاك الإقطاعيين والفُرسان، وأميرُهم هو أكبرهم من حيثُ السعة الإقطاعيَّة ويُسمَّى «دهقان» ولقبه «إخشيد»،[3] ويعني «الذكي» أو «النبيه».[4] ومُحمَّد بن طُغج هذا هو مُؤسس الدولة الإخشيديَّة، والرَّاجح أنَّهُ عندما ترقَّى في المناصب القياديَّة ووصل إلى منصب الولاية أراد أن يصل نسبه بِمُلوك فرغانة إعلاءً لِشأن أُسرته، ولِذلك لقَّبهُ الخليفة الرَّاضي بِهذا اللقب عندما أضحى صاحب الديار المصريَّة والشَّاميَّة لِأنَّهُ كان فرغانيًا.[5] ومهما يكن من أمر، فقد قدم جُف بن يلتكين، جد مُحمَّد، إلى الخليفة العبَّاسي أبو إسحٰق مُحمَّد المُعتصم بالله مع طائفةٍ من الضُبَّاط التُرك، والمعروف أنَّ التدخُّل التُركي في شؤون الخِلافة بدا واضحًا في عهد هذا الخليفة الذي بويع في ظل صراعٍ عنيفٍ بين العرب من ناحية وبين الفُرس من ناحيةٍ أُخرى، واختلالٍ في التَّوازُن بين العصبيَّات القوميَّة التي تكوَّنت منها الدولة العبَّاسيَّة، وقد فقد ثقته بِالعرب والفُرس ما دفعهُ إلى تقريب العُنصر التُركي، وخصَّ التُرك بِالنُفوذ والسُلطان، وقلَّدهم قيادة الجُيُوش، ومكَّن لهم في الأرض، وأقطعهم قطائع في سامرَّاء. وظلَّت قطائع جُف تُنسب إليه حتَّى بعد زمن ابن خلِّكان المُتوفَّى سنة 681هـ المُوافقة لِسنة 1282م.[6]
انتقل جُف بعد وفاة المُعتصم إلى خدمة ابنه الخليفة أبو جعفر هٰرون الواثق بالله، وعندما تُوفي هذا في سنة 232هـ المُوافقة لِسنة 847م، دخل في خدمة أخيه أبو الفضل جعفر المُتوكِّل على الله، وظلَّ في عداد حاشيته إلى أن تُوفي بِبغداد في الليلة التي قُتل فيها المُتوكِّل، أي ليلة 3 شوَّال 247هـ المُوافق فيه 10 كانون الأوَّل (ديسمبر) 861م،[7] والتحق ابنُه «طُغج»، بعد وفاته، بِخدمة أحمد بن طولون، ويبدو أنَّهُ انضمَّ بعد ذلك إلى إسحٰق بن كنداج والي الموصل وخصم ابن طولون، وما جرى بعد ذلك من التفاهم بين خُمارويه بن أحمد بن طولون وبين إسحٰق بن كنداج، أن عاد طُغج بن جُف إلى العمل تحت إمرة الطولونيين، فعيَّنهُ خُمارويه واليًا على دمشق وطبريَّا،[7] وأرسلهُ في سنة 281هـ المُوافقة لِسنة 894م لِغزو البيزنطيين، فخرج من طرسوس على رأس الجيش وتوغَّل في آسيا الصُغرى، وهزم البيزنطيين في مواقع عدَّة عند أبواب قيليقية وفي غربها، وأدَّى انتصاره هذا إلى أن يزحف إلى عُمق الأراضي البيزنطيَّة على امتداد الساحل، وأن يتوغَّل في جوف الأناضول حتَّى طرابزون على البحر الأسود، ثُمَّ عاد إلى دمشق مُحمَّلًا بِالغنائم.[8] ويبدو أنَّ خُمارويه غضب على طُغج بن جُف بعد هذه الحملة لِأنَّهُ كان قد طلب منهُ القبض على راغب مولى المُوفَّق بالله أبو أحمد طلحة وليَّ العهد العبَّاسي، والمعروف أنَّ راغب هذا كان قد نزل بِطرسوس لِلجهاد ضدَّ الروم، ثُمَّ غلب على هذا الثغر بعد أحمد بن طغَّان العُجيفي، لكنَّ الاستقبال الودي الذي لقيه طُغج منه جعلهُ يأنس إليه ويُبقي على حياته وبِخاصَّةً بعد تدخُّل أهل طرسوس الذين ارتاحوا في ظل حُكمه، واشترك الرجلان في غزو البيزنطيين. وعندما عاد طُغج بن جُف إلى خُمارويه، راح يتلمَّس الأعذار لِتصرُّفه وامتناعه عن التخلُّص من راغب، ويبدو أنَّ خُمارويه لم يقتنع بِتبريراته وقرَّر التخلُّص منه، غير أنَّهُ قُتل قبل أن يُحقق ذلك.[9]
وعندما تولَّى هٰرون بن خُمارويه حُكم مصر، كان طُغج بن جُف يحكم الشَّام مُستقلًا عن مصر إلى حدٍ ما، فكتب إليه القائدان الطولونيَّان بدر الحمامي والحُسين بن أحمد الماذارئي لاستقطابه، لا سيَّما وأنَّ هٰرون بن خُمارويه كان صغيرًا لم يتجاوز الرابعة عشرة من عُمره وكان قادة الجُند يُسيرون شؤون الدولة وفق أهوائهم ومصالحهم الخاصَّة، وبعد مُفاوضاتٍ جرت بين الطرفين نجح القائدان الطولونيَّان في الوُصول إلى تفاهُمٍ معه يقضي بِعودة الشَّام إلى حظيرة الدولة الطولونيَّة وإقرار طُغج بن جُف على حُكمها.[10] وتصدَّى طُغج بن جُف في سنة 289هـ المُوافقة لِسنة 902م لِجُمُوع القرامطة الذين تقدموا باتجاه الشَّام هربًا من مُطاردة الجُيُوش العبَّاسيَّة، فعاثوا فيها فسادًا، لكنَّهُ هُزم أمامهم وعاد إلى دمشق، وجدَّد قتاله لهم في العام التالي، إلَّا أنَّهُ هُزم أيضًا.[11] وكان طُغج بن جُف من بين القادة الذين لم يرضوا عن قتل هٰرون بن خُمارويه، ولم يعترفوا بِخلفه شيبان بن أحمد بن طولون، وانضمُّوا إلى الجيش العبَّاسي الزاحف إلى مصر بِقيادة مُحمَّد بن سُليمان الكاتب لِلقضاء على حُكم الطولونيين. وكافأه الوالي العبَّاسي بِأن عيَّنهُ واليًا على قنسرين، لكنَّهُ لم يستمر طويلًا في منصبه، فقد اصطحبه مُحمَّد بن سُليمان الكاتب معهُ إلى بغداد هو وابنه وأخاه، وهُناك دبَّ الخلاف بينهُ وبين العبَّاس بن الحسن وزير الخليفة أبو مُحمَّد علي المُكتفي بِالله، فدسَّ لهُ عند الخليفة الذي زجَّه في السجن مع ابنه مُحمَّد، وتُوفي في سجنه في سنة 294هـ المُوافقة لِسنة 907م،[12] وأطلق الخليفة مُحمَّد بن طُغج من السجن، فلازم الوزير العبَّاسي إلى أن قضى عليه الحُسين بن حمدان التغلبي - أوَّل أمُراء الحمدانيين - واشترك مُحمَّد بن طُغج وأخوه عُبيد الله معهُ في التخلُّص منه أخذًا بِثأر والدهُما، وهرب مُحمَّد إلى الشَّام، وفرَّ أخوه عُبيد الله إلى شيراز.[13]
خلفيَّة تاريخيَّة[عدل]
ضعف الدولة العبَّاسيَّة[عدل]
الدُّول الإسلاميَّة المُتعددة التي نشأت بعد ضعف الدولة العبَّاسيَّة وزوال هيبة الخلِافة في بغداد.
كانت الدولة العبَّاسيَّة قد ضعُفت وقلَّت هيبة الخِلافة في نُفوس وُلاة الأقاليم البعيدة وأهلها لِأسبابٍ مُختلفة، من أبرزها بُروز «الشُّعوبيَّة»، وهي نزعةٌ ترمي إلى تفضيل «الشُعوب» الأعجميَّة على «القبائل» العربيَّة. وقد ظهرت هذه النزعة في الدولة العبَّاسيَّة لِأسبابٍ كثيرة أبرزها التنوع العرقي في الدولة العبَّاسيَّة مُتناثرة الأطراف، واستخدام الخُلفاء العبَّاسيين للعجم في قُصورهم وفي أجهزة الدولة. فقد اعتمد العبَّاسيُّون في تأسيس دولتهم على الفُرس النَّاقمين على الأُمويين، بعد أن كان الأُمويّون يعتمدون على العُنصر العربي في إدارة دولتهم وقيادة جُيوشهم.[14] وبعد فترةٍ اعتمدوا على التُرك بعد أن ضعُفت ثقتهم بِالعرب والفُرس كما أُسلف. وقد ازداد نُفوذ التُرك في الدولة العبَّاسيَّة حتَّى سيطروا على مُقدرات الدولة، وهيمنوا على الخِلافة بعد انقضاء عهد الخليفة أبو جعفر هٰرون الواثق بالله، فسيطروا على كافَّة الأقاليم وأنابوا فيها عُمَّالًا عنهم،[15] وقد شكَّل هذا التدبير خُطوةً سياسيَّةً على طريق انفصال الولايات عن الإدارة المركزيَّة، إذ طمع الوكلاء بِولاياتهم، واستقلَّوا بها مُنتهزين فُرصة ضعف السُلطة المركزيَّة، وعدم معرفة الخليفة بما يجري في الولايات لاطمئنانه إلى من ولَّاهم من التُرك.[16] ومن العوامل الدَّاخليَّة التي شجَّعت على انتشار الحركات الانفصاليَّة، اتساع رقعة الدولة العبَّاسيَّة، حتَّى غدت إمبراطوريَّة تبسطُ جناحيها على كافَّة أنحاء المنطقة المُمتدَّة من حُدود الصين وُصولًا إلى المغرب الأوسط في شمال أفريقيا. ولكن هذا الاتساع في المساحة، بدلًا من أن يكون عامل قُوَّةٍ في كيان الدولة، انقلب إلى عامل ضعفٍ فساعد على تفسُّخها وتفكُّكها، ذلك أنَّ بُعد المسافة بين أجزاء الدولة وبين عاصمتها، وصُعوبة المُواصلات في ذلك الزمن، جعلا الوالي في البلاد النائية يتجاوزون سُلطاتهم ويستقلُّون بِشُؤون ولاياتهم دون أن يخشوا الجُيوش القادمة من عاصمة الخِلافة لِإخماد حركاتهم الانفصاليَّة، والتي لم تكن تصل إلَّا بعد فوات الأوان.[17]
قيام الدولة الطولونيَّة[عدل]
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: الدولة الطولونية
الدولة الطولونيَّة (بالوردي) وما جاورها من أراضٍ عبَّاسيَّة (بالرمادي).
جاء قيام الدولة الطولونيَّة كإحدى النتائج الحتميَّة لِتنامي الفكر الشُعُوبي وظاهرة استقلال الوُلاة بِولاياتهم عن الدولة العبَّاسيَّة. وكان مُؤسس هذه السُلالة، وهو أحمد بن طولون، قد عُيِّن نائبًا على مصر من قِبل الوالي بايكباك التُركي في سنة 254هـ المُوافقة لِسنة 868م.[18] ومُنذُ أن قدم ابن طولون مصر، عمل على ترسيخ حُكمه فيها. وكان يتخلَّص من سُلطة الوالي الأصيل بِإغرائه بالمال والهدايا التي كان يُرسلها إليه. وعندما طلب إليه الخليفة أبو إسحٰق مُحمَّد المُهتدي بالله أن يتولَّى إخضاع عامل فلسطين المُتمرِّد على الدولة، سنحت لهُ الفُرصة التي كان ينتظرُها، فقد أنشأ ابن طولون جيشًا كبيرًا من المماليك التُرك والرُّوم والزُنوج ودعم حُكمه به. وقد أخذ من الجُند والنَّاس البيعة لِنفسه على أن يُعادوا من عاداه ويُوالوا من والاه.[18] وبِفضل هذا الجيش استطاع أن يقضي على الفتن الداخليَّة التي قامت ضدَّه، واستطاع أن يرفض طلب وليُ عهد الخليفة أبا أحمدٍ طلحة بن جعفر المُوفَّق بالله الذي كان يستعجله إرسال المال لِيستعين به على القضاء على ثورة الزُنج بالبصرة. ومُنذُ ذلك الوقت أصبحت دولة ابن طولون مُستقلَّة سياسيًا عن الخِلافة العبَّاسيَّة.[18] وعندما طلب الخليفة إلى ابن طولون أن يتخلَّى عن منصبه إلى «أماجور» والي الشَّام، رفض ابن طولون ذلك، وتوجَّه إلى الشَّام وضمَّها إلى مصر.[18] وعمد ابن طولون بعد استقلاله بِالديار المصريَّة والشَّاميَّة على إصلاح أحوالها وتعميرها، ولم ينفصل دينيَّا عن الخِلافة، كونها مثَّلت في نظره وفي نظر جمهور المُسلمين ضرورة دينيَّة لاستمرار الوحدة الإسلاميَّة، ولِأنَّها تُشكِّلُ رمزًا يربط أجزاء العالم الإسلامي المُختلفة، فحرص على أن يستمرَّ الدُعاء للخليفة العبَّاسي على منابر المساجد في مصر والشَّام، واعترف بسُلطته الروحيَّة والدينيَّة.[19] وبعد وفاة ابن طولون جاء ابنه خُمارويه الذي لم تُفلح دولة الخِلافة في أن تُزيح حُكمه عن الشَّام، فاضطرَّت إلى أن تعقد معهُ مُعاهدة صُلح ضمنت للدولة الطولونيَّة حُكم مصر والشَّام مُقابل جزية تؤديها. وبعد خُمارويه الذي مات اغتيالًا في دمشق، تولَّى الحُكم ولداه أبو العساكر جيش ثُمَّ هٰرون. ولم يكن هٰرون قادرًا على مُقاومة هجمات القرامطة الذين أخذوا يُغيرون على المُدن الشَّاميَّة، فاضطرَّ الخليفة أبو أحمد علي المُكتفي بِالله إلى أن يُنقذ دمشق من القرامطة بِجُيوشٍ يُرسلها من العراق. وكان انتصار المُكتفي على القرامطة تجربةً ناجحةً دفعتهُ إلى أن يتخلَّص من الحُكم الطولوني العاجز، فوجَّه قُوَّاته البحريَّة والبريَّة إلى مصر، فدخلت الفسطاط وأزالت الحُكم الطولوني الذي دام 37 سنة، وأعادت مصر إلى كنف الدولة العبَّاسيَّة.[ْ 6]
أوضاع مصر ما بين سُقُوط الدولة الطولونيَّة وقيام الدولة الإخشيديَّة[عدل]
تاريخ مصر
All Gizah Pyramids.jpg
عصر ما قبل الأسرات قبل-3100 ق.م
مصر القديمة
الأسرات المبكرة 3100-2686
المملكة المصرية القديمة 2686-2181 ق.م
عصر الاضمحلال الأول 2181-2055 ق.م
المملكة المصرية الوسطى 2055-1650 ق.م
عصر الاضمحلال الثاني 1650-1550 ق.م
المملكة المصرية الحديثة 1550-1069 ق.م
عصر الاضمحلال الثالث 1069-664 ق.م
العصر المتأخر 664-332 ق.م
كلاسيكية قديمة
مصر الأخمينية 525-332 ق.م
مصر البطلمية 332-30 ق.م
مصر الرومانية والبيزنطية 30 ق.م-641 ميلادي
مصر الساسانية 621-629
العصر الإسلامي
فترة الخلافة 641-969
الدولة الطولونية 868 - 933
الدولة الإخشيدية 933 -972
مصر الفاطمية 972-1171
مصر الأيوبية 1171-1250
مصر المملوكية 1250-1517
العصر الحديث مبكر
مصر العثمانية 1517-1867
الحملة الفرنسية 1798-1801
مصر الحديثة
حكم محمد علي 1805-1882
الخديوية المصرية 1867-1914
الاحتلال البريطاني 1882-1953
السلطنة المصرية 1914-1922
المملكة المصرية 1922-1953
جمهورية 1953-الحاضر
مصر بوابة مصر
ع ·
ن ·
ت
عادت مصر والشَّام إلى أحضان الخِلافة العبَّاسيَّة على أثر سُقُوط الإمارة الطولونيَّة، تحكُمها مُباشرةً بِواسطة وُلاةٍ تُعيِّنُهم من قِبلها. وعندما دخل مُحمَّد بن سُليمان الكاتب مدينة الفسطاط دعا لِلخليفة أبو أحمد علي المُكتفي بِالله على المنابر، وكتب إليه يُبشِّره بِالفتح، ثُمَّ ورد كتاب الخليفة بِولاية أبي موسى عيسى بن مُحمَّد النوشري على مصر، وكان هذا من بين القادة الذين قدموا مع مُحمَّد بن سُليمان الكاتب وشاركوا في القضاء على الإمارة الطولونيَّة، ثُمَّ عاد إلى العراق، ولكنَّهُ لم يكد يصل إلى دمشق حتَّى وافاه كتاب الخليفة بِولايته على مصر، فعاد أدراجه، وكان مُحمَّد بن سُليمان لا يزال فيها، فوصل إليها في 7 جُمادى الآخرة 292هـ المُوافق فيه 16 نيسان (أبريل) 905م، فخلع عليه وطاف به في الفسطاط وعليه الخُلعة، ثُمَّ خرج مع جُنده إلى الشَّام تاركًا مصر تحت حُكم عيسى النوشري.[20] وأجرى الخليفة تعييناتٍ إداريَّةٍ مُساعدةٍ لِعيسى النوشري. فقد عيَّن علي بن حسَّان أعمال الإسكندريَّة، ومُهاجر بن طليق ثغر تنيس ودُمياط، ورجُلًا يُعرف بِالكِندي الأحواف، ومُوسى بن أحمد برقة وما والاها، ومُحمَّد بن ربيعة الصعيد وأسوان، وأبا زنبور الحُسين بن أحمد الماذرائي أعمال الخِراج بِمصر.[20] وكانت فاتحة أعماله هدم ميدان أحمد بن طولون، وقد بيعت أنقاضه بِأبخس الأثمان، ثُمَّ قضى على من تبقَّى من أتباع الطولونيين وشرَّد فئة أُخرى منهم ولاحق الجُند الذين شغبوا عليه فقبض على جماعةٍ منهم وقتلهم ما أحدث اضطراباتٍ داخليَّةٍ عنيفة.[21]
وحدث في غُضون ذلك أن ظهر أمر عُبيد الله المهدي، مُؤسس الدولة الفاطميَّة في المغرب، وقد صادفت دعوته نجاحًا كبيرًا في تلك البلاد على يد الدُعاة الذين أرسلهم إليها، وذلك نتيجةً لِلظُروف السياسيَّة والاجتماعيَّة التي كانت تعيش في ظلِّها. وغدا الشيعة الإسماعيليَّة بين سنتيّ 288 و296هـ المُوافقة لِما بين سنتيّ 901 و908م أصحاب السُلطان المُطلق في جميع الجهات إلى الغرب من مدينة القيروان. وبعد نجاح الداعية أبي عبد الله الشيعي في مُهمته الدعويَّة، أرسل الرُسل إلى بلدة سلميَّة في الشَّام مقر الإسماعيليين، وكان عُبيد الله المهدي ما يزال فيها، يدعوه لِلمجيء إلى إفريقية. ولمَّا كان العبَّاسيين يُلاحقون العلويين بِلا هُوادة، خرج عُبيد الله المهدي من سلمية إلى الرملة في شهر رجب سنة 289هـ المُوافق فيه شهر حُزيران (يونيو) سنة 902م، مُتخفيًا بِزي التُجَّار، واصطحب معه ولده مُحمَّد، وبعد مضيّ سنتين يمَّم وجهه صوب مصر وأقام في الفسطاط بعيدًا عن الأنظار لِيتجنَّب رقابة السُلطة ومُلاحقتها، لكن سُرعان ما انكشف أمره وترصَّده الوالي عيسى النوشري حتَّى قبض عليه، ولكنَّهُ سُرعان ما أطلق سراحه مُخالفًا بِذلك أمر الخليفة، ولعلَّهُ تأثَّر بِبعض خاصَّته من الشيعة الإسماعيليين أو أنَّهُ تلقَّى رشوةً منه.[22] وحدث في عهد عيسى النوشري أيضًا أن لجأ أبو مضر زيادة الله الأغلبي، آخر الحُكَّام الأغالبة، إلى مصر هربًا من الفاطميين بعد أن فشل في وقف التمدُّد الشيعي باتجاه بلاده، فنزل أولًا بِالجيزة، ولمَّا أراد الدُخُول إلى الفسطاط منعهُ عيسى النوشري، ثُمَّ سمح لهُ شرط أن يدخُلها وحده من غير جُند.[23]
تُوفي عيسى النوشري في 26 شعبان 297هـ المُوافق فيه 10 أيَّار (مايو) 910م، وعُيِّن بعده أبو منصور تكين في 2 ذي الحجَّة 297هـ المُوافق فيه 12 آب (أغسطس) 910م،[24] وفي تلك الفترة كانت شوكة الفاطميين بِالمغرب تقوى شيءًا فشيءًا، وأبدى عُبيد الله المهدي عزم الفاطميين ورغبتهم الأكيدة في سحق العبَّاسيين وتزعُّم العالم الإسلامي روحيًا وسياسيًا، ولمَّا كان الوُصول إلى المشرق وعاصمة الخِلافة بغداد يمُر بِمصر الواقعة تحت السيطرة العبَّاسيَّة، قرَّر عُبيد الله المهدي ضرب الدولة العبَّاسيَّة في هذه الولاية والاستيلاء عليها كخُطوةٍ أولى. وفي سنة 301هـ المُوافقة لِسنة 914م جهَّز عُبيد الله المهدي جيشًا جرَّارًا عهد بِقيادته إلى وليّ عهده أبي القاسم مُحمَّد القائم بِأمر الله ودفعهُ باتجاه مصر لِلسيطرة عليها.[25] سار القائم إلى إلى مصر يوم الخميس 15 ذي الحجَّة 301هـ المُوافق فيه 13 تمُّوز (يوليو) 914م وأسرع قائد مُقدمة الجيش حباسة بن يُوسُف بِمُغادرة برقة ونجح في دُخول الإسكندريَّة في 8 مُحرَّم 302هـ المُوافق فيه 3 آب (أغسطس) 914م.[26] وبعد وُصُول القائم إلى الإسكندريَّة، سار بِجيشه إلى الفسطاط حيثُ اصطدم بِقُوَّات الوالي العبَّاسي على مقرُبةٍ من الجيزة، فاضطرَّ تحت ضغط القتال أن يتراجع إلى الإسكندريَّة مُجددًا.[26] وفي الوقت الذي كان فيه القائم يستريح من عناء القِتال في الإسكندريَّة، أرسل الخليفة العبَّاسي أبو الفضل جعفر المُقتدر بِالله قُوَّةً عسكريَّةً إلى مصر بِقيادة مُؤنس الخادم، وهو من كبار القادة العبَّاسيين، وممَّا لا شكَّ فيه بِأنَّ القائم لم يكن قادرًا على مُواجهة الجيش العبَّاسي وجيش ولاية مصر معًا، وكذلك انتفاضة الأهالي ضدَّه، فاضطرَّ إلى الانسحاب إلى إفريقية.[25]
تولَّى بعد ذلك حُكم مصر الوالي زكَّا الأعور في 12 صفر 303هـ المُوافق فيه 27 آب (أغسطس) 915م، فطارد أنصار الفاطميين الذين كاتبوا عُبيد الله المهدي وحثوه على غزو مصر، فقبض على كثيرٍ منهم، فسجن فئة وأعدم فئة فعظُمت هيبته في عُيُون الناس، وعمل على إقرار الأمن وتحصين الإسكندريَّة تحسُبًا لِأي هُجومٍ فاطميٍّ جديد. لكنَّ العلاقة بين الوالي الجديد والسُكَّان ساءت بِسبب تبنّيه رأي المُعتزلة بِشأن خلق القُرآن، كما انقلب عليه الجُند بِسبب تأخُره في دفع رواتبهم.[27] وفي تلك الفترة عاود الفاطميين الكرَّة على مصر، يُرافقهم هذه المرَّة أُسطولٌ بحريّ، فتمكنوا من دُخول الإسكندريَّة مُجددًا، وأخذ الوالي العبَّاسي يعمل على التصدي لهم، ولكنَّ عصيان الجُنود لِأوامره ورفضهم التعاون معه في الدفاع عن الديار المصريَّة جعلهُ يخرج بِمجموعةٍ صغيرةٍ من الجُنود إلى مُعسكره في الجيزة ولكنَّهُ أُصيب بِوعكةٍ صحيَّةٍ مُفاجئة وتوفى على إثرها. وعُيِّن مرَّةً أُخرى أبو منصور تكين على ولاية مصر لِمُواصلة الدفاع عنها ضد هجمات الفاطميين، وحفر خندقًا بِمعُسكر الجيزة بِخلاف الخندق الذي حفره الوالي السَّابق، وجاءت قُوَّات إضافيَّة من بغداد لِلدفاع عن السواحل المصريَّة وبِالفعل تمَّت هزيمة الفاطميين والرُجوع عن نوياهم خوفًا من الدُخول في معركةٍ نتائجها ليست في صالح الدولة الفاطميَّة.[28] وما كاد تكين يرتاح من عناء الضغط الفاطمي حتَّى أقدم مُؤنس الخادم على عزله عن ولاية مصر، ثُمَّ أعاد تعيينه بعد ثلاثة أيَّام بناءً على طلبات المصريين، ثُمَّ أعاد عزله مرَّة أُخرى بعد أربعة أيَّام من إعادته وأبعده عن مصر، وعيَّن بدلًا منه هلال بن بدر ثُمَّ أحمد بن كيغلغ، ثُمَّ أُعيد تولية أبو منصور تكين لِلمرَّة الرابعة، فبقي قائمًا على أُمور مصر إلى أن تُوفي في 16 ربيع الأوَّل 321هـ المُوافق فيه 16 آذار (مارس) 933م.[29] شهدت مصر بعد وفاة تكين صراعًا حادًا على السُلطة بين الوُلاة والجيش العبَّاسي المُرابط في الولاية والقادة الماذرائيين وأنصارهم الذين كانت لهم سُلطة في البلاد مُنذ العهد الطولوني، فساد الاضطراب الداخلي وساءت الإدارة، ولم ترجع الأُمور لِنصابها إلَّا بِتعيين مُحمَّد بن طُغج الإخشيدي واليًا بعد بضعة شُهُور.[30]
التاريخ[عدل]