منتديات السادة الهوارة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات السادة الهوارة

د/مصطفى سليمان أبو الطيب الهوارى

د مصطفى سليمان ابوالطيب ابويوسف عايد الهوارى من مواليد محافظة الاسكندرية 8-6-1973 الاصل من محافظه اسيوط مركز صدفا قرية الدوير عايد قبيلة هوارة عايد الهوارى دكتوراة فى التاريخ الاسلامى فى انساب القبائل العربية عام 2015 من اكاديمة مشكاة للدرسات الاسلامية عن القبائل النازحة لمصر عقب الفتح الاسلامى سفير النوايا الحسنة المنظمه الضمير العالمى لحقوق الإنسان إحدى منظمات التابعه للامم المتحده رئيس ومؤسس الجمعية الخيرية لأبناء الهوارة عام 2012 المشهرة برقم 3107 ومؤلف مجلد قاموس القبائل العربية المصرية( مفاتيح الانارة فى انساب قبائل العرب والمرابطين والهوارة) و موسوعه القبائل والعائلات العربية والمصرية وهم1-تاريخ الامارة فى أنساب قبائل وعائلات الهوارة 2- القول السليم فى بطون وعشائر بنى سليم 3- القول المتين فى تاريخ وأنساب قبائل المرابطين وبنى سليم 4-رجال العصر فى أنسابهوازن وبنى هلال وبنى نصر 5-الأقوال الجلية فى أنساب وقبائل سيناء والشرقية -6-القول الشاف فى أنساب قبائل الأنصار والأشراف و الامين العام لمجلس للقبائل المصرية والعربية بالاسكندرية حاصل على درع وشهادة تقدير من المجلس المصرى للقبائل المصرية والعربية رئيس اللجنة العليا لدعم الجيش والشرطة والمصالحات بالمنظمة المصرية لحقوق الانسان بالاسكندرية حاصل على شهادة تفدير من المنظمة المصرية لحقوق الانسان [رئيس الجمعية الخيرية لأبناء محافظة أسيوطفرع عبدالقادرالعامرية الإسكندرية/ وكيل مؤسسين حزب التحرير العربى حزب لم يكتمل امين عام التنظيم بحزب مصر الثورة سابقا مرشح مجلس الشعب بالدائرة الرابعه بالاسكندرية عن الشباب والجمعيات الاهلية عام 2011 حاصل على العديد من شهادات التقدير من الجمعيات الاهلية والمجالس عن دورة فى المجتمع المدنى رئيس لجنة المساعدات الطبية بالجمعيات الاهلية شعبة العامرية وباحث ومؤرخ فى تاريخ القبائل العربية بمصر والوطن العربى موبايل رقم 01224369577 01002920977 01119825377
من هـو د:مصطفي سليمان أبوالطيب أبوعايـد الهواري د:مصـطفى سليمان السـيد أبو الطيب محمد أبو الطيب محمد أبويـوسف بن شيخ العـرب محمد بن شيخ عربان هوارة حمد بن شيخ العرب محمود بن شيخ العرب حمد بن الأمير حماد بن الأمير ريان بن الأمير عايد الهوارى الملقب بسيد العرب الأمير منصور بن الأمير ناصر بن الأميرسليم بن الأمير بهنان بن الأمير عوف بن الأمير مالك بن الأمير ناصر بن الأمير قيس بن الأميرالحارث بن الأمير سعد بن الأمير مالك بن الأميرغندور بن الأمير سرحان بن الأمير مالك بن الأميرعمرو بن الأمير عمارة بن الأمير عمران بن الأمير حمدان بن الأمير عامر بن الأمير عمرو بن سعد بن مسعود بن عمر بن عمير بن عامر بن ربيعة بن معاوية بن عامر بن ربيعة فارس العرب الذى قتل أول فارسى فى معركة القادسية منه بنو ربيعه بن عثمان بن ربيعة بن النابغة بن عنز بن حبيب بن وائلة بن دهمان ومنه بنو دهمان بن نصر ومنه بنو نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن ومنه القبائل الهوازنية بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس ومنه القبائل القيسية بن عيلان بن مضر ومنه بنو مضر بن نزار بن معد بن عدنان هو جد القبائل العدنانية بجزيرة العرب بن أد بن أدد بن هميسع بن سلامان ابن عوص بن بوز بن قموال بن أبي بن عوام بن ناشد بن بلداس بن يدلاف بن طانج بن جاحم بن ناحش بن ماخي بن عيض بن عبقر بن عبيد بن الدعا بن حمدان بن سنبر بن يثربي بن يحزن بن يلحن بن ارعوى بن عيض بن ديشان بن عيص بن أفناد بن أيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن سمي بن مزي بن عوضه بن عرام بن قيدار بن إسماعيل عليه السلام بن إبراهيم عليه السلام أبن تارح بن ناحور بن ساروع أو ساروغ بن راعو بن فالخ بن عابر بن شالخ ابن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ بن إدريس عليه السلام ابن يرد بن مهلائيل بن قينان بن آنوشة بن شيت بن آدم عليهما السلام من مواليد محافظـة الإسكندرية 8-6-1973 الأصل من محافظه أسيوط مركز صدفا قرية الدوير عايد قبيـلة هوارة عايد الهوارى مسقـط رأس شيـخ مشايـخ عربان هوارة أسيوط الأمير عايد الهواري الملقب بسيـد العرب دكتوراة فى التاريخ الاسلامى فى انساب القبائل العربية عام 2015 من اكاديمية مشكـاة للدرسات العربية والاسلامية عن القبائـل النازحة لمصـر عقب الفتح الاسلامى سفير النوايا الحسنة المنظمه الضمير العالمى لحقوق الإنسان إحدى منظمات التابعه للامم المتحده رئيس ومؤسس الجمعية الخيرية لأبناء هوارة عام 2012 المشهرة برقم 3107 سفيـر النوايا الحسنة من منظـمة الضميـر التابعة للامم المتحدة ومؤلف مجـلد قاموس القبائل العربية المصرية 1:مفاتيح الانارة فى انساب قبائل العرب والمرابطين والهوارة 2:موسوعه القبائل والعائلات العربية والمصرية وهــم 1:تاريخ الامارة فى أنساب قبائل وعائلات الهوارة 2: القول السليم فى بطون وعشائر بنى سليم 3:القول المتين فى تاريخ وأنساب قبائل المرابطين وبنى سليم 4:رجال العصر فى أنساب هوازن وبنى هلال وبنى نصر 5:الأقوال الجلية فى أنساب وقبائل سيناء والشرقية 6:القول الشاف فى أنساب قبائل الأنصار والأشراف الامين العام لمجلس القبائل المصرية والعربية بالإسكندرية حاصل على درع وشهادة تقدير من المجلس المصري للقبائل المصرية والعربية رئيس اللجنة العليا لدعم الجيش والشرطة والمصالحات بالمنظمة المصرية لحقوق الانسان بالإسكندرية حاصل على شهادة تقدير من المنظمة المصرية لحقوق الانسان رئيس الجمعية الخيرية لأبناء محافظة أسيوط فرع عبدالقادر العامرية الإسكندرية وكيل مؤسسين حزب التحرير العربي حزب لم يكتمل امين عام التنظـيم بحزب مصر الثـورة سابقاً مرشح مجلس الشعب بالدائرة الرابعة بالإسكندرية عن الشباب والجمعيات الاهلية عام 2011 حاصـل على العديد من شهادات التقدير من الجمعيات الاهلية والمجالس عن دورة فى المجتمع المدني. رئيس لجـنة المساعدات الطبية بالجمعيات الاهلية شعبة العامرية باحث ومؤرخ فى تاريخ القبائل العربية والمصرية بمصر والوطن العربي أمين عام المجلس الأعلى للقبائل العربية والمصرية بالإسكندريــة
من هـو د:مصطفي سليمان أبوالطيب أبوعايـد الهواري د:مصـطفى سليمان السـيد أبو الطيب محمد أبو الطيب محمد أبويـوسف بن شيخ العـرب محمد بن شيخ عربان هوارة حمد بن شيخ العرب محمود بن شيخ العرب حمد بن الأمير حماد بن الأمير ريان بن الأمير عايد الهوارى الملقب بسيد العرب الأمير منصور بن الأمير ناصر بن الأميرسليم بن الأمير بهنان بن الأمير عوف بن الأمير مالك بن الأمير ناصر بن الأمير قيس بن الأميرالحارث بن الأمير سعد بن الأمير مالك بن الأميرغندور بن الأمير سرحان بن الأمير مالك بن الأميرعمرو بن الأمير عمارة بن الأمير عمران بن الأمير حمدان بن الأمير عامر بن الأمير عمرو بن سعد بن مسعود بن عمر بن عمير بن عامر بن ربيعة بن معاوية بن عامر بن ربيعة فارس العرب الذى قتل أول فارسى فى معركة القادسية منه بنو ربيعه بن عثمان بن ربيعة بن النابغة بن عنز بن حبيب بن وائلة بن دهمان ومنه بنو دهمان بن نصر ومنه بنو نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن ومنه القبائل الهوازنية بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس ومنه القبائل القيسية بن عيلان بن مضر ومنه بنو مضر بن نزار بن معد بن عدنان هو جد القبائل العدنانية بجزيرة العرب بن أد بن أدد بن هميسع بن سلامان ابن عوص بن بوز بن قموال بن أبي بن عوام بن ناشد بن بلداس بن يدلاف بن طانج بن جاحم بن ناحش بن ماخي بن عيض بن عبقر بن عبيد بن الدعا بن حمدان بن سنبر بن يثربي بن يحزن بن يلحن بن ارعوى بن عيض بن ديشان بن عيص بن أفناد بن أيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن سمي بن مزي بن عوضه بن عرام بن قيدار بن إسماعيل عليه السلام بن إبراهيم عليه السلام أبن تارح بن ناحور بن ساروع أو ساروغ بن راعو بن فالخ بن عابر بن شالخ ابن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ بن إدريس عليه السلام ابن يرد بن مهلائيل بن قينان بن آنوشة بن شيت بن آدم عليهما السلام من مواليد محافظـة الإسكندرية 8-6-1973 الأصل من محافظه أسيوط مركز صدفا قرية الدوير عايد قبيـلة هوارة عايد الهوارى مسقـط رأس شيـخ مشايـخ عربان هوارة أسيوط الأمير عايد الهواري الملقب بسيـد العرب دكتوراة فى التاريخ الاسلامى فى انساب القبائل العربية عام 2015 من اكاديمية مشكـاة للدرسات العربية والاسلامية عن القبائـل النازحة لمصـر عقب الفتح الاسلامى سفير النوايا الحسنة المنظمه الضمير العالمى لحقوق الإنسان إحدى منظمات التابعه للامم المتحده رئيس ومؤسس الجمعية الخيرية لأبناء هوارة عام 2012 المشهرة برقم 3107 سفيـر النوايا الحسنة من منظـمة الضميـر التابعة للامم المتحدة ومؤلف مجـلد قاموس القبائل العربية المصرية 1:مفاتيح الانارة فى انساب قبائل العرب والمرابطين والهوارة 2:موسوعه القبائل والعائلات العربية والمصرية وهــم 1:تاريخ الامارة فى أنساب قبائل وعائلات الهوارة 2: القول السليم فى بطون وعشائر بنى سليم 3:القول المتين فى تاريخ وأنساب قبائل المرابطين وبنى سليم 4:رجال العصر فى أنساب هوازن وبنى هلال وبنى نصر 5:الأقوال الجلية فى أنساب وقبائل سيناء والشرقية 6:القول الشاف فى أنساب قبائل الأنصار والأشراف الامين العام لمجلس القبائل المصرية والعربية بالإسكندرية حاصل على درع وشهادة تقدير من المجلس المصري للقبائل المصرية والعربية رئيس اللجنة العليا لدعم الجيش والشرطة والمصالحات بالمنظمة المصرية لحقوق الانسان بالإسكندرية حاصل على شهادة تقدير من المنظمة المصرية لحقوق الانسان رئيس الجمعية الخيرية لأبناء محافظة أسيوط فرع عبدالقادر العامرية الإسكندرية وكيل مؤسسين حزب التحرير العربي حزب لم يكتمل امين عام التنظـيم بحزب مصر الثـورة سابقاً مرشح مجلس الشعب بالدائرة الرابعة بالإسكندرية عن الشباب والجمعيات الاهلية عام 2011 حاصـل على العديد من شهادات التقدير من الجمعيات الاهلية والمجالس عن دورة فى المجتمع المدني. رئيس لجـنة المساعدات الطبية بالجمعيات الاهلية شعبة العامرية باحث ومؤرخ فى تاريخ القبائل العربية والمصرية بمصر والوطن العربي أمين عام المجلس الأعلى للقبائل العربية والمصرية بالإسكندريــة
من هـو د:مصطفي سليمان أبوالطيب أبوعايـد الهواري د:مصـطفى سليمان السـيد أبو الطيب محمد أبو الطيب محمد أبويـوسف بن شيخ العـرب محمد بن شيخ عربان هوارة حمد بن شيخ العرب محمود بن شيخ العرب حمد بن الأمير حماد بن الأمير ريان بن الأمير عايد الهوارى الملقب بسيد العرب الأمير منصور بن الأمير ناصر بن الأميرسليم بن الأمير بهنان بن الأمير عوف بن الأمير مالك بن الأمير ناصر بن الأمير قيس بن الأميرالحارث بن الأمير سعد بن الأمير مالك بن الأميرغندور بن الأمير سرحان بن الأمير مالك بن الأميرعمرو بن الأمير عمارة بن الأمير عمران بن الأمير حمدان بن الأمير عامر بن الأمير عمرو بن سعد بن مسعود بن عمر بن عمير بن عامر بن ربيعة بن معاوية بن عامر بن ربيعة فارس العرب الذى قتل أول فارسى فى معركة القادسية منه بنو ربيعه بن عثمان بن ربيعة بن النابغة بن عنز بن حبيب بن وائلة بن دهمان ومنه بنو دهمان بن نصر ومنه بنو نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن ومنه القبائل الهوازنية بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس ومنه القبائل القيسية بن عيلان بن مضر ومنه بنو مضر بن نزار بن معد بن عدنان هو جد القبائل العدنانية بجزيرة العرب بن أد بن أدد بن هميسع بن سلامان ابن عوص بن بوز بن قموال بن أبي بن عوام بن ناشد بن بلداس بن يدلاف بن طانج بن جاحم بن ناحش بن ماخي بن عيض بن عبقر بن عبيد بن الدعا بن حمدان بن سنبر بن يثربي بن يحزن بن يلحن بن ارعوى بن عيض بن ديشان بن عيص بن أفناد بن أيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن سمي بن مزي بن عوضه بن عرام بن قيدار بن إسماعيل عليه السلام بن إبراهيم عليه السلام أبن تارح بن ناحور بن ساروع أو ساروغ بن راعو بن فالخ بن عابر بن شالخ ابن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ بن إدريس عليه السلام ابن يرد بن مهلائيل بن قينان بن آنوشة بن شيت بن آدم عليهما السلام من مواليد محافظـة الإسكندرية 8-6-1973 الأصل من محافظه أسيوط مركز صدفا قرية الدوير عايد قبيـلة هوارة عايد الهوارى مسقـط رأس شيـخ مشايـخ عربان هوارة أسيوط الأمير عايد الهواري الملقب بسيـد العرب دكتوراة فى التاريخ الاسلامى فى انساب القبائل العربية عام 2015 من اكاديمية مشكـاة للدرسات العربية والاسلامية عن القبائـل النازحة لمصـر عقب الفتح الاسلامى رئيس ومؤسس الجمعية الخيرية لأبناء هوارة عام 2012 المشهرة برقم 3107 سفيـر النوايا الحسنة من منظـمة الضميـر التابعة للامم المتحدة ومؤلف مجـلد قاموس القبائل العربية المصرية 1:مفاتيح الانارة فى انساب قبائل العرب والمرابطين والهوارة 2:موسوعه القبائل والعائلات العربية والمصرية وهــم 1:تاريخ الامارة فى أنساب قبائل وعائلات الهوارة 2: القول السليم فى بطون وعشائر بنى سليم 3:القول المتين فى تاريخ وأنساب قبائل المرابطين وبنى سليم 4:رجال العصر فى أنساب هوازن وبنى هلال وبنى نصر 5:الأقوال الجلية فى أنساب وقبائل سيناء والشرقية 6:القول الشاف فى أنساب قبائل الأنصار والأشراف الامين العام لمجلس القبائل المصرية والعربية بالإسكندرية حاصل على درع وشهادة تقدير من المجلس المصري للقبائل المصرية والعربية رئيس اللجنة العليا لدعم الجيش والشرطة والمصالحات بالمنظمة المصرية لحقوق الانسان بالإسكندرية حاصل على شهادة تقدير من المنظمة المصرية لحقوق الانسان رئيس الجمعية الخيرية لأبناء محافظة أسيوط فرع عبدالقادر العامرية الإسكندرية وكيل مؤسسين حزب التحرير العربي حزب لم يكتمل امين عام التنظـيم بحزب مصر الثـورة سابقاً مرشح مجلس الشعب بالدائرة الرابعة بالإسكندرية عن الشباب والجمعيات الاهلية عام 2011 حاصـل على العديد من شهادات التقدير من الجمعيات الاهلية والمجالس عن دورة فى المجتمع المدني. رئيس لجـنة المساعدات الطبية بالجمعيات الاهلية شعبة العامرية باحث ومؤرخ فى تاريخ القبائل العربية والمصرية بمصر والوطن العربي أمين عام المجلس الأعلى للقبائل العربية والمصرية بالإسكندريــة

من هـو د:مصطفي سليمان أبوالطيب أبوعايـد الهواري د:مصـطفى سليمان السـيد أبو الطيب محمد أبو الطيب محمد أبويـوسف بن شيخ العـرب محمد بن شيخ عربان هوارة حمد بن شيخ العرب محمود بن شيخ العرب حمد بن الأمير حماد بن الأمير ريان بن الأمير عايد الهوارى الملقب بسيد العرب الأمير منصور بن الأمير ناصر بن الأميرسليم بن الأمير بهنان بن الأمير عوف بن الأمير مالك بن الأمير ناصر بن الأمير قيس بن الأميرالحارث بن الأمير سعد بن الأمير مالك بن الأميرغندور بن الأمير سرحان بن الأمير مالك بن الأميرعمرو بن الأمير عمارة بن الأمير عمران بن الأمير حمدان بن الأمير عامر بن الأمير عمرو بن سعد بن مسعود بن عمر بن عمير بن عامر بن ربيعة بن معاوية بن عامر بن ربيعة فارس العرب الذى قتل أول فارسى فى معركة القادسية منه بنو ربيعه بن عثمان بن ربيعة بن النابغة بن عنز بن حبيب بن وائلة بن دهمان ومنه بنو دهمان بن نصر ومنه بنو نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن ومنه القبائل الهوازنية بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس ومنه القبائل القيسية بن عيلان بن مضر ومنه بنو مضر بن نزار بن معد بن عدنان هو جد القبائل العدنانية بجزيرة العرب بن أد بن أدد بن هميسع بن سلامان ابن عوص بن بوز بن قموال بن أبي بن عوام بن ناشد بن بلداس بن يدلاف بن طانج بن جاحم بن ناحش بن ماخي بن عيض بن عبقر بن عبيد بن الدعا بن حمدان بن سنبر بن يثربي بن يحزن بن يلحن بن ارعوى بن عيض بن ديشان بن عيص بن أفناد بن أيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن سمي بن مزي بن عوضه بن عرام بن قيدار بن إسماعيل عليه السلام بن إبراهيم عليه السلام أبن تارح بن ناحور بن ساروع أو ساروغ بن راعو بن فالخ بن عابر بن شالخ ابن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ بن إدريس عليه السلام ابن يرد بن مهلائيل بن قينان بن آنوشة بن شيت بن آدم عليهما السلام من مواليد محافظـة الإسكندرية 8-6-1973 الأصل من محافظه أسيوط مركز صدفا قرية الدوير عايد قبيـلة هوارة عايد الهوارى مسقـط رأس شيـخ مشايـخ عربان هوارة أسيوط الأمير عايد الهواري الملقب بسيـد العرب دكتوراة فى التاريخ الاسلامى فى انساب القبائل العربية عام 2015 من اكاديمية مشكـاة للدرسات العربية والاسلامية عن القبائـل النازحة لمصـر عقب الفتح الاسلامى رئيس ومؤسس الجمعية الخيرية لأبناء هوارة عام 2012 المشهرة برقم 3107 سفيـر النوايا الحسنة من منظـمة الضميـر التابعة للامم المتحدة ومؤلف مجـلد قاموس القبائل العربية المصرية 1:مفاتيح الانارة فى انساب قبائل العرب والمرابطين والهوارة 2:موسوعه القبائل والعائلات العربية والمصرية وهــم 1:تاريخ الامارة فى أنساب قبائل وعائلات الهوارة 2: القول السليم فى بطون وعشائر بنى سليم 3:القول المتين فى تاريخ وأنساب قبائل المرابطين وبنى سليم 4:رجال العصر فى أنساب هوازن وبنى هلال وبنى نصر 5:الأقوال الجلية فى أنساب وقبائل سيناء والشرقية 6:القول الشاف فى أنساب قبائل الأنصار والأشراف الامين العام لمجلس القبائل المصرية والعربية بالإسكندرية حاصل على درع وشهادة تقدير من المجلس المصري للقبائل المصرية والعربية رئيس اللجنة العليا لدعم الجيش والشرطة والمصالحات بالمنظمة المصرية لحقوق الانسان بالإسكندرية حاصل على شهادة تقدير من المنظمة المصرية لحقوق الانسان رئيس الجمعية الخيرية لأبناء محافظة أسيوط فرع عبدالقادر العامرية الإسكندرية وكيل مؤسسين حزب التحرير العربي حزب لم يكتمل امين عام التنظـيم بحزب مصر الثـورة سابقاً مرشح مجلس الشعب بالدائرة الرابعة بالإسكندرية عن الشباب والجمعيات الاهلية عام 2011 حاصـل على العديد من شهادات التقدير من الجمعيات الاهلية والمجالس عن دورة فى المجتمع المدني. رئيس لجـنة المساعدات الطبية بالجمعيات الاهلية شعبة العامرية باحث ومؤرخ فى تاريخ القبائل العربية والمصرية بمصر والوطن العربي أمين عام المجلس الأعلى للقبائل العربية والمصرية بالإسكندريــة

    أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:05 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    《العرب في الهلال الخصيب》

    ليس من السهل علينا التعرض في الوقت الحاضر للصلات التي كانت بين العرب الشماليين وبين حكومات الهلال الخصيب في أقدم العهود التأريخية المعروفة التي وقفنا على بعض ملامحها ومعالمها من الآثار فبينها وبيننا حجب كثيفة ثخينة لم تتمكن الأبصار من النفاذ منها لاستخراج ما وراءها من أخبار عن صلات العرب في تلك العهود بالهلال الخصيب.
    ولعل خبر "نرام ، سن" "نرام ، سين" "Naram–Sin" الأكادي "2270-2223 ق. م." عن استيلائه على الأرضين المتصلة بـــأرض بابل والتي كـــان سكانها مـــن العـــرب "Aribu" "Arabu" هـــو أقـــدم خبر يصل إلينا في موضوع صلات العرب بالعـــراق.
    وهو خبر ينبئك بأن عرب أيام "نرام سن" ، كانـــوا في تلك المنازل قبـــل أيامه بالطبع؛ وهي منازل كونوا فيها "مشيخات" و"إمارات" مثل إمارة "الحيـــرة" الشهيرة التي ظهرت بعــد الميلاد.
    ويحـــدثنا سفر "القضاة" بـــأن "المدينيين" والعمالقة وبني المشرق كانـــوا ينتزعون ما بأيـــدي الإسرائيليين من غلة زراعــة ، وما عندهم من ماشية ، ويغيرون.
    ـــ
    وأما "Muaba" ، فيرى "موسل" أنها "مؤاب" المذكورة في التوراة ، وهي أرض المؤابيين، أبناء "مــــؤاب".
    وأسمـــاء الأشخاص الــــواردة في النصوص الآشورية هي أقــدم أسماء نعــــرفها وردت في نصوص تأريخية عند العــــرب الشماليين، مثل "زبيبة" و"شمس" و"الباسق" الــــذي كتــب "بسقانو" "Basqanu" في النص الآشوري، و"أيم" الذي هو "إيمو" في النصوص الآشورية ، و"جندب" الـذي صار "جنديبو" "Gindibu" في اللغة الآشوريـــة "Kiau" "Kisu" "Ki–i–su" الــــذي يحتمل أنــه "قيس" ، و"Agbaru" "Akbaru" القريب مــن أكبر أو "أخبر" أو "أجبر" "وخبيصو" "جيصو" "Habisu" "kha–bi–su" الــــذي يحتمل أنــه "خبيص" أو "خابص" أو "حبيس" أو "حابس" أو "قبيصة" أو ما شابه ذلك من أسماء، و"نخرو" "نحرو" "Niharu" "Ni–kha–ru" الذي يحتمل أنه "نخر"، أو "ناخر" أو "نهار"، و"ليلى" "Laili" "Laiale"، الذي هــــو "ليلي" إلى آخـــر ذلك من أسماء.
    وورد في جملة الأرضين التي استولى عليها "آشور بانبال" في بلاد العرب، اسم موضع دعي "إنزلكرمة" "Enzilkarme" "Al–en–zi–kar–me"، وهــــو كنايـــة عـــن واحــــة ، يـــرى "ديلج" "Delitzsch" أنها تقــــع جنــــوب حــــوران.
    وقـــد افتخــــر "آشور بانبال , الملك العظيم , الملك الحق الشرعي , ملك العالم , ملك آشور , ملك الجهات الأربــــع ، ملك الملوك ، الأمير الذي لا ينازعه منازع ، الذي يحكم من البحر الأعلى إلى البحــــر الأسفل ، والــذي جعل كل الحكام الآخرين يخرون لــه سجدا ويقبلون أقدامه" ، بــأنه ملك من البحر الأعلى حتى جـــزيرة "دلمون" من البحر الأسفل.
    ومعنى هــذا أن ملكه امتدَّ من أعالي العراق إلى البحرين.
    يظهـــر مــن النصوص الآشورية أن الآشوريين قاموا بعدد من الحملات يزيد, بل كان ذلك عامًّا حتى بين العرب أنفسهم ؛ وقد أدى ذلك إلى جهلنا بهويات شعوب ذكرت في النصوص الآشورية وفي النصوص الأخرى وفي التوراة، دون أن يشار إلى جنسيتها، فلم نستطع أن نضيفها إلى العرب للسبب المذكور.

    وكـــان ملك "دمشق" "بيرادري" "Bir–Idri" "Biridri"، المعـــروف باسم "بنهــدد" "Benhaddad" في التوراة ، قـد هــاله توسع الآشوريين وتدخلهم في شئون الممالك الصغيرة والإمارات، ولا سيما بعد تدخلهم في شئون مملكة "حلب" ، وخضوع هذه المملكة لهـــم بـدفعها الجـــزية واعترافهم بسيادة آشور عليها.
    فعـــزم على الوقوف أمام الآشوريين وذلك بتأليف حلف مـن الملـــوك السوريين وسادات القبـــائل العــربية لـدرء هذا الخطر الداهم. وقــد انضم إليه "آخاب" ملك إسرائيل ، وأمـــراء الفينيقيين ، فكـــان مجمـــوع مـــن استجاب لدعوته اثني عشر ملكًا من ملـــوك سوريـة ، "وجنديبو" ملك "العـرب" ، وقد أمد الحلف بألف جمل وبمحاربين ، وكل هـــؤلاء كانـــوا قـد أصيبوا بضـــربات عنيفة مــن الآشوريين وتعلموا بتجاربهم معهـــم مبلـــغ قوتهم وغلظتهم على الشعوب التي غلبوها على أمرها، فأرادوا بهذا الحلف التخلص مـن شرهم والانتقام منهم والقضاء عليهم.
    وعند مـــدينة "قرقر" ، الواقعة شمال "حمـــاة" وعلى مقـــربة منها ، وقعت الواقعــة ، وتــلاقى الجيشان : جيش "آشور" تسيّره نشوة النصر، وجيوش الإرميين والعـــرب والفينيقيين ومن انضـــم إليهـــم ، تجمــع بينهم رابطة الدفاع عن أنفسهم، وبغضهم الشديد للآشوريين.
    لقــد تجمع ألـــوف مـن جنود الحلفاء في "قرقر" على روايـــة ملك آشـــور لمقاومة الآشوريين وصـــدهم مـــن التوسع نحو الجنوب ، واشتركت في المعـــركة مئـــات مــن المركبات.
    أمــا النصـــر فكـان حليف "شلمنصر" انتصر عليهم بيسر وسهولة ، وأوقــع بهم خسائر كبيرة ، وغنم منهم غنائم كثيرة، وتفرق الشمل ، وهرب الجميع وانحلَّ العقد ، ورجــع ملك آشور إلى بلده منتصرًا، مخلدًا انتصاره هذا في كتابة ليقف عليها الناس.

    وإليـــك بعضَ مـــا جـــاء في نص "شلمنصر" عـن معـــركة "قرقر" لتقف على ما قـــاله عنها : "قرقر : عاصمته الملكية ، أنا أتلفتها ، أنا دمرتها ، أنا أحرقتها بالنار ، 1200 عجلة، 1200 فـارس ، 20.000 جندي "لهدد عازر" صاحب "إرم" ... ألف جمل "لجندب" العــربي ... هـــؤلاء الملوك الاثنا عشر الــذين استقدمهم لمساعدته ، برزوا إلى المعركة والقتال، تألبوا عليَّ ... ".

    ويـــلاحظ كثـــرة عـــدد العجـــلات المستخدمة في المعركة بالنسبة إلى تلك الأيـــام ، وهـــذه الأرقــام ليست بالطبع أرقامًا مضبوطة ، فقــد عودنا الملـــوك الأقدمون المبالغة في ذكـــر العـــدد ، والتهويل في تــدوين أخبار المعارك والحـــوادث ؛ للتضخيم مــن شأنهم وللتعظيم ، وتلك عادة قديمة نجــدها عنـد غيــر الآشوريين أيضا.
    و"جنديبو" اسم من الأسماء العــربية المعروفة هــو "جندب", ويكون هـــذا الاسم أول اسم عـــربي يسجـــل في الكتابات الآشورية. ولـــم يشر "شلمنصر" إلى أرضــه والمكان الــذي كان يحكم فيه. غيــر أن القرائن تدل على أنها كـــانت في أطــراف البادية ويـــرى "موسل" أنها كانت تقـــع في مكان ما جنوب مملكة "دمشق" وأرى أنـــه كـــان ملكًا على غـــرار الملـــوك سادات القبائل مثل ملـــوك الحيـــرة والغساسنة، حكم على قبائل خضعت لحكمـــه وسلطانه ،، وكـــان يتنــاول الإتـــاوات مــن الحكومات الكبيرة مقـــابل حماية حدودها مـن الغارات والاشتراك معها في الحروب.
    وقـــد أبلغنا "شلمنصر" الثالث "858-824 ق. م." أيضا، أنه زحف نحو الجنوب، نحو أرض "كلدو"، أي : أرض الكلدانيين ، فاستولى عليها وتوغل بعـــد ذلك نحو الجنوب حتى بلغ "البحر المر" "البحر المالح" "Nar Marratu" أي الخليج العربي ، فقهر كـــل السكان الـــذين وصلت جيوشه إليهم. ويظهر أنه بلغ حــدود الكويت فاتصل بذلك بجزيرة العـرب وبقبائل عربية ساكنة في هذه الأرضين.

    وفي السنة الثالثة مـن حكـــم "تغلث فلاسر" "تغلاتبلاسر الثالث" "Tiglath Pileser" "745-727 ق. م." تقريبًا ، دفعت ملكة عربية اسمها "زبيبي" الجـــزية إلى هـــذا الملك وكانت تحكم "أريبي"، أي العرب. ولم يتحدث النص الذي سجل هذا الخبر عـن مكـــان الأعـــراب أتباع "زبيبي".
    معـــركة بيـن العـــرب والآشوريين
    وقد ذهب "موسل" إلى أنه "أدومو" "Adumu" ، أي "دومـة" "دومة الجندل" ، وذهــب أيضـــا أن الملكــة كـــانت كـــاهنة على قبيلة "قيـــدار" "kedar. و"زبيبي" هـــو تحـــريف لاسم "زبيبة" ، وهـــو مـــن الأسماء العـــربية المعروفة.
    ويحدثنا هـــذا الملك أيضـــا أنـه في السنة التاسعة مــن ملكه ، قهر ملكة عـــربية أخـــرى اسمها "سمسي" "Samsi" "شمسي" "Shamsi" واضطرها إلى دفـع الجزية له بعد أن تغلبت عليها جيوش آشور.
    ويـــدعي الملك أنها حنثت بيمينها وكفـــرت بالعهد الــذي قطعته للإلـــه العظيم "شماش" "Schamash" بألا تتعـــرض للآشوريين بسوء ، وبـــأن تخلص لهم ، فانتصر عليها، واستولى على مدينتين من مدنها، وتغلب على معسكرها ، فلـــم يبـــقَ أمامها غيـــر الخضوع والاستسلام وتأدية الجزية إبـــلًا : جمالًا ونوقًا.

    والظاهر أنها انضمت إلى ملك دمشق في معارضته للآشوريين ، وتعرضت لقـــوافل آشور ، فجهز المـــلك عليها حملة عسكرية تغلبت عليها. ولضمان تنفيذ مصالح الآشوريين ، قرر الملك تعيين "قيبو" أي : مقيــم أو منـدوب ساميّ آشوري لـــدى بلاطها ؛ لإرسال تقاريره إلى الحـــاكم الآشوري العــام في سورية عن نيات الملكة واتجاهات الأعــراب ، وميول قبيلتها ولتوجيه سياسة الملكة على النحـــو الـــذي تـــريده "آشور".

    وقــد ذكـــر النص الآشوري أن الملكة أصيبت بخسائر فـــادحة جدًّا ، وهي ألف ومـائة رجل ، وثلاثون ألف جمل وعشرون ألف مــن الماشيــة ، وهي أرقـــام بُـــولغ فيها جـــدا ، ولا شك.
    ويـــذكرنا اسم الملكة "شمسي" "سمسي" باسم عربي هو "شمس" أو "شمسة", و"شمسة" مــن الأسماء العـــربية القديمة التي ما تــزال حية. وقـد كان في المدينة امرأة نصرانية اسمهـا "شمسة" ، أسلمت على يـــدي الحسن بن علي بن أبي طالب فحــرف الآشوريون الاســـم وفـــق نطقهـــم وكتبـــوه على هـــذا الشكل.
    وقـــد صور على اللوح الذي ورد فيه خبر الانتصار المذكور، منظر فارسين آشوريين يحملان رمحين ، يتعقبان أعـــرابيًّا راكبًا جمــلًا ، وتحت أعقاب الفــرسين وأمـامهما جثث الأعـــراب الـــذين خـــروا صـــرعى على الأرض وصور شعرهـــم طويلًا وقد قعد إلى الـــوراء ، وأمـــا اللحى فكثَّة ، وأمـا أجسامهم فعـارية إلا مــن مئزر شـــد بحـــزام. وقـــد حـــرص الفنـان على تصويره الأعرابي الراكب قريبا جــدا من الفارسين ، مادًّا يده اليمنى إليهما متـــوسلا ومسترحما ومستسلما وصـــورت الملكـة "سمس" "شمسي" "سمسي" حـــافية ، ناشــرة شعـــرها تحمل جرة من الجرار الإحدى عشرة المقدسة ، بعـــد أن أضنـــاها الجــوع والتعب في فـــرارها إلى "بازو"، وقد خـــارت قـــواها المعنوية.

    وورد في الكتابة الآشورية أن الملكة أرسلت وفـــدًا إلى مـــلك آشور لمصالحته واسترضائه، ضم عددًا من سادات قبيلتها وأتباعها، منهم "يربع" "يربأ" "Jarapa" وكان رئيس الوفد و"ختــرنو" "حتــرنو" "Hataranu" و"جنبو" "Ganabu"، و"تمرنو" "Tamranu. وهي أسماء عربية لا غبـــار عليها ، كتبت بحسب النطـــق الآشوري ؛ فـ"Jarapa" مثلا ، يمكن أن يكـــون أصله "يرفع" أو "يربع" أو يـــربوع ، و"Hataranu" جـــائز أنـه "خـــاطر" أو "خطـر" ، و"Ganabu" جـــائز أنـه جناب أو "جنب" و"Tamranu" جـــائز أنـــه "تمر" أو "تمار" أو مــا شابـه ذلك. ولا أرى بنا حـــاجة إلى ذكـر أمثلة عديدة وردت فيها أسماء مـن مثـــل "يربوع" و"جناب" و"جنب" وأمثــال ذلك لدى الإسلاميين.
    وبعـــد أداء "شمس" الجزية إلى ملك آشور ، دفعت عـــدة قبــائل وشعوب عـــربية الجزية إليه. وقد جعل بعض الباحثين ذلك في حوالي سنة "738 ق. م" , وجـــاء في الترجمة العربية لكتاب "حتي" أن ذلك كــان في عــام "728 ق. م". وإذا كــان أداء العـــرب المذكورين الجزية في السنة التاسعة مــن حكمـــه ، فيجب أن تكون السنة سنة "736 ق. م." تقــريبًا ؛ لأن حكم الملك كـــان في "745 ق. م". وقـــد ذكـــر الملك أنــه تسلم الجـــزية ذهبًا وفضة وإبـــلًا وطيوبًا مـــن "مساي" "مسأى" "Masa" و"تيما" و"سبأ" "سبا" و"خيابة" "خيابه" "Hajapa" "Hayapa" "Hajappa" و"بطنه" "Batana" "Badana" و"خطي" "Hatti"، "Hatte" و"إدبئيل" "1Ibida'il.
    وقد ورد أنها كانت تقطن في أرضين تقـــع في الغـــرب في أماكن بعيـــدة ويقصـــد أنها كـــانت غـــرب آشـــور والغالب أنه كان يريد من قوله : في مواضع بعيدة ، البادية حيث يصعب الوصول إليها.

    تابع 》》》


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:06 pm

    اليهوديــة بين العـــرب】

    الجـــزء الرابع >>

    وهنــاك جملة عشائر وأسر يهـ ـــودية تفتخــــر بإلحــــاق نسبها بالكــــاهن "هــــارون" شقيق "موسى النبي".
    كـــذلك يرجــــع "أوليري" كأمثاله من المستشرقين أصل بني قريظة وبني النضير إلى اليهود، ويرى أنهم غادروا ديارهم وجاءوا إلى هذه المنطقة في الفترة الواقعة ما بين خــراب الهيكل في عــــام 70 للميــــلاد وتنكيل "هدريان" باليهـ ـــود في عام 132 للميلاد.

    ويرجــع بعض بقية يهــ ـود جـــزيرة العـــرب نسبهـــم إلى الكاهنين وإلى الكـــاهنين وإلى "الأسباط العشرة" كذلك فيدعون إنهم من تلك الأسباط المفقودة , وإنهم مــن نسل قـــدماء اليهـــ ـــود.

    وقد كانت منازل "بني النضير" حينما غزاهـــم الرسول في "وادي بطحان" وبموضع "البويرة".
    ووادي بطحان ، هو أحد أودية يثرب الثلاثة ، هي : العقيق وبطحان وقناة وهــو واد فيـه ميـــاه غــزيرة وعيون اتخــذ بـه اليهــ ـود الحدائق والآطام. وقد كان غـــزاهم الرسول بعـــد ستة أشهر من غــزوة أحد ، فأحرق نخلهم وقطـــع زرعهـــم وشجرهم لتطاولهم على المسلمين.
    ومن ساداتهـــم :
    حي بن أخطب ، وأخوه ياسر بن اخطب ، وسلام بن مشكم، وكنانة بن الربيع ، وهو أبو رافع الأعور ، والربيع بن أبي الحقيق. وعمرو بن جحاش.

    ومن بني النضير :
    "كعب بن الأشرف" ، وكـــان معـاصرا للرسول ، وكان صاحب لسان ونفـوذ. أبـوه من "طئ" على رواية، ومن بني النضير على رواية أخـــرى. أمـــا أمـه فهي من بني النضير بإجمـــاع الرواة. توفي أبــوه -على رأي من يقول إنــه مــن طئ- وهـو صغير ، فحملته أمــه إلى أخـواله ، فنشأ فيهم، وقال الشعر عندهم ، وساد. ولما جاء الرسول إلى يثرب كان كعب فيمن ناصب الرسول العـــداء فعـــلا وقـولا ، فهجا الرسول وهجا أصحابه وظل هذا شأنه بالرغم مــن محـــاولة المسلمين استصلاحـه واسترضاءه ، حتى جنى عليــه لسانه فأهدر النبي دمه ، فذهب إليه نفر من المسلمين ، فاقتحموا داره وقتلوه.

    وقد كانت له مناقضات مع حسان بن ثابت وغيره في الحــروب التي كانت بين الأوس والخزرج.

    وكــان قــد ذهب إلى مكـــة ، فحرض قــريشًا على الرسول ، ولما عـــاد إلى موضعه ألب المشركين من أهل يثرب عليــه.
    ومرثا قتلى القليب ، فقتله المسلمون كما ذكـــرت.

    وكـــانت "لبني قريظة" حصـــون يتحصنون بهـا وقت الخطــر ، ولهـــم آبار ومنهم"محمد بن كعب القرظي".
    والزبير بن باطان بن وهب ، وعزال بن شمويل ، وكعب بن أسد، وشمويل بن زيد ، وجبل بن عمرو بن سكينة.

    وكان "بنو قينقاع" أول اليهـود الذين ناصبـــوا الرسول العـــداء ، وكانـــوا يسكنون في أحياء يثـــرب ، وكانــوا أغنياء على غير وفاق ووئام مع بقية أبنـــاء قـــومهم قريظة وبني النضير. وقد اشتركوا في يوم بعاث : ووقعت بينهم وبين بني النضير وبني قريظة معـــارك فتــك فيهـا ببني قينقاع وأصيبوا بخسائر كبيــرة اضطرتهـــم على ما يظهر إلى الالتجاء إلى يثـرب والإقامة فيها في حي واحـــد مـــن المـــدينة.

    ويـــرى "أوليري" احتمال كـــون "بني قينقاع" مــن أصل عـــربي متهود، أو من "بني أدوم".

    وقـــد تكون بعض القبائل اليهـ ــودية التي ذكر أسماءها الإخباريون قبــائل يهـ ــودية حقًّـــا ، أي مـــن الجماعات اليهـ ـودية التي هاجرت من فلسطين في أيــام القيصر "طيطوس" Titus" أو "هــدريان" Hadrian ، أو قبـــل أيامهما ، أو بعدهـــا.
    ولكـــن بعضًا آخـــر منها ، لم يكن من أصل يهــودي، إنما كانت قبائل عربية دخلت في ديــن يهـــ ـــود ، ولا سيما القبائل المسماة بأسماء عربية أصيلة.

    ولبعض هـــذه الأسماء ، صلة بالوثنية تشعــر أنها كـــانت على الوثنية قبــل دخـــولها في دين يهـــ ـــود.
    والظاهـــر إنها تهـ ــودت إمـا بتـــأثير التبشير، وإما باختلاطها ودخولها في عشائر يهـــ ـــودية جـــاورتها فتأثرت بديانتها.
    وقـد ذكـــر البكري إن "بني حشنة بن عكارمة"، وهم مـن بليّ قتلوا نفرًا من بني الربعة ، ثـــم لحقوا بتيماء "فأبت يهود أن يدخلوهم حصنهم وهم على غيـــر دينهـــم ، فتهودوا ، فأدخلوهـم المدينة، فكانوا معهم زمانًا، ثم خــرج نفـــر إلى المدينة، فأظهر الله الإسلام وبقيــة مــن أولادهـــم بها".

    وهنـــالك بطون أخرى عــربية الأصل كـــانت على دين يهــ ــــود.

    وقد اشتهر يهــود خيبر من بين سائر يهــ ـود الحجاز بشجاعتهم.
    وخيبر موضع غزير المياه كثيره، وقد عرف واشتهر بزراعته وبكثرة مــا بـه مــن نخيـــل.
    وعند إجلاء اليهــود عن خيبر، تفرقوا فذهب بعض منهم إلى العراق وبعض آخـــر إلى الشام ، وبعض منهـــم إلى مصـــر.
    وقـــد بقـــوا في كــل هـــذه المواضع متعصبين لوطنهــم القـــديم "خيبر" ينادون بشعارهم الذي كانـــوا ينادون بـــه قبل الإسلام، وهو: "يا آل خيبر".

    وقـــد اشتهرت "خيبـــر" وعـــرفت بالحمى. حتى نسبت إليها ، فقيــل لها حمى" خيبرية".
    وكان من أساطيرهم إذ ذاك ، أن مــن أراد دخـولها فعليه بالتعشير ليتخلص منها. وكان من أوبداهم فيما يزعمون أن الرجـل إذا ورد أرض وبــاء ووضع يــده خلف أذنــه ، فنهـق عشر نهقات نهيق الحمار ثم دخلها أمن من الوباء.

    وزعم أن يهـ ــود خيبر هـــم من نسل "ركاب" المذكـــور في التـــوراة ، وأن "يونادب" Jonadab "جندب" ابنه : تبدى مـــع أبنائــه ومن اتبعه ، وعاش عيشة تقشف وزهــد وخشونة ، وأن نسلهم هاجر بعد خراب الهيكل الاول إلى الحجـــاز حتى بلغـــوا "خيبـــر" فاستقروا بهـا ، واشتغلـــوا بزراعـــة النخيل والحبوب ، وأنهم أقامـوا فيها قـــلاعا وحصونا تحميهم من غــارات الأعـــراب عليهم.
    ذكــر بعض الإخباريين أنها ولاية مـن سبعة حصـــون ، منهـــا :
    حصن ناعم ، والقموص حصن ابن أبي الحقيق وهـو أقواها وأعزها وقد أقيــم على مــرتفع مــن الأرض حماه وعزز دفاعه ، وحصن الشق ، وحصن النطاة ، وحصن السلالــم ، وحصن وجده ، وحصن الوطيح ، وحصن الكتيبة "الكثيبة".
    وقــد أخرجوا منها وأجلوا عنها زمان عمـــر بن الخطاب.

    وقـــد زعم بعض الإخباريين إن خيبر لفظة عبـــرانية ، وأن معنـاها الحصن في عـــربيتنا.
    وزعم بعض آخــر إنها نسبة إلى رجل اسمه "خيبر بن فاتية بن مهلاييل" سميت خيبر باسمه، لأنه كان أول من نزلها.

    وذهب "وايل" WeiI ، إلى أن اللفظة لفظة عبرانية ، وهي بمعنى مجموعة مستوطنات ، أما "دوزي" ، فقد أخــذ بالرواية العـــربية ، فزعم أن "خيبــر" كناية عن جماعة من اليهــود هاجرت في أيام السبي من فلسطين إلى هذا الموضع ، وهي مــن نسل "شفطيا بن مهللئيل" مـــن >> "بني فارص".

    وأن "فاتيـه" ، هـــو تحريف "شفطيا" Shaftja المذكـــور في سفر "نحميا" من أسفار التوراة وهو ابن "مهللئيل" الذي هو "مهلاييل" عند أهل الأخبار.

    وزعــم أن زمان هجــرة هذه الجماعة يتناسب تمامًا مــع الروايـة القائلة أن هجرة اليهود إلى جزيرة العرب كانت في أيـــام "بخت نصر".
    وذهب المستشرقون أن كلمة "خيبر" كلمـــة عبـــرانية الأصل "خيبـــر" Kheber" ومعنـــاها الطــائفة والجماعـــة.
    وذهب بعضهم إلى أن معناها الحصن والمعسكر.
    وهي مـــن أقـــدم المـواضع التي لجأ إليها اليهــ ـود في الحجاز.

    ومن الصعب تعيين الزمن الذي هاجر فيه اليهــ ـود إلى هـــذا المـــوضع.
    لقد رجع بعضهم ذلك إلى أيـام هجوم الرومان على فلسطين.
    غير أن من الجــائز أن تكون هجرتهم إليها قــد وقعت قبل ذلك ، من الجائز أن تكـــون في أثناء السبي واستيلاء البابليين على القدس ، وقد يجوز أن يكـــون قـــوم منهم قـــد جـــاءوا مع "نبونيد" مــلك بابل إلى تيمــاء حيـن اتخذ "تيماء" عاصمة له. فهاجر قسم منهم إلى خيبر وإلى نواح أخرى من الحجاز.

    وأقــدم إشارة كتـــابية ورد فيها اسم خيبـــر ، نص : حران اللجاة ، ويرجـع تـــأريخه إلى سنة مئة وستين مــن الأندقطية الأولى ، وتقابل سنة 568 للميلاد ، وقـــد ورد فيـــه :
    بعد مفسد خيبر بعم". أي بعـد خــرب خيبـــر بعام.
    وهو يشير إلى غزو لهذا الموضع أنزل به خسائر كبيرية، ولأهميته وفداحته في نفوس أهلـه أرخـــوا بوقوعه. ويعـــود النص المذكـــور المـــدون باليونانية والعــربية إلى "شرحيل بن ظلمو" "شراحيل بن ظالم" ، وقـــد دونه لمناسبة بنائه "مرطولا" ، فــأرخ بتاريخ خيبر المذكور. وهـو يشير إلى غـــزوة قام بها أحد أمراء غسان على خيبـــر.

    وقــد وجدت كتابات بحروف المسند وكتابات نبطية في خيبر ، هي أقــدم عهدا مـــن نص "حران اللجاة" ، يفهم منها بوجـود سكــن في هذه الأرضين يعود بعضه إلى ما قبل الميلاد، ولـــم تكشف تربة خيبر حتى الآن ، وكل ما عثر من عاديات فيها هـــو من النـوع الذي وجــد ظاهرا على سطح الأرض وليس بمستبعد أن يعثـر على كتابات قـــد تكشف عن تأريخ هـــذه البقية.

    ولما بلغ أهل تيماء ما حدث لإخوانهم في خيبر ووادي القرى، وفــدك، قبلوا
    الجـــزية ، وصالحوا الرسول في سنة تسع للهجرة ، فضمن بذلك لهم حـرية بقائهم في دينهـم ، وعلى تيماء كــان يشرف حصن السموأل "الأبلق الفرد". وقــد نعتت تيمـاء في بعض الأشعار بتيماء اليهـ ــود.

    تابع الجزء الخامس >>>


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:06 pm

    【اليهوديــة بين العـــرب】

    الجـــزء الثالث >>

    أمــا مــن نــاحية الآراء الــدينية والاعتقادية، فقد يكون بين اليهودين بعض الاختـــلاف ، فقد وقع اختلاف في الآراء بيــن أحبــار يهــ ـود العراق وبين أحبـــار يهـ ــود فلسطين، فـــلا يستبعد إذن رأي مــن يقـــول بوجود اختـــلاف في وجهـــة نظـــر يهـ ــود فلسطين بالنسبة ليهــ ـود الحجاز، إذ قد يكون بوجــود اختلاف في وجهة نظر يهــ ـود فلسطين بالنسبة ليهـ ـود الحجاز، إذ قد يكون بوجـود اختلاف في وجهة جزيرة العـــرب قــد تأثروا بالعـــرب الذين نزلوا بينهم فاضطروا إلى التخفيف مــن التمسك بشعائــر دينهــم ، لا سيما وأن من بين يهــ ـود جزيرة العرب يهود متهودون، كانـــوا في الأصل مــن "أدوم" ومـن "النبط" ومـــن "العرب" ، دخلوا في اليهـودية لعــوامل متعددة، فلــم يكونــوا لذلك على سنة اليهــ ـود الأصيلين في المحافظة على شريعتهــم محـــافظة شديدة تامـــة.

    وقــد انتشر اليهود جماعات استقرت في مواضع المياه والعيون من وادي القرى وتيماء وخيبر إلى يثرب، فبنوا فيها الآطام لحماية أنفسهم وأرضهم وزرعهم من اعتداء الأعراب عليهم.

    وقـــد أمنوا على أنفسهم بالاتفاق مع رؤساء القبائل الساكنة في جـــوارهم على دفــــع إتاوة لهم، وعلى تقــــديم الهدايا إليهم لاسترضائهم.
    وكــان مــن شأنهم أيضًا التفريق بين الرؤساء وإثــارة الشحناء بين القبائل حتى لا تصفوا الأحــــوال فيما بينها وتلتئهم ولئلا يكـون اتفاقها والتئامها خطرًا يتهدد اليهــ ــود.

    وليس الذي يـــرويه أهــل الأخبار عن إرسال "موسى" جيشًا إلى الحجــــار واستقرار ذلك الجيش في يثرب بعد فتكه بالعماليق وبعد وفاة موسى، ثم ما يذكرونه عــــن هجرة "داود" مـــع "سبط يهوذا" إلى "خيبـــر" وتملكــه هناك ثــم عودته إلى إسرائيل وأمثال هـــذا إلا قصصًا من النــوع الذي ألفنا قــــراءته في كتب أهــــل الأخبار ، لا أستبعد أن يكــون مصدره يهــود تلك المنطقة أو من أسلم منهــم ، لإثبــات أنهـــم ذوو نسب وحسب في هــــذه الأرضين قــــديم ، وأنهم كانـــوا ذوي بأس شديد ، وأن تاريخهم في هـــذه البقعة يمتد إلى أيـام الأنبياء وابتداء "إسرائيل" ، وأنهــــم لــذلك الصفــوة المختارة مـــن العبرانيين.

    وقـــد زعـــم أهل الأخبار، أن العمالقة كانـــوا أصحــــاب عـــز وبغي شديــد وكانــــوا ينزلون الحجاز في جملة ما نزلــوا مــن أماكـــن في أيــام موسى وكــــان منهــــم :
    "بنو هف" و"بنو سعد" و"بنو الأزرق" و"بنو مطروق". وملكهم إذ ذاك رجـل منهم اسمه "الأرقم" ، ينــزل مـا بيــن "تيماء" و"فــدك".
    وكــان سكان يثــــرب من "العمالقة" وكذلك سكان بقية القــــرى.
    فلما تغلب عليــه العبرانيون انتزعـــوا منهم مساكنهم وأقاموا في مواطنهم في الحجــــاز.

    وقــد أخــذ أهل الأخبار مــا رووه عن دخول اليهـــ ـود إلى يثـــرب في أيام موسى، وما ذكروه عـن إرساله جيشًا إلى هــذه المنطقة ، ثـــم ما رووه عن سكنهم القديــم في أطـــراف المدينة وفي أعــــالي الحجــــاز ، مــــن سفر "صموئيل الأول" مــن التــــوراة.

    وقــد حسب أهل الأخبار العمالقة من سكان يثــــرب القدماء ، ومــن سكان أعـــالي الحجــــاز ، فــزعموا أن تلك الحروب قــد وقعت في هذه المنطقة وأن اليهــود قد سنوها لذلك منذ أيام موسى.
    وقــد أخذ الإخباريون رواياتهم هــذه مــن اليهـــ ـود ، وممن دخل منهم في الإسلام.

    ويرى بعض الإخباريين أن ابتداء أمر اليهــ ــود في الحجاز ونزولهــم وادي القرى وخيبر وتيماء ويثرب إنما كـان في أيـــام "بخت نصر"، فلمـــا جــــاء "بخت نصر" إلى فلسطين هرب قسم منهم إلى هذه المواضع واستقروا بها إلى مجيء الإسلام.
    وليس في هــذا الخبر ما يحملنا على استعباده، فهروب اليهـ ـود إلى أعالي الحجاز ودخــولهم الحجاز أمــر سهل يسير، فالأرض واحـــدة وهي متصلة والطرق مفتوحة مطروقة، ولا يـوجد أي مانــع يمنع اليهـ ـود أو غير اليهود مــن دخــــول الحجاز. لا سيما وأن اليهــود كانوا خائفين فارين بأنفسهم من الرعـب، فهم يبحثون عن أقـــرب ملجأ إليهـــم يحميهم مـن فتلك ملك بابل بهم. وأقرب مكان مأمــون إليهم هــــو الحجاز.

    أما مـا ورد في روايـــات أهل الأخبار عن هجـرة بعض اليهـ ـود إلى أطراف يثرب وأعالي الحجاز على أثــر ظهور الــــروم على بــــلاد الشام وفتكهــــم بالعبرانيين وتنكيلهم بهــم مما اضطر ذلك بعضهــم إلى الفــــرار إلى تلك الأنحاء الآمنة البعيدة عــن مجــالات الروم فإنه يستند إلى أساس تاريخي صحيح.
    فالــــذي نعـــرفه أن فتــــح الرومــان لفلسطين أدى على هجرة عـــدد كبير من اليهـ ــود إلى الخارج، فلا يستبعد أن يكـــون أجداد يهـ ــود الحجاز من نسل أولئــك المهاجرين.

    وكــان يقيــــم "بـ "مقنا" عنــد ظهور الإسلام قــــوم مــن اليهــ ــود اسمهم "بنــو جنبة"، وقد كتب إليهم الرسول وإلى أهـــل "مقنا" يدعــوهم إلى الإسلام ، أو إلى دفـــع الجــــزية. وكتب إلى قـوم من يهـ ــود اسمهم :
    "بنـــو غاديا"، وإلى قـــوم آخــــرين اسمهم "بنــو عريض".

    ومــن هــــؤلاء المهاجـــرين على رأي الإخباريين :
    "بنو قريظة" و"بنو النضير" و "بنو بهدل" .
    ساروا إلى الجنوب في اتجاه يثـــرب فلما بلغوا موضع الغابة، وجدوه وبيا فكــــرهوا الإقــامة فيه، وبعثوا رائدا أمـــروه أن يلتمس لهــم منـــزلا طيبا وأرضا عـــذبة ، حتى إذا بلغ "العالية" وهي "بطحان" و"مهزور" واديان من حـــرة على تلاع أرض عذبة.
    بها مياه وعيــون غزيرة ، رجــع إليهم بأمــرها، وأخبرهم بما رآه منها، فقـــر رأيهــــم على الإقــامة فيها.
    فنــزل "بنو النضير" ومــن معهم على بطحان ، ونزلت قريظة وبهدل ومــن معهم على مهزور ، فكانت لهم تلاعة ومــا سقى من بعاث سموات.

    وسكن اليهـــود يثــــرب.
    سكنها منهم :
    "بنو عكرمة" و "بنو ثعلبة" و "بنو محمر" و "بنو زعورا" و "بنو قينقاع" و"بنو النضير" و "بنو قريظة" و "بنو بهدل" و"بنو عوف" و"بنو القصيص" و"بنو ماسلة"
    سكن هــؤلاء المدينة وأطرافها، وكان يسكن معهم من غير "بني إسرائيل" بطون من العــــرب، منهم :
    "بنو الحرمان" حي من اليمن ، و"بنو مرثد" حي من بلي، و"بنو نيف" وهم من "بلي" أيضًا، و"بنو معاوية" حي من "بني سليم" ثم من "بني الحرث بن بهثة" ، و"بنو الشظية" حي من غسان.
    وظل اليهــود أصحاب يثرب وسادتها حتى جـــاء الأوس والخزرج، فنزلوها واستغلوا الخــلافات التي كانت قـــد وقعت بين اليهـــ ـود، فتغلبوا عليهــم وسيطروا على المــــدينة، وقسموهــا فيما بينهم، فلم يبق مـن يومئذ عليها سلطان.

    وتذكر روايــات أهل الأخبار أن مجئ الأوس والخزرج إلى يثرب كان بعــد حادث سيل العــــرم. جاءوا إليها لفقر حالهم، والتماسا لوطن صالح جـــديد وأنهم حينما نزلوها لم يكن لهم حـول ولا قــــوة.
    ولـــذلك قنعوا بالذي حصلوا عليه من أرض ضعيفة موات ، ومــن رزق شحيح.
    أمــا المال والثــــروة والملك والجــاه فلليهود. بقوا على ذلك أمدا حتى إذا مــا ذهب "مالك بن العجلان"، وهــــو منهم، إلى أبي جبيلة الغساني رئيس غسان يومئذ، ونزل عند، شكـــا لأمير غسان سوء حال قــومه وما هم عليه من بؤس وضنك. فــوعده أبو جبيلة أن يأتي على رأس جيش من قـــومه لمساعدته، على أن يقـــوم بعد عودته ببنــاء حــائر عظيم، يعلن أنــه بنــــاه لاستقبال الأمير فيــه، وأن يطلب من اليهــ ـود الخروج لاستقباله والتشرف بزيارته في ذلك الحــائر، فـــإن فعلوه قتل بهــم وأبادهــــم.
    فلما تــــم البنــاء ووصــــل الأمير في الأجـــل الموقوت، ودخــل المدعوون رؤساء اليهـ ـود الحائر، فتكت عساكر أبي جبيلة بهم أهلكتهم، وتمت الغلبة من يومئذ للأوس والخزرج، وعاد أبو جبيلة إلى مقــــر مكله.

    غيــر أن اليهـ ـود ظلوا مع هذه الغلبة يتهــاترون مـــع "الأوس" و"الخزرج" ويعترضونهم ويتناوبونهم ، فعمـــد مالك بن العجلان إلى الحيلة، فتظاهر أنه يريد الصلح معهم، وإنه عزم على تسوية العــــداوات وطمس الحزازات وإنـه لذلك يدعو رؤساءهم إلى طعام ليتفاوضوا مع سادات قــومه في أمر الصلح. فلما حضر رؤساء يهود ، فتك بعشرات منهـم ممن استجاب لدعوته وفــر أحدهم ليخبر قـــومه بما حدث وحـــذر أصحابه الذين بقـو، فلم يأت منهــــم أحــد.

    فلما قتل مـــالك من يهــ ــود من قتل ذلــوا ، وقــل امتناهم ، وخافوا خوفًا شديدًا، وجعلوا كلما هاجمهم أحد من الأوس والخزرج بشيء يكــرهونه لـم يمش بعضهم لبعض كما كانوا يفعلون قبل ذلك ، ولكن يذهب اليهــودي إلى جيـــرانه الــذين هـــو بين أظهرهــــم فيقول :
    إنما نحــن جيــرانكم ومواليكم فكان كل قوم من يهـود لجئوا إلى بطن من الأوس والخزرج يتعززون بهم" ومنذ ذلك الزمن لــم يبــق لليهود على هذه الأرضين سلطان.

    وورد في رواية أخــــرى أن "مالك بن عجلان"، كان من الخزرج، وكان سيد قومه يومئذ، وكان على اليهــود رجل منهــــم اسمه "الفطيون" ملك عليهم واستبد بأمــــر الناس ، وكان يهــوديا ومــن بني ثعلبة ، وكــان أمــــر سوء فاجــرا ، قــــرر ألا تدخل امـــرأة على زوجها إلا بعد دخولها عليــه. فاغتاظ "مالك" مـــن فعــــل "الفطيون" ومن استذلاله للعرب، ولما كان زفاف أخته لزوجها ، وكان لا بــد من ادخالها على "الفطيون" أولا ليستمتع بها، كبر ذلك عليه، فدخل معها في زي امرأة ، فلما أراد "الفطيون" الخلو بها ، وثب مالك عليــه وعـــلاه بسيفه وقتله ، وخلص قومه منه ، وفر عندئذ إلى أبي جبيلة ملك غسان.

    وتذكر هــذه الروايــــة أن "جبيلة" لم يكن من غسان ، بل كان مــن الخزرج وكـــان عظيمًا ذا منــــزلة كبيــرة في الناس ، حتى صــــار ملكــــا على الغساسنة ، ويرجح رواتها أنه لم يكن ملكا على آل غسان ، بــل كان مقـــربا عنــد ملكهم، عظيــــم الحظوة لــديه. ودليلهـــم على ذلك عـــدم اعتــــراف الغساسنة بوجــود ملك عليهــم اسمه "عبيد بن سالم بن مالك بن سالم" وهــــو اسم "أبو جبيلة" المذكــــور. ويذكــــرون أن "الرمق بن زيد الخزرجي" مــدحه بشعر قــاله فيه.

    وتذكـــر روايــة أن "الفطيون" اسم عبــراني ، واسمه "عامــر بن عامر بن ثعلبة بن حارثه"، وكان تملك بيثرب. فلما قتل خــرج "مالك بن العجلان" حتى قـــدم على "أبي جبيلة" ملك غسان، فأعلمه غلبة يهود على يثرب فعله بهــــم ، فقــدم "أبو جبيلة" ملك غسان ، فأعلمه غلبة يهود على يثرب وفعله بهم، فقدم "أبو جبيلة" يثـــرب ثــــم صنــــع طعاما ، ومكــن الأوس والخزرج ممن دعاهم إلى الطعام من قتل مائة من أشراف اليهود، فقويت الأوس والخزرج عليهم.

    وجــاء في رواية أخرى، أن "مالك بن العجلان"، إنما فر إلى "تبع"، بعد قتله "الفطيون" فاستصرخه على اليهـ ـود فجــــاء حتى قتــل ثلثمائة وخمسين رجــــلا غيلة من سادات يهود بـ "ذى حرض"، ولما أدبهــم رجـــع إلى أرضه اليمــــن.

    أما "مالك بن العجلان" ، فقـــد صوره اليهود شيطانا ملعونا، وصـــوروه في بيعهم وكنائسهم ليلعنوه كما دخلــــوا ورأوه، وذكروه في شعرهم في أقبح هجــــاء قــــالوه.

    وقـد كان بين يهــ ــود يثرب قــــوم يقال لهم "بني الفطيون" بقــوا حتى جاء الرسول إلى يثرب.
    فأجلاهــــم في السنة الثالثة مــن الهجرة.

    وذكـــر "ابن دريد" أن بعضًا من "بني الفطيون" الــــذين هــــم مــــن نسل "الفطيون" ملك يثــــرب ، قــــد شهد "بدرا" واستشهد بعضهم بوم اليمامة.

    وذكر أن نسب "الفطيون" في غسان. أن من ولد الغطيون: "أبو المقشعر" واسمه "أسيد بن عبد الله".

    وقــــد فسر أهــــل الأخبــــار كلمــــة "الفطيون" بـــ"مالك"، وقــــالوا إنهـــا تقـــابل "النجاشي" عنــــد الحبشة و"خاقان" عنــــد التــــرك.
    وذكروا أسماء نفر ممن كانــوا يلقبون بالفطيون.

    ويفهــم مــن روايــات الإخباريين أن يهـــ ـود الحجاز كانــوا قبائل وعشائر وبطونا، منهــــم :
    بنو النضير ، وبنو قريظة ، وبنو قينقاع ، وبنو عكرمة ، وبنو محمر ، وبنو زعورا ، وبنو زيد ، وبنو الشظية، وبنو جشم ، وبنو بهدل ، وبنو عوف ، وبنو القصيص "العصيص" ، وبنو ثعلبة.
    غيـــر أنهم لم يكونوا أعرابا ، أي بدوا يتنقلون مــن مكــان إلى مكان ، بـــل كانــوا حضرا استقروا في الأماكــــن التي نزلــــوا فيها، ومارسوا مهن أهل المدر، كل جماعة مستقلة تحمل اسما مـــن تــــلك الأسمــــاء التي ذكــــرها الإخباريون.

    وقد عــرف > بنو قريظة وبنو النضير مـــن بين اليهود بـ "الكاهنين"، نسبوا ذلك إلى جـــدهم الـــذي يقــــال لــه "الكاهــــن".
    و"الكاهن" هــــو :
    "الكاهن بن هارون بن عمــــران" على زعـــم بعض أهل الأخبــــار.
    فهم على هذه النسبة من أصل رفيع ومن نسب حسيب، يميزهم عن بقية طوائف يهـ ــود ولهذا كانوا يفتخرون بنسبهم هــــذا، ويرون لهــــم السيادة والشرف على مـــن سواهــــم مــــن إخــــوانهم في الــــدين.

    ويــرى "نولدكه" احتمال كــــون "بني النضير" و "بني قريظة" مــن طبقة الكهان في الأصل : هاجروا من فلسطين على أثــــر الحــــوادث التي وقعت فيها، فسكنوا في هذه الديار.

    وهنــاك جملة عشائر وأسر يهـ ـــودية تفتخــــر بإلحــــاق نسبها بالكــــاهن "هــــارون" شقيق "موسى النبي".
    كـــذلك يرجــــع "أوليري" كأمثاله من المستشرقين أصل بني قريظة وبني النضير إلى اليهود، ويرى أنهم غادروا ديارهم وجاءوا إلى هذه المنطقة في الفترة الواقعة ما بين خــراب الهيكل في عــــام 70 للميــــلاد وتنكيل "هدريان" باليهـ ـــود في عام 132 للميلاد.

    تابع >>> الجزء الرابع


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:07 pm

    اليهوديــة بين العـــرب】

    الجـــزء الثاني >>

    وليس لنا مـــن تـــأريخ اليهـ ــود في جـــزيرة العـرب إلا ما جاء في القرآن الكــريم وفي الحديث وكتب التفسير والأخبـــار والسير.
    فمـادتنا عــن تـــأريخ اليهــ ـودية في العـــربية، لا ترتقي إلى عهد بعيد عن الإسلام.

    لقد ذهب بعض المؤرخين المحدثين إلى أن اليهود كانوا في جملة من كان في جيش "نبونيد" يــــوم جـــاء إلى تيماء. فــأقاموا بها وبمواضع أخـــرى من الحجاز بلغت "يثرب". وأن هؤلاء اليهود أقامـــوا منــذ ذلك الحيــن في تلك الأماكن واستوطنوا وادي القــرى وأماكن أخرى إلى مجئ الإسلام.
    غيـــر أن "نبونيد" لم يشر في أخباره المدونة إلى وجــود اليهود في جيشه وإلى إسكانه لهم في هــــذه الأرضين كما أننا لم نعثــر على كتابات تتحدث عن هذا العهد أو عن العند الذي سبقه أو الذي جــــاء من بعده، لذلك فإننا لا نستطيع أن نعزز هذا الكلام بنصوص وكتابات.
    وإن كنـــا لا نــريد نفي احتمال مجئ اليهــ ــود إلى هـــذه الديـــار في عهد "نبونيد"، أو في عهد "بخت نصر"، أو قبل العهدين.

    نعـــم، لقد عثر على عدد من الكتابات النبطيـــة في الحجـــر وفي مــواضع أخــــرى مــن أرض النبط وردت فيها أسماء عبرانية تشير إلى أن أصحابها من يهـــ ـود ، ويعود بعضها إلى القرن الأول للميلاد، ويعود بعض آخــــر إلى ما بعــد ذلك مثل الكتابـــة التي يعود عهدها إلى سنة 307 ميـــلادية وصاحبها رجـــل اسمـه "يحيى بر شمعون" أي "يحيى بن شمعون".

    غيــر أن هـذه الكتابـات شخصية، ولا تفصــح بشيء ذي بـــال عـــن عقيدة أصحابهان ولا عـــن تـــأريخهم في هـــذين الأرضين.

    وقـــد ذهــب اليهـ ــود إلى العـــربية الشرقية ، ذهبـــوا إليها مـــن العـــراق فسكنوا في مـــواضع مـــن سواحــل الخليج ، وتاجروا مـع أهل هذه البلاد ومـــع باطـــن الجـــزيرة.
    وقـد ساعدتهم بعض الحكومات على الذهـــاب إليها.
    وقـد كانت ليهود العراق تجارات مــع أهـــل الخليج ، كمــا يفهـــم ذلك مــن مواضـــع مــن "التلمود".

    ويتبين من روايـــات المؤرخ اليهودي "يوسفوس فلافيوس" Iosephos Fiavius" أن اليهــ ـودية كــانت قـد وجــدت لها سبيلا بين العـــرب.
    وأن بعض ملـــوك مملكـــة "حدياب" Adiabene كانــوا قــد دخلــوا فيها. ويذكـــر المـــؤرخ "سوزومين" Souzomenos أن اليهـ ــود كانـــوا ينظرون إلى العـــرب الساكنين شرق الحد العربي Iimes Arabicus على أنهم من نسل "إسماعيل"،وأنهم كانوا يـــرون أنهـــم مـــن نسل "إسماعيل" و"إبراهيم" ، فهــم مـــن ذوي رحمهم ولهم بهم صلة قـــربى. !
    وكانـــوا يرجـون لذلك دخلـــوهم في دينهـــم ، واعتناقهم دين إبراهيم جد اليهــ ـود والعـــرب.
    وقد عملوا على تهويد أولئك العــرب.

    ويظهر مــن مواضع من "التلمود" أن نفرا من العـرب دخلوا في اليهـ ـودية وأنهـــم جــاءوا إلى الأحبار، فتهودوا أمامهـــم .
    وفي هـــذه المـــرويات "التلمودية" تأييد لروايات أهل الأخبار التي تذكر أن اليهــ ـودية كانت في :
    حمير، وبني كنانة، وبني الحارث بن كعب وكندة وغسان.

    وذكــر "اليعقوبي" أن ممن تهـــود من العـــرب "اليمـــن بأسرها".
    كان تبع حمل حبرين من أحبار يهــود إلى اليمن.
    فأبطل الأوثــان ، وتهـ ــود من باليمن وتهود قوم من الأوس والخزرج بعــد خروجهم من اليمن لمجاورتهم يهــود خيبر وقريظة والنضير ، وتهود قـــوم من بني الحارث بن كعب وقـــوم من غسان وقوم من جذام".

    وقد ذكر علماء التفسير في تفسيرهم الآية :
    {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}
    أنها نــزلت في الأنصـــار.
    كـــانت المـــرأة المقلات في الجـاهلة تنذر إن عاش لها ولد أن تهوده فتهود قـــوم منهـــم.
    فلمـا جـــاء الله بالإسلام أرادوا إكراههم عليه ، فنهاهم الله عـــن ذلك حتى يكـــونوا هم يختارون الدخول في الإسلام.
    أو أنهم لما بقوا على يهوديتهم، وأمر اليهود بالجـــلاء ، وفيهم منهم ، شق على آبائهم ترك أبنائهم يذهبون مـــع اليهود ، فقالوا : "يا رسول الله أبناؤنا وإخواننا فيهم.. فسكت عنهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى ذكـــره :
    {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} ... فقـال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قـد خيــر أصحابكم فـــإن اختاروكـــم فهم منكـــم ، وإن اختاروهم فهـــم منهم".

    وذكـــر العلماء أيضـــا أن نــاسا مـــن الأنصـار كانـوا مسترضعين في "بني قريظة" وغيرهم من يهـود ، فتهودوا وأن من الأنصار من رأي في الجاهلية أن اليهـ ــودية أفضل الأديان، فهودوا أولادهم ، فلما جــاء الإسلام ودخلــوا فيه أرادوا إكراه أبنائهم الذين تهودوا على الدخول فيه، فنزل الوحي بالآية المذكـــورة.
    فقد كان إذن بين يهود جزيرة العـرب عـــرب دخلـــوا في ديـــن يهـ ــود.

    وذكـر أهل الأخبار أن "جبل بن جوال بن صفوان" الثعلبي ، من "بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان" ، كـــان يهــ ـوديا فأسلم ، فهو عربي ، يظهر أنه أو أهله قبله قد تهودوا ، فكان على دين يهود وعاش مع "بني قريظة"، حتى اعتنق الإسلام. وذكــروا أسماء آخرين كانوا من متهودة الجاهليين.

    ويـــرى بعض المـؤرخين اليهـ ــود أن يهـ ــود جزيرة العرب كانوا في معزل عــن بقية أبنـاء دينهم وانفصال، وأن اليهــ ـود الآخرين لم يكونوا يرون أن يهـ ـود العربية مثلهم في العقيدة، بل رأوا أنهم لــم يكونوا يهودًا ، لأنهم لم يحافظوا على الشرائع الموسوية ولم يخضعوا لأحكـام "التلمود".
    ولهذا لم يــرد عن يهود جزيرة العرب شيء في أخبار المؤلفين العبرانيين.

    وعندي أن عدم ورود شيء عن يهـود الحجاز في أخبار المؤلفين العبرانيين
    لا يمكـن أن يكـــون دليلا على عـــزلة يهـ ــود الحجاز عن بقية اليهـ ــود.

    فقــد أهمل غيـــرهم أيضًا ولـــم يشر إليهـــم ، لأن التأليــف الفكـــري عنـــد "العبرانيين" كانا قد تركـــزا في هـذه العهود على المستوطنات "اليهودية" في العـــراق وعلى فلسطين ، وعلى "طبريا" بصورة خـــاصة ، ولم تشتهر الجاليات اليهــودية التي انتشرت في مــواضع أخــرى بالتأليف ، فكــان من الطبيعي أن تنحصر أخبار اليهـود في هـــذا العهد في هـــذين القطرين.
    ولهذا لــم يشر إلى يهود الحجاز وإلى يهــ ـود بقية جـــزيرة العـــرب.
    ثــم إن الحجاز على اتصال بفلسطين وفلسطين جـــزء من الحجاز متمم له جغرافيا ، وهــو متصل بفلسطين منذ القـــدم ، وفلسطين منفــذه التجاري وميناء "غزة" مــن المواضع التي كان يقصدها تجـــار الحجـــاز للاتجـــار والحركة مستمرة دوما بين فلسطين والحجاز، وقد كان تجار اليهــ ـود من أهل الحجاز يتاجرون مع بــلاد الشام وفي وجملتهـا أرض فلسطين ، وإلا يكــون بين اليهودين اتصال.

    أمــا مــن نــاحية الآراء الــدينية والاعتقادية، فقد يكون بين اليهودين بعض الاختـــلاف ، فقد وقع اختلاف في الآراء بيــن أحبــار يهــ ـود العراق وبين أحبـــار يهـ ــود فلسطين، فـــلا يستبعد إذن رأي مــن يقـــول بوجود اختـــلاف في وجهـــة نظـــر يهـ ــود فلسطين بالنسبة ليهــ ـود الحجاز، إذ قد يكون بوجــود اختلاف في وجهة نظر يهــ ـود فلسطين بالنسبة ليهـ ـود الحجاز، إذ قد يكون بوجـود اختلاف في وجهة جزيرة العـــرب قــد تأثروا بالعـــرب الذين نزلوا بينهم فاضطروا إلى التخفيف مــن التمسك بشعائــر دينهــم ، لا سيما وأن من بين يهــ ـود جزيرة العرب يهود متهودون، كانـــوا في الأصل مــن "أدوم" ومـن "النبط" ومـــن "العرب" ، دخلوا في اليهـودية لعــوامل متعددة، فلــم يكونــوا لذلك على سنة اليهــ ـود الأصيلين في المحافظة على شريعتهــم محـــافظة شديدة تامـــة..

    تابع الجزء الثالث >>>


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:07 pm

    【اليهوديــة بين العـــرب】

    الجـــزء الاول >>

    والحديث عن اليهوديــة بين العـــرب وعـــن وجـــود يهود في أنحـــاء من جزيرتهم ، لا يمكن أن يكـــون حديثا تـــأريخيا مبنيا على العلم إذا ارتفعنا بــه إلى الميلاد وإلى ما قبل الميلاد.

    ولا يعني كـــلامي هـــذا عـدم وصول يهـــود إلى جـــزيرة العـــرب، وعـــدم إقامتهم في أماكـــن منها.
    فهذا كلام لا يمكن أن يقال، ولا يمكن قبوله. إنما أريد أن أقـول أننا لا نملك نصوصا تـــأريخية تخولنا أن نتحدث عــن اليهود في جــزيرة العـــرب قبل الميـــلاد حــديثا علميــا ، بـــأن نعيـن المواضـع التي نزلـــوا فيها ، والأماكن التي وصـــولا إليها، وما فعلوه هنـــاك وفي أي عهد كـــان ذلك، ومـن قادهم إلى تلك الأنحـــاء ، ومــن استقبلهم استقبالا حسنا ، أو استقبلهم استقبالا سيئًا مـن الجاهليين؟

    وقـــد عـــرف اليهود عنــد الجاهليين وورد ذكرهم في الشعر الجاهلي.
    ولا بــد مــن وقـــوف الجاهليين على أحـــوالهم، لأنهـــم كانـــوا كمـا سنرى يسكنون في مواضع عديدة معـروفة تقـــع مـــا بين "فلسطين" و "يثرب" كمـــا سكنـــوا في "اليمن" وفي "اليمامة" و "العروض".
    وكان تجـــار منهم يقيمون في مكـــة وفي مواضع أخرى من جزيرة العـرب للاتجار وإقـــراض المال بــربا فاحش للمحتاجين إليـــه.
    ومعارفنا عـــن يهــود جـــزيرة العرب مستمدة مــن المـــوارد الإسلامية.

    والسبب في ورود خبـــرهم في هـذه المـــوارد ، هـــو اصطدامهم بالإسلام ومقاومتهم له حينما دعــاهم الرسول إلى الدخول فيه ، فنزل فيهم الوحي وأشير إليهم في الحديث ، وذكـــروا في كتب التفسير والسير والتواريخ والأدب.
    ومـن هنـــا تجمعت معارفنا عن يهود الجــاهلية. ولهذا تجــد الحديث عــن يهود الجــاهلية لا يـرتقي كثيرًا عـــن عصر النبـوة ، ولا يبتعد عنه ولكني لا أستبعد احتمـال تغيــر الحال ، إذا مـا عثـــر المنقبـون في المستقبل على كتـــابات جاهلية قــد تكـون مطمورة في الوقت الحاضر في باطن التـــربة يكون لها صلة بيهود جزيرة العرب أو إذا مــا عثـــر على مــؤلفات ووثـــائق مكتـــوبة عبـرانية أو غير عبرانية قد تكـــون مجهولــة عن ذوي العلــم في الوقت الحاضر تكون لها صلة وعلاقة بأمر يهود جزيرة العرب قبل الإسلام.

    وقــد وردت لفظة "يهود" معـرفة في القــرآن الكريم. أي على هذا الشكل : "اليهود".
    وردت في مواضع من سورة البقرة .
    ومــن سورة المائدة ومــن سورة التـــوبة .
    وكلها سورة مـــدنية.
    ولم ترد في سورة من السور المكية.

    كمــا وردت لفظة "يهوديا" في سورة آل عمران ، وردت في شرح ديـــانة "إبراهيم" : {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا} . وهي مـــن السور المـــدنية كـــذلك.

    وعبر القرآن الكريم عـن اليهود وعــن معتنقي اليهودية بـ {الذين هادوا} وبـ {من كان هودا} و {كونوا هودا} و {كانوا هودا} .
    وسورتي الأنعام والنحل مـــن السور المكية. وبنـــاء على ذلك تكون جملة "الذين هادوا" قـــد نزلت قبل نـــزول لفظــة "اليهود" في القـــرآن الكريم.

    وقد عبر عن العبرانيين عامة بـــ"بني إسرائيل" في القـــرآن الكـــريم.
    عبـــر عنهـــم في سورة مكيـة وفي سورة مـــدنية.
    ويـــلاحظ أن ورود هـــذا التعبير في القرآن الكريم ، هـــو أكثـــر بكثير من ورود لفظة "اليهود" فيـــه.

    ولما كـــانت فلسطين امتدادا طبيعيا للحجـــاز ، كـــان مـن الطبيعي اتصال سكانها بالحجـــاز ، واتصال سكـــان الحجاز بفلسطين ، وذهـــاب جاليات يهودية إلى العــربية الغربية ، للاتجار وللإقـــامة هناك ، خـــاصة بعد فتوح الـــدول الكبـرى لفلسطين واستيلائها عليها، وهجـــرة اليهود إلى الخـــارج. فكـــانت العـــربية الغـــربية لاتصالها بفلسطين مـــن الأماكـــن المـــلائمة المناسبة لهجـــرة اليهـ ــود إليهــا وإقامتهم فيها، ولا سيما عند مواضع المياه وفي الأرضين الخصبة الغامرة غير إننا لا نستطيع، كما قلت التحدث عن هجرة اليهد هذه إلى هذه الأنحاء حـــديثا علميا معـــززا بالكتـــابات وبالتـــواريخ.

    ولم يترك يهود جزيرة العرب لهم أثرًا مكتـــوبا يتحدث عن ماضيهم فيها. وكـــل مـا عثـــر عليه منهــم، نصوص معدودة، وجدت في اليمن، لا تفصح بشيء ذي بال عن اليهود واليهودية. كـــذلك لـم يصل إلينا أن أحــدا مـــن المؤلفين والكتبة العبرانيين ذكر شيئًا عــن يهود الجاهلية.
    وليس لنا مـــن تـــأريخ اليهـ ــود في جـــزيرة العـرب إلا ما جاء في القرآن الكــريم وفي الحديث وكتب التفسير والأخبـــار والسير.
    فمـادتنا عــن تـــأريخ اليهــ ـودية في العـــربية، لا ترتقي إلى عهد بعيد عن الإسلام.

    تابـــع الجـــزء الثاني >>>


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:08 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    【 المجتمع العربي 】

    【 ألقاب بعض القبائل 】

    ولقد لُقبت بعض القبائل بألقاب, فقد قيــــل :
    > "مـــازن غسان" أربـــاب الملوك
    > و"حميـــر" أربــــاب العــرب
    > و"كنــــدة" كنـــدة الملــــوك
    > و"مـــذحج" الطعـــان
    > و"همدان" أحــلاس الخيــل
    > و"الأزد" أسد البأس
    والذهلان : أحــــدهما "ذهل شيبان بن ثعلبة" و"يشكر" , والآخر "ضبيعة وذهل بن ثعلبة"
    واللهزمتان : إحداهما "عجل" و"تيم اللات" ، والأخــــرى "قيس بن ثعلبة" و"عنزة" ، وكلهم من بكر بن وائل، إلا عنــــزة بن ربيعة (١).

    وبعض هـــذه الألقاب حسنة جميلة وبعضها ألقاب تشير إلى قـــوة وبأس وشدة ، وبعض منها مقبـــول لا بـأس بــه, وهي ألقاب كانت القبائل الملقبة بها تفاخــر وتتباهى بها ، أو تقبلها ولا تـــرى فيها أي بــأس.
    وهي على العموم إما أن تكــــون قــد نبعت مــن القبيلة ، كــــأن ينعت سيد قبيلة قبيلته بنعت ، فتتمسك بــه ، أو أن ينعتها بـــذلك شاعر منها أو شاعر من قبيلة أخرى ، فيذهب هــذا النعت بين الناس، ويصير سمة للقبيلة.

    غير أن في الألقاب بعضًا آخـــر يشير إلى استصغار شأن القبيلة التي نعتت به ، مثل "القين"(٢) ، و"الأجارب"(٣) و"الأقــارع" (٤) , و"قــراد"(٥) ، ومـا شاكــل ذلك مــن ألقاب تحـــولت إلى مسميات, أي : تحـــول اللقب فصـــار اسم علــــم. وهي نعــــوت يظهر أن مصــدرها شعـــر الهجـــاء والقبــائل المعاديــة المنتابزة بالألقــاب, وقــــد شاعت وثبتت, لأنها أثرت في القبائل المهجوة وآلمتها، فتمسك قائلوها بها وشاعت بين الناس حتى نسي سبب قولها، وصارت اسم علم للقبيلة، ولم ير من جاء بعد ذلك بأسًا من الانتماء إلى القبيلة المنبوزة بــه.
    وقد رمت بعض القبائل قبيلة "إيــاد" بالفسو ، وعيرتها بــه ، حتى إذا كــان أحد رجالها بعكاظ، ومعه بـــردا حبرة قام فقال : من يشتري من عار الفسو بهذين البردين؟ فقــــام "عبد الله بن بيدرة" أحــد "مَهْو" حي مــن "عبد القيس" ، فقال : هاتها ، واشهدوا أني اشتريتُ عــــار الفسو من إيــــاد لعبد القيس بالبردين. فلمــا أتى رحله وسُئل عن البردين، قال: اشتريت لكم بهما عــــار الدهر ، فوثبت عبد القيس وقــــالت :

    إن الفساة قبلنا إياد ... ونحن لا نفسو ولا نكــاد.

    وتفـرق الناس عن عكاظ بابتياع عبد القيس عــار الفسو. ثــم إن هذا العار زال عن "إيــاد" ولصق "بعبد القيس" فهُجُوا به كثيرًا. وضرب المثل بـ"عبد الله بن بيدرة"، فقيل : "شيخ مَهْو" ضرب به المثل في الخسران, وقيل : أخسر صفقة مــن شيخ مهو (٦).

    وبعض هـذه النعوت قيل في الإسلام من ذلك رُمي "تميم" بالبخل واللـــؤم بسبب هجاء الطرماح لها وقوله فيها:

    تميـــم بطرق اللؤم أهدى من القطا ... ولو سلكت سبل المكارم ضلت (٧)..

    ونجــد لجــرير وللفرزدق وللأحابيش ولغيــــرهم ذمًّــا في قبـــائل الشعراء المتهاجين.

    ومن القبائل الملقبة:"الأحابيش" وقد تحدثت عنهم ، والمطيبون والأحلاف وهم من قريش ، وقــد تحدثت عنهم أيضًا, والأراقم, وهم : جشم، ومالك, وعمرو بن ثعلبة، ومعاوية، والحارث، بنو بكــر بن حبيب بن غنــم بن ثعلب بن وائل (٨) , وهم أحياء من "ثعلب" جعلهم بعضهم ستة, هــــم:
    جشم ومالك وعمرو وثعلبة ومعاوية والحارث, بنو بكر بن حبيب بن غنم بن ثعلب بن وائل.
    وقال بعض علماء اللغة : "الأراقم" : بطون من "بني تغلب" يجمعهم هـــذا الاسم, قيل : سموا بذلك ؛ لأن نـاظرًا نظـــر إليهم تحت الدثار وهـــم صغار فقال : كأن أعينهم أعين الأراقم، فلج عليهم اللقب (٩).

    وعــرفت بعض القبــــائل بـ"البراجم" وهــم خمسة بطون من بني حنظلة : "قيس" ، و"غـــالب" ، و"عمــــرو" ، و "كُلفة"، و"الظليم"، وهو مــــرة. قيل : إنهم إنما سموا بــــذلك ؛ لأنهم تبرجموا على إخوتهـــم : "يربوع" و"ربيعة" و"مالك" , وكلهــــم أبوهــم حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مرة (١٠).
    وذكــــر أيضا أنهم إنما سموا البراجم وذلك لأن أباهم قبض أصابعه, وقال: كونـــوا كبراجم يــدي هــــذه, أي : لا تفرقوا، وذلك أعز لكم. وقيل: لا وإنما سموا بذلك ؛ لأنهم تحالفوا أن يكونوا كبراجم الأصــــابع في الاجتماع (١١).
    وعــــرف "الثعلبات" بهــــذه التسمية لأنهم بطــــون ، اسم كل بطـــن منهم "ثعلبة", وهــــم :
    ثعلبة بن سعد بن ضبة ، وثعلبة بن سعد بن ذبيان ، وثعلبة بن عدي فزارة ، وأضاف إليهم قــــوم : ثعلبة بن يربوع (١٢) , ويقال لهم "الثعالب" أيضًا. وهـــم قبائل شتى ، فثعلبة في "بني أسد"، وثعلبة في تميم ، وثعلبة في ربيعة ، وثعلبة في قيس, ومنهما الثعلبتان من طيء, وهمــا :
    ثعلبة بن جذعاء بن ذهل بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن قطرة من طيء، وثعلبة بن رومان بن جندب المذكور.
    وذكر أن الثعالب في طيء يقال لهــم مصابيح الظــلام ، كالربائع في تميــم (١٣).

    وأما "الرباب" فهــــم :
    ضبة بن أد بن طابخة ، وتيم، وعدي ، وعوف، وهوعكل، وثور، وكل هؤلاء بنو عبد مناة بن أد بن طابخة (١٤). قيــل : إنهم إنما سموا بذلك لتفرقهم وقيــل : سموا ربابًا لترابهم ، أي : تعاهدهم وتحالفهم على تميم، وقيل: سموا بذلك ؛ لأنهم أدخلوا أيديهم في رُبّ, وتعاقدوا وتحالفوا عليه فصاروا يدًا واحــدة (١٥).

    وأما "الأجارب" ، فهم خمسة بطــون مــن "بني سعد" ، وهــــم :
    ربيعة, ومالك، والحارث، وعبد العزى، وبنو حمار (١٦).

    وورد الأجارب : حي من بني سعد بن بكر من قيس عيلان ، وإذا قيــــل : الأجربان , فهما : عبس وذبيان (١٧).

    و"الحرام", هم : بنو كعب بن سعد بن زيد مناة (١٨).
    وذكـــر أن في العــرب بطونًا ينسبون إلى "آل حرام", منهم بطن في تميــم وبطن في جـــذام وبطن في بكــر بن وائل.
    وهنــــاك بطــــون أخــــرى عُــــرفت بـ"حــــرام" (١٩).

    وأما "الضباب"، فهــم : "بنو عمرو بن معاوية بن كلاب".
    قال بعض أهل الأنساب : إنهــم أربعة بطون من "بني كلاب" ، وقـــال بعض آخر: إنهم أكثر، وأوصلوهم إلى أربعة عشر بطنًا (٢٠).

    واشتهرت بعض القبـــائل والعشائــــر والبيوت بنعوت لازمتها في الجاهلية وامتدت إلى الإسلام ، فقد عـرف بنو مخزوم وبنو جعفر بن كلاب بـالتيه والكبــر ، حتى قيل: "أربعة لن يكونوا ومحــــال أن يكــونوا : زبيدي سخي ومخــزومي متــواضع ، وهــــاشمي شحيح ، وقريشي يحب آل محمد" (٢١).

    واشتهرت "طيء" بالجود؛ لكون حاتم وأوس بن حارثة بن لأم منهم (٢٢). وعرفت "باهلة" باللؤم، حتى ضرب بها المثل في اللؤم، فقيل: لؤم باهلة (٢٣). واشتهر "بنو ثعل" بالرمي، وذكروا بذلك في شعر لامرئ القيس (٢٤). واكتسبت "مدلج" شهرة واسعة في القيافة، إذ اختصت بها من بين سائر العرب (٢٥).
    وبرز "بنو لهب" في العيافة, فهم أزجر العرب وأعينهم (٢٦). وعرفت "إياد" بخطبائها، وملوك غسان بثريدهم، الذي قيل له :
    "ثريدة غسان"(٢٧).

    وعرفت كندة بغلاء مهور بناتهم (٢٨). وعرفت "خزاعة" بالجوع والأحاديث، قيل لزهمان : ما تقول في خزاعة؟ قال: جوع وأحاديث (٢٩), أي: فقر ودعاوى فارعة وأضغاث أحلام.
    وعرفت بعض القبائل بـ"الضبيعات", وهي: "ضبيعة بن قيس بن ثعلبة" أشرفهن, و"ضبيعة أضجم بن ربيعة بن نزار"، و"ضبيعة بن عجل بن لجيم"(٣٠).
    وذكر أيضًا أن في العرب قبائل تنسب إلى "ضبيعة": "ضبيعة بن ربيعة بن نزار"، وهو المعروف بـ"الأضجم"، و"ضبيعة بن أسد بن ربيعة"، قال بعضهم: إنما ضبيعة أضجم، و"ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن بكر بن وائل" وهو أبو رقاش أم مالك وزيد مناة ابني شيبان، وهم رهط الأعشى : ميمون بن قيس، و"ضبيعة بن عجل بن لجيم بن صعب بن بكر بن وائل، رهط الوصاف، و"ضبيعة بن فريد" بطن من الأوس من بني عوف بن عمرو، وضبيعة بن الحارث العبسي.

    وذكر "ابن حبيب" أسماء قبائل عُرفت بـ"الربائع" وهي في "تميم", وهي: "ربيعة الجوع بن مالك بن زيد مناة بن تميم"، و"ربيعة بن حنظلة بن مالك بن زيد بن تميم"، و"ربيعة بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم"، كل واحد منهم عم صاحبه، و"ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة"، وهم "الحباق".

    وورد: في تميم ربيعتان: الكبرى وهي ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وتدعى: ربيعة الجوع, والصغرى وهي ربيعة بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة من تميم..

    =============

    (١) العمدة "2/ 194".
    (٢) تاج العروس "9/ 316"، "قان".
    (٣) تاج العروس "1/ 181"، "جرب".
    (٤) تاج العروس "5/ 446"، "قرع".
    (٥) تاج العروس "2/ 465"، "قرد".
    (٦) الثعالبي، ثمار "106".
    (٧) أمالي المرتضى "1/ 289".
    (٨) العمدة "2/ 194".
    (٩) تاج العروس "8/ 317"، "رقم".
    (١٠) العمدة "2/ 195".
    (١١) تاج العروس "8/ 199"، "البرجمة".
    (١٢) العمدة "2/ 195".
    (١٣) تاج العروس "1/ 165"، "ثعلب".
    (١٤) العمدة "2/ 195".
    (١٥) تاج العروس "1/ 264"، "ربب".
    (١٦) العمدة "2/ 195".
    (١٧) تاج العروس "2/ 181"، "جرب".
    (١٨) العمدة "2/ 195".
    (١٩) تاج العروس "8/ 243"، "حرم".
    (٢٠) العمدة "2/ 195"، تاج العروس "1/ 345", "ضبب".
    (٢١) الثعالبي، ثمار القلوب "117".
    (٢٢) الثعالبي، ثمار القلوب "117".
    (٢٣) المصدر نفسه "119".
    (٢٤) كذلك "120".
    (٢٥) الثعالبي، ثمار القلوب "120 وما بعدها".
    (٢٦) المصدر نفسه "121".
    (٢٧) كذلك "122 وما بعدها".
    (٢٨) كذلك "123".
    (٢٩) البيان "1/ 9"، "لجنة".
    (٣٠) المحبر "335".


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:09 pm

    【 المجتمع العــــربي 】

    الاستلحاق :
    والاستلحاق، هــو أن يستلحق إنسان شخصًا فيلحقه بنسبه، ويجعله في حمايته ورعايته، أي في عصبيته.

    وقــد يكــــون الرجل صريحًا معروف النسب ، وقد يكون أسيرًا أو مولًى أو عبدًا ، فيسميه مــــولاه وينسبه إليه.

    ومـــن هــذا القبيل ما كان يفعله أهل الجاهلية مــن استلحاق أبناء الإمـــاء البغايا بهم , وذلك أنـــه كــان لأهــــل الجاهلية إمـــاء بغايا وكـــان سادتهن يلمون بهن ، فإذا جاءت إحداهن بولد ربما ادعـــاه السيد والـــزاني ، فيقـــع خــــلاف بينهما على الولد.
    وقـــد وقع مثل هذا الخلاف في أيام الرسول ، في أول زمــان الشريعـة فقضى الرسول ﷺ بإلحـاقه بالسيد لأن الأمة فراش كالحرة ، فإن مات السيد ولــم يستلحقه ثــم استلحقه ورثتــه بعــده, لحق بأبيه. وفي ورثته خلاف (١)
    ورهطــه دعيـــا في قبيلة مثـــل "ابن هرمة" فقد كان دعيًّا في الخلج وكان الخلج دعيًّــــا في قـــريش(٢).
    ويقال للدعي "ملصقا"، والملصق : هــــو المقيم في الحي وليس منهـــم بنسب (٣).

    وقـــد ورد في حـــديث "علي بن الحسين" :
    المستلاط لا يرث ، ويُدعى له ويدعى بــه.
    المستلاط :
    المستلحق في النسب ويدعى له, أي: ينسب إليــــه فيقال :
    فلان ابن فلان ، ويدعى بــه أي : يكنى فيقال : هــو أبو فلان ، وهو مع ذلك لا يـــرث لأنه ليس بــولد حقيقي (٤).
    ومن ذلك قولهم : "لاط القاضي فلانًا بفلان : ألحقه بـه".
    وورد أن أناسًا في الجـــاهلية كانـــوا يليطون الأولاد بآبائهم ، أي : يلحقونهم (٥).
    والظاهــــر أن استلحاق الأبناء بالآباء كــان معـــروفًا بين الجاهليين بسبب الاتصال بالإمـــاء وببعض الأعــــراف الأخــرى التي حــــرمت في الإسلام.

    ويقــــال للدعي : المخضرم ، وقيل :
    هــو من لا يُعرف أبوه أو أبواه ورجل مخضرم أسود وأبــوه ابيض ، أو هــو مــن ولــــدته السراري، وذلك ذم في الإنسان (٦).
    ويقـال : رجل "خلط ملط" ، بمعنى : مختلط النسب.
    وذكر أن الملط الذي لا يعرف له نسب ولا أب, وأمــا خلط ، فــإما بمعنى المختلط النسب ، وإمـــا بمعنى ولــد الزنا, والخليط المشارك في حقــــوق الملك كالشرب والطريق ونحـــو ذلك. ومنه الحديث :
    "الشريك أولى من الخليط, والخليط أولى من الجار"، والشريك : المشارك في الشيوع, والخليط : القــوم الذين أمــــرهم واحــــد (٧).

    و"الأهــــل" أهل الرجال وأهل الـــدار وأهل الرجل أخص الناس بـــه. وأهل الدار أهل البيت ، و"آل الرجل"، أهله. ويقال في النسب : هـــو من آل فلان (٨).

    【الجــــوار】

    وللجــــوار صلــة كبيــــرة بـ "النسب" وبالعصبية عند العــــرب ، فقد يتوثق الجوار ، وتتقوى أواصره فيصير نسبًا فيــدخل عنــدئذ نسب "المستجير" بنسب "المجير"، ويصير وكأنـه نسب واحـــد, هــــو نسب "المجير".

    وقـــد اندمجت بـ"الجــــوار" أنساب كثيرة من القبائل الصغيرة، أو القبائل التي تشعـــر بخوف مــن قبيلة أخرى أكبـر منها ، فتضطر إلى طلب "جوار" قبيلة أكبر منها, لتدافع عنها، ولتكون بــذلك قــــوة رادعـــة تحمي حيــاتها وتحــافظ على نفسها ومــالها بهــــذا الجــــوار.
    وهـــو مـن السنن التي حـــافظ عليها الجاهليون، واعتدوها كالقوانين.
    فـــإذا استجــار شخص بآخـــر ، أو استجارت قبيلة بأخرى ، اكتسب هذا الجـــوار صيغة قانونية ، ووجب على المجير المحافظة على حـــق الجــوار وإلا نـــزلت السبة بالمجيـــر ، وازدراه الناس.
    ويكتسب الجـــوار حكمــه بإعـــلان الطـرفين قبولهما لـه على المــلأ ، في أماكن الاجتماع في الغالب ، في مثل المواسم من حج أو سوق. فــإذا أعلن ذلك ، وعلم الناس الخبر ، صار المجار في ذمـة المجير ، وترتب على المجير أن يكون مسئولًا عن كل مـا يقع على المجــار ومـا يصدر منـــه.

    وقـــد ورد في القرآن الكريم : {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِِ} (٩).

    والجار ذو القـربى هـــو نسيبك النازل معـــك في الحـواء, ويكون نــازلًا في بلـــدة وأنت في أخـــرى ، فله حــرمة جـــوار القـــرابة.
    والجـــار الجنب ألا يكون لــه مناسب فيجيء إليه ويسأله أن يجيره ، أي : يمنعه فينزل معه ، فهذا الجار الجنب لـه حــرمة نزوله في جـــواره ومنعته وركونه إلى أمانه وعهده , لأنه جاوره وإن كان نسبه في قــوم آخـــرين ولا قـــرابة لــه بـه.
    وكــان سيد العشيرة إذا أجـــار عليها إنسانًا لـــم يخفروه (١٠) وإذا دخـــل قبته أو خبـــاءه أو دار حـــول خيمته ونادى بالجوار والأمان صار آمنًا. وقد وجب على صاحب القبة أو الخباء أو الخيمة حمــايته ، حتى وإن كـان مـن سائــر أبنـــاء القبيلة.
    والجار والمجير والمعيذ واحـد ، ومن عــاذ بشخص استجار بــه (١١) , ومن هــذا القبيل استجارة أهـــل الجاهلية بالجن. "قيل : إن أهل الجاهلية كانوا إذا نزلـت رفقة منهم في وادٍ ، قالت : نعــوذ بعــزيز هــذا الوادي من مـــردة الجـــن وسفهائهم , أي : نلـــوذ بــه ونستجير"(١٢).
    وللجوار حــرمة كبيرة عند الجاهليين فـإذا استجــار شخص بشخص آخـــر وقبــل ذلك الشخص أن يجعله جــارًا ومستجيرًا بـــه ، وجبت عليه حمايته وحق على المجار الدفاع عــن مجيره والذب عنه وإلا عد ناقضًا للعهد ناكثًا للوعــد ، مخالفًا لحــق الجـــوار.
    وعلى القبائل استجارة مــن يستجير بها, والدفاع عنـــه دفاعها عن أبنائها. ويقـــال للذي يستجير بك :
    "جــار", والجار : الذي أجـرته مــن أن يظلمه ظالـم ، وجارك : المستجير بك والمجير : هــــو الذي يمنعك ويجيرك وأجاره : أنقـــذه من شيء يقــع عليه (١٣).
    وقــد أوصوا بالجار خيرًا ، ورجوا من الجـــار أن يكون كذلك قــدوة حسنة في جـــواره ، فلا يسيء إلى جاره أو إلى جيــرانه ، وعلى الجـــار أن يغض نظــره عن عيـــوب جاره ، وأن يكون يقظًا في حفظ حقوق جــــاره ، فطنًا في الدفــــاع عنــــه.
    ليس له أن يتملص من حقوق الجوار إذا استحقت ووجبت, لأن للجار حقًّا عليك (١٤).
    وكــــان يقال في الجاهلية للرجل إذا استجار بيثرب: قوقل في هذا الجبل ثــم قــــد أمنت.
    فـــإذا فعل أحد ذلك، وجب على أهل يثرب قبــول جــــواره والدفاع عنه.

    وذكـــر أن "قوقل" رجل مــن الخزرج اسمه "غنـــم بن عــوف بن عمــرو بن عوف بن الخزرج"، سمي به "لأنه كان إذا أتـــاه إنسان يستجير به أو بيثرب قــــال لــــه :
    قوقل في هذا الجبل، وقد أمنت, أي: ارتق". وقيل : "لأنهم كانوا إذا أجاروا أحدًا أعطوه سهمًا, وقالوا : قوقل به حيث شئت, أي : سر به حيث شئت" وذكـــروا أيضًا أن "القوقل" اسم أبي بطن من الأنصار، اسمه ثعلبة بن دعد بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن الخزرج. وقالوا : هو النعمان بن مالك بن ثعلبة (١٥).
    والغــاية مـــن الجــوار طلب الحماية والمحـــافظة على النفس والأهــــل والمال, لـــذلك لا يطلبه في العادة إلا المحتاج إليــــه.
    ولا يشترط في الجــوار نـــزول الجار قــرب المجير ، أو في جــــواره أي أن يكــون بيته ملتصقًا ببيته, فقد يكون على البعد كذلك , لأن الجــوار حماية ورعــاية ، وتكون الحماية حيث تصل سلطة المجير ، وتراعى فيه حــــرمته وذمته. ويكون في إمكانه الدفاع عن جــــاره.
    ولهذا كان على الجار أن يعرف حدود "الجــوار"، وقد يعلقانه بأجل احترازًا وتحفظًا من الجـــوار المطلق، الذي لا يعلـــق بزمــن وإنمـا يكــون عـاما.

    ولا يجير أحـد إنسانًا إلا إذا أحس أن في إمكـــانه أداء أمــانة الجوار , وإلا عـــرض نفسه وأهلـه وقبيلته لـــلأذى والسبة ، إن قبل شخص جــوار أحــد وهـــو في وضـــع لا يمكنه من الوفاء بحقـوق الجــــوار , ولا يطلب رجــــل مجاورة رجل آخـر إلا إذا شعر أن من سيستجير به هو كفؤ لأن يجيره وإلا فما الفائــدة مــن الاستجارة برجــــل ضعيف قد يكون هو نفسه في حاجة إلى الاستجارة بأحــــد.
    ولا يشترط في الجــــوار أن يكــــون جــــوار أحياء, فقـــد يستجير إنسان بقبر, فيصير في جـــواره وفي حرمة ذلك القبـــر, وعلى أصحاب ذلك القبر الذب عـــن هــذا الجار والدفاع عنــه.

    ومن هذا القبيل استجارة الناس بقبر "عامر بن الطفيل", فقد ذكر أن قومه من "بني عامر"، وضعوا حــول قبــره أنصابًا على مسافة منــه, إذا اجتازها اللاجئ ودخـــل "الحــــرم" المحيط بالقبــر ، صار آمنًا على ماله ونفسه، لا يخشى خشية أحــد يريد إنزال سوء بــه.
    وقــد منعوا دخــول حيــوان إليــه أو مـــرور راكــب بــه ؛ احترامًا لحـــرمة صاحب هـــذا القبر (١٦). وكالذي كان من أمـــر قبر "تميم بن مر" جد قبيلة تميــــم في عــرف النسابين.
    وقــد يستجير الإنسان بمعبد أو بــأي موضــــع مقدس ، فيكون في جـــوار وحــرمة ذلك المكــان, وعلى أصحابه أداء حقوق الجــــوار.
    ومــن هــــذا القبيل جوار مكــة, فمن دخل حــرم "البيت" صــار في جواره آمنًـــا مطمئنا لا يجوز الاعتــداء عليه ولا إخافته ؛ لأنه في حـــرمة "البيت" وعلى قــــريش الــــذب عنــــه.

    وقــد كـــان لآل "محلم بن ذهل" قبة بــــوادي "عــــوف" عــــرفت بـــ"قبة المعاذة" ، من لجأ إليها أعاذوه ، و"آل عوف" مــن أشرافهــــم في الجاهلية ومن رجالهم "عوف" الذي يضرب بـه المثل : لا حـــرّ بــوادي عــــوف (١٧). والعوذ : الالتجاء ؛ ولهذا عرفت بتلك التسمية, وهــــو "عوف بن محلم بن ذهل بن شيبان". وقد ضرب به المثل في الوفــاء, فــــورد : "هو أوفى من عوف", وذلك لأن عمرو بن هند طلب منــه مروان القرظ, وكان قـــد أجاره فمنعه عوف وأبى أن يسلمه ، فقــــال عمــرو : لا حــر بوادي عوف, أي : إنه يقهر مــن حـــل بواديه وكل مـن فيه كالعبيد لــه لطاعتهم إيــاه. وهـــو من أمثال العـرب في الرجل العزيز المنيع الذي يعـز بــه الذليل ويذل به العزيز. وقيــــل : إن كل مـن صار في ناحيته خضع لــه, أو قيل ذلك لأنه كان يقتل الأسارى (١٨). ولما تـــوفي "عــــوف" دفن بواديه ، وأقاموا قبـــة على قبره صـــارت مـــلاذًا لمن يطلب الجوار.
    ومن طرق الجوار، أن يأتي رجـل إلى رجل ليستجير بــه فــلا يجده، فيعقد طــرف ثــوبه إلى طنب البيت ، فــإذا فعــل ذلك عـــد جــــارًا ، ووجب على صاحب البيت أن يجيره (١٩).

    والجوار جواران: جوار جماعة كجوار بيـــت أو فخــذ أو بطــن أو ظهــر أو عشيرة أو قبيلة ، وجـــوار أفــــراد.

    وللجـــوارين حـــرمة وقــدسية ليس أحــدهما دون الآخــــر في الحــــرمة والوفــــاء.

    وإذا نـــزل إنسان على إنسان آخــــر جارًا فإن من المتعارف عليه أن تكون حــــرمة جواره ثلاثة أيــام ، "وكانت خفــرة الجار ثلاثًا" (٢٠), فــاذا انتهت انتهت مـــدة الجــــوار.
    وعلى الجـــار الارتحال ، إلا إذا جــدد "المجير" جواره له، وطلب منه البقاء في جواره, فيكون عندئذ لهذا الجوار حكم آخــر ، إذ يبقى الجــوار قائمًا ما دام عقده باقيا.
    وقــد استفاد من حــق الجوار الغرباء والمسافرون والمحتاجون وأمثالهم فقد أمنوا على راحتهم ورزقهم وهـم في محيط صعب ، كمــا أمنــوا على حياتهم , حتى إن المجير ليغفر لجاره ما قـد يبدر منه من سوء بسبب حكم الجوار, قــــال مجير لجاره :
    "لــولا أنك جــــار لقتلناك" (٢١).

    ويشمل هذا الجوار المسافر والضيف.
    ومن عادتهم في الجــوار ، أن أحدهم إذا خــــاف ، فـــورد على مـــن يــريد الاستجارة بـــه ، نكس رمحه ، فـــإذا عـرفه المجير، رفع رمحه، فيصير في جــــواره.
    فلما هـــرب "الحارث بن ظالم المري" مـــن ملك الحيرة ، وأخــذ يتنقل بين القبائل حتى وصل عكـاظ وبها "عبد الله بن جدعان", نكس رمحه أمــــام مضرب "ابن جدعان" ثــم رفعه حين عرفوه، وأمن. وأقام بمكة، حتى أتــاه أمـــان ملك الحيرة (٢٢).

    وقد يحدد الجوار بحدوده, كأن يذكر مــن يطلب الاستجارة لمن يـــريد أن يستجير بــه ، أن استجارته بــه مـــن قبيلة كــــذا أو من القبائل الفلانية أو مــن الشخص الفــــلاني...

    【المــؤاخـاة】

    وتكـــون المــؤاخاة بين الأفــراد كمــا تكــــون بيــن الجماعــات كــــالعشائر والقبائل.
    وهي تــدعو إلى المناصــرة والمؤازرة والمساعدة، وتـــؤدي إلى المــــوارثة. وخيـــر مثل على المؤاخاة ، مــا فعله الرسول ﷺ يــوم مقدمه المدينة من مؤاخــاته بيـــن الأنصار والمهاجرين لتوحيد الكلمة وليساعد بعضهم بعضًا (٢٣).
    ولا يشترط في المؤاخــاة أن تكـــون بين أعـــراب وأعــراب ، أو بين حضر وحضر ، إذ يجوز أن تعقـــد أيضًا بين العــرب والأعــراب ، أي : بيـن الحضر والبدو، لأن المؤاخاة عقد، والعقد يقع بين كل الناس.
    كما قــد تقع بين عربي وأعجمي، فقد آخى الرسول ﷺ بين "سلمان الفارسي" و "أبي الدرداء".

    ===========

    (١) اللسان "10/ 328", "صادر", "لحق"، تاج العروس "7/ 60"، "لحق".
    (٢) الأغاني "3/ 76".
    (٣) تاج العروس "7/ 61"، "لزق"، "ألصق".
    (٤) اللسان "14/ 262"، "دعا".
    (٥) تاج العروس "5/ 218"، "لاط"، اللسان "7/ 395"، "لوط".
    (٦) تاج العروس "8/ 281"، "الخضرم".
    (٧) تاج العروس "5/ 132"، "خلط"، "5/ 226"، "ملط".
    (٨) اللسان "11/ 28 وما بعدها", "صادر", "أهل".
    (٩) النساء، الآية "63".
    (١٠) اللسان "4/ 155"، "جور".
    (١١) اللسان "4/ 155"، "جور".
    (١٢) اللسان "3/ 500"، "عوذ".
    (١٣) اللسان "4/ 154 وما بعدها"، "جور".
    (١٤) قال قيس بن عاصم:
    لا يفطنون لعيب جارهم ... وهم لحفظ جواره فطن
    المرزوقي، شرح الحماسة "4/ 584".
    (١٥) المعارف "ص50", تاج العروس "8/ 84"، "القوقل".
    (١٦) الأغاني "2/ 184"، "15/ 149".
    (١٧) الاشتقاق "215".
    (١٨) تاج العروس "6/ 206"، "تعوف".
    (١٩) الأغاني "2/ 184".
    (٢٠) الفاخر "220".
    (٢١) الفاخر "220".
    (٢٢) البلاذري "1/ 42 وما بعدها".
    (٢٣) تاج العروس "10/ 11"، "أخا".


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:10 pm

    【قبائل وأسر قتبانية】

    وردت في ثنايا الكتابات القتبانية أسماء أسر وقبائل قتبانية عديدة طمست أسماء أكثرها ولم يبق منها حيًّا إلى زمن ظهور الإسلام غير عدد قليل، هذه الأسماء تفيدنا ولا شك في دراسة أسماء القبائل العربية فائدة كبيرة. والقبيلة هي "الشعب" في لهجة أهل قتبان، والجمع "اشعب" "أشعب"، أي قبائل.
    ومن هذه الأسماء :
    "جدنم"، أي "جدن" "بنو جدن" و"جدن" من الأسماء المعروفة قبل الإسلام أيضًا. وهو اسم جد واسم موضع.
    فزعم أن "ذا جدن" الأكبر ملك من ملوك حمير، وهو أحد المثامنة من ولده ذو جدان الأصغر.
    وقد يكون لما ذكره أهل الأخبار عن "ذي جدن" علاقة بـ "جدن" المذكورين في الكتابات القتبانية وفي الكتابات العربية الجنوبية الأخرى.

    وكان موضع "حبب" "حباب" من أمكنة "جدنم" "جدن"، وقد ذكر في عدد من الكتابات. ويقال له اليوم "وادي حباب" وفيه مواطن عديدة، منها: "حزم الدماج" و "خربة المسادر" وقد ورد اسم "ذحب" "ذو حباب" في كتابة كتبت عند إنشاء سد لخزن المياه. ويقع "وادي حباب" في غرب "صرواح".
    وفي جملة القبائل أو الأسر التي ورد اسمها في الكتابات القتبانية اسم "يهر" ويظهر أن "آل يهر" كانوا من أصحاب السلطان والصيت في ذلك العهد.
    وقد ذكروا مع أسر أخرى، ووردت في الموارد الإسلامية إشارات إلى "ذي يهر" فذكر "الهمداني" أنه كان في محفد "بيت حنبص" آثار عظيمة من القصور، وكان قد بقي منها قصر عظيم كان أبو نصر وآباؤه يتوارثونه من زمان جدهم ذي يهر. وكان بنجارته وأبوابه من عهد ذي يهر. ولم يزل عامرًا حتى سنة خمس وتسعين ومائتين حيث أحرقه "براء بن الملاحق القرمطي".
    وذكر "نشوان بن سعيد الحميري" أن "ذا يهر" كان ملكًا من ملوك حمير وأن "أسعد تبع" قال فيه شعرًا، وغير ذلك مما يدل علي أن ذاكرة أهل الأخبار لم تكن تعي شيئًا من أمر تلك القبيلة التي تمتد تأريخها إلى ما قبل الميلاد. ويتبين من بعض الكتابات أن ناسًا من "يهر" كانوا أتباعًا لقبيلة همدان.

    وأما "كحد" فهي من القبائل التي ورد اسمها مرارًا في الكتابات القتبانية وقد نسبت إلى جملة أمكنة مما يدل على أنها كانت تنزل في مواضع متعددة فورد "كحد ذ دتنت" أي "كحد" النازلة في أرض "ذي دتنت"، وورد "كحد ذ حضنم"، أي "كحد" صاحبة "حضنم" "حضن" وورد "كحد ذ سوطم" أي "كحد" النازلة في موضع "ذي سوط"، وهكذا وفي انتشار هذه القبيلة في أرضين متعددة دلالة على أنها كانت من قبائل قتبان الكبيرة، وفي نص في النصين المعروفين بـ : "Glaser 1600" و "Glaser 1620" على أنها كانت "شعبن"، أي قبيلة.
    ويظهر أنها كانت تتمتع بشبه استقلال.
    فقد ذكرت باسمها مع "أوسان" و "تبني" و "دهس" و"قتبان" في بعض النصوص، متعاونة مع "قتبان" في القيام ببعض الأعمال العامة ذات المنافع المشتركة, مما يدل على أنها هي والقبائل الأخرى المذكورة، كانت تعامل معاملة خاصة ، وأنها كانت تتمتع بشيء من الاستقلال، وربما كانت مستقلة ولكنها كانت في حلف مع مملكة قتبان.
    وقد تحدثت عن كتابة رقمت برقم "Glaser 1601" ، وقلت : إنها أمر أصدره الملك "شهر غيلن بن اب شبم" "شهر غيلان بن أبشبم"، في كيفية جباية الضرائب من "كحد" النازلة في أرض "دتنت"، وأن الملك المذكور كان قد وكل أمر جبايتها إلى "كبر" "كبير القبيلة"، ويظهر منها أن "كحدًا" هذه كانت تدفع الضرائب لقتبان، وكانت معترفة في هذ الوقت بسيادة ملك قتبان عليها.

    ومن القبائل التي ورد اسمها في الكتابات القتبانية قبيلة "اهربن" وقد نعتت بـ "شعبن اهربن"، أي قبيلة "اهربن" "أهرب"، وكانت مواضعها في "ظفر".
    وقد ورد في إحدى الكتابات أنها جددت وأصلحت بناء "محندن حضرن"، أي "محفد حضر" مما يدل على أنه كان من المحافد التي تقع في منازل هذه القبيلة.

    و"ذران" "ذرأن" من القبائل التي ورد اسمها مرارًا في الكتابات القتبانية وقد رأينا أن بعض الكتابات أرخت بتأريخ هذه القبيلة.
    وورد اسمها في كتابات عثر عليها بمدينة "تمنع" العاصمة.
    ومن هذه القبيلة أسرة عرفت بـ "هران" "هرن" ذكرت مع أسر أخرى كانت قد شهدت على صحة محضر قانون في تنظيم الضرائب وكيفية جبايتها ، أصدره الملك "شهر يجل يهرجب".

    وورد اسم قبيلة أو عشيرة "طدام" "طدأم" في جملة كتابات قتبانية ويرى بعض الباحثين أن اسم هذه القبيلة هو من الأسماء الخاصة بقتبان.

    ومن بقية قبائل قتبان :
    قبيلة "هورن" "هوران" ، وقبيلة "قلب" "قليب" وقد ذكر "ابن دريد" في كتابه "الاشتقاق" قبيلة تدعى "بني القليب" ،ويذكرنا هذا الاسم باسم هذه القبيلة القديم, و "ردمن" "ردمان" و"الملك" و"مذحيم" و"هيبر" و "يجر" وهم أسرة أو قبيلة أرخت بعض الأوامر والقوانين بتأريخهم. و"رشم" "آل رشم" "رشام"، وهم من "آل قفعن" "آل قفعان"، ومنهم "عم علي" الذي أرخت به بعض الكتابات، ومن "شحز" "سمكر".

    ومن أسماء القبائل القتبانية الواردة في الكتابات: "دهسم" "دهس" و "يجر" و"حضرم"، و"تبني" و"ذرحن" "ذرحان" و"بوسن" "بوسان" و"معدن" "معدان"، و"اجلن" "أكلن" "اجلان" "اكلان" و "شبعن" "شبعان" و"فقدن" "فقدان" و "ذمرن" "ذمران" و "اجرم" "أجرم"، و "ليسن" "ليسان"، و"يسقه ملك" و "عرقن" "بنو عرقان" "بن عرقن" و"برصم" "بنو برصوم" "بنو برصم" ، و"قشم" "بن قشم" "بنو قشم" و "بينم" "بنو البين" و "يرفأ" "يرفا"، و "غريم" "غرب" "غارب" ، وهم من نشئان" و"محضرم" "محضر" و "عبم رشوان" "عبم رشون" و "مرجزم" و"خلبان" "خلبن" و "هران" من "ذرأن"، وقبائل عديدة أخرى.

    ويرى بعض الباحثين أن "الملك" "المالك"، الذين كانوا في عهد الملك "يدع أب ذبيان" والذين ذكروا مع "ردمان" و "مذحي" "مذحيم" و "يحر"، هم قبيلة من القبائل الكبيرة التي كانت في قبتان في ذلك العهد، ويرون أن لهم صلة بـ "العماليق" المذكورين في التوراة.

    وقد كانوا يسكنون في "وسر"، وهي أرض "العوالق" العالية في هذا اليوم.
    ونظرًا إلى ما لكلمة "عوالق" و "المالك" من صلة، ذهبوا إلى أن العوالق هم "المالك" "الملك" المذكورون.

    ويرى "فون وزمن" احتمال أن "الملك" "المالك" من القبائل التي كانت تنزل فيما بين "ردمن" "ردمان" و"مفحيم "مفحي"، وقد عدل بذلك رأيه السابق الذي كان قد جعل منازل تلك القبيلة في أرض "أوسان".

    كما ذهب إلى إن منازل "يحر" لم تكن في أرض "مراد"، لأن "مراداً" هي "حرمتم". وذهب إلى إن "يحر" هذه، تختلف عن "يحر" القبيلة المذكورة في النص: "REP. EPIG. 4336".

    وأما "شيّار" "سيار"، الذين ذكروا في نص الملك "يدع اب ذبيان" بعد "وعلان" فانهم "سيار" في الوقت الحاضر على بعض الآراء. وهم عشيرة صغيرة منعزلة تعيش في أرض "العوذلة" "العوذلي"، و يرى بعض الباحثين إن موضع "حصى"، هو مكان "شيار".

    وفي "حصى"، خرائب وآثار. وقد ذكر "الهمداني" انه كان ل "شمر تاران" و فيه قبره. وذكر في كتابة "الإكليل"، إن في "حصى" قصر ل "شمر تاران لهيعة" من "رعين" وفيه قبره.
    وذكر من زار الموضع من السياح المستشرقين، إنه رأى هناك آثار خرائب واسعة ذات حجارة ضخمة وكتابات كثيرة وتماثيل بحجم الإنسان. ولا يستبعد إن يكون هذا الموضع مدينة مهمة كبيرة من مدن تلك الأيام.


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:11 pm

    【هــــود】

    ويــرد مع قـــوم "عاد" ذكر نبي منهم هــــو "هــود" وقــــد نعت في القرآن الكــــريم بـ "أخي عــــاد" :
    {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} .
    كمــا نعت القرآن عادًا بقــوم هــــود :
    {أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} .
    {قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ}.

    وقـــد نسبه الناسبون إلى "الخلود بن معيد بن عـــاد" ، وإلى "عبــد الله بن رباح ابن جاوب بن عاد بن عوص بن إرم" ، وإلى "عبد الله بن رباح بن الخلود ابن عاد بن عوص بن إرم"

    ومـن أهل الأنساب من زعم أنه "عابر بن شالخ ابن أرفخشذ بن سام بن نــــوح"، إلى غير ذلك من روايــــات.

    وقـــد وردت قصته مـــع قومه ونهيه لهم عن عبــــادة الأصنام في القـــرآن الكــــريم.

    وقــــد ضُرب المثل بكفر رجــــل مــن "عــــاد" اسمه "حمار" ، فقيل :
    "أكفر من حمار"، قالوا : "هو رجل من عاد، مات لـه أولاد ، فكفر كفرًا عظيمًا فــــلا يمر بأرضه أحـــد إلا دعــاه إلى الكفر ، فــــإن أجــــابه ، وإلا قتله".

    وذلك على نحــو ما ذكــــرته عنه قبل قليل.
    وهي قصـــة واحـــدة رويت بطــــرق متعـددة ، تختلف في التفاصيل لكنها متفقة مـــن حيث الفكــــرة والجوهر وعليها طابــــع قصص الوعّاظ وأهـل الأخبار.
    وقــد ذكــر أصحاب الأخبار أن غالبية "عــاد" كفرت بنبوة "هود"، ولم تؤمن بــــه لهذا أصابها العذاب والهلاك. ولم ينجَ منهم إلا من آمن بـ "هود" واتّبعه وسار معه حين ترك قومه: قوم عــاد.

    وقد نبّه المستشرقون إلى وجود شبه بين هود و "هــود" الواردة في القرآن أيضًا بمعنى "يهود":

    {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} .
    وأشاروا إلى أن "هـــودا" تعني التهوّد أي الدخول في اليهودية، كما لاحظوا أن بعض النسّابين قالوا إن هودا هــو "عــابر بن شالح بن أرفكشاد"
    جـــدّ اليهود ، فذهبوا إلى أن هودًا لم يكن اسم رجل، وإنما هو اسم جماعة مـــن اليهود هاجرت إلى بلاد العــرب وأقامت في الأحقاف وحاولت تهويد الوثنيين وعُرفوا بيهوذا ومنها جاءت كلمة "هود" ، وأنها استعملت من باب التجوّز عَلَمًا لشخص.

    وزعم الرواة أن هـودا ارتحل هو ومن معـــه من المؤمنين بعـــد النكبة التي حلّت بقومه الكافرين من أرض "عاد" إلى الشحر.فلما مــــات دفــــن بأرض "حضرموت".

    ويدّعي الرواة أنه قبـــر في وادٍ يقال لـه "وادي برهوت" غير بعيد عن "بئر برهوت"التي تقع في الوادي الرئيسي للسبعة الأودية.
    وهي من الآبار القديمة التي اشتهرت في الجــاهلية بكــــونها شر بئــــر في الأرض ، مــاؤها أسود منتن ، تتصاعد مـن جوفها صيحات مزعجة، وتخرج منهــا روائـــح كــريهة، ولذلك تصــور الناس أنها مــــوضع تتعــــذب أرواح الكفــــار فيــــه.

    ويـذهب السياح الـــذين زاروا هــــذا المكان ودرسوه إلى أنه موضع بركان قــــديم، يظهر أنــه انفجر، فأهلك من كان حــوله.
    ويؤيده هــذا الرأي ما ورد في الكتب العربية من أنه كان يسمع لهذا المكان أصوات كالرعد من مسافات وأنه كان يقذف ألوانًا من الحمم يُسمع لها أزيز راعب. ومن هنا نشأت قصة قبر هـود وعــذاب عـــاد في هذا الموضع، على رأي المستشرق "فون كريمر".

    ولا يزال هــذا الموضع الذي يقال لــه "قبر هـــود" ، يـزار حتى الآن يقصده الناس من أماكــــن بعيدة في اليـــوم الحادي عشر من شعبان للزيارة وربما كـــان مـــن الأماكن التي كان يقدسها الجاهليون.

    وفي هـــذه المناطق آثــار مدن بائدة وقرى جاهلية وتشاهد كهوف ومغاوِر على حــافتي الوادي، وكتابات وصور منقوشة على الصخور تـدل كلها على أنها كانت من المناطق المأهولة، وأنها تـــركت لسبب آفات وكوارث طبيعية نــزلت بهذه الــديار.

    ورأى نفـــر مــن المستشرقين أن هذا المكان الذي فيـه قبــــر "هــود" هــــو الموضــــع الـذي سماه الكتّاب اليونان styx أو stygis ، والــــذي زعــــم الرومان أن قبيلتين من قبائل جزيرة "اقريطش" "كــريت" وهمــــا قبيلة minos و "رودومانتس" rhodomantys تركتــــا مــوطنهما الأصلي ، وارتحلتا إلى هـــذا المكـــان الذي ضـــم مئات من القبائل العــربية فكانتا من أقــــواها. وقــد سكنتا في رأيهم ، على مقـــربة من موضع سماه "بلينيوس" stygis aguniae fossa.

    أمــا الأخباريون الــــذين زعمــــوا أن "هــودًا" اعتزل قــومه بعد يأسه من قبـول دعوته ، وأنه ذهب مع من آمن بــه إلى مكة فقد ذهبوا إلى أنه عاش فيها أمدًا ، ثم مات هناك، فقبره بمكة مــــع قبــــور ثمانية وتسعين نبيًّا من الأنبياء.
    وذكر جماعة أنه بدمشق في المسجد الأمـــوي. ولعلّ القصص الــوارد عـــن "دمشق"، وأنها "إرم ذات العماد" هــو الذي أوحى إلى هؤلاء فكرة جعل قبر "هـود" بدمشق. ومهما يكن من شيء فــإن هناك جماعــة مـــن أهل الأخبار قبرت بعض الأنبياء في هـذه المدينة واختــــارت المسجد الأمــــوي نفسه مقبرة لهــــم.
    ولعلّ ذلك بسبب أن هذا المسجد كان كنيسة معظّمة قـــديمة عنــــد أهــــل دمشق قبــــل دخــــولهم في الإسلام وكــــان قــــد قبــــر فيها جماعة مــن قديّسيهم ورجال دينهم؛ فلما تحوّلت الكنيسة إلى جامــــع تحوّلت قبــــور هــؤلاء بعواطف الناس القــديمة إلى قبــــور أنبياء.
    وقــد ظهر مثل هــذه الروايــات التي تمجد الجامع الأموي في الوقت الذي تحصن فيـــه "ابن الزبيـــر" بمكــــة وتحزّب أهــل الحجاز على الأمويين.

    وقد اتخذ القحطانيون هـودًا جدًّا من أجــــدادهم، وألحقــــوا نسبهــــم بــه وتفاخــــروا بــه.
    فعلوا ذلك بدافـع العصبية والمفاخرة على "العدنايين" الذين كانـوا يقولون إن فيهم الأنبيـــاء، ولــــم يكــــن في قحطان نبيّ ، فأوجــد نسّابوهم نسبًا يوصلهم إلى الأنبياء، كما أوجدوا لهم نسبًا احتكر لهــم العــــروبة ، وجعلهم الأصــــل والعدنانيون مــن الطــارئين عليهم، كمـــا تحــــدثنا في منشورات سابقة عــــن ذلك....
    ________________


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:11 pm

    【مـــدن معين】

    ومن أشهر مدن معين، مدينة "قرنو" وهي العاصمة، وقد عرفت أيضًا بـ "م ع ن" "معن"، أي "معين"، وبـ karna وKarana وKarna عند بعض الكتبة "الكلاسيكيين".
    وتقع على مسافة سبعة كيلومترات ونصف كيلومتر مـــن شـــرق قـــرية "الحزم"، مـــركز الحكومة الحالي في الجوف، وقد وصف خرائبها "محمد توفيق" في كتـــابه "آثار معين في جـــوف اليمن"، فقـــال :
    إنها تقع على أكمة من الطين منحدرة الجـــوانب تعلـــو على سطح أرض الجـــوف بخمسة عشر مترًا ،وهي مستطيلة الشكل، واستطالتها، مـــن الغـــرب إلى الشرق وطولها400 متر وعـــرضها 250 مترًا ، ولها بابان أو مدخلان، أو مدخل ومخرج، أحدهما في جانبها الغربي والآخــر في الجهة المقابلة من الجانب الشرقي، وليس لها أبواب أخرى، وسورها الذي كان يحيط بها، وقد قدر ارتفاعه بخمسة عشر متـــرًا، وقـــد وجـــد في بعض أقسامه فتحات المزاغل التي استعملت للمراقبة ولرمي السهام، كما تعـــرض لبحث البناء والزخرفة في هذه المدينة، وقـــد حصل على تسع عشرة كتابة، نقل تسعًا منها بكتـــابة اليـــد، ونقـــل عشرًا منهـــا الباقيـــة بالتصوير الفوتوغرافي.

    ويقـــع معبد "رصفم" "رصف" "رصاف" الشهير، الذي طالما تقدم إليه المؤمنون بالهدايا والنذور إليه لأن يمن عليهم بالعافية والبركة خـــارج سور "قرنو".
    وتشاهد آثار سكن في مواضع متناثرة من المدينة، وقد كانت "قرنو" "القرن" مأهولة حتى القرن الثاني عشر ثم هجرت وتحولت إلى خراب.
    وقد أشار الأخباريون إلى معين وروى بعض منهم أنها من أبنية التبابعة، وأنها حصن، بني بعد بناء "سلحين"، بني مع يراقش في وقت واحد.
    ومن مدن حكومة معين "يثل" وهي من المراكز الدينية، وعرفت بـ "براقش" فيما بعد، وكانت قائمة في أيام "الهمداني"، ووصف الهمداني الآثار والخرائب التي كانت بها. وقد ورد في إحدى الكتابات أن جماعة من كهنة "ود"، قاموا ببناء ثلاثين "أمه" أي ذراعًا من سور "يثل" من الأساس حتى القمة والظاهر أن هذا العمل قاموا به، هو الجزء الذي كان خصص بهم عمله على حين قام أناس آخرون، وفي ضمنهم مجلس يثل، ببقية السور.
    وللأخباريين قصص عن "براقش". وقد زعم بعض منها أنها و "هيلان" مدينتان عاديتان، وكانتا للأمم الماضية. وزعم بعض آخر أنها من أبنية التبابعة فهي من الأبنية القديمة إذن في نظر الأخباريين.

    وقد كان يسكنها "بنو الأدبر بن بلحارث بن كعب" ومراد في الإسلام.

    ولهم عن سبب تسمية "براقش" ببراقش قصص، فزعم بعض منهم أنها إنما سميت بذلك نسبة إلى كلبة عرفت ببراقش. وزعم بعض آخر امرأة، وهي ابنة ملك قديم، ذهب والدها للغزو، وأودع مقاليد بلاده إليها، فبنت مدينة براقش ومعين، ليخلد اسمها، فلما عاد والدها غضب، وأمر بهدمها. وزعم فريق منهم، أنها باسم براقش امرأة لقمان بن عاد. ومصدر القصص مثل مشهور هو: "على أهلها تجني براقش". و "على أهلها براقش تجني"، وقد أشير في الشعر إليه.
    و"يثل"، وهي مدينة Athlula، Athrula المذكورة في أخبار حملة "أوليوس غالوس" على اليمن، والتي زعم أنها آخر موضع بلغه الرومان في حملتهم هذه.
    ويزعم القائلون من المستشرقين بهذا الرأي أن لفظة "يثل" لفظة صعبة على لسان الرومان واليونان، ولذلك حرفت فصارت إلى الشكل المذكور.
    ومن بقية مدن معين: "نشق". و "رشن" "ريشان" و "هرم" "هريم" "خربة هرم"، و"كمنه" "كمنهو" "خربة كمنه". "كمنا"، "نشن" "نشان" وهي "الخربة السوداء" "خربة السودا" في الوقت الحاضر.

    وقد ورد في بعض الكتابات أن "يدع آل بين" مكر سبأ، كان قد استولى على مدينة "نشق"، غير أننا لا نعرف اسم الملك المعيني الذي سقطت هذه المدينة في أيامه في أيدي السبئيين.

    ويوجد موضع عادي خرب، يعرف بـ "كعاب اللوذ" وبـ "خربة نشان" "خربة نيشان"، يحتمل في رأي بعضهم أن يكون مكان "نشان" "نشن" ويعارض بعض الباحثين ذلك، ويرون أنه بعيد بعض البعد عن مكان "نشن" المعيني، ويذهبون إلى أن هذا المكان هو بقايا معبد أو قبور قديمة، وأنه يشير إلى وجود مسكن فيه قديم لا نعرف اسمه.

    وقد تبين للباحثين في موضع "الخربة السوداء" التي هي موضع "نشن" "نشان" أن تلك المدينة كانت مدينة صناعية، لعثورهم بين أنقاضها على خامات المعادن، وعلى أدوات تستعمل في التعدين وفي تحويل المعادن إلى أدوات للاستعمال.

    و "نشن" "نشان"، وهي "نستم" Nestum في كتاب "بلينيوس".
    ويظن أن خرائب "مجزر"، هي من بقايا مدينة قديمة، لعلها المدينة التي سماها "بلينيوس" "مكوسم" Magusum، ويظهر من موقعها ومن بقايا آثارها أنها كانت ذات أهمية لعهدها ذاك، وأنها كانت عامرة بالناس لخصب أرضها ووفرة مياهها.

    وفي الجوف أماكن أخرى، مثل "بيحان" و"سراقة" و"ابنه": و"ابنه" و"مقعم" و"بكبك" و"لوق"، وهي خرائب كانت مواضع معمورة في أيام المعينيين ومن جاء بعدهم فأخذ مكانهم.
    وقد ذهب "كلاسر" إلى أن موضع "لوق"، هو Labecia الذي ذكره "بلينيوس" في جملة الأماكن التي استولى عليها "أوليوس غالوس" وذهب "فون وزمن" إلى أنه "لبة" Labbah.
    ويرى علماء العربيات الجنوبية أن "نشق" هي Nescus، Nesca في كتب المؤلفين اليونان واللاتين القدماء. وهي Aska، Asca في "جغرافيا سترابون".
    وقد ذكرها "سترابون" في جملة المدن التي استولى عليها "أوليوس غالوس" إبان حملته على اليمن.

    المعينيون خارج أرض معين :
    وعثر على كتابات معينية خارج اليمن، ولا سيما في موضع "العلا" وبينهما عدد من كتابات "لحيانية" متأثرة باللهجة المعينية. وقد وردت فيها أسماء معينية معروفة، شائعة بين المعينيين، مثل: "يهر" و"علهان" و"ثوبت" و"يفعان"، كما وردت فيها أسماء آلهة معين، وذلك يدل على نزول المعينيين في هذا الموضع وفي الأرضين المجاورة أمدًا، وتركهم أثرًا ثقافيًّا فيمن اختلطوا بهم أو جاوروهم وفيمن خلفهم من خلق.
    وقد جاء هؤلاء المعينيون من معين بالطبع، أي من اليمن، فنزلوا في هذه الأرضين التي تقع اليوم في أعالي الحجاز وفي المملكة الأردنية الهاشمية وفي جنوب فلسطين. ومنهم من تاجر مع بلاد الشأم والبحر المتوسط ومصر.
    بدليل عثور المنقبين على كتابات معينية في جزيرة "ديلوس" من جزر اليونان وفي مصر: في "الجيزة" وفي موضع "قصر البنات".

    وظهر من كتابة "الجيزة" المؤرخة بالسنة الثانية والعشرين من حكم "بطلميوس بن بطلميوس"، أن جالية معينية كانت في مصر في هذا الزمن، ولعلها من أيام حكم "بطلميوس الثاني".
    وكان المعينيون يتاجرون في القرن الثالث أو الثاني قبل الميلاد بتجهيز معابد مصر بالبخور ، ويرجع بعض الباحثين تأريخ هذه الكتابة، إلى السنة "264- 263 ق. م".

    وموضع "العلا" المذكور، هو موضع "ديدان" "الديدان" "علت" Ulat في التوراة, وقد قصد به فيها شعب عربي من الشعوب العربية الشمالية، يرجع نسبه إلى "كوش" كما جاء في موضع من "التكوين". وإلى "يقشان" من إبراهيم من "قطورة" Keturah في موضع آخر منه.
    وقد جعلت "الديدان" متاخمة لأرض أدوم Edom , وتقع في الجنوب الشرقي منها. وذكر في التوراة أن الديدانيين كانوا من الشعوب التي ترسل حاصلاتاها إلى سوق "صور" Tyre.

    ويرى أكثر الباحثين في دولة معين أن هذه المنطقة منطقة "الديدان" وما صاقبها من أرض، كانت جزءًا من تلك الدولة وأرضًا خاضعة لها، وأن ملوك معين كانوا يعينون حكامًا عليها باسمهم، وأن درجتهم هي درجة "كبر" أي "كبير" على طريقتهم في تقسيم مملكتهم إلى "محافد" أي أقسام، يكون على كل محفد أي قسم من المملكة "كبير"، يتولى الحكم باسم الملك في المسائل العليا وفي جمع الضرائب التي يبعث لها إلى العاصمة وفي المحافظة على الأمن. وقد عثر على كتابات ذكرت فيها أسماء "كبراء" حكموا باسم ملوك معين.
    ومعنى هذا أن دولة معين كانت تحكم من معين كل ما يقال له الحجاز في عرف هذا اليوم إلى فلسطين ، وأن هذه الأرضين كانت خاضعة لها إذ ذاك، ولكننا لا نجد في النصوص الآشورية أو العبرانية مثل التوراة ولا في الكتب الكلاسيكية ما يشير إلى ذلك. ولكن القائلين بالرأي المذكور يرون أن حكم معين كان في أوائل عهد معين أي قبل أكثر من ألف سنة قبل الميلاد فلما ضعف ملوكها تقلص سلطان المعينيين عن الحجاز وبقي نافذًا في المنطقة التي عرفت بـ "معن مصرن"، "معن مصران"، أي "معين المصرية"، ثم ضعف سلطان المعينيين الشماليين عن هذه الأرض أيضًا بتغلب السبئيين على معين، ثم بتغلب اللحيانيين في القرن الرابع أو الثالث قبل الميلاد، حيث استقلوا وكونوا "مملكة لحيان".

    وقد أثارت "معن مصرن" "معين مصران"، جدلًا شديدًا بين العلماء ولا سيما علماء التوراة ، فذهب بعضهم إلى أن "مصر" "مصرايم" Mizraim الواردة في التوراة ليست مصر المعروفة التي يرونها نهر النيل، بل أريد بها "معين مصران"، وهو موضع تمثله "معان" في الأردن في الزمن الحاضر.
    وأن لفظة "برعو" pero التي ترد في التوراة أيضًا لقبًا لملوك مصر، والتي تقابلها لفظة "فرعون" في عربيتنا، لا يراد بها فراعنة مصر، بل حكام "معين مصران" وأن عبارة "هاكرهم مصريت" Hagar Ham- Misrith بمعنى "هاجر المصرية"، لا يعني "هاجر" من مصر المعروفة، بل من مصر العربية، أي من هذه المقاطعة التي نتحدث عنها "معن مصرن" وأن القصص الوارد في التوراة عن "مصر" وعن "فرعون، هو قصص يخص هذه المقاطعة العربية، وملكها العربي.
    وقالت هذه الجمهرة : إن ما ورد في النصوص الآشورية من ذكر لـ Musri لا يعني أيضًا مصر المعروفة بل مصر العربية , وأن ما جاء في نص "تغلاتبلسر الثالث" الذي يعود عهده إلى حوالي سنة "734" قبل الميلاد من أنه عين عربيًّا Arubu واسمه "ادبئيل" "ادب ال" "ادب ايل" "ldiba'il" حاكمًا على "مصري" "Musri" لا يعني أنه عينه حاكمًا على "مصر" الإفريقية المعروفة، بل على هذه المقاطعة العربية التي تقع شمال : "نخل مصري" أي "وادي مصري". ويرى "وينكر" ، أن "سبعة" "Sib'e : الذي عينه "تغلاتبلسر" سنة "725 ق. م" على مصري والذي عينه "سرجون" قائدًا على هذه المقاطعة إنما عين على أرض "مصر" العربية ولم يعين على "مصر" الإفريقية.

    وقد ورد في أخبار "سرجون" أن من جملة من دفع الجزية ، إليه "برعو" Pir'u وقد نعت في نص "سرجون" بـ "برعو شاروت مصري"، أي "برعو ملك أرض مصري".
    وورد ذكر "برعو" هذا في ثورة "أسدود" التي قامت سنة "711 ق. م" وورد ذكر "مصري" في أخبار "سنحريب" ملك آشور، وكان ملك "مصري" وملك "ملوخة" قد قامة بمساعدة اليهود ضد "سنحريب" وذلك في عام "700 ق. م"، وقد انتصر "سنحريب".
    ويرى "ونكلر" أن كل ما ورد في النصوص الآشورية عن "مصري" مثل : "شراني مت مصري" "Sharrani Mat Musri"، أي "ملوك أرض مصر" إنما قصد به هذه المقاطعة العربية.
    ويشير هذا الرأي مشكلات خطيرة لقائليه ولعلماء التوراة، فرأي "شرادر" و"ينكلر" وأضرابهما المذكور يتعارض صراحة مع الرأي الشائع عند اليهود وعند التوراة والتلمود والمنشا والكتب اليهودية الأخرى في هذا الموضوع، ويتعارض كذلك مع رأي أهل الأديان الأخرى في الموضع نفسه، ولم يلق هذا الرأي رواجًا بين الباحثين، وهم يرون أن وجود أرض عربية عند "معان" في الزمن الحاضر، تسمى "مصري" وهي تسمية "مصر" في اللغات السامية، ووجود حاكم عليها اسمه "برعو"، و"برعو" لقب ملوك مصر"، ويقابل "فرعون" في لغتنا، لا يحتم علينا التفكير في هذه الأرض العربية، ومن الجائز على رأيهم أن يكون الآشوريون قد استولوا على هذه المقاطعة وحكموها ونصبوا حكامًا عليها على حين كانت الحوادث الأخرى قد وقعت في مصر الإفريقية وبناء على ذلك فليس هناك أي داع للإدعاء أن الإسرائيليين لم يكونوا في مصر وأن فرعون لم يكن فرعون مصر, بل فرعون مصري ، التي هي "معين المصرية" ،وليستبعد أيضًا أن تكون تسمية "مصري" العربية قد أخذت من مصر، فقيل "معين مصرن" لقربها من مصر، ولتمييزها عن "معن" أي "معين" اليمن.
    وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن "معين مصران" "معين المصرية"، لم تكن جزءًا من حكومة معين، بل كانت مستوطنة مستقلة من مستوطنات المعينيين، وذلك منذ القرن الخامس حتى القرن الأول قبل الميلاد.
    وأن لقب "كبر" الوارد في نصوص هذه المستوطنة لا يعني أن حامله كان موظفًا في حكومة معين بل هو مجرد لقب حمله صاحب هذه المقاطعة باعتبار أنه كبير قومه وسيدهم والحاكم عليهم، وقد بقيت هذه المستوطنة مستقلة إلى القرن الأول قبل الميلاد، وحينئذ زال استقلالها بزوال حكومة المعينيين الجنوبيين.
    وتعد الكتابات المعنية التي عثر عليها في جزيرة "ديلوس" Delos =Delus

    قوائم بأسماء حكام معين:
    قائمة "البرايت":
    وقد رتب "ألبرايت" قائمة لملوك معين على النحو الآتي:
    1- اليفع يثع، وهو ابن الملك "صدق ايل" ملك حضرموت. وقد حكم في حوالي السنة "400" قبل الميلاد.
    2- حفن ذرح، وهو ابن اليفع يثع.
    3- اليفع ريام، وهو ابن اليفع يثع. وقد كان أيضًا ملكًا على حضرموت.
    4- هوف عثتر "هوفعث". "هوفعثتر"، وهو ابن اليفع ريام.
    5 أب يدع يثع "أبيدع يثع"، وهو شقيق هوف عثتر. وقد كان يحكم في حوالي السنة343 قبل الميلاد.
    6- وقه آل ريم "وقه ايل ريام"، وهو ابن هوفعثتر.
    7- حفن صدق "حفن صديق"، وشقيق وقه إيل ريام.
    8 اليفع يفش وهو ابن حفن صديق.

    1- اليفع وقه، وقد كان حكمه في حوالي السنة 250 قبل الميلاد.
    2- وقه ايل صديق "وقه آل صدق"، وهو ابن اليفع وقه.
    3- اب كرب يثع "أبكرب يثع" أبيكرب يثع"، وهو ابن "وقه آل صدق". وقد ورد اسمه في كتابات "ددان" "ديدان" وذلك في الأيام اللحيانية المتأخرة.
    4- عم يثع نبط "عمي يثع نبط" عميثع نبط"، وهو ابن "ابكرب يثع" "أبيكرب يثع".
    1- يثع ايل صدق "يثع آل صدق" "يثع ايل صديق".
    2- وقه آل يثع "وقه ايل صديق". وكان تابعًا للملك "شهر يجل يهرجب" ملك قتبان.
    3- اليفع يشر، وهو ابن "وقه ايل يثع".
    4- حفن ريام "خفنم ريمم"، وهو ابن اليفع يشر.
    5- وقه آل نبط "وقه ايل نبط".

    وذكر "البرايت" أسماء ما لا يقل عن خمسة ملوك، قال إنه غير متأكد من زمان حكمهم ومن مكان ترتيبهم في هذه القائمة، وهم: أب يدع "ريام؟ " وابنه "خلكرب صدق" "خاليكرب صديق". وهو "حفنم يثع"، وهو ابن "خلكرب صدق" و"يثع ايل ريام" و"تبع كرب" "تبعكرب"، وهو ابنه.
    وقد أعاد "البرايت" النظر في قائمته السابقة. وأجرى عليها تعديلات على ضوء دراسة صور الكتابات وتغير أسلوبها بمرور العصور، ثم انتهى إلى وضع قائمة جديدة تتألف من ثلاث مجموعات هي :

    المجموعة الأولى:
    1- اليفع يثع، وهو ابن صدق ايل ملك حضرموت حوالي400 ق. م.
    2- اليفع ريام.
    3- حفن عثت، هو ابن اليفع ريام.
    4- أبيدع يثع343 ق. م.
    5- وقه آل ريام.
    6- حفن صدق، وهو ابن وقه ايل ريام.
    7- اليفع يفش.
    8- عميثع نبط، "عم يثع نبط"، وهو ابن "ابكرب".
    9- يثع ايل ريام.
    10- تبع كرب "تبعكرب"، وهو ابن يثع ايل ريام.
    11- خلكرب صدق، وهو ابن أب يدع "ريام؟ ".
    12- حفن يثع250 ق، م.

    المجموعة الثانية:
    1- وقه ايل نبط200 ق. م.
    2- اليفع صدق.
    3- وقه ايل صدق150 ق. م.
    4- أبيكرب يثع "أبكرب يثع".
    5- اليفع يشر الأول100 ق. م.
    6- حفن ريام.

    المجموعة الثالثة:
    1- يثع آل صدق "يثع ايل صديق".
    2- وقه آل يثع "وقه ايل يثع" 75 ق. م.
    3- اليفع يشر الثاني.
    نهاية مملكة معين بين السنة50 والسنة 25 قبل الميلاد.
    قائمة "ريكمنس":
    وقد دون "ريكمنس" "JRyckmans" أسماء ملوك معين على النحو الآتي:
    أب يدع "ملك؟ = أب يدع ريام؟ ".
    خلكرب صدق.
    اليفع وقه.
    وقه ايل صدق.
    أب كرب يثع.
    عم يثع نبط.
    يثع ايل ريام.
    تبع كرب.
    يثع ايل ريام
    تبع كرب.
    اليفع ريام.
    هوف عثت.
    اليفع يثع= معد يكرب ملك حضرموت.
    أب يدع يثع "343 قبل الميلاد= يثع ايل "بين؟ ".
    وقه ايل ريام.
    حفن صدق.
    اليفع يفش.
    يثع ايل صدق.
    وقه ايل يثع} شهريكل يهركب ملك قتبان
    اليفع يشر:
    حفن ريام.
    وقه ايل نبط.
    خلكرب.
    حفن يثع.
    يثع ايل
    حيو.
    حفن ذرح.


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:13 pm

    【كتابات وحوادث قتبانية】

    أحـــاول هنا تـــدوين الحــوادث التي وقعت في "قتبان" في أيام المكربين وأيــــام الملوك مستخلصًا إيـــاها من كتـــابات العهدين ، فـأبدأ بالبحث في الكتــــابات التي يرجـــع عهـــدها إلى المكربين ، وفي جملة الكتابات أيـــام "المكربين" كتــــابة وسمهــا العلمـــاء بـ"Glaser 1410 – 1681 "، وقـــد دونت عنــــد قيــــام قبيلة "هـــورن" "هوران" ببناء بيت في أرضها للإلـــه "عــم ذو دونـم" ، بنتــه بــالخشب وبالحجارة والرخـــام ومــواد أخــرى تقربًا إلى ذلك الإلـــه وإلى آلهة قتبان الأخـــرى : "عــم" و "أنبي" و "ذات صنتم" و  "ذات ظهران"

    وقــد وردت في النص أسماء مواضع هي: موضع "لتلك" الواقع في منطقة "ذبحتم" "ذبحة" و "دونم" "دون" و "أذ فرم" "أذفر". وقـــد سقط مــن السطر الأول اسم "المكرب" وبقي اسمه الثاني وهـــو "ذبين" "ذبيان" ولقبه وهو "يهنعم"، واسم أبيه وهــو "شهر". ويظهر مــن عبـــارة : "ذبين يهنعم بن شهر ، مكـــرب قتبان وكـل ولدعم واوسن وكحد ودهسم وتبنو بكر انبي وحوكـــم" ، أي " ... ذبيان يهنعم بن شهر مكـــرب قتبان وكـــل ولدعم واوسان وكحد ودهس وتبنو بكر أنبي وحوكم"
    أن قتبان وكل المتعبدين للإله "عم" الـــذي يمثله مكـــرب قتبـــان نفســه والأوسانيون وكحــد ودهس وتبني كانـــوا متحدين في ذلك العهد متحالفين، يحكمهم المكرب المذكور.

    وقـــد رأينا أن "ألبرايت" جعل هـــذا المكـــرب في الجمهرة الثانيـــة مـــن جمهرة المكربين الذين حكموا قتبان ولم يذكــر شيئًا عن أبيه "شهر" لعدم ورود شيء عنـــه في الكتـــابات ، أما اسم المكـــرب الأول الساقط مـــن النص ، فهو "يدع اب".

    وفي أسماء المواضع المذكورة دلالــة على أنها كـــانت خاضعة لحكم قتبان في أيام المكرب المذكور ، وأن حدود قتبان كـــانت واسعة إذ ذاك أي في القـــرن السابع قبــل الميلاد على رأي بعض الباحثين أو في النصف الثاني مــن القـرن الخامس قبل الميلاد على رأي بعض آخـــر.
    وقد عثر على اسم المكرب "شهر هلل بن يدع اب" "مكرب قتبان" في كتابتين، رقمتا برقم "RES 312" و "Res 312 + SE 60" وقد ورد فيها اسم "أنبي" و "حوكم" و "عم" مـــن أسماء آلهــة قتبان ، وورد فيها أسماء
    مـــواضع مثل : "لتك"، و "ذبحتم" و "اضفرم"
    وقبيلة أو جمـاعة تعـرف بـ "هــورن" "هـــوران". وكـــان سبب تـــدوينها التوسل والتضرع إلى الإلـــه "أنبي" ليمن على أصحــاب الكتابتين فيبعث إليهم بالخيـــر والبركـــة ، ويقيهم شر المجــاعة.
    والظاهــر أن قحطًا كان قد حدث في أيـــام هـــذا المكرب فتوسل أصحاب الكتابـــة إلى إلههم "أنبي" أن يمـن عليهم بإنقاذهـــم منـــه.

    ويلاحظ أن هـذه الكتابة تحدثت عن مـــوضع "لتك" في "ذبحة" التابعـــة لقبيلة "هـورن" من قبائل "قتبان"، إلا أنها لم تذكر "قتبان وولد عم وأوسان وكحد ودهس"  كمـــا جـــاء في ذلك النص السابق. وقــد سقط في هـــذه الكتابة "شهر هلل" "شهر هلال"، كمــا أنها لـم تذكـــر لقب "يدع اب" مكرب قتبان وهـــو والد "شهر".
    ولا نستطيع بالطبع الادعاء بــأنه كان أقـــدم من المكرب السابق أو أنه جاء من بعده في الحكم لعدم وجود دليل ملموس لـــدينا يثبت أحـــد الرأيين.

    وقـــد عثـــر على عــدد مـن الكتابات القتبانية، ورد فيها اسم المكرب : "يدع اب ذبين بن شهر" "يدع أب ذبيان بن شاهر" "شهر". منها الكتابة الموسمومة برقم: "."Glaser 1600 وقد جاء فيها : أن "يدع أب ذبين بن شهر مكرب قتبان ، وكـــل أولاد "عـم وأوسان وكحد ودهس وتبني" فتحوا طريقًا ، وأنشئوا "مبلقة" بيــن مــوضعي "برم" و "حرب" "حريب" وجددوا "بيت ود" و "عثيرة"، وبنوا "مختن" في مـــوضع "قلي".

    ووردت في هــذه الكتابة أسماء آلهـة أخـــرى، هي عثتر، وعــم، وأنبي، وحوكم، وذات صنتم، وسحرن، ورحبن.
    وقد وردت في الكتابة لفظة "منقلن" ويــراد بها الطـــريق في الجبل، وهي بهذا المعنى أيضًا في معجمات اللغــة التي نـــزل بها القرآن الكـــريم.
    ووردت فيــه لفظة "مبلقة"، ومعناها فتحة وثغــرة، وهي بهــذا المعنى في عربيتنا كذلك، يقال انبلق الباب إذا انفتح، وأبلق الباب: فتحه كله أو أغلقه بسرعة، ومعنى الكلمة في النص عمل ثغرة في الجبل ليمر منها الطريق المار في الجبل من مكان إلى مكان. وفي هذا العمل المشترك الذي اشترك فيه هذا المكرب وشعب قتبان وقبائل أخرى غير قتبانية، هي أوسان وكحد ودهس وتبني، دلالة على وجود فن هندسي راق عند العرب الجنوبيين في هذا العهد الذي لا نعرف مقدار بعده عن الميلاد، ولكننا نجزم أنه كان قبل الميلاد.

    ولدينا كتابة أخرى تشبه الكتابة المتقدمة، دونت في أيام هذا المكرب كذلك، ورد فيها بعد اسم المكرب جملة: "وكل ولد عم"، ثم أسماء من ساعد "ولد عم" في البناء، وهم "أوسان" و "كحد" ودهس" "وتبني" و "يرفأ"، ثم وليت هذه الأسماء جملة "ايمنن واشامن"، أي "الجنوبيون والشماليون"، وبعبارة أخرى "أهل الجنوب وأهل الشمال"، ويقصد بذلك على ما يظهر من سياق الكلام سكان المناطق الشمالية وسكان الجنوب، أما جملة "ولد عم" فإنها كناية عن أهل "قتبان" و "عم" هو إله "قتبان" الرئيس، ولذلك أطلق القتبانيون على أنفسهم "ولد عم"، ويفهم من ذكر أسماء القتبانيين وغيرهم في هذه الكتابة أن العمل المذكور في الكتابة كان ضخمًا واسعًا، لذلك اشترك في إتمامه وإنجازه أهل أوسان والقبائل الأخرى. ولم يتحدث النص عن كيفية اشتراك أوسان والقبائل الأخرى المذكورة في هذا العمل : أكان ذلك لأنها كانت خاضعة في وقت تدوين هذه الكتابة لحكم المكرب، "يدع أب" فاضطرت إلى الاشتراك فيه، أم هي قامت به بالاشتراك مع قتبان؛ لأنه في مصلحتها , لأنها ستستفيد منه كما يستفيد منه القتبانيون، فتعاونت مع قتبان في إنجازه واتمامه.

    والكتابة وثيقة مهمة تتحدث عن عمل هندسي مهم خطير، هو فتح طريق جبلي في مناطق وعرة وفي أرضين جبلية، فاستوجب العمل تمهيد الأرض وتسويتها وإحداث ثغر في الصخور وفتح أنفاق ليمر بها الطريق، وقد كرس العمل باسم الآلهة "عم ذو شقرم" و "عم ذو ريمت" و "أنبي" و "حوكم" و"ذات صنتم" و "ذات ظهران" و "ذات رحبان" وتقرب به إليها, وقام به.

    وأشرف عليه رجل اسمه "أوس عم بن يصرعم" "أوسعم بن يصرعم" "أوس بن يصرع"، أدار هذا الرجل العمل، ورسم الخطط وقام برصف الطريق وتبليطه ورصف ممر "ظرم" بصورة خاصة بمنطقة سميكة من الحجارة، وقد قام بكل ذلك بأمر سيده المكرب "يدع اب".

    ونحن هنا أمام رجل كان له علم خاص بهندسة الطرق وله تجارب ودراية في إحداث الثغر في الصخور وإنشاء الممرات والمناقل للقوافل والمارة في المناطق الوعرة ولهذا كلفه حاكم قتبان القيام بذلك العمل، فأنجزه وأتمه عل النحو الموصوف.
    وكان "اوس عم بن يصرعم" من قبيلة تسمى "مدهم".

    وقام المهندس المعماري المذكور بأعمال هندسية أخرى لسيده المكرب، فقد جاء في نص آخر أنه شق طرقًا وثنايا في مواضع جبلية وعرة، وحفر أنفاقًا تمر السابلة منها، وبنى أيضًا "بيت ودم" أي معبد الإله "ود"، و"مختن ملكن بقلي"، أي "مختن الملك" بموضع "قلي". وقد سبق أن أشير إلى هذا "المختن" في النص "Glaser 1600" الذي تحدثت عنه قبل قليل، وهو من النصوص التي تعود إلى هذا المكرب نفسه، والتي تتحدث عن فتح طريق وبناء "بيت ود" و "مختن الملك بقلي"، إلا أنه لم يذكر اسم "المهندس" الذي أشرف على العمل في النص المرسوم بـ " Glaser 1600".

    وليست لدينا معرفة تامة بمعنى "مختن"، الواردة في النصين المذكورين، وقد ذهب بعض الباحثين إلى أنها من الألفاظ المستعملة في الشعائر الدينية، وأنها تؤدي معنى محرقة، أو الموضع الذي توضع عليه القرابين التي تقدم إلى الآلهة أو المذبح الذي تذبح عليه الضحايا فهي بمعنى "يبحت" و "ومنطف" "منطفت" "منطفة".
    وذلك لورود هذه الألفاظ في كتابات تتعلق بالقرابين، كما سأتحدث عنها في فصل "الحياة الدينية عند الجاهليين".

    ويظهر أن لاسم قرية "شقير" و"حصن شقير" الموجودتين في اليمن في الوقت الحاضر، علاقة بمعبد "عم ذو شقرم" الذي تقرب صاحب النص المذكور إليه ببناء الطريق ورصفه، وقد كان "شقرم" موضع في ذلك الوقت أقيم به معبد خصص بعبادة الإله "عم". ولعل الطريق الذي شيده "يدع أب ذبيان" كان يمر به، وأنه أوصل إليه ليسهل على المؤمنين الوصول إليه, فكرس الطريق لذلك باسمه فذكر قبل بقية الآلهة، تعبيرًا عن هذا التخصيص.

    ويرى بعض الباحثين أن ملك قتبان كان قد توسع في عهد "يدع أب ذبيان" هذا فصار يشمل كل "أوسان" وقتبان ومراد حتى بلغ حدود سبأ ولحماية أرضه أقام حواجز وفتح طرقًا في الهضاب والجبال ليكون في إمكان جيشه اجتيازها بسهولة في تحركه لمقاتلة أعدائه، أقامها في شمال أرضه وفي جنوبها لمنع أعدائه من الزحف على مملكته، وتعبيرًا عن فتوحاته هذه في شمال وفي جنوب قتبان استعمل جملة "ايمنن واشامن" أي "الجنوبيون والشماليون"، وهو لقب يعبر عن هذا التوسع الذي تم على يديه.

    ويظهر أن الذي حمل "يدع ذبيان" على الأقدام على شق الطرق في المرتفعات وفي الجبال وعمل الأنفاق وتبليط الطرق بالأسفلت، هو عدم اطمئنانه من الطرق الممتدة في السهول، إذ كانت هدفًا سهلًا للأعداء.

    فإذا اجتازتها قواته هاجمهما الغزاة ويكون من الصعب عليها الدفاع حينئذ عن نفسها، أما الطرق التي أنشأها فإنها وإن كانت صعبة وفي السير بها مشقة إلا أنها آمنة لأنها تمر في أرض خاضعة لحكمه وهي أقصر من الطرق المسلوكة في الأرض السهلة.
    ثم إن الدفاع عنها أسهل من الدفاع عن الطرق المفتوحة. فبهذا التفكير الحربي أقدم على فتح تلك الطرق. وقد تبين من ورود لفظة "ملك" في بعض هذه الكتابات مع وجود لقب "مكرب" فيها، أن "يدع أب ذبيان" هذا كان كاهنًا في الأصل. أي حاكمًا يحكم بلقب "مكرب"، ثم تحلى بلقب "ملك" أيضًا، ولعله استعمل اللقبين معًا. ولهذا ذكرا معًا في الكتابات المشار إليها، إلا أن الكتابات المتأخرة نعتته بلقب ملك فقط، وفي اكتفائها بذكر هذا اللقب وحده دلالة على أنه صرف النظر عن اللقب القديم، وجعل لقبه الرسمي هو اللقب "ملك" فقط.
    ومن الكتابات التي تعود إلى أوائل حكم "يدع أب ذبيان" أي أيام حكمه "مكربًا" الكتابات: Ryckmans 390 و REP. EPIG 3550 4328 أما الكتابة: REP. EPIG. 3878، فتعود إلى أيام تلقبه بلقب "ملك" وتتناول الكتابات الأولى موضوع فتح وتعبيد طريق "مبلقة"، وقد عثر عليها مدونة على الطريق وفي "شقرم" "شقر" التي تقع إلى الغرب منها.

    ومن كتابات أيام الملكية الكتابة المرسومة بـ Glaser 1581"، وقد دونت عند الانتهاء من بناء حصن "برم" "محفدن برم" تقربًا وتوددًا لآلهة قتبان. وكان العمل في أيام الملك "يدع أب ذبين بن شهر ملك قتبين" "يدع أب ذبيان بن شهر ملك قتبان"، وكان صاحب البناء الذي قام به "لحيعم بن ابانس" من "آل المم" و "عبد ايل بن هاني" ويظهر أنهما كانا من المقربين إلى الملك المذكور، وربما كانا من كبار الموظفين، أو من أصحاب الأرضين والأملاك أو من رؤساء العشائر.

    وللملك "يدع اب ذبيان بن شهر" وثيقة على جانب كبير من الأهمية لأنها قانون من القوانين الجزائية المستعملة في مملكة قتبان، بل في الواقع من الوثائق القانونية العالمية ترينا أصول التشريع وكيفية إصدار القوانين عند العرب الجنوبيين قبل الميلاد، فيها روح التشريع الحديث وفلسفة التقنين، ترينا أن الملك وهو المرجع الأعلى للدولة هو وحده الذي يملك حق إصدار القوانين ونشرها والأمر بتنفيذها، وترينا أيضًا أن مجالس الشعب، وهي المجالس المسماة بـ "المزود" وتتكون من ممثلي المدن، ومن رؤساء القبائل والشعاب، هي التي تقترح القوانين وتضع مسودات اللوائح، فإذا وافقت المجالس عليها عرضتها على الملك لإمضائها ولنشرها بصورة إرادة أو أمر ملكي، ليطلع الناس على أحكام الأمر الملكي.

    ويعملوا به. وسأتحدث عن ذلك في فصل "التشريع الجاهلي" بكل تفصيل وتوضيح.

    والوثيقة المذكورة هي قانون أصدره الملك في شهر "ذي مسلعت" "ذو مسلعة" من سنة "غوث آل" "غوث ايل" وقد شهد على صحتها للتعبير عن شرعيتها جماعة من الأعيان والرؤساء وهم من أعضاء "المزود" ومن أشراف المملكة ورؤساء القبائل، ذكرت أسماؤهم وأسماء الأسر والعشائر التي ينتمون إليها، وقد كانت العادة في قتبان أن يذكر عند إصدار القوانين والأوامر أسماء أعضاء المزود والرؤساء وكبار الموظفين كما تفعل الدول الحديثة في هذا اليوم من ذكر اسم رئيس الدولة الذي يصدر القانون بأمره وباسمه واسم رئيس الوزراء والوزراء أصحاب الاختصاص، وذلك لإظهار موافقة المذكورين على القوانين دلالة على اكتسابها الصفة القانونية بنشر أسمائهم مع اسم الملك.

    وفي جملة القبائل التي ذكرت في هذه الكتابة "ردمن" "ردمان" و "الملك" "المالك" و "مضحيم" "مضحى"، و "يحر"، و "يكلم" "بكيل" و "ضرب"، و "ذو ذرآن"، "ذ درن"، و "شهران" و "هران"، "هرن" و "غربم"، و "رشم"، و "زخران"، و "غربان"، و "جرعان"، و "نظران" وقبائل أخرى، وقد ذكرت أسماء الرؤساء الذين أمضوا القانون وصدقوا صحته ودونت قبل أسمائهم هذه الجملة : "وتعلماي ايدن ... "، ومعناها : "علموا عليها بأيديهم"، وكتب قبل اسم الملك : "وتعلماي يد"، ومعناها : "وعلم عليها بيده ... "، ويعود الضمير إلى الملك.

    والوثيقة التي نتحدث عنها هي قانون في عقوبات القتل العمد أو القتل الخطأ غير المتعمد وفي العقوبات التي يجب أن يعاقب بها من يصيب إنسانًا بجرح أو جروح قد تحدث آفات وعطلًا في الشخص. وسأتحدث عن هذا القانون وعن المصطلحات الفقهية الواردة فيه في فصل "التشريع عند الجاهليين" ويرى "فون وزمن" أن هذه الوثيقة المهمة هي من الأوامر التي أصدرها الملك في النصف الأول من القرن الرابع قبل الميلاد.
    ويتبين من الوثيقة المتقدمة أن القتبانيين كانوا يحكمون الرومانيين في هذا العهد، ومخلاف "ردمان" من مخاليف اليمن المهمة، فيه قبائل كبيرة، ولهذا فإن خضوعه لقتبان هو ذو أهمية كبيرة بالقياس إلى الحكومة.

    وبعد موضع "جهر وعلان" حاضرة مخلاف "ردمان"، ومن أماكن "ردمان" "رداع" و "كدار"، وهو مكان قريب من "وعلان"، وقد ورد اسم "وعلان" في الكتابات إذ جاء: "وعلن ذردمن"، "وعلان ذو ردمان".

    ويظن أن الملك "يدع أب ذبيان يهرجب بن شهر، ملك قتبان" الذي أمر بتدوين النص الذي وسم بـ "jamme 405 + 406 "، هو هذا الملك الذي نتحدث عنه، أي الملك المعروف في الكتابات باسم "يدع أب ذبيان بن شهر"، والفرق بين الاسمين هو في وجود اللقب "يهرجب" "يهركب" في النصين المذكورين وسقوطه من الكتابات الأخرى، ويستدل من قال بأن الاسمين هما لشخص واحد بورود أسماء قبائل في النصين وردت في كتابات دونت في عهد الملك المتقدم ثم؛ لأنهما استعملا مصطلحات ترد في كتابات تعود إلى هذا العهد، ثم؛ لأن أسلوب الكتابة، ونموذج كتابتها يدلان على أنها كتبت في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد. أو في القرن الرابع قبل الميلاد. وفي هذا الوقت كان حكم هذا الملك على رأي بعض الباحثين. لذلك رأوا أن الكتابتين قصدتا هذا الملك.

    وخلاصة ما جاء في النصين أن الملك "يدع أب ذبيان يهرجب بن شهر ملك قتبان" وكل أولاد عم وأوسان و "كحد" و "دهسم" "دهس" و "تبنو"، بنوا "يسرن" "يسران" والأقسام التابعة لها "ريمت" "ريمة" و "رحبت" "رحبة"، وذلك من الأساس إلى القمة، ولحماية ما أمر الملك ببنائه من كل أذى وسوء وقدموا ما قاموا به إلى الآلهة "عثتر" و "عم" و "ود".
    أما القبائل المذكورة في هذين النصين، فقد تعرفنا عليها في الكتابات السابقة، ولدينا كتابة وسمها علماء العربيات الجنوبية بـ "REP EPIG 4094" دونها "زيدم بن آل وهب" "زيد بن ايل وهب"، و "أب عم بن شهرم" من "ذي طدام"، عند إتمامها بناء عدة بيوت أو معابد ذكرا أسماءها، وهي :
    "يفش مبش"، و "اهلن"، و "شمس مبش" لملكي قتبان: "يدع أب ذبيان" وابنه "شهر"، وقد ورد فيها اسم الآلهة: عثتر، وعم، وانبي، وذات صنتم، وذات ظهرن "ذات ظهران".

    وهي الآلهة التي ترد أسماؤها عادة في معظم كتابات القتبانيين، وجاءت بعد أسماء الآلهة، هذه الجملة "وبمبش واهلن"، ولا نعرف اليوم شيئًا عن "مبش" ولا عن "اهلن"، أم هما اسمان لإلهين من آلهة قتبان بدليل ورودهما بعد أسماء الآلهة التي ورد ذكرها تيمنًا في هذه الكتابة، أم هما اسمان لقبيلتين أو لمقاطعتين أو لمعبدين من المعابد المشهورة التي كانت في قتبان؟.

    أما "طدام"، فهو اسم قبيلة أو أسرة قتبانية، وقد ورد في كتابات أخرى عديدة غير قتبانية. وأما "أبعم" "أب عم" و "زيدم" "زيد" فمن الأسماء التي ترد في مختلف الكتابات، ولكن اسم "اب عم" "أبعم" هو من الأسماء المنتشرة بصورة خاصة في قتبان.
    وقد اختلف الباحثون في تعيين زمان حكمه، فذهب بعضهم إلى أنه كان في القرن الخامس قبل الميلاد، وذهب بعض آخر إلى أنه كان في القرن الرابع قبل الميلاد. أو القرن الثاني قبل الميلاد أو في أوائل القرن الآخر قبل الميلاد.

    وقد ذكر اسم الملك "شهر هلل" وابنه "نبطعم" في كتابة دونها رجل اسمه "نبط عم بن يقه ملك" "نبطعم بن يقهملك" إذ حفر بئرًا في حصن له لإرواء أرضه وأملاكه، وجعلها في رعاية آلهة قتبان وحمايتها، لتبارك له
    ولذريته، وذكر أن حفر هذه البئر كان في أيام الملك المذكور وفي أيام ابنه.

    وجاء اسم الملك "شهر هلل بن يدع اب" ، في قانون أصدره للقتبانيين المقيمين بمدينة "تمنع" أي العاصمة وللمقيمين في الخارج، وذلك لتنظيم التجارة ولتعيين حقوق الحكومة في ضرائب البيع والشراء، والأماكن التي يكون فيها الاتجار. وفي هذا القانون مصطلحات تجارية مهمة ترينا مبلغ تقدم القتبانيين في أصول التشريع التجاري بالقياس إلى تلك الأيام.

    ووصلت إلينا كتابة قتبانية وسمت بـ "REP. EPIG. 4325"، وهي قانون لتنظيم التجارة وفي كيفية دفع الضرائب. وقد صدر في أيام "شهر" وقد سقط من النص لقب الملك واسم والده ولقبه، كما سقطت أسطر من القانون بسبب تلف أصاب الحجر المكتوب، فأضاع علينا فهم أكثر القانون. ولوجود جملة ملوك حكموا قتبان باسم "شهر"، لا نستطيع تعيين هذا الملك، صاحب هذا القانون، وقد يكون "شهر هلال بن يدع اب"، أي الملك المتقدم.

    وذكر اسم الملك "ذمر علي" واسم ابنه الملك "يدع ابن يجل" "يدع اب يكل" في النص القتباني المعروف بـ "Glaser 1693"، ولم يرد فيه اللقب الذي كان يلقب به.

    وقد ورد اسم ملك قتباني هو "يدع أب"، في عدد من الكتابات، دون أن يذكر لقبه أو اسم أبيه، وقد ذهب "فلبي"، إلى احتمال أنه "يدع اب بن ذمر علي" أي الملك المذكور في النص "Glaser 1693"
    وقد ذهب "ألبرايت" إلى أن "شهر هلال" المذكور وهو والد "نبطعم" هو ابن "يدع أب ذبيان بن شهر".
    وقد جعله كما قلت قليل آخر المكربين وأول من تلقب بلقب "ملك" في قتبان.

    وفي أيام "يدع اب يجل" نشبت حرب بين "سبأ" و "قتبان"، ذكرت في النص الموسوم بـ "REP EPIG 3858" وهو نص سجله "ذمر ملك بن شهر" من "آل ذران" "آل ذرأن" وكان واليًا ولاه الملك على قبيلة "ذبحن" النازلة في أرض "حمر"، بعد أن ثارت وتمردت على ملك قتبان، فتغلب عليها، وضرب عليها الجزية وأخذ غنائم منها ومن القبائل التي عضدتها، ويظهر أن هذه القبيلة انتهزت فرصة حرب نشبت بين "سبأ" و "قتبان"، فأعلنت عصيانها على ملوك قتبان وثارت ومعها قبائل أخرى انضمت إليها، ولكنها لم تنجح ففرضت قتبان عليها جزية كبيرة وانتزعت منها بعض أملاكها، وقد أشار النص إلى: "حرب يدع آل بين وسمه على ينف ويثع أمر وتر ملوك سبأ، وسبأ وقبائلها وإلى ملوك رعنن وقبيلة رعنن". ويظهر من هذه الجملة أن الحرب كانت قد نشبت في أيام الملوك المذكورين، وهم ملوك سبأ، ومع "ملوك سبأ، وسبأ وأشعبها"، ويظهر أنه يقصد بجملة "ملوك سبأ" المذكورة بعد اسم "يثع امر وتر" مباشرة، ملوك سبأ آخرون، أو سادات قبائل، تلقبوا بلقب "ملك". وأما لفظة "أشعب"، فهي "الشعوب" في لهجتنا، وتعبر عن معنى القبائل، ويكون الملك "يدع اب يجل" من معاصري الملوك المذكورين إذن بحسب هذا النص.

    وقد أشير إلى "ذبحن ذحمرر" "ذبحان ذو حمرو" في الكتابة: REP EPIG 3550" وذكر فيها اسم "نعمن" "نعمان" و "صنع".

    وقد ورد اسما هذا الملك في كتابات أخرى عثر عليها في مواضع من "وادي بيحان"
    وقد ورد اسم الملك "شهر غيلن بن ابشم"، وكذلك اسم ابنه "بعم"، في نص قتبان وسم بـ "ERP. EPIG. 3552" وقد دون هذا النص عند قيام "شرح عث بن عبد يل بن تنزب" وهو معمار كلفه الملك المذكور إنشاء "محفد عريم"، أب برج في موضع يسمى "عرب" "عربم"، وقد قام بالعمل وأتمه ووضعت لتخليده هذه الكتابة شاهدًا على إتمام البناء. وقد تضمنت شكرًا وحمدًا لآلهة قتبان، التي سهلت العمل، ومنت على القائمين به بإنجازه وإتمامه، تيمنًا باسمها على عادة العرب الجنوبيين، كلهم في ذكر أسماء الآلهة التي يتعبدون لها.

    وورد في كتابة أخرى اسم الملك "شهر غيلن بن أبشم"، أمر الملك نفسه بتدوينها، عند تجديده إحدى العمارات وإنشائه "صحفتن"، أي برجاء فخلد ذلك العمل بهذه الكتابة وشكر الآلهة "عم" و "انبي" و "عم ذيسرم"، لمنتها عليه وتسهيلها هذا العمل له.
    وتعد الكتابة المرقمة برقم: "Glaser 1601" من الكتابات المهمة المدونة في أيام هذا الملك؛ لأنها أمر ملكي في كيفية جباية الضرائب من قبيلة "كحد ذ دتنت" وقد عقدت بين ملك قتبان ورؤساء قبيلة "كحد" النازلة في "دتنت" "دتنه"، واشهدت آلهة قتبان عليها، وقد جاء هي هذا الأمر أن "كبر" أي "كبير" قبيلة "كحد" هو الذي سيتولى أمر هذه الجباية والإشراف على تنفيذ الأمر وتطبيق أحكامه على كل من يخصه ويشمله، وذلك من تأريخ تعيينه "كبيرًا" إلى يوم انتهاء وظيفته، على أن يقدم الوارد إلى الحكومة سنة فسنة، فإذا انتهت مدة تعيينه، تولى من يخلفه في هذا المنصب أمر الجباية، وقد جعل تأريخ تنفيذ هذا العقد من :
    "بن شهر ورخن ذ تمنع خرف موهبم ذ ذرحن اخرن لاخرن"، ومعناها : "من هلال شهر ذو تمنع سنة موهب ذو ذرحن" "ذرحان" آخرًا فآخرًا" وتعني "اخرن لأخرن" والأشهر التي تليه إلى أمر آخر.
    وأما الضرائب المفروضة، أي الجباية التي يجب أن تجبى من قبيلة "كحد"، فقد حددت بهذه العبارة: "عشر كل هنام وموبلم وتقنم وترثم وكل ثفطم بيثفط" أي "عشر كل ربح صاف، وكل ربح يأتي من التزام أو من بيع أو من إرث يورث"، فحصر هذا القانون ضريبة "العشر" في الأرباح المتأتية من هذه المكاسب وتجبى هذه الضرائب لخزانة الحكومة.
    وقد ذكرت في هذه الوثيقة ضريبة أخرى, هي "عصم" "عصمم"، وهي ضريبة خاصة تجبى للمعابد، أي أنها تذهب إلى الكهان لينفقوا منها على إدارة المعبد، فهي ضريبة مقررة تجبى كما تجبى ضرائب الدولة، وهي مصطلح يطلق على كل أنواع الجبايات التي تسمى بأسماء الآلهة والمعابد.
    ويرى "رود كناكس" أن "العصم" لفظة تطلق على كل ما يسمى للآلهة أو المعابد من "زكاة" أو نذر أو صدقات تقدم في مختلف الأحوال، عند برء من سقم، أو عند حدوث زيادة في الغلات. وقد وردت في النصوص مصطلحات مثل : "ودم" و "شفتم" و "بنتم" وأمثالها، وهي تعبر عن النذور والهبات التي يقدمها المؤمنون تقربًا وزلفى إلى آلهتهم وهي غير محدودة ولا معينة ولا ثابتة، وإنما تقدم في المناسبات كما في أكثر الأديان.

    وجاءت في هذه الكتابة جملة "وسطر ذتن اسطون ببيت ورفو"، أي "وسطرن هذه الأسطر ببيت ورفو" وتؤدي لفظة "بيت" في أمثال هذا السياق معنى "معبد"، كما نقول : "بيت الله" وقد وقعها الملك في شهر "ذبرم" وأعلنها للناس وأوضح ذلك بهذه العبارة : "يد شهر ورخس ذبرم قد من خرف موهبم ذ ذرحن" أي "وقد وقع عليها شهر بيده في شهر ذي برم الأول من سنة موهب آل ذرحن"، وجعل شاهدًا على صحة الوثيقة رجلًا اسمه "نبط عم بن السمع" من "آل هيبر".

    وحظي معبد "بيحان" بعناية الملك "شهر غيلان"، فقد أمر بترميم أقسامه القديمة وتجديدها وبناء أقسام جديدة فيه، وقد تيمن بهذا العمل بذكر الآلهة "عثتر نوفان"، أي "عثتر النائف"، وسجل هذا العمل في كتابة وسماها علماء العربيات الجنوبية بـ 1REP. EPIG 4932 وفد ذكر فيها أسماء آلهة أخرى تيمنًا بذكر أسمائها وتقربًا إليها.

    وكان هذا المعبد قد خصص لعبادة "عم ذلبخ" فهو إذن أحد المعابد التي سميت باسم الإله "عم"، وقد عرفت معابده بـ "عم ذلبخ"، ومعبد "بيحان" هو معبد من هذه المعابد التي حملت اسمه، وكانت لها جماعة تتعبد بها ولعلها مذهب أو طائفة خصصت نفسها بعبادة هذا الإله. وكانت هذه المعابد تجبي أموالًا من أتباعها لتقيم بها المعابد، وصرف الملوك عليها كذلك.
    وفي الكتابة الموسومة بـ "Ry ckmans 216" خبر نص أحرزه الملك "شهر غيلان" على حضرموت و "أمر" "آمر" "أأمر" وتخليدًا له أمر ببناء معبد "عثتر ذ بحن"، أي معبد الإله "عثتر" في موضع "ذبحن" "ذبحان"، ويرى "فون وزمن" أن موضع "ذبحان" الذي بنى فيه هذا المعبد، هو المكان المسمى "بيحان القصب" في الوقت الحاضر، ويقع عند قدم "جبل ريدان" وفي هذا المكان خرائب واسعة تدل على أنه كان مدينة أو قرية كبيرة، ويرجع "فون وزمن" زمان هذا الملك إلى أواخر القرن الرابع لما قبل الميلاد.

    ويتبين من النص المتقدم أن "قتبان" كانت في عهد هذا الملك قوية، فقد انتصرت كما رأينا على حضرموت و "امر"، وكانت تحكم "دتنت" "دتنه" و"كحد"، كما كانت تحكم أرضين أخرى غير قتبانية، ولولا القوة لانفصلت تلك الأرضين عنها.

    وقد عثر على عدد من الكتابات القتبانية ورد فيها اسم الملك "شهر بجل بن يدع أب". منها الكتابة التي وسمت بـ "Glaser 1602"، وهي أمر ملكي في كيفية جمع الجباية من "اربي عم ذلبخ"، أي من "طائفة معبد
    الإله عم في أرض لبخ"، ويظهر من هذا المصطلح ومن مصطلحات مشابهة أخرى أن العرب الجنوبيين كانوا يؤلفون طوائف تنتمي إلى إله من الآلهة تتسمى به وتقيم حول معبده. ويعبر عن الطائفة بلفظة "اربي" وتقيم في الأرض تستغلها وتسمي نفسها باسم الرب الذي تنتمي الطائفة إليه، ويجوز أنها كانت تتعاون فيما بينها في استغلال الأرض وفي تصريف الإنتاج لخير الطائفة بأسرها.
    وتقدم الطائفة حقوق الحكومة إلى الجباة الذين يجبون تلك الحقوق فيقدمونها إلى "الكبير"، أي نائب الملك المعين واليًا على المقاطعات ليقدمها إلى الملك.

    وقد أصدر الملك "شهر يجل" أمره هذا، وأمر بتنفيذه، وذلك في معبد "عم ذلبخ" المشيد في موضع "بن غيلم" أي "في غيل"، وذلك في شهر "ذبشم" سنة "عم علي" كما يفهم من العبارة القتبانية: "ورخس ذبشم خرف عم علي".
    وتتألف "الاربي"، أي طائفة "عم" إله معبد "ذلبخ" من أسر تجمع بينها صلة القربى، وكان لهم رؤساء يديرون شئون سماهم الملك، وهم: "معدي كرب" "معدي يكرب بن هيبر" و "دال" و "دايل بن رباح" "ربح" و "اخهيسمي" أي وأخوتهما. وقد قصد الملك من ذكرهما في هذه الكتابة أنهما هما اللذان كانا يقومان بجمع الغلات ودفع ما على أتباعهما إلى خزانة الحكومة وإلى خزائن المعابد التي في أرض "لبخ" وفوض أمر استثمارها إلى هذه الطائفة.
    وهناك كتابات أخرى تبحث في الموضوع نفسه، موضوع أرض "لبخ" وطائفة "عم" "اربي عم" القاطنة بها وعباراتها هي عبارات النص المذكور إلا في أمور، إذ تختلف فيها، في مثل أسماء الأشخاص وتواريخ عقد تلك الاتفاقيات ومواضعه؛ لأنها عقدت في أوقات مختلفة مع أشخاص آخرين.

    وتقدم النصوص المذكورة نماذج عن طرق كتابة العقود الرسمية بين الحكومة القتبانية والموظفين والجماعات في موضوع الالتزامات والعقود فلها أهمية خاصة لمن يريد دراسة أصول التشريع عند الجاهليين.
    والعادة كتابة هذه الوثائق وإعلانها للناس بوضعها في محال بارزة، يتجمع عندها الملأ في العادة أو يمرون عليها، مثل المعابد أو أبواب المدن، فإنها من أكثر الأماكن التصاقًا بالأفراد والجماعات. وتؤرخ بالتواريخ المستعملة في أوقات عقد العهود، ليعمل بتلك الأوامر وفي الأوقات المثبتة في الكتابات.
    ولدينا نص أمر ملكي أصدره الملك إلى القتبانيين أحرارهم وعبيدهم، رجالهم ونسائهم وإلى كل المولودين في مدينة "تمنع" في كيفية دفعهم "العصم" أي الضرائب. وقد صدر هذا الأمر وأعلن للناس في "ورخم ذبرم اخرن ذ ذران"، أي في "شهر برم الثاني من السنة الأولى من سني من آل ذرأن" وقد سقط من الكتابة اسم الرجل الذي أرخت الكتابة به.
    ويرى "البرايت" أن "شهر يجل"، هذا كان قد حكم في حوالي سنة "300 ق. م" وأنه تغلب على المعينيين فحكمهم.
    وعثر على أمر ملكي أصدره الملك "شهر هلل يهنعم بن يدع اب" في كيفية جباية "اربي عم لبخ"، وهو أمر يشبه الأمر الملكي الذي صدر من الملك "شهر يجل بن يدع اب" السابق، وقد ذكر الملك أنه أصدر أمره هذا تنفيذًا لمشيئة معبد "حطبم" "حطب" المخصص بعبادة "عم ذ دونم" "عم ذو دونم"، ومعبد "رصفم" "رصف" "رصاف" معبد الإله "انبي" ولوحي الآلهة "شمس" و "الهلال" "ربع شمس" وذكر أسماء وكلاء الطائفة وممثليها: طائفة "عم ذي لبخ" "اربي عم ذلبخ" في "ذي غيل".
    وقد نشر الأمر وأعلن على باب "شدو" من أبواب مدينة "تمنع" وذلك في شهر "ذي تمنع" وفي السنة الثانية من سني "شهر" من عشيرة "يجر".

    ويرى ألبرايت أن هذا الملك كان شقيقًا للملك "شهر يجل"، وأنه كان تابعًا لحكومة معين. وقد حمله على هذا الرأي اشتراك اسم الأب، وأنا مع عدم معارضتي لهذا الرأي لا أرى أن اشتراك اسم الأب يمكن أن يكون دليلًا على أن شخصين أو أكثر هم إخوة، فإن أسماء الملوك في العربية الجنوبية متشابهة وتتكرر، والذي يفرق بينها هو اللقب أو الألقاب، بل إننا حتى في هذه الحالة نجد الألقاب تتكرر أيضًا، وهي وإن بدت وكأنها اسم شخص واحد، إلا أنها في الحقيقة لجملة أشخاص، وقد عبر المحدثون عن ذلك بالترقيم، فقالوا فلان الأول، وفلان الثاني، وفلان الثالث، وهكذا، وذلك، كناية عن الاشتراك في الاسم وفي اسم الأب وفي الألقاب، ويقع ذلك عند أمم أخرى أيضًا: وقع ذلك في القديم ووقع في الأيام الحديثة حتى اليوم ونحن لجهلنا تواريخ ارتقاء الملوك العروش، ولعدم تيقننا من تقدم بعضهم على بعض، لا نستطيع لذلك ترقيم الملوك بحسب التقدم في الحكم بصورة يقينية فليس، لنا إذن إلا التربص للمستقبل فلعل الأيام تقدم إلينا مفاتيح نفتح بها الملفات في تواريخ العرب قبل الإسلام.

    وعندنا وثيقة أخرى من الوثائق الخاصة بـ "اربي عم" في "لبخ"، من أيام الملك "شهر هلل" "شهر هلال". وهي أيضًا أمر ملكي أصدره الملك في كيفية جباية الضرائب من هذه المنطقة، وقد أمر بوضع هذا الأمر وتعليقه عند باب "ذي شدو" من أبواب مدينة "تمنع"، وذلك في شهر "ذو أبهى" في السنة الثانية من سني "عم شبم" من "آل يجر".

    وقد مر ذكر "آل يجر" في نص سابق، حيث أرخ أيضًا برجل منها مما يدل على أنها كانت من الأسر المعروفة المشهورة في قتبان.
    والوثيقة كما نرى هي في الموضوع السابق نفسه، موضوع جباية الضرائب من طائفة "عم" النازلين بوادي "لبخ" ولذلك لا تختلف في أسلوبها وفي الألفاظ والمصطلحات القانونية الواردة فيها عن ألفاظ ومصطلحات الوثائق السابقة. ولكنها تختلف عنها في أنها لم تذكر اسم والد "شهر هلال" ولذلك تعذر علينا تعيين هذا الملك وغدا صعبًا علينا تثبيت نسبه بالنسبة إلى الملوك المذكورين.
    وقد ترك "ألبرايت" فراغًا بعد اسم "شهر هلال يهنعم" وضع بعده اسم "يدع اب ذبيان يهركب"، غير أنه بين أنه غير متأكد من أن موضعه في هذا المكان، وأنه وضعه علي سبيل الظن، وذلك اعتمادًا على خط الكتابة التي ورد فيها اسمه والتي يناسب أسلوبها أسلوب كتابات هذا الوقت.
    ثم عاد "ألبرايت" فترك فراغًا بعد هذا الاسم، لا يدري من حكم فيه، ثم ذكر بعده اسم "فرع كرب"، ولم يذكر أي لقب له، ثم ذكر من بعده اسم "يدع اب غيلان" وهو ابنه وفي عهده بني "بيت يفش" الشهير الذي ورد اسمه في عدد من الكتابات القتبانية، ويرى "ألبرايت" أن ذلك كان في أوائل القرن الثاني قبل الميلاد.
    وقد حصلت "البعثة الأمريكية" التي نقبت في خرائب مدينة "تمنع"، على كتابة تتعلق ببيت "يفش"، وباسم الملك "يدع اب غيلان بن فرع كرب"3 وصاحب هذه الكتابة رجل اسمه "هوفعم بن ثونب"، ذكر فيها أنه اشترى وتملك ورمم البيت المسمى "يفش" وأجرى فيه تعميرات كثيرة وفي القسم الخاص منه باستقبال الضيوف "مزود هو"، أي المحل الذي يجلس فيه الزائرون فهو نادي ذلك البيت، وكذلك في القسم المسقوف منه، أي القسم الخاص بالمسكن إلى أعلى البناء.
    وبهذه المناسبة تيمن صاحب البيت بذكر أسماء آلهته : "ابني" و "التعلي" و"عم" و "عثتر" و "ذات صنتم" و "ذات ضهران"، ثم تيمن بذكر الملك الذي تم العمل في أيامه، وهو الملك "يدع اب غيلان بن فرع كرب" ملك قتبان.
    وعثر على كتابة ورد فيها اسم "يدع أب غيلان" "يدع أب غيلن". عثر عليها عند الجدار الشمالي "لحصن الخضيري" الواقع على مسافة "كيلومتر" إلى الشرق من "جبل أوراد". وقد جاء فيها أن الملك أجرى ترميمات في مدينته "ذ غلين" "ذو غيلان".
    وكانت مدينة "ذغيلم" "غيلن" "غيلان" من المدن التي أنشئت في عهد الملك "يدع اب غيلان" بناها على رأي بعض الباحثين في حوالي القرن الثاني قبل الميلاد وذلك عند معبد "عم ذي لبخ" الشهير الكائن في موضع "ذغيلم"، أو أنها كانت موجودة ولكنه جدد بناءها فعرفت بـ "ذغيلان"، ولذلك فإن اسمها في الكتابات هو "ذغيلم" و "ذ غيلن" و "ذغيلان"، وقد اشتهرت بمعبدها المذكور.
    وترك "ألبرايت" فراغًا بعد اسم "يدع غيلان"، يعنى أنه لا يدري من حكم في خلاله، ثم ذكر اسم "هوف عم يهنعم" "هو فعم يهنعم" بعده، وقد حكم -على تقديره- في حوالي السنة "150 ق. م." ثم ذكر من بعده اسم ابنه "شهر يجل يهركب".
    ولدينا كتابة رقمت برقم "REP. EPIG 4335" وقد ذكر اسم "شهر يجل يهرجب بن هوفعم".
    وقد دونت هذه الكتابة عند اشتراك "شوشن" و "حمرم"، ابني "عم كرب" في بناء "محفد" لهما اسمه "غيلن" في أرضهم "طوب" "طوبم" وتيمنًا وتبركًا بذلك ذكرا أسماء آلهة قتبان واسم الملك المذكور.

    وعثر على كتابة أخرى. فهم منها أنه في عهد الملك "شهر يجل يهرجب" جدد بناء الباب الجنوبي لمدينة "تمنع"، وجدد بناء بيت "يفش" ويرجع "ألبرايت" أيام هذا الملك إلى ما بعد سنة "150 ق. م." بقليل. ويستند في تقديره هذا إلى تمثالي أسدين عثر عليهما في خرائب مدينة "تمنع"، وقد وجدت عند قاعدتهما كتابات قتبانية، ورد فيها اسم المعمار "ثويم" "ثويب"، وقد سبق أن عثر على كتابة ورد فيها اسم هذا المعمار وقد كتبت في عهد الملك "شهر يجل يهرجب"، ومن اشتراك الاسمين استنتج "ألبرايت" أن التمثالين هما من عهد هذا الملك ويرى "ألبرايت" أيضًا أن هذين التمثالين صنعا على نمط صناعة التماثيل عند اليونان، ولا يرتقي عهد صناعتهما إلى أكثر من القرن الثاني قبل الميلاد، لذلك لا يمكن في نظره أن يرتقي عهد هذا الملك إلى أكثر من "150" سنة قبل الميلاد.

    ويظهر من الكتابة "jamme 119" أن "ثويم بن يشرح عم" و"صبحم" و "هوفعم"، وهم من آل "مهصنعم" اشتروا ونقلوا اسم البيت باسمهم أي سجلوه باسمهم ،وسجلوا كل ما يتعلق به من أبنية ومسقفات في الطابق الأرضي وفي الأعلى وذلك وفقًا لشريعة الإله "انبي". وتيمنًا بهذه المناسبة سجلوا شكرهم للآلهة "عثتر" و "عم" و "انبي" و "ورفو ذلفن" و"ذات صنتم" و "ذات ضهران"، وكانت تلك المناسبة في أيام الملك
    "شهر يجل يهرجب بن هوفعم يهنعم"، وفي عهد "فرع كرب" من أسرة "ذرحن" ونائب الملك "شهر".
    وقد استنتج بعض الباحثين من هذا النص أن "هو فعم" والد "شهر يجل يهرجب" كان شقيقًا لـ"فرع كرب" الذي كان نائبًا عن الملك أو حاكمًا يوم دون هذا النص. وقد كان من أسرة أو قبيلة "ذرحان". وقد كان له ابن هو الملك : "يدع اب غيلان".

    ويلاحظ أن هذه الأسماء تنطبق على الأكثر على مجموعة ملوك ذكرها "ألبرايت" في بحث له بعد اسم "شهر هلال يهنعم" وقبل "يدع أب ينف". وسيأتي الكلام عنها فيما بعد. غير أن الزمان الذي قدره لحكم هذه المجموعة متأخر عن الزمان المذكور.
    وقد وردت في نص من النصوص المعينية عبارة مهمة جدًّا لها علاقة بقتبان، وبشخص ملكها "شهر يجل يهرجب"، وبالحالة السياسية التي كانت في حكومة معين. ورد فيها ما ترجمته : "في يوم سيده وقه آل يثع وابنه اليفع يشر ملك معين. وبسيده شهر يجل يهرجب ملك قتبان".

    وقد ذكر "هومل" أن كلمة "مراسم" في السطر الرابع من النص قد يمكن قراءتها "مرأس"، ولو قرئت على هذه الصورة لكانت تعني أن "شهر يجل يهرجب" كان رئيسًا على ملك "معين" وابنه، وهذا يعني أن حكومة معين كانت خاضعة لحكومة قتبان في هذا العهد. ويرى "فلبي" أن ذلك كان حوالي سنة "820 ق. م." وأن حكم "شهر يجل يهرجب" كان على رأيه أيضًا من سنة "825- 800 ق. م." وفي هذا العهد لم تكن "سبأ" قد كونت حكومتها بعد، ومن المحتمل أن قبائلها كانت يومئذ كما يرى "فلبي" متحالفة مع قتبان

    ويرى "رودوكناكس" أن نص "504 Halevy" يشير إلى أحد أمرين :
    تحالف بين معين وقتبان كان في عهد الملك "شهر يجل يهرجب" أو أن حكومة معين كانت حقًّا خاضعة لسيادة قتبان.
    وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن حكم "شهر يجل يهرجب" كان في القرن الأول قبل الميلاد. وفي حوالي السنة "75 ق. م." وبناء على ذلك يكون خضوع معين المذكور في النص في هذا الزمن ويكون "اليفع يشر" الذي نعتوه بالثاني من هذا العهد أيضًا. ويرون أيضًا أن استيلاء "قتبان" على معين لم يدم طويلًا لأن السبئيين سرعان ما أخذو زمام الأمور بأيديهم، فاستولوا على معين. ثم إن الحميريين استولوا على الأرضين الجنوبية لقتبان الممتدة إلى البحر فأضعفوا قتبان، حتى عجزت عن الهيمنة على المعينيين.

    ولم يؤثر اعتراف "معين" بسيادة ملوك "قتبان" عليها في استقلالها الذاتي، إذ بقي ملوكها يحكمونها كما يظهر ذلك من الكتابة المذكورة: "Halevy 504 ومن كتابات أخرى. وقد جاء في كتابة "معينية" أمر بتدوينها الملك "اليفع يشر" ملك "معين" في عاصمته "قرنو"، ذكر كاهنين من "كهلان" "كهلن" من قتبان، حضرا حفلة تتويجه، وربما يستشف من ذكر هذين الكاهنين الإشارة إلى الروابط السياسية التي كانت بين معين وقتبان، وأن حكومة "قرنو" كانت خاضعة لسيادة "قتبان" دون أن يؤثر ذلك في استقلالها الذاتي الذي كانت تتمتع به، أو أنها كانت قد تحالفت مع قتبان، أو كونت اتحادًا دون أن يؤثر ذلك في الملكية في معين أو قتبان.
    ولدينا نص مهم طويل، هو قانون أصدره "شهر يجل يهرجب" باسمه وباسم شعب "قتبان"، لقبائل قتبان في كيفية الاستفادة من الأرضين واستثمارها وقد صدر هذا القانون بعد موافقة الملك عليه في اليوم التاسع، وهو يوم ذو "اجيبو" "ذاجيبو" من شهر "ذي تمنع" من السنة الأولى من سني "عم علي" من "آل رشم" من عشيرة "قفعن".

    ويظهر أن رؤساء القبائل وأعيان المملكة قد عقدوا اجتماعات عديدة وتداولوا الرأي في استثمار الأرض وقسمتها على القبائل والعشائر والفلاحين، وبعد أن اتفقوا على الأسس رفعوها إلى الملك فأصدره أمره بإقرارها، كما أقرها الكهان، وكانت لمعابدهم أوقاف جسيمة يستغلها الفلاحون، فلا بد أن يكون لهم رأي مهم من صدور أمثال هذه القوانين.
    وذكرت في نهاية القانون طائفة من الأسماء كتبت بعد جملة "ايد هو" تعني أن هؤلاء الذين سترد أسماؤهم قد قرءوا القانون. وقد شهدوا على صحة صدوره من الملك فوقعوا بأيديهم عليه. وأنهم موافقون على كل ما جاء فيه. وهم يمثلون بالطبع رؤساء القبائل وأعيان العاصمة والمملكة، وقد ذكرت مع أسمائهم أسماء الأسر والعشائر التي ينتمون إليها. فكانت لهذه الأسماء فائدة عظيمة في دراسة القبائل والأسر التي عاشت قبل الإسلام.
    وقد وردت في النص كلمة "فقد" وكلمة "بتل"، ويظهر منه أن لهاتين الكلمتين دلالة على معنى مجالس استشارية أو ما شابه ذلك، كانت تمثل رأي طبقات من الناس ،مثل سادات القبائل أو أمثالهم من أصحاب الجاه والسلطان.

    فقد وردتا في النص بمعنى تقديم رأي إلى الملك للموافقة عليه. وذلك في شهر "ذوبرم" وفي السنة الثانية من سني "اشبن" من عشيرة "حضرن" "حضران" من قبيلة شهر.
    وإلى عهد الملك "شهر يجل يهرجب" تعود الكتابة التي دونها "عقريم بن ثويبم" "عقرب ثويب" من "آل مهصنعم" من عشيرة "صويعم" وذلك لمناسبة بنائه محلًّا "خطبس"، وذلك بحق الإله "انبي" وقد تيمن بهذه المناسبة بذكر الآلهة "عثتر" و "عم" و "ورفو" و "ذات صنتم" و "ذات ضهران" وكان في عهد الملك المذكور.
    وإلى عهده أيضًا تعود الكتابة التي وسمت بـ "jamme874" وهي كتابة قصيرة ورد فيها أن "شهر يجل يهرجب ملك قتبان" وضع أو قدم. ولم تذكر الكتابة شيئًا بعد ذلك.
    وقد عثر على كتابة في "وسطى" ورد فيها اسم "شهل يجل يهرجب بن هوفعم يهنعم"، وقد


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:13 pm

    لقب فيها "مكرب"، مع أنه من الملوك وقد لقب في جميع الكتابات بلقب "ملك". وقد حكم بعد "يدع اب ذبيان بن شهر" الذي ترك لقب "مكرب" واستعمل لقب "ملك" بزمن. واستعمال كلمة "مكرب" في هذه الكتابة يلفت النظر، إذ كانت الكتابات قد تركتها منذ زمن "يدع اب" فهل نحن إذن أمام ملك آخر اسمه نفس اسم "شهر يكل" "شهر يجل" واسم والده كاسم والد هذا الملك. وقد كان مكربًا، فيجب علينا إدخاله إذن في جملة المكربين، ونقله من هذا الموضع؟ أو هل نحن أمام خطأ وقع فيه كاتب الكتابة، إذ استعجل فكتب كلمة "مكرب" موضع لفظة "ملك"؟ أو هل نحن أمام مصطلح فقط، يبين لنا أن الحكام وإن كانوا قد تركوا لقب "مكرب"، إلا أن الناس كانوا يطلقونها عليهم فيما بينهم على اعتبار أن لهم مقامًا دينيًّا عندهم، وأنها لا تنافي الملكية، تمامًا على نحو ما يفعل اليمانيون من إطلاقهم لفظة "إمام اليمن" و "ملك اليمن" على حكامهم وذلك لجمعهم بين الصفة الدينية والصفة الملكية في آن واحد؟.
    لقد تمكنا بفضل الكتابات المتقدمة من الوقوف على أسماء مجموعة من الملوك تنتمي إلى عائلة واحدة أول ملك منها هو "هوفعم يهنعم" غير أننا لا نعرف حتى الآن اسم والده، وكان له شقيق اسمه "فرع كرب" "فرعكرب" نسب نفسه إلى "ذرحان" "ذرحن"، فنحن نستطيع أن نقول أن هذه العائلة كانت من "ذرحان"، وذلك في حالة ما إذا كان "هوفعم" و "فرعكرب" شقيقين تمامًا أي من أب واحد وأم واحدة، وكان لـ "هوفعم" ولد تولى الملك من بعد والده هو "شهر يجل يهرجب"، وقد أنجب "شهر يجل يهرجب" من الولد "وروايل غيلان"، وقد تولى الملك، و "فرع كرب يهوضع" وقد ولي الملك كذلك.
    وأما "فرع كرب" شقيق "هوفعم يهنعم" فقد كان له من الولد "يدع اب غيلان"، رأى جامه "jamme" : أنه "يدع اب غيلان" المذكور في نص "هوفعم بن ثويبم" jamme118 صاحب بيت "يفش". ولكننا لو أخذنا برأيه هذا لزم حينئذ وضع اسم "فرع كرب" بعد اسم ابن أخيه "شهر يجل يهرجب" ووضع اسم ابن "فرع كرب" بعده، بينما تدل الدلائل على أن حكم "فرع كرب" كان قبل "هوفعم يهنعم" وأن ابنه "يدع اب غيلان" كان من بعده، ومعنى هذا أنهما حكما قبل "شهر يجل يهرجب".

    وقد جعل نص "118 jamme "فرع كرب" وصيًّا على "شهر يجل" أو حاكمًا ولم يجعله ملكًا. ولذلك أرى أن في رأي "جامه" "jamme" تسرع يجعل من الصعب قبوله على هذا النحو.
    وكان للملك "شهر يجل يهرجب" ولد تولى الملك من بعده، اسمه: "وروال غيلن يهنعم" "وروايل غيلان يهنعم"، ويرى "ألبرايت" "أن من المحتمل أن يكون هو "وروايل غيلن" "ورو ايل غيلان" الذي وجد اسمه منقوشًا على نقود ذهب عثر عليها مضروبة في مدينة "حريب".

    وقد وصل إلينا نص يفيد أن الملك "وروال غيلن يهنعم"، أمر وساعد قبيلة "ذو هربت" الساكنة في مدينة "شوم" ببناء حصن "يخضر" "يخضور" الواقع أمام سور مدينة "هربت"، وكان قد تداعى فتساقط. وقد نفذت هذه القبيلة ما أمرت به في أيام هذا الملك، وجعلت العمل قربى إلى الآلهة "عم ذو ذ ريمتم" "عم ذو ريمة" و "ذت رحبن" "ذات رحبان" و "الهن بيتن روين" أي و "آلهة بيت روين".

    وبين أيدي العلماء كتابة دونت في عهد الملك "وروايل غيلان يهنعم" "وروايل غيلان يهنعم" صاحبتها امرأة اسمها "برت" "برات" "برة" "برأت" من "بيت رثد ايل" "رثدال" من عشيرة "شحز"، وقد ذكرت فيها أنها قدمت إلى "ذات حميم عثتر يغل"، تقربة هي، تمثال من الذهب يمثل امرأة تقربًا إلى الآلهة، وذلك لحفظها ولحفظ أملاكها، ووفيًا لما في ذمتها تجاه الإله "عم ذربحو" ويظهر أنها كانت كاهنة "رشوت" "رشوة" لمعبد الإله "عم" الكائن في "ريمت"، وكان ذلك في عهد الملك "وروايل غيلان يهنعم". فنحن في هذا النص أمام امرأة كاهنة مما يدل على أن النساء في العربية الجنوبية كن يصلن درجة "كاهنة" في ذلك العهد.

    نكتفي بهذا القدر>>>


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:44 pm

    【اللغـــة السامية الأم]

    تـــدفعنا هــــذه النظـريات التي قالها العلماء عــن السامية وعـــن القــــرابة اللغــــوية التي نــــراها في مجمـوعة اللغات الساميــة، وعــن اشتراكها في كثيـــر من أسس النحو والصرف، إلى التفكير في أن جميــــع هــذه اللغات تفرّعت من لغة واحدة هي أم اللغات السامية، "URSEMITICSCH"، كما يعبر عنها بالألمانية. ويدفعنا ذلك إلى البحث عن أقــــدم النصوص المدونة في اللغات السامية، وعـن الخصائص الأساسية المشتركة بين كــل هــــذه اللغات، للــــوقوف على اللغة السامية الأولى التي انقرضت، وبقيت آثـــارها في هـــذه الجذور التي غــذت اللغات السامية القـــديمة منها والحــديثة بالخصائص السامية. وعـــن أقــــرب الفروع التي انفصلت من الأم.

    لقــد بحث المستشرقون في هــــذا الموضوع ولا يـــزالون يبحثون فيـــه فمنهم مـــن وجـــد أن العبرانية أقدم اللغات السامية، وأقــــربها عهدًا بالأم ومنهــــم مــن رأى أن العــــربية على حــــداثة عهدها جــــديرة بالــدراسة والعناية لأنها تحمل جرثومة السامية ومنهـــم مـــن رأى القِدَم للآشورية أو البابلية، وهنــــاك مـــن رأى غير ذلك.

    وبالجملة، لم يدّعِ أحد من العلماء أنه تــــوصل إلى تشخيص لغــــة "سام" وتمكن من معـــرفة اللغة التي تحدث بها مع أبيه "نـوح" أو مع أبنائه الذين نسلوا هــــذه السلالات السامية.

    وكان مـــن جملة العوامل التي ألهبت نار الحماسة في نفوس علماء التوراة والساميات للبحث عن اللغة السامية الأولى أو أقــــرب لغــــة سامية إليها القصص الوارد في التـــوراة عن سام وعــــن لغــــات البشر ، وبابل ولغـاتها والطوفان وما شاكل ذلك، ثم وجــــد المستشرقون المعاصــرون أن البحث في هذا الموضوع ضربٌ مــــن العبث لأن هذه اللغات السامية الباقية حتى الآن هي محصول سلسلة مــن التطورات والتقلّبات لا تُحْصَى، مرّت بها حتى وصلت إلي مـرحلتها الحاضـــرة ، كمــا أنها حــــاصل لغات ولهجات منقرضة.

    واللغة السامية القديمة لم تكن إلا لغة محكية زالت من الوجود، دون أن تترك أثرًا. ومن الجائر أن يهتدي العلماء في المستقبل إلى لغات أخرى كانت عقدًا بين اللغات السامية القديمة التي لا نعرف من أمرها شيئًا وبين اللغات السامية المعروفة.

    والأفضل أن ننصرف الآن إلى دراسة اللغـــات الساميــة والمــوازنة بينهـا لنستخلص المشتركات والأصـــول.

    ومتى تتكون هـــذه الثــــروة اللغوية يسهل البحث في اللغــة السامية الأم كما تستحسن المــوازنة بيـــن هــــذه اللغــــات واللغــــات التي ظهـرت في القــــارة الإفــــريقية مثل المصــــرية القــــديمة والبــربرية والهررية وبقية اللهجات الحبشية ، لتكــــوين فكـــرة علمية عــن الصلات التي تــــربط بين "الحاميين" و"الساميين" وكانت مـن جملة العــــوامل التي دفعــت بعض العلماء إلى القول بأن أصل الجنسين واحــــد، كان يقيم في قارة إفريقية.

    وبالجملــة إن هنــــاك جمــــاعة مـــن المستشرقين تــــرى أن اللغة العــربية على حــــداثة عهــــدها بالنسبــة إلى اللغــات السامية الأخــرى، هي أنسب اللغـــات السامية الباقيـــة للــــدراسة وأكثرها ملاءمة للبحث، لأنها لغة لــم تختلط كثيرا باللغات الأخــــرى، ولــم تتصــل باللغــــات الأعجمية قبــــل الإسلام فبقيت في مواطنها المعزولة صافية أو أصفى مـــن غيرها في أقل الأحــــوال ، ثــم إنهــا حــافظت على خــــواص الساميـــة القــــديمة مثــل المحافظة على الإعــــراب على حيـن فقدت هذه الخاصة المهمة أكثر تلك اللغات، ولهذه الأسباب وغيـــرها رَأَوا أن دراستها تفيــد كثيرًا في الوقــوف على خصائص الساميــة القــديمة ومزاياها.

    وقــــد شغل علمــاء العــــرب أنفسهم بموضــوع اللغــة السامية أو لغة سام بن نــــوح بتعبير أصحّ، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، ذهبـــوا إلى البحث في لغـــة "آدام" أبي البشر وفي لغـة أهل الجنة.
    وقـد سبق لليهود والنصارى أن بحثوا في هذا الموضوع أيضًا، في موضوع لغــــة آدام أي لغـة البشر الأولى، التي تفــــرّعت منها كـــل لغات البشر حتى اليوم.
    وقد ذهب بعض علماء العربية إلى أن العـــربية هي اللسان الأول، هي لسان آدم؛ إلا أنها حُرّفت ومُسِخَت بتطاول الزمــن عليها، فظهرت منها السريانية ثــــم سائر اللغــــات.
    قــــالوا : "كان اللسان الأول الذي نزل بــه آدم من الجنة عــربيًّا، إلى أن بَعُد العهد وطال، فحُرِّف وصــار سريانيًّا.

    وهـــو يشاكل اللسان العــربي إلا أنــه محــــرف".
    وقــد أدركــــوا ما أدركه غيــرهم مـن وجـود قرابة وصلة بين العربية وبين السريانية، فقال المسعودي : "وإنما تختلف لغات هذه الشعوب أي شعوب جزيرة العرب من السريانيين اختلافًًا يسيرًا"

    وقد أخذ علماء العربية نظريتهم هذه من أهل الكتاب. ولما كانت السريانية هي لغة الثقافة والمثقفين، ولغة يهود العراق وأكثر أهل الكتاب في جزيرة العرب في ذلك العهد , فلا يستغرب إذن قول من قال إن السريانية هي أصل اللغات وأنها لسان آدام ولسان سام بن نوح.

    ______


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:45 pm

    【الهجرات السامية】

    تقــول كل النظريات التي رأيناها عـن أصـــل الوطـــن السامي، بهجـــرات "الساميين" مـن ذلك الوطـن الأم إلى أوطـــان أخـــرى في أزمـــان مختلفة متباينة ، وذلك لأسباب عديدة منها :

    ضيق أرض الوطـــن مــن تحمل عـدد كبيــر من الناس، وتزاحـم الناس على الــرزق، ممـــا دعاهـــم إلى التحــاسد والتباغض والتفتيش عــن وطـــن جـــديد، وظهــور تغيّـرات في طبيعة ذلك الإقليـــم، إلى عـــوامل أخـــرى.

    وقد تصوّر القائلون أن جـزيرة العرب هي مهد الجنس السامي، بلاد العـرب كخـــزَّان هـــائل يفيض في حِقَـب متعاقبة، تبلغ الحُقبة منها زهـــاء ألف عـــام، بما يزيد على طاقته من البشر إلى الخـــارج، يقـــذف بهم موجـــات أطلقوا عليها "الموجات السامية".

    وفي علّل القائلون بنظرية أن جـزيرة العرب هي مهد الجنس السامي سبب هـذه الهجرات بعدم استطاعة جزيرة العـــرب قبـول عــدد كبير من السكان يـزيد على طاقتها، فــلا يبقى أمامهم غيـــر سلـــوك طـــريق الهجــرات إلى الأماكـــن الخِصْبَة في الشمال.
    وقـد كانت الطرق الساحلية من أهــم المسالك التي أوصلت المهاجرين إلى أهـــدافهم.
    وفي جملـة أسباب ضيـــق جـــزيرة العــرب عن استيعاب العدد الكبير من السكان تغيّـر مستمر طــرأ عليها، أدى إلى انحباس الأمطـــار عنها وشيــوع الجفاف فيهـا ممــا أثّـــر على قشرتها وعلى أحيائها، فهلك من هلك وهاجـر مـن هاجــر من جـــزيرة العرب، وقــد استمر هـــذا التغير آلافــا مـن السنين حتى حوّل بلاد العــرب أرضين غلبت عليها الطبيعة الصحراوية وقلّت فيها الرطـــوبة، وغلــب على أكثـــر بقاعها الجفـــاف.
    وقـــد رأى بعض العلمـــاء أن جــزيرة العـــرب كـــانت في عصـــر "البلايستوسين" "pleistocene" خصبة جــدًّا كثيـــرة الميـاه، تتساقط عليهــا الأمطـــار بغـــزارة في جميـــع فصـــول السنة، وذات غـــابات كبيرة وأشجـــار ضخمـــة، كـــالأشجار التي نجدها في الزمان الحاضر في الهند وإفريقية، وأن جـــوّها كان خيرًا مـن جـــوّ أوروبة في العصـــور الجليدية التي كـــانت تغطي الثلوج معظم تلك القارة، ثم أخــذ الجوّ يتغير في العالم فذابت الثلوج بالتدريج، وتغيــر جـــوّ بلاد العرب بالطبع، حدث هـــذا التغير في عصر ال"نيوليتك neolithic" أو في عصر ال "كالكوليتك" "chalcolithic"، ولـــم يكـــن هـــذا التغير في مصلحة جزيرة العرب، لأنه صار يقلّل مـــن الرطوبة ويـــزيد مـن الجفاف ، ويحوّل رطـــوبة التربة إلى يبـــوسة فيُمِيت الـــزرع بالتـــدريج ويهيج سطح القشرة فيحوّلها ورمالا وتـرابا ثم صحـــاري لا تصلح للإنبات ولا لحيـــاة الأحياء.

    فاضطر سكان الجـزيرة الذين كانـــوا من الصيادين إلى أن يكيفوا أنفسهم بحسب الوضع الجديد، فأخــذ نــاس منهـــم يهاجرون إلى مناطق أخـــرى ملائمة توائم حياتهم ومزاجهم وأخذ نـــاس آخـــرون يعتمدون على الزرع وتدجين الحيـــوانات، وعلى الاكتفاء بصيد مـا يرونه من حيوانات تحملت الجـــو الجديد متنقّلين من مكان إلى مكـــان حيث الكلأ والماء.
    وهكـــذا تعـرض حياة الأجسام الحية مــن نبات وحيوان لتغيرات تدريجية مستمرة، فـــرضها عليها تغير الجـــو.

    وقــد أدى انحباس المطـــر وازديـــاد الجفاف ويبوسة الجــو إلى انخفاض الرطـوبة مـن سطــح الأرض، وهبوط مستوى الماء بالتـــدريج عـــن قشرة الأرض، وظهور الأمـــلاح في الآبـــار وجفــاف بعض الآبــار، فأدى ذلك إلى تـــرك الناس هـــذه الأماكن، إذ صعب عليهم استغلالها بالزراعة، وإصلاحها بحفـــر آبــار لا تساعد مياهها الملحة على نمو النبات، ومعيشة الحيوان. حـــدث ذلك حتى في العصـــور الإسلامية حيث نسمع شكاوى مريرة مــن هـــذه العوارض الطبيعية.

    وقـــد تحدث "فلبي" عن هبوط مستوى مياه بعض الآبار التي زارها عام 1917م في الخرج، كما تحدث غيره من السياح عن حوادث مشابهة حدثت في تهامة والحجاز وأماكن أخرى.

    ويعزو علماء طبقات الأرض انخفاض مستوى سطـــح الماء في جـــزيرة العرب إلى عــوامل أخرى، إضافة إلى الجفاف مثل هبـــوط درجات الضغط على قشرة الأرض.
    وقـــد رأى الخبير الأمريكي "تويجل" "twitchell" ، أن الماء قــد انخفض زهاء سبع وعشرين قدمًا عن مستواه الذي كان عليه قبـــل ألفي عام. ومن العلماء مـــن يـــرى أن مستوى سطح الماء في البحـــر الأحمر وفي الخليج العـــربي قـــد انخفض كــذلك فذهب بعض علمـــاء دراسة التـــوراة إلى أن مستـــوى سطـــح المــاء في خليـــج السويس قد انخفض "25" قدمًا عما كـــان عليـــه في "أيـــام الخروج- exodus".
    وذهبت جمـــاعة منهم إلى أن هـــذا الهبوط لم يكن كبيرًا، وإنما بلغ زهــاء ست أقدام أو أقل مـن ذلك في خلال ثـــلاثة آلاف سنة.
    أمـــا مستوى سطح الخليج العـــربي فقد هبط على رأي بعضهم زهاء عشر أقــدام أو خمس أقـــدام خــلال ألفي عـــام وإن مــاء البحر قــد تراجع في هـــذه المــدة، ويستدلون على ذلك بوجـــود السباخ في الأحساء والقطيف، وهي، في رأيهم، مـن بقايا تـــأثر البحـر في الأرض وربما ذهـــب إليه بعضهم من أن الربع الخالي، وقد عثــر فيه على بقـايا بحـــر واسع في السهل المنخفض الذي يقـــال لــه أبو بحـــر، كـــان متصلًا بالبحر العربي.

    ومهما يكـــن مـــن شيء، فإن هبـوط مستوى سطح الماء مهما كان مقداره قـــد أثـــر في سطح الأرض.

    وقـــد وجــد السياح محارًا من النوع الذي يكون في المياه العذبة، وأدوات من الصوان ترجع إلى ما قبل التأريخ والعصور الحجرية وبقايا عظام ترجع إلى هـــذه العصـــور في مناطـــق صحراوية، ويــدل وجودها فيها على أنها كــانت مأهولة، وأنها لــم تهمل إلا لعـوارض طبيعية قاهـــرة لم يكن من الممكــن التغلب عليها، حـــولت تلك المناطـــق الخصبة في ألــوف مــن السنين على مناطـــق لا تتـــوفر فيها شروط الحياة، فهُجِرت.

    كما أننا نجد في الكتب العربية ذكر أشجار ضخمة كانت تنمو في مناطق لا تُنْبِت شيئًا مـا في الزمان الحاضـــر وذكـــر مناطق كـــان تحمي، يقال لها "الحمى" وقـــد جفّ معظمها ، وعـــاد أرضين قفـــرة جــرداء ، فهلاك هـــذه النبـــاتات وجفـــاف هذه الأرضين، لا يمكن أن يعـــزى إلى سوء الأوضـــاع السياسية وهجرة القبائل والمزارعين إلى أماكـــن أخــرى لفساد الإدارة في الأماكـــن البعيدة حسب، بـل لا بد أن يكـــون للطبيعة يــد في هذا التحوّل ونصيب. إن هـــذا التغيّر الذي حـدث في جوّ جــزيرة العــرب، فساعد على ازدياد الجفاف وانحباس الأمطار، قد أباد النباتات، وقـــاوم نموّ المزروعات وعفى على الأشجـــار الضخمة التي كــانت تعيش مـن امتصاص جذورها العميقة للرطوبة مــن أعمـــاق الأرض كما أثّــر في حيـــاة الحيــوان كالأسد الـــذي قـــلّ وجـــوده وقــد كان كثير الوجود، ويدل على كثرة وجوده هذه الأسمـــاء الكثيـــرة التي وضعـت لـه وحفظت في كتب اللغة. وحمار الوحش وقد كان من الحيوانات التي يخـــرج الناس لصيــدها في الحجـاز وفي نجـد ، والنعامة. والرّئْـم أو بقـــر الوحش، والفهد، والنَّسر.

    ومـــن العلماء الـــذين نسبوا هجـــرة "السامين" مــن جـــزيرة العـــرب إلى خـارجها، إلى عـــامل الجفاف والتغيّر الذي وقـــع في جـــوّ جزيرة العـــرب العالـــم الإيطالي "كيتاني" "l.caetani".
    لقد تصوّر "كيتاني" بـــلاد العـرب في الدورة الجليدية جنة، بقيت محافظة على بهجتها ونضارتها مـــدة طــويلة وكـــانت سببًا في رسم تلك الصــورة البديعة في مَخِيلَة كتّاب التوراة عن "جنة عدن". وجنة عــدن المذكـــورة في العهد القديم هي هذه الجنة التي كانت في نظر "كيتاني" في جـــزيرة العـــرب، غير أن الطبيعة قست عليها فأبدلتها صحاري ورمالًا، حتى اضطر أصحابها إلى الارتحال عنها إلى أماكــن تتوافر فيها ضروريّات الحياة على الأقل فكانت الهجرات إلى العراق وبلاد الشام ومصر والمواطن السامية الأخرى.
    وكانت هذه الهجرات كما يقول قـويّة وعنيفة بين سنة 2500 وسنة 1500 قبل الميلاد، فدخل الهكسوس أرض مصـــر ، وهاجـر العبرانيون إلى فلسطين ، ثـــم ولي ذلك عـــدد مـــن الهجرات.

    ويرى "كيتاني" أن هذا التغير الذي طرأ على جوّ جزيرة العرب , إنما ظهر قبل ميلاد المسيح بنحو عشرة آلاف سنة، غير أن أثره لم يبرز ولم يؤثر تأثيرا محسوسا ملموسا إلا قبل ميلاد المسيح بنحو خمسة آلاف سنة. وعندئذ صار سكّان بلاد العرب وهم الساميون ينزحون عنها أمواجًا للبحث عن مواطن أخرى يتوفر فيها الخصب والخير ، وحياة أفضل من هذه الحياة التي أخذت تضيق منذ هذا الزمن.

    وقـــد تصوّر "كيتاني" أودية جزيرة العـــرب، مثـــل وادي الحمض ووادي السرحان ووادي الرمـــة ووادي الدواسر أنهارًا كانت ذات مياه غزيرة تنساب إليها مـــن المرتفعات والجبال في الدهـــور الغابـــرة ، أثّـــرت فيها التغيرات الطبيعية المذكورة فقلّلت مـــن مياهها حتى جفت فصارت أودية ، لا تجري فيها المياه إلا أحيانًا إذ تسيل فيها السيول بعد هطول الأمطار.

    وقد ذهب إلى هذا الرأي المستشرق الألماني "فرتز هومل" أيضا، فرأى أن الأنهر المذكورة في التوراة على أنها أنهر جنة "عدن" هي أنهر تقع في بلاد العرب، وأن الأنهر المشار إليها هي وادي الدواسر، ووادي الرمة ووادي السِّرحان، ووادي حَوْران.

    وأما "كلاسر"، فذهب إلى أن نهري "جيحون"و "فيشون"، وهما من أنهر "جنة عدن" الأربعة في رواية التوراة، هما في جزيرة العرب

    ويعتقد "كيتاني" أن الفيلة والحيوانات الضخمة التي يندر وجودها اليوم في بلاد العرب، كان موجودة فيها بكثرة، ولا سيما في أرض "مدين". وكان الصيّادون يخرجون لاصطيادها لأكل لحومها. وقد جاء بأمثلة لتأييد رأيه من كتب "الكلاسيكيين".
    وقد قسم "كيتاني" جزيرة العرب إلى قسمين : غربي وشرقي. أما القسم الغربي، فهو الذي على ساحل البحر الأحمر الشرقي، وفيه سلاسل جبلية ومرتفعات.
    وأما القسم الشرقي، فالأرضون التي تأخذ في الانحدار والميل. وهي عند السفوح الشرقية للجبال، وتمتد نحو الخليج. وقد كان سكان المناطق الغربية –في رأيه- في مستوى راقٍ من المدنية، وكان لهم سلطان كبير على المناطق الشرقية، وعلى سكانها الذين كان يغلب عليهم الفقر.

    وقد كان فعل الجفاف أشد وأسرع في الأرضين الشرقية منه في الأقسام الغربية، لذلك بدأت الهجرات من هذه المناطق قبل المناطق الغربية وظهرت فيها البداوة بصورة أوضح من ظهورها في الأرضين التي على ساحل البحر الأحمر والمتصلة باليمن وبلاد الشام. ولما توسعت منطقة الجفاف وأخذت الرطوبة تقل في جو بلاد العرب الغربي، ظهرت أعراض الصحراوية في تلك الأرضين كذلك، واضطر السكان إلى الهجرة منها إلى مناطق أخرى.

    وقـــد لاقت نظـــرية "كيتاني" هـــذه رواجًـــا بيـــن عـــدد كبيـــر مـــن المستشرقين واعتدها "السير توماس أرنولد" مـــن أهـــم النظـــريات التي اكتشفها المؤرخـــون الحـــديثون بالنسبة إلى التأريخ العربي. غيـــر أن المستشرق "الويس موسل"، يرى أنها لا تستند إلى أسس تأريخية، ولا إلى أدلة علمية، وأن القائلين بها قد بالغوا
    فيها مبالغة كبيرة، ويرى أنه ما دامت البحوث "الجيولوجية" التي قــام بها العلماء في مراحلها الأولى وقد جرت في مناطــق محـــدودة فلــم تفخص أكثـــر مناطق جـــزيرة العرب فحصًا علميًّا فنيًا ، حتى الآن ، فـــلا يصـــح الاعتمـاد على فـــرضيات، تبنى عليها آراء ثابتة. ولهذا فهو يـــرى أن الأدلة "الجيــولوجية" التي استشهد بهــا "كيتاني" ضعيفة وغير كافية، فهي لا تستحق منـــاقشة ، واكتفى بمنـاقشة الأدلة التأريخية.

    يرجـــع "مـــوسل" سبب الهجرات وتحـــوّل الأرضين الخصبة صحــاري وإلى عـــاملين همـا :
    ضعف الحكومات وتحـــوّل الطـــرق التجارية.
    فضعف الحكومات ينشأ عنـــه تزعــم سادات القبائل والرؤساء، وانشقاقهم على الحكومات المــركزية، ونشوب الفتن والاضطرابات واشتعال نيران الحروب، وانصراف الحكومة والشعب عن الأعمال العمرانية، وتلف المزارع والمدن، وتوقف الأعمال التجارية وحصول الكساد، وانتشار الأمراض والمجاعة، والهجرة إلى مواطن أخرى يأمن فيها الإنسان على نفسه وأهله وماله. فخراب سدّ "مأرب" مثلًا لا يعود إلى فعل الجفاف الذي أثّر على السدّ كما تصوّر ذلك "كيتاني" بل يعود إلى عامل آخر لا صلة له بالجفاف ،هو ضعف الحكومة في اليمن، وتزعم "الأقيال" و "الأذواء" فيها، وتدخل الحكومات الأخرى في شئون العربية الجنوبية كالحبشة والفرس، مما أدى إلى اضطراب الأمن في اليمن، وظهور ثورات داخلية وحروب، كالذي يظهر من الكتابات التي تعود إلى النصف الثاني من القرن السادس للميلاد فألهى ذلك الحكومة عن القيام بإصلاح السد، فتصدعت جوانبه، فحدث الانفجار، فخسرت منطقة واسعة من أرض اليمن مورد عيشها الأول، وهو الماء، ويبست المزارع التي كانت ترتوي منه، واضطرت القبائل وأهل القرى والمدن الواقعة فيها إلى الهجرة إلى مواطن جديدة. وتصدّع السدّ بسبب ضغط الماء على جوانبه، هو في حد ذاته دليل على فساد نظرية الجفاف.

    ويرى "موسل" أن التقدم الذي حدث في البلاد العربية بعد القرن التاسع عشر دليل آخر على فساد نظرية "كيتاني"، فقد ظهرت مدن حديثة، وعُمّرت قُرَى، وشُقَّت ترعٌ، وحُفِرَت آبار، وعاش الإنسان والحيوان والنبات في مناطق من العراق وسورية ولبنان وفلسطين والأردن كانت تعدّ من الأرضين الصحراوية فليس الجفاف هو المانع من عمارة هذه المناطق، والسبب في تكوّن هذه الصحاري، بل السبب شيء آخر، هو ضعف الحكومات وانصرافها عن العمارة وعن المحافظة على الثروة الطبيعية وضبط الأمن، ووقوفها موقف المُتفرّج تجاه قطع الناس للأشجار واستئصالها لاستخراج الفحم منها، أو لاستعمالها خشبها في أغراض أخرى، وقتال القبائل بعضها ببعض، هذا وإن من الممكن إعادة قسم من الأرضين الجرد إلى ما كانت عليه، إذا ما تهيأت لها حكومة قوية رشيدة تنصرف إلى حفر الآبار وإقامة السدود، وغرس الجبال وإنشاء الغابات، والاستفادة من مياه العيون.

    ويرى "موسل" أيضًا أن ما ذكره "كيتاني" عن الأنهار في جزيرة العرب مسألة لا يمكن البت فيه الآن لقلّة الدراسات العلمية.
    كما أن ما ذكره عن انعدام أجناس من الحيوانات ليس مردّه إلى الجفاف وعدم احتمال تلك الحيوانات الجوّ الجديد، فهلكت، أو هاجرت إلى مواطن جديدة، بل مَرَدُّه في نظره إلى اعتداء الإنسان عليها، وقتله إياها.
    ودليله على ذلك أن الحيوانات التي ورد ذكرها في كتب "الكلاسيكيين" لا تزال تعيش في المناطق التي عيّنها أولئك الكتّاب ولكنها بقلّة. كذلك نجد الهمداني وغيره ينكر وجود الأسد وحيوانات أخرى في مواضع قلَّ فيها وجودها الآن، وهذا مما يشير إلى أن هذه الحيوانات لم تنقرض أو تقل بفعل تبدّل الجو، بل بفعل اعتداء البشر عليها، وأن اعتداء البشر على الحيوان شرٌّ من اعتداء الطبيعة عليه.
    ولا يوافق "موسل" على نظرية "كيتاني" في هجرة القبائل العربية من الجنوب إلى الشمال، أو من الشرق إلى الشمال. وقد رأى "كيتاني" كما سبق أن ذكرنا تقسيم جزيرة العرب إلى قسمين: قسم غربي وهو الممتد من فلسطين إلى اليمن، وينتهي بالبحر العربي، وتكون حدوده الشرقية"السّراة" والغربية البحر الأحمر ومضيق باب المندب. وقسم شرقي، وهو ما وقع شرقي "السّراة" إلى الخليج والبحر العربي.

    وقد ظهر الجفاف في رأي "كيتاني" في القسم الشرقي قبل الغربي، ولهذا صار سكانه يهاجرون منه بالتدريج إلى مواطن جديدة صالحة للاستيطان مثل العراق والشام، كما صار سببًا لظهور الصحاري الشاسعة في هذا القسم بصورة لا نعهدها في القسم الغربي.
    ويرى "موسل" أن هذا تقسيم لا يستند إلى أسس طبيعية وجغرافية ولا إلى آراء "الكلاسيكيين"، أو علماء الجغرافية العرب، أو غيرهم، وأنه مجرد رأي لا يمكن أن يكون حجة لإثبات مثل هذا الرأي.
    ولموسل رأي في الهجرات، يرى أن ما قاله "كيتاني" وغيره عن الهجرات من جزيرة العرب، من اليمن أو من نجد إلى الشمال، قول لا يستند إلى دليل تأريخي قوي.
    فليست لدينا حتى الآن براهين كافية تثبت -على حد قول موسل- أن أصل "الهكسوس" أو "العبرانيين" مثلا من جزيرة العرب. كما أن ما ادّعاه "كيتاني" عن استمرار الهجرات من الألف الثالث أو قيل ذلك قبل الميلاد إلى القرن السابع بعد الميلاد قول لا ينطبق مع المنطق. فَلِمَ ظلّت هذه الهجرات مستمرة إلى أن توقفت بعد القرن السابع للميلاد؟ أزادت الرطوبة وتحسن الجو؟ أم أن القبائل الكبيرة كانت قد تجزَّأت إلى قبائل صغيرة، وعشائر وأفخاذ فأصبح في إمكانها العيش بعض الشيء في محالّ صغيرة، لا تحتاج إلى مراعي شاسعة، ولا إلى مياه غزيرة؟ فلم تدفعها الحاجة منذ هذا العهد إلى الهجرة في شكل موجات كبيرة. وهل كان الجفاف هو المانع من مهاجمة حدود الإمبراطوريتين البيزنطية والساسانية اللتين كانتا قد سدّتا أبواب جزيرة العرب على أهلها فلم تسمحا للقبائل بتخطِّي هذه الحدود؟ ويرى أن ما ادّعاه "كيتاني" من أن الجفاف والجوع حملَا قبائل اليمن على الهجرة إلى الهلال الخصيب حيث نزلت في أرضين كانت خالية مهجورة على أطراف الفرات والشام، فألفت حكومتي "المناذرة" و "الغساسنة" ،قول لا يؤيّده ما جاء في الكتب "الكلاسيكية" وفي المصادر "السريانية" من أن تلك الأرضين كانت عامرة، آهِلَة بالسكان، تمرّ بها الطرق التجارية العالمية. ويرى "موسل" أن الحكومتين "اللخمية" و "الغسانية" إنما ظهرتها بعد سقوط "تدمر" وقد أسس الدولتين "مشايح" من أهل الهلال الخصيب ولم يكونوا مهاجرين وَرَدُوا من الجنوب، أو من العروض على نحو ما تَزَعّمه بعض الرويات.

    ويأخذ "موسل" على "كيتاني" تصديقه الرواية العربية عن هجرة القبائل ونظريتها في الأنساب واعتدادها من جملة الأدلة التي تثبت نظرية الجفاف. ويرى أنها -مع التسليم بحصتها- تنطبق على الوضع الذي كان في القرن السابع للميلاد وفي الجاهلية القريبة من الإسلام، وأنها رواية تستند إلى خير مسوغ لا يصحّ إن يكون سندًا في إثبات الهجرات لما قبل الميلاد.

    ويمكن تفسير انتساب القبائل -على حد قول موسل- بصورة أخرى، هو أن العرب الجنوبيين كانوا قد هيمنوا في الجاهلية وقبل الإسلام بقرون على الطريق التجارية التي تصل الشام باليمن وعلى الطرق التجارية الأخرى، وكانت لهم حاميات فيها لحماية القوافل من غارات الأعراب، فلما ضعف أمر حكومات اليمن، استقلت هذه الحاميات، وكان كثيرًا من أفرادها قد تزاوجوا مع من كان يجاورهم من القبائل، واتّصلوا بهم. ولما كان لليمن مقام عظيم وشرفٌ بين القبائل، انتسب هؤلاء إلى اليمن، وصاروا يعدّون أنفسهم مهاجرين، يتصل نسبهم بنسب اليمن. ومن هنا نشأت، في رأي "موسل" أسطورة الأنساب! ثم جاء علماء الأنساب في "المدينة" و "الكوفة" فسجّلوها على أنها حقيقة واقعة، ومنهم انتقلت إلى كتب التأريخ، فتوسّعت وتضخمت في الإسلام.
    ويدّعي "موسل" أنه لو كانت هنالك هجرات حقًّا، لرأينا أثرها في لغة القبائل النازحة إلى الشمال وفي عقيدتها الدينية وفي ثقافتها وفي أساطيرها وفي قصصها الشعبي، ولوجدنا في أقل الأحوال إشارةً في الكتابات العربية الجنوبية التي تعود إلى ما قبل الإسلام. ولكننا لا نجد شيئًا من ذلك، وهذا ما يفنّد رأي القائلين بالهجرات، وبأن أصل كثير من القبائل التي كانت تقيم في شمال جزيرة العرب، ومن هؤلاء الغساسنة والمناذرة، هم من اليمن.

    ويعترض "موسل" أيضًا على دعوى "كيتاني"، وغيرها من المستشرقين؛ ممن زعموا أن الفتح الإسلامي هو آخر هجرة سامية قذفت بها جزيرة العرب إلى الخارج، وأنها كانت بسبب الجفاف والجوع، ويرى أن ما جاء في هذه الدعوى لا يتفق مع الحقيقة، وأن ما ذكره "كيتاني" عن عدد نفوس الحجاز مبالغ فيه، وأن الجيوش التي اشتركت في فتح العراق والشام وفلسطين لم تكن حجازية أو نجدية حسب، بل كانت فيها قبائل عراقية وشامية نصرانية ساعدت أبناء جنسها العرب مع اختلافها مع المسلمين في الدين، وحاربت الروم والفرس، ولذلك فليست الفتوحات الإسلامية هجرة من جزيرة العرب إلى الخارج على نحو ما تصوّره "كيتاني" بدافع الفقر والجوع.

    والرأي عندي أن ما يسمّى بموضوع تغيّر الجوّ في جزيرة العرب وبالهجرات السامية والاستشهاد بآثار السكنى عند حافات الأودية وفي أماكن مهجورة نائية؛ لاتخاذ ذلك دليلًا على الوطن السامي وعلى هجرة الساميين، هو موضوع لم ينضج بعدُ، وهو لا يزال بعدُ يحتاج إلى دراسات علمية وإلى نتائج أبحاث علماء "الجيولوجيا" والعلوم الأخرى، ليقولوا كملتهم في هذا الموضوع. فعلى بحث هؤلاء يتوقّف الحكم في موضوع تطوّر الجوّ وتغيّر الإقليم. أما الحدس والتخمين، وأما الاعتماد على حوادث وعلى بحوث لغوية ومقابلات ومطابقات في أمور دينية وثقافية أخرى، فإنها لا تكفي في نظري للبتّ في قضايا يجب أن يكون فيها الحكم والكلمة للعلوم لا للحدس والتصور والتخمين. هذا هو رأيي الآن في هذا الموضوع، وفي كل الآراء الواردة عن مواطن الساميين.
    فقد رأينا أن بعض تلك الآراء إنما قيلت لاعتقاد أصحابها بما ورد في التوراة، فجاءت بكل ما عندها من حجج وأدلة لإثبات رأيها هذا، ورأينا أن في بعض الأدلة متناقضات واستشهادات ضعيفة، ورأينا أن الاستشهاد باشتراك اللغات في الألفاظ لا يمكن أن يكون دليلًا قاطعًا على الأصل المشترك، ثم إننا لا نملك سجلًّا تاريخيًّا للنَّبات والحيوان ولظهور الألفاظ حتى نستشهد به في إثبات نظرية من النظريات، وكل ما لدينا من هذا النوع إنما هو مجرد رأي وحدس، والرأي لا يكون رأيًا علميًّا إلى بحجة قاطعة وبدليل علميٍّ دامغ وبحوث مختبرية وآثار تثبت ذلك للعِيَان، فمن حقي إذن أن ألتزم التريّث والانتظار وأستعجل العلماء المتخصصين في دراسة طبقات الأرض، لنرى نتائج بحوثهم لنستنير بها في إعطاء أحكام في هذه الآراء.

    أما بعض الأمثلة التي استُشهد بها لإثبات تغير جو جزيرة العرب، فهي أمثلة لا يمكن أن تكون دليلًا للتغيّر، وإنما ترجع إلى عوامل أخرى مثل تغير طريق القوافل، وتغير اتجاهات السفن البحرية، وإلى الفتن والحروب وغارات القبائل المتوالية التي هي من شر الأوبئة التي فتكت بالمجتمع العربي، فسبّبت هرب الحضر من أماكن إقامتهم إلا أماكن أخرى، لعدم وجود قوّات نظامية وحكومة ترد اعتداءات الأعراب عليهم، ثم الحروب الأهلية التي وقعت في اليمن بين الحبش وأهل اليمن وأمثال ذلك مما وقع بين الفرس والعرب. أما في الإسلام، فقد كان للفتوحات دخل كبير في هجرة القبائل لنشر الإسلام وللاستمتاع بخيرات بقاع جديدة في العراق وفي بلاد الشام وفي أمكنة أخرى لا يوجد لها مثيل في جزيرة العرب، فتخربت لذلك بعض القرى والسدود القديمة التي كانت في الإسلام، وهي اليوم خراب. أضف إلى ذلك الحروب والفتن التي وقعت في اليمن وفي باقي العربية الجنوبية والعروض في أيام الأمويين والعباسيين وفي الأيام التي تلتهم فنشرت في تلك الديار الخراب، ثم إهمال الأمويين ومن جاء بعدهم من خلفاء وملوك وحكّام شأن جزيرة العرب، لفقرها وعدم وجود موارد غنيّة فيها، وانتقال أصحابها أصحاب الجاه والنفوذ إلى البلاد الغنية، فلم يبقَ من يدافع عنها ويتحدث بلسانها باعتبارها مهد العرب الأول ومهد الإسلام، فتقوى الخراب بذلك على العمار، وأخذ يبتلع ما يجده أمامه من مستوطنات حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم.

    والدليل على ذلك، ورود أسماء مواضع عديدة في اليمامة وفي الحجاز وفي نجد واليمن وفي كل أنحاء جزيرة العرب الأخرى في الموارد العربية الإسلامية، كانت مأهولة مزروعة في صدر الإسلام، خَرِبَت وهُجِرَت وصارت أثرًا، وقد ذهب عن أكثرها حتى الاسم. فلما كتب عنها الجغرافيون لم يجدوا من عمرانها شيئًا. بل نجد في كتب الجغرافيين أسماء مواضع نزلوا بها وأقاموا فيها، وكانت معمورة مسكونة. أما اليوم فلم يبقَ من أكثرها شيئًا، فهل نُرجع فعل هلاكها إلى الجفاف وتغير الجو وإلى اندثار الواحات والبحيرات والأنهار؟ إن الجغرافيين المذكورين لم يشيروا إلى وجود واحات وبحيرات وأنهار حتى نقول بفعل الجو فيها، بل هنالك عوامل أخرى عديدة اضطرت الناس إلى ترك مواطنهم تلك التي ذكرتها، وفي مقدمتها الفتن والغزو وتغير الطريق وعدم قيام حكومة قوية تحمي الأمن.

    وأما موضوع الاستشهاد بالهجرات، فإنه موضوع غامض يحتاج إلى دراسة علمية عميقة، فالذين يرون أن جزيرة العرب كانت مهد الجنس السامي، وضعوا نظريتهم هذه قياسًا على روايات أهل الأخبار من أمر هجرة العرب إلى تلك الأرضين، ومن الفتح الإسلامي الذي جرف قبائل عدنانية وقحطانية فساقها إلى بلاد العراق وبلاد الشام وإلى ما وراء هذه الأرضين، ومن هجرة قبائل من جزيرة العرب إلى تلك البلاد حتى الزمن القريب، ومن أخبار عن هجرة الفينيقيين من البحرين إلى بلاد الشام. ولكننا نجد من ناحية أخرى أن التوراة تذكر أن الإسماعيليين هم سكان أرضين تقع في الأقسام الشمالية الغربية من جزيرة العرب وفي شرق فلسطين في البادية وفي طور سيناء، والأخباريون يذكرون أن العدنانيين هم من سلالة إسماعيل أي أنهم إسماعيليون، ويذكرون أنهم جاءوا من الشمال فسكنوا الحجاز، وأن جدّهم رفع قواعد البيت الحرام. ونرى أن اليهود زحفوا من فلسطين نحو الحجاز، وأن أقوامًا من سكان العراق زحفوا نحو الجنوب فسكنوها في العروض. وأن قبائل عراقية كالقبائل العبرانية هاجرت من العراق إلى بلاد الشام ثم إلى مصر ثم عادت إلى بلاد الشام، فمثل هذه الهجرات تلفت النظر وتجعل الباحث يبحث عن أمثلة أخرى من هذا القبيل، لعلّه يجد غيرها أيضا. وهي تجعله يشعر أن الهجرات لم تكن دائما في اتجاه واحد، بل كانت حركة دائمة تتجه مختلف الاتجاهات، لعوامل سياسية واقتصادية وحربية ساحتها من شمال بلدية الشام إلى سواحل البحر العربي في الجنوب، ومن سواحل البحر الأحمر إلى سواحل الخليج العربي، فهي ليست هجرات بالمعنى الذي نفهمه من الهجرات في لغة علماء الساميات، ذات أزمان معينة لها أمد محدود كألف عام أو أكثر من ذلك أو أقل، وبمقياس ضخم كبير، بل هي حركة دائمة لقبائل أو لجماعات تنتقل من مكان إلى مكان طلبا للمعاش أو لأحوال سياسية وحربية، فهي هجرة بهذا المعنى إذن ليس غير. فهذه الأرضون التي تشمل كل جزيرة العرب والعراق إلى حدود الجبال وكل البادية الواسعة حتى سواحل البحر الأبيض فطور سيناء إلى نهر النيل، هي مواطن الساميين، ومسارحهم التي كانوا وما زالوا يَدْرُجُون عليها. وقد درجت عليها أقوام أخرى أيضا ليست بأقوام سامية، قبل الميلاد وبعده، بل حتى في زمن الإسلام، ولكنها غلبت على أمرها، وصهرت في بوتقة الساميين، أمثال الفرس واليونان والرومان والصليبيين. فقد بقي من هؤلاء خلقٌ اندمجوا بهم وتخلقوا بأخلاقهم وتكلموا بألسنتهم بمرّ السنين، حتى صاروا مثلهم ومنهم، وبذلك امتزجت دماء الساميين بدماء غريبة عنهم. فدمهم من هنا ليس بدم صافٍ نقي، وليس في الأجناس البشرية جنس يستطيع أن يفخر فخرًا مطلقًا بكونه الجنس النقي الخالص الذي لم يختلط قط بأي دم غريب.

    أضف إلى ما تقدم أن العلماء القائلين بتبدل الجو وبتغيّره، هم على خلاف بينهم في الأزمنة وفي الأسباب. فمنهم من بالغ، ومنهم من أفرط حتى قال إن الجو في جزيرة العرب كان يختلف في أيام اليونان والرومان عنه في الأيام الحديثة. ومنهم من قال إن الجو لم يتبدّل تبدّلًا محسوسًا مؤثّرًا فيها منذ حوالي ألفي عام، ومنهم من عَزَا أسباب انخفاض مستوى الماء الأرضي في جزيرة العرب إلى عوامل ليست لها صلة بتبدل الجو، وعَزَا خراب القرى والمدن واندثار السّدود إلى عوامل أخرى لا علاقة لها بتبدل الجو ، ومع كل ذلك، فإن هذه الدراسات لم تنضج بعدُ، ودراسة أرض جزيرة العرب وجوّها لم تتم بصورة علمية مختبرية بعدُ، وأكثر ما ذكرته هو ملاحظات مؤرخين أو باحثين علميين، على نحو من الحدث والتخمين، ولا يمكن بناء نظريات معقولة مقبولة على مثل هذا الآراء.

    التالي
    اللغة السامية الأم 》》


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:46 pm

    【صلات العـــــرب بالساميين】

    لاحــــظ المعنيون بلغـــــات "الشرق الأدنى" وجـــود أوجـــه شبه ظاهــرة بين "البابلية" و"الكنعانية" و "العبرانية" و "الفينيقية" و "الأرمية" و "العربية" و "اللهجات العربية الجنوبية" و "الحبشية" و "النبطية" وأمثالها.
    فهي تشتـــرك أو تتقــارب في أمــور أصلية وأساسية مـــن جـــوهر اللغــة وذلك في مثل جذور الأفعال وأصول التصريف، تصـــريف الأفعــــال، وفي زمنيّ الفعل الرئيسيين ، وهما :
    "التام" و "الناقص" أو "الماضي" و "المستقبل"
    وفي أصـــول المفـــردات والضمــائر والأسماء الدالة على القرابة الدمــوية والأعـــداد وبعض أسمـــاء أعضـــــاء الجسم الرئيسيَّة، وفي تغير الحركات في وسط الكلمات الذي يحدث تغيّرًا في المعنى ، وفي التعابير التي تـــدل على منظمـــات الـــــدولة والمجتمـــع والــدين ، وفي أمــــور مشابهة أخرى فقالوا بوجوب وجـود وحدة مشتركة كـــانت تجمــــع شمل هـــذه الشعوب وأطلقوا على ذلك الأصل ، أو الوحدة "الرس السامي" أو "الجنس السامي" ، أو "الأصل السامي" ، أو "السامية ، "semites" "semitic race" "semites" وعلى اللغـــــات التي تكلمت وتتكلم بها هـذه الشعوب
    "اللغات السامية" ، "semitic languages".

    وقـد أخـــذ مـن أطلـق هــذه التسمية تسمية هـــذه مـــن "التـــوراة".
    أخـذها من اسم "سام بن نوح" ، جــدّ هـــذه الشعوب الأكبــر ، كما هـو وارد فيها.
    وأول مــن أطلقها وأذاعها بين العلماء عَلَمًا على هذه الشعوب عالم نمساوي اسمــه "أوغست لودويك شلوتسر" august ludwing schloetzer أطلقها عــام "1781م" فشاعت منــذ ذلك الحيــن ، وأصبحت عنــد العلماء والباحثين في مــوضوع لغات الشرق الأدنى عَلَمًا للمجموعة المذكـــورة من الشعوب.
    وقــد أخــذ "آيشورن" "joh. Cotte. Eichhorn" هـــذه التسمية ، وسعى لتعميمها بيــن العلمــاء علمًــا على الشعـــوب المذكـــورة.

    وفي عـــام "1869م" قسـم العلمـــاء اللغـــات السامية إلى مجموعتين : "المجموعة السامية الشمالية" و"المجموعة السامية الجنوبية"

    > وتتألف المجموعة الشمالية من : "العبرانية" و"الفينيقية" و"الأرمية" و"الآشورية" و"البابلية" و"الكنعانية"
    >وأمــا المجموعة الجنـــوبية :
    فتتألف مــن "العـــربية" بلهجات و:الحبشية".
    وعـــمّ استعمال هذا الاصطلاح بينهم وأصبـــح موضـــع "الساميـات" مـــن الدراسات الخاصة عنـد المستشرقين تقـــوم على مقـــارنات وفحـــوص "أنتولوجية" و "بيولوجية" وفحوص علمية أخـــرى فضـــلًا عـن الدراسات التأريخية واللغوية والدينية.

    وهـــذه القرابة الواردة في "التــوراة" وذلك التقسيم المذكور فيها للبشر ، لا يستنـدان إلى أسس علميــة أو عنصرية صحيحة
    بــل بُنِيت تلك القـــرابة ، ووضـع ذلك التقسيم على اعتبـــارات سياسية وعـــاطفية وعلى الآراء التي كـــانت شائعـــة عنـــد شعوب العالم في ذلك الزمان عن النسب والأنساب وتـــوزع البشر. فحشرت التــوراة في السامية شعـــوبًا لا يمكن عـــدّها من الشعوب السامية ، مثل "العيلاميين" "elam" و "اللــوديين" "ludim" "lud" وأقصت منها جمــــاعة مـــن الواجب عدّها من الساميين، مثل الفينيقيين" و "الكنعانيين".

    ويــرى "بروكلمن" أن العبرانيين كانوا قــد تعمـدوا إقصاء "الكنعانيين" مـن جدول أنساب سام ، لأسباب سياسية ودينية ، مـــع أنهم كانوا يعلمون حق العلــم مــا بينهم وبين الكنعانيين من صــــلات عنصــــرية ولغــــوية.

    وقــــد رَجَــــع الإصحاح العاشر مـــن التكوين نسب الفينيقيين والسبئيين إلى "حــــام" ، جد "الكوشيين" ، ذوي البشرة السوداء ، مـــع أنهم لم يكونوا من الحاميين ، وقد يكون ذلك بسبب وجـــود جـاليات فينيقية وسبئية في إفريقية ، فعدّ كتبة التوراة هؤلاء من الحاميين....•

    وقــد عــرف المسلمون اسم "سام بن نوح" ، وقــد كان لا بد لهم من البحث عن أولاد "نـــوح" لما لذلك من علاقة بما جاء عن "نوح" وعن الطوفان في القــــرآن الكريــــم.
    وقــــد روي أن رسول الله قــــال :
    "سام أبو العــرب ، ويافث أبو الـروم ، وحــــام أو الحبش" ...!
    وقــد روى "الطبــري" جملة أحــاديث عنــه في هــذا المعنى. وقــد لاحظت أنها كلها وردت من طـريق "سعيد بن أبي عــــروبة" عــــن "قتــــادة" عـــن "الحسن" عــن "سمرة بن جندب"..... > وهي في الواقــــع حـديث واحــــد ولايختلف إلا اختــــلافًا يسيــــرًا في ترتيب الأسماء أو في لفظ أو لفظين.

    ومــن هنــــا يجـب أن يــدرس هــــذا الحــديث وكــل الأحـاديث المنسوبة إلى الرســـول ﷺ ، في هـــذا البـــاب دراسة وَافِية لنرى مدى صحة نسبتها إلى الـــرسول ، كمـا يجــب دراسة مـا نسب إلى عبد الله بن عبّاس أو غيـره في هـــذا الشأن ، فـــإن مثـــل هـــذه الـدراسات تحيطنا علمًـا بـــرأي المسلمين أيــام الرسول وبعـد انتقاله إلى الـرفيق الأعلى في نسبتهـــم إلى 【سام بـن نـــوح】.

    وقـــد قسم بعض علمـــاء الساميّــات المحـدثين اللغات السامية إلى أربـــع مجمـــوعات هي :
    > المجموعة السامية الشرقية ومنها : "البابلية" و "الآشورية".
    > والمجموعة الشمالية ومنها :
    "الأمورية" و"الأرمية".
    > والمجموعة الغربية ومنها :
    "الكنعانية" و"العبرانية" و"الموابية" و"الفينيفية".
    > والمجموعة الجنوبية ومنها : "المعينية" و"السبئية" و"الأثيوبية" و"العربية" و"الأمهرية".

    ويـلاحـظ أن واضعي هـــذا التقسيم
    لــم يراعـــوا في وضعــه التطـــورات التأريخية التي مــرت بها هذه اللغات بــل وضعوا تقسيمهم هذا على أسس المواقـــع الجغرافية لتلك الشعـــوب.

    والسامية بعـــد ، ليست رسًا "race" بالمعنى المفهوم من الرس عند علماء الأحيـــاء ، أي جنس لـه خصـــائص جسميّة ومـلامح خـــاصة تميّزه عــن الأجنـــاس البشرية الأخـــرى.
    فبين "الساميين" تمايـز وتبـــاين في الملامح وفي العلامات الفارقة يجعل إطلاق "الرس" عليهم بالمعنى العملي الحديث المفهوم مـن "علم الأجناس" أو الفـــروع العلمية الأخرى نـوعا مـن الإسراف واللغــو ، كما أننا نــرى تباينًا في داخــل الشعب الواحــد مـن هـذه الشعــوب الساميــة في المـــلامح والمظاهر الجسمية ، وفي هذا التمايز والتباين دلالــة على وجـــود اختلاط وامتزاج في الــدماء ، تحـــدثت عنـه في الفصل الخـــاص بالأنساب وبانقسام العـــرب إلى "قحطانيين" و"عدنانيين".

    ولقـــد وجـــد بعض علمـــاء "الأنثروبولوجي" مثـلًا أن بين اليهود تبــاينًا في الصفــات وفي الخصائص التي وضعها هذا العلم للجنس، مع ما عـرف عـن اليهود مــن التقيد بالزواج وبالابتعاد عن الزّواج من غير اليهود.

    وكـــذلك وجـــد العلماء الـذين درسوا العرب دراسة "أنثروبولوجية" أن بين العـــرب تباينًا في المـلامح الجسمية. وقــد اتَّضح وجــود هذا التباين عنــد الجاهليين أيضًا ، كمــا دلت على ذلك الفحـوص التي أجـــريت على بقـــايا العظـــام التي عُثـــر عليها في مقــابر جـــاهلية.
    كــذلك وجــد علماء "الأنثروبولوجي" من فحص العظام التي عُثِر عليها في الآثـار الآشورية والبابلية أن أصحابها يختلفـــون أيضًـــا فيمـــا بينهـــم في المـلامح التي تعــد أساسًا في تكوين جنس مــن الأجناس.
    ولهذا فإني حين أتحدث عن السامية لا أتحـــدث عنها على أنها جنس ، أي رس صاف بالمعنى "الأنثروبولوجي" بــل أتحدث عنها على أنها مجمـــوعة ثقـــافية وعلى أنهــا مصطلح أطلقــه العلماء على هـذه المجموعة لتمييزها عــن بقيــة الأجناس البشريـة , فـــأنا أجاريهم لذلك في هذه التسمية ليس غيـــر.

    إن بحــوث العلمـــاء في مـــوضوع السلالات البشريـــة وفي الأجنـــاس البشريـــة وفي تـــوزع الشعـــوب وخصـــائص ومميـــزات الأجنــاس لا تـــزال بحوثًا قلقة غيـــر مستقرة.
    ولهذا نجـد نتائج بحوثهم في تعريف الجنس وفي صفـــات الأجنـاس وفي المسائل الأخـــرى المتعلقة بهـــذا الموضوع مختلفة ولا سيما أن هنالك عـــدة أمــور تــؤثر في حياة الإنسان وفي خصائصه الروحية والجسمية. والنواحي اللغــوية وبعض الخصائص الروحية الأخـــرى ، وإن كــانت مهمة وضــرورية لـــدراسة النـاحية العقلية للإنسان إلا أنهــا ليس الأسس الوحيدة لتكـــوين رأي في الأجنــاس البشرية.

    فالسامية إذن، بهذا المعنى هي مجرد اصطلاح ، قصد بــه التعبير عن هــذه الروابط أو الظـــواهر التي نـراها بين الشعوب المذكـــورة ، أما البحث على أن "الساميين" جنس مــن الأجنــاس بالتعبير الــذي يعنيه أهل العلوم مــن لفظــة جنس ، فـــإن ذلك في نظـــري مـــوضوع لا يسع علماء الساميّات أو علماء التاريخ أن يبتّوا فيه ويصدروا حكمًا في شأنــه ، لأنه بحث يجب أن يستند إلى تجارب وبحوث مختبرية وإلى دارســات للشعوب الباقيــة مـن السامية ، بـأن ندرس جماجم قــدماء "الساميين" وعظــامهم في جـــزيرة العـــرب وفي المواطن الأخـــرى التي انتشر فيها الساميون ، وعنــد اكتمال مثـــل هـــذه الدراسات ووصولها إلى درجـــات كافية ناضجة يمكن العلماء حينئذ أن يتحدثوا عـــن السامية من حيــث أنها جنس بالمعنى العلمي ، أو جنس بالمعنى الاصطلاحي.

    هــذا وقــد عني بعض البـــاحثين المحدثين بـــدراسة مـا عثر عليه في بعض القبور العادية من عظام لتعيين أوصافها وخصائصها والجنس الـــذي تعــود إليه ، كما قــام بعضهم بدراسة أجسام الأحياء وإجراء فحوص عليها وتسجيل قياسات الرءوس ومــلامح الأجسام ومــا إلى ذلك ممــا يتعلـــق بموضـــوع "الأجناس البشرية" ، وإذا مــا استمر العلماء على هــذه الدارسة وتــوسعوا فيها ، فسيكون لهـا شـــأن خطيــر في وضـع نظريات علمية عن تـــأريخ أجنـــاس الشرق الأدنى وفي جملتهم "الساميين".

    وممــن بحــث في "أنثروبولوجية" الشـــرق الأدنى "كبرس ariens kappers" ، وقـــد وضـع مؤلفًا قيّمًا في دراسة شعـــوب الشرق الأدنى. و "الدكتور سلكمن""dr. seligman" و "شنكلن w. shanklin" الذي عني بـــدراسة "أنثروبولوجية" سكّان شرقي الأردن وتقسيماتهم وحـــالات أعصابهم ، و "a. mochi" ، و "برترام توماس" الـذي قـــام بدراسات علمية عــديدة من هــذه الناحية لنماذج من أفـــراد القبـــائل العـــربية الجنـــوبية والبعثــة الأمـــريكية التي أرسلها متحف "فيلـد" بشيكاغـــو لـــدراسة "أنثروبولوجية" القبـــائل العـــراقية النازلة على مقـــربة من "كيش" ، عدا دراسات أخــرى عديدة قام بها علماء آخـــرون.

    وقـد أجـــريت أكثر هذه البحوث في منــاطق عــرفت باتصالها منذ القديم بالعالـــم الخـــارجي
    وفي أرضين استضافت الغرباء، فهي لذلك لا يمكن أن تعطينا فكــرة علمية عــن "أنثروبولوجية" داخــل جــزيرة العـــرب ، فلا بــد من القيام بدراسات دقيقة في قلب الجـزيرة لتكوين رأي علمي عــن عـــرب هـــذه الأمـــاكن.

    وقــد لاحــظ الفاحصون للعظام التي عُثِـــر عليها في الأقسام "الجنوبية الشرقية" من جــزيرة العــرب وجــود تشابـه كبيـر بين جماجم أهل "عمان" وجماجـــم سكان "السواحل الهندية" المقابلة لهــذه البقــاع ، كمــا لاحظـوا تشابهًا كبيـــرًا في المــلامح الجسمية بيــن "العرب الجنوبيين" أهل "عدن" وبقيـة "العــربية الجنوبية الغـــربية" و"تهامة" وسكان "إفريقية الشرقية".

    وقــد اتخذ القائلون إن أصل العـــرب الجنوبيين من إفريقية هــذه التشابه حجة تذرّعوا بها في إثبات نظرياتهم هـــذه.

    غيـــر أن هـــذه الفحوص أشارت مـن جهــة أخـــرى إلى حقيقـة تخـــالف النظرية الإفريقية إذ بيّنت أن أشكال جماجم العــرب الجنوبيين ورءوسهم هي مــن النـــوع الـــذي يقـــال لـــه" "brachycephaly".
    أمـا أشكال جماجــم سكان إفـــريقية الشرقية ورءوسهم ، فمن النـوع الذي يعرف باسم "dolichocephaly" في الغالب.
    وهــذا التبــاين لا يشير إلى وحـــدة الأصـــل.
    وقـــد تبين مــن هـــذه الفحــوص أن أشكـــال جماجــم العـــرب الشماليين ورءوسهم هي مـــن نـــوع "dolichocephaly" كذلك ، أي أنها نـــوع مشابه لأشكـــال جمـــاجم الإفـــريقيين الشرقيين ورءوسهم.

    وقـــد حملت هـــذه النتـــائج بعـــض الباحثين على التفكير في أن العـــرب الجنـــوبيين كـــانوا في الأصـــل في المـــواطن التي تكثـــر فيهـا الرءوس المستديرة وأن هذه المواطن هي من آسية الصغرى إلى الأفغــان فـــزعموا أنهم كانوا هناك ثم هاجــروا منها إلى مـــواطنهم الجـــديدة في العـــربية الجنوبية كما زعموا أن سكان "عمان" قـــد تـــأثروا تـــأثرًا كبيـــرًا بالـــدماء "الدراوبدينية" "dravidian" الهنـدية ، لهذا نجـــد أنهـــم يختلفون بعض الاختـــلاف عــن بقيـة العـــرب الجنوبيين.

    وإذا قــامت بعثات علمية بالبحـــوث "الأنثروبولوجية" في مواضع أخــرى من جزيرة العـرب ولا سيما في باطن الجـــزيرة ، وإذا مــا استمــر العلمـــاء والسياح في البحث عــن العظــام والأحداث ، وفي دراستها دراسة مختبرية ، واستمروا في إجـــراء فحوصهم على الأحياء ، وقـورنت نتائـــج فحوصها بنتائـــج فحـــوص العلماء في بقية أنحـاء الشرق الأدنى فـــإن البحـــث في "الساميات" وفي عـــلاقات الشعوب القـــديمة بعضها ببعض، سيتقدم كثيــرًا ، وسيأتي ولا شك بنتائج علمية مقبــولة في مـــوضوع السامية والجنس السامي.

    التالي
    وطن الساميين 》》


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:47 pm

    【إمارات عربية شمالية】

    الفصل الثاني
    الجزء الثاني :

    ويلاحظ أن كثيرًا من كتابات الحضر لا يكتفى فيها بذكر اسم الشخص واسم أبيه، وإنما يذكر فيها اسم جده أيضا، واسم والد جده أحيانا, وقد عثر على كتابة ورد فيها اسم ستة أجداد. ونجد هذه الطريقة في الكتابات الصفوية كذلك، وقد استدل "إينو ليتمان" E. Littmann من طريقة تدوين الصفويين لأنسابهم على هذه الصورة على أنهم عرب؛ لأن العرب يعتنون بالنسب أكثر من عناية غيرهم به، فيذكرون أسماء الآباء والأجداد.
    ولذهاب بعض أهل الحضر هذا المذهب في تدوين أنسابهم ، رأى بعض الباحثين أن أصحاب هذه الكتابات هم من أصل عربي.

    وما زال تأريخ الحضر غامضًا ناقصًا فيه فجوات واسعة، لم تملأ حتى الآن. ويرى الذين عنوا بدراسة تأريخها أنها تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، وربما امتد تأريخها إلى ما قبل ذلك. وأما ازدهارها، فقد كان في أيام "الفرث" Parthians ، وهم "الإشكاليون" و"ملوك الطوائف" في الكتب العربية. وقد عاركت "الرومان" و"الساسانيين"، وتعرضت للخراب والدمار في أيام "سابور" المعروف بـ"سابور الجنود" في الكتب العربية ، وذلك سنة "241" للميلاد. ولم تتمكن بعد هذا الحادث من استعادة نشاطها وقوتها، فذكر أن جيشًا رومانيًّا مر بها سنة "363" للميلاد ، فوجدها خرابًا.

    ومن ملوك الحضر، الملك "سنطروق" وقد ورد اسمه في طائفة من الكتابات, ويظهر أنه كان مؤسس سلالة ملكية من السلالات التي حكمت هذه المدينة. وقد عرف أبوه باسم "نصرو مرى" "نصر", ولعله كان أول من ملك الحضر. ويظهر أن أباه لم يكن ملكًا، ولكن كان كاهنًا, وقد ورد اسمه في نص رقم برقم "77" للميلاد.
    ومعنى هذا أن الملك "سنطروق" كان يحكم في النصف الثاني من القرن الأول للميلاد, ولا يستبعد أن يكون قد حكم قبل هذا العهد.
    ويعد هذا النص من أقدم النصوص المؤرخة التي عُثر عليها في هذه المدينة.
    وقد عثر على كتابات أخرى، ورد فيها : "سنطروق ملك بن نصرو مريا".
    ولورود جملة "ملك العرب" بعد اسم الملك شأن كبير بالطبع ، لأنها توضح علاقة هذا الملك بالعرب بكل جلاء.

    وقد أمكن الحصول في هذا اليوم على أسماء عدد من حكام الحضر منهم : "أورودس" "ورود"، وكان يلقب بلقب "مريا"، أي : "السيد" و"الرئيس", و"نصرو" "نصر"، وقد لقب بلقب "مريا" كذلك. وهو ابن "نشرى هبة" "نشرى هاب" , ووالد الملك "سنطرق" "سنطروق" الموسوم بـ"الأول". ثم "ولجس" "ولجش" "ولوجس" ، وقد لقب بـ"مريا" أي : "الرئيس" في أحد النصوص, وبلقب "ملكا ذي عرب" أي : "ملك العرب" "ملك الأعراب" في نص آخر.
    مما يدل على أنه عاف لقب "مريا" أي : السيد أو الرئيس الذي لقب به في أول عهده بالحكم وهو لقب أسلافه ، واستبدله بلقب "ملك" وهو أضخم من لقب "مريا" بالطبع.

    وقد عثر على تمثال كتبت على قاعدته جملة : "تمثال ولجش ملك العرب", وقد أقام ذلك التمثال وأمر بتسطير الكتابة "جرم اللات بن حيي".
    ثم الملك "سنطرق" "سنطروق" الأول، وهو ابن "نصرو" "نصر" "نصر ومريا" ، وقد لقب بـ"ملكا دي عرب" أي "ملك الأعراب" وقد كان حكمه في النصف الثاني من القرن الأول بعد الميلاد "77 = 78م".
    ثم الملك "عبد سميا" الملقب بلقب "ملكا ذي عرب" "ملكا دي عرب" وهو والد الملك "سنطرق" "سنطروق" الثاني.
    والملك "سنطرق" "سنطروق" الثاني وهو ابن الملك "عبد سميا", وهو والد ملك آخر اسمه "عبد سميا" كذلك وملك آخر اسمه "معنا" "معنى" أي : "معن" في عربيتنا.

    ولعل "تراجان" "98-117م" الإمبراطور الروماني ذا المطامع الواسعة في الشرق الأدنى، كان قد فكر في الاستيلاء على الحضر في عهد "سنطرق" "سنطروق" أو أيام "عبد سميا". إذا عثر على منار في طريق سنجار دوّن عليه اسمه، يشير إلى وصوله إلى هذه المواضع من العراق. ولكن الرومان لم يتمكنوا من الاستيلاء على الحضر ، وبعد أن حاصروها مدة ، تراجعوا عنها , لأنهم وجدوا صعوبة في فتحها، وعادوا إلى "أنطاكية".

    وقد ورد في النص "139" اسم "نشرى هب"، وهو ابن "نوهرا"، وهو ابن "سنطرق" "سنطروق"، الملقب بلقب "ملكا" أي : "الملك".

    وقد ورد في النص "139" اسم "نشرى هب"، وهو ابن "نوهرا" ، وهو ابن "سنطرق" "سنطروق" ، الملقب بلقب "ملكا" أي : "الملك".
    ويظن أن حكم "أثل ملكا"، أي: الملك "أثل" "أثال" أو "أثال الملك" بتعبير أصح، والذي ورد اسمه في النصوص دون أن يذكر اسم والده ، كان يحكم الحضر في منتصف القرن الثاني للميلاد، أو في النصف الثاني منه وهو ملك لا نعرف صلته بالملوك المتقدمين.
    وأما "برسميا"، فقد كان من معاصري "سبتيميوس سفيروس" Septimius Severus الذي كان حكمه في حوالي السنة "193" إلى السنة "211" بعد الميلاد , وكان من خصومه المزعجين.

    فقد صبر بجنوده ودافع معهم عن أسوار مدينته حتى أكرهه على فك الحصار عن الحضر وعن التراجع عنها، بسبب العطش الذي أثر في جيشه، على حين كان الماء كثيرًا في المدينة مخزونًا عندهم. وبسبب المقاومة العنيفة التي أظهرها الفرسان العرب، وإلقاء أهل الحضر قنابل النفط على جيوش الرومان ومقاومتهم مقاومة عنيدة حملت الرومان على التراجع عن المدينة وفك الحصار عنها.

    ولما ظهرت الدولة الساسانية كانت الحضر على صلات طيبة بالرومان, وكانت تلعب دورًا خطيرًا في عالم التجارة لموقعها المهم بالنسبة لطرق القوافل لذلك الوقت، فتحرش بها الساسانيون وغزوها، ثم دمروها في الأخير، وكان سبب ذلك هو أن "أردشير" الأول، مؤسس الدولة الساسانية ومهدم كيان الدولة الأشكانية دولة الفرث، لما انتصر على دولة الفرث ، حارت الدويلات الصغيرة ، وفي جملتها حكومة الحضر, في أمرها، وظنت أن النصر سيكون للفرث، فوقفت موقف الحذر من الساسانيين، ورأى ملك الحضر "الضيزن" أن من الأصلح له أن ينضم إلى الرومان الذين كانوا قد توجهوا نحو الشرق، واستولوا على "ميديا" وأن يهاجم الفرس, فهاجمهم وتغلب عليهم في معركة "شهر زور" كما تذكر الموارد العربية، وأسر بنتًا من بنات ملك الفرس, وكان ذلك في حوالي السنة "232" للميلاد تقريبا.

    فسار "سابور" الأول ، وهو "سابور الجنود" ، وهو ابن الملك "أردشير الأول"، إلى الحضر يريد الانتقام من "الضيزن"، فتحصن "الضيزن"، وأناخ "سابور" على حصنه أربع سنين، من غير أن يتمكن من فتحها، ثم إن ابنة للضيزن اسمها "النضيرة" رأت "سابور" فوقعت في حبه، فراسلته وأرشدته إلى طريقة يتمكن بها من إحداث ثغرة في سور المدينة ففتحها، واستولى عليها وقتل أباها، وأباد أهل المدينة، وأخذ "سابور" النضيرة فأعرس بها بعين التمر، ثم تذكر خيانتها "فأمر رجلًا فركب فرسًا جموحًا، ثم عصب غدائرها بذنبه، ثم استركضها فقطعها قطعًا".

    وقد تعرض "الطبري" لمدينة الحضر فقال: "وكان بحيال تكريت بين دجلة والفرات مدينة يقال لها : الحضر، وكان بها رجل من الجرامقة يقال له : الساطرون، وهو الذي يقول فيه أبو داود الإيادي :

    وأرى الموت قد تدلى من الحضـ ... ـر على رب أهله الساطرون.

    والعرب تسميه الضيزن ، وقيل : إن الضيزن من أهل باجرمي.

    وزعم هشام بن الكلبي أنه من العرب من قُضاعة، وأنه الضيزن بن معاوية بن العبيد بن الأجرام بن عمرو بن النخع بن سليح بن حُلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة، وأن أمه من تزيد بن حلوان اسمها جيهلة، وأنه إنما كان يعرف بأمه.
    وزعم أنه ملك أرض الجزيرة ، وكان معه من بني عبيد بن الأجرام وقبائل قضاعة ما لا يحصى ، وأن ملكه كان قد بلغ الشأم ، وأنه تطرف من بعض السواد في غيبة كان غابها إلى ناحية خراسان سابور بن أردشير. فلما قدم من غيبته، أخبر بما كان منه ، فقال : ذلك من فعل الضيزن ، عمرو بن إلة بن الجُدَي بن الدهاء بن جشم بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة ... فلما أخبر سابور بما كان منه، شخص إليه حتى أناخ على حصنه، وتحصن الضيزن في الحصن، فزعم ابن الكلبي أنه أقام سابور على حصنه أربع سنين، لا يقدر على هدمه ولا على الوصول إلى الضيزن.
    ثم ذكر قصة ابنة الضيزن مع سابور وخيانتها لأبيها وكيف كان مصيرها.

    ويذكر "الطبري" في روايته التي يرفعها إلى "ابن الكلبي" ، أن سابور أباد أفناء قضاعة الذين كانوا مع الضيزن، فلم يبقَ منهم باقٍ، وأصيبت قبائل من بني حلوان ، فانقرضوا ودرجوا.
    ثم ذكر في ذلك شعرًا نسبه إلى "عمرو بن إلة"، وكان مع الضيزن.
    وروى "ابن خلدون" أن الملك بالحضر كان لبني العبيد بن الأبرص بن عمرو بن أشجع بن سليح، وكان آخرهم "الضيزن بن معاوية بن العبيد" المعروف بالساطرون.

    وذكر "البكري" أن "سابور ذا الأكتاف" لما أغار على الحيرة وهزم أهلها ، سار معظمهم إلى الحضر يقودهم "الضيزن بن معاوية التنوخي" فنزلوا به، وهو بناء بناه الساطرون الجرمقاني، فأقاموا به مع الزباء, فكانوا رجالها وولاة أمرها. فلما قتلها "عمرو بن عدي" استولوا على الملك حتى غلبتهم غسان, وقد فرق البكري بين الضيزن والساطرون.

    وقد ورد في أثناء القصص المروي عن الضيزن والحضر شعرٌ نسبوا بعضه إلى "أبي دواد الإيادي" وبعضه إلى "الأعشى ميمون بن قيس" وبعضًا آخر إلى "عمرو بن إلة" وبعضًا إلى "عدي بن زيد العبادي".

    ونجد في شعر الأعشى ، خبر حصار "شاهبور الجنود" حولين للحضر وذكر "عدي بن زيد العبادي" في شعره أن صاحب الحضر شاد حصنه بالمرمر، وجلله كلسًا، وللطير في ذراه وكور. ثم باد ملكه، فصار بابه مهجورًا ، بعد أن كانت دجلة تُجبَى له والخابور.
    وهو من هذا الشعر الحزين الذي يغلب عليه طابع الموعظة واحتقار الدنيا وازدرائها ، وهو طابع أغلب الشعر المنسوب إلى الشاعر البائس.
    والساطرون ، هو "سنطروق" في كتابات الحضر ، حرّف فصار الساطرون عند أهل الأخبار.
    وهو لفظ إيراني الأصل, انتقل من اللسان الإيراني إلى لغة بني إرم فصار "سنطروق" ، وصير "سنتروسس" في اللغة الإغريقية.

    وقد عرف بهذا الاسم أحد الملوك الفرث "الأشكانيين" "سنة 76 أو 75 حتى 70 أو 69 ق. م.".

    وإذا أخذنا برواية "الطبري" من أن "الساطرون" كان من الجرامقة فمعنى ذلك أنه كان من "بني إرم" أي : من الآراميين , وهم سكان "جرمقايا" "جرمقاية" الواقعة شرق دجلة جنوب "الزاب" الصغير ، وقد عُرفوا بالجرامقة نسبة إلى هذه الأرض. وإذا أخذنا بروايته أيضا من أن الساطرون كان يعرف بالضيزن وأن "الضيزن" هو من أهل "باجرمي"، فإن في الرواية الثانية تأييدًا للرواية الأولى من أن الساطرون كان من بني إرم، ولم يكن من العرب.

    غير أن "ابن الكلبي" يقول : إنه من العرب وإنه من قضاعة من جهة الأب وإنه من "تزيد" من جهة الأم وإنه ملك أرض الجزيرة ، وإن ملكه بلغ الشأم ، وكان معه من "بني عبيد بن الأجرام" وقبائل قضاعة, وإنه انتهز فرصة غياب "سابور بن أردشير" إلى ناحية خراسان ، وتطرف في بعض ناحية السواد ، فلما قدم "سابور" من غيبته أخبر بما كان منه فشخص إليه حتى أناخ على حصنه أربع سنين في رواية "ابن الكلبي"، وحولين كما جاء في شعر "الأعشى".

    وقد أنكر "نولدكة" رواية "ابن الكلبي" بشأن حصار "سابور" للحضر, وقد كانت الحضر قد فتحت في عهد "أردشير" الأول، وذلك قبل وفاته في سنة "241" للميلاد. وكان ابتداء حكم "سابور" الأول سنة "241" لذلك رأى "نولدكة" وغيره أن قصة "الضيزن" لا علاقة لها بهذا "السابور"، بل بملك آخر من ملوك الساسانيين, وأن "الضيزن" المذكور كان رئيسًا من رؤساء قبائل عربية متنفذة, كانت تغير من "الجزيرة" ومن الغرب على أرض السواد.
    ورجحوا كون "سابور" -أهل الأخبار- هو "سابور" الثاني الذي حكم من سنة "309" حتى سنة "379" للميلاد. وقد عرف هذا الملك بغزوه للعرب، وهو صاحب "الأنبار" و"خندق سابور" الذي حفره لحماية الأرض الخصبة المأهولة من هجمات الأعراب. وقد كان هذا الملك قد غزا "خراسان" وغزا أرض بكر وتغلب التي تقع بين الروم والفرس "المناظر"، حيث كانت تنزل قضاعة أيضا.

    وقد رأى بعض الباحثين أن تعبير "سابور الجنود" "شاهبور الجنود" الوارد في شعر "الأعشى" و"عمرو بن إلة" تعبير يشير إلى أن "سابور" المذكور لم يكن ملكًا، بل كان قائدًا من قادة الجيش، وأن هذا التعبير هو ترجمة لمصطلح "أصبهبذ" Spahbad الذي يعني "صاحب الجيش", وأن المقصود به رجل اسمه "شابور" "سابور" وكان بدرجة "أصبهبذ" "أسبهبذ" على "الري" , وذلك في أيام "قباذ" الأول "448-531م".

    وأما "الضيزن"، فهو عامل من العمال العرب من سادات القبائل، قد يكون "طيزانيس" الذي كان في أيام "قباذ"، الذي يجوز أن يكون صاحب المدينة المسماة "طيزن آباد" و"مرج الضيازن" على الفرات.

    ومن القبائل التي ورد اسمها في كتابات الحضر، قبيلة عرفت بـ"بني تيمو" "بني تيم". وهي قبيلة قد تكون لها صلة بقبيلة ورد اسمها في كتابات عُثر عليها في وادي حوران بالعراق ، وفي كتابات عُثر عليها في تدمر. ويظهر أنها كانت من القبائل المعروفة في الجزيرة وفي بادية الشأم في القرن الأول قبل الميلاد فما بعده، ويدل اسمها على أنها من القبائل العربية المتنقلة التي انتشرت بطونها في منطقة واسعة في ذلك العهد.
    هذا ما عرفه أهل الأخبار عن الحضر وعن أهل الحضر, فهم على رأيهم من عرب قضاعة نزلوا هذه المواضع في زمن لم يحددوه، وأقاموا هناك.
    ولا أظن أن ما أورده "ابن الكلبي" عن الحضر قد جاء به من عنده، فلا بد أن يكون قد أخذه من موارد فارسية أو إرمية ، وأغلب ظني أنه أخذ ذلك عن أهل الحيرة ، وقد كان لرجال الدين فيها من النصارى علم بالتواريخ ، أخذوا علمهم هذا من موارد متعددة ، وعنهم نقل ما أورده عن الحضر.

    وأما مملكة "الرها" Edessa، وتعرف بـ"أورفة" "أُرفة" أيضا، فإن معارفنا عنها من ناحية صلتها بالعرب لا تزال ضئيلة، وهي من مدن الجزيرة العليا.

    وقد أزهرت قبل الميلاد، وظهرت مثل جملة مدن في هذه المنطقة، منها : "بتنى" ، ونصيبين، و"سنكارا" Singara أي: "سنجار".
    وقد أدخل "بلينيوس" "الرها" Edessa وCallirhoe = Carrhoe في جملة مدن "العربية", ويقال للرها "أورهة" Orhai = Orrhoe في السريانية , وهي من "ديار مضر" المعروفة باسم Osrhoene = Orrhoene قديمًا, وهي Orroei في تأريخ "بلينيوس", ومن جملة الأرضين الداخلة في العربية ، ومن المدن التي جدد بناءها "سلوقيوس الأول" Seleuces. وعرفت أيضا باسم "أنطوخية"، نسبة إلى "أنطيوخس" Antiochus الرابع.

    وقد تكونت في القرن الثاني قبل الميلاد مملكة في هذه المقاطعة مقاطعة Osrhoene = Orroei, مملكة عَدَّ الكَتَبَة اليونان والرومان ملوكها من العرب ، وعدوا سكانها عربًا كذلك، ويعزو "روستوفتزيف" Rostovtzeff سبب تكونها إلى حالة الفوضى التي ظهرت في "ما بين النهرين" على أثر انحلال دولة السلوقيين واحتلال الفرث "الأشكانيين لها". وذكر "بروكوبيوس" أن هذه المقاطعة إنما دُعيت Osroes نسبة إلى ملك اسمه Osroes كان يحكم هذه الأرض في الأيام الغابرة ، وكان حليفًا للفرس.
    وقد وجدت أسماء ملوك "الرها" مرتبة ترتيبا زمنيا بحسب حكم الملوك في "حولية الرها" Edessene Chronicle المدونة حوالي سنة "540" بعد الميلاد، وفي حوليه أخرى هي "حولية زقنين" على مقربة من "آمد" المدونة حوالي سنة "775" بعد الميلاد ، كما وجدت أسماء بعضهم على نقود ضربت في أيامهم.
    ويظهر من دراسة هذه الأسماء أن بينها أسماء عربية نبطية، مثل : "معنو" وهو "معن" ، و"بكرو" وهو "بكر"، و"عبدو" وهو "عبد" و"سهرو" أو "سحرو" أي : "سهر" أو "سحر"، و"أبجر"، و"مزعور" أو "مذعور"، و"وائل". وقد استدل بعض الباحثين من تسمي ملوك "الرها" بأسماء عربية، ولا سيما الملوك الأولين منهم ومن نص "بلينيوس" على أن كورة Osrhoene هي كورة عربية ، ومن الوضع السياسي العام في الجزيرة Mesopotamia في القرن الثاني وما بعده قبل الميلاد، إذ كانت القبائل العربية قد توغلت في هذه المنطقة، استدل من كل ذلك على أن أهل الرها وحكامها كانوا من أصل عربي.
    وقد نسب بعض أهل الأخبار بناء "الرها" إلى رجل سموه "الرهاء بن البلندي بن مالك بن دعر" "ذعر"، أو إلى "الرهاء بن سبند بن مالك بن دعر بن حجر بن جزيلة بن لخم".
    وذكر "ياقوت" نقلًا عن "يحيى بن جرير النصراني" أن اسم "الرها" هو "أذاسا" في الرومية، وقد بُنيت في السنة السادسة من موت الإسكندر، بناها الملك "سلوقس".
    وقد أخذ "يحيى بن جرير" قوله هذا من كتب سريانية أو يونانية ولا شك, وقد انتزعها المسلمون في سنة "639م" من أيدي الروم.
    ومن آلهة "الرها"، الإلهان: Azizos = Azizus وMonimos، ويرى "موردتمن" Mordtmann أن اسمي هذين الإلهين ليسا إرميين، ولكنهما عربيان أصليان ، وأن أحدهما -وهو Azizus- هو عزيز، والآخر -وهو Monimos- هو عربي كذلك، وهم منعم. ودليله على ذلك ورود اسميهما في الكتابات اليونانية التي عثر عليها في "الكورة العربية" Provincia Arabia, وهما في رأيه من آلهة عرب هذه المنطقة ، وإن أضافهما بعض الكتاب إلى السريان الوثنيين, والإله "بعل" و"نبو".
    وللرها شأن خطير في الأدب السرياني والأدب النصراني وتأريخ النسطورية، وقد أزهرت هذه المدينة خاصة في أواسط القرن الرابع وفي القرن الخامس للميلاد.
    وتنسب إلى ملكها "أبجر" Abgar رسالة قيل : إنه بعثها إلى "المسيح" ومراسلات مع الحواريين الأولين.

    ويراد بـ"كاليرهو" Kallirrhoe = Callirhoe الموضع الذي يعرف اليوم باسم "بركة إبراهيم" "نبع خليل الرحمن".
    وذكر "بلينيوس" أن سكان "الجزيرة" Mesopotamia
    Arabes, Qui Praetavi Vocantur
    عرب, مقرهم Singara، أي سنجار وهو موضع قديم كان معروفًا في أيام الآشوريين.
    ويظن أن "تراجان" نزل به في أثناء سيره على الحضر قطيسفون Ktesiphon.
    أما Emesa = Homesa = Hemesa أي : حمص ، فيشبه تأريخها من أوجه عديدة تأريخ مدينة تدمر؛ فقد حكمتها أسرة عربية، وأزهر تأريخها في الزمن الذي أزهرت فيه حكومات المدن الأخرى التي ظهرت على أثر الضعف الذي حل بالسلوقيين. وتقع في السهل الذي يرويه نهر العاصي Orontes وعلى مسافة ميل منه, وعرفت بـEmesa أيضا عند اليونان والرومان.
    وفي أيام "بومبيوس" كانت مدينة Arethusa المجاورة لحمص، وهي "الرستن"، مقر أسرة عربية حاكمة وفيها ولد القيصر Elagabalus. وبلغت أوج ازدهارها في أيام "سبتيموس سفيروس"Septimius Severus وفي أيام Elagabalus وإسكندر سفيروس Alexander Severus، وكانت أسقفية في عهد البيزنطيين.
    وقد استدل بعض الباحثين من صُوَرِ أسماء ملوك حمص على أصلهم العربي ؛ فالأسماء Sampsigeramus وIamblichus = Jamblichus وAzizus وSoemus هي أسماء تحمل طابعًا عربيًّا خالصًا.
    وهي أسماء ترد في نصوص صفوية وفي نصوص عربية أخرى أيضا، مما يحملنا على الذهاب إلى أن ملوك حمص هم عرب كذلك. فالاسم الأول وهو Sampsigeramus يمكن أن يقرأ "شمس جرم" ، والاسم Jamblichus يمكن أن يكون "يملك" أو "جميل" أو ما شابه ذلك، والاسم Azizo هو "عزيزو"، أي "عزيز"، وأما الاسم Soemus، فيمكن أن يكون "سخيم" أو "سهيم" أو ما شاكل ذلك.

    وقد كان حكام "حمص" المذكورون كهنة يخدمون هيكل "الشمس" شأنهم في ذلك شأن سادات القبائل العربية الذين كانوا كهنة يخدمون آلهة القبيلة, ويتحدثون باسمها بين أتباعهم.

    وقد ذكر "أصطيفانوس البيزنطي" أن شيخًا عربيًّا اسمه "مانيكو" Maniko كون مشيخة في Chalcis أي: "قنسرين" من بلاد الشأم.
    وكانت القبائل العربية قد استقرت في هذه المنطقة قبل أيام "أصطيفانوس" بمدة طويلة. وفي "الحيار"، وهي من أعمال قنسرين، اصطدم الغساسنة بالمناذرة في سنة "554" بعد الميلاد فانتصر الغساسنة على خصومهم انتصارًا كبيرًا.
    ولما استولى الفرس على "قنسرين" وانتزعوها من البيزنطيين، كان للقبائل العربية سلطان واسع في مناطق قنسرين وحلب ومنبج وبالس.
    ويعد "اليطوريون" Ituraean من القبائل العربية البدوية، وهي في التوراة من نسل "إسماعيل" , وهم من نسل "يطور" بن إسماعيل. وتقع أرضهم بين "اللجاة" Trachonitae والجليل، وتسمى "جدورا"، وتقع في جنوب غربي دمشق, وهي من المناطق التي امتزج فيها العرب ببني إرم.
    وقد توسع اليطوريون فدخلوا لبنان وسكنوا البقاع Massyas، واستولوا على "بعلبك" Heliopolis، وتوسعوا نحو الغرب حتى هددوا "جبيل" Byblos وبيروت Berytos. وذلك في أيام ملكهم المعروف بـ"بطلميوس" Ptolmaios بن Mennaios.
    وقد استدل بعض العلماء من حشر التوراة اليطوريين في "الإشماعيليين" ومن اسم Mennaios وهو اسم والد الملك "بطلميوس" الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد، ومن عثورهم على أسماء يطورية في كتابات لاتينية ويونانية تشير إلى أنها أسماء عربية الأصل، استدلوا من هذا كله على أنهم من العرب وإن كانوا قد تأثروا بثقافة بني إرم فقد تأثر بهذه الثقافة أكثر العرب الشماليين.
    ويعلق بعض العلماء أهمية كبيرة على أسماء الأشخاص في إثبات أصولهم. ووجهة نظرهم هذه في الأسماء، هي التي جعلتهم يذهبون إلى أن من ذكرناهم هم عرب في الأصل؛ فإن الطابع الظاهر على أسمائهم هو طابع عربي. وترد تلك الأسماء في الكتابات الصفوية، وأصحابها هم عرب من غير شك وإن دونوا بقلم نبطي وبلغة نبطية فالنبط أنفسهم هم عرب، كما أشرت إلى ذلك في مواضع من هذا الكتاب ، وكما سأشير إلى ذلك في مواضع تأتي.

    إن تدوين أهل الشرق الأدنى لأفكارهم ولما يجول في خاطرهم بلغة بني إرم وقلمهم جعل من العسير على الباحثين الحكم في أصول الشعوب التي دونت بتلك اللغة, والتي عاشت في الهلال الخصيب. ويدفعنا هذا التدوين إلى وجوب اتخاذ موقف حذر ومتأنٍّ في إبداء آراء قطعية في أصول من ذكرنا، فنظرية الحكم على أصول الناس استنادًا إلى أسمائهم وإن بدت أنها نظرية معقولة مقبولة، لكنها مع ذلك غير علمية ، فأكثر أسماء المسلمين في هذا اليوم هي أسماء عربية خالصة، ما في ذلك شك، فهل يجوز لنا أن نستنبط من هذه الأسماء بأن حملتها هم من أصل عربي؟ ثم إن علينا أن نتذكر أن أسماء القبائل والأشخاص عند الشعوب السامية هي متقاربة ومتشابهة، وهي واحدة في كثير من الأحايين ، بل إن علينا أن نتذكر أن ثقافة تلك الشعوب وآراءها متقاربة ، ويعني هذا أن من الواجب علينا ألا نتسرع فنحكم بأن ذلك مأخوذ من هذا الشعب أو من تلك الشعوب ، وأن ذلك الشعب أو هذا هو الأصل. فمسألة تشابه الأسماء وتقارنها في النطق ، لا يمكن أن تكون في نظري ميزانًا توزن به أصول الناس , وهل يعقل أن يكون الأعاجم المسلمون عربًا؛ لأن أسماءهم عربية، أو أن زنوج الولايات المتحدة هم من أصل أوروبي؛ لأن أسماءهم أوروبية؟.

    ويتصل الحديث عن هذه الإمارات بالحديث عن "تدمر" المدينة المعروفة بـ"بالميرا" Palmyra عند الغربيين الذين ورثوا هذه التسمية من الإغريق واللاتين, وهي "تدمر أمورو" في كتابات "تغلات فلاصر الأول" "تغلث فلاسر" "تغلت فلاسر" في رأي بعض الباحثين.

    وسأتكلم عنها بعد حين.


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:48 pm

    【ذكر غارات البجاة بمصر】

    وفيها أغارت البجاة على أرض مصــر وكانت قبـل ذلك لا تغزو بلاد الإسلام لهدنة قــديمة، وقــــد ذكــــرناها فيما مضى، وفي بلادهـم معادن يقاسمون المسلمين عليها ، ويـؤدون إلى عمــال مصــــر نحو الخمس.

    فلما كانت أيــام المتوكل امتنعت عن أداء ذلك، فكتب صاحب البريد بمصر بخبرهــــم، وأنهــــم قتلوا عــدة مــن المسلمين ممــن يعمــل في المعـــادن فهـــرب المسلمون منهـا خــــوفا على أنفسهم، فأنكر المتوكل ذلك ، فشاور في أمرهم ، فذكر له أنهم أهــل بادية أصحــاب إبل وماشية ، وأن الوصول إلى بلادهـم صعب لأنها مفاوز ، وبين أرض الإسلام وبينها مسيرة شهر في أرض قفر وجبال وعــرة ، وأن كل من يــدخلها مـــن الجيـــوش يحتــاج أن يتزود لمـدة يتوهم أنه يقيمها إلى أن يخرج إلى بلاد الإسلام ، فــــإن جاوز تلك المــدة هلك ، وأخــــذتهم البجـاة باليد ، وأن أرضهم لا ترد على سلطان شيئا.
    فأمسك المتوكل عنهم ، فطمعوا وزاد شرهم حتى خـــاف أهل الصعيد على أنفسهم منهــم ، فولى المتوكل محمد بن عبد الله القمي محــاربتهم ، وولاه معونة تلك الكور وهي قفط والأقصر وأسنا وأرمنت وأسوان وأمــــره بمحاربة البجاة، وكتب إلى عنبسة بن إسحاق الضبي عامــــل حـــرب مصر بإزاحة علته ، وإعطائه مـن الجند مــا يحتــــاج إليــــه ، ففعل ذلك.

    وسار محمـــد إلى أرض البجاة وتبعه ممــن يعمل في المعــادن والمتطوعة عالــم كثير ، فبلغت عدتهم نحــوا من عشرين ألفا بين فارس وراجل ووجه إلى القلزم ، فحمل في البحــــر سبعة مراكــب موقــورة بالــدقيق ، والزيت والتمر ، والشعير ، والسويق ، وأمــــر أصحابـه أن يــــوافوه بهــــا في ساحل البحر مما يلي بــــلاد البجاة وسار حتى جــاوز المعادن التي يعمل فيها الــذهب ، وسار إلى حصونهم وقلاعهم، وخرج إليه ملكهم ، واسمه علي بابا، في جيش كثير أضعاف من مــــع القمي، فكانت البجاة على الإبل وهي إبل فرة تشبه المهاري فتحاربوا أيـــاما ولــم يصدقهم علي بابا القتال لتطول الأيام ، وتفنى أزواد المسلمين وعلوفاتهم فيأخذهــم بغيــر حــــرب فـــأقبلت تلك المـــراكب التي فيهــا الأقـوات في البحــــر ففرق القمي ما كــــان فيها مــن أصحابه (فامتنعوا فيها) .
    فلمـــا رأى "علي بابا" ذلك صــــدقهم القتال ، وجمــع لهم ، فالتقوا واقتتلوا قتالا شديدا ، وكانت إبلهم ذعرة تنفر مــن كــل شيء ، فلما رأى القمي ذلك جمــع كل جــرس في عسكره وجعلها في أعنــــاق خيله ، ثـــم حملــوا على "البجــــاة" , فنفــرت إبلهم لأصــوات الأجـــراس , فحملتهم على الجبــــال والأودية , وتبعهــم المسلمون قتــــلا وأسرا، حتى أدركهم الليل، وذلك أول سنة إحـــدى وأربعين ومائتين ، ثـــم رجــــع إلى معسكره ولــم يقــدر على إحصاء القتلى لكثرتهم.

    ثـم إن ملكهم "علي بابا" طلب الأمان فأمنه على أن يــــرد مملكته وبـــلاده فــأدى إليهم الخــراج للمدة التي كان منعها ، وهي أربع سنين ، وسار مــــع القمي إلى المتوكل ، واستخلف (على مملكته) ابنه "بغش" ، فلما وصل إلى المتوكل خلع عليه وعلى أصحابه، وكسا جمله رحلا مليحا وجلال ديباج.
    وولى المتوكل البجاة طريق مصر، ما بين مصر ومكة، سعدا الخادم الإيتاخي، فولى الإيتاخي محمدا القمي، فرجع إليها ومعه علي بابا وهو على دينه، وكان معه صنم من حجارة كهيئة الصبي يسجد له.
    ___________


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:48 pm

    【إمارات عربية شمالية】

    الفصل الثاني
    الجزء الأول :

    لقد استغلت القبائل العربية الضعف الذي ظهر على الحكومة السلوقية فأخذت تزحف نحو الشمال وتهدد المدن القريبة من البوادي وتحاول الاستيلاء عليها. وقد استولت فعلًا على بعضها وكونت حكومات يمكن أن نطلق عليها مصطلح "مشيخة" أو إمارة بحسب مصطلحاتنا السياسية في الزمن الحاضر. وهي حكومات توقفت حياتها على كفاية من كونها وأقام أسسها ، وعلى كفاية من خلف المؤسسين لها من أشخاص. ولذلك كان عمرها قصيرًا في الغالب ، وكان حجمها يتوسع أو يتقلص بسرعة لأن قوة الحكومات بقوة الحكام فإذا كان الحاكم ذا شخصية قوية وإرادة وحزم وذكاء ، أغار على جيرانه وهاجم حدود الدول الكبرى، وأصابها بأضرار تضطرها إلى الاعتراف به رئيسًا على قبيلته وعلى الأعراب الخاضعين لسلطانه ، ويبقى على مكانته هذه ما دام قويا ، فإذا خارت قواه ، أو ظهر منافس له أقوى منه ولا سيما إذا كان منافسه قد جاء حديثًا من البادية بدم نشيط، ومعه قوم أقوياء أصحاب عدد، زعزع عن محله المرموق ، وصار الأمر لغيره وهكذا.

    ويجب ألا ينصرف الذهن إلى أن هذه القبائل كانت قد جاءت إلى بادية الشأم في هذا الزمن أو قبله بقليل فقد سبق أن تحدثت عن وجود الأعراب في هذه البادية قبل هذا العهد بزمان. وقد رأينا كيف حارب الآشوريون الأعراب ، ولم يكن أولئك الأعراب الذين كانوا قد كونوا "إمارات" لهم في البادية من أبناء الساعة بالطبع، بل لا بد أن يكونوا قد هبطوا بها قبل حروبهم مع الآشوريين بزمان لا يعرف مقداره إلا الله، ولا بد أن يكون اتصال عرب جزيرة العرب بهذه البادية اتصالًا قديمًا، فالبادية والهلال الخصيب امتداد لأرض جزيرة العرب والهجرة بين هذه المواضع قديمة قدم ظهور هذه المواضع إلى الوجود.

    لم يكن أمام أعراب جزيرة العرب من مخرج حينما تجف أرضهم ويقضي الجفاف على البساط الأخضر الذي يفرشه الغيث في بعض السنين على سطح الأرض مدة غير طويلة، إلا الهجرة إلى أماكن يجدون فيها الخضرة والماء؛ ليحافظوا بهما على حياتهم وحياة ماشيتهم، وإلا تعرضوا للهلاك.

    والخضرة والخصب لا يكونان إلا حيث يكون الجو الطيب والماء الغزير، وهما متوافران في الهلال الخصيب وفي أطراف جزيرة العرب في الجنوب ، حيث تسعف أبخرة البحر العربي والمحيط تلك الأرضين فتغذيها بالرطوبة وبالأمطار ، لذلك كانت الهجرات إلى مثل هذه الأرضين دائمة مستمرة.

    ويجد أعراب نجد في البادية وفي الهلال الخصيب ملاذهم الوحيد في الخلاص من خطر الفناء جوعًا فيتجهون بحكم غريزة المحافظة على الحياة نحوهما ، غير مبالين بما سيلاقون من صعوبات ، وأية صعوبات تواجه الإنسان أعظم من تحمل الموت جوعًا ويبطء.

    كانت كل قبيلة من هذه القبائل تضرب خيامها في المواضع التي ترى فيها العشب والماء والمغنم, في البادية أو عند الحضر.
    فإذا وجدت للحضر حكومة قوية احترمتهم ، وإن وجدت فيهم ضعفًا هزئت بهم، واستولت على ما عندهم وأخذت ترعى في أرضهم ، ثم هي لا تقبل بكل ذلك بل كانت تفرض عليهم "إتاوة" يؤدونها لهم , مقابل حمايتهم من اعتداء الأعراب الآخرين عليهم.

    وبذلك تمكن سادات القبائل من فرض سلطانهم على بعض المدن كحمص والرُّها والحضر، وغيرها من المدن التي حكمتها أُسَر عربية، في رأي بعض الباحثين.

    وقد وقف الأعراب وقفة تربُّص وتأهُّب من الحكومات القوية المهيمنة على الهلال الخصيب، كانوا يراقبون ويدرسون بذكائهم وبخبرتهم السياسية أوضاعها ، فإذا أحسوا فيها ضعفًا بادروا إلى استغلاله قبل فوات الأوان.

    وللأعراب في هذا الباب حاسة غريبة ذات قدرة كبيرة في إدراك مواطن الضعف عند الحضر وعند الحكومات فإذا تيقنوا بقوة شم حاستهم من وجود ضعف عند الحضر أو عند حكومة ما ، ووجدوا أن في إمكانهم استغلاله في صالحهم جاءوا إلى من وجدوا فيه ضعفًا بشروط تتناسب مع ضعف مركزه، وبطلبات يملونها عليه، قد تكون طلب زيادة "الإتاوات" أي : الجُعَالات السنوية التي تدفع لهم ، وقد تكون السماح لهم بالزحف نحو أرض الحضر والتوسع في الأرضين الخصبة ذات الكلأ والماء ، وقد تكون طلبًا بالاعتراف بسيادتهم على ما استولوا عليه وعلى أعراب البادية ، وما إلى ذلك من شروط، قد تزيد فيها إن وجدت ممن تتفاوض معهم تساهلًا وقد تتساهل إن وجدت منهم شدة وعجرفة وقوة، مع اللجوء إلى الحيل السياسية وذلك بالاتصال سرًّا مع الجانب الثاني المعادي للانضمام إليه وتأييده بحصولهم على شروط أحسن ، وعلى ربح أعلى وأكثر مما يعطيهم أصحابهم الذين هم على اتفاق معهم.
    وسنجد فيما بعد أمثلة على أمثال هذه المفاوضات السياسية السرية تجري مع الفرس وأحيانًا مع الرومان أو الروم.
    وقد علَّمت الطبيعة حكومات العراق وبلاد الشأم دروسًا في كيفية التعامل والتفاهم مع الأعراب. علمتهم أن القوة ضرورية معهم، وأن الصرامة لازمة تجاههم ، لكبح جماحهم والحد من غلواء غزوهم للحدود وللحواضر ، وأن التساهل معهم معناه في نظر الأعراب وجود ضعف في تلك الحكومات، وأن معنى ذلك طلب المزيد. ولذلك أقاموا مراكز محصنة على حواشي الصحارى ، أقاموا فيها حاميات قوية ذات بأس ولها علم بالبادية وبمعاركها ودروبها، ومعها ما تحتاج إليه من "الميرة" والماء. وبنوا فيها "أهراء" أي : مخازن تخزن فيها الأطعمة لتوزيعها على الأعراب عند الحاجة للسيطرة عليهم بهذا الأسلوب , كما خزنوا فيها كميات من المياه في "صهاريج" تحت الأرض ، وحفروا بها الآبار للشرب ، ولتموين الأعراب بها أيضا عند انحباس المطر وحلول مواسم الجفاف.
    وضعوا كل ذلك في حصون محصنة ليس في استطاعة الأعراب الدنو منها أو اقتحامها ، لأن عليها أبراجًا وفي أسوارها الحصينة العالية منافذ يرمي منها الرماة سهامًا تخرج منها بسرعة كأنها شياطين ، تُخيف ابن البادية، فتجعله يتحرج من الدنو من تلك الحصون.

    ونجد اليوم في العراق وفي بلاد الشأم آثار بعض تلك الحصون التي أقامها حكام العراق وحكام بلاد الشأم لصد غارات الأعراب عن أرض الحضر، ولتوجيههم الوجهة التي يريدونها ، حصون منعزلة نائية كأنها جزر صغيرة برزت في محيط من الرمال والأتربة ، بعيدة عن مواطن الحضارة ، عند أصحابها على إقامتها في هذه المواضع؛ لتكون خطوط دفاع أمامية تحول بين أبناء البادية وبين الدنو من مواطن الحضر وتشغل الأعراب بالقتال حتى تأتي النجدات العسكرية فتصطدم بهم إن تمكنوا من اختراق تلك الخطوط.

    وقد علمت الطبيعة حكام العراق وحكام بلاد الشأم أن القوة وحدها لا تكفي في ضبط الأعراب وتوجيههم الوجهة التي يريدونها، علمتم أن جيوشهم النظامية لا تستطيع أبدًا أن تتعقب فلول الأعراب التي تتراجع بسرعة لا تبلغها عادة الجيوش النظامية في الوصول إلى البادية حصن الأعراب الحصين. وعلمتهم أيضا أن جيوشهم متى توغلت في البادية فإن احتمالات اندحارها واندثارها تزيد عندئذٍ على احتمالات الانتصار؛ فالأعرابي هو ابن البادية وهو أخبر بها من الحضر، وهو يعرف مواضع "الإكسير" فيها "إكسير الحياة" وهو الماء. لقد خبر آبارها وخزن الماء في مواضع احتفرها وجعلها سرية فلا يقف عليها إلا خُزَّانها؛ لهذا فإن من الحماقة محاربة الأعراب في ديارهم ، وإن من الخير مداهنتهم واسترضاءهم , وذلك بالاتفاق مع سادات القبائل الأقوياء أصحاب الشخصيات والمواهب، على دفع هبات مالية سنوية لهم ترضيهم في مقابل ضبط الحدود وحمايتها من خطر مهاجمة الأعراب لها وغاراتهم عليها، مهما كان أصل أولئك الأعراب، وفي مقابل الاشتراك مع أولئك الحكام المتحالفين معهم في حروبهم لأعدائهم، إما بتقديم الخدمات الضرورية اللازمة لهم في الحروب، مثل تقديم الجمال لهم لحمل الجنود والأثقال والماء وكل ما يحتاج إليه الجيش في عبوره إلى البوادي.

    وتقرن الجعالات السنوية بهدايا وألطاف يقدمها الحكام إلى سادات الأعراب، وبألقاب مشرفة تبهج النفوس الضعيفة لاستوائهم إلى جانبهم، وبدعوات توجه إليهم في المناسبات لزيارة أولئك الحكام والنزول في ضيافتهم ، فتخلع عليهم الخلع التي تستهويهم وتجعلهم إلى جانب أولئك الحكام.

    ولأجل الوقوف على حركات الأعراب وسكناتهم ، ولمراقبة أعمال سادات القبائل ، وضعت الحكومات مندوبين عنها في مضارب أولئك السادات يتنسمون الأخبار ويبعثون بها إلى الحكام , وقد كانوا في الوقت نفسه بمنزلة المستشارين لهم. وقد يقرنون ذلك بوضع حاميات قوية معهم للدفاع عن أولئك السادات إن جابههم خطر ، أو للضغط عليهم ولردعهم في حالة تفكيرهم بنقض حلفهم مع تلك الحكومات.
    وقد عُرف هؤلاء المستشارون أو "المندوبون الساميون" في عرفنا السياسي في الزمن الحاضر بـ"قيبو" في اللغة الآشورية، وكانوا يرسلونهم إلى مضارب سادات القبال لتوجيههم الوجهة التي يريدها ملوك آشور، وللتجسس عليهم وإرسال أخبارهم إلى أولئك الملوك حتى يكونوا على بيِّنة من أمرهم ، ويتخذوا ما يرون من قرارات تجاههم.
    ولم يكن من العسير على حكام العراق وحكام بلاد الشأم، استبدال سيد قبيلة بسيد قبيلة آخر، إذا ما وجدوا في سيد القبيلة المحالف لهم صدا عنهم أو ميلا إلى عدوهم، أو نزعة إلى الاستئثار بالحكم لنفسه والاستقلال.
    فالبادية أرض مكشوفة، وأبوابها مفتوحة لا تمنع أحدًا من دخولها فإذا جاء سيد قبيلة طامعًا في مركز وأرض وكلأ وماء ، ووجد في عدده وعدته قوة، نافس من نزل قبله، وطمع في ملكه وتقرب إلى الحكام ليحلوه محله، وليأخذ مكانه.
    وإذا وجد أولئك الحكام في القادم شخصية قوية وأنه أقوى من السابق ؛ لأنه ظهر عليه بعدد من معه وبقوة شخصيته ، وأن السيد القديم لم يظل ذا نفع كبير لهم، فلا يهمهم عندئذ إزاحته عن مكانه ، وإحلال الجديد محله.
    وكل ما يطلبه الحكام هو ضمان مصالحهم ، ومن يتعهد بحماية مصالحهم صار حليفهم وصديقهم كائنًا من كان.
    وهكذا البشر في كل مكان وزمان من أية أمة كانوا.

    لقد سيطرت القبائل العربية على شواطئ الفرات وهيمنت عليها في أيام السلوقيين.
    ونجد ساداتها وقد نصبوا أنفسهم عمالًا "فيلاركا" على تلك الشواطئ منذ منتصف القرن الثاني قبل الميلاد وبعده, وتدل أسماء أولئك العمال على أن أصحابها كانوا من أصل عربي ، وأن الأسر التي كونوها هي أسر عربية.
    وكلما كانت أسماء الملوك الأولين لهذه الأسر أسماء عربية ، كانت أكثر دلالةً على أصل أصحابها العربي.

    فقد جرت العادة أن الملوك المتأخرين يتأثرون بتيارات زمانهم الاجتماعية وبرسومه وعاداته، فيتخذون ألقابًا وأسماء يونانية أو سريانية أو فارسية ، تظهرهم وكأنهم من أصل يوناني أو سرياني أو فارسي ، على حين هم من أصل عربي ، ولهذا كانت لأسماء مؤسسي الأسر أهمية كبيرة في إثبات أصل الأسرة.

    وقد استغل الأعراب أهمية الطرق البرية التي تمر بالبوادي ، وهي شرايين التجارة العالمية بالنسبة لذلك الوقت ، فتحكموا في مسالكها واستغلوا أهمية الماء بالنسبة للقوافل والجيوش فلم يكن في وسع جيش قطع البادية من غير ماء وأخذوا يعاملون المعسكرين : المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي وهو المعسكر الروماني وفقًا لحاجتهما إلى هذه الطرق والماء ويفرضون على المعسكرين شروطًا تتناسب مع مواقفهما العسكرية ومع الأحوال السائدة بالنسبة لتلك الأيام وصاروا يجبرون كل معسكر من المعسكرين على تقديم أحسن الترضيات لهم؛ لتقديم خدماتهم له، والانضمام إليه ضد المعسكر الشحيح البخيل.
    ومن هذه الإمارات: إمارة الحضر وإمارة "الرُّها" Edess ، وإمارة "الرستن - حمص" Arethusa – Emesa وإمارة "سنجار" Singara، وحكومة تدمر، ثم حكومة الغساسنة في بلاد الشأم، وحكومة المناذرة في العراق.
    ويلاحظ أن بعض هذه الحكومات تكونت في مدن كانت قديمة عامرة، سكانها من غير العرب ، ومع ذلك صارت مقرًّا لأسر حاكمة عربية باستيلاء تلك الأسر عليها وبإخضاعها لحكمها واتخاذها مقامًا لهم، فصار الحكم عليها في أيدي تلك الأسر. أما المحكومون فهم السكان الأصليون، وغالبهم من غير العرب ولسانهم هو لسان بني إرم في الغالب.
    وهناك إمارات تكونت على أطراف الحضارة، وفي مواضع الماء والكلأ في البادية، أو في مواضع غير بعيدة عن حدود الحاضرة من العراق وبلاد الشأم، وخاصة في العُقَد التي تتصل بها طرق القوافل , ويعود الفضل في تكونها وظهورها إلى هذه الأمور المذكورة ، ولا سيما موضعها من خطوط سير القوافل، حيث يتقاضى سادات تلك المواضع "إتاوات" عن التجارة التي تمر بها ، وعن التجارة التي تحمل إليها لبيعها في أسواقها فيتجمع لهم دخل لا بأس به من هذه الجباية التي قد ترتفع أحيانًا حتى تصل إلى درجات التعسف بالتجار. ويكون سادات هذه المواضع أصحاب حظ عظيم إذ كانت مواضعهم عصبًا ضروريًّا رئيسيًّا في تجارة البادية، بحيث لا تجد القوافل الكبيرة المحملة بالتجارة النفيسة بدًّا
    من المرور منها، فإن دخلهم يكون حينئذٍ كبيرًا ، يحملهم على التوسع والطموح, وعلى السيطرة على الآخرين بقدر الإمكان.
    وكما كانت القوافل التجارية والطرق البرية رحمة للمستوطنات الصحراوية التي نشأت وتكونت عند عقد العصب الحساس لهذه الطرق كذلك صارت تلك الطرق نقمة على تلك المستوطنات ، إذ طالما قضت عليها وحكمت عليها بالموت، فقد يجد التجار وأصحاب القوافل طرقًا أسهل وأقصر في قطعهم للبادية ، أو معاملة أطيب من سيد قبيلة منافس أو حماية عسكرية أقوى ، فيتحولون عن تلك الطرق المسلوكة إلى طرق أخرى، فتموت بذلك المستوطنات المقامة عليها ، ويضطر أهلها إلى تركها إلى مواطن جديدة.
    وقد كان لاستخدام الطرق المائية من طرق نهرية وبحرية، أثر كبير في إماتة الطرق البرية أو في منافستها كذلك كان للطرق البرية ولا سيما الطرق العسكرية الممهدة التي أقامها الرومان والروم في بلاد الشأم، أو الفرس في العراق أثر كبير في القضاء على المستوطنات التي نشأت في البوادي إذ فضل التجار السير في هذه الطرق المأمونة التي لا يتحكم فيها سادات القبائل في مقدراتهم، ولا يدفعون ضرائب مرور عن الأرضين على تلك الطرق الموحشة المقفرة المملوءة بالمخاطر والتي يتحكم فيها أبناء البادية في مقدرات التجار ، فيفرضون عليهم ضرائب مرور من أرضهم كما يشاءون من غير تقدير لما سيجر ذلك عليهم وعلى التجار من أضرار. وبذلك أعان أبناء البادية بأنفسهم على إماتة مستوطناتهم في بعض الأحيان.

    ويظهر من "جغرافية" "سترابو" أن أرض الجزيرة ومنطقة الفرات والبادية المتصلة ببلاد الشأم، كانت في حكم سادات قبائل ، يحكمون وكأنهم "عمال" فيلارك" Phylarchus.

    وكان بعض هؤلاء يحكمون أرضين صغيرة ، وحكمهم حكم "مشايخ القبائل" في عرف هذا اليوم :
    يشتغل أتباعهم بالرعي ، وبعضهم يشتغلون بالزراعة، وآخرون بالتجارة.

    وكان قسم منهم أعرابًا يتنقلون في البادية ، ومنهم أشباه أعراب ، ولا سيما أولئك القاطنين على ساحل العقبة ، أي خليج "أيلة" وقد استغل هؤلاء الأعراب طبيعة أرضهم، فكانوا يجبون "العشر" من التجار ، أو يشتغلون هم أنفسهم بالاتجار أو يقومون بنقل التجارة لحساب غيرهم من التجار.

    وقد كان الأعراب هم الوحيدين الذين في استطاعتهم حماية الطرق البرية الممتدة بين العالم المتحضر القديم : العراق وبلاد الشأم ، فهم وحدهم سادة البوادي ، وفي أيديهم "إكسير الحياة" الماء , لهم آبار أو عيون ، و"صهاريج" سرية يخزنون فيها الماء. ولهم مخازن احتياطية مملوءة بهذه المادة الثمينة الضرورية للحياة، يملئونها من أماكن قد تكون بعيدة عنهم ثم يحملونها معهم حيث ذهبوا وإلى منازلهم.
    وهي قِرَبٌ كبيرة يصنعونها من الجلد تمونهم بالماء ، وتمون القوافل المارة بهم بما يحتاجون إليه وبما يكفيهم للتنقل من منزل إلى منزل آخر.

    وقد أطلق اليونان على أكثر هؤلاء اسمScentitae = Skenitai ، بمعنى الساكنين في الخيام , لأن "السكينة"Skenai = Skynai معناها الخيمة والبيت ، وهي تقابل لفظة "سكوت" "سكوث" Sukkot في العبرانية ، التي تعني الخيمة والبيت أيضًا.

    والـ"سكينيتة" Skenitai ، هم كما قلت أهل الخيام، الخيام المصنوعة خاصة من شعر المعز ، وهم أعراب يقطنون البادية وطرفي العراق والشأم ، تمتد منازلهم في بلاد الشأم حتى تبلغ الخط الممتد بين Europus وThapascus في الشمال على رأي "بلينيوس" , وتمتد في الغرب حتى تبلغ حدود Apamea على رأي "سترابون".

    أما حدود مجالات هؤلاء الأعراب من الشرق، فتمتد من أعالي الفرات حتى تبلغ ملتقاه بدجلة في الجنوب على رأي "سترابون" كذلك. ويفصلهم النهر عن منازل قبيلة "أتالي" Athali في كوره Characene.

    وذكر "سترابو" أن سادات "سكان الخيام" كانوا يجبون الضرائب من التجار في أثناء مرورهم بمناطق نفوذهم ، وكان بعضهم يشتط عليهم فيتقاضى منهم ضرائب عالية، ولا سيما أولئك الذين ينزلون على ضفتي النهر، فتجنب التجار المرور بمناطقهم، ومنهم من كان يتساهل فيعاملهم بلطف ورعاية.

    وذكر أيضا أن الرومان وسادات الأعراب كانوا يسيطرون على الجانب الغربي للفرات حتى إقليم بابل، وأن فريقًا من سادات القبائل كانوا يشايعون الرومان، وفريقًا آخر كان يشايع الفرس, وأن الذين كانوا يسكنون على مقربة من النهر كانوا أقل ميلا وتوددا إلى الرومان من الذين كانوا يقيمون على مقربة من العربية السعيدة.

    وبلغت منازل الـ"السكينيتة" سكان الخيام حدود مملكة "حدياب" Adiabene والجبال في العراق على رأي "سترابو". ويذكر "سترابو" أن من هؤلاء رعاة، وأن منهم متلصصين، يغزون وينهبون، ويتنقلون من مكان إلى مكان حيث يكون المرعى، أو تتوافر الغنائم والأموال وأن طريق بابل و"سلوقية" إلى الشأم الذي يسلكه التجار يمر في أرض جماعة من هؤلاء الأعراب يعرفون بـMalli في أيامه, لهم البادية يتحكمون فيها كيفما يشاءون.
    ولا نجد في كتاب "سترابو" شيئًا يتعلق بأصل "السكينيتة"، سكان الخيام، وبالزمن الذي ظهرت فيه هذه التسمية. وقد ذكر أن من مواطنهم مدينة اسمها Skenai، وهي معروفة عندهم، تقوم على "قناة" على حدود أرض "بابل" وعلى بعد ثمانية عشر "شوينوى" Schoinoi من مدينة "سلوقية"، كما ذكر أنهم يسمون الآن باسم آخر، هو: "ملوي" Malioi "مالي" Malli.
    وقد ذهب الباحثون مذاهب عدة في تعيين موضع مدينة Skenai، إن جاز التعبير عنها بلفظة "مدينة" فذهب بعضهم إلى أنها "عُكْبَرا" وذهب بعض آخر إلى أنها "الحيرة" فالحيرة بمعنى المخيم والمعسكر وهو معنى قريب من معنى لفظة Skenai.
    وذهب آخرون إلى أنها "مسكين" أو "مسجين"، وهو موضع يقع شمال بغداد، أو "بيت مشكنة".
    ولكلٍّ رأيٌ ودليلٌ في اختياره لذلك المكان.
    ويظهر من وصف "سترابو" لأحوال "سكان الخيام"، أي : الأعراب ، أنهم كانوا كثرة، وقبائل تنتقل مع الماء والكلأ. أما الـMalioi، فإنهم كان منهم أشباه مستقرين، وآخرون مستقرون تكاد منازلهم تكون ثابتة، ولهم نظام يمكن أن نسميه نظام حكومة، ويدير شئونهم سادات منهم، يشرفون على أعرابهم ويرعون طرق القوافل التي تمر بأرضهم؛ لأنها تأتي لهم بفوائد كبيرة.

    ومن الإمارات التي يرجع كثير من الباحثين أصول حكامها إلى أصول عربية: الحضر Hetra، و"إمارة حمص" Emesa و"إمارة الرها" Edessa، والرصافة، وتدمر، وإمارات أخرى. وهي إمارات لا يمكن أن نقول: إن ثقافتها كانت ثقافة عربية وإن غالب سكانها كانوا من العرب ولكننا نستطيع أن نقول : إن العرب كانوا يتحكمون فيها، وإن هنالك أدلة تزداد يومًا بعد يوم تزيد في الاعتقاد بأن العنصر العربي كان قويًّا فيها وأن سكانها كانوا عربًا، ولكنهم تأثروا بالمحيط الذي عاشوا فيه، فتثقفوا على عادة تلك الأيام بثقافة بني إرم واتخذوا من لسان بني إرم لسانًا لهم في الكتابة ، ومن قلم بني إرم قلمًا لهم يكتبون به, ويعبرون عن إحساسهم وشعورهم وعلمهم به.

    أما "الحضر" ، فهي اليوم آثار شاخصة في البرية بوادي الثرثار جنوب غربي الموصل، على بعد "140" كيلومترًا منها. ولعلماء الآثار آراء في أصل التسمية، فمنهم من ذهب إلى أنها من أصل إرمي، ومنهم من ذهب إلى أنها من أصل عبراني إرمي، ومنهم من رجح أنها من أصل عربي، بمعنى "الحيرة" أي: "العسكر"، وقد عرف بـ"أترا" Atra وAtrai في اليونانية، وبـ"هترا" Hatra في اللاتينية. وهي "حطرا" في الكتابات التي عُثر عليها في الحضر.
    ويرى "هرتسفلد" E. Herzfeld أن القبائل العربية هي التي أسست هذه المدينة، أسستها في القرن الأول قبل الميلاد حصنًا منيعًا أقام ساداتها فيه مستفيدين من الخلاف الذي كان بين الفرث واليونان، حيث استغلوه بذكاء وحنكة، فحصلوا على أموال من الجانبين، لما لموضعهم من الشأن العسكري والسياسي والاقتصادي. وكانوا كلما ازداد مالهم وبرزت أهميتهم، ازدادت المدينة توسعًا وبهاء وعمرانًا، حتى صارت مدينة كبيرة ذات شأن، سكنتها جاليات أجنبية أيضا، أنجزت, وتولت الوساطة في البيع والشراء، ونقل تجارة آسية إلى تجار أوروبا، وتجارة أوروبا وحاصلاتها إلى تجار آسية.

    وقد قوَّت الكتابات الإرمية التي عثر عليها في "الحضر" سنة "1951م" رأي "هرتسفلد"، القائل بأن الذين أسسوا هذه المدينة هم قبائل عربية وذلك لورود أسماء عربية فيها مع أسماء إيرانية وإرمية. وقد وجد أن نسبة الأسماء العربية تزيد على نسبة الأسماء العربية في كتابات مدينة "تدمر"، وهي مكتوبة بلغة "بني إرم" كذلك، وهذا مما يدل على وجود جالية عربية قوية في الحضر. ولكن ذلك لا يعني في الزمن الحاضر أن غالب السكان كانوا عربًا.

    وقد نُعت رئيس معبد الحضر الكبير بـ"سادن العرب" ، على غرار تلقيب ملوك الحضر أنفسهم بـ"ملوك العرب".
    واسم هذا السادن، هو "أفرهط"، وقد قال عن نفسه: "رب ي تا دي عرب" أي : "أفرهط سادن العرب" ، وذكر مترجم النص أن المألوف في كتابات الحضر أنها لا تنسب الكاهن إلى عبدة الإله أي : المتعبدين، ولكن تنسبهم إلى الآلهة بأن يكتب "سادن الإله ... "، لا "سادن عبدة الإله ... "، كما هو في هذا النص، ويرى مترجمه أن "أفرهط" قد خالف المألوف، وخالف عادة القوم، تقليدًا لما فعله الملك "سنطروق" ملك الحضر من تلقيب نفسه بـ"ملك العرب" "ملك الأعراب".

    وقد عثرت مديرية الآثار العامة في العراق على نص وسمته بـ"79" من النصوص التي عثر عليها في الحضر، جاء فيه اسم المدينة "الحضر" لأول مرة، فلم يسبق ورود هذا الاسم في نصوص سابقة.
    وقد ورد على هذا الشكل: "حطرا" على نحو ما ينطق به في لغة "بني إرم"، كما وردت فيه جملة :
    "وبالحظوظ العائدة إلى العرب" وهي جملة ذات دلالة مهمة بالطبع؛ لأنها تشير إلى العرب ووجودهم في هذه المنطقة، كما ذكر فيه "عربايا" "عربواو"، ولاسم إقليم "عربايا" شأن كبير؛ لأنه نسبة إلى العرب، وفيه تقع مدينة الحضر.

    أما أسماء ملوك الحضر، فهي أسماء غير عربية النجار ، يظهر على بعضها أنها إيرانية ، وعلى بعض آخر أنها إرمية , غير أن علينا أن نفكر في أن التسميات لا يمكن أن تكون أدلة يستدل بها على أصل الناس. فقد كانت العادة تقليد الأجانب ومحاكاتهم في اختيار أسمائهم، ولا سيما عند الحكام والملوك, فقد كانوا يختارون لهم في كثير من الأحيان أسماءً أو ألقابًا من الدول القوية التي تتحكم في شئونهم والتي لها سلطان عليهم. فقد لقب جماعة من ملوك "اليطوريين" أنفسهم بـ"بطلميوس" ولقب نفر منهم أنفسهم بـ"ليسنياس" Lysanias وبـ"فيلبيون" Philippion ، وهي من التسميات اليونانية ، مع أن اليطوريين ليسوا يونانيين.
    كذلك نجد اللحيانيين يقلدون اليونان ، فيلقبون أنفسهم بـ"بطلميوس"، مع أنهم عرب ، وهكذا قُلْ عن أهل "الرها" و"تدمر" وأمثالهم فإنهم هم وملوكهم قد قلدوا اليونان في أسمائهم وفي اتخاذ ألقاب يونانية لهم وهم مع ذلك ليسوا من اليونان ؛ ولهذا لا نستطيع أن نحكم على أصل الإنسان استنادًا إلى الألقاب والأسماء.
    وينطبق هذا الرأي على ملوك الحضر أيضًا, فإن "سنطروق" وهي تسمية إيرانية فرثية، لا يمكن أن تقوم دليلًا على أن أصله من الفرث.

    ويلاحظ أن كثيرًا من كتابات الحضر لا يكتفى فيها بذكر اسم الشخص واسم أبيه، وإنما يذكر فيها اسم جده أيضا، واسم والد جده أحيانا, وقد عثر على كتابة ورد فيها اسم ستة أجداد. ونجد هذه الطريقة في الكتابات الصفوية كذلك، وقد استدل "إينو ليتمان" E. Littmann من طريقة تدوين الصفويين لأنسابهم على هذه الصورة على أنهم عرب؛ لأن العرب يعتنون بالنسب أكثر من عناية غيرهم به، فيذكرون أسماء الآباء والأجداد. ولذهاب بعض أهل الحضر هذا المذهب في تدوين أنسابهم، رأى بعض الباحثين أن أصحاب هذه الكتابات هم من أصل عربي.

    تابع الجزء الثاني 》》》》


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:49 pm

    【سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت】

    الجـــزء الرابع :

    إن مما يؤسف عليه حقًّا أن هذا النص لم يذكر أسماء القبائل التي هربت من "رحبتن" "رحبت" "الرحبة" خوفًا من الهلاك. وعلى الجملة، فالمستفاد منه بكل صراحة أن القبائل التي كانت تقطن هذه المنطقة تفرقت وتشتتت لتهدم السد, وفيه دليل على وجود أصل تأريخي للروايات العديدة التي يرويها الأخباريون عن تهدم سد مأرب وتفرق سبأ.
    ولكننا لا نستطيع بالطبع أن نقول : إن هذا الحادث الذي وقع في أيام "شرحبيل" هو الحادث المقصود في روايات الأخباريين ، وهي روايات يتغلب عنصر الخيال والابتداع والمبالغات فيها على عنصر الحقيقة والتأريخ.

    وفي النص كما نرى ونقرأ جملة مهمة تشير إلى انتشار عقيدة التوحيد في ذلك الزمن بين اليمانيين ، وإلى الابتعاد عن آلهة اليمن القديمة وتشير إلى ظهور "إله السماء والأرض" أو "إله السماوات والأرض" ، فهو إله واحد، يرعى ملكوت السماء والأرض.

    وفي هذه العقيدة اعتقاد بوجود إله واحد, فقد ورد في النص: "بنصر وردا الهن بعل سمين وأرضن" ، أي "بنصر وبعون الإله رب السماوات والأرض" ، وهي عقيدة ظهرت عند أهل اليمن بعد الميلاد بتأثير اليهودية والنصرانية ولا شك.

    وفي جملة "الهن ذلهو سمين وأرض" الواردة في النص : Ryckmans 507 ومعناها : "الإله الذي له السماوات والأرض" ، تعبير عن التوحيد أيضًا, وهي من نص يرجع إلى هذا الملك أيضا. فنحن إذن في عصر أخذت عقيدة التوحيد تنتشر فيه.
    وقد انتقل الحكم بعد "شرحبيل يعفر" "شرحب إيل يعفر" إلى "عبد كلال" "عبد كللم" "عبد كلالم" على رأي "هومل", وجاراه "فلبي" في رأيه هذا، وجعل حكمه منذ سنة "455م" حتى سنة "460م". ولم يشرح "هومل" الأسباب التي دفعته إلى اعتبار "عبد كلال" ملكًا.

    أما "فلبي"، فرأى أنه كان كاهنًا وسيد قبيلة, ثار على ملكه؛ طمعًا في الملك أو إخمادًا للثورة التي أجج الملك نيرانها على آلهة قومه، فغلبه، وربما كان ذلك بفضل مساعدة مملكة "أكسوم" له. ولكنه لم ينعم بالملك طويلًا، فلم يزد مدة حكمه على خمس سنين.
    وقد ورد اسم "عبد كلال" في النص الموسوم بـGlaser 7 , وذكر معه اسم "هنام" "هنم" "هانئ" و"هعلل" وهما ابناه. ووردت بعد أسمائهم عبارة : "ألهت قولم" ، أي : "سادة أقيال" ، وهي جملة تدل على أنه هو وابنيه كانوا أقيالًا، فإن كانت كلمة "قولم" اسم علم، صار معناها "آلهة قولم"، أي "سادة قول"، على اعتبار أن "قول" اسم قبيلة، ولا يفهم من التفسيرين على كل حال أن "عبد كلال" كان ملكًا.
    وقد دون هذا النص عند بنائهم بيت "يرت" : "براو وهشقرن بتهمو يرت" وذكرت بعد هذه الكلمات جملة: "بردا رحمنن" أي : "بعون الرحمن" وذلك في سنة "573" من التأريخ الحميري، المقابلة لسنة "458" الميلادية. وليست في هذا النص إشارة لا إلى ثورة, ولا إلى ملك، ولا إلى تعلق بآلهة قديمة ودفاع عنها بل الأمر على العكس، فجملة "بردا رحمنن" تدل على أنه كان مثل "شرحبيل يعفر" موحدًا أيضا، يدين بإله واحد، هو "الرحمن" الذي ظهرت عبادته متأخرة كذلك، وأنه لم يكن على دين أجداده في عبادة "المقه" وبقية الأصنام.
    وذكر الأخباريون أن من ملوك حمير ملكًا اسمه "عبد كلال"، وكان مؤمنًا يدين بدين المسيح، فآمن بالنبي قبل مبعثه.
    ومن ولده "الحارث بن عبد كلال" وهو أحد الملوك الذين وفدوا على رسول الله من ملوك حمير، فأفرشهم رداءه، وهم : "الأبيض بن حمال" و"الحارث بن عبد كلال"، و"أبرهة بن شرحبيل بن أبرهة بن الصباح" و"وائل بن حجر الحضرمي", يضاف إليهم "جرير بن عبد الله البَجَليّ" و"عبد الجد الحكمي" في رواية أخرى. ودون اسمه في نسخة "كتاب التيجان" المطبوعة على هذه الصورة "عبد كاليل بن ينوف"، وجعل ملكه أربعًا وستين سنة، وذكر أنه حكم بعد "عمرو بن تبان"، وأنه كان مؤمنًا على دين عيسى، ولكنه ستر إيمانه.
    وجعله بعض المؤرخين "عبد كلال بن مثوب"، وذكروا أنه وثب على ملك التبابعة بعد وفاة "عمرو بن تبان أسعد" عن أولاد صغار ، وأكبرهم استهوته الجن ، فملك أربعًا وتسعين سنة، وهو تبع الأصغر، وله مغازٍ وآثار بعيدة, فلما توفي ملك أخوه "مرثد" وقد ملك سبعة وثلاثين عامًا.

    ومن روايات الأخباريين هذه ومن تشابه الاسمين، استنتج "فون كريمر" و"هومل" وغيرهما أن "عبد كلال" المذكور في النص هو "عبد كلال" المذكور عند الأخباريين، وأنه كان لذلك ملكًا.

    و"عبد كلال"، هو رجل ثائر لم يكن من أبناء الملوك وإنما اغتصب العرش اغتصابًا على رأي أهل الأخبار ، وقد زعم بعضهم أن الذي حكم بعده أخوه لأمه واسمه "مرثد" وقد حكم سبعًا وثلاثين سنة. ثم ملك من بعده ابنه "وليعة بن مرثد" ، ثم ملك من بعده "أبرهة بن الصباح بن لهيعة بن شيبة بن مرثد بن ينف بن معد يكرب بن عبد الله بن عمرو بن ذي أصبح ، الحارث بن مالك" ، وقيل : إنما ملك تهامة فقط.

    وذكر "الهمداني" أن "عبد كلال", ونعته بـ"الكبر ذي الحدث"، كان قائد "حسان بن تبع", وكان على مقدمته إلى اليمامة يوم قتل جديسًا وقريش تقول : إن "حسان بن عبد كلال هذا حاربهم وأسروه". ثم ذكر أن "حسان بن عبد كلال بن ذي حدث الحميري" أقبل من اليمن "في حمير وقبائل من اليمن عظيمة، يريد أن ينقل أحجار الكعبة من مكة إلى اليمن ليجعل حج الناس البيت عنده وإلى بلاده، فأقبل حتى نزل نخلة ، فأغار على سرح الناس ومنع الطريق، وهاب أن يدخل مكة، فلما رأت كنانة وقريش وقبائل خندف ومن كان معهم من أفناء مضر ذلك ، خرجوا إليه ورئيس القوم يومئذٍ "فهر بن مالك"، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فهزمت حمير وأسر حسان بن عبد كلال ملك حمير ، أسره الحارث بن فهر ، وقتل في المعركة فيمن قتل: قيس بن غالب بن فهر.

    وكان حسان عندهم بمكة أسيرًا ثلاث سنين، حتى افتُدِيَ منهم ، فخرج به، فمات بين مكة واليمن".

    وقد عَلَّق "الهمداني" بعد ذلك على هذا الخبر ، فقال : "ما سمعت العلماء ولا أحدًا من عُرَّاف حمير ، يثبت هذه الحرب التي كانت بين حمير وقريش ، وإنما كانت خزاعة الغالبة في عصر فهر على مكة، ولم يكن هَمَّ بحمل حجارة البيت سوى تبع بمشورة هذيل بن مدركة". فهو مثل سائر أهل اليمن المتعصبين لقحطان لا يؤيد خبر تلك الحرب، التي تجعل النصر لأهل مكة, ويضع تبعة ما يذكره أهل الأخبار من نقل حجارة الكعبة إلى اليمن على عاتق "هذيل بن مدركة"، من سادات مكة.

    وشهدت اليمن في سنة "460" للميلاد أو قبل ذلك بقليل ملكًا جديدًا اسمه "شرحبيل يكف" "شرحب ال يكف" "شرحب إيل يكوف"، كانت نهاية حكمه في سنة "470" للميلاد على تقدير "هومل" و"فلبي" , وهو ملك لا نعرف اسم أبيه، ولا نعرف علاقته بالملك السابق.
    ويرى "فلبي" أنه على الرغم من هذا اللقب الطويل : "ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في الأطواد وفي تهامة"، الذي يشير إلى تملك صاحبه العربية الجنوبية الغربية فقد ظل الأحباش في بقعتهم الضيقة التي ارتكزوا عليها يحاربون حكومة "حمير" وهم البقية الباقية من عهد الاحتلال السابق.

    وقد جاء اسم "شرحب إيل يكف" "شرحبيل يكف" في كتابة مؤرخة بسنة "575" من التقويم الحميري، المقابلة لسنة "460" للميلاد.
    وقد وردت في الكتابة جملة : "رحمنن وبنهو كرشتش غلبن" ، أي : "الرحمن وابنه المسيح الغالب"، وقد استعمل لفظة "كرشتش" في مقابل لفظة Christus, مما يدل على أن صاحبها نصراني. وقد استعمل المصطلح اليوناني، ويظهر أن نصارى اليمن كانوا قد أخذوه من المبشرين، وعربوه على الصورة المذكورة.

    وقد ذكر بعد تلك الجملة اسم الملك ونعته الذي هو : "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في النجاد وفي التهائم".

    وقد بقي من تأريخ النص اسم الشهر وهو "ذ حجت"، أي: "ذو الحجة" "ذو حجة" والعدد الأول من اسم السنة وهو خمسة. ويرى "فلبي" احتمال كون السنة "585" أو"575" من التأريخ الحميري، أي سنة "470" أو "460" للميلاد.
    وورد اسمه في كتابة أخرى ناقصة, وقد سقطت منها حروف وكلمات.

    وقد ذهب "جامه" إلى أن "شرحبيل يكف" "شرحب إيل يكوف"، كان قد حكم حكمًا منفردًا، وذلك من سنة "570" حتى سنة "580" من التقويم الحميري، ثم أشرك معه أولاده الثلاثة في الحكم، وذلك من سنة "580" حتى سنة "585" من التقويم المذكور، ثم حكم مع ولدين من ولده، وذلك من سنة "585" حتى سنة "590" من التقويم الحميري, ثم حكم ابنان من أبنائه وذلك من سنة "590" حتى سنة "595" من التقويم المذكور، ثم حكم من بعدهما "معد يكرب ينعم" حكمًا منفردًا وذلك من سنة "595" حتى سنة "600" من ذلك التقويم، ثم خلفه "عبد كلال" الذي حكم من سنة "600" حتى سنة "602" من التقويم الحميري.

    ووصل إلينا نص أرخ بسنة "582" من التأريخ الحميري أي: سنة "467" للميلاد ، وفيه كلمات مطموسة ، منها كلمة أو كلمات سقطت بعد كلمة "شرحب إيل" "شرحبيل"، وبعدها "معد كرب ينعم" "معد يكرب ينعم". ويستدل بتأريخ هذا النص على أن المراد بـ"شرحبيل" "شرحب إيل" الملك "شرحبيل يكف" "شرحب إيل يكف" الذي نتحدث عنه. ولم يرد في هذا النص اسم ابن آخر من أبنائه غير هذا الابن، وهو "معد كرب ينعم" "معد يكرب ينعم".

    وقد وجد مدونًا في إحدى الكتابات أسماء ثلاثة أولاد من أولاد "شرحبيل يكف"، هم: "نوفم" "نوف" "نوَّاف" "نائف"، و"لحيعت ينف" "لحيعث ينوف"، و"معد يكرب ينعم" وقد نعتوا جميعًا بالنعت الملكي المعروف, مما يدل على أنهم كانوا قد اشتركوا جميعًا في الحكم.

    وقد ورد اسم "شرحبيل يكف" في عدد من كتابات أخرى, وقد ذكر معه في بعضها اسم ولدين من أولاده هما: "لحيعت ينف" و"معد يكرب ينعم" "معد يكرب ينعم"، وقد لقبا بلقب "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في الجبال وفي تهامة"، مما يدل على أنهما حكمَا حكمًا مشتركًا وكان ملكيْنِ.

    وحكم بعد "شرحبيل يكف" -في رأي "هومل"- ولداه "معد يكرب يهنعم" و"لحيعثت ينف" "لحيعث ينف" "لحيعث ينوف" ، وذلك من حوالي سنة "470م" حتى سنة "495م".

    أما "فلبي"، فقد وضع في قائمته التي رتبها في كتابه "سناد الإسلام" لملوك سبأ، اسم "نوف" بعد اسم "شرحبيل يكف"، وقدر مدة حكمه منذ سنة "470م" حتى سنة "480" "490م" ووضع اسم "لحيعثت ينف" بعده، وجعل مدة حكمه منذ سنة "480ب. م." حتى سنة "500ب. م.".
    و"لحيعثت ينف" هو "لخيعة بن ينوف ذو شناتر" المذكور عند أهل الأخبار, وقد زعم بعضهم أنه حكم سبعًا وعشرين سنة.
    وقد ورد اسم "معد يكرب يهنعم" "معد يكرب ينعم" واسم شقيقه "لحيعثت ينف" "لحيعت" في النص: Ryckmans 264 وفي النص: CIH 620, وورد اسم "لحيعثت" وورد معه اسم "نوف"، وهو شقيقه في النص: Ryckmans 203.

    وقد ذكر "فلبي" أنه في حوالي سنة "495م" شبَّت ثورة قام بها "مرثد ألن" "مرثد علن" ، غير أنها أحبطت. ووضع بعد اسم "لحيعثت ينف" اسم "معد يكرب ينعم"، وقدر مدة حكمه بعشر سنين، منذ سنة "490م" حتى سنة "500م" ، أي : إنه شارك ، على رأيه، أخاه في الحكم.

    أما الذي حكم بعد الأخوين "معد يكرب يهنعم" و"لحيعثت ينف" -في رأي "هومل"- فهو "مرثد ألن" وقال : إنه قد حكم من حوالي سنة "495م" حتى سنة "515م".

    أما "جامه" ، فقد وضع اسم "عبد كللم" "عبد كلالم" ، أي : "عبد كلال" بعد اسم "معد يكرب ينعم" ، وقد جعل حكم "معد يكرب" فيما بين السنة "595" والسنة "600" من التقويم الحميري ، أي : بين سنة "480" أو "486" للميلاد والسنة "485" أو "491" للميلاد , وجعل حكم "عبد كلال" فيما بين السنة "600" والسنة "602" من التقويم الحميري ، أي: سنة "485" أو "491" للميلاد ، والسنة "487" أو "493" للميلاد.
    ثم جعل فراغًا لا يدري من حكم فيه جعله يمتد من السنة "602" حتى السنة "610" من التقويم الحميري أي: ثماني سنين، ثم ذكر بعده اسم الملك "مرثد ألن ينف" "مرثد علن" "مرثد علان" ، وجعل حكمه من سنة "610" حتى السنة "620" من التقويم الحميري أي: من سنة "495" أو "501" حتى السنة "505" أو "511" للميلاد.

    ووصل إلينا نص وُسِمَ بـCIH 596، وهو ناقص ويا للأسف، ورد فيه اسم الملك "مرثد ألن ينف" "مرثد ألن ينوف" وقد لقب فيه باللقب المألوف: "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في الجبال وفي التهائم" ، يظهر أنه الملك "مرثد ألن" الذي عناه "هومل". وقد أصيبت أسطر النص بأضرار، أتلفت كلمات منه وأفسدت علينا المعنى. وقد وردت في السطر السابع منه كلمة "ومهرجتم" مما يفهم أن حربًا وقعت في البلاد في تلك الأيام فـ"الهرج" في العربيات الجنوبية بمعنى الحرب وأن فتنة حدثت ، لا ندري سببها.

    ومهما يكن من شيء ، فهي لم تكن بعيدة عهد عن أيام حكم "ذي نواس" ذلك العهد الذي انتهى بدخول الحبشة أرض اليمن.
    ووضع "هومل" بعد اسم "مرثد ألن" اسم "ذي نواس"، وقد حكم -على تقديره- من سنة "515م" حتى سنة "525م" ، وبه ختمت -في رأيه- سلسلة ملوك الحميريين.
    وقد عثر على كتابة وسمت بـPhilby 228 ورد فيها اسم ملك من ملوك "سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في الجبال وفي تهامة"، هو "معد يكرب يعفر". وأُرِّخت هذه الكتابة بشهر "ذي القيض" ذ قيضم" من سنة "631" من التأريخ الحميري الموافقة لسنة "516م", ومعنى هذا أن هذا الملك قد حكم قبل حكم "ذي نواس" بمدة قليلة. ونحن لا نعلم في الزمن الحاضر شيئًا من صلة هذا الملك بـ"ذي نواس".

    وقد عبث الدهر ببعض كلمات هذا النص وحروفه ، فأضاع علينا معاني مفيدة. وردت فيه أسماء أعلام، هي : "سبأ ، و"حميرم" "حمير" ، و"رحبتن" أي : "رحبة" "الرحابة". وقد ورد اسم "رحبتن" في عدد من النصوص على أنه اسم موضع, أما هنا ، فهو اسم قبيلة ، لورود كلمة "أشعبهمو" قبل "سبأ وحميرم ورحبتن", ووردت كلمة "واعربهمو"، وبعدها جملة "كدت ومذحجم وبني ثعلبت ومذر وسبع". وفي النص حروف طامسة حرمتنا معرفة بعض الأعلام.

    وأما "كدت"، فقد قلت: إن رأي علماء العربيات الجنوبية أنها "كندة". ويظهر من ورود اسمها في النصوص التي ترجع إلى ما بعد الميلاد، أنها أخذت تؤثر تأثيرًا واضحًا في سياسة العربية الجنوبية بعد الميلاد، ولا سيما بعد توسع سلطان القبائل, وتدخل الأعراب في الشئون السياسية لعدم الاستقرار, ولتدخل الحبش في شئون العربية الجنوبية وتقاتل الملوك والأقيال بعضهم مع بعض.

    ويتبين من ورود كلمة "أعربهمو" قبل كلمة "كدت" في النص، أن قبيلة كندة كانت من القبائل الأعرابية أي: البدوية، ولم تكن من القبائل المستقرة، النازلة في منازل ثابتة؛ ولهذا استعان بها حكام اليمن في تأديب القبائل اليمانية أو قبائل معد وقبائل نجد التي كانت تغزو اليمن، كما كانت نفسها تهاجم حكام اليمن وتغزو أرضهم، فصار لها من ثَمَّ شأن يذكر في سياسة اليمن في هذا الوقت.

    و"مذحجم" قبيلة "مذحج"، وهي من القبائل المعروفة، وينسبها أهل الأنساب إلى مذحج بن مالك بن أدد, ويذكرون أن مذحج أكمة ولدت عليها أمهم فسموا مذحجًا. وقد ورد اسم هذه القبيلة في النص : Ryckmans 5082 المدون في أيام الملك "يوسف أسأر" الذي سأتحدث عنه، كما ورد في نص قتباني، هو النص الذي وسم بـREP. EPIG, 46883. وقد ذكر بعده اسم قبيلة "رغض"، ويظن البعض أن في قراءة الحرف الأول شيئًا من التحريف، وأن الحرف الأول هو حرف "ب" لا "راء"، فيكون اسم القبيلة "بغض" لا "رغض"، وهو اسم القبيلة "بغيض" وبغيض من القبائل العربية المعروفة.

    وأما "ثعلبة" ، فهي قبيلة "ثعلبان" التي ورد اسمها في السطر الثالث عشر من نص "سميفع أشوع" المحفوظ في متحف "إستانبول" وفي نص : Philby 123 حيث ورد: "ألهت ثعلبن"، "آلهة ثعلبان" ، أي : سادة قبيلة "ثعلبان".

    وذكر اسم "دوس ثعلبان" في قصة تعذيب "ذي نواس" لنصارى "نجران", ويرى علماء العربيات الجنوبية وجود صلة بين قبيلة "ثعلبان" و"دوس ثعلبان". وورد اسم "دوس ثعلبان" في أثناء كلام الطبري على "ذي نواس".

    ويعرف "ذو ثعلبان" المتقدم ذكره بـ"ذي ثعلبان الأصغر"، وقد قال عنه "نشوان بن سعد الحميري" : إنه من نسل "ذي ثعلبان الأكبر" ، وهو ملك من ملوك حمير، وأحد المثامنة منهم واسمه "نوف بن شرحبيل بن الحارث" ، وزعم أن "ذا ثعلبان الأصغر" هو الذي أدخل الحبشة إلى اليمن غضبًا لما فعل ذو نواس بأهل الأخدود من نصارى نجران.

    وأما "مذر" و"سبع", فقبيلتان. وأظن أن في قراءة اسم القبيلة الأولى بعض التحريف , وأن الحرف الذي قُرِئَ بـ"ذ" يجب أن يقرأ "ضادًا" "ض"، وتكون القراءة عندئذ "مضر" وهو الاسم الشهير المعروف عند النسابين. وقد رجعت إلى الصورة "الفوتوغرافية" المنشورة في مجلة Le Museon ، فوجدت أن الحرف المذكور هو أقرب إلى حرف "الضاد" من حرف "الذال".
    والذين يقرءون المسند يعرفون أن من السهل الوقوع في الخطأ في قراءة الحرفين, إذا كان قد كُتبا على أحجار قديمة, وقد عبث الدهر بتلك الأحجار؛ لأن بين الحرفين شيئًا من التشابه. ويظهر لديَّ أن رسم الحرف أقرب إلى الضاد من الذال؛ لوجود أثر لخط في أعلى وفي أسفل الحرف.
    ويفهم من هذا النص أن حربًا أو فتنةً كبيرةً كانت قد حدثت في أيام هذا الملك، أسهمت فيها القبائل المذكورة، وهي : سبأ وحمير ورحبة وكدت "كندة" ومضر وثعلبة ، وذلك قبل احتلال الحبش لليمن بقليل أو في أيام "معد يكرب يعفر" ، وفي سنة "516م". وقد مهدت هذه الفتنة الطريق للأحباش أن يدخلوا إلى العربية ويحتلوها بسهولة وذلك بسبب الخصومات التي كانت بين القبائل, وظهور الروح القبلية التي لا تعرف التعاون إلا في سبيل مصلحة القبيلة فحسب.

    وتولى المُلْكَ بعد "معد يكرب يعفر" المَلِكُ ذُو نواس، وهو زرعة ذو نواس بن تبان أسعد أبي كرب بن ملكيكرب بن زيد بن عمرو في رأي الأخباريين وهو يوسف ذو نواس بعد تهوده في رأيهم أيضا. ولقد زعم بعض أهل الأخبار أنه كان من أبناء الملوك وزعم بعض آخر أنه لم يكن من ورثة الملك ولا من أبناء من حازه قبله ، وإنما أخذه أخذًا. قيل : كانت له ذؤابتان تنوسان على عاتقه بهما سمي ذا نواس.
    ولا يعرف أهل الأخبار اسم الملك "معد يكرب يعفر" ، بل ذكروا اسم ملك آخر قالوا : إنه حكم قبل "ذي نواس" زعموا أن اسمه "لخيعة ينوف ذو شناتر" ، وقالوا : إنه لم يكن من بيوت المملكة، بل كان من حمير وثب على الملك، فملك حمير ، وقتل خيارهم ، وعبث ببيوت أهل المملكة منهم. وكان امرأً فاسقًا ، إذا سمع بالغلام من أبناء تلك الملوك زرعة ذو نواس بعث إليه ، ليفعل به كما كان يفعل بأبناء الملوك قبله، فلما خلا به وثب عليه ذو نواس بالسكين فطعنه به حتى قتله ثم احتز رأسه فخرجت حمير والأحراس في أثر ذي نواس حتى أدركوه ، فقالوا له : ما ينبغي لنا أن يملكنا إلا أنت؛ إذ أرحتنا من هذا الخبيث فملَّكوه، واستجمعت عليه قبائل حمير وقبائل اليمن، فكان آخر ملوك حمير.
    أما "ابن قتيبة" ، فقد زعم أن "ذا شناتر" رجل لم يكن من أهل بيت الملك ولكنه من أبناء المقاول ، أي : من طبقة الأقيال "أقول". وقد اتفق مع غيره من أهل الأخبار في قصة غلظه وفحشه، وفعله القبيح بأبناء الملوك، وفي إرساله إلى ذي نواس يستدعيه إليه ليفعل به ما كان يفعله بغيره، وفي قتله إياه.
    وتهود ذو نواس وتهودت معه حمير وتسمى "يوسف". هذا ما عليه أكثر أهل الأخبار, وقد ذكر "ابن كثير" في تفسيره، أنه كان مشركًا.

    وبهذه القصة والطريقة صيَّر أهل الأخبار ابتداء ملك "ذي نواس".

    وذكر "ابن هشام" أن ذا نواس كان آخر ملوك حمير ، وذكر آخرون أن ذا جدن وهو ابن ذي نواس , قد خلف أباه على حمير. وفي رواية أخرى أن ملك حمير لما انقرض وتفرق في الأذواء من ولد زيد الجمهور ، قام ذو يزن بالملك ، واسمه علي بن زيد بن الحارث بن زيد الجمهور ، أو علي بن الحارث بن زيد بن الغوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد الجمهور ، فثار عليه الحبشة وعليهم أرياط ، ولقيهم فيمن معه ، فانهزم واعترض البحر فأقحم فرسه وغرق فهلك بعدُ ذو نواس وولي ابنه مرثد بن ذي يزن مكانه، وهو الذي استجاشه امرؤ القيس على بني أسد.

    وكان من عقب ذي يزن أيضًا، علقمة ذو قيفال بن شراحبيل بن ذي يزن ملك مدينة "الهون"، فقتله أهلها من همدان.
    ولم يصل إلينا شيء من هذا القصص الذي رواه الأخباريون عن ذي نواس مكتوب بالمسند, ولم يرد اسمه في أي نص من نصوصه حتى الآن.
    وزعم المؤرخ "ابن العبري" Barhebraeus ، أن "ذا نواس" واسمه "يوسف" ، وكان من أهل الحيرة في الأصل وكانت أمه يهودية من أهل "نصيبين" Nisibis وقعت في الأسر، فتزوجها والد "يوسف" فأولده منها, ومعنى هذا أنه لم يكن يمانيًّا ، بل يهوديًّا وفد على اليمن من الحيرة.
    وقد لاحظ بعض المستشرقين أن اسم "يوسف ذي نواس"، ليس على شكل وطراز أسماء وألقاب ملوك اليمن، وهذا ما دعاهم إلى التفكير في احتمال وجود شيء من الصحة في رواية "ابن العبري"، لا سيما وأن يهود اليمن ويثرب وخيبر كانوا من المؤيدين للساسانيين ومن المناصرين لهم.

    وقد اختلف الأخباريون في مدة حكمه؛ فقال بعضهم: إنه ملك ثمانيًا وثلاثين سنة.
    وذكر المسعودي وآخرون أنه حكم مائتي سنة وستين سنة, وذكر حمزة أنه ملك عشرين سنة. وهكذا هم فيه وفي غيره مختلفون.

    وإذا ما استثنينا الأخبار التي رُويت عن تعذيب "ذي نواس" لنصارى نجران، فإننا لا نعرف شيئًا آخر مهمًّا عن أعمال هذا الملك الذي كان متحاملا جدا على النصارى والنصرانية, حتى إنه راسل ملك الحيرة لكي يؤثر عليه فيحمله على أن يفعل بنصارى مملكته ما يفعله هو بهم.
    ولعله كان يريد بذلك أن يكوِّن حلفا سياسيا مع ملوك الحيرة ومن ورائهم الفرس لمقاومة الحبش الذين كانوا قد وطئوا سواحل اليمن وأقاموا لهم قواعد فيها وعقدوا معاهدات مع الأمراء المنافسين لملوك حمير وصاروا يحرضونهم على أولئك الملوك ليتمكنوا بذلك من السيطرة على كل من اليمن والتوسع من ثم نحو الحجاز للاتصال بحلفائهم الروم والسيطرة بذلك على أهم جزء من جزيرة العرب والهيمنة على البحر الأحمر والمحيط الهندي وإنزال ضربة عنيفة بسياسة خصوم الروم وهم الساسانيون.

    وفي حوالي السنة "525م" كانت نهاية حكم "ذي نواس"، إذ احتل الأحباش اليمن كما سنرى ذلك فيما بعد.
    وفي موضع "سلع"، ويسمى "نخلة الحمراء" وهو خربة عادية، موضع زعم أنه قبر "ذي نواس"، المتوفى في حوالي "سنة 525م". وقد فتح الموضع واستخرجت منه آثار فنية ذات قيمة، من بينها تمثالان لزنجيين من البرونز.
    ويظن بأن ما جاء بنص "حصن غراب" الموسوم بين المستشرقين بـREP. EPIG. 2633 من أن الأحباش فتحوا أرض حمير سنة "640" من التقويم الحميري الموافقة لسنة "525" للميلاد، وقتلوا ملكها وأقياله الحميريين والأرحبيين، يشير إلى الملك "ذي نواس"، وإن لم يرد بالنص على اسمه.

    وقد عثر على نصين مهمين هما : Ryckmans 507 والنص Ryckmans 508، وقد أشير فيهما إلى حروب وقعت بين الأحباش وبين ملك سمي فيهما بـ"يسف أسار" "يوسف أسأر" ، ولم يلقب النصان "يوسف" باللقب الطويل المألوف بل نعتاه بـ"ملكن يسف أسأر" ، أي : "الملك يوسف أسأر" فقط , و"يسف أسار" هذا , هو الملك "ذو نواس". وقد كتب النصان في سنة واحدة هي سنة "633" من التقويم الحميري، الموافقة لسنة "518" للميلاد, إلا أنهما كتبا في شهرين مختلفين؛ فكتب أحدهما في شهر "ذ مذرن" "ذ مذران" "ذو مذران", وكتب الثاني في شهر "ذ قيضن" "ذو قيضن" "ذو القيض".
    ويستنتج من عدم تلقيب "يوسف" باللقب الملكي الطويل المألوف، أن ملكه لم يكن متسعًا وأن سلطانه لم يكن عاما شاملا كل اليمن ، بل كان قاصرًا على مواضع منها , فقد كان الأحباش يحتلون جزءًا منها بما في ذلك عاصمة حمير مدينة "ظفار" وكان الأقيال ينازعونه السلطة وقد كونوا لهم إقطاعيات مستقلة، نازعت الملك على الحكم والسلطان. وكانت الفتن مستعرة وهذا مكن الحبش من انتهاز الفرص ، فأخذوا يتوسعون بالتدرج حتى قضوا على استقلال البلاد واستولوا عليها, وتلقب حكام الحبش باللقب الملكي اليماني الطويل المألوف دلالةً على سيطرتهم على اليمن.

    وقد سقطت من النص Ryckmans 507 كلمات من صدره، فأثر سقوطها هذا بعض التأثير على فهم المعنى فهمًا واضحًا. وقد وردت في الفقرة الأولى منه كلمات مثل : "أشعبه" أي "قبائله" ، و"أقولهمو ومراسهمو"، أي "أقيالهم ورؤساؤهم", وجاءت جملة: "وبنيهمو شرحب ال يكمل" أي "وبنيهم : شرحبيل يكمل" ، أي "وابنهم : شرحبيل يكمل". ثم دونت بعد هذا الاسم أسماء: "هعن أسانن" و"لحيعت يرخم" و"ومرثد ال يملد" "مرثد إيل يملد"، وقد سقطت كلمات بعد لفظة "بني" أي أبناء ، وهم من مؤيدي "الملك يوسف أسأر" ومن مساعديه. وقد أشير بعد ذلك إلى قتال وقع بينهم أي جماعة الملك وبين الحبش "أحبشن" بموضع "ظمو" وفي مواضع أخرى.

    وتناول النص الثاني خبر حروب وقعت بين الملك "يوسف أسأر" وبين الحبش ومن كان يؤيدهم من أقيال اليمن.
    وهو نص سجله القيل "قولن" "شرح إيل يقبل ابن شرح إيل يكمل" من بني "يزأن" "يزن" و"جدن" "جدنم" و"حبم" "حب" و"نسان" "نان" و"جبا" "جبأ".
    ويتبين من هذا النص أن الملك "يوسف أسأر" هاجم "ظفر" "ظفار" مقر الأحباش واستولى على "قلسن"، أي : "القليس" ، أي : كنيسة "ظفار".

    ثم سار بعد ذلك إلى "أشعرن"، أي "الأشعر" "الأشاعر" قبيلة من قبائل اليمن. ثم سار الجيش إلى "مخون" "مخا"، وحارب وقاتل، فقتل كل سكانها "حورهو"، واستولى على كنيستها، وحارب كل مصانع أي : معاقل "شمر" ودكها دكًّا ، وحارب سهول "شمر" كذلك, ثم هاجم الملك هجومًا ماحقًا قبيلة "الأشعر" "أشعرن". ثم أحصى عدد من قتل في هذا الهجوم وعدد ما وقع في أيدي جيشه من غنائم، فكان عدد من قتل: ثلاثة عشر ألف قتيل، وعدد من أخذ أسيرًا تسعة آلاف وخمسمائة أسير، واستولى على "280" ألف رأس من الإبل والبقر والمعز "عنزم" "عنز", وأخذت غنائم عديدة أخرى.
    واتجه الملك مع جيوشه بعد ذلك إلى "نجرن" "نجران", وفي صعيد هذه المدينة كان قد تجمع "أقرام" "قرم" "بني أزأن" وقبائل همدان وأهل مدنهم وأعرابهم وأعراب "كدت" "كندة" و"مردم" "مراد" و"مذحج" فأنزلت جيوش الملك خسائر بالأحباش الذين كانوا قد تحصنوا بالمصانع والحصون, وبمن ساعدهم من القبائل, وبمن كان قد تجمع في "نجران" لمساعدتهم.
    وكان مع الملك وفي جيشه "أقولن" الأقيال : "لحيعت يرخم" و"سميفع أشوع" و"شرحب ال أسعد" "شرحبيل أسعد", أقيال وسادات "يزان" "يزأن" "يزن" ومعهم قبائلهم: قبل "أزانن" "أزأن".
    وقد جاءت في هذا النص جملة : "سسلت مدين" وقد قصد بها "حصن المندب" أي : ما يسمى بموضع "باب المندب" في الوقت الحاضر.

    نرى من خلال قراءتنا لهذين النصين أن الوضع في اليمن كان قلقًا جدًّا وأن الأمور كانت مضطربة، وأن الفتن كانت تعم البلاد، وأن الأحباش كانوا يمتلكون قسما كبيرا من أرض اليمن, وكان مقرهم مدينة "ظفار", وكان لهم أعوان وأحلاف من الأقيال والقبائل. وقد استعان بهم الحبش في نزاعهم مع "يوسف أسأر" حتى تمكنوا في الأخير من الاستيلاء على كل اليمن ومن انتزاع السلطة من أيدي حكام اليمن الشرعيين، ومن القضاء على الملك سنة "525" بعد الميلاد.

    و"بنو يزان" "بنو يزأن" ، هم "ذو يزن" عند أهل الأخبار، وكانوا من العشائر البارزة التي ورد اسمها في نصوص عديدة، وإليهم ينسب "سيف بن ذي يزن".
    وذكر "ابن دريد" أن "يزن" موضع ويقال : "ذو أزن" و"ذو يزن" ، وهو أول من اتخذ أسنة الحديد، فنُسبت إليه، يقال للأسنة : "يزني" و"أزني" و"يزأني" ، وإنما كانت أسنة العرب قرون البقر.

    والأقيال المذكورون في النصين وهم: "شرحبيل يكمل" و"لحيعت يرخم" و"شرحئيل يقبل" "شرح ال يقبل" و"السميفع أشوع" و"شرحبيل أسعد" كانوا من أقيال "يزان" "يزن" وقد لعبوا دورا مهما في الميدان السياسي والعسكري لهذا العهد.
    وقد ورد ذكر القيل "شرحب ال يكمل" "شرحبيل يكمل" في النص : Ryckmans 512, ومدونه رجل اسمه "حجي إيهر" "حجي أيهر". وذكر اسم قيل آخر اسمه: "شرح ال ذ يزان" "شرحئيل ذي يزأن" "شرحئيل ذي يزن".

    وورد اسم قيل آخر من أقيال "ذي يزن" عرف بـ"شرحئيل ذي يزن" "شرح ال ذ يزان" لعله القيل المتقدم.

    وقد جاء اسمه في نص عرف بـRyckmans 515 ، دونه شخص اسمه "معويت بن ولعت" "معاوية بن والعة" و"نعمت بن ملكم" "نعمت بن مالك" "نعمة بن مالك". وقد ملوك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت :
    وقد رتب "فون وزمن" ملوك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت على النحو الآتي :

    1- شمر يهرعش الثالث.
    2- ياسر يهنعم الثالث مع "تارن أيفع".
    3- ثارن يكرب.
    4- ياسر يهنعم الثالث مع ابنه "ذرأ أمر أيمن".
    5- ذمر على يهبر "ذمر على يهبأر".
    6- ذمر على يهبر مع ابنه ثارن يهنعم.
    7- ثارن يهنعم مع ابنه ملكيكرب يهامن.
    8- ملكيكرب يهامن مع ابنيه أبي كرب أسعد وذرأ أمر أيمن.
    9- أبو كرب أسعد مع ابنه حسان يهأمن.
    10- شرحبيل يعفر.

    تابع الفصل الثاني

    【إمارات عربية شمالية】


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:50 pm

    【سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت】

    الجـــزء الثالث :

    وأمر ببناء كنائس في "ظفار" وفي "عدن", وكان القيصر "قسطنطين الثاني" "350-361 م" هو الذي أرسله إلى العربية الجنوبية ليدعو إلى النصرانية بين أهلها.
    ويؤيدون رأيهم هذا بالكتابة المذكورة التي يرجع عهدها إلى سنة "378م" أو "384م"، فهي غير بعيدة عن أيام "ثارن يهنعم" ويحتمل لذلك أن يكون هو الملك الحميري الذي بدل دينه الوثني، ودخل في ديانة التوحيد.

    ويتحدث النص: Jamme 671 من بين النصوص المذكورة, عن تصدع أصاب وسط سد مأرب الكبير وعن سقوطه، وعن قيام الملك "ثأرن يهنعم" "ثأران يهنعم" بإصلاحه وإعادته إلى ما كان عليه. ويكون هذا الخبر، هو ثاني خبر يصل إلينا مدونًا في كتابات المسند عن تصدع السد إلى هذا العهد.
    أما الكتابة التي ورد فيها اسم الإله "ذ سموى" "رب السماء"، فتعود إلى الملك "ملككرب يهأمن" "ملك كرب يهأمن" "ملكيكرب يهأمن"، وهو ابن الملك "ثارن يهنعم", وقد عثر عليها في "منكث" خارج خرائب "ظفار". وقد ورد فيها مع اسمه اسم ولدين من أولاده، هما : "أبكرب أسعد" "أبو كرب أسعد"، و"ذرأ أمر أيمن" "ورأ أمر أيمن"، وكانا يشاركانه في الحكم لورود لقب الملوكية الكامل بعد اسميهما.
    وقد تقربوا بها إلى الإله "ذ سموى" أي "إله السماء"، وذلك في سنة "493" من التأريخ الحميري، المقابلة لسنة "378" أو "384" للميلاد.
    وقد أغفل "فلبي" الإشارة إلى "ياسر يهنعم الثالث" ثم من جاء بعده إلى "ملك كرب يهأمن"، فلم يذكرهم في قائمته لملوك "سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت". وقد قلت: إنه جعل "يرم يهرحب" بعد "شمر يهرعش"، ومن المحتمل -في نظره- أن يكون أحد أولاد "شمر"، ثم ذكر أن الأحباش استولوا على العربية الجنوبية بعده، وذلك في حوالي السنة "340 ب. م."، وقد دام حكمهم حتى سنة "375م"، حيث ثار عليهم "ملكيكرب يهأمن"، ويحتمل في نظره أن يكون أحد حفدة "يرم يهرحب"، فطرد الأحباش من العربية الجنوبية، وأقام نفسه ملكًا.

    وقد ورد اسم "ملك كرب يهأمن" محرَّفًا في كتب أهل الأخبار ، فدعاه "حمزة" بـ"كلي كرب بن تبع" ، وقد جعل حكمه خمسًا وثلاثين سنة. وسماه "الطبري" "ملكي كرب تبع بن زيد بن عمرو بن تبع" ، وسماه "المسعودي" "كليكرب بن تبع" ودعاه "القلقشندي" "كليكرب بن تبع الأقرن" ، الذي حكم على زعمه بعد "شمر يرعش" "شمر مرعش" ثلاثًا وخمسين سنة، وقيل : ثلاثًا وستين سنة، واسمه زيد, وهو على زعمه ابن "شمر", وذكر أن الأقرن إنما عرف بالأقرن لشامة كانت في قرنه.

    وانتقل الملك بعد وفاة "ملك كرب يهأمن" إلى ابنه "أب كرب أسعد" "أبي كرب أسعد"، ويرى المستشرقون أنه "أسعد كامل تبع" الذي يزعم الأخباريون أنه أول من تهود من التبابعة ونشر اليهودية بين اليمانيين.

    وقد جعل "الطبري" حكم "أبي كرب أسعد" بعد حكم "شمر يهرعش"، إذ قال: "ثم كان بعد شمر يرعش بن ياسر ينعم تبع الأصغر، وهو تبان أسعد أبو كرب بن ملكيكرب بن زيد بن تبع الأول بن عمرو ذي الأذعار، وهو الذي قد قدم المدينة، وساق الحبرين من يهود إلى اليمن، وعمر البيت الحرام وكساه", وتهود وطلب من قومه الدخول في اليهودية.

    "وقال الكلبي: تبع هو أبو كرب أسعد بن ملكيكرب وإنما سمي تبعًا لأنه تبع من قبله.
    وقال سعيد بن جبير : هو الذي كسا البيت الحبرات". وذكر أنه قال شعرًا أودعه عند أهل يثرب ، "فكانوا يتوارثونه كابرًا عن كابر إلى أن هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- فأدوه إليه ، ويقال : كان الكتاب والشعر عند أبي أيوب خالد بن زيد". وورد في مسند الإمام "أبي حنيفة": "أول من ضرب الدينار تبع وهو أسعد بن كرب".

    وقد تحدث "الهمداني" عن "أبي كرب أسعد"، فقال : "فأولد ملكيكرب بن تبع الأكبر : أسعد تبع بن ملكيكرب, وهو أسعد الكامل، وتبع الأوسط" "وكانت أمه من فايش بن شهاب بن مالك بن معاوية بن دومان بن بكيل بن جشم بن جبران بن نوف بن همدان، ومولده بخمر من ديار فايش بن شهاب", و "خمر" موضع بظواهر همدان. "ونشأ بجبل هَنْوَم من أرض همدان ... فأولد أسعد تبع بن ملكيكرب : كربًا وهو الفدى ، وبه كان يكنى ... ومعدي كرب وحسان وعمرًا ... وجبلًا ... فهؤلاء ... خمسة نفر بنو أسعد بن ملكيكرب, وقال البلخي وغيره : خطيب بن أسعد. والخطيبون بأكانط ومدر من ولده" فيكون ولد "أسعد" ستة نفر على هذه الرواية.

    وذكر "الهمداني" أن والد "أسعد" هو "ملكيكرب بن تبع الأكبر, وهو الرائد بن تبع الأقرن بن شمر يرعش بن إفريقس ذي المنار بن الحارث الرائش بن ألي شدد". وعرف "تبع الأقرن" بالأقرن ؛ لشامة كانت في قرنه.
    وقد أورد "الهمداني" في كتابه "الإكليل" أشعارًا كثيرة نسبها إلى "أسعد بن ملكيكرب" ، بعضها قصائد ذكر أنه نظمها في مناسبات مختلفة. وقد تطرق في بعض منها إلى أنساب الناس وإلى أمور ذكر أنه تنبأ بها قبل وقوعها بمئات من السنين، ومنها ظهور الرسول ومبعثه في قريش. وذكر "الهمداني" أن شعر "أسعد" وفصاحته من شعر وفصاحة "همدان" ونسب له شعرًا في مدحهم.

    ويلاحظ أن أهل الأخبار قد صيروا اسم "أب كرب أسعد" "أبكرب أسعد" "أبي كرب أسعد" على هذا النحو: "أسعد تبع" و"أسعد تبع بن ملكيكرب" و"أسعد الكامل"، فأسقطوا "أب كرب" "أبكرب" منه، وأخذوا الجزء الأخير منه وهو "أسعد". ويظهر أن فتوحاته كانت قد تركت أثرًا في ذاكرة أهل اليمن، وقد بقي ذلك الأثر إلى الإسلام، ولكن الزمن والعصبية لعبا دورًا خطيرًا في تكييفه حتى طغى عليه الطابع الأسطوري، فوصل إلينا على نحو ما نجده في كتب أهل الأخبار والتواريخ.

    وقد تولى هذا الملك -على رأي المستشرقين- الحكم منفردًا من سنة "400" بعد الميلاد حتى حوالي سنة "415" أو "420ب. م." على رأي، أو من سنة "385" حتى سنة "420ب. م." على رأي آخر، أو من سنة "378" حتى سنة "415ب. م." على رأي "فلبي".
    والذي أراه أن حكمه امتد إلى ما بعد السنة "430" للميلاد، كما سأشرح ذلك في موضعه. وقد أضاف إلى لقب "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت" الذي ورثه من أبيه إضافة جديدة في آخره، هي: "واعربهمو طودم وتهمتم"، أي : "وأعرابها في الجبال وفي التهائم"، فصار بذلك أول ملك يحمل هذا اللقب.
    ولا بد أن تكون للإضافة التي ألحقت بآخر اللقب معنى سياسي مهم، إذ لا يعقل أن يكون هذا الملك قد ألحقها باللقب اعتباطًا من غير قصد. والظاهر أن الذي حمله على إلحاقها به، هو ظهور أهمية الأعراب، ولا سيما أعراب الهضاب وأعراب جنوب نجد من قبائل "معد" وقبائل تهامة أو التهائم، أي : المنخفضات الساحلية، بالنسبة إلى زمانه إذ صاروا يؤثرون في سياسة العربية الجنوبية تأثيرًا واضحًا، وصار في استطاعتهم إحداث تغيير كبير في الوضع السياسي، فانتبه لقوتهم هذه وأعارها أهمية كبيرة، فأضاف اسمهم إلى اللقب؛ دلالة على سيطرته عليهم وخضوعهم له، كما فعل الملوك الماضون بإضافة أسماء جديدة إلى ألقابهم الملكية كلما أخضعوا أرضًا من الأرضين.

    ومعنى ذلك أن حكم "أبي كرب أسعد" كان قد شمل التهائم بأعرابها وقراها, وكذلك قبائل معدّ التي تمتد منازلها من أرض نجران إلى مكة ونجد.
    وعلى مقربة من مدينة "غيمان" قبر ينسب إلى هذا الملك، وقد فتح من عهد غير بعيد. وذكر أن "غيمان" كانت مقرًّا للتبابعة مدة ما، وأن "أب كرب أسعد" أقام بها زمنًا. ويظن أن الرأس المصنوع من البرونز الذي يمثل رأس امرأة والمحفوظ في المتحف البريطاني، والرأس الجميل الذي يمثل مهارة فائقة في الصنعة ويمثل رأس رجل، كلاهما قد أخذ من ذلك القبر.
    ويقع قبر "أسعد أبو كرب" أسفل التل الذي أقيم عليه قصر "غيمان" "حصن غيمان". وقد دل البحث في موضعه على أنه يعود إلى عهود متعددة ، وأن جملة ترميمات وإصلاحات أدخلت على هذا القصر.

    وقد ذكر "الهمداني" أن "أبيكرب أسعد" كان قد أقام في مدينة "بينون" ، وأقام أيضا في مدينة "ظفار".
    أقام في قصر "ريدان" بـ"ظفار" وفي قصر "هكر" بمدينة "بينون" ، كما أقام في قصر "غيمان" وفي قصر "غمدان" بصنعاء, وهي كلها من قصور اليمن وحصونها الشهيرة المذكورة في تأريخ اليمن.
    وقد أخذ جماعة من المستشرقين برواية أهل الأخبار في تهود "أب كرب أسعد" "أبكرب أسعد"، فجعلوه على رأس أسرة متهودة حكمت منذ هذا العهد. وجعله "فلبي" رأس الأسرة الثامنة من الأسرة التي حكمت السبئيين بحسب ترتيبه لقائمة الأسرة الحاكمة.

    ويدل عثور "فلبي" على كتابة دون فيها اسم "أب كرب أسعد" واسم ابنه "حسان يهأمن" في وادي "مأسل الجمح" "ماسل جمح"، في موضع مهم على طريق بين "مكة" والرياض ، ولا يزال يعرف اسم جمح على أن هذا الموضع كان من جملة الأرضين الخاضعة لحكم ذلك الملك وأن نفوذه كان قد جاوز اليمن حتى
    بلغ نجدًا. وبلغ هذه الأرض المهمة التي تجتازها القوافل والتجارات حتى اليوم ، وكانت تعد من منازل قبائل "معد" في ذلك الحين، وهي قبائل متحالفة يجمع شملها هذا الاسم.
    والكتابة التي أقصدها، هي الكتابة التي وسمت بـPhilby 227 ، وقد دونت عند إقامة حصن في وادي "ماسل الجمح"، وورد فيها اسم موضع آخر هو "مودم ضمو", ويرى "فلبي" أنه المكان المسمى "دودمي" "دوادمي" في الزمن الحاضر.
    وقد وردت فيها أعلام أخرى ، منها : "كدت" "كدة"، و"سود"، و"وله" "وده".
    وقد ذكر "الهمداني" أن "مأسل الجمح" كان من مواضع "نُمَيْر", واسم "نمير" قريب من اسم قبيلة Nomeritae التي ذكرها "بلينيوس" إذ قال : Nomeritae Mesala Oppido ؛ ولذلك ذهب بعض الباحثين إلى أن "مأسل الجمح" كان من مواضع "نمير" وذلك في أيام "بلينيوس"، أي في أواخر القرن الأول قبل الميلاد فما بعده.
    ويظهر أن الملك "أب كرب أسعد" أقام هذا الحصن في "وادي مأسل" ليكون معقلًا تقيم فيه قوات سبئية لحماية الطريق من هجوم القبائل وتعرضها للقوافل التي تسلك هذا الوادي محملة بالبضائع والتجارات بين اليمن ونجد ، وهو طريق مهم من الطرق التي تصل أرض اليمن بنجد وبشرق الجزيرة.

    وقد افتتح نص : Philby 227 بجملة : "أبكرب أسعد وبنهو حسن يهأمن ملكي سبا وذ ريدان وحضرموت ويمنت وأعربهمو طودم وتهمتم بن حسن ملك كرب يهامن ملك سبا وذ ريدن وحضرموت ويمنت" ، أي "أبو كرب أسعد وابنه حسان يهأمن ، ملكا سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في الأطواد والتهائم ، ابنا حسان ملكيكرب يهأمن ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت". فيفهم منها إذن أن اسم والد "أبي كرب أسعد" هو "حسان ملكيكرب يهأمن"، لا "ملكيكرب يهأمن". فهل نحن أمام ملك واحد، عرف بـ"ملكيكرب يهأمن" وبـ"حسان ملكيكرب يهأمن" أم أمام ملك آخر غير الملك "ملكيكرب يهأمن"؟
    ويتبين من هذا النص أن الملكين كانا قد غزَوَا "كسباو" أرض "مودم ضمو", غزواها بجمع من أهل حضرموت وسبأ وبني مأرب, أي أهل مأرب وبأصاغر الناس "صغرم". وكان في جيشهما "المقتوين" "مقتوتهمو" أي: القادة ؛ قادة الجيش. وأشير في النص إلى أعراب كندة "باعربهمو كدت" وإلى "سود" و"وله" "واله".
    ولدينا كتابة وسمت بـRyckmans 534، ورد فيها اسم الملك "أبي كرب أسعد" وأشير فيها إلى ستة أولاد من أولاده. وهي كتابة مؤرخة، ويقابل تأريخها الحميري "543" السنة "428م" أو "434م" ، كما عثر على كتابة أخرى وسمت بـRyckmans 534 يرى من درسها أنها يجب أن تكون قد كتبت بعد السنة "433" أو "439 م".
    ومعنى هذا أن حكم "أبي كرب أسعد"، قد جاوز السنة "428ب. م." أو السنة "430ب. م." أي: إن تقدير الذين جعلوا نهاية حكم "أبي كرب أسعد" في سنة "415ب. م." أو "420 ب. م."، هو تقدير خاطئ. والظاهر أنهم قد وقعوا في هذا الخطأ؛ لأن الكتابتين المذكورتين لم تكونا قد نشرتا في ذلك العهد.
    وقد أشير في الكتابة Rossi 24 إلى ستة أو سبعة أبناء للملك "أبي كرب أسعد".
    وتشير الكتابة الموسومة بـRyckmans 409 إلى حملة قام بها الملك "أبو كرب أسعد" وابنه الأول "حسان يهأمن" على "وادي مأسل" في أرض "معد", وقد ساهم بها معه جمع من "كندة". ونجد لقبيلة "كندة" ذكر في الكتابات التي يعود عهدها إلى ما بعد الميلاد.
    وذهب "كروهمن" إلى أن ورود اسم "أبي كرب أسعد" في النص : Jamme 856 -وهو من النصوص السبئية المتأخرة- يجعل أيامه في السنين الثمانين فما بعد, من القرن الخامس للميلاد. وقد قدّر أيام حكمه بحوالي السنة "400" بعد الميلاد.

    ويظهر أن حكم الملك "أبي كرب أسعد" كان حكمًا طويلًا، وأن عمره كان عمرًا طويلًا أيضًا وذلك لأنه كان ملكًا إلى ما بعد السنة "430" بعد الميلاد، وإذ قد ذكر ملكًا مع والده في النص المؤرخ بسنة "378ب. م." أو "384ب. م."، فيكون مجموع حكمه قد بلغ زهاء خمسين سنة أو أكثر من ذلك بقليل. ولو فرضنا أنه كان في حوالي العشرين من عمره يوم ذكر مع أبيه في النص فيكون عمره إذن يوم وفاته حوالي السبعين، أو بعد ذلك بسنين.
    لقد استطاع "أبو كرب أسعد" توسيع ملكه، حتى بلغ البحر الأحمر والمحيط الهندي والأقسام الجنوبية من نجد ، وربما كان قد استولى على جزء كبير من الحجاز. وفي روايات أهل الأخبار عن فتوحاته وعن غزواته أساس من الصحة، وإن دخل فيها عنصر المبالغة والقصص. ولا بد أن يكون هذا الملك ذا شخصية قوية وكفاءة مكنته من القيام بتلك الفتوحات والتغلب على القبائل حتى تركت أعماله أثرًا بقي يتنقل بين الأجيال، ويتطور بمروره على الأفواه حتى وصل إلينا على الشكل الذي نقرؤه في كتب أهل الأخبار.
    وقد ذكر "الطبري" أن "أسعد أبا كرب بن ملكيكرب"، ونعته بـ"تبع" كان قد قدم بجيوشه الأنبار ، وأسكن من قومه الأنبار والحيرة ، ثم رجع إلى
    اليمن. وذكر غيره أنه "تبان أسعد أبو كرب بن قيس بن زيد الأقرن بن عمرو ذي الأذعار وهو تبع آخر ويقال له : الرائد ، وكان على عهد يستأسف أحد ملوك الفرس الكيانية وحافده أردشير ، وملك اليمن والحجاز والعراق والشام ، وغزا بلاد الترك والتبت والصين ، ويقال : إنه ترك ببلاد التبت قومًا من حمير ... وغزا القسطنطينية ومر في طريقه بالعراق فتحير قومه فبنى هناك مدينة سماها الحيرة ... ويقال : إنه أول من كسا الكعبة المُلأ وجعل لبابها مفتاحًا وأوصى ولاتها من جرهم بتطهيرها , ودام ملكه ثلاثمائة وعشرين عامًا".
    وهذه الفتوحات التي نسبوها إلى "تبان أسعد"، هي مثل الفتوحات التي نسبوها لـ"شمر يرعش"، وهي في الواقع تكرار لها.
    والظاهر أنها خلط بين فتوحات الملكين التي وضعها لهما أهل الأخبار.
    ونصب بعض أهل الأخبار من بعده "ربيعة بن نصر بن الحارث بن نمارة بن لخم" ملكًا على اليمن ، ثم ذكروا أنه رأى "رؤيا هالته فسار بأهله إلى العراق وأقام بالحيرة ، وحكم عليها ومن عقبه كان النعمان بن المنذر ملك الحيرة".
    وهناك طريق بري يربط المناطق المرتفعة الزراعية بالمناطق الشمالية وهي مناطق مأهولة ومن أكثر أرض اليمن كثافة سكان، يسمى بـ"درب أسعد كامل" أو "طريق أسعد كامل" نسبة إلى هذا الملك, وهو يصل إلى شمال "الطائف" ويتصل بطريق الحجاز.
    ويمتد من "خيوان" وأعالي "خولان" في اتجاه "بيشة" و"ريع المنهوت"، ثم في الممر الضيق المؤدي إلى "الطائف". ويستعمل تجار "عمران" هذا الدرب.

    ويظهر هذا الدرب تحولًا خطيرًا في الطرق البرية القديمة التي كانت تسير في محاذاة حافة الصحراء الشرقية المتصلة بالجوف، إذ يشير إلى تحول هذه الطرق من الأرض السهلة إلى الهضاب التي يعيش عليها المزارعون الذين يعيشون على الزراعة التي تعتمد على المطر, وقد شمل هذا التحول فيما شمله طريق البخور واللبان القديم.
    وجعل "فلبي" الحكم لـ"ورو أمر أيمن" بعد وفاة "أبي كرب أسعد" وهو شقيقه. قد حكم على رأي "فلبي" من سنة "415م" حتى سنة "425 م"، ولما توفي انتقل الحكم إلى "شرحبيل يعفر" "شرحب إيل يعفر"، وهو ابن "أبي كرب أسعد". وقد حكم على تقديم "فلبي" أيضًا من سنة "415 ب. م." حتى سنة "455 ب. م." ، وحكم على تقدير "هومل" من سنة "420 م" حتى سنة "455م". ولكن "فلبي" في كتابه "النجاد العربية" عاد فجارى "هومل" فيما ذهب إليه في تقدير مدة حكم "شرحبيل يعفر"، فجعلها منذ سنة "420ب. م." حتى سنة "455ب. م.".
    وأما "جامه"، فوضع "أبكرب أسعد" واسم شقيقه "ذرأ إمر أيمن" "ذرأ أمر أيمن" بعد اسم "ملككرب يهأمن". وقد حكم "أبكرب أسعد" مع والده في حوالي السنة "365" وحتى السنة "375" للميلاد.
    وأما "ذرأ أمر أيمن" ، فجعله مشاركًا لوالده في الحكم وذلك في حوالي السنة "375" وحتى السنة "385" للميلاد.
    ولكن "جامه" عاد فوضع بعد القائمة المتأخرة لحكام سبأ، والتي انتهت في القائمة "E"، باسمي "ذرأ أمر أيمن" و"أبكرب أسعد"، قائمة أخرى دعاها بـ"F"، وقد خصصها بمن حكم في النصف الأول من القرن الخامس للميلاد، ابتدأها باسم "حسن ملككرب يهأمن" "حسان ملكيكرب يهأمن"، وجعل حكمه من حوالي السنة "415" حتى حوالي السنة "425" للميلاد، ثم وضع اسم "أبكرب أسعد" من بعده، وجعل حكمه في حوالي السنة "425" وحتى السنة "430" للميلاد. ثم ذكر اسم "حسان يهأمن" "حسن يهأمن" من بعده، وقد شارك "أبكرب أسعد" في الحكم من سنة "425" حتى "430" للميلاد، ثم دون اسم "شرحبيل يعفر" من بعد "أبكرب أسعد" وقد جعله شريكًا في
    الحكم لـ"أبكرب أسعد" من حوالي السنة "450" حتى السنة "440" للميلاد.
    وقد أغفل "فلبي" وغيره اسم "حسان يهأمن"، وهو ابن "أب كرب أسعد"، فلم يذكره بعد اسم أبيه، مع أنه ذكر معه في النص Philby 227، ونعت مثله بـ"ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعراب في الجبال والتهائم".
    وقد عرف أهل الأخبار اسم "حسان"، وذكروا أنه حكم من بعد أبيه "أسعد أبي كرب"، وذكروا اسمه على هذا النحو : "حسان بن تبع أسعد أبي كرب"، ولم يذكروا لقبه. وقد زعموا أنه أغار على طسم وجديس باليمامة وأنه حارب "جذيمة" ملك الحيرة، وكان "جذيمة" قد خرج يريد طسم وجديس في منازلهما من "جوّ" وما حولهما، فوجد "حسان" قد أغار على طسم وجديس باليمامة، فانكفأ راجعًا بمن معه، فأتت خيول "تبع" على سرية لجذيمة فاجتاحتها. فهو من معاصري "جذيمة" على رأي أهل الأخبار.

    و"حسان" هذا هو الذي أفنى "جديس" على رواية أهل الأخبار، وهو الذي فقأ عيني "اليمامة" في شعره، وإن "النمر بن تولب العكلي"، أشار في شعره إلى قصتها أيضا.

    وذكر "الطبري" أن "حسان بن تبع" الذي أوقع بجديس، هو ذو معاهر، وهو تبع بن تبع تبان أسعد أبي كرب بن ملكيكرب بن تبع بن أقرن وهو أبو تبع الذي يزعم أهل اليمن أنه قدم مكة، وكسا الكعبة ، وأن الشعب من المطابخ إنما سُمي هذا الاسم لنصبه المطابخ في ذلك الموضع وإطعامه الناس ، وأن أجيادًا إنما سمي أجيادًا ؛ لأن خيله كانت هنالك، وأنه قدم يثرب فنزل منزلًا يقال له منزل الملك اليوم، وقتل من اليهود مقتلة عظيمة بسبب شكاية من شكاهم إليه من الأوس والخزرج بسوء الجوار، وأنه وجه ابنه حسان إلى المسند وشمرًا ذا الجناح إلى خراسان، وأمرهما أن يستبقا إلى الصين، فمر بسمرقند فأقام عليها حتى افتتحها، وقتل مقاتلتها، وسبى وحوى ما فيها ونفذ إلى الصين فوافى حسان بها، فمن أهل اليمن من يزعم أنهما ماتا هنالك، ومنهم من يزعم أنهما انصرفا إلى تبع بالأموال".
    وقد ذكر "الطبري" أيضا أن "حسان بن تبان أسعد أبي كرب بن ملكيكرب بن زيد بن عمرو ذي الأذعار" سار بقومه من أهل اليمن يريد أن يطأ بهم أرض العرب وأرض العجم، كما كانت التبابعة قبله تفعل، فلما كان بالعراق قتله أخوه "عمرو بن تبان أسعد أبي كرب" ورجع "عمرو" بمن معه من جنده إلى اليمن, وأصيب بمرض نفسي, وقتل خلقًا من قومه لندمه على قتله أخاه، ثم لم يلبث أن هلك.
    وقد زعم أن "عمرًا" هذا عرف بـ"موثبان"، وأنه قتل أخاه بموضع "رحبة طوق بن مالك"، التي عرفت بـ"فرضة نعم".
    وقد زعم الأخباريون، أن الأمر قد مرج في حمير بعد وفاة "عمرو" وتفرقوا، فوثب عليهم رجل من حمير لم يكن من بيوت المملكة منهم، يقال له: "لخنيعة ينوفة ذو شناتر"، فملكهم، فقتل خيارهم وعبث ببيوت أهل المملكة منهم حتى قتله "ذو نواس" في قصة من القصص المألوف وروده من أهل الأخبار.

    وذكر "القلقشندي"، أن الذي حكم بعد "ربيعة بن نصر" الذي حكم اليمن على زعمه بعد "تبان أسعد"، هو "حسان ذو معاهر"، وهو "ابن تبان أسعد أبي كرب"، ثم ملَّك أخاه "عمرو بن تبان أسعد أبي كرب" من بعده، ونعته بـ"الموثبان"، وذكر أنه حكم ثلاثًا وستين سنة، ومات عن أولاد صغار وأكبرهم قد استهوته الجن، فوثب على الملك "عبد كلال بن مثوب"، فملك أربعًا وتسعين سنة، وهو تبع الأصغر.
    قد ترك لنا "شرحبيل يعفر" "شرحب إيل يعفر" نصًّا مهمًّا وسمه علماء العربيات الجنوبية بـGlaser 554، وهو وثيقة تتعلق بتصدع سد مأرب الشهير في أيامه وإعادة بنائه، فقصَّ علينا فيه الحادث وتحدث عن مقدار ما أنفقه على الفعلة والعمال لإعادة البناء. ويتألف هذا النص من مائة سطر, جاء فيه : أن "شرحبيل يعفر ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنات وأعرابها في النجاد والتهائم ابن أبي كرب أسعد ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في النجاد والتهائم"
    قام بتجديد بناء سد مأرب وترميمه على مقربة من موضع "رحب" "رحاب" وعند "عبرن" "عبران" ، وقام بإصلاح أقسام منه حتى موضع "طمحن" "طمحان" "الطمح"، كما قام بحفر مسايل المياه وبناء القواعد والجدران بالحجارة، وقوَّى فروعه، وبنى أقسامًا جديدة، وأوصلها بعضها ببعض بين "غيلن" "غيلان" "الغيل" و"مفلل" "م ف ل ل" "مفلول"، وجدد سد "يسرن" "يسران"، وقام بإعاشة العمال ومن اشتغل ببنائه، وتمت هذه الأعمال في شهر "ذي داون" "ذي دأون" من سنة "564" "565" من التأريخ الحميري، أي: سنة "449" "450" "456" للميلاد.
    ويشير هذا العمل بالطبع إلى حدوث تصدع في السد, اضطر الملك إلى تجديد بناء أقسام منه، وترميم ما أمكن ترميمه من أقسام أخرى، وإضافة أقسام جديدة إليه.
    ويظهر من هذا النص أيضًا أن السد قد تهدم بعد مدة قصيرة، وذلك في شهر "ذو ثبتن" "ذو الثبت" من سنة "565" من التقويم الحميري، أي: سنة "450" أو "451"، "455" "456" للميلاد، فأثر ذلك تأثيرا سيئا جدا فيمن كان ساكنًا في جواره، حتى اضطر من كان ساكنًا في "رحبتن" "الرحبة" إلى الفرار إلى الجبال خوف الموت ، فأسرع الملك إلى الاستعانة بحمير وبقبائل حضرموت لإعادة بناء السد، فتجمع لديه زهاء عشرين ألف رجل اشتغلوا بقطع الحجارة من الجبال وحفر الأسس وتنظيف الأودية وإنشاء خزانات لخزن المياه وعمل أبواب ومنافذ لمرور الماء والسيطرة عليه، حتى تم ذلك في شهر "ذو دأو" من سنة "565" من تأريخ حمير.
    وذكر ما أنفقه على العمال وما قدمه لهم من طعام وما ذبحه من بقر وأغنام، وما صرفه من دبس "دبسم" وخمر وغير ذلك مما ذكره وفصله. وقد استخدم الملك عشرين ألف رجل لإصلاح السد.

    لقد قَلََّ شأن مأرب في هذا العهد وأخذ الناس يرحلون عنها إلى مواضع أخرى مثل "صنعاء" التي تألق نجمها حتى صارت مقرًّا للحكام الذين أقاموا في قصر "غندن" "غندان" ، أي : "غمدان"، وقد يكون لتصدع السد مرارا ، دخل في هذا التحول حيث أجبر المزارعين على ترك أرضهم التي أصابها التلف والجفاف والارتحال إلى أرضين أخرى فتركوها إلى الهضاب والجبال.

    وقـــد يكــون للتحول السياسي الذي أصاب هــــذا العهد دخل أيضًا فيـــه.
    وفي تصــــدع السد بعد مــدة ليست طــــويلة مــن تــرميمه وإصــــلاحه وتجديده ، وبعد إنفاق أمــوال طائلة عليــه واشتغال آلاف من العمــال في بنائـــه ، شيء يثير السؤال عن سبب سقوطه أو سقوط جـــزء منــه بهذه السرعة، فهل تهدم من سقوط أمطار غزيرة جدًّا في هذا العام لم يكن في طــــاقة السد احتمالها فسقط؟ أم أن بنــاء السد لـــم يكــن قــد كمل تمامًا فسقطت أمطار غــزيرة سببت انهيار الأماكــــن الضعيفة من المواضع التي لم تكن قد تمت ، فانهار لذلك؟ أم أنه انهار بفعل كوارث طبيعية مثل زلزال أو بركان؟ إلى هذا الرأي الأخير يميل "فلبي" في كتــــابه "سناد الإسلام".
    إن ممـــا يــــؤسف عليه حقًّا أن هــذا النص لـــم يذكـــر أسماء القبائل التي هــــربت مــن "رحبتن" "رحبت" "الرحبة" خــــوفًا مــــن الهــــلاك.

    وعلى الجملة ، فالمستفاد منــه بكـــل صراحة أن القبائــل التي كانت تقطن هـذه المنطقة تفرقت وتشتتت لتهدم السد, وفيـــه دليل على وجــود أصل تــأريخي للــــروايات العــــديدة التي يــرويها الأخباريون عــن تهــــدم سد مــأرب وتفرق سبأ. ولكننا لا نستطيع بالطبــــع أن نقول : إن هذا الحـــادث الــذي وقــع في أيام "شرحبيل" هــو الحــــادث المقصــــود في روايــــات الأخبــــاريين ، وهي روايــات يتغلب عنصر الخيـــال والابتداع والمبالغات فيها على عنصر الحقيقة والتأريخ.

    تابع الجــــزء الرابــــع 》》


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:50 pm

    【سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت】

    الجـــزء الثاني :

    ولم يشر نص "النمارة" إلى بقية اسم "شمر" , لنعـــرف مــن كان ذلك الملك الذي كـــان يحكــم في ذلك الزمـــان والذي كانت مدينة "نجــران" مدينته إذ ذاك. ويظهر مــن هـــذا النص أن قتالًا نشب بين قـوات "امرئ القيس" و"شمر" صاحب نجـــران ، وأن النصر كـــان لامــرئ القيس.

    وإذا كان ما ذهب إليـــه "فون وزمن" صحيحًا مــن معاصرة "امرئ القيس" لـ"شمر يهرعش" ، فــإن هذا يعني أن جزيرة العـــرب كانت في ذلك الزمـن أي: في أوائــل القــرن الــرابع للميلاد ميدانًا للتسابق بين رجلين قويين : "شمر يهرعش" وهـــو مـــن العـــربية الجنوبية ، و"امرئ القيس" وهــو من الشمال، وأن العرب كانوا قد انقسموا إلى حـــزبين :
    عرب شماليين وعرب جنوبيين ، وأن "امرأ القيس" كـــان قـــد تـــوغل في جـــزيرة العـــرب حتى بلــغ "نجران" وأعـــالي العــربية الجنوبية ، وأخضع القبائل المذكورة لحكمه , وهي قبائل يرجـــع النسابـون نسب أكثـــرها إلى "عـــدنان" ، وفي جملتها "الأسدين" أي :
    "أسد" و"نزار" "نزرو". هـــذا ، وإن وصـــول "امرئ القيس" إلى نجـــران وإخضاعه للأعــراب ولقبائل عدنانية يقيـــم بعضها على حـــدود العـــربية الجنوبية الشمالية ، جعله أمـام "شمر يهرعش" ، ووضع مثل هذا لا بد مــن أن يثيـــر نـــزاعًا وخصـــومةً بيـن الرجلين.
    ولا يستبعد اصطدام "امرئ القيس" بـ"شمر يهرعش" ، أو بــأي ملك آخـــر ملك "نجران" ، ما دام ذلك الملك قـد حكم قبائل "معـد" النازلة في الحجاز وفي "نجـــد" والتي تتصل منـــازلها بحدود "نجران".
    وقـــد خضعت "معـــد" لحكـم ملــوك الحيرة ، كالــذي يظهر من نص كتاب "شمعون" الذي هــو من "بيت أرشام" Simeon Of Beth Arsham، حيث ذكـــر "طيايا حنبا "حنفا" ومعدايا" في معسكر "المنـذر" الثالث ملك الحيرة.
    و"طيايا" هـــم الأعـــراب الشماليون و"معدايا" هـــم "معـــد".
    وكما يفهم أيضا من نص "مريغان".
    ويرى بعض الباحثين أن "مرالقس بن عمرم ملك خصصتن" الذي ورد اسمه في النص : Ryckmans 535 الـذي سبق أن تحـــدثت عنـــه في أثنـــاء كلامي على "الشرح يحضب"، وأخيه "يأزل بين"، هــو "امرؤ القيس" البدء ملك الحيرة, ويرى أيضا أن "شمر ذي ريدان" المذكور في النص أيضًا، هو "شمر يهرعش". وبناء على ذلك يكون "مالك" ملك "كدت" كندة من المعاصرين لامرئ القيس, ولشمر يهرعش أيضًا ...

    إننــا لا نمــــلك أي نص يشير إشارة صــريحة إلى حدوث قتال بين "شمر يهرعش" و "امرئ القيس" , غيــر أن لــــدينا نصًّا هــــو النص المعــــروف بـــ Jamme 658 ، يــــرى بعض الباحثين أن فيــــه تلميحًا إلى أن الحــــرب المذكورة فيه ، هي حـــرب نشبت بين قوات الرجلين، وأن القائد المذكـــور فيه ، أعني القائد "نشدال" "نشد إيل" ، هو قــائد عـــربي شمالي ويحتمل على رأيهم أن يكـــون قائدًا مــن قــــواد جيش "امرئ القيس". ويظهر مــن النص أن قــــوات "شمر يهرعش" كــــانت قــد تجمعت في مدينة "صعدتم"، أي : مدينة "صعدة" في "خـــولان" العاليـة ، أي : الشمالية "خــولان أجددن" ، ثـــم تقدمت منها نحــــو الشمال الغــــربي إلى حـــدود "خـولان" القــــديمة في "وادي دفاء" حيث حاربت القبائل المجاورة قبائل "شنحن" "شنحان" الساكنـــة في الغرب , ثـــم نـــزلت من مساكنها إلى أرض "سهرتن" "سهرتان" ثم اجتازت هـذه الأرض إلى وادي "بيش" ، وهي الحدود القديمة للعربية الجنوبية، ثم تقدمت منها نحو الشمال إلى "وادي عتود" الذي يقــع في الأرض المسماة بـ Kinaidokoltitai عنــــد الكلاسيكيين.
    وفي هــذه الأرض اصطدمت قــوات "شمر" بقــــوات "نشد إيل" القائــد المذكــــور.
    ويظهر مـن نص عثـــر عليه منذ عهد غيــر بعيد , أن قائدًا من قواد "شمر" كـــان قــد قــاد أعـــرابًا غزا بهم ملك "أسد" ، وأرض "تنخ" "تنـــوخ" التي تخص "الفرس" "فرس"، أي: "فارسًا". وذكـــر أن أرض "تنخ" "تنوخ" ، كانت تحت حكم مملكتين ، يقال لإحداهما "قطو" ، وللأخــرى "كوك" أو "كوكب" وقــد أنزل أعراب "شمر" بهما خسائر فــادحة.
    ثـــم عــاد ذلك القائد بعد نجاحه في غــــزوه هــــذا صحيحًا معـــافًى إلى نجران ، حيث قدم إلى الآلهة شكره وسجل ذلك في النص المذكور..

    وقصد القائد بأرض "تنخ" أرض الأحساء في الزمن الحاضر، وكانت منزل قبائل "تنوخ" في ذلك الزمن. وقصد بـ"قطو" "قطوف" "القطيف" Qtw'f وفي إشارة القائد إلى مهاجمة تلك الأرضين ، أي أرض تنوخ، التي كانت تحت سيادة "فرس"، أي الفرس الساسانيين، تأييد لروايات الأخباريين التي تذكر أن "شمر يهرعش" "شمر يرعش" غزا أرض الفرس ...

    هذا ولا بد من أن يكون "شمر" قد كان على اتفاق تام مع أعراب نجد ولا سيما سادة "كدتم" "كدت" ، أي : كندة في ذلك الزمن ؛ إذ كان من العسير عليه غزو الأحساء وساحل الخليج ، لو لم يكن على صلات بهم حسنة , وقد كان هؤلاء الأعراب ينزلون فيما يسمى الأفلاج والخروج في الزمن الحاضر.
    وتعد الأفلاج من مواطن "كدت" كندة منذ زمن "شعرم أوتر" "شعر أوتر" في حوالي السنة "180م"، وقد عبر عنهم بـ"ذال ثور" أي "ذي آل ثور" في النص Jamme 635 وكذلك في زمن "الشرح يحضب الثاني" في أثناء حكمه مع "يأزل" أي في حوالي السنة "210 ب. م.". وربما قبل ذلك أيضا حيث نجد في تاريخ "بلينيوس" ما يشير إليهم ، إذ ورد في تأريخه : Dae Aiathuri Fons Aeunuscabales ، ويمكن تفسيرها بـ"ذي آل ثور في عين الجبل" , و"آل ثور" هم كندة ، وقد عرفوا بهذا النسب عند أهل الأخبار.
    والنص المذكور , هو نص وسمه العلماء بـ"شرف الدين 42".
    وقد ورد فيه أن الملك "شمريهرعش" أمر قواته بغزو أرض "ملك" "مالك" ملك "أسد" "ملك أسد".
    فتقدمت نحوها ، واتجهت منها نحو أرض "قطوف" ، أي القطيف ، حتى بلغت موضع "كوكبن" "كوكبان" "كوكب" ثم "ملك فارس وأرض تنخ" "ملك الفرس" أي : "الأرض التابعة للفرس"
    وأرض تنوخ.
    وقــــد دون النص قـائدان من قـــواد "شمر يهرعش" ، كـانا مــــن "ريمن ذ حزفرم"، أي: من "ريمان ذوي حزفر"، ومن "عنن" "عنان", وذلك بعد عودتهما سالمين غانمين من ذلك الغزو...

    وقد كانت "مذحج" تنزل في الأفلاج أو حــــولها وفي المنطقة المسماة بـ"جبل طويق" في الزمــــن الحاضر. والظاهر أن غزو "امرئ القيس" لنجد قــد اضطر أكثـــر قبائل "مذحج" إلى الهجرة نحـو الجنوب , وكانت حسنة الصلات بـ"كـــدت" أي كنــــدة ، التي اضطرت أيضـــا إلى الهجرة إلى الجنـــوب ؛ ولهذا انضمتا إلى جيوش "شمر يهرعش" وإلى جيوش من جاء بعــــده مـن الملوك , وقد أشير إليهما في الكتابات بـ"كدت ومذحجم".
    وقـد أدت هجرة كندة ومذحج وبقية أعـراب نجد إلى الجنوب نتيجة لغزو العــــرب الشماليين لهم إلى استيطان قسم كبير منهم في العربية الجنوبية ودخــولهم في جيوش ملوك "حمير" وذلك لتهديد أعدائهم بهم ، إذ كانــوا أعرابًا أشداء ، يحبون الغزو والقتال حتى صاروا قوة رادعة مخيفة ولهذا السبب أدخل اسمهم في لقب الملوك كمــــا سنرى فيما بعـــد.
    ومن جملة القـــواد الذين تولوا قيادة الأعــــراب ، أو الكتائب الخاصة التي ألفها التبابعة منهم، قائد اسمه "وهب أوم" "وهب أوام" ، وكان من قــــادة "شمر يهرعش"، وقــــائد اسمه "سعد تالب يتلف" "سعد تألب يتلف" وكـان في أيـــام "ياسر يهنعم الثالث" وابنه "ذرأ أمر" وذلك على رأي "فون وزمن".
    إننا لا نعرف حتى الآن كيف استولى "شمر يهرعش" على حضرموت وكيـــف ضمها إلى سبأ إذ لـــم نتمكن مــن الظفر بكتابة فيها حـــديث عــن كيفية قضـــاء "شمـــر" على استقلال تلك المملكة. وعلمنا بضم حضرموت إلى سبأ، مقتبس مـــن اللقب الجديد الذي لقب "شمر" بـــه نفسه على نحو مـــا ذكــــرت.
    وقــــد رأى بعض الباحثين أن سقوط "شبوة" وتدميــرها في قبضة قــوات "شمر" كــــان في القرن الرابع للميلاد وقبــــل استيلاء الحبش على العرببة الجنوبية بزمــــن قصير.

    ذهـــب "ريكمنس" إلى أن "الحبش" احتلوا العــــربية الجنوبية حــــوالي السنة "335" بعـــد الميــــلاد ، ودام احتلالهم هــــذا لها إلى حوالي السنة "370م" ، ولــم يذكـــر من حكم بعـد "شمر يهرعش" ، غيــــر أنــه وضــــع "ملكيكرب يهأمن" في نهاية احتلال الحبش لليمن أي : بعد سنة "370م" ووضع لفظة "حسن" في قــوس قبل "ملكيكبرب يهأمن" ثـــم ذكــــر بعـــد "أب كرب أسعد" "ذرأ أمر أيمن".

    وفي النص Jamme 656 خبــــر حــــرب وقعــت بين "شمر يهرعش" وحضرموت وقد لقب "شمر يهرعش" فيــه بلقبه الجديد : "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت", وذكـر أن حضرموت كانت إذ ذاك تحت حكـــم ملكين , اســــم أحــدهما : "شرح ال" "شرح إيل" "شرحئيل" ، واسم الآخـر "رب شمس" "ربشمس" "رب شمسم".

    وزعــــم أن الملكين المذكـــورين هما اللــذان أعلنا "هشتا" الحــــرب على الملك "شمر يهرعش" غيـــر أن النص لــم يتحدث ، كعـــادة النصوص , إلى الأسباب التي حملــت الملكيـن على إعــــلان تلك الحــــرب.
    وقـــد ذكــــر أن عاقبتها كـانت سيئة بالنسبة لحضرموت , إذ خسرت فيها وأن الحــــرب كانت قــد وقعــت في "سررن" "سرران" وأن أصحاب النص وكانــــوا مــن "سباكهلن" "سبأكهلان" عـــادوا مع عشيرتهم من تلك الحرب سالمين غانمين.
    وقــد قدموا عُشر حاصل غلتهم مــن زرع أرضهم بـــ "رحبتن" "رحابتان" "رحبتان" ، للإلـه "المقه" ليبارك فيهم ويديم نعمــه عليهم ويــزيد مكانتهم عند سيدهم "شمر يهرعش، ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت" ولكي يعطيهم غلــة وافـــرة وحصادًا طيبًا هنيئًا.

    وقد شهد أصحاب هذا النص المعركة أو المعـــارك التي جــــرت في وادي "سررن" السر ، وهــــو وادٍ يقـــع على مسافة سبعة كيلومترات مــن مدينة "شبام" ، ويعـرف بـ"وادي سر" "وادي السر" , ولــــم يتحدثوا عــن معـــارك أخــــرى , مما يــدل على أنهــم لــــم يشتركوا في غير هذه المعركة، وأنهم عــــادوا بعــــدها مـــع قبيلتهم التي أسهمت في القتال إلى مــــواطنهم.

    وفي النص : Jamme 662 خبــــر مهم له عــــلاقة وصلة بالنص السابق وبالعلاقات فيما بين سبأ وحضرموت في هذا العهد. خبر يفيد أن "شبوت" "شبوة" كانت في أيــدي السبئيين في هـــذا العهد ، وأن الملك "شمر يهرعش" "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت" ، كــان قــد عين "يعمر إشوع" "يعمر أشوع" ، وهـــو سيد "وزع" مــن سادات "سبأ" ، على مــدينة "شبوة"، عينه عليها لحمايتها وللمحافظة على الأمـــن فيها ، وقـــد ذهب إليها ومعه قوم من "سبأ".
    وقـــد سر "يعمر أشوع" بالطبــع بهذا التعيين وشكر ربـــه "المقه" على هذا التـــوفيق العظيم الـــذي حصل عليه بفضله....

    فيظهر مــن هـــذا النص أن "شبوة" وهي عاصمة حضرموت ، كـــانت في أيـــدي "شمر يهرعش" ، قبــل اختيار "يعمر أشوع" ليكـــون حـــاكمًا عليها ومعنى هـــذا أن جزءًا من حضرموت كان قــد أصبح في جملة أمــلاك سبأ وهـــذا مــا حمل "شمر يهرعش" على إلحـــاق جملــة "وحضرموت ويمنت" إلى لقبه السابق ، وهو "ملك سبأ وذو ريدان".
    غيـــر أن السبئيين لـــم يكـــونوا قــد استولوا على كـــل مملكة حضرموت بـــدليل مـا ورد في النص السابق من وجـــود ملكيـــن كـــانا يحكمان حضرموت وهمـــا :
    "شرح إيل" و"ربشمس" "رب شمس".

    ويظهر أن "شرح أيل" هــذا هو الملك "شرح إيل" "شرحئيل" المذكـــور في النص CIH 948.
    أما الملك "ربشمس" هـــذا , فهو ملك آخــر لا صلة لـه بـ"ربشمس" الذي هو ابن الملك "يدع إيل بين" ملك حضرموت ووالـــد ملك آخـــر اسمه "يدع إيل بين" كـــذلك...

    ويتبين من النص : CIH 948 -وهــو نص فيـه أمــور غامضة غير مفهومة وعبـارات غيـــر واضحة ، أمــر الملك "شمر يهرعش" نفسه بتدوينه- أن الملك المذكـــور حــارب الملك "شرح ال" "شرحئيل" "شراحيل" "شرح إيل" ملك حضرموت ، وأنـــه انتصــر عليه انتصارًا كاسحًا.

    ويظهر أن الملك "شمر يهرعش" اضطر إلى قيادة حملة جديدة على حضرموت لأن الحضارمة انتهزوا فرصة عودة الملك "شمر يهرعش" إلى سبأ وعودة معظم جيشه معه سوى الحاميات التي تركها في بعض المدن والمواضع مثل "شبوة" التي مر ذكرها، فثاروا على السبئيين ثاروا بقيادة الملك "شرح إيل" الذي مر ذكره مما حمل الملك "شمر يهرعش" على الإسراع بالاتجاه نحو حضرموت للقضاء على الثورة.

    ويظهر من هذا النص ومن النصوص الأخرى أن الحضارمة وإن اندحروا وأُصيبُوا بهزائم في هذه المعارك , إلا أنهم لم يتركوا النضال في سبيل الاستقلال وفي سبيل التخلص من حكم سبأ ، وأن ما تذكره النصوص السبئية من أخبار الهزائم الفادحة والانتصارات الباهرة , هي من قبيل المبالغات في غالب الأحيان.

    ويلاحظ أن النص المذكور، قد أغفل اسم الملك الثاني "ربشمسم" "رب شمس" الذي كان يشارك "شرح إيل" في حكم حضرموت , ولا ندري بالطبع سر إغفال اسمه منه. كما يلاحظ أيضا أنه سمى الملك بـ"شمر يرعش" بدلًا من "شمر يهرعش" كما يرد في كل النصوص الباقية ويلاحظ أن الأخباريين لا يسمون هذا الملك إلا بـ"شمر يرعش".

    وبعد أن عاد الملك "شمر يهرعش" من حملته على وادي حضرموت، عاد فقاد حملة أخرى على أرض "أرض خولان الددن" "أرض خولن الددن", "خولان الدودان".
    وقد كلف الملك أحد قواده بأن يعسكر في مدينة "صعدة" "بهجرن صعدتم"، ويضع بها حامية, ثم يقوم بقطع الطريق على بعض فلول "خولان الدودان"، وقد نفذ القائد ما طلب منه، فتعقب تلك الفلول.
    ولما أنهى الملك الحرب التي قام بها في أرض "خولان الدودان" حارب جيشه فلول "سنحن" "سنحان" في وادي "دفا", وقد مَنَّ الإله "المقه" عليه، فأعطاه غنائم وأسرى وسبايا وأموالًا طائلة ، أرضته وشرحت صدره.

    وعاد الملك "شمر يهرعش" فأصدر أمره بوجوب الزحف على "سهرتن" "سهرتان" و"حرتن" "حرتان" ، أي : أرض قبيلة "حرت" "حرة".
    وهي أرض ورد اسمها قبلًا ، حيث سبق للملك أن زحف عليها ، وذلك قبل استيلائه على حضرموت. ولما انتهت القوات من مقاتلة "سهرتن" و"حرتن" ، اتجهت نحو الشمال لمحاربة فلول "نشدال" "نشد إيل" في وادي "عتود" ، الذي يصب في البحر الأحمر، والذي يقع على مسافة "85" كيلومترًا إلى الشمال الغربي من "جيزان".
    وتقع مدينة "جيزان" حوالي ثمانية كيلومترات إلى الشمال الشرقي من مصبه في البحر.

    ويتحدث نص وسم بـJamme 660 ، عن غارة قام بها رجل اسمه "حرثن بن كعبم" "الحارث بن كعب" ورجل آخر اسمه "سددم بن عمرم" "سداد بن عمرو" "سدد بن عمر" وكانا "جرينهن" ، وقد تعني اللفظة منزلة من المنازل الاجتماعية ومعهما محاربان من محاربيهم هما : "نخعن" "النخع" "نخعان" و"جرم" ، على "ذخزفن" بمدينة مأرب "هجرن مرب" ، فحققوا ما أرادوا ثم خرجوا من "مأرب" ومعهم "يعمر" سيد "وزع" سبأ. فأمر الملك "شمر يهرعش" أحد رجاله واسمه "وهب أوم" "وهب أوام" ، بأن يقتفي آثار الجناة ويقبض عليهم, فخرج إليهم وتعقبهم وقبض عليهم ، وجاء بهم إلى الملك حيث عرضهم عليه في قصره "سلحن" "سلحين" "سلحان" بمدينة مأرب..

    وكان "وهب أوم"، الذي تعقب الجناة وقبض عليهم من كبار الموظفين في حكومة "شمر يهرعش"، وكان بدرجة "كبر" أي : "كبير" وهي درجة رفيعة في الحكومة تعني أن صاحبها موظف من أكبر الموظفين في الدولة ، وأن الملك عينه ممثلًا عنه لإدارة المقاطعات.
    وقد وضعت تحت تصرف هذا الكبير إدارة ثماني مقاطعات وقبائل هي : "حضرموت" و"كدت" "كندة" و"مذحجم" "مذحج" و"بهلم" "باهل" و"حدان" "حدأن" و"رضوم" "رضو" و"إظلم" "أظلم" و"إمرم" "أمرم".
    والأسماء الأولى هي أسماء قبائل معروفة , معروفة عند أهل الأخبار كذلك, ولا يزال بعضها معروفًا حتى اليوم.
    وشخص تناط به إدارة هذه القبائل والأرضين ، لا بد وأن يكون من الموظفين الأكْفَاء في عهد "شمر يهرعش".
    ويظهر من تسلسل أسماء المواضع والقبائل، أنها كانت متجاورة يتاخم بعضها بعضًا إذ لا يعقل إدارة شخص في ذلك الوقت مقاطعات متفرقة, وقبائل متباعدة من الوجهة الإدارية.

    ويشير هذا النص إلى نوع من التنظيم الإداري الذي كان في حكومة سبأ في أيام هذا الملك.

    ويعد النص : Jamme 657 من النصوص التي تعود إلى هذا العهد أيضا. وهو نص دونه شخص من "مرحبم" أي : "مرحب" , لمناسبة تقديمه ثلاثة أصنام إلى ربه "المقه ثهوان" ، لأنه أجاب طلبه ومَنَّ عليه بتحقيقه كل ما سأله من رجاء وتوسلات , ولكي يحقق كل ما سيطلبه من مطالب من إعطائه ثمارًا كثيرة من كل مزارعه، ومن حمايته وحفظه من كل سوء، ومن رجائه في أن يحظى بمكانة محمودة عند ملكه.

    والنص : Jamme 661 ، هو كذلك من النصوص التي تعود إلى هذا العهد. وقد كتبه جماعة لمناسبة شفائهم من مرض خطير كاد أن يقضي عليهم، أُصيبُوا "مرضو" به في مدينة "ثت" "ثات" ، فلما شُفُوا منه، حمدوا ربهم "المقه ثهوان" "بعل أوام" , لأنه من عليهم إذ شفاهم وحفظهم ، وتوسلوا إليه أيضًا بأن يعطيهم القوة والمنعة، وبأن يمنحهم غلة وافرة ويبارك في زرعهم، ويبعد عنهم أعداءهم وشانئيهم بحق "المقه ثهوان".
    وقد استنتج "جامه" من النص : CIH 353 ، أنه قد كان للملك "شمر يهرعش" شقيق اسمه "ملكم" "ملك" "مالك" ، وقد سقط لقبه من هذا النص , وقد استنتج منه أيضًا أنه كان قد حكم مع أخيه "شمر" وشاركه في الحكم. ولم يرد اسم "ملكم" هذا في نص آخر , لذلك لم يدخل أكثر الباحثين في العربيات الجنوبية اسمه في عداد ملوك سبأ وذي ريدان.
    وقد وضع "فلبي" اسم "يرم يهرحب" بعد "شمر يهرعش" وقـــال : إن مــن المحتمل أن يكـــون أحد أبناء "شمر" وقـــد جعـل حكمه في حوالي السنة "310 بـ . مـ .".

    أما "فون وزمن" ، فجعل مــن بعـــده ولـــدًا لـه سماه "ياسر يهنعم" ، ولقبه بالثالث ليميزه عن "ياسر يهنعم" والد "شمر يهرعش" ، وعــن "ياسر يهنعم" الأول الـــذي عـــاش قبله.

    وأمــا "ريكمنس" , فـــذهب إلى أن "ياسر يهنعم" هذا لم يكن ابنًا لـ"شمر يهرعش"، بل كان أباه ، وقد حكم مع ابنه في بادئ الأمر حكمًا مشتركًا، ثم انفــرد ابنه بالحكم وأخذه لنفسه إلى أن مات ، فعاد الحكم إلى أبيه "ياسر يهنعم" فأشرك "ياسر" هذا ابنه "ثارن أيفع" "ثأران أيفع" في الحكم ، ثـــم أشرك ابنه الآخر "ذرأ أمر أيمن" معه في الحكم أيضا.
    ويعارض "فون وزمن" هذا الرأي ، إذ يـــراه تفسيرًا غريبًا لا مثيل لـــه في الحكـــم ، ويقتضي أن يكـــون عمـــر "ياسر" إذن عمرًا طـــويلًا جـــدًّا.
    وقـــد جعل "فون وزمن" حكم "ياسر يهنعم" الثالث وابنه "ثارن أيفع" فيما بين السنة "310" و "320" للميـــلاد.
    ثـــم ذكـــر اسم "ثارن يركب" "ثأران يركب" من بعدهما , وقـد جعل زمانه فيمــا بين السنة "320" و "330" للميـــلاد.
    ثـــم وضـــع "فون وزمن" أيــام حكم "ياسر يهنعم الثالث" وابنـــه "ذرأ أمر أيمن" في النصف الأول مـن القـــرن الـــرابع للميــلاد ، في حـــوالي السنة "330" بعـــد الميــلاد و "336" بعـــد الميـــلاد. وإذا كـــان هـــذا الافتراض صحيحا أو قريبا من الصحيح ، فـإنه يكـــون قـــد عاصـــر أو أدرك أيـــام "قسطنطين الكبير" "313-337 ب. م.".
    ويظهر من ذلك أن "فون وزمن" عـاد فــأعاد الحكـــم إلى "ياسر يهنعم" الثالث إلا أنــه قـــرن حكمه هذا مـــع حكم ابن آخــر لـه هو "ذرأ أمر أيمن".
    وأمــا "جامه" ، فقـــد ذهب مـــذهب "ريكمنس" في أن "ياسر يهنعم" الذي وضع هـــو أيضًا اسمه بعد اسم "شمر يهرعش" ، هـــو والـــد "شمر يهرعش" وقد حكم بعـــد ابنه "شمر" بسبب حـــادث لا نعرف سببه ، حكم مع ابن له حكمًا مشتركًا، ثم حكم مع ابن آخر لـه ، حكم مع "ذرأ أمر أيمن" مـــن حـــوالي السنة "305" وحتى السنة "320" للميلاد تقريبًا، ثم حكم مـــع ابنه الآخـــر "ثارن أيفع" "ثأران أيفع" مـــن حـــوالي السنة "320" وحتى السنة "325" للميـــلاد تقريبا.
    ويـــرى "جامه" أن تولي الأب الحكم بعـــد الابن ليس بحـــادث مستغرب فهنالك أمثلة لعودة الآباء إلى الحكم بعد حـــدوث شيء لأبنائهم ، وعودة "ياسر يهنعم" إلى الحكم بعد "شمر" هو مثل من تلك الأمثلة.
    ثـــم إن اسم "ياسر يهنعم" هو نفس اسم والد "شمر" لذلك يـــرى "جامه" أنه هـــو والد "شمر" نفسه وأنه حكم مع أولاده مرارًا.
    وعندي أن في رأي "جامه" هذا تكلفًا وتصنعًا، واتفاق اسمين لا يدل حتمًا على أن الاسمين لمسمًّى واحد ، وإن كان الزمن متقاربًا.
    ثـــم مـــن يثبت لنا أن "ياسر يهنعم" الـــذي يـــرد اسمه في النصين : Jamme 664 وJamme 665 هـــو "ياسر يهنعم" الأول والد "شمر يهرعش", لا سيما وأن لقـــب "ياسر يهنعم" في النصين يختلف عـن لقب "ياسر" والد شمر؟ وفي افتراض أخذ "ياسر" لقبه الجـــديد من اللقب الذي أحــدثه ابنــه في أيـــامه ، تكلف بَيِّن واضـح لا يؤيده أيضا دليل ، ثـــم إن تصور اشتراكه في الحكـــم مع أربعة أولاد ، هو تصور غريب أيضا ، ولذلك أرى أن "ياسر يهنعم" هذا هو شخص آخر، وليس بوالد "شمر".
    وأمــا أنــه ابن "شمر يهرعش" ، فـــلا أعتقد أنه رأي صحيح أيضا فلو كان ابن "شمر" لذكـــر اســـم والـــده في النصين كما هي العادة في النصوص وقــد كان من فخر الملوك ذكر أسماء آبائهم في النصوص إلا إذا لم يكونوا ملوكًا، فإنهم كانــوا يغفلون أسماءهم أو يذكرونها دون لقـــب, وقـــد كـان "شمر يهرعش" ملك وصـــاحب لقب جـــديد ، فقــد كان مـــن فخر "ياسر يهنعم" ذكـــر اسم والده مـــع لقبه لو كـــان ابن شمر حقًّا.
    وقـــد ورد اسم "ذرأ أمر أيمن" مـــع اسم والده "ياسر يهنعم" في النص :
    Jamme 665."
    وهو نص مهم جدًّا فيه أخبار حروب وأنبـــاء عــن الأعـــراب ، أي :
    أهل الوبر في العربية الجنوبية، وعن الأدوار التي كانـــوا يقومون بها مــن النـــواحي السياسية والحـــربية والاجتماعية, كما أن فيه أخبارًا عن التنظيمات الإدارية إذ ذاك. وصاحب النص مـــوظف كبير مــن مـــوظفي الـــدولة اسمه : "سعد تالب يتلف بن جدنم" أو من "آل جدنم" أي "جدن" وكان بدرجة "كبر" أي "كبير" على أعـــراب ملك سبأ "كبر أعـــرب ملك سبأ" وعلى "كدة" أي كنـــدة وعلى "مذحجم" ، أي "مــذحج" وعلى "حرمم" "حرم" "حرام"، وعلى "بهلم" أي "باهلم" "باهلة" وعلى "زيد ال" "زيد إيل" ، وعلى كل أعـــراب سبأ "وكل أعرب سبأ" ، وأعـــراب حمير وأعــراب حضرموت وأعراب "يمنت" أي اليمن.
    وقـــد دونـه لمناسبة تخليده ذكـــرى حــروب قام بها في أرض حضرموت وفي مواضع أخــرى ، كلفه القيام بها سيده الملك "ياسر يهنعم" وابنه "ذرأ أمر أيمن".

    وقـــد أُمِرَ ذلك الكبيرُ بالـــذهاب إلى حضرموت ، فـــذهب إليها ومعــه محاربون من أعـــراب ملك سبأ ومن كندة "كــدة" ، وانضـــم إليـه سادات "أبعل" "نشقم" "نشق" و"نشن" "نشان". ولما وصل مـــدينة "عبرن" "عبران" اصطدم بمحاربيها ، وجــرت معـــارك بين الطرفين. وتقــع "عبرن" غرب "وادي العبر" ويقال لها "حصن العبر" ، وهي مـــدينة ذات آبـــار.

    وقد اشترك في المعركة محاربون : ركبان "ركبم" وفرسان "أفرسم" ومشاة. ويقصد بـ"ركبم" المحاربون الذين كانوا يركبون الجمال ويقاتلون عليها ، وبـ"أفرسم" المحاربون الفرسان ، أي : الذين يحاربون وهـــم على ظهور الجياد. وقد ذكــر أن عدد المحاربين الراكبين كان "750" محاربا راكبا ، وأن عدد الفرسان كان سبعين فارسا. وقـد اصطدمت إحدى المفارز التي كـــانت مقـــدمة للجيش "مقدمتن" ، بمفـــرزة أرسلها ملك حضرموت لمباغتة محـــاربي "نشق" و"نشان" و"مأرب" ، وأخـــذهم على غـــرة لإيقاعهم في الأمـــر.

    فـــوقعت معـــركة عنـد موضع "أرك" وقـــد تمكن قــائد الحملة "سعد تألب يتلف" مـــن التغلب على الحضارمة ومن تخليص مقدمته وإنقاذ من كان قد وقع أسيرًا في أيدي المستوطنين الحضر من أهل المدر , الساكنين في مستوطنات "أحضرن" ، ثـــم اتجـــه بجيشه نحو "دهر" و"رخيت"، فجرت معـــركة تغلــب فيها على أهـــل الموضعين وحصل منهم على غنائــم وأسرى وأموال، واقتاد جمالًا وثيرانًا وبقرًا وغنمًا كثيرًا ، أخذها معه ، ثـــم اتجـــه نحـــو الأرضين المنخفضة "سفل" حتى بلـــغ "عيون خرصم" "أعين خرصم" "أعين خرص" ، حيث تحارب مع من كان هناك من العصاة والمنشقين والأعـــداء.

    ودخــل "السبئيون" بعد هذه المعركة معـــركة أخـــرى دخلوها مع قطعات "مصر" حضرموت المتقـــدمة "قدمهو". وكانت تتألف من "3500" جنـــدي راكب "أسدم ركبم" ومـــن "125" فارسًا "أفرسم"، وكان يقودها قائدان "أسود يهمو", أحدهما : "ربعت بن ولم" "ربيعت بن والم" "ربيعة بن وائل" ، وهـو من آل "هلم" ومن آل "الين" "ألين" ، وثانيهما : "أفصى بن جمن" "أفصى بن جمان" ثـم قائد الركبان "نحل ركبن" وأقيال "أقــول" وكبراء "أكبرت" حضرموت وأسباطهم.
    وقـــد أصيبت قـــوات حضرموت بخسائر ؛ قُتل منهم "850" محاربًا بحد السيف ، وأُسر "أقصى" ، وكـــان قـــائدا بدرجة "نحل" وأُسر "جشم" وهـــو "نحل أفرسم" ، أي قـــائد الفرسان ، وأُسر معهما "470" محاربًا وعـــدد من أقيال وكبـراء حضرموت وأُسر "45" فارسًا مــن فرسان حضرموت، وغُنم ثلاثون فرسًا وأُخذ 1200 جمل ركـــوب مـــع رحالها "برحلهن". وهكذا انتهت هذه المعركة بانتصار السبئيين على حضرموت.

    وأمر الملك قائده بأن يقاتل "بساعم" "بسأعم"، وأن يذهب لمساعدة قبيلة "جدنم" "جدن". فـــذهب ومعه "35" فارسًا وقطعات مـــن جيشه على "بسأعم", والتحم به، وتمكن من إنقاذ كل الروايا "كل روتهمو" المحملة على الدواب ، وكـــل الأمتعة المحملة على حيوانات الركوب ، كما استولوا على إبل من إبل "بسأعم". وعاد القائد مع جنده بعـــد ذلك سالمًا غـــانمًا بفضل الإله "المقه" ونعمــه عليه..

    ويظهر أن عهد "ياسر يهنعم الثالث" وعهد ابنه "ذرأ أمر أيمن" كـــانا مــن العهود السيئة لحكـــومة "سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت" ففيهما انفصلت "حضرموت" عــن تلك الحكومة، واستقلت أرض "سهرت" "سهرتن" "سهرة" "السهرة", واستعاد الحبش سلطانهــم في السواحل الغـــربية للعـــربية الجنــوبية, وانتهز "الأقيال" وسادات القبـــائل هـــذه الفــرصة ، فكونوا حكومات إقطاعية يحارب بعضها بعضًا، وعمت الفوضى تلك البلاد.

    وأما النص : Jamme 664 الذي دوّن فيه اسم "ياسر يهنعم" و"ثارن أيفع" "ثأران أيفع" "ملك سبأ وذ ريدن وحضرموت ويمنت" ، أي : "ملوك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، ويقصد بـ"ملوك" "ملكا"، أي: ملكان اثنان ، فصاحبه رجـــل اسمه "ال أمر ينهب" "إيل أمر ينهب"، وهو من "سحر" "سحار"، وكان قد أهــدى معبد "المقه ثهوان" "بعل أوام" صنمًا لأنــه أوحى إليـــه بــأنه سيهبه ولــدا ذكرا , وقـــد وهبه ولــدا سماه "برلم" "برل" "بارل", ولأنه أوحى إليه بـــأنه سيهبه أولادًا ذكـــورًا في المستقبل وأنه سيرفع من منزلته ومكانته عند سيديه : "يسرم يهنعم وثارن أيفع أملك سبأ وذ ريدن وحضرموت ويمنت", أي :
    "ياسر يهنعم وثارن أيفع ملكي سبأ وذي ريدن وحضرموت ويمنت" ولأنه أوحى إليــه بــأنه سيعطيه غلة وافـــرة وثمارا كثيـــرة مـــن أرضـــه الزراعية "أرضهمو" بمأرب وبنشق وبنشان.
    ويـــلاحظ أن هـذا النص لم يشر إلى أن "ثأران أيفع" كـــان ابنًا لـ"ياسر يهنعم" ، إذ لـــم يـــورد لفظة "وبنهو" التي تعني "وابنه" بــل ذكـــر "الواو" وحـــده ، أي : حرف العطف, ومعنى هذا أن "ثاران أيفع" لم يكن من أبناء "ياسر يهنعم" ، بل كــان غـــريبًا عنه.
    ثـــم يـــلاحظ أن النص ذكـــر لفظــة "أملك" أي : "ملوك" بعد اسم "ثأران أيفع" والواجب أن يكتب "ملكي"، أي "ملكا"، في حـــالة التثنية لا الجمـــع فلعل ذلك من خطأ الكاتب أو الناسخ للنص.
    وقد وضع "جامه" اسم "كرب ال وتر يهنعم" "كرب إيل وتر يهنعم" "كربئيل وتر يهنعم" بعد اسم "ثأران أيفع" ، وجعل حكمه من سنة "325"
    حتى السنة "330" للميلاد. ثـم نصب "ثأران يركب" ملكًا مــن بعـده ، وقـد جعـــل حكمه مـــن سنة "330" حتى السنة "335" للميلاد.
    ثـــم ذكـــر اسم "ذمر على يهبر" مــن بعـــده , وأعطاه لقب "الثاني" ليميزه بذلك عن "ذمر على يهبر" الذي حكم قبله بأمـــد , وذكـر أنه حكم من سنة "335" حتى السنة "340" للميـــلاد. ثـــم وضـــع اسم "ثأران يهنعم" مــن بعـــده ثـــم اسم "ملكيكرب يهأمن" "ملكي كرب يهأمن" ، ثـــم اسمي ملكين هما : "أبكرب أسعد" و"ذرأ أمر أيمن".

    وأما "فون وزمن" ، فوضع اسم "ذمر على يهبر" "ذمر على يهبأر" بعد اسم "ثارن يركب" ثم عاد فذكر اسم "ذمر على يهبر" مـــع ابنـــه "ثارن يهنعم" بمعنى أنهما حكمـــا معًـــا فيما بين السنة "340" والسنة "350" للميلاد. ثم ذكـــر أن "ثأرن يهنعم" حكم مـــع ابنـــه "ملكيكرب يهأمن" حكمًا مزدوجًا ، ثم حكم "ملكيكرب يهأمن" مع ابنيه "أبي كرب أسعد" و"ذرأ أمر أيمن". ثم أشار إلى انفراد "أبي كرب أسعد" مـــع ابنـــه "حسن يهأمن" "حسان يهأمن" بالحكم في حـــوالي السنة "400" للميـــلاد.

    وقـــد ورد اسم الملك "كرب ال وتر يهنعم" "كرب إيل وتر يهنعم" في النص : Jamme 666 , وصـــاحبه رجل اسمه : "أبكرب أبهر" "أبو كرب أبهر" ، ورجل آخر اسمه : "عبد عثتر إشوع" "عبد عثتر أشوع" ، و"وهب أوم أسعد"، وكانوا أقيالًا "أقول" على عشيرة "عضدن" "عضدان" ، وكانـــوا هـــم منها.
    وقد تقدموا إلى الإله "المقه" بصنم هـــو عبـــارة عن تمثال فـرس وعليه راكبه، "ركبهو" وذلك حمدًا له وشكرًا لأنـــه من عليهم وحماهم مـــن مالك الأرض "بن محر" ، ولأنـــه أسعدهم ولكي يبعد عنهم كل أذى وسوء وكل عدو حاسد ويعطيهم القوة والحظوة والمكانــة عنـــد سيدهم "كرب ال يهنعم" "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت" ويمنحهم حصادًا طيبًا وغلة وافـــرة.

    ويلاحظ أن هذا النص سمى الملك "كرب ال يهنعم" "كرب إيل يهنعم" ولم يذكر لفظة "وتر" بين "كرب إيل" و"يهنعم".
    وقد وضع "جامه" لفظة "وتر" بين الاسمين من عنده لاعتقاده بأن هذا الملك هو الملك "كرب إيل وتر يهنعم" الذي يرد اسمه في نص آخر وسم بـJamme 667.

    وأما النص : Jamme 667 فصاحبه رجل اسمه "رببم" "ربيب" وهو من "خلفن أنمرم" "خلفان أنمر" "خلفان أنمار" ومن "حيم" "حيوم". وقد ذكر فيه أنه قدم صنما إلى الإله "المقه ثهوان" "بعل أوام" ؛ لأنه من عليه بأن حفظه ونجاه من الثورة "بن حبل" والاضطرابات "وقسدت" "ق س د ت" التي وقعت بمدينة "ظفار" وذلك قبل هذا اليوم "بقدمي ذن يومن" , ولكي يديم نعمه ومننه عليه وينيله رضا وحظوة "حظى ورضو" سيده الملك "كرب ال وتر يهنعم ، ملك سبا وذ ريدن وحضرموت ويمنت" ، أي : "كرب إيل وتر يهنعم ، ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت".

    وقد ورد اسم الملك "ذمر على يهبر" في النص Jamme 668، وورد معه اسم ابنه "ثأران يهنعم" , وأصحابه جماعة من "سباكهلن" ، أي "سبأكهلان".
    وقد حمدوا فيه الإله "المقه" , لأنه نجَّى وحمى وحفظ أصحاب النص ولأنه من عليهم فمكنهم من الحصول على غنائم في المعارك التي خاضوها ومن أخذ سبي من أعدائهم، مما أثلج نفوسهم وشرح صدورهم وأفرحهم ، ولكي يبارك فيهم ويرضى عنهم سيدهم الملك "ذمر على يهبر" وابنه "ثارن يهنعم" وهما "ملكا سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، ولكي ينعم عليهم "وليهعننهمو" ، ويمتعهم في الحياة "متعنهمو" ويبعد عنهم كل أذى وسوء.

    وورد اسم "ثارن يهنعم" "ثأران يهنعم"، وبعده اسم ابنه "ملك كرب" يهامن" "ملككرب يهأمن" "ملكيكرب يهأمن" "ملكي كرب يهأمن" ، في النص : Jamme 669 ، وهو نص دونه جماعة من عشيرتي : "عبلم" "عبل" "عبال" و"قترن أتون" "قتران أتوان" ، حمدوا فيه الإله "المقه" لأنه أنعم عليهم فوهبهم مولودًا ذكرًا ولأنه أوحى إليهم بأنه سيهبهم أولادًا
    ذكورًا، وأنه سينجيهم من الضر والسوء، ولأنه أمات "وميت" "يحمد" الذي دخل أرضهم وقاتل أولادهم وآذاهم، ولأنه حفظ أخاهم وشفاه مما أصيب به من مرض جعله صامتا هادئا ، وتعبيرًا عن شكرهم وحمدهم هذا، أهدوا معبده صنمًا "صلمن" وكتابة "مسدم" "مسندم" ، وكانت زنتهما "عصيم" "عصى" ، وقدموا ثورين "ثنى ثورن" إلى "كلونم" "كلوان".
    ويلاحظ أن هذا النص لم يذكر مع اسم "ملككرب" "ملك كرب" "ملكيكرب" لقبه وهو "يهأمن" من بعده، بل أهمله.

    كما ورد اسمه وبعده اسم ابنه في النص : Jamme 670. وقد دونه "شرحعثت إشوع" "شرحعثت أشوع", وابنه "مرثدم" "مرثد", وهما من "سخيمم" سادات "بيت ريمان" "أبعل بيتن ريمن" ، وأقيال عشيرة "يرسم" من قبيلة "سمعي" التي تكوِّن ثلث "حجرم" "حجر". وقد كتباه لحمد الإله "المقه" وشكره؛ لأنه من على عبده "شرحعثت أشوع" فعافاه مما ألَمَّ به من مرض شديد "ضللم" كاد أن يقضي عليه، حل به بمدينة "ظفار" , ولأنه أعاد إليه ابنه "كسدم" فساعده, ولكي يبارك فيه وفي ابنه "مرثد" ، ويبعد عنهما كل مرض, ويرفع من مكانتهما لدى الملكين : "ثأران يهنعم وابنه ملك كرب يهأمن ، ملكي سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت".

    وكتب جماعة من "سخيم" سادات "بيت ريمان" "أبعل بيتن ريمن" وأقيال "أقولن" "يرسم" من عشيرة "سمعي"، التي تكون ثلث عدد "حجرم ذخولن جددتن" "حجر خولان جددتان" ، نصًّا وسم بـJamme 671؛ وذلك ليكون معبرًا عن حمدهم وشكرهم للإله "المقه" الذي من عليهم بنعمه وساعدهم بالقيام بالعمل الذي كلفهم به سيداهم: "ثأران يهنعم" و"مككرب يامن" "ملك كرب يامن" "ملكيكرب يأمن" ، "ملكأ سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت" ، وهو أن يتقدموا ويقودوا "لقتد من" جيش الأعراب "خمس بعرب"، ويتجهوا إلى السد "عرمن" الذي تهدم "بكن ثبرت عرمن بحببض" عند موضع "حببض" "حبابض" وموضع "رحبتن" "رحبتان" "الرحبة" "الرحابة" فتداعت جدرانة ومبانيه وأحواضه وسدوده الفرعية ومضارفه "مضرفن" ، الواقعة فيما بين "حبابض" و"رحبتن" "الرحبة" وخرب منه ما مقداره سبعون "شوحطم" "شوحطا".
    وقد حمدوا الإله "المقه" وسبحوه لأنه أجاب دعوتهم، فحبس الأمطار والأمواج والسيول عنهم حتى تم العمل وأقاموا الأسس والجدران والسد, ولأنه وفقهم في خدمة سيديهم "ثأران يهنعم"، و"ملككرب يامن" "ملك كرب يأمن" "ملكيكرب يأمن".
    ويظهر من هذا النص أن خرابًا كان قد حل بسد "حبابض" ، فتهدم قسم منه فأضر ذلك بالمزارع التي كانت ترتوي منه , وأن الملك أمر بإصلاحه وبإعادة بنائه ، وقد تم هذا العمل في عهده.

    وأما الذي حكم بعد "ذرأ أمر أيمن" الذي هو ابن "ياسر يهنعم الثالث" فهو "ذمر على يهبأر", وكان قد حكم على رأي "فون وزمن" في حوالي السنة "340 ب. م.". وقد استنتج "فون وزمن" رأيه هذا من كتابة ورد فيها اسم القائد "سعد تالب يتلف" وهو في خدمة "ذمر على يهبأر". ولما كان هذا القائد قد خدم في عهد "ياسر" وابنه، رأى أن "ذمر على يهبأر" يجب أن يكون هو الملك الذي تولى الحكم بعد "ذرأ أمر أيمن", وقد نعته بـ"ذمر على يهبأر الثاني" تمييزًا له عن ملك سابق حكم بهذا الاسم.

    وقد تمكن القائد المذكور من الوصول إلى موضع "صوران" "صورأران" الواقع غربي الطريق المؤدية إلى روضة "سررن" "سرران" بوادي حضرموت. واشترك في معركة نشبت في "سرران" على مقربة من موضع "مريمت" "مريمات" , وهو موضع تقع آثاره وخرائبه اليوم بين "سيوون" و"تريم" ، في المكان الذي سماه "بطلميوس" Marimatha.

    ولا نعلم من أمر "ذمر على يهبأر" شيئًا يذكر. أما الذي جاء بعده في الحكم، فهو "ثارن يهنعم" ، "ثأران يهنعم" ، وهو ابنه, وقد حكم مع أبيه حكمًا مشتركًا بعد السنة "340م" على رأي "فون وزمن". وقد عثر على
    عدد من الكتابات من أيامه, وفي عهده تصدع السد -سد مأرب- للمرة الثالثة على ما جاء في المسند.
    ولعل النصوص الموسومة بـJamme 669 وJamme 670 وJamme 671 هي آخر النصوص التي نقرأ فيها اسم الإله "المقه" ، إله سبأ الكبير ورمز السبئيين.
    وقد عثر عليها المنقبون في معبده بمدينة مأرب المعبد المعروف بـ"أوم" "أوام" ، وهي مكتوبة في عهد الملك "ثارن يهنعم" وابنه "ملككرب يهأمن" "ملكيكرب يهأمن".
    وإذا كان هذا الانقطاع صحيحًا، أي : إن المنقبين لن يعثروا على كتابات أخرى تحمل اسم ذلك الإله وتمجده فإنه يمكن تفسيره عندئذٍ بإعراض ملوك سبأ منذ عهد هذين الملكين أي: منذ أواخر القرن الرابع بعد الميلاد، عن عبادة "المقه" وبقية آلهة سبأ ودخولهم في التوحيد.

    ولو افترضنا احتمال عثور الباحثين على كتابات مفقودة فيها اسم "المقه" ، فإن عهدها لن يكون طويلًا ذلك لأننا سوف نرى بعد قليل أن الملك "ملك كرب يهأمن" "ملكيكرب يهأمن" وهو ابن الملك "ثأرن يهنعم" "ثاران يهنعم" ، يتجاهل بعد توليه الحكم اسم "المقه" ، ولا يتقرب إليه على سنة الملوك الماضين، بل يتقرب إلى إله جديد هو الإله "ذ سموى"، أي الإله "رب السماء" ، وهو تحول يدل على حدوث تغير عند هذا الملك بالنسبة إلى ديانة آبائه وقومه، ويدل على دخوله في ديانة جديدة ، هي ديانة "رب السماء"، أو "رب السماوات" ، وهي ديانة تعبر عن عقيدة التوحيد ، وعن اعتقاد الملك بوجود إله واحد هو "رب السماء".
    وقد عثر على الكتابات المذكورة بـ"منكث" خارج خرائب "ظفار".
    ويرى بعض الباحثين احتمال حدوث هذا التحول في عهد الملك "ثارن يهنعم" , ويرون أن هذا التحول يتناسب كل التناسب مع الرواية المعزوة إلى "فيلوستورجيوس" Philostorgios عن كيفية تنصير الحميريين ، إذ زعم أن "ثيوفيلوس" Theophilos كان قد تمكن من إقناع ملك حمير بالدخول في النصرانية، فدان بها ، وأمر ببناء كنائس في "ظفار" وفي "عدن", وكان القيصر "قسطنطين الثاني" "350-361 م" هو الذي أرسله إلى العربية الجنوبية ليدعو إلى النصرانية بين أهلها. ويؤيدون رأيهم هذا بالكتابة المذكورة التي يرجع عهدها إلى سنة "378 م" أو "384م" فهي غير بعيدة عن أيام "ثارن يهنعم" ، ويحتمل لذلك أن يكون هو الملك الحميري الذي بدل دينه الوثني، ودخل في ديانة التوحيد.

    تابع الجزء الثالث 》》》


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:51 pm

    【سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت】

    الجزء الأول :

    وفي حوالي السنة "300ب. م." أو بعد ذلك بقليل، لحقت اللقبَ الرسميَّ لملوك "سبأ وذي ريدان"
    إضافةٌ جديدةٌ، هي "حضرموت ويمنت" فصار "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، وصرنا نقرأ أسماء الملوك، ونقرأ بعدها هذا اللقب الجديد.
    وفي الإضافة الجديدة دلالة على أن مملكة "سبأ وذي ريدان" عدت حضرموت منذ هذا العهد أرضًا تابعة لها وخاضعة لحكمها , ليس لها منذ هذا الضم استقلال ولا ملوك، وأنها عدت أرض "يمنت" خاضعة لها وجزءًا من ممتلكاتها كذلك. ومعنى هذا أن رقعة أرض "سبأ وذي ريدان" قد توسعت كثيرًا بهذا الضم.

    وكلمة "يمنت" لم ترد قبل هذا العهد, لا في المسند ولا في كتب "الكلاسيكيين", ولهذا فهي بالنسبة إلينا لفظة جديدة ، وقفنا عليها في الكتابات التي دونت بعد الميلاد. وقد يأتي زمان يعثر فيه العلماء على كتابات تحمل هذه الكلمة، وترجع بها إلى ما قبل الميلاد.

    ويمنت -في رأي "كلاسر"- كلمة عامة تشمل الأرضين في القسم الجنوبي الغربي من جزيرة العرب , من باب المندب حتى حضرموت.
    وكانت تتألف من مخاليف عديدة يحكمها أقيال وأذواء مستقلون بشئونهم ، ولكنهم يعترفون بسيادة "ظفار" أو "ميفعة" عليهم.
    ومن أشهر مدن "يمنت" الساحلية في رأي "كلاسر" Ocelis عند باب المندب، و"عدن" Arabia Emporium و"قانة" "قنا" Cane في حضرموت.

    وتعني "يمنت" في العربيات الجنوبية الجنوب , وقد رأى "فون وزمن" أنها تعني القسم الجنوبي من أرض حضرموت ، وهي الأرض التي كانت عاصمتها "ميفعت" "ميفعة" في ذلك الزمان.
    ومن "يمنت" ولدت كلمة اليمن التي توسع مدلولها في العصور الإسلامية حتى شملت أرضين واسعة ، لم تكن تعد من اليمن قبل الإسلام ، تجدها مذكورة في مؤلفات علماء الجغرافيا والبلدان والموارد الأخرى.

    واليمن عند أهل الأخبار أرض واسعة يحدها من الغرب بحر القلزم ، أي : البحر الأحمر، ومن الجنوب بحر الهند ، أي :
    البحر العربي في اصطلاحنا, ومن الشرق البحر العربي ، وتتصل حدود اليمن الشمالية إلى حدود مكة حيث الموضع المعروف بـ"طلحة الملك".

    وقد أورد أهل الأخبار على مألوف عادتهم تفاسير لسبب تسمية اليمن يمنًا، فذكروا أن اليمن إنما سميت يمنًا نسبة إلى يمن بن قحطان وقيل: إن قحطان نفسه كان يسمى بيمن. وقيل : إنما سميت بيمن بن قيدار , وقيل : سميت , لأنها يمين الكعبة , وقيل : سميت بذلك, لتيامنهم إليها وقيل: لما تكاثر الناس بمكة وتفرقوا عنها، التأمت بنو يمن إلى اليمن، وهو أيمن الأرض.

    وأول ملك نعرفه حمل اللقب الجديد ، لقب "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، هو الملك "شمر يهرعش" المعروف بـ"شمر يرعش" عند الإسلاميين. أما أبوه فهو "يسر يهنعم" "ياسر يهنعم"، المعروف والمشهور أيضا مثل ابنه بين أهل الأخبار.
    وقبل أن أدخل في موضوع "شمر يهرعش" وفي أبيه، أودُّ أن أبين أن
    الباحثين في هذا اليوم ليسوا على اتفاق في عدد من تسمى بـ"ياسر يهنعم" وفي أيام حكمهم، وكذلك في عدد من تسمى بـ"شمر يهرعش" وفي أيام حكمهم , فبينما كان قدماؤهم يذهبون إلى وجود "ياسر يهنعم" واحد ووجود "شمر يهرعش" واحد، ذهب بعض المحدثين إلى وجود شخصين اسم كل واحد منهما "ياسر يهنعم"، وشخصين اسم كل واحد منهما "شمر يهرعش" واسم والد كل واحد منهما "ياسر يهنعم".

    وقد ذهب "فون وزمن" إلى وجود ثلاثة ملوك كان اسم كل واحد منهم "ياسر يهنعم"، وثلاثة ملوك كان اسم كل واحد منهم "شمر يهرعش" واسم والد كل واحد منهم "ياسر يهنعم".

    أما "ياسر يهنعم الأول"، فجعل زمان حكمه في حوالي السنة "200" للميلاد , وقد حكم معه ابنه المسمى بـ"شمر يهرعش" ، وقد لقبه بالثاني ليميزه عن ملك آخر حكم قبله وتسمى بهذا الاسم أيضا ، وهو "شمر يهرعش" ، الذي دعاه بالأول وقد حكم في حوالي السنة "140" للميلاد. ولم يعرف اسم والده.

    وجعل "فون وزمن" حكم "ياسر يهنعم الثاني" في حوالي السنة "270" للميلاد، وقد حكم ابنه "شمر يهرعش الثالث" معه، ثم حكم "شمر يهرعش الثالث" وحده.
    ثم نصب ملكًا آخر من بعده ، جعل حكمه في حوالي السنة "330" للميلاد سماه "ياسر يهنعم الثالث" حكم مع ابنه "ثارن يهنعم" "ثأران يهنعم".
    ويعرف "ياسر يهنعم" عند أهل الأخبار بـ"ياسر أنعم" وبـ"ناشر النعم" وبـ"ياسر ينعم" وبـ"ناشر ينعم" وبـ"ناشر أنعم"، وزعموا أنه إنما عرف بذلك لإنعامه عليهم، ووالده في نظرهم "عمرو بن يعفر بن حمير بن المنتاب بن عمرو بن زيد بن يعفر بن سكسك بن وائل بن حمير بن سبأ" أو "يعفر بن عمرو بن حمير بن السياب بن عمرو بن زيد بن يعفر بن سكسك بن وائل بن حمير بن سبأ" أو "عمرو ذي الأذعار" ، أو عمرو بن يعفر بن شرحبيل بن عمرو ذي الأذعار". وزعموا أنه سار إلى وادي الرمل بأقصى الغرب , فلم يجد وراءه مذهبًا، فنصب صنمًا من نحاس، وزبر عليه بالمسند : "هذا الصنم لناشر أنعم ، ليس وراءه مذهب، فلا يتكلف أحد ذلك فيعطب".

    وقد حكم "ياسر أنعم" أو "ناشر النعم" أو "ناشر ينعم" بعد "بلقيس بنت إيليشرح" معاصرة "سليمان" "1021-981 ق. م." ، على رواية من روايات أهل الأخبار ، أو بعد ثلاثين سنة أو أربعين من حكم "سليمان" لحمير ، حيث أخذه منه وأعاده إلى حمير , فملكهم هو، وكان ملكه خمسًا وثلاثين سنة.
    وهكذا رجع أهل الأخبار زمان "ياسر أنعم" إلى ما قبل الميلاد ، وصيروه معاصرًا لسليمان ، وهو من رجال أواخر القرن الثالث للميلاد.

    أما سبب اشتهاره بين أهل الأخبار بـ"ناشر النعم" ، أي : "محيي النعم" فلأنه كما يقولون : "أحيا ملك حمير" أو "لإنعامه عليهم بما قوى من ملكهم, وجمع من أمرهم" أو "لإنعامه على الناس بالقيام بأمر الملك, ورده ذلك بعد زواله". ولفضله العميم هذا على حمير، نعتوه بالنعت المذكور.
    ونسب الأخباريون إلى "ناشر النعم" الغزوات والفتوح , زعموا أنه جمع حميرَ وقبائل قحطان , وخرج بالجيوش إلى المغرب حتى بلغ البحر المحيط , فأمر ابنه "شمر يرعش" أن يركب البحر ، فركب في عشرة آلاف مركب ، وسار يريد وادي الرمل ، ونزل "ناشر النعم" على صنم "ذي القرنين" فأخرج عساكره إلى الإفرنج و"السكس" وأرض "الصقالبة" ، فغنموا، وسبوا ، ورجعوا إليه بسبي عظيم. ولما رجع "شمر" من المحيط إلى أبيه، أمر بمنارة فبنيت إلى جانب منارة ذي القرنين ثم أمر فكتب في صدر التمثال الذي عليها من النحاس بالمسند :
    هذا الصنم لياسر أنعم الحميري وليس وراءه مذهب، فلا يتكلفن ذلك فيعطب.
    ونسبوا إليه فتح "الحبشة" ، وإرسال العساكـــر إلى أرض "الـــروم بني الأصفر" , وملكهم يـــومئذ "باهان بن سحور بن مــدين بن روم بن أسطوم بــن روم بــن نـاطس بــن سامك بــن رومي بــن عيص ، وهـــو "الأصفر بن يعقوب" ، وذكروا أنه غلب على أرض "التـــرك" ، وسار إلى "التبت" و "الصين" وأرض "الهند".

    فلما بلغ "نهاوند" و"دينور"، مات بها, فـــدفنه ابنه "شمر" في ديـــار الغربة وولي الملك بعـــده.

    وأبــت قـــرائح أهــل الأخبـــار إلا أن تضيف إلى "ناشر النعم" شعــرًا ، فيه فخــر وفيه حماسة ، زعمت أنه قاله. وأضافت إلى ابنــه شعرًا ، زعمت أنـه قـــاله في رثــاء أبيه , ولم تنسَ هذه القـــرائح أن تأتي بنماذج من كـــلامه العربي العذب لترينا أنه كسائر ملوك اليمــن يتكلـــم بلسان عـــربي مبين.

    أما نحن ، فلا نعلم شيئًا من أمـر هذه الفتــوح والغزوات ، ولا من أمــر هذا المنظوم أو المنثور, وإنما الذي نعرفه أنــه كـــان يسمى "ياسر يهنعم" ، لا "ناشر النعــم" كمـــا جعله الأخباريون وأنه عـــاش في القرن الثالث للميلاد وبيــنه وبين "سليمان" مئـــات مـــن السنين ، وأنــه لا يمكن أن يكون قــد خلــف "بلقيس" معـــاصرة "سليمان" على حد زعــم أهل الأخبـــار ، ولا أن يكون قــد انتزع الملك من "سليمان" ولا أن يكــون صاحب فضـــل ونعمة على "حمير" , لأنـــه أنقذهم من حكم "سليمان".
    وكـــل مـا في الأمـــر أن الاسم كـــان بالنسبة إلى أهـــل الأخبـــار غـــريبًا فصيروه "ناشر النعم" ، وابتكروا لــه قصصًا في تفسير معنى ذلك الاسم.
    وإذا كـــان حكـــم "ياسر يهنعم" في النصف الثـاني مــن القـــرن الثالث للميلاد ، فـــإنه يكون من المعاصرين لمملكة "تــدمر" ، وربما كان قد عاصر الملكة الشهيرة "الزباء" ، وأدرك أيــام سادات الحيـــرة أول مؤسسي أسرة "لخـــم".
    وقـــد قـــدر بعض البـاحثين في العربيات الجنوبية زمان حكم "ياسر يهنعم" بأوائل النصف الأول من القرن الثالث للميلاد، أي: في حوالي سنة "201" أو "207" للميلاد فما بعدها.

    ولا نعـرف اسم والد "ياسر يهنعم" إذ لم يرد ذكــره في النصوص , أما أهل الأخبار فقــد عينوه وثبتوه على نحو ما ذكرت، وصيره "حمزة" "شراحيل" -وهـــو على زعمه- عم "بلقيس" التي حكمت اليمن قبل عمها "ناشر النعم".

    وقد ذهب "فلبي" مستندًا إلى دراسة بعض النصوص إلى احتمـال كـــون "العذ نوفان يهصدق" الـــذي وضـــع اسمه قبـل اسم "ياسر يهنعم" والـــدًا لــه.

    وقــد ورد اسم "ياسر يهنعم" في جملة نصوص، منها نص رقمه العلماء بـCIH 46 ، عثـــر عليه في مـــوضع "يكرن" "يكاران" ، "يكــر" "يكار" أرخ بشهر "ذو المحجة" "ذو محجة" "بورخن ذ محجتن" "ذو الحجة" من سنة "385" مــن التأريـخ الحميري , الموافقة لسنة "270م" مـن سني "مبحض بن إبحض" "مبحض بن أبحض".
    وقـد جـــاء فيه اسم الإلــه "عثتر ذو جــوفت" بعل "علم" و"بشر" ، أي : إلــه وسيد مـــوضعي "علــم" و"بشر" واسم قبيلتي "مهأنف" و "شهر".

    وقــد تبين مــن الكتـــابات أن "ياسر يهنعم" كان قـد حكم وحده في بادئ الأمـر ، لم يشاركه أحد في اللقب ولا في الحكــم ، ثم بدا لـه ما حمله على إشراك ابنـــه "شمر يهرعش" معـــه بدليل ذكر اسمه من بعـــده ، وبعده : "ملك سبأ وذي ريدان" ، فصرنا نقــرأ الكتابات المتأخرة المــدونة في هــذا العهــد وبها اسم الملكين.

    وورد اسم "ياسر يهنعم" وابنه "شمر يهرعش" في نص آخـــر مؤرخ كذلك أُرِّخَ في شهر "مذران" "مذرن" سنة "316" مــن سني تقـــويم "نبط ال" "نبط إيل" دوَّنــه "فرعن يرل بن ذرنح" "فرعان يأزل بن ذرنح" و"يعجف" رئيس قبيلتي "قشم" "قشمم" و"مضحيم" "مضحي" وذلك عنـد بنائها "ماجلهمو" "مأجل" صهريجين يخزنان فيهما المياه لإسقاء أرضين لهما مغروسة بالكروم وكان ذلك في أيام سيديهما "ياسر يهنعم" وابنه "شمر يهرعش" ملكي "سبأ وذي ريدان", ولهذه المناسبة تيمنا بذكر اسمي الملكين.

    وقد قدر "فلبي" مبدأ تقويم "نبط إيل" بسنة "40 ق . م." , فإذا أخذنا بهذا التقدير , يكون هذا النص قد دون حوالي سنة "276ب. م.".

    وأود أن ألفت نظر القارئ إلى أن أحد النصين قد أرخ بـ"سني نبط" "نبط ال" "نبط إيل" , وأن النص الآخر قد أرخ بسني "مبحض بن أبحض" ، كما عثر على نصين آخرين أرخا بسني "مبحض بن أبحض".

    وقد ذهب العلماء إلى أن الناس كانوا يؤرخون في ذلك الزمان وفق تقويمين، أي: تأريخين, مبدأ أحدهما تقويم "نبط" "نبط إيل" , ومبدأ ثانيهما تقويم "مبحض بن أبحض", والفرق بين التقويمين خمسون سنة أو خمس وسبعون سنة. وقد بقي الناس يؤرخون بهذين التقويمين أمدًا، ثم مالوا إلى التوريخ بتقويم واحد، إلى أن أهمل أحدهما إهمالًا تامًّا. ويرى "بيستن" أن التقويم الذي أهمل وترك، هو تقويم "نبط" نبط إيل"، وأن الذي بقي مستعملًا هو تقويم "مبحض بن أبحض".

    ويرى "بيستن" أن الكتابات السبئية المتأخرة، قد أرخت وفق تقويم "مبحض بن أبحض" ، وإن لم تشر إلى الاسم , إذ أسقطته من الكتابات.
    أما مبدأ هذا التقويم ، فيقع فيما بين سنة "118" و"110 ق. م." , غير أن الناس لم يؤرخوا به عمليًّا وفي الكتابات إلا في القرن الثالث بعد الميلاد.
    أمــا فيما قبل القـــرن الثالث للميـلاد فقد كانـــوا يـــؤرخون على عـــادتهم بتقاويم محلية مختلفة.
    ويرى "ريكمنس" أن التـــواريخ التي أرخـــت بها النصوص المـــؤرخة في عهد "ياسر يهنعم" وفي عهـــد ابنـــه "شمر يهرعش" تختلف عن التقويم السبئي المألـــوف الـــذي يبـدأ -على رأيه- بسنة "109 ق. م." وهي لذلك لا يمكن أن تثبت وفق هذا التقويم.

    وقد حارب "ياسر يهنعم" الهمدانيين الذين تعاونوا مع قبائل "ذي ريدان" لمهاجمة "مأرب" ، غيـــر أنـــه بــاغت الهمدانيين في غرب "صنعاء" وتغلب عليهم.
    وفي النص الموسوم بـCIH 353 خبـــر ثــورة للحميريين على "ياسر يهنعم" وابنـــه "شمر يهرعش" في "ضهر" , وقـــد حـــاصر "ياسر" الحميريين , ويـــرى "فون وزمن" أن هـــذه الثورة حدثت في حوالي سنة "300ب. م.". وقــد عثـر على كتابات في منطقـة "ضهر" ، وهي لا تبعـــد كثيـــرًا عــن "صنعاء", وفي هـــذه المنطقة خـــرائب "دورم" ، كما عثـــر على كتابات في "ثقبان" بين "ضهر" و"صنعاء".
    أما الـــذي حـــارب "شمر يهرعش بن ياسر يهنعم" ، من الحميريين ، وذلك كما جاء في النص المتقدم، أي النص الموسوم بـCIH 353 فـ"يرام أيمن" وأخوه "برج" "بارج". فيكون حكمها إذن في أيام "شمر يهرعش"، أي في القرن الثالث للميلاد. وهذا مما يشير إلى أن العلاقات بين الطرفين أي : بين "سبأ" و"حمير" , كـــانت قـــد تعـــرضت لهزة عنيفة خطيـــرة حتى تحولت إلى حرب أشير إليها في هذا النص.
    ومن النصوص التي تعـــود إلى الدور الثاني مـن أدوار حكم "ياسر يهنعم" النص : Jamme 646 ، وصـــاحبه شخص اسمه "شرح سمد بن يثار" "شر حسمد بن يثأر" وآخـــر اسمه "الفنم" "الفن" "الفان". وكانا من كبار الضباط في حكـــومة "ياسر يهنعم" وابنـــه "شمر يهرعش" ، ومـن درجة "مقتوى". وقــد دونـــا نصهما حمـــدًا وشكرًا للإله "المقه" "بعل أوام" ؛ لأنه مكنهما من الشخص الذي أراد إحراج "ذ حرجهو" مكانتهما وزعزعتها عنـد سيدهما "شمر يهرعش" ، ولكـــن "المقه" مَـنَّ عليهما وشملهما بفضله ولطفه, فنصرهما عليه وأبطل خطته في إحراج مكانتهما "يحر جنهو" عند سيدهما.
    وتعبيـــرًا عـــن حمدهما وشكرهما لـه تقدما إلى الإله "المقه" بصنم "صلمن" وضعاه في معبد "أوام", ولكي يمن عليهما ويبعد عنهما أذى الأعداء وحسد الحاسدين.

    وورد اسم "ياسر يهنعم" واسم ابنه "شمر يهرعش" في النص :Jamme 647 , وهو نص دونه ضابطان كبيران "مقتوى" من ضباط الملكين لمناسبة ولادة مولود لهما "هو ولدم" وقد شكرا فيه الإله "المقه" "بعل أوام" على هذه النعمة، وتوسلا إليه بأن يمن عليهما بأولاد آخرين؛ وبأن يرفع من مكانتهما عند سيديهما الملكين ، وبأن ينصر جيشهما ويرفع من مكانة قصر "سلحن" "سلحين" "سلحان" مقر الملوك بمأرب ومن منزلة قصر "ريدان"، وتوسلا إليه بأن يبارك في كل ما قام به الملكان من أعمال ، وبأن يبارك في كل مشروع وضعوه في خلال السنين السبع في أي مكان كان , في مأرب أو في صنعاء أو في نشق أو في نشان "نشن"، وفي كل مكان يجتمعون به في أرض البدع الخمس "بارضت خمس بدعتن"، أو في مواضع السقي "وسقين" , ولكي يحفظهما من كل بأس وأذى ، وبأن يبعد عنهما حسد الحاسدين.
    وورد اسمهما في النص: Jamme 648 ، وهو مثل النص المتقدم حمد وشكر للإله "المقه" "بعل أوام" , لأنه حفظ صاحب النص وعافاه وأعطاه الصحة وبارك في حياته وفي حياة ابنه، ولكي يرفع من مكانته ومكانة ابنه , ويجعل لهما الحظوة عند الملكين ويرضيهما عنهما, ولكي يبعد عنهما أذى كل مؤذٍ، وحسد كل شانئ حقود.
    ولـ"شمر يهرعش" قصص ومقام لدى الأخباريين, له عندهم ذكر فاق ذكر والده بكثير. هو عندهم "تبع الأكبر الذي ذكره الله سبحانه في القرآن لأنه لم يقم للعرب قائم قط أحفظ لهم منه ... فكان جميع العرب بنو قحطان وبنو عدنان، شاكرين لأيامه.

    وكان أعقل من رأوه من الملوك وأعلاهم همةً وأبعدهم غورًا وأشدهم مكرًا لمن حارب، فضربت به العرب الأمثال" إلى غير ذلك مما رتبه "وهب بن منبه" عنه, وكان على زعمهم معاصرًا لـ"قباذ بن شهريار" الفارسي. ولما بلغه أن الصغد والكرد وأهل نهاوند ودينور هدموا قبر "ناشر النعم" وفرقوا رخامه وزجاجه وما كان فيه من جذع وغيره، غضب غضبًا شديدًا ونذر لله نذرًا : "ليرفعن ذلك القبر بجماجم الرجال حتى يعود جبلًا منيفًا شامخًا كما كان".

    ثـــم سار بجيوشه وبـأهل جـــزيرة العرب ، فسار إلى أرمينية، فبلغ ذلك "قباذ" ، فأمـــر "الترك" بالمسير إلى "أرمينية" ، فسارت "التـــرك" تـــريد أرمينية فقاتلهم قتالا شديدا , ثـــم هـــزمهم فقتلهم قتــلًا ذريعًا , ثـــم سار نحـــو المشرق فتغلب على "قباذ" واستولى على الفــرس ، وأعاد بناء قبـــر أبيه.

    ثـــم هــدم المدائن بدِينَوَرَ و"سنجار" بين نهاوند ودينور "فجميـــع الأرض التي خربها شمر يهرعش ، سماها بنو فــارس شمر كنـد ، أي : "شمر خرّب" باللسان الفارسي , فأعـــربته العـــرب بلسانها ، فقالـــوا : "سمرقند" ، وهـــو اسمها اليوم" ، ثـم بسط سلطانه على الهند ، وعين أحــد أبنـــاء ملوك الهند ملكًا على الصين ، ثـــم عاد فسار إلى مصر ، ومنها إلى الحبشة ، فاستولى عليها ، وهــرب "الأحباش" إلى غربي الأرض إلى البحـــر المحيط ، فتبعهم "شمر" حتى بلغ البحر، ثم رجع قافلًا إلى المشرق ، فمـــر بمدينة "شداد بن عــاد" على البحـــر ، فأقام بها خمسة أحـــوال.
    ثم ذهب لزيارة قبر والده ، ثم رجـــع إلى بلاده إلى "قصر غمدان" ، فــأقام فيـه إلى أن تـــوفي وعمره ألف سنة وستون عامًا , بعـــد أن ملك الأرض كلهـا.
    وزعم بعض أهل الأخبار أنه هو الذي بنى الحيـــرة بالعـــراق.
    وزعـــم "حمزة" أن والد "شمر" هـــو "إفريقيس" ، وذكره على هذا النحو : "يرعش أبو كـــرب بن إفريقيس بن أبرهة بن الرايش" وإنما سمي يرعش لارتعاش كـــان بــه".
    وذكــر أن رواة أخبار اليمن تفرط في وصف آثـاره ، ثم ذكر بعض ما ذكروه عنه ، وذكر أن بعض الـــرواة يزعمون أنــه كان في زمان "كشتاسب" ، وأن بعضًا آخـــر يزعم أنه كان قبله ، وأن "رستم بن دستان" قتله، وجعل ملكه سبعًا وثلاثين سنةً.
    وقال الأخباريون : إن "شمر يرعش" هـــو أول ملك أمـــر بصنعة الـــدروع المفاضة التي منها سواعدهـا وأكفها وهي الأبدان ، وقد فرض على فارس ألف درع يؤدونها كــل عـــام ، وكـان عامله عليهم "بلاس بن قباذ"، وجعل على الروم ألف درع يؤدونها كل عام وكان عامله على الـــروم "ماهان بن هرقل", وجعل على أهل بابل وعمان والبحرين ألف درع، وعلى أهل اليمن ألف درع.
    وجعلوا أهـــل "التبت" من بقايا قـوم "شمر يرعش" , وذكـــروا عنه قصصًا أخـــرى من هـــذا القبيل , ولم ينسوا بالطبـــع حكمه وشعـــره ، فذكروهما.
    أما علمنا عنه ، فيختلف عن علم أهل الأخبار عنه.
    وقــد حصلنا على علمنا عنـــه مـــن كتابات المسند من أيامه. وهي كلها خــرس صامتة ، ليس فيها شيء من أخبـــار تلك الفتـــوحات المـــزعومة والحـــروب الـــواسعة التي أشعلها "شمر" على زعمهم في جميـــع أنحاء الأرض ، وليس فيها كـذلك شيء عن نقل حمير إلى "التبت" وإسكانه لهم في تلك الأرضين البعيــدة ، وليس فيها شيء مـا عن قبـــر والده بدينور ولا عــن تهديمه لمـــدينة "سمرقند".

    ونستطيع تقسيم كتابات المسند من أيـــام "شمر يهرعش" إلى قسمين : كتابات من أوائل أيـــام حكمه ، أي : الأيـــام التي حكـــم فيها بلقب "ملك سبأ وذي ريدان" , ولـــم يكـــن قـــد استولى بعــد على حضرموت ويمنت وكتـــابات مـــن العهد الثاني من أيام حكمه، أي: العهد الذي لقب فيه نفسه بلقب "ملك سبأ وذي ريدان ويمنت" حتى وفـــاته, وانتقـــال الحكـــم إلى خليفته في الحكم.
    ومــن كتـــابات الـدور الأول ، الكتابة التي وسمها العلماء بـ Glaser 542 وقـــد سقطت أسطر منها. وهي على جـــانب كبير من الأهمية بالنسبة إلى مـــن يـــريد الوقـــوف على تأريـــخ التشريع عند الجاهليين , ترينا قانونًا سنه الملك لشعب سبأ ، أهــل "مأرب" وما والاها , في تنظيم البيوع بالمواشي والرقيق. فحدد المدة التي يعد فيها البيع تمامًا ، وهي أمد شهر والمدة التي يجوز فيها رد المبيع إلى البائع، وهي بين عشرة أيام وعشرين يومًا.
    كما بين حكـــم الحيـــوان الهالك في أثنــاء المدة التي يحق للمشتري فيها رد ما اشتراه إلى البائع ، فحددها بسبعة أيام , فـإن مضت هــذه الأيام وهلك الحيوان في حـــوزة المشتري وجب عليه دفـــع الثمن كامـــلًا إلى
    البائع ، ولا يحق له الاعتراض عليه والاحتجاج بأن الحيوان قد هلك في أثناء مدة أجاز له القانون فيها فسخ عقد الشراء.

    ويعد النص الموسوم CIH 407 من النصوص المهمة , من الأيام الأولى من أيام حكم "شمر يهرعش". وهو يتحدث عن حرب قام بها جيش "شمر" في شمال غربي اليمن امتدت رقعتها حتى بلغت اليم, شملت أرض "عسير" و"صبية" "صبا" بين وادي "بيش" ووادي "سهام" , وهي أرض تهامة , قام بها ضد قبائل "سهرت" "سهرة" و"عكم" "عك" وغيرها. وصاحبه رجل اسمه "أبو كرب"، وهو في درجة "مقتوى" أي : قائد في جيش شمر , وقد أبلى في هذه الحرب بلاءً حسنًا ، فقتل ثلاثين من الأعداء ، وقتل أسيرين، وغنم فيها كثيرًا. فقدم من أجل ذلك إلى الإله "المقه ثهون بعل أوم" تمثالين من الذهب، وتمثالًا من الفضة ؛ لأنه من عليه فأنقذه من مرض أصابه في مدينة "مأرب" مدة ثمانية أشهر ولأنه من عليه في الحرب التي اشتعلت في "وادي ضمد"، وامتدت حتى موضع الـ"عكوتين" "عكوتنهن" وساحل البحر , وقد انتصرت فيها جيوش "شمر" على جمع من قبائل تهامة عسير. ومن القبائل التي ورد اسمها في هذا النص: "ذ سهرتم"، أي: "ذو سهرت" "ذ سهرتن" "ذو سهرت" "ذو سهرة" "سهرة" "ساهرة" و"دوأت" و"صحرم" "صحار" "صحر" و"حرت" "حرة" , و"عكم".

    فيتبين من هذا النص أن الملك "شمر يهرعش" سير حملة عسكرية إلى جملة قبائل من قبائل عسير وتهامة حتى ساحل البحر، فانتصرت الحملة عليها , وتعقبت القبائل في البحر وجرت معارك في وسطه ، وأنزلت بالمنهزمين ، وهم على أمواج البحر خسائر فادحة. وقد استدل بعض الباحثين من إشارة "أبي كرب" إلى الخسائر التي مُنِيَ بها المنهزمون وهم في البحر، إلى أن أولئك المنهزمين كانوا من الحبش الذين كانوا يحكمون ساحل تهامة ، وأن المعركة قد وقعت في البحر الأحمر.

    ويقع موضع "عكوتن" "العكوتان" شمال "وادي ضمد" , وأما "صحار" "صحرم" ، فيقيمون اليوم حوالي "صعدة" , وأما "سهرتم" "سهرة" فقبيلة تقع منازلها في تهامة ، وربما كانت منازلها من "وادي بيش" في الشمال إلى "وادي سردد" "وادي سردود" في الجنوب, وقد كانت هذه القبيلة على صلات قوية بالحبش في أيام "الشرح يحضب". وقد أدت فتوحات "شمر يهرعش" في هذه الأرضين التي بلغت سواحل البحر الأحمر إلى دخوله في نزاع مع الحبش الذين كانوا يحتلون مواضع من الساحل ، ويؤيدون بعض القبائل لوجود أحلاف عقدوها معها.

    و"عكم" "عك" من الأسماء المعروفة التي ترد في كتب أهل الأخبار.
    أما هنا ، فإنه اسم قبيلة.

    وإلى هذا العهد أيضا تعود الكتابة : Jamme 649 وهي من الكتابات التي تتحدث عن حروب وقعت في أيام "شمر يهرعش". وقد دونها رجل اسمه "وفيم أحبر" "وفي أحبر" "وافي أحبار" ، وهو من "حبب" "حبيب" و"هينن" "هينان" و"ثارن" "ثأران" "ثئرآن" ، وهم من "عمد" و"سارين" "سأريان" و"حولم" , أقيال "أقول" عشائر "صروح" "صرواح" و"خولان حضلم" "خولان حضل" و"هينان". وكان "وفيم أحبر" ضابطًا كبيرًا "مقتوى" عند "شمر يهرعش" "ملك سبأ وذو ريدان" دونها لمناسبة تقديمه صنمًا "صلم" إلى الإله "المقه" "بعل أوام" لأنه نجاه وحفظه وأعانه في كل المعارك والمناوشات والغزوات "سبات" "سبأت" ، التي خاضها لمعاونة "شوعن" سيده الملك، وذلك في "سهرتن ليت" "سهرتان ليت"، و"خيون" "خيوان" , و"ضدحن" "ضدحان" ، و"تنعم" و"نبعت" "نبعة" ، ولأنه ساعده وقواه ومكنه من قتل خمسة محاربين في خلال هذه المعارك ، أطار رءوسهم بسيفه ، ولأنه مكنه من أخذ أسير ومن الحصول على غنائم كثيرة ولأنه أنعم على قبيلته بغنائم كثيرة حصلت عليها من هذه المعارك وبأسرى جاءت بهم إلى مواطنها, ولأنه عاد معها سالمًا غانمًا معافًى.

    وأرض "سهرتن ليت"، هي جزء من أرض "سهرتن"، وتقع غرب "دوت" "دوات" "دوأة", ويسقيها "وادي ليت" "وادي لية". وأما "خيون" "خيوان" فموضع يقع على وادي "خبش"، في المنطقة المهمة من "حاشد" , وهو مدينة تقع في جنوب شرقي "جيزان" , وعلى مسافة "90" كيلو مترًا تقريبا جنوب شرقي صعدة وحوالي "105" كيلومترات شمال "صنعاء".

    وأما موضع "ضدحن" "ضدحان" فإنه وادي "ضدح" "الضدح" الذي يوازي "وادي أملح"، ويقع إلى الجنوب منه, وعلى مسافة "35" كيلومترًا إلى جنوب شرقي "الأخدود".
    وأما موضع "نبعت" "نبعة" , فإنه "نبعة" ، وهو تلال تقع بين وادي "حبونت" "حبونة" ووادي "ثار" "ثأر" , وقد يكون موضع "نبعة" المكان الذي يسمى اليوم "مجونة" الذي يقع على مسافة "25" كيلومترًا شمال شرقي "بئر سلوى" وعلى مسافة "63" كيلومترًا من شمال غربي "الأخدود".
    وإذا كان هذا الرأي الأخير صحيحًا صار موضع "تنعم" فيما بين "صندحان" و"نبعت" "نبعة".

    وتحدث النص عن معارك أخرى وقعت بعد المعارك المتقدمة، وقد اشترك فيها مدون النص. إذ يذكر "وفيم أحبر" أنه قاتل وأعان سيده "شمر يهرعش" وذلك في وادي "ضمدم" "ضمد"، وأنه ذهب مع سرية لاستطلاع الأخبار عن قبيلة "حرت" "حرة"، وقد قتل خمسة محاربين من محاربي العدو، قطع رءوسهم، وقد كان ذلك أمام سريته، مما ترك أثرًا مهمًّا فيهم. ثم يذكر أنه أصيب في هذه المعارك بخمسة جروح، أصابت وركيه وقدميه وفرسه "ندف". وقد خشي من أن يؤدي الجرح الذي أصاب قدميه إلى قطعهما، وخشي على فرسه كذلك من أن تنفق من الجرح الذي أصابها، غير أن الإله "المقه" لطف به، فشفاه وعافاه وشفى فرسه, وأعاده مع قبيلته التي حاربت معه، إلى موطنه، غانما محملا مع عشيرته بالغنائم وبالأموال التي استلبوها من أعدائهم، وبعدد من الأسرى.

    وقد قاتل "وفيم أحبر"، مرة أخرى في وادي "حرب" "حريب"، على مقربة من "قريتهن" "قريتهان" "القريتان"، ثم جاء إليه أمر سيده الملك "شمر يهرعش" بأن يتجه على رأس قوة تتألف من "170" محاربًا من المشاة من عشيرتيه "صرواح" و"خولان", ومن ستة فرسان؛ وذلك لمهاجمة عشائر "عكم" "عك" و"سهرت" "سهرة" ولإنزال ضربة قاصمة بها، فاتجه نحوها، والتقى بها عند "عقبت ذر جزجن" "عقبة ذر جزجان"، وألحق بها خسائر, حاربها من وقت شروق الشمس، وطول النهار وحين اشتدت حرارة الشمس إلى وقت الغروب، وكل الليل حتى طلع "كوكبن ذ صبحن"، كوكب الصبح، فاضطرت إلى الهروب، وعندئذ أدار وجهه نحو فلولها فقتل منها، وقد ذبح محاربًا واحدًا أمام المحاربين، وأخذ أسيرين. وكان عدد من قتل من الأعداء عند المعركة "عقبت ذر جزجن" "عقبة ذر جزجان" مائة وعشرة محاربين، وعدد من وقع في الأسر من المحاربين "46" أسيرًا محاربًا، وعدد من سُبِيَ "2400" سبي، وغنم من الإبل "316" بعيرًا، عدا الماشية الأخرى التي نهبت وأخذت.

    وإلى هذا العهد أيضا يعود النص : Jamme 650 وصاحبه شخص اسمه "بهل أسعد" "باهل أسعد" من عشيرة "جرت" "جرة" ومن عشيرة
    "بدش" أقيال "أقول" عشيرة "ذمرى هوتن" "ذمرى هوتان"، التي تكون ربع قبيلة "سمهرم" "سمهر", وكان ضابطًا كبيرًا بدرجة "مقتوى" عند الملك "شمر يهرعش" "ملك سبأ وذي ريدان". وقد سجله لمناسبة إهدائه معبد "أوام"، وهو معبد الإله "المقه" "بعل أوام" صنمًا، من العُشْر "ابن عشر يعشرن" الذي يعشر من كل زرع ليكون نصيب الإله "المقه ثهوان". أخذه من حاصل زرع الصيف "قيظن" ومن ثمار الجنينات أو الجني "جنين"، وجعله قربة له؛ لكي يمن عليه بالنعم، ويبارك فيه وفي أمواله وفي سيده الملك، ولأنه أسعده وحفظه في كل المناوشات والحروب والغزوات "بكل سبات وحريب سباو" التي خاضها، ولأنه عاون "شوعن" سيده الملك، في المعارك وفي القتال وفي المناوشات التي وقعت بين قوات الملك التي اشترك هو فيها وبين قبيلة "سهرتن" "سهرتان"، والتي انتهت بانتصار "سبأ وذو ريدان"، وعاد الجيش منها محملًا بالغنائم وبالأسلاب وبالماشية التي انتزعت من الأعداء وبالأسرى, وليمن عليه في المستقبل فيعطيه ذرية طيبة "هنام" "هنأم" هنيئة من أولاد ذكور، وليرعاه ويحفظه ويقيه في المعارك التي سيخوضها من أجل سيده الملك.

    فيظهر من هذا النص أن "بهل أسعد"، كان يتحدث عن المعارك والمناوشات التي وقعت في أرض "سهرتن" "سهرتان" "سهرة"، بين الملك "شمر يهرعش" وبين رجال قبيلة "سهرتن" العاصية التي مر اسمها مرارًا فيما سبق في عداد القبائل الثائرة المحاربة لحكومة سبأ والتي كانت قد مُنيت بخسائر كبيرة ومع ذلك فإنها لم تترك عداءها لملوك مأرب.

    وفي النص: Jamme 651 أخبار مهمة سجلها لنا رجل اسمه "عبدعم" من "مذرحم" "مذرح"، ومن "ثفين" "ثفيان"، وكان من كبار ضباط "مقتوى" جيش الملك "شمر يهرعش". وقد ذكر أنه أهدى معبد "أوام" صنما "صلمن"، وهو معبد الإله "المقه"؛ لأنه من عليه وشمله بلطفه وفضله، إذ أعانه وأعان من كان معه من رجال عشيرته "شعبهو" ومن أتباعه ومحاربيه الذين كانوا معه ومن انضم إليه من أهل البيوتات ومن سواد الناس "محقر" "حقراء"، من أبناء البيتين المتصاهرين: "همدان" و"بتع"، إذ أمره سيده الملك بأن يذهب بهم إلى "مأرب" "مريب"؛ ليحميها ويقيها من الأمطار التي ستتساقط في اليوم التاسع من يوم موسم سقوط المطر المعهود "وذنم ذنم بيوم تسعم عهدتن"، وفي أوائل أيام الشهر، وفي أيام الموسم الثاني من سقوط المطر، وقد أمره الملك بأن يقوم بهذا الواجب، حتى شهر "أبهى".

    وقد حمد صاحب النص إلهه "المقه" لأنه وحد بين البيتين: بيت "همدان" وبيت "بتع"، ولأنه أعانه في القيام بعمله الذي كلف به، فكافح وهو على رأس جيش "خمس" "خميس" سبأ ومن كان معه لبناء سور وحصون "مأرب" وفي إقامة حواجز وموانع وسدود لتحول بين السيول وبين اكتساحها المدينة، وفي إنشاء مبانٍ وأحواض "مضرفن" في جهة "طمحنين" "طمحنيان"، حتى تمكن من إنجاز كل ما كلف به، دون أن يخسر جنديا واحدا من الجنود الشجعان الذين كانوا من جنود "كبر رحلم" كبير "رحلم" "رحال"، فأرضى بذلك سيده الملك وشرح صدره.
    وتوسل بعد ذلك إلى الإله "المقه" لكي يقيه من كل "باس" "بأس"، أي: من كل أذًى وشر، ولكي يرفع من منزلته وينال الرضا والحظوة عند سيده الملك, ويمنحه غلة وافرة وثمارًا كثيرة من ثمار الصيف والخريف في كل مزارعه, وتوسل إليه أيضا بأن يبعد عنه كل نكايات "نكيتن" الأعداء.
    ويشير هذا النص إلى سقوط أمطار غزيرة في ذلك الموسم، هددت مدينة "مأرب" ، فأمر الملك الشخص المذكور بأن يقوم على رأس قوة من جيش سبأ ومن كبار "همدان" و"آل بتع"، بتقوية سور مأرب وتحصينه وحمايته من مداهمة السيول له، وبإنشاء سدود وموانع لمنع الأمواج العاتية من اكتساح مأرب والأماكن الأخرى, وذلك بمن جمعهم من الناس من سوادهم ومن ساداتهم؛ للقيام بهذه الأعمال ولمنع المسخرين الذين سخروا من الفرار ، وقد وضع الملك جيشًا تحت تصرف هذا القائد، في جملته مفرزة من جنود الكبير "كبر رحلم" "كبير رحلم" "رحال".

    وسجل شقيقان كانا من "حظرم عمرت" "حظرم عمرة"، ومن ضباط "مقتوى" الملك "شمر يهرعش" حمدهما وشكرهما في كتابتهما التي وسمها الباحثون بـ Jamme 652 للإله "المقه" ، لأنه من على سيدهما بالعافية وبالبركة وأوفى له ما أراد، ولأنه رفع حظوتهما عنده وزاد في رضاه عنهما , وليرعاهما ويحفظهما في أيام الحروب وفي أيام السلم، ويقيهما أذى الأشرار وحسد الحساد ولكي يعاونهما ويشد الإله أزرهما في إرضاء سيدهما ، ويبارك في قصره ، أي : قصر الملك "سلحن" "سلحين" "سلحان" .
    ويحدثنا النص : Jamme 653 بحمد "سباكهلن" ، أي : "سبأكهلان" لربهم "المقه" وشكرهم له؛ لإفضاله وإنعامه عليهم، بأن استجاب لدعائهم، فأمطرهم بوابل من رحمته، وأنزل الغيث عليهم وذلك مع برق "برق خرف" الخريف ، أي : موسم أمطار الخريف، الذي تساقط عليهم سنة "تبع كرب بن ودال" "تبعكرب بن ودايل" من "حزفرم" "آل حزفر" الثالث. وقد استبشروا به وسُروا, وسألوا ربهم "المقه" وذلك في اليوم الرابع من ذي "فقهى"، شهر ذي "مليت" الذي هو من أشهر الخريف "ذ منذ خرفن"، بأن ينزل عليهم غيثًا يسقي أوديتهم ويكفي زرعهم، غيثًا يرضيهم ويسرهم ويثلج صدورهم، وبأن ينال أهل "سبأكهلان" رضا سيدهم "شمر يهرعش" ويرفع من حظوتهم "حظى" عنده.
    وقد كتب النص المذكور بمدينة "مأرب" ، قبل ثلاث سنوات من الكتابة المرقمة بـCIH 314 + 954 التي يخلد فيها "الشرح يحضب الثاني" وأخوه "يأزل بين" "يازل بين" "يزل بين" انتصارهما على السبئيين, وطردهما "شمر يهرعش" من مأرب.
    وذكر جماعة من "عقبم" "عقب" "عاقب" "عقاب"، بأنهم أهدوا معبد "أوام" صنمًا "صلمن"؛ وذلك حمدًا للرب "المقه" وشكرًا له لأنه رزقهم ولدًا ذكرًا، ولكي يرزقهم أولادًا ذكورًا، ولكي يبارك فيهم وفي أموالهم ويرضي سيدهم "شمر يهرعش" عنهم ويرفع من منزلتهم وحظوتهم عنده، ولكي يبارك في زرعهم ويعطيهم غلة وافرة وحصادًا جيدًا.

    ويذكر "شرح ودم" "شرحودم" "شرح ودّ"، و"رشدم" "رشيدم" "راشد" "رشيد" ، وهو بدرجة "وزع" "وازع" أي : سيد قبيلة "ماذن" "مأذن"، أنهما قدما صنمًا إلى الإله "المقه ثهوان"؛ لأنه أوحى إلى قلبهما بأنه سيمنحه ولدًا "رشدم" ولذا يسميه "ودًّا" وذلك من زوجته "أثتهر" "حلحلك" , وأنه سيعطيه مولودًا غلامًا "غلمم" ، عليه أن يسميه "مرس عم" "مرسعم" وأنه سيرزق عبده "شرح ودم" ولدًا ذكورًا وأنه سيمنحهما غلة وافرة وحصادا جيدا ، وأنه سيرفع من مكانتهما عند سيدهما الملك وسيبارك في زرعهما وفي زرع قبيلتهما ، وذلك في موسمي الصيف والخريف .

    وفي النصف الثاني من سني حكمه، تلقب "شمر يهرعش الثالث" ، أي "شمر يهرعش" الذي نبحث فيه الآن بلقب "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت".
    وتدل هذه الإضافة الجديدة إلى اللقب ، على استيلاء "شمر يهرعش" على حضرموت ، أو على جزء كبير منها. أما "يمنت" فيرى "فون وزمن" أن المراد بها الأرضون التي تكون القسم الجنوبي من مملكة "حضرموت" , ويستدل على رأيه هذا بوجود عاصمتين لحضرموت هما : "شبوة" و"ميفعة" ، مما يدل على انقسام المملكة إلى قسمين : قسم شمالي يدعى حضرموت ، وقسم جنوبي يعرف بـ"يمنت" "يمنات" اليمن.

    ويقع النصف الثاني من حكم "شمر يهرعش" في رأي "فون وزمن" ، ما بين "285ب. م." أو "291 ب. م." أو "310ب. م." أو "316 ب. م." ومعنى هذا في رأيه أن "شمر" كان يعاصر "امرأ القيس بن عمرو" المذكور في نص النمارة , المتوفى سنة "328م" والذي حارب وأخضع قبائل عديدة منها: مذحج ومعد وأسد "أسدين" ونزار "نزرو"، ووصل إلى "نجران" عاصمة "شمر".
    وقد يعني ذلك أن حروبًا نشبت بين الملكين.

    ولم يشر نص "النمارة" إلى بقية اسم "شمر"؛ لنعرف من كان ذلك الملك الذي كان يحكم في ذلك الزمان، والذي كانت مدينة "نجران" مدينته إذ ذاك. ويظهر من هذا النص أن قتالًا نشب بين قوات "امرئ القيس" و"شمر" صاحب نجران، وأن النصر كان لامرئ القيس.

    تابع الجزء الثاني 》》


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:52 pm

    《الحميريون》

    وقد كان الحميريون يسيطرون على القسم الجنوبي الغربي من العربية الجنوبية في أيام مؤلف كتاب "الطواف حول البحر الأريتري"، ولا سيما في مدينة "ظفار" وحصنها الشهير المعروف بـ"ريدان" ، الذي يرمز إلى ملك حمير والذي يحمي العاصمة من غارات الأعداء , وهو بيت الملوك وقصرهم أيضًا.

    وقد كانت منازل حمير في الأصل إلى الشرق من هذه المنازل التي ذكرها مؤلف الكتاب. كانت تؤلف جزءًا من أرض حكومة قتبان وتتصل بحكومة حضرموت وتقع في جنوب "ميفعة".
    وتؤلف أرض "يافع" المسكن القديم للحميريين , وذلك قبل نزوحهم عنها قبل سنة "100" قبل الميلاد إلى مواطنهم الجديدة , حيث حلوا في أرض "دهس" "داهس" وفي أرض "رعين" حيث كانت "رعين" فأسسوا على أشلائها حكومة "ذو ريدان".

    وحدود أرض حمير في مواطنها القديمة : أرض "رشأى" "رشاي" و"حبان" "حبن" في الشمال وأرض حضرموت في الشرق، وأرض "ذيب" "ذياب" في الغرب , وقد كانت في الأصل جزءًا من حكومة قتبان.

    ويظهر من الكتب العربية أن الحميريين كانوا يقطنون حول "لحج" في منطقة "ظفار" و"رداع" وفي "سرو حمير" و"نجد حمير".

    وقد عرفت الأرض التي أقام بها الحميريون بـ"ذي ريدان" "ذ ريدن" نسبة إلى "ريدن" "ريدان" ، قصر ملوك حمير بعاصمتهم "ظفار".
    وهو عند حمير بمثابة قصر "سلحن" "سلحان" "سلحين" ، وقصر "غمدن" "غمدان" عند السبئيين.

    وقد أخذ حصن "ريدان" اسمه من حصن أقدم عهدًا منه كان في قتبان بُنِيَ عند ملتقى أودية في جنوب العاصمة "تمنع" , عرف بـ"ذي ريدان" "ذ ريدان"، وقد بني على جبل يسمى بـ"ذي ريدان" يؤدي إلى "حدنم" "حدن".
    ولما كان الحميريون يقيمون في هذه الأرض المعروفة بـ"ذي ريدان" وذلك حينما كانوا أتباعًا لمملكة قتبان , لذلك أطلقوا على الحصن الذي بنوه بـ"ظفار" اسم حصن "ذي ريدان" , تيمنًا باسم قصرهم القديم وأطلقوا "ذي ريدان" على وطنهم الجديد الذي أقاموا فيه بعد ارتحالهم عن قتبان , ليذكرهم باسم وطنهم القديم.

    وقد عثر على كتابة في خرائب حصن "ريدان" القديم , الذي كان قد بناه الريدانيون أيام إقامتهم بقتبان قدَّر الخبراء زمان كتابتها بحوالي السنة "400" قبل الميلاد.

    ويقع حصن "حدي" عند حافة الجبل الذي تقع عليه خرائب "ريدان"، وهو اسم يذكرنا باسم "حدنم" المذكور.

    وقد كان الحميريون أتباعًا لمملكة قتبان قبل انتقالهم إلى وطنهم الجديد , فأرضهم كانت خاضعة لحكومة قتبان , تؤدي الجزية لها وتعترف بسيادة ملوك قتبان عليها ولذلك أطلق السبئيون عليهم "ولد عم" أي : ولد الإله "عم" و"أمة عم" "ملة عم" وهو إله قتبان. وتعني تلك الجملة "جماعة عم" أي : قتبان ومن يخضع لها من قبائل، فـ"عم" هو رمز قتبان وهو تعبير يؤدي معنى التبعية والجنسية بالمعنى الحديث.
    ولما كان الحميريون أتباعا لقتبان في ذلك العهد , وإن لم يكونوا يتعبدون للإله "عم" إله قتبان أُدخلوا في جملة "ولد عم" للتعبير عن المعنى المذكور.

    وقد عثر الباحثون على كتابات مؤرخة سنة 1094, أرخت بالتقويم العربي الجنوبي الذي يرجع عهده إلى السنة "115" أو "109" قبل الميلاد , عثر عليها في أرضين حميرية. وقد تبين من تحويل تلك السنين إلى سنين ميلادية ، أنها تعود إلى السنة "400" للميلاد فما بعد.

    ويرى بعض الباحثين أن السنة المقابلة لسنة "115" أو "109" قبل الميلاد، وهي السنة الأولى من سني التقويم العربي الجنوبي ، هي سنة نشوء حكومة حمير وظهورها إلى الوجود بصورة فعلية , ولهذا صار الحميريون يؤرخون بها لما لها من أهمية في الناحية السياسية عندهم.

    وقد كان الحميريون يغزون أرض حضرموت ويتحرشون بطرق تجارتها ، ولا سيما طريق "شبوة" - "قنا" "قانة" المؤدي إلى المدن الجنوبية والساحل , لذلك اضطرت حضرموت إلى إقامة سور يسد الوادي "وادي لبنا" "لبنة"، أقيم من حجارة قوية بحيث سد الوادي فليس للمارة سبيل سوى الباب الذي يحرسه حراس أشداء.
    ويظهر أن إقامة ذلك السور كان قبل السنة "400" قبل الميلاد.

    وقد اكتسح الحميريون أملاك غيرهم من جيرانهم , فاستولوا على أرض "رعين" , وقد كانت "رعين" مملكة صغيرة حكمها ملوك كما تبين ذلك من الكتابات.
    وقد كانت هذه المملكة تحكم أرض "عرش" وقد استولى عليها الحميريون أيضا , كما استولوا على كل الأرضين التي كانت خاضعة لحكم ملوك "رعن" "رعين" فأضافوها إلى حكومة "ريدن" "ريدان" "ذي ريدان".
    وقد حدث ذلك في القرن الثاني قبل الميلاد.

    وقد كانت مملكة "رعين" كما يتبين من الكتابة الموسومة بـGlaser 1693 في حلف مع سبأ ضد مملكة "قتبان" ، ويظهر أنها كانت مع سبأ لتدافع بذلك عن نفسها إذ كانت جارة لقتبان، ولقتبان مصالح خطيرة في أرض "رعين".

    ويتبين من النص الموسوم بـGlaser 1693 -الذي يعود عهده إلى أيام الملك "يدع أب يجل" والذي يرجع بعض علماء العربيات الجنوبية عهده إلى حوالي السنة "200" قبل الميلاد أن "رعين" كانت مملكة إذ ذاك , وفي أرض "رعين" أقام الحميريون دولتهم حيث اتخذو "ظفار" عاصمة لهم, وكانوا قد زحفوا على هذه الأرض وعلى "دهس" "داهس" والمعافر واستقروا بها حيث تغلبوا على سكانها الأصليين وأقاموا حكومة حمير التي أخذت تنافس سبأ وتتوسع في أرض القتبانيين وغيرهم، متوخية انتزاع السلطة من السبئيين.

    وقد كان "شمر ذي ريدان" الذي تحدثت عنه في أثناء كلامي على "الشرح يحضب" من أقيال حمير ومن ساداتهم البارزين في ذلك الوقت.
    وقد رأينا أنه كان نشطًا محاربًا يتصل بالحبش وبملك "نجران" وبملك حضرموت، وبكل من يجد فيه عداوة ونصبًا لـ"الشرح يحضب" ليمكنوه من التغلب عليه ومن انتزاع الحكم منه.

    ولكنه لم يتمكن مع كل ذلك من التغلب على "الشرح"، بل اضطر في الأخير إلى التصالح معه، وإلى الاعتراف بسيادته , حتى إنه صار قائدًا من قواد جيشه في حربه التي أثارها "الشرح" على حضرموت. كما عُوقبت "نجران" عقابًا شديدًا نتيجة لاندفاعها مع "شمر" وتأييدها له وإعلانها الحرب على "ملك سبأ وذي ريدان".

    ويظهر من وصف "بلينيوس" Pliny" أن القسم الجنوبي من ساحل البحر الأحمر كان تابعًا لملك حمير، صاحب "ظفار". ويظهر من الكتابة CIH 41 أن مملكة حمير كانت تضم "رعين" و"ذمار" "ذمر" والأرض التي تقع في الشمال المسماة بـ"قاع جهران" في الوقت الحاضر , فيظهر من ذلك أن الحميريين كانوا قد تمكنوا من الاستيلاء على الهضبة وعلى المناطق الجنوبية من اليمن الممتدة على البحر الأحمر.
    ونحن لا نملك في الوقت الحاضر أي نصوص تشير إلى الوقت الذي استولت حمير فيه على هذه الأرضين , ويظن البعض أن ذلك قد كان في أيام حملة الرومان على اليمن فاستغل الحميريون هذه الفرصة فرصة ضعف حكومة السبئيين , فاستولوا على تلك الأرضين.

    وقد يرجع زمان استيلاء حمير على ميناء "قنا" الشهير ، وهو أهم ميناء في حضرموت إلى هذا العهد، أو إلى عهد يقع بعد ذلك بقليل.
    ولم تكن علاقات حمير بسبأ علاقات طيبة في الغالب, بل يظهر أنها كانت نزاع وخصومة في أكثر الأوقات.

    نجد في كتابات السبئيين إشارات إلى حمير وإلى نزاع سبأ معهم , وقد دعوهم بـ"حمير" "حمر" "حمرم" وبـ"ذي ريدان" "ذ ريدن" و"ببني ذي ريدان" ، ودعوا ملوكهم :
    "ذمر على ذي ريدان" و"شمر ذي ريدان" وبـ"كرب إيل ذي ريدان".

    وقد استطاع الحميريون من الاستيلاء على "مأرب" استولوا عليها جملة مرات.
    لقد تمكن أحد ملوكهم من احتلالها ودخولها، ويظهر أن ذلك كان بعد حملة الرومان على اليمن ، فعدل في لقبه الملكي الرسمي وهو "ذو ريدان" وجعله مثل لقب الملوك السبئيين الشرعيين , وهو "ملك سبأ وذي ريدان" ، الذي يشير إلى استيلاء سبأ فيما مضى على حمير وضم أرضهم إلى أرض سبأ.
    والظاهر أن "أقول" أقيال سبأ ثاروا على الحميريين فأخرجوهم من "مأرب"، وأعادوا العرش إلى العائلة السبئية المالكة ، فحكموها بصفتهم "ملوك سبأ وذو ريدان"، وإن لم تكن لهم سيطرة فعلية على أرض حمير، واحتفظ ملوك حمير باللقب الجديد الذي لقبوا أنفسهم به، وهو "ملك سبأ وذو ريدان" , مع أنهم كانوا قد أخرجوا من أرض سبأ ، وإن لم يكن قد بقي لهم أي نفوذ عليها.
    وهكذا صرنا نجد حاكمين : أحدهما سبئي وآخر حميري ، يلقب كل واحد منهما نفسه بلقب "ملك سبأ وذو ريدان".
    وقد جعل "فون وزمن" استيلاء حمير على مأرب في حوالي السنة "110" بعد الميلاد , وعاد فذكر أن الحميريين استولوا على "مأرب" مرة أخرى، وذلك في حوالي السنة "200" أو "210" للميلاد , واستند في حكمه هذا على الكتابة الموسومة بـ Jamme 653.

    ومن ملوك حمير الملك "يسرم يهصدق" "ياسر يهصدق" ، الملقب بـ"ملك سبأ وذو ريدان" في الكتابة الموسومة بـCIH 41.
    ويرى "فون وزمن" أنه حكم بعد الميلاد , حكم في النصف الثاني من القرن الأول بعد الميلاد , فيما بين السنة "70" و"80" بعد الميلاد.

    وقد وضع "فون وزمن" اسم "الشرح" بعد اسم "ياسر يهصدق" وجعل أيامه في حوالي السنة "90" بعد الميلاد. وقد ذكر أنه من حمير وإلى أيامه تعود الكتابة المرقمة بـ CIH 140, ويرى أن هذه الكتابة هي أقدم كتابة ورد فيها خبر حرب وقعت بين حمير وسبأ.
    ثم ذكر "فون وزمن" اسم "ذمر على يهبأر" بعد اسم "الشرح" وقد جعل حكمه في حوالي السنة "100" بعد الميلاد, وإلى زمانه تعود الكتابة الموسومة بـCIH 365 , وكان يعاصره الملك "شهر هلال يهقبض" ملك قتبان.
    ويرى "فون وزمن" أن "ذمر على يهبار" "ذمر على يهبأر" حارب شخصًا من "بني حزفر" "بن حزفرم" و "بنو حزفر" هم من عشيرة "ذ خلل" "ذو خليل" وهم عشيرة قديمة يرجع إليها نسب مكربي سبأ وأكثر ملوك السبئيين, ويرى احتمال كون هذه الحرب قد وقعت مع أحد أفراد العائلة السبئية المالكة.
    وقد تمكن "ذمر على" من الاستيلاء على حصن "ذت مخطرن" "ذات مخطران"، ومن دخول "مأرب", وقد قام هو وابنه "ثارن" "ثأران" بترميم سد مأرب وببناء المواضع التي تخربت منه , وذلك لأنه كان قد تخرب، وذكر أن تخرب السد هذا، هو تخرب لم يصل خبره إلينا.

    وقد قدم الملكان قرابين وهما بمأرب إلى "عثتر" "عثتار" و"سحر" بمعبد "نفقان" "نفقن".
    وقد بلغ الحميريون على رأي "فون وزمن" أوج أيام عزهم في هذا العهد
    فقد حكموا السبئيين ومعهم "ذ عذبهن" "ذو عذبهان" ، الذين نعتوا أنفسهم بـ"أدم" ، أي : الأتباع.
    ثم وضع "فون وزمن" اسم "ثارن يعب" "ثأران يعب" بعد اسم "ذمر على" , وإلى زمانه تعود الكتابتان CIH 457 و5CIH 569.
    ثم وضع "فون وزمن" اسم "شمر يهرعش الأول" من بعده، وقد كان معاصرًا لـ"أنمار يهأمن" ولـ"كرب إيل وتر يهنعم" من "بني بتع" من قبيلة "سمعي", وقد كان حكمه في حوالي السنة "140" بعد الميلاد.

    وذكر "فون وزمن" أن السبئيين تمكنوا من الاستيلاء على حمير، فصارت تابعة لهم وكان ذلك في أيام "ملك سبأ وذي ريدان" "شعرم أوتر" "شعر أوتر" وبقيت حمير خاضعة لهم إلى أن ثارت عليهم بزعامة "لعزز يهنف يهصدق" "العز يهنف يهصدق" "لعز يهنف يهصدق" "لعز نوفن يهصدق" حيث ولي عليهم وحكم بلقب "ملك سبأ وذي ريدان".

    وقد جعل "فون وزمن" زمان حكم "لعزز يهنف يهصدق"، فيما بين السنة "190" و"200" بعد الميلاد.
    وجعل أيام حكمه في أيام استيلاء "جدرت" "جدرة" الحبشي على "ظفار".
    وقد جاء اسم الملك "لعزز يهنف يهصدق" في الكتابة الموسومة بـJamme 631 , وقد لُقِّب فيها بلقب "ملك سبأ وذو ريدان", ذكر بعد أسطر من ورود اسم الملك السبئي "شعر أوتر" "ملك سبأ وذو ريدان" كما جاء اسم الملك "لحيعثت يرخم" الذي لقب أيضا بلقب "ملك سبأ وذو ريدان", وقد سجل هذه الكتابة أحد القادة السبئيين.
    ويظهر أن السبئيين والحميريين كانوا قد كونوا جبهة واحدة لمحاربة الحبش الذين هاجموا اليمن في عهد "جدرت" "جدرة".
    وقد وقعت اضطرابات في هذا العهد دامت حوالي قرن ونصف قرن , لم تنعم اليمن في خلال هذه المدة بالراحة والاستقرار.
    فنجد في الكتابات التي وصلت إلينا عن هذا العهد ذكر فتن وحروب وأوبئة وغزوات وغارات ونجد ملوكًا وإقطاعيين يحاربون بعضهم بعضًا ويعزو "ريكمنس" سبب ذلك إلى إدخال الخيل في الحروب وحلولها محل الجمل مما ساعد على حركة القتال، وفي نقل الحروب بصورة أسرع إلى جبهات كان الجمل يقطنها ببطء. كما يرى "دوستل" W. Dostal أن لتحسين السروج التي كان يستعملها المحاربون الفرسان دخلًا في هذه الحروب والاضطرابات.

    لقد أدى استعمال الخيل في الحروب وتحسين سروجها على رأي الباحثين المذكورين إلى إحداث تطور خطير في أسلوب القتال, كما أدى إلى ظهور قوة محاربة صار لها نفوذ في الأحداث وفي سياسة جزيرة العرب هي قوة الأعراب.
    فقد أدى استخدام البدو للخيل إلى إمعانهم في الغزو وإلى إغارتهم على الحضر طمعًا في أموالهم وفيما عندهم من أمتعة ومال. كما أدى إلى الإكثار من غزوهم بعضهم بعضًا وإلى التدخل في شئون الحكومات وصار لهم نفوذهم في الأمور السياسية والعسكرية في العربية الجنوبية، واضطرت حكومات هذه الأرضين على أن تحسب لهم حسابًا كما استخدموا الأعراب في قتالهم مع الحكومات الأخرى المنافسة لها وفي محاربة الأقيال والأذواء.

    ثم جعل "فون وزمن" اسم "ياسر يهنعم الأول" من بعده، وقد حكم معه ابنه "شمر يهرعش" الذي لقبه بالثاني؛ تمييزًا له عن "شمر" المتقدم.

    وفي عهدهما احتل الحميريون "مأرب"، وصارت "سبأ" تابعة لهم وكان ذلك في حوالي السنة "200" للميلاد. وكان يعاصرهما "عذبة" نجاشي الحبشة في هذا الوقت.

    ويرى "فون وزمن" أن الكتابات العربية الجنوبية انقطعت فجأة بعد هذه الكتابة المتقدمة عن ذكر ملوك "همدان"، فلم تعد تذكر شيئًا عنهم ويعزو سبب ذلك إلى الأوبئة التي اجتاحت البلاد , وإلى تألق نجم الأسرة الحميرية الحاكمة التي تمكنت على ما يظهر من الاستيلاء على عاصمة سبأ "مأرب" وعلى نجاد سبأ, وإلى انفراد سادة "مضحي" "مضحيم" "مضحم" ، وقد تكون استولت على ردمان كذلك.

    وفي هذه الظروف حكم "ياسر يهنعم" الذي لقبه "فون وزمن" بالأول مع ابنه "شمر يهرعش" الذي لقبه بـ"الثاني" الذي اشترك معه بالحكم ثم انفرد به وحده فحكم في "ظفار" وفي "مأرب".
    ثم نصب "فون وزمن" شخصًا دعاه "كرب إيل ذو ريدان" بعد "شمر يهرعش الثاني" وجعله معاصرًا للنجاشي "زوسكالس" Zoskales، وجعل حكمه في حوالي السنة "210" بعد الميلاد , وهو شخص لا نعرف اسمه الملكي الكامل.

    ويرى "فون وزمن" أنه هو المقصود في الكتابات Jamme 578, 586, 589، وهي كتابات دونها خصومه ويظهر من إحدى الكتابات أن جيوش خصميه "الشرح" و"يأزل" بلغت "سرعن" في "ردمان" و"قرننهن" "القرنين" و"عروشتن" "العرائش" في نجاد قبيلة "حرمتم" "حرمت" "حرمة" في أرض "مراد" بين "مأرب" و"قتبان"، وأنها استولت على الحصن الجبلي المنيع "عر أساي" "عر الآسى" "عر أسأي" شرق "ذمار".
    وقد نشبت حرب أخرى بينه وبين خصميه، اضطرته إلى الاعتراف بسيادة "الشرح" و"أخيه" عليه، غير أنه عاد فثار على خصميه، فخسر في هذه المرة أيضا , خسر مدينة "هكر" التي اشتهرت بقصرها الملكي على قمة التل , وخسر "رداع" و"ظفار" فاضطر إلى الفرار.

    ثم جعل "فون وزمن" "ثارن يعب يهنعم" من بعده، وقد كان حكمه في حوالي السنة "230" حتى السنة "240" للميلاد.

    ثم ذكر "فون وزمن" اسم "ذمر على وتر يهبأر" من بعده ، وقد كان حكمه في حوالي السنة "250" للميلاد. ثم انتقل منه إلى "عمدان بين يهقبض" الذي جعل حكمه في حوالي السنة "260" حتى السنة "270" للميلاد.

    وجعل "فون وزمن" الملك "ياسر يهنعم" من بعد "عمدان بين يهقبض" وقد نعته بالثاني، وجعل حكمه مع ابنه "شمر يهرعش" الذي لقبه بالثالث ، والذي انفرد وحده بالحكم بعد وفاة والده, فحكم حتى السنة "300" للميلاد.
    وقد كان يعاصره الملك "شرح ال" و"رب شمس".

    وجعل "فون وزمن" حكم الملك "ياسر يهنعم الثالث" و"ثارن أيفع" "ثأرن أيفع" بعد حكم "شمر يهرعش الثالث". وقد كان حكم "ياسر يهنعم" الثالث منفردًا في بادئ الأمر ثم أشرك ابنه "ذرأ أمر أيمن" معه في الحكم, وذلك في الشطر الثاني من أيام حكمه, وقد عاصرا "عزانا" ملك الحبش الذي غزا اليمن.
    ثم جعل "ذمر على يهبر" من بعد الاثنين المذكورين، وهو ابن "ثارن يكرب" "ثأرن يكرب".

    وذكر "فون وزمن" أن "ذمر على يهبر" حكم مع ابنه "ثارن يهنعم" "ثأران يهنعم" في الشطر الثاني من أيام حكمه، وذلك فيما بين السنة "340" والسنة "360" للميلاد. وجعل في حوالي هذا العهد خراب سد مأرب للمرة الثانية.

    وفي هذا العهد دخل ملك حمير في النصرانية بتأثير "ثيوفيلوس" عليه وبنيت كنائس في "ظفار" وفي "عدن". كما أشرك الملك "ثأران يهنعم" "ثارن يهنعم" ابنه "ملك كرب يهامن" "ملكيكرب يهأمن" معه في الحكم.

    وذكر أنه في حوالي السنة "378" للميلاد ترك معبد "أوم" "أوام" وأهمل بسبب انصراف أكثر الناس عن التعبد فيه , وتركهم عبادة آلهة سبأ القديمة.

    وذكر "فون وزمن" أن الملك "ملكيكرب يهنعم" "ملكيكرب يهأمن" حكم منذ السنة "380" للميلاد مع ولديه : "أب كرب أسعد" "أبي كرب أسعد" و"ذرأ أمر أيمن" , ثم ذكر بعدهم اسم "أبي كرب أسعد" مع ابنه "حسن يهأمن" "حسَّان يهأمن".

    وقد ذكر أن "أبا كرب أسعد" هو الذي حكم بعد والده "ملكيكرب يهنعم" "ملكيكرب يهأمن" ، ثم حكم مع ابنه "حسان يهأمن" حكمًا مشتركًا مستعملين لقبًا جديدًا هو : "ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت وأعربهمو طودم وتهمتم", وذلك في حوالي السنة "400" للميلاد.

    ويعرف "أبو كرب أسعد" "أبكرب أسعد" بـ"أسعد تبع" عند أهل الأخبار ويذكرون أنه اعتنق اليهودية أثناء نزوله بيثرب في طريقه إلى اليمن.

    وقد ذهب "فون وزمن" إلى أن الذين حكموا حمير كانوا من أسرة ملكية واحدة, ولكنهم يرجعون إلى فرعين. وذهب "ريكمنس" إلى أن ملوك حمير كانوا أسرتين :
    أسرة "ياسر يهنعم" وأسرة "ياسر يهصدق"، وقد حكم أعضاء الأسرتين متفرقين , ولكن في وقت واحد.

    وظفار هي عاصمة حمير , وقد اشتهرت بجذعها، ولا تزال تشتهر به. وقد تفنن الحميريون في تجميله بحفر صور ونقوش لحيوانات ونباتات وأزهار عليه، وفي صقله ويستعمل عِقْدًا يوضع حول العنق وخاتمًا لتزيين الأصابع.
    واشتهرت بأنها موطن لغة حمير فقيل : من دخل ظفار حمر , لأن لغة أهلها الحميرية.
    وقد زالت معالم قصر ريدان بظفار وموضعه اليوم ربوة مربعة الشكل تعرف بـ"ريدان" بقي منه "سرعبان" أي: طوفيان بشكل هندسي، من الحجر المنحوت. وقد زار "كلاسر" مدينة ظفار والخرائب الواقعة على الربوة المتاخمة لآثار ظفار من الجنوب , وقد سمى تلك الخرائب القائمة على الربوة بـ"حصن زيدان". وقد شك في كونه "حصن ريدان" القديم, ولكن بعض الباحثين لا يؤيدون رأيه هذا , وأظن أن كلمة "زيدان" هي تحريف للاسم القديم "ريدان".
    وقد اشتهرت حمير عند أهل الحجاز بمصانعها، فقيل : مصانع حمير.
    وفي كلام النبي لوفد كندة : "إن الله أعطاني ملك كندة , ومصانع حمير وخزائن كسرى وبني الأصفر، وحبس عني شر بني قحطان، وأذل الجبابرة من بني ساسانَ ، وأهلك بني قنطور بن كنعان".

    ترتيب ملوك حمير :
    هذا وقد رتب "فون وزمن" بعض ملوك حمير ترتيبًا زمنيًّا على هذا النحو :

    1- "ياسر يهصدق".
    وقد حكم بحسب رأيه في حوالي سنة "75ب. م.".

    2- "ذمر على يهبر".
    وقد كان حكمه في حوالي سنة "100ب. م.".

    3- "ثأران يعب".
    وقد كان حكمه في حوالي سنة "125ب. م.", ثم وضع فراغًا بعده يدل على حكم ملك من بعده لا يعرف زمانه ووضع بعده حكم الملك "شمر يهرعش" الأول وقد كان حكم ذلك الملك الذي لم يعرف اسمه ولا خبره ولا أسرته, في حوالي سنة "150ب. م.".

    4- ثم وضع بعد اسم "شمر يهرعش الأول" فراغًا , ذكر أن حمير صارت فيه تابعة للسبئيين ، وذلك في عهد "ملك سبأ وذو ريدان شعرم أوتر" "شعر أوتر".
    ثم وضع بعده اسم الملك "لعزز يهنف يهصدق" "لعزز يهأنف يهصدق".

    5- ثم ذكر بعد "لعزز يهنف يهصدق" اسم الملك "ياسر يهنعم" ، وقد نعته بـ"الأول" , ليميزه عن ملكين آخرين عرفا بهذا الاسم.

    6- ثم وضع بعده اسم ابن له دعاه بـ"شمر يهرعش الثاني".

    7- ثم وضع بعده اسم ملك, بقي من اسمِهِ اسمُهُ الأول فقط، وهو "كرب ال" "كرب إيل"، وقد نعته بـ"كرب إيل ذو ريدان".

    8- ثم وضع اسم الملك "ذمر على وتر يهبر" "ذمر على وتر يهبأر" من بعده.

    9- ثم اسم "ثارن يعب يهنعم" ثم ترك فراغًا، ذكر بعده اسمًا.

    10- الملك "عمدان بين يهقبض".

    11- ثم الملك "ياسر يهنعم الثاني".

    12- ثم "شمر يهرعش الثالث".

    13- ثم اسم الملك "ياسر يهنعم الثالث".

    14- ثم "ثارن أيفع" "ثأران أيفع".

    15- ثم "ذرارمر أيمن" "ذرأ أمر أيمن", وهو ابن "ياسر يهنعم الثالث".

    16- ثم ذكر اسم ملك لم يتأكد من لقبه هو "ثأران ي ... " "ثأران يـ ... ".

    17- وذكر بعده اسم "ذمر على يهبر" "ذمر على يهبأر".

    18- ثم ابنه "ثارن يهنعم" "ثأران يهنعم".

    19- ثم ذكر اسم ابنه الملك "ملكيكرب يهأمن" "ملك كرب يهأمن".

    20- ثم ذكر اسم ابنه "أبكرب أسعد" "أبي كرب أسعد" و"ذرأ أمر أيمن" "ذرأ أمر أيمن".

    21- ثم "أبو كرب أسعد" ومعه ابنه "حسن يهأمن" "حسان يهأمن".

    22- ثم اسم "شرحب ال يعفر" "شرحبيل يعفر"، "شرحب إيل يعفر".

    =======


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:54 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    【 المجتمع العربي 】

    《الهجــن》

    وتزوج العــــرب من الإمـاء, وذلك أن من الإمــــاء من كانت جميلة الصورة حلـوة المنظر والكلام ؛ ولهذا تــــزوج ساداتهن منهن ، فوُلد لهم نسل ، قيل للــــواحد منه : الهجين.
    والهجين : ولــــد العــــربي من غيــــر العربية وقيل له ذلك؛ لأن الغالب على ألــــوان العــــرب الأدمة (١).
    ويقال للــــزواج الذي يقــع بين عربي وأعجميـة : "مهاجنة", وقــد عــــابته العــــرب وعـدت الهجين دون العربي الصــــريح ، لوجــود دم أعجمي فيه. والأعــــاجم هم ، مهما كانوا عليه من منــــزلة ، دون العرب في نظر العرب (٢).
    ويظهر من تعريف علماء اللغة للفظة "الهجين"، أنها خصصت بمن يــــولد

    《الجوار》

    وللجـوار حرمة كبيرة عند الجاهليين. فــإذا استجار شخص بشخص آخــــر وقبــل ذلك الشخص أن يجعله جــارًا ومستجيرًا بــه وجبت عليه حمــايته وحق على المجار الدفــاع عن مجيره والذب عنه وإلا عد ناقضًا للعهد ناكثًا للــــوعد ، مخالفًا...

    《العصبية》

    وأساس النظـام القبلي هــــو العصبية العصبيـــة للأهــــل والعشيــرة وسائر متفرعات الشعب أو الجـذم أو القبيلة أو العشيرة.
    ومــن شروطها أن يدعـــو الرجل إلى نصرة عصبته والتألب معهم على مـن يناوئهم ، ظالمين كانــوا أو مظلومين وليس له أن يتساءل : أهــــو ظالم أم مظلــــوم؟ (٣).
    وهي ضــــرورية للقبــــائل ؛ لأنهــــا لا تستطيع أن تــــدافع عن نفسها إلا إذا كـــانت ذات عصبيــة ونسب ، وبذلك تشتـد شوكتها ، ويخشى جانبها ، كما أنــه لا يمكن وقوع العدوان على أحد مــــع وجود العصبية.
    وتقــــوم العصبية على النسب ، وهي تختلف لذلك باختلاف درجات تقارب الأنساب ، ولــــذلك نجـــد عصبيـــات مختلفة (٤).
    وتشمل العصبية الصـــرحاء والموالي والجيــــران.
    وتشمل العصبية أهــل المــــدر كـذلك فـــأهل المدر وإن تحضروا واستقروا وأقامــــوا في بيـــوت ثـــابتة ، إلا أن نظــامهم الاجتمــاعي والسياسي بني على العصبية أيضًا ، فتألفت المــــدن والقــــرى مــن "شعــاب" , وتكـــونت الشعاب من جماعات بينها روابط دم ووشائج قــــرابة.
    والشِّعْب هــو وحــدة وهو الذي يأخذ بحق المظلوم من الظــــالم ، وبظلامة من تقع عليه ظلامة. وغالبًا ما تكــون بين الشعاب المتجاورة قرابة وصلة رحم، وإذا حدث حادث لهذه الشعاب، هبت للنظر فيه واتخاذ ما ينبغي اتخاذه من موقف، ثم تكون عصبية الشعاب للمدينة أو للقرية, ثم إن سكان هذه المدن وإن تحضروا واستقروا كانوا يُرجعون أنفسهم كأهل الوبر إلى قبائل وعشائر. فهم إذن أعراب من حيث التعصب والأخذ بالعصبية، واختلافهم عن الأعراب هو في استقرارهم وفي عيشهم في محيط ضيق محدود وفي خطط مثبتة مرسومة.
    وفي المعنى المتقدم عن العصبية، ورد قول الشاعر:
    إذا أنا لم أنصر أخي وهو ظالم ... على القوم، لم أنصر أخي حين يُظلَم
    فالعصبية: أن يدعو الرجل عصبته إلى نصرته, وهي: "النصرة على ذوي القربى وأهل الأرحام، أن ينالهم ضيم أو تصيبهم هلكة" (٥).

    وفي هذا المعنى أيضًا ورد قول الشاعر، قريط بن أنيف، حيث يقول :

    قوم إذا الشرُّ أبدى ناجذيه لهم ... طاروا إليه زُرافات ووحدانا
    لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... في النائبات على ما قال برهانا (٦)

    فهو يهبُّ إذا سمع نداء العصبية حاملًا سيفه أو رمحه أو أي سلاح يملكه وبغير سلاح، لينصر أخاه، لا يسأله: لِمَ؟ فليس من العصبية والأخوة القبلية أن تسأل أخاك عما وقع له، بل عليك تلبية ندائه وتقديم العون له، معتديًا كان أو معتدًى عليه.
    وللعصبية صلة كبيرة بالمسئولية وبالعقوبات, فعلى درجة العصبية تقع المسئولية. فأقرب الناس إلى الجاني، يكون أول من يتناوله الأخذ بالثأر، ثم الأبعد فالأبعد. ومن هنا كان الطالبون للثأر يبدءون بالجاني أولًا، فإن فاتهم أخذوا أقرب الناس رحمًا به, فإن فاتهم أخذوا الذي يليه أو من هو في درجته وهكذا.
    وكلما بعدت العصبية عن دم الأبوين، خفت حدتها، وطبيعي ألا تكون العصبية إلى القبيلة مثل العصبية إلى الأهل في الشدة؛ ولهذا فإن العصبية ترتبط بدرجة الدم والتحام النسب ارتباطًا طرديًّا. وهذا شيء طبيعي، وهو حاصل هذه الحياة.
    ولا تمنع العصبية بطون القبيلة من مخاصمة بعضها بعضًا ومن التقاتل فيما بينها؛ بسبب تغلب المصالح الشخصية على عاطفة "العصبية". ومتى اصطدمت المصالح بالعواطف، تغلبت المصلحة عليها. فالمصلحة حاجة وواقع عملي، والعصبية شعور, والحاجة أقوى منها؛ ولهذا نجد المصلحة تدفع بطون القبيلة المتخاصمة على الاستعانة ببطون غربية عنها، أو بقبائل بعيدة عنها في النسب لمقارعتها أخواتها وللتغلب عليها، مدفوعة إلى ذلك بدافع المصلحة وغريزة المحافظة على الحياة. فتقاتلت بطون من طيء وتحاربت فيما بينها، وتقاتلت قبائل بكر ووائل مع وجود النسب والدم، وتقاتل بنو جعفر والضباب (٧). تقاتلت لظهور مصالح تغلبت على العصبية وعلى الشعور بالأخوة. ومتى ظهرت المصالح المادية عجزت عاطفة النسب والعصبية عن التغلب عليها.

    وجرثومة العصبية، العصبية للدم، وأقرب دم إلى إنسان هو دم أسرته، وعلى رأسها الأبوان والإخوة والأخوات ثم الأبعد فالأبعد, حتى تصل إلى العصبية للقبيلة. ولهذا تكون شدة العصبية وقوتها تابعة لدرجة قرب الدم والنسب وبعدهما, فإذا ما حل حادث بإنسان، فعلى أقرب الناس دمًا إليه أن يهب لإسعافه والأخذ بالثأر ممن ألحق الأذى بقريبه؛ ولهذا صارت درجات العصبية متفاوتة بحسب تفاوت الدم ومنازل النسب.
    وآخر مرحلة من مراحل العصبية، العصبية للقبيلة، والعصبية للحلف، أو العصبية للنسب الأكبر، وذلك في حالة تكتل القبائل وتخاصمها كتلًا. وتكون العصبية للقبيلة أقوى من العصبية للحلف أو النسب الأكبر مثل معد أو نزار أو حمير أو ما شاكل ذلك؛ وذلك لشعور أبناء القبيلة بأن الرابطة التي تربطهم هي رابطة الدم، والدم أبرز وأظهر في القبيلة من رابطة الحلف أو رابطة النسب الأكبر, ولا سيما رابطة الحلف، فإنها رابطة مصلحة في الغالب لا رابطة دم، والشعور بروابط المصالح لا يكون مثل الشعور بروابط الدم.
    وتدفع العصبية للحلف، قبائل الحلف على التناصر والتآزر والتكتل والوفاء بالعهد، وإلا لم تكن للمتحالفين فائدة ما من الحلف، وعلى أفراد الحلف أن ينصر بعضهم بعضًا، وعلى قبائل الحلف أن يتآزروا في دفع الديات أيضًا, وبالمطالبة بديات من يُقتل من قبائل الحلف، إذا عجز أهل القتيل أو قبيلة القاتل عن الأخذ بحقه.

    وتشمل العصبية كل منتمٍ إلى القبيلة، تشمل أحرارها، أي: أبناءها الخلص الصرحاء، وتشمل الموالي أي: الرقيق وكل مملوك تابع لحر، كما تشمل أهل الولاء والجوار. فالعصبية لا تعرف تفريقًا في هذه الناحية، فعلى كل من ينتمي إلى قبيلة ويحمل اسمها أن يتعصب لقبيلته ويذود عنها، وإن كان عبدًا مملوكًا، ذلك قانون وأمر محتوم، لا جدال فيه ولا نقاش، من حيث وجود حقوق أو عدم وجودها، ومن حيث إن أصل هذا حر وأصل هذا عبد؛ لأن ما يصيب الحر يصيب المولى والجار، وما يصيب المولى والجار يؤثر على الحر؛ لأنه مسئول عن مولاه وعن جاره بحكم التملك والجوار، وعلى الرقيق والجار تبعة الدفاع عن الصريح وعن القبيلة التي ينتمي إليها الصريح.
    وتلزم العصبية أبناء القبيلة بوجوب تحمل التبعة والقيام بواجبها وتلبية ندائها وإجابة الصارخ بالعصبية، ليس له أن يسأل عن السبب، ولا أن يعتذر عن تلبية النداء، وإنما عليه أن يعمل بقول الشاعر :

    لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... في النائبات على ما قال برهانا (٨)

    وإذا قتل قتيل لزم الأخذ بثأره، وإذا كان القتيل سيد قبيلة وجب على القبيلة الأخذ بثأر سيدها، وهيهات أن تسكت عن قتله، وعلى كل فرد من أفراد تلك القبيلة واجب الأخذ بثأره ممن قتله.

    ويفرض قانون العصبية على القبيلة تحمل التبعة، إذ جعلها تبعة جماعية. فإذا جنى رجل جناية قتل، تكون قبيلته مسئولة عن جنايته، وعليها تقع تبعة قتل القاتل إذا تعذر الأخذ بالثأر منه أو تعذر تسليم القبيلة له, كما يقع على القبيلة دفع الدية إذا عجز القاتل أو آله عن دفعها، وذلك لتوزيعها على المتمكنين من أفرادها، أو بقيام ساداتها أو سيدها بدفعها كاملة أو بدفع ما تبقى منها.

    ومن هنا خضعت فردية الأعرابي المتطرفة لقانون الجماعة، أي : لسلطان العصبية فصار واجبًا عليه أن يضع نفسه تحت إمرة القبيلة, وذلك بتلبية ندائها حين يبلغه ذلك النداء، وتقديم نفسه طائعًا مختارًا لإمرة القبيلة ليدافع عنها أو ليشترك معها في الغزو، ليس له أن يفر أو يعتزل أو يتلكأ، فهذا واجب مفروض عليه، إذا خالفه خالف جماعته وخسر حمايتها له، وصار مسبوبًا من الناس.

    الحَمِيَّة:
    ومن مظاهر العصبية: "الحميَّة", وهي الأنفة والغيرة والغضب، وذلك أن الشخص كان يأنف من عمل قبيح، وتأخذه حميته من أن يفعل شيئًا يعاب ويعار عليه (٩). وهو يغضب وتأخذه حميته من أن يترك سنة آبائه وأجداده, وقد نهى الإسلام عن الحمية, واعتبرها من أخلاق أهل الجاهلية والكفر.
    ونزل الوحي يندد بها {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} (١٠) , وذلك حين جعل "سهيل بن عمرو" في قلبه الحمية فامتنع أن يكتب في كتاب المقاضاة الذي كتب بين الرسول والمشركين: بسم الله الرحمن الرحيم، وأن يكتب فيه: محمد رسول الله, وامتنع هو وقومه من دخول رسول الله مكة عامه ذلك (١١), فوضع الإسلام "السكينة" في موضع حمية الجاهلية.
    و"النعرة"، وهي الصياح ومناداة القوم بشعارهم طلبًا للغوث والاستعانة، أو لإهاجتهم ولتجمعهم في الحرب. ومن هنا ورد في الحديث: "ما كانت فتنة إلا نعر فيها فلان", أي: نهض فيها. وفي حديث الحسن: كلما نعر بهم ناعر اتبعوه، أي: ناهض يدعوهم إلى الفتنة ويصيح بهم إليها (١٢).
    ولما كان العرب أصحاب حس مرهف، وعاطفة ذات حساسية شديدة؛ لذلك لعبت النعرات فيهم دورًا خطيرًا في إثارة الفتن بينهم، وكانت سببًا لحدوث حوادث مؤسفة عند الحضر وعند الأعراب.
    وإذا أصيب شخص بضيم، أو نزلت به إهانة أو نازلة، نادى قومه بشعائر العصبية، وعلى قومه تلبيته ونصرته. وقد ينادي الإنسان شخصًا طالبًا منه العون والنصرة، فتلزمه مساعدته كأن ينادي: "يا لَفلان"، وهو شعار يستعمل عند التحزب والتعصب، ينادي به بصوت عالٍ مسموع، عند بيت المنادى أو في موضع عام أو في مكان مرتفع؛ ليصل الصوت إلى أبعد مكان (١٣).

    《الإسلام والعصبية》

    وقد تركت "العصبية" أثرا مهما في الحياة السياسية والاجتماعية عند العرب قبل الإسلام. وقد كانت إذ ذاك ضرورة من الضرورات اللازمة بالنسبة إلى الحياة في الجاهلية؛ لأنها الحائل الذي يحول بين الفرد وبين الاعتداء عليه، والرادع الذي يمنع الصعاليك والخلعاء والمستهترين بالسنن من التطاول على حقوق الناس، إذ لا حكومة قوية رادعة ولا هيئة حاكمة في استطاعتها الهيمنة على البوادي وعلى الأعراب المتنقلين. بل هنالك قبائل متناحرة وإمارات متنافرة، إذا ارتكب إنسان جريمة في أرضها، وفر إلى رض أخرى، نجا بنفسه وأمن على حياته هناك, ولكنه كان يخشى من شيء واحد، لم يكن لأحد فيه عليه سلطان، وهو "العصبية" وسنة "الأخذ بالثأر"، وهي العصبية في ثوبها العملي. كان يخشى من سلطان الأخذ بالثأر، حيث يتعقبه أهل الثأر، فلا يتركون الجاني يهنأ بالحياة ولو بعد مضي عشرات من السنين، حتى يُقتل أو يقتل أقرب الناس إليه. وبذلك صارت العصبية ضرورة من ضرورات الحياة، بالنسبة لسكان جزيرة العرب؛ لحمايتهم وصيانتهم من عبث العابثين.

    《من أعراف العرب》

    وللأعراب بصورة خاصة أعراف أوجبت الطبيعة عليهم إطاعتها والعمل بها؛ لأن في تنفيذها مصلحة الجميع، وفي الخروج عليها ضررًا بالغًا. من ذلك وجوب الأخذ بالثأر، والبحث عن القاتل لقتله مهما طال من الزمن؛ لأن "الدم لا يغسل إلا بالدم". وقد أملت طبيعة المحيط الذي يعيش فيه العرب عليهم هذا العرف, فليس في البادية من يحول بين قتل الناس بعضهم بعضًا إلا الأخذ بالثأر، وقيام أهل القتيل والعصبية بالأخذ بدمه. ولولا الخوف من الأخذ بالثأر لَعَمَّ القتل الحياة, فالحياة في البوادي وفي أكثر أنحاء جزيرة العرب شدة ومحنة وفقر وقسوة, وليس في البادية أي خير كان مما يستمتع به أهل الحواضر، ولا سيما تلك التي امتازت بوفرة الماء فيها وبحسن جوها واعتداله. لذلك صارت حياة الأعراب ضنكًا في العيش وفقرًا مُرًّا، وصار كل شيء تقع عليه عين الأعرابي ذا قيمة وفائدة عنده مهما كان تافهًا، فيريد الاستيلاء عليه وسلبه من صاحبه؛ لأنه محتاج إليه وفقير، ويرى أن من حقه أن يستولي على كل ما يراه عند من هو أضعف منه، وإن أدى ذلك إلى إزهاق حياته. ولكن الطبيعة التي علمت الأعرابي هذا المنطق ودرَّسته هذا الدرس, درَّسته في الوقت نفسه أن الاستهتار بالسلب والنهب والقتل يؤذيه ويهلكه، وأنه لا بد له من الحد من غلوائه ومن اعتدائه على غيره, ووضعت له حدودا وقيودا من طبيعة هذه الحياة التي يحياها. منها عرف "العصبية"، والأخذ بالثأر, وغير ذلك من أعراف أملتها الطبيعة على سكان هذه البوادي، وصارت سننًا متبعة بعضها يتعلق بالأعراف التي تخص داخل القبيلة، وبعضها يتعلق بالأعراف التي تتعلق بالقبائل المتحالفة, ومنها ما يتعلق بالأعراف التي تكون بين القبائل المتعادية.
    والقاعدة عند العرب: أن الدم -كما سبق أن قلت- لا يغسل إلا بالدم، وأن تعويض الدم بمال يرضى عنه "آل" القتيل، منقصة وذلة لا يقبل بها إلا ضعاف النفوس. أما أهل البيوت والحمولة، فلا يقبلون إلا بالقِصاص وبأخذ الثأر, وبقتل رجل كفء يكافئ المقتول في المنزلة والدرجة والمكانة، فإذا كان القتيل سيد قبيلة والقاتل من عامة الناس أو من عبيدهم، أبوا الاكتفاء بقتله به اقتصاصًا منه، إذ إنه دون القتيل في المنزلة والشرف والمكانة، بل لا بد عندهم من قتل سيد من سادات القبيلة التي يكون منها القاتل، على أن يكون مكافئًا للقتيل حتى يغسل الدم, وإن كان ذلك السيد بعيدًا عن القاتل ولا صلة له به, فالسيد سيد ولا يغسل دمه إلا بدم سيد مثله. ولعل الطبيعة وضعت لهم هذه السنة لتأديب سادات القبيلة, أو غيرهم ممن قد يحرضون العبيد أو غيرهم من السوقة على قتل خصومهم وأعدائهم, فإذا عرفوا أن أهل القتيل سينتقمون منهم بقتلهم، حاربوا سَفَكَة الدماء من أتباعهم ولاحقوهم, وبذلك ينظفون المجتمع منهم، ويخلصون الناس من سفاكي الدماء.
    والأصل في القتل: القِصَاص وقتل القاتل بدل القتيل, فيطالب أهل المقتول بالقَوَد وهو قتل النفس بالنفس, وقد ورد ذكره في الحديث، إذ جاء: "من قتل عمدًا، فهو قود"(١٤). وإذا لم يتم القود، أو لم يحدث التراضي على الدية، أو إذا فر القاتل، فلا بد من الأخذ بالثأر, ولا يستقر لأهل القتيل قرار إلا بعد الأخذ بثأر القتيل. وقد يتركون الخمر والطيبات ولا يقربون النساء طيلة طلبهم للثأر. وقد يلبسون ألبسة الحزن ويجزُّون شعورهم، ولا يأكلون لحمًا، ولا يميلون إلى ضحك ولا سماع دعابة ولا إلى الاستراحة، حتى ينالوا منالهم من الأخذ بثأر القتيل, كالذي روي في قصة طلب امرئ القيس الكندي ثأر أبيه من بني أسد, وقد آلى على نفسه ألا يمس رأسه غسل ولا يشرب خمرًا حتى يثأر بأبيه. فلما ظفر ببني أسد قتلته وأدرك ثأره حل له ما حرم على نفسه (١٥).
    وكالذي روي في قصة طلب قيس بن الخطيم ثأر أبيه (١٦), أو عن "يوم الأقطانيين"، إذ أقسموا ألا يغسلوا أجسامهم حتى يأخذوا بثأرهم (١٧).
    وقد يستغرق طلب الأخذ بالثأر عشرات السنين، لا يكلّ خلال هذه المدة أصحاب القتيل عن إدراك الثأر. وينظر إلى الذين يتوانون عن إدراك الثأر نظرة ازدراء واحتقار، وقد يلحق بهم وبنسلهم العار من هذا الإهمال، وقد يلحق ذلك العشيرة أو القبيلة برمتها ويكون لها سُبَّة, إذا كان القتيل من أشرافها أو من سادتها.
    لهذا لا يتهاون أهل القتيل عن تتبع آثار القاتل أو أقربائه أو أفراد قبيلته التي ينتمي إليها لغسل هذا العار، فإن الدم لا يغسل إلا بالدم. ومتى أدرك أهل الثأر ثأرهم, ووجدوا المقتول كفؤًا لدم القتيل ورضوا عن ذلك، قالوا لهذا النوع من الثأر: "الثأر المنيم"(١٨). وقد عرفه بعضهم: أنه الذي إذا أصابه الطالب رضي به فنام بعده, وقيل: هو الذي يكون كفؤًا لدم وليك. ويقال: أدرك فلان ثأرًا منيّمًا، إذا قتل نبيلًا فيه وفاءٌ لطلبته، وكذلك: أصاب الثأر المنيم. قال أبو جندب الهذلي:
    دعوا مولى نفاثة ثم قالوا: ... لعلك لست بالثأر المنيم
    أي: لست بالذي ينيم صاحبه، أي: إن قتلتك لم أنم حتى أقتل غيرك، أي: لست بالكفؤ فأنام بعد قتلك (١٩).
    ومتى أخذ بثأر القتيل بكته النساء؛ لأن من عادة نساء الجاهليين ألا يبكين المقتول إلا أن يدرَك بثأره، وإذا أدرك بثأره بكينه (٢٠).
    ويشبه الثأر أن يكون عقيدة من العقائد الدينية عند العرب؛ لما يكتنفه أحيانًا من "حلف" و"قسم" بوجوب الأخذ بالثأر, ولما تحوط به من شعائر يحافظ عليها من أخذ على نفسه القسم بوجوب الأخذ بالثأر. وهي من شعائر الدين عند الجاهليين، ولا يتركها حتى يبرَّ بقسمه (٢١).

    وإذا عجز الإنسان عن أخذ ثأره بنفسه, استغاث بغيره لينجده على ثأره. وعلى من قبل نداء الاستغاثة ووافق على النجدة، مساعدة المستغيث في الأخذ بالثأر, وعدم تركه حتى يأخذ بثأره من طلبته.
    وقد لعب الأخذ بالثأر دورًا خطيرًا في الإسلام كذلك, ولا سيما في الأحداث السياسية. فلما قُتِلَ "عثمان" ارتفع نداء: يا لثارات عثمان. قال حسان:
    لتسمعن وشيكًا في ديارهم ... الله أكبر, يا ثارات عثمانا
    ومن ذلك قولهم: "يا لثارات الحسين"، و"يا لثارات زيد" إلى غير ذلك (٢٢). وهو لا يزال يلعب دورًا خطيرًا في الحياة العربية إلى اليوم.
    وقد عيَّر أحد الشعراء "بني وهب"؛ لأنهم أخذوا دية قتيل فاشتروا بها نخلًا، فقال لهم:
    ألا أبلغْ بني وهب رسولًا ... بأن التمرَ حلو في الشتاء
    أي: اقعدوا وكلوا التمر, ولا تطلبوا بثأركم (٢٣).
    وهناك رجال ضُرب بهم المثل في إدراكهم الثأر, ويقال للواحد من هؤلاء: البيهس (٢٤).

    《الوفاء》
    وعلى الإنسان الوفاء لأهل عصبيته, ليس له مخالفتهم ولا معاكستهم مهما كانت درجه الخلاف بينه وبينهم؛ لأنه واحد وهم جماعة, إن أصابه ضيم فلا بد لجماعته من مواساته ومن الانتصار له مهما كانت أسباب الفرقة. وما يصيب جماعته سيصيبه، وما سيصيبه سيؤثر في جماعته حتمًا، فيجعلها إلى جانبه في الأخير.

    وهل أنا إلا من غَزِيَّةَ إن غوت ... غَوَيْت وإن تَرْشُد غزيةُ أرشد (٢٥)
    وهي في الأخير كما يقول الشاعر "المتلمِّس" لشخص ظن أنه منتقل عنهم لحلاف وقع بينه وبينهم:
    أمنتقلًا من نصر بهثة خِلتي ... ألا إنني منهم, وإن كنت أينما
    ألا إنني منهم وعرضيَ عرضهم ... كذي الأنف يحمي أنفه أن يصلّما (٢٦)
    فإذا أعطى رجل رجلًا عهدًا، فلا يسعه أن يغدر به، ولا بد له من المحافظة على العهد وما برح العرب يحافظون على عهودهم حتى اليوم. وقد يضحي الإنسان بنفسه على أن يخدش سمعته فيوسم بالغدر, وكانوا في الجاهلية إذا غدر الرجل رفعوا له في سوق عكاظ لواء ليعرفوه الناس (٢٧).
    وقد ورد: "إن لكل غدرة لواء", ونصبُ اللواء في المواضع العامة وفي المواسم للإشارة إلى غدر شخص بشخص آخر, من أشهر الأشياء عند العرب (٢٨).
    وإلى هذا اللواء أشار "الحادرة" "قطبة بن أوس" إذ قال :
    أسميَّ, ويحك هل سمعت بغدرةٍ ... رفع اللواء لنا بها في مجمع (٢٩)
    وإذا غدر الرجل بجاره، أوقدوا النار بمنى أيام الحج على أحد الأخشبين، ثم صاحوا: "هذه غدرة فلان" ليحذره الناس (٣٠).
    وقد قيل لهذه النار: نار الغدر (٣١).
    وربما جعلوا للغادر تمثالًا من طين، ينصبونه ليراه الناس، وكانوا يقولون: ألا إن فلانًا قد غدر فالعنوه. جاء في الشعر:
    فلنقتلن بخالد سَرَوَاتكم ... ولنجعلن لظالمٍ تمثالَا
    فهذا التمثال هو تمثال الغدر والخيانة، نصب ليقف الناس على خبر غدر الشخص الذي نصب له (٣٢).
    وقد عاب الناس الغادر وعيروا به, فإذا شتموا شخصًا قالوا: يا غُدَر! وقد جعلوا الذئب من الحيوانات الغادرة، فقالوا: الذئب غادر، أي: لا عهد له, كما قالوا: الذئب فاجر (٣٣).

    《أهل الغدر》

    وقد حفظ أهل الأخبار أسماء رجال عرفوا بالغدر. وقد قال بعضهم: أعرف الناس بالغدر "آل الأشعث بن قيس بن معد يكرب", وذكر أن الغدر إرث فيهم انتقل بهم إلى الإسلام (٣٤).
    وضربوا المثل بغدر الضيزن بأبيها صاحب الحصن (٣٥).

    ومن الوفاء: الوفاء بالعهود والمواثيق, فلا يجوز لمن أعطى عهدًا وميثاقًا الغدر بهما والتنصل من الوفاء بهما. والوفاء من أنبل الخصال التي يتخلق بها إنسان, وهو من المثل العليا عند العرب ومن أخلاق "الإنسان الفاضل" عندهم. وقد أوفى "حنظلة الطائي" بعهده الذي أعطاه للملك "النعمان" يوم بؤسه بأن يعود إليه؛ ليرى الملك رأيه في قتله. فعاد وهو يعلم أن الملك سيقتله؛ لأنه أعطاه قولًا بالعودة، وجعل "شريكًا" نديم الملك ضامنًا له بالعودة. فلما عاد واستمع الملك إلى قصة وفائه, أبطل عادته في قتل أول من كان يظهر أمامه يوم بؤسه؛ إكرامًا لعمله (٣٦).

    ورأى "السموءل"، ابنه وهو في أيدي أحد ملوك الغساسنة أو ملوك كندة، وهو يناديه بوجوب دفع ما عنده من دروع وأسلحة مودعة عنده، من دروع وأسلحة "امرئ القيس", فقال له: "ما كنت لأخفر ذمامي وأبطل وفائي, فاصنع ما شئت". فذبح ولده واحتسب السموءل ذبح ولده وصبر محافظة على وفائه، ولم يسلم الوديعة إلا إلى ورثة امرئ القيس (٣٧).
    وقد دون أهل الأخبار أسماء أناس عرفوا بالوفاء, منهم "أوفى بن مطر المازني"، جاوره رجل ومعه امرأة له، فأعجبت قيسًا أخاه، فقتل زوجها غيلة، فبلغ ذلك "أوفى" فقتل قيسًا بجاره (٣٨), و"الحارث بن عباد"، وكان من وفائه أنه أسر يوم "قضة" "عدي بن ربيعة" أخا مهلهل وهو لا يعرفه, فقال له: دلني على عدي, فقال له عدي: إن دللتك عليه فأنا آمن؟ فأعطاه ذلك. فقال له: فأنا عدي, فخلى سبيله (٣٩).

    ومن أوفياء العرب "عوف بن محلم الشيباني"، وهو من مشاهير سادات العرب. وكان من وفائه أن "مروان بن زنباع العبسي" كان قد وتر "عمرو بن هند" فجعل على نفسه ألا يؤمنه حتى يضع يده في يده. وإن "مروان" غزا "بكر بن وائل" فأسر، ولم يكن آسره منيعًا، فطلب من أم آسره أن توصله إلى "عوف بن محلم"، ولها منه مائة بعير، فحمل إلى "عوف"، ولاذ بقبته، وبلغ "عمرو بن هند" مكانه، فبعث يطلبه، فأبى عوف أن يسلمه إلأ أن يؤمنه. ثم أخذه عوف إلى "عمرو بن هند"، وجعل يده بين يد عمرو ويد مروان، وأصلح بينهما, فعفا "عمرو" عنه وآمن مروان. فقال عمرو: "لا حر بوادي عوف"، فذهبت مثلًا (٤٠).
    وعد "مروان بن زنباع" من أوفياء العرب؛ لأنه وفى بعهده الذي أعطاه لأم آسره، وكان قد أعطاه عودًا التقطه من الأرض ليكون رمز وفائه، على أن توصله إلى "محلم". فلما أوصلته دفع إليها المائة بعير، كما تعهد لها بذلك (٤١).

    وضرب المثل بوفاء "عمير بن سلمى الحنفي"، وله قصة في الوفاء تشبه قصة "أوفى بن مطر المازني". وذكروا أن من وفائه أن رجلًا من "بني عامر بن كلاب" استجار بعمير وكانت معه امرأة جملية, فرآها "قرين بن سلمى الحنفي" أخو عمير، وصار يتحدث إليها حتى بلغ ذلك زوجها، فنهاها فخافته فانتهت. فلما رأى "قرين" ذلك وثب على زوجها فقتله, وعمير غائب, فأتى أخو المقتول قبر "سلمى" فعاذ به. فقدم "عمير بن سلمى"، فأخذ أخاه. وبلغ وجوه "بني حنيفة" الخبر، فأتوه فكلموه، فأبى إلا أن يقتله أو يعفو عنه جاره، وأبى أخو المقتول أخذ دية أخيه القتيل ولو ضُوعفت, فأخذ عندئذ "عمير" أخاه وقتله لغدره بجاره (٤٢).

    ومن الأوفياء "أبو حنبل: جارية بن مر الطائي ثم الحنبلي". وكان من وفائه أن "امرأ القيس بن حجر الكندي" كان جارًا "لعامر بن جوين الطائي", فقبَّل "عامر" امرأة "امرئ القيس"، فأعلمته ذلك فارتحل إلى "جارية" ليستجير به. فلم يجده, ووجد ابنًا له أجاره، فلما جاء "جارية" ورأى كثرة أموال "امرئ القيس" طمع فيها، وعزم على الغدر بـ"امرئ القيس" ثم فكر في أمره ورأى أن الغدر عار، فعقد له جواره، ثم أخذه إلى "عامر بن جوين"، فقال لامرئ القيس: قبل امرأته كما قبل امرأتك, ففعل (٤٣).
    ومنهم "المعلى الطائي"، أحد "بني تيم" من جديلة، وهم "مصابيح الظلام". وكان "المنذر" يطلب امرأ القيس، فلجأ إلى "المعلى" فأجاره، وبلغ المنذر مكان "امرئ القيس" فركب حتى أتى منزل المعلى، ولم يكن المعلى موجودًا، وأبى ابنه تسليم امرئ القيس إلى المنذر ومنعوه (٤٤).
    ومن الأوفياء "عصيمة بن خالد بن سنان بن منقر"، وكان "النعمان" قد غضب على "بني عامر بن صعصعة"، فقتل منهم ناسًا وشردهم، فألجأهم "عصيمة" وأجارهم، فبعث إليه النعمان: "ابعث إليَّ بعبيدي" فأبى ونادى في قومه شعاره "كوثر"، وأقبل "النعمان" فأهوى "عصيمة" بالرمح إلى معرفة فرسه، ورجع الملك خائبًا. ثم كسا "عصيمة" "بني عامر" وبلغهم مأمنهم (٤٥).
    وقد عد الوفاء محمدة وواجبًا، ولأجل توكيد الوفاء وترسيخه كانوا يضعون رهنًا، قد يكون ثمينًا مثل أبناء سادات القبائل.

    《الحرية》

    والعربي مجبول على الحرية، وهو لا يطيق الخضوع لأحد غير قبيلته, على ألا يؤثر ذلك في حريته الشخصية. وقد أعجب "هيرودوتس" وغيره من كتبة اليونان والرومان بحب العرب للحرية ولمقاومتهم للاسترقاق، فذكروا أنهم كانوا الشعب الوحيد من بين الشعوب الآسيوية الذي لم يخضع لحكم الفرس، فلم يتمكن ملوك الفرس من استعبادهم، وإنما اضطروا إلى معاملتهم معاملة أصدقاء حلفاء، فقاموا لهم بخدمات جليلة سهلت لهم فتح مصر، ولو كان العرب حربًا على الفرس لما تمكنوا قط من حملتهم على مصر.
    والعربي من هذه الناحية شديد التعلق بالحرية، والأعرابي يشعر, وهو في الحضر بين سكان القرى أو المدن، أنه في سجن لا يطاق؛ لكثرة القيود التي تقتضيها عادات المتحضرين، ويسعى للعودة إلى وطنه حيث ينطلق حرًّا كما يشاء. والقبائل تشعر هذا الشعور نفسه، فهي تعيش متمتعة بأعظم قسط من الحرية، لا تضحي بها، إلا لمقتضيات المحافظة على الحياة, حيث ترتبط بواجبات التحالف مع القبائل الأخرى للدفاع عن النفس وضمان ضروريات الحياة.
    ولما كان لكل شيء حد ونهاية، غدت هذه الحرية أنانية شديدة، وفردية مطلقة حالت دون تعاون الأفراد, ومنعت من مساعدة القبائل بعضها بعضًا مع وجود خطر أجنبي داهم، وحالت دون تكون المجتمعات الكبرى وهي الحكومات، واقتصرت التنظيمات السياسية على القبائل، وأصبحت العصبية للقبيلة تعني القومية. وزاد في حدة هذه الأنانية القبلية اعتقادهم بالرابطة الدموية التي تربط الأسر بالعشائر، والعشائر بالقبائل، وإرجاع ذلك إلى الأنساب فلا تتعصب القبائل إلا لتلك القبائل التي تعتقد أنها وإياها من شجرة واحدة وأصل واحد.
    وإن الحياة الصحراوية التي طبعت أصحابها بطابع الإفراط في حب الحرية الفردية، قد أثرت كثيرًا في الحياة السياسية والتفكير السياسي في بلاد العرب، فاقتصرت الأفعال السياسية على أفعال القبيلة، وتراجع الفرد بل الأهل والعشيرة تجاه القبيلة، وأثرت في أِشكال الحكومات التي تكونت في الأماكن الخصبة وبين المتحضرين، فجعلت منها اتحادًا مع قبائل جمعت بينها مصالح متشابهة ومنافع مشتركة. فإذا ما شعرت بزوال مصلحتها أو أن من مصلحتها الانفصال عن هذا الاتحاد, فلا تتوانى عن تنفيذ رغباتها وتحقيقها بالقوة؛ ولهذا نجد القبائل تهيج وتثور على الحكومات التي تخضع لها، وتدين بالولاء لها؛ لأسباب تافهة منبعها ومبعثها هذه الأنانية الضيقة التي تدفع سادات القبائل إلى الانفصال والخروج من عبودية الخضوع لحاكم، عليهم تقديم واجب الإخلاص والطاعة له. حاكم يرون أنه لا يمتاز عنهم بشيء، بل يرى كل واحد منهم لأنانيته أنه أولى منه بالحكم وبتسلم القيادة، وأن من حقه الخروج عن طاعته إن وجد ظروفًا ملائمة متهيئة للانفصال عنه. فلما وجدت القبائل التي خضعت لحكم "ملوك كندة" ضعفًا في الأسرة الكندية الحاكمة، ثارت عليها وقتلت منهم من قتلت، وطردت من طردت، وكوَّن سادات القبائل إمارات عديدة حلت محل مملكة كندة. ولما كان سادات القبائل يجدون ضعفًا في العلاقات بين ملوك الحيرة والفرس، وبين ملوك الغساسنة والروم, كان يسارعون إلى الاتصال بالفرس وبالروم لتنصيبهم مكان ملوك الحيرة وملوك الغساسنة، لا يرون في هذا العمل أي شين أو بأس.
    ويصعب في الحقيقة التوفيق بين الفكرة القبلية الضيقة والفكرة القومية التي تسمو فوق القبائل، فالفكرة القبلية لا تعترف بوجود قومية غير قومية القبيلة، ولا ترى وجود وطن غير الوطن الذي تنزل فيه القبيلة. فإذا ارتحلت عنه وحلت في أرض أخرى, أصبحت هذه الأرض وطن القبيلة الجديد، الذي يجب أن يدافع عنه, وأما الأوطان الأخرى ومنها وطن القبيلة السابق، فليست بأوطانها. ومن هنا كان بون شاسع بين هذه الفكرة الوطنية الضيقة، وبين الفكرة القومية التي تدين بعقيدة الإيمان بالقوم, أي: الجنس الذي هو فوق القبائل والأمكنة، وبالوطن العام الذي يشمل كل الأرضين التي يستوطنها ذلك الجنس.
    وقد جابهت الحكومات العربية في الجاهلية ثم في الإسلام متاعب كثيرة من الروح القبلية العنيفة، ومن الفردية المتطرفة. فكانت هذه من أهم عوامل هد المجتمعات السياسية الكبرى في بلاد العرب، وكانت من أعنف أعداء القومية العربية, لا في الجاهلية فحسب, بل في الجاهلية وفي الإسلام كذلك.

    《الخلع》

    ويبقى الفرد متمتعًا بعطف قبيلته عليه وبحمايتها له, ما دام قائمًا بواجباته المترتبة عليه، شاعرًا بعظم التبعة. فإذا أجرم، أو عمل عملًا ينافي شرفه أو شرف قبيلته، واستمر في غيه لا يسمع نصائح أهله وعشيرته، كاسرًا أعراف آله وقبيلته -فقد عصبية أهله وقبيلته له، وهام على وجهه طريدًا يلتمس مجاورة رجل من عشيرة أو قبيلة أخرى قريبة من موطنه أو بعيدة عنه. وتكون هذه الفترة من حياة الإنسان شرَّ فترة في حياته، ولا يهدأ للطريد بال إلا إذا وجد له حليفًا أو جارًا يتعهد له بحمايته وببذل "العصبية" له وبالدفاع عنه.
    ويقال للرجل الذي تغضب عليه قبيلته وتحرمه عطفها وعصبيتها له: "الخليع", ويقال ذلك لمن يخلعه أهله أيضًا. وقد يقال له: "الرجل اللعين"، و"اللعين", واللعين هو المطرود؛ ولذلك يقال له: "الطريد", إلى غيرها من مصطلحات.

    وربما خلعوا الرجل من القبيلة ولو كان من صميمها، ويسقط عن أهله وقبيلته كل واجب يترتب عليهم أو عليها إذا عمل عملًا يستوجب خلعه، كما تسقط عن القبائل التي قد تتعرض للخليع بشر كل تبعة تقع عليها من الاعتداء عليه، لخلع أهله أو قبيلته له، وتبرئهم أو تبرئها منه، فلا يطالبون بثأر.
    ولا بد من إعلان خلع أهل "الخليع" أو خلع قبيلته له وتبرئها منه؛ ليكون ذلك معلومًا عند أفراد قبيلته أو القبائل الأخرى، فتسقط العصبية عندئذ عن "الخليع" عند إعلان قرار الخلع، وإلا بقيت في رقبة أولياء أمره وقبيلته، وذلك كأن يعلن الأب في المواضع العامة وفي المواسم أنه خلع ابنه، بأن يقول: ألا إني قد خلعت ابني هذا، فإن جَرَّ لم أضمن، وأن جُر عليه لم أطلب، أو يعلن قومه: إنما خلعنا فلانًا، فلا نأخذ أحدًا بجناية تجنى عليه، ولا نؤخذ بجناياته التي يجنيها.
    وقد كان الحج من المواسم المناسبة لإعلان خلع الخلعاء، وكذلك كانت مواسم الأسواق كسوق عكاظ. فهي مواسم تجمُّع, ينادي فيها المنادي بخلع من يراد خلعه، وكان أهل مكة يكلفون مناديًا بالطواف بالأحياء، ينادي بأعلى صوته عن خلع الخليع. وقد يكتبون كتابًا يحفظونه عندهم أو يعلقونه في محل عام ليقف عليه الناس (٤٦).
    وقد عاش الخلعاء عيشة صعبة، لا أحد يساعدهم أو يئويهم خشية أن ينزل بهم أذى، أو يترتب على قبول جوارهم تبعة تجاه من يقتص آثارهم طلبًا للثأر منهم؛ ولذلك تكتل الصعاليك أحيانًا وكونوا عصابات تغزو وتغير وتقطع الطريق. وكان الشاعر "عروة بن الورد" وهو منهم, يجمع حوله الصعاليك والفقراء في حظيرة ويغزو بهم ويرزقهم مما يغنمه؛ ولذلك سمي "عروة العصاليك" (٤٧).
    ذكر أنه كان إذا شكا إليه فتى من فتيان قومه الفقر, أعطاه فرسًا ورمحًا، وقال له: إن لم تستغنِ بهما, فلا أغناك الله (٤٨).

    والصعلوك: الفقير الذي لا مال له (٤٩).
    ومن الصعاليك "السليك بن سلكة" الشاعر العدَّاء, وهو من العدائين الذين ضرب بهم المثل في العدْو (٥٠).
    وكان "حاجز بن عوف بن الحارث"، وهو شاعر جاهلي مقل، أحد الصعاليك العدائين, كان يعدو على رجليه عدوًا يسبق به الخيل، وكان يغير على قبائل العرب (٥١).
    وكان "قيس بن الحدادية" من الشعراء الصعاليك الفاتكين الشجعان, خلعته خزاعة بسوق عكاظ، وأشهدت على نفسها بخلعها إياه، فلا تحتمل جريرة له، ولا تطالب بجريرة يجرها أحد عليه (٥٢).
    ومن بقية الصعاليك "الشنفرى" و"تأبط شرًّا", غير أن أعرفهم وأشهرهم وحامل لواء الصعلكة فيهم، هو "عروة بن الورد" الذي نصب نفسه سيدًا على الصعاليك. فكان يجمعهم ويشركهم فيما يغنمه ويرزقهم من رزقه، ويبذل جهده لمواساتهم، فاجتمع حوله صعاليك "عبس"، وهو منهم واتخذ لهم حظائر آووا إليها؛ ولهذا نعت بـ"عروة الصعاليك". قال أهل الأخبار: إنما قيل له عروة الصعاليك مع أنه عروة بن الورد؛ لأنه كان يجمع الفقراء في حظيرة, فيرزقهم مما يغنمه (٥٣). فعروة لم يكن فقيرًا محتاجًا معدمًا، كما يفهم من لفظة "صعلوك", لقد كان في وسعه أن يجمع مالًا مما كان يغنمه من غاراته على العرب، فيكون حسن الحال غنيًّا, لكنه فضل الصعلكة على اكتناز المال، ورجَّح إشراك الفقراء فيما يغنمه على جمعه له واستئثاره له وحده؛ لأن له مروءة تأبى عليه أن ينام شبعان وجاره فقير جائع, فكان ينفق ما يغنمه على المحتاجين. فهو صاحب مذهب إنساني أحس بالألم، وأدرك ما أصابه يوم خلعه أهله من شدة وضنك، فأراد أن يخفف من آلام أمثاله ممن خلعهم مجتمعهم لعدم وقوفه على أسباب خروجهم عليه, فصار بذلك نصير الصعاليك. ولقد ذكره "عبد الملك بن مروان" فقال: "ما كنت أحب أن أحدًا ولدني من العرب إلا عروة بن الورد" (٥٤).
    فعروة صعلوك فلسف الصعلكة بأن جعلها مثلًا من مُثُل الحياة, بينما كانت تعني فقرًا مدقعًا وجوعًا قتالًا وهيامًا على وجه الأرض للاستجداء.
    وقد كون الصعاليك عصابات تنقلت من مكان إلى مكان, تسلب المارة وتغير على أحياء العرب؛ لترزق نفسها ومن يأوي إليها (٥٥) , انضم إليها الصعاليك من مختلف القبائل. ولكن أكثر الصعاليك من الشبان الطائشين الخارجين على أعراف قومهم, ومن الذين لا يبالون ولا يخشون أحدًا، صاروا قوة خشي منها، وحسب لها حساب، خاصة وفيها شعراء فحول، يحسنون الهجاء ويتقنون فن ثلب الأعراض، وفيها مقاتلون شجعان لا يعبئون بالموت، يفتكون بمن يريدون الفتك به. وخافهم الناس وامتنعوا جهد إمكانهم من التحرش بهم ومعاداتهم، ومنهم من قبل جوار الصعاليك وردَّ عنهم وأحسن إليهم، فاستفاد منهم واستفادوا منه.
    وقد كان العرب ينفون الخلعاء إلى أماكن معينة مثل "حَضَوْضى"، وهو جبل في الجزيرة العربية, كان الناس في الجاهلية ينفون إليه خلعاءها (٥٦).
    وقيل: جبل في البحر أو جزيرة فيه, كانت العرب تنفي إليه خلعاءها (٥٧).

    ==========

    (١) اللسان "أ/ د/ م"، "13/ 431".
    (٢) اللسان "أ/ د/ م"، "13/ 431".
    (٣) "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"، الأمثال "22"، لسان العرب "1/ 606"، قاموس المحيط "2/ 1405"، "للبستاني".
    (٤) راجع بحث العصبية في مقدمة ابن خلدون "ص108 فما بعدها"، الحيوان "1/ 166".
    (٥) اللسان "1/ 606"، "عصب"، ابن خلدون، مقدمة "138".
    (٦) المرزوقي، شرح الحماسة "1/ 27 وما بعدها".
    (٧) ابن الأثير "1/ 388"، البلدان "8/ 450"، العمدة "200 وما بعدها".
    (٨) حماسة أبي تمام "1/ 16".
    (٩) تاج العروس "10/ 99", "حمى", اللسان "18/ 216 وما بعدها".
    (١٠) سورة الفتح, رقم 48، الآية 26.
    (١١) تفسير الطبري "26/ 65"، تفسير القرطبي "16/ 288 وما بعدها".
    (١٢) تاج العروس "3/ 577"، "نعر".
    (١٣) الروض الأنف "1/ 93 وما بعدها"، الأغاني "15/ 71", شرح ديوان الحماسة "1/ 168",
    Muh. Stud., I, S., 61 Kinship. 44.
    (١٤) تاج العروس "2/ 478"، "قود".
    (١٥) حلت له من بعد تحريم لها
    أو أن يمس الرأس منه غسولا
    شرح ديوان امرئ القيس "ص156".
    (١٦) شعر قيس بن الخطيم "1، 15"، بلوغ الأرب "3/ 24".
    (١٧) الفاخر "252 وما بعدها"، نهاية الأرب "17/ 70".
    (١٨) اللسان "5/ 167"، المعاني الكبير "2/ 1018".
    (١٩) تاج العروس "3/ 72"، "ثأر".
    (٢٠) نهاية الأرب "3/ 122".
    (٢١) حلفت فلم تأثم يميني لأثارن ... عديًّا ونعمان بن قيل وأيهما
    تاج العروس "3/ 71"، "ثأر".
    (٢٢) تاج العروس "3/ 71"، "ثأر".
    (٢٣) المعاني الكبير "2/ 1019".
    (٢٤) تاج العروس "4/ 113"، "البهس".
    (٢٥) هذا البيت لدريد بن الصمة، حماسة أبي تمام "2/ 306"، شرح المرزوقي على الحماسة "2/ 815"، الأصمعيات "112".
    (٢٦) نوادر أبي زيد "160"، الأصمعيات "286".
    (٢٧) "إن لكل غادر لواء"، المفضليات "ص56".
    (٢٨) إرشاد الساري "9/ 106".
    (٢٩) المفضليات "56"، البحتري، حماسة "216".
    (٣٠) وتوقد ناركم شررا ويرفع ... لكم في كل مجمعة لواء
    (٣١) المفضليات "ص56"، تاج العروس "3/ 440"، بلوغ الأرب "2/ 162"، نهاية الأرب "1/ 111".
    (٢٣) بلوغ الأرب "3/ 28".
    (٣٣) اللسان "5/ 8"، "غدر".
    (٣٤) نهاية الأرب "3/ 365".
    (٣٥) نهاية الأرب "3/ 366".
    (٣٦) المستطرف في كل فن مستظرف "1/ 199 وما بعدها", "عبد الحميد أحمد الحنفي".
    (٣٧) المحبر "348 وما بعدها".
    (٣٨) المحبر "348".
    (٣٩) المحبر "348".
    (٤٠) المحبر "349 وما بعدها"، الاشتقاق "215"، الأمثال للميداني "2/ 531".
    (٤١) المحبر "351".
    (٤٢) المحبر "ص352".
    (٤٣) المحبر "352 وما بعدها".
    (٤٤) المحبر "353 وما بعدها".
    (٤٥) المحبر "354".
    (٤٦) الأغاني "8/ 52".
    (٤٧) اللسان "10/ 456"، "صعلك".
    (٤٨) الثعالبي، ثمار القلوب "103".
    (٤٩) اللسان "10/ 455 وما بعدها"، "صعلك".
    (٥٠) الأغاني "18/ 133".
    (٥١) الأغاني "12/ 47".
    (٥٢) الأغاني "13/ 2".
    (٥٣) تاج العروس "7/ 153"، "صعلك".
    (٥٤) الأغاني "3/ 78"، ديوان عروة بن الورد "ص 138 وما بعدها"، العقد الفريد "1/ 191".
    (٥٥) الأغاني "19/ 111".
    (٥٦) البلدان "3/ 296".
    (٥٧) تاج العروس "5/ 20"، "حَضَّ".


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14467
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة سبتمبر 16, 2022 6:55 pm

    " التبابعة" :

    ويطلق أهـــل الأخبار لقب "تبع" على الملــوك الـــذين حكموا اليمن ، وعلى مجموعهم "التبابعة", وهـم في حيرة من تفسير المعنى.
    وقـد ذكر أكثرهم أنهم إنما سُمُّوا تبعًا و"تبابعة" لأنهـــم يتبــع بعضهم بعضًا كلما هـــلك واحـــد قام مقامه الآخــر تابعًا له على مثل سيرته, أو لأن التبع مـلك يتبعه قـــومه ، ويسيرون خلفه تبعًا لــه, أو لكثـــرة أتبـــاعه ، أو مــن التتابع ، وذلك لتتابع بعضهم بعضًا.

    وذكـروا أن أحد التبابعة كان قد صنع "الماذيات" من الحـديد ، وأن الحديد سخر لـه كما سخـــر للنبي "داود" ! وأشير إلى "تبع" في القرآن الكريم :

    {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} , و {أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ} . وقد ذكــر بعضهم أن هــذا اللقب لا يلقب بــه إلا الملوك الـــذين يملكـــون اليمـــن والشحـــر وحضرموت، وقيل حتى يتبعهم "بنو جشم بن عبد شمس" أمـا إذا لم يكن كـــذلك فإنما يسمى ملكًا.
    وأول مـن لقــب منهم بذلك "الحارث بن ذي شمر" وهــو الرائش ، ولم يزل هذا اللقب واقعًا على ملوكهم إلى أن زالت مملكتهم بملك الحبشة اليمن.

    وذكــر أهل الأخبار أن تبعًا عنــد أهل اليمـن لقـــبٌ هـــو بمنـــزلة الخليفة للمسلمين وكسرى للفـــرس وقيصـــر للــروم , وكان يكتب إذا كتب : باسم الـــذي مـــلك برًّا وبحرًا.

    واختلـف علمــاء التفسير في اســـم "التبــع" الحميري المذكور في القـرآن الكـــريم ، فـذهب بعضهم إلى أنه من حميـــر ، وأنــه حَيَّـــر الحيـــرة وأتى "سمرقند" فهدمها.
    وذهــب بعض آخـــر إلى أن تبعًا كـان رجلًا من العــرب صالحًا ، وأنه لما دنا مــن اليمن ليدخلها حالت حميـر بينه وبين ذلك , وقـــالوا : لا تدخلها علينا وقــد فـــارقت ديننا ، وكانوا يعبدون الأوثان فدعاهم إلى دينه ، وقـــال : إنـــه ديـــن خير من دينكم , قـــالوا : فحاكمنا إلى النار. قـــال : نعـــم فتحاكموا إليها ، وكـــان معه حبــران فغلـب الحبـــران النار ، ونكصت على عقبها ، فتهودت حميـر ، وهـدم "تبع" بيت "رئام"، وهو بيت كانوا يعظمونه وينحـــرون عنــده ويكلمون منـه وانتصر عليهم.

    وقـــد ذكـــروا أن تبعًا أول من كسا البيت، وأن الرسول نهى عــن سبه ورُوِيَ أنـه قـــال :
    "لا أدري , تبــع نبيًّا كان أم غيـر نبي". ويظهر مـن هذا القصص المروي عــن "تبع" والــذي يعــود سنده إلى "كعب الأحبار" و"وهب بن منبه" و"عبد الله بن سلام" في الغالب ، أنهـــم قصدوا بـ"تبع" الملك "أسعد أبا كرب" الـــذي تهـــود.
    يؤيـــد هـــذا الـــرأي نص كثيــر مــن المفسرين والأخباريين على اسمه ونسبتهم القصص المذكور إليه.
    وذكـر "ابن كثير" أن "أسعد أبو كريب بن ملكيكرب اليماني" ، هــذا هو "تبع الأوسط" وأنــه ملك قـــومه ثلاثمائة سنة وستًّا وعشرين سنة , ولـــم يكن في حميــر أطـــول مدة منه ، وتوفي قبـــل مبعث الرسول بنحو من سبعمائة سنة إلى غير ذلك من قصص يرجع سنده إلى المذكورين.

    هذا وللتبابعة قصص طويل في كتب أهل الأخبار ، فيها قصص عن نسبهم وفيها قصص آخر عن فتوحاتهم وحروبهم وكلام عن دياناتهم وحديث عن حكمهم وأحكامهم تجده مبسوطا مفروشا في صفحات تلك الكتب، تجد فيها بعض التبابعة وقد آمنوا برسالة الرسول ووقفوا على اسمه, وذلك قبل ميلاده بمئات من السنين, وتمنوا لو عاشوا فأدركوا أيامه وذبُّوا عن حياضه. هذا أحدهم وهو التبع "أسعد أبو كرب بن ملكيكرب" ، يقول :

    شهدت على أحمد أنه ... رسول من الله باري النسم
    فلو مدَّ عمري إلى عمره ... لكنت وزيرًا له وابن عم
    وجاهدت بالسيف أعداءَهُ ... وفَرَّجْتُ عن صدره كل هم

    فهو يشهد برسالة الرسول ، ويـــؤمن بها قبـــل مبعثه بنحــو مــن سبعمائة سنة، ويرجو لو مد في عمره، فوصل إلى أيام الرسول، إذن لجاهد وحارب معه، وفرج عنه كل هم لأنه كان يعلم بما سيلاقيه الرسول مــن قــومه من أذى وعــذاب , ولصار لــه وزيرًا وابن عـــم.

    ويذكر بعض الأخباريين، أن تبعًا قال للأوس والخزرج :
    كـــونوا هنـــا حتى يخرج هــذا النبي -صلى الله عليه وسلم- , أمـا أنــا لـــو أدركتـــه لخدمته وخرجت معـــه.

    إلى غيـــر ذلك من قصص يحاول أن يجعــل للتبابعة علمًــا سابقًـا قـــديمًا بـــرسالة الـــرسول بـاسمه وبمكـــان ظهوره , وبتهيؤ القحطانيين ومنهــم أهـــل المــدينة لتأييده وللــذب عنــه ولنشر دينـــه على رغـــم قريش أهل مكـــة ، وهـــم لب العدنانيين.

    ونجــد في كتب أهـــل الأخبـار بعض التبابعة وقـــد صيروا مسلمين حنفاء يـــدعون إلى الـــدين الحــق وينهون قـــومهم عـن عبـــادة الأصنام.

    وتجد فيها أحــاديث قيل : إن رسول الله قالها في حق التبابعة مثل قوله:
    "لا تسبوا تبعًا, فإنه كان قد أسلم"، أو "لا تسبوا تبعًا فإنه كان رجلًا صالحًا" و"لا تسبوا تبعًا, فـــإنه أول مــن كسا الكعبة", أو "ما أدري أكان تبع نبيًّا أم غير نبي".
    وتجــد فيها أكثـــر من ذلك فقد بلــغ الحــال ببعض أهل الأخبار أن صيروا بعض التبابعة أنبياء وفاتحين ، بلغت فتـــوحاتهم الصيــن في المشرق و"روما" في المغرب.
    وهـــذا القصص كله هـــو بالطبع مـن حـــاصل ذلك النـــزاع السياسي الذي كـــان بيـــن القحطانيين والكتلة المعادية لها ، كتلة العدنانيين.

    وما هــذا الإلحاح الذي يـــؤكد إيمان التبابعة بـإله واحد وتسليمهم برسالة الرسول وتدينهم بدينه ، وفي عـــدم جواز سب التبابعة أو لعنهم أقول : مــا هـــذا الإلحـــاح إلا دليـل ظاهـــر محسوس على أن من الناس من كان يلعن التبابعة ويسبهم ويشتمهم، ولم يكن هـــذا الشتم أو اللعن موجهًا إلى التبابعة بالـــذات بالطبـــع ، بـل كــان مـــوجهًا لليمن وللقحطانيين عـــامة وللـــرد عليهم وضعت تلك الأحاديث وأمثالها على لسان الـــرسول.

    وقـــد ظهر أجـــداد أهـــل اليمن فيها أحسن وأخير من أجداد قريش وأهل مكــة ، ظهروا فيها مؤمنين موحدين كسوا البيت الحرام ، وكانوا هــم أول مــن كسوه ، وعنوا بالبيت إذ عمـروه مرارًا ، وقـدروا مكــانته قبل الإسلام بزمـــان طـــويل خيـــر تقـــدير.

    وذكر "المسعودي" أن "تبعًا" المعروف بـ"تبع الأول" كان أول من حكـــم بعد "الهدهاد بن شرحبيل بن عمرو بن الرائش" ، وقـــد مـــلك -على زعمه- أربعمائة سنة، ثم ملكت بعده بلقيس بنت الهدهاد. ولم يشر إلى صلة "تبع الأول" بالهدهاد ، والظاهر من قوله : "وذكـــر كثيـــر مـن الناس أن بلقيس قتلته"، أنه كان على رأي أهل الأخبار وأصحـــاب "كتب التبابعة" ، مغتصبًا للعـــرش ليست لــه بالهـــدهاد صلـــة ونسب.
    فـــأول مـــن حكـــم باسم "تبع" على روايـــة المسعودي هـــو تبع المذكور.

    وكلمـــة "تبـع" لـــم تـــرد في نصوص المسند ؛ لا بمعنى ملك ، ولا بمعنى آخـــر له عــلاقة بحكم أو بوظيفة أو بملك.
    وقـــد أطلقت تـــلك النصـــوص على اختـــلاف لهجاتها لقب "مـــلك" على الملوك، أي : على نحو إطلاقنا لها في عربيتنا, ولهذا يــرى المستشرقون أن كلمـــة "تبــع" هي "بتــع" القبيلة التي تحدثت عنها من "همـــدان", وحرفت الكلمة فصارت "تبـــع".

    =====


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 01, 2024 11:17 pm