منتديات السادة الهوارة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات السادة الهوارة

د/مصطفى سليمان أبو الطيب الهوارى

د مصطفى سليمان ابوالطيب ابويوسف عايد الهوارى من مواليد محافظة الاسكندرية 8-6-1973 الاصل من محافظه اسيوط مركز صدفا قرية الدوير عايد قبيلة هوارة عايد الهوارى دكتوراة فى التاريخ الاسلامى فى انساب القبائل العربية عام 2015 من اكاديمة مشكاة للدرسات الاسلامية عن القبائل النازحة لمصر عقب الفتح الاسلامى سفير النوايا الحسنة المنظمه الضمير العالمى لحقوق الإنسان إحدى منظمات التابعه للامم المتحده رئيس ومؤسس الجمعية الخيرية لأبناء الهوارة عام 2012 المشهرة برقم 3107 ومؤلف مجلد قاموس القبائل العربية المصرية( مفاتيح الانارة فى انساب قبائل العرب والمرابطين والهوارة) و موسوعه القبائل والعائلات العربية والمصرية وهم1-تاريخ الامارة فى أنساب قبائل وعائلات الهوارة 2- القول السليم فى بطون وعشائر بنى سليم 3- القول المتين فى تاريخ وأنساب قبائل المرابطين وبنى سليم 4-رجال العصر فى أنسابهوازن وبنى هلال وبنى نصر 5-الأقوال الجلية فى أنساب وقبائل سيناء والشرقية -6-القول الشاف فى أنساب قبائل الأنصار والأشراف و الامين العام لمجلس للقبائل المصرية والعربية بالاسكندرية حاصل على درع وشهادة تقدير من المجلس المصرى للقبائل المصرية والعربية رئيس اللجنة العليا لدعم الجيش والشرطة والمصالحات بالمنظمة المصرية لحقوق الانسان بالاسكندرية حاصل على شهادة تفدير من المنظمة المصرية لحقوق الانسان [رئيس الجمعية الخيرية لأبناء محافظة أسيوطفرع عبدالقادرالعامرية الإسكندرية/ وكيل مؤسسين حزب التحرير العربى حزب لم يكتمل امين عام التنظيم بحزب مصر الثورة سابقا مرشح مجلس الشعب بالدائرة الرابعه بالاسكندرية عن الشباب والجمعيات الاهلية عام 2011 حاصل على العديد من شهادات التقدير من الجمعيات الاهلية والمجالس عن دورة فى المجتمع المدنى رئيس لجنة المساعدات الطبية بالجمعيات الاهلية شعبة العامرية وباحث ومؤرخ فى تاريخ القبائل العربية بمصر والوطن العربى موبايل رقم 01224369577 01002920977 01119825377
من هـو د:مصطفي سليمان أبوالطيب أبوعايـد الهواري د:مصـطفى سليمان السـيد أبو الطيب محمد أبو الطيب محمد أبويـوسف بن شيخ العـرب محمد بن شيخ عربان هوارة حمد بن شيخ العرب محمود بن شيخ العرب حمد بن الأمير حماد بن الأمير ريان بن الأمير عايد الهوارى الملقب بسيد العرب الأمير منصور بن الأمير ناصر بن الأميرسليم بن الأمير بهنان بن الأمير عوف بن الأمير مالك بن الأمير ناصر بن الأمير قيس بن الأميرالحارث بن الأمير سعد بن الأمير مالك بن الأميرغندور بن الأمير سرحان بن الأمير مالك بن الأميرعمرو بن الأمير عمارة بن الأمير عمران بن الأمير حمدان بن الأمير عامر بن الأمير عمرو بن سعد بن مسعود بن عمر بن عمير بن عامر بن ربيعة بن معاوية بن عامر بن ربيعة فارس العرب الذى قتل أول فارسى فى معركة القادسية منه بنو ربيعه بن عثمان بن ربيعة بن النابغة بن عنز بن حبيب بن وائلة بن دهمان ومنه بنو دهمان بن نصر ومنه بنو نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن ومنه القبائل الهوازنية بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس ومنه القبائل القيسية بن عيلان بن مضر ومنه بنو مضر بن نزار بن معد بن عدنان هو جد القبائل العدنانية بجزيرة العرب بن أد بن أدد بن هميسع بن سلامان ابن عوص بن بوز بن قموال بن أبي بن عوام بن ناشد بن بلداس بن يدلاف بن طانج بن جاحم بن ناحش بن ماخي بن عيض بن عبقر بن عبيد بن الدعا بن حمدان بن سنبر بن يثربي بن يحزن بن يلحن بن ارعوى بن عيض بن ديشان بن عيص بن أفناد بن أيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن سمي بن مزي بن عوضه بن عرام بن قيدار بن إسماعيل عليه السلام بن إبراهيم عليه السلام أبن تارح بن ناحور بن ساروع أو ساروغ بن راعو بن فالخ بن عابر بن شالخ ابن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ بن إدريس عليه السلام ابن يرد بن مهلائيل بن قينان بن آنوشة بن شيت بن آدم عليهما السلام من مواليد محافظـة الإسكندرية 8-6-1973 الأصل من محافظه أسيوط مركز صدفا قرية الدوير عايد قبيـلة هوارة عايد الهوارى مسقـط رأس شيـخ مشايـخ عربان هوارة أسيوط الأمير عايد الهواري الملقب بسيـد العرب دكتوراة فى التاريخ الاسلامى فى انساب القبائل العربية عام 2015 من اكاديمية مشكـاة للدرسات العربية والاسلامية عن القبائـل النازحة لمصـر عقب الفتح الاسلامى سفير النوايا الحسنة المنظمه الضمير العالمى لحقوق الإنسان إحدى منظمات التابعه للامم المتحده رئيس ومؤسس الجمعية الخيرية لأبناء هوارة عام 2012 المشهرة برقم 3107 سفيـر النوايا الحسنة من منظـمة الضميـر التابعة للامم المتحدة ومؤلف مجـلد قاموس القبائل العربية المصرية 1:مفاتيح الانارة فى انساب قبائل العرب والمرابطين والهوارة 2:موسوعه القبائل والعائلات العربية والمصرية وهــم 1:تاريخ الامارة فى أنساب قبائل وعائلات الهوارة 2: القول السليم فى بطون وعشائر بنى سليم 3:القول المتين فى تاريخ وأنساب قبائل المرابطين وبنى سليم 4:رجال العصر فى أنساب هوازن وبنى هلال وبنى نصر 5:الأقوال الجلية فى أنساب وقبائل سيناء والشرقية 6:القول الشاف فى أنساب قبائل الأنصار والأشراف الامين العام لمجلس القبائل المصرية والعربية بالإسكندرية حاصل على درع وشهادة تقدير من المجلس المصري للقبائل المصرية والعربية رئيس اللجنة العليا لدعم الجيش والشرطة والمصالحات بالمنظمة المصرية لحقوق الانسان بالإسكندرية حاصل على شهادة تقدير من المنظمة المصرية لحقوق الانسان رئيس الجمعية الخيرية لأبناء محافظة أسيوط فرع عبدالقادر العامرية الإسكندرية وكيل مؤسسين حزب التحرير العربي حزب لم يكتمل امين عام التنظـيم بحزب مصر الثـورة سابقاً مرشح مجلس الشعب بالدائرة الرابعة بالإسكندرية عن الشباب والجمعيات الاهلية عام 2011 حاصـل على العديد من شهادات التقدير من الجمعيات الاهلية والمجالس عن دورة فى المجتمع المدني. رئيس لجـنة المساعدات الطبية بالجمعيات الاهلية شعبة العامرية باحث ومؤرخ فى تاريخ القبائل العربية والمصرية بمصر والوطن العربي أمين عام المجلس الأعلى للقبائل العربية والمصرية بالإسكندريــة
من هـو د:مصطفي سليمان أبوالطيب أبوعايـد الهواري د:مصـطفى سليمان السـيد أبو الطيب محمد أبو الطيب محمد أبويـوسف بن شيخ العـرب محمد بن شيخ عربان هوارة حمد بن شيخ العرب محمود بن شيخ العرب حمد بن الأمير حماد بن الأمير ريان بن الأمير عايد الهوارى الملقب بسيد العرب الأمير منصور بن الأمير ناصر بن الأميرسليم بن الأمير بهنان بن الأمير عوف بن الأمير مالك بن الأمير ناصر بن الأمير قيس بن الأميرالحارث بن الأمير سعد بن الأمير مالك بن الأميرغندور بن الأمير سرحان بن الأمير مالك بن الأميرعمرو بن الأمير عمارة بن الأمير عمران بن الأمير حمدان بن الأمير عامر بن الأمير عمرو بن سعد بن مسعود بن عمر بن عمير بن عامر بن ربيعة بن معاوية بن عامر بن ربيعة فارس العرب الذى قتل أول فارسى فى معركة القادسية منه بنو ربيعه بن عثمان بن ربيعة بن النابغة بن عنز بن حبيب بن وائلة بن دهمان ومنه بنو دهمان بن نصر ومنه بنو نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن ومنه القبائل الهوازنية بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس ومنه القبائل القيسية بن عيلان بن مضر ومنه بنو مضر بن نزار بن معد بن عدنان هو جد القبائل العدنانية بجزيرة العرب بن أد بن أدد بن هميسع بن سلامان ابن عوص بن بوز بن قموال بن أبي بن عوام بن ناشد بن بلداس بن يدلاف بن طانج بن جاحم بن ناحش بن ماخي بن عيض بن عبقر بن عبيد بن الدعا بن حمدان بن سنبر بن يثربي بن يحزن بن يلحن بن ارعوى بن عيض بن ديشان بن عيص بن أفناد بن أيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن سمي بن مزي بن عوضه بن عرام بن قيدار بن إسماعيل عليه السلام بن إبراهيم عليه السلام أبن تارح بن ناحور بن ساروع أو ساروغ بن راعو بن فالخ بن عابر بن شالخ ابن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ بن إدريس عليه السلام ابن يرد بن مهلائيل بن قينان بن آنوشة بن شيت بن آدم عليهما السلام من مواليد محافظـة الإسكندرية 8-6-1973 الأصل من محافظه أسيوط مركز صدفا قرية الدوير عايد قبيـلة هوارة عايد الهوارى مسقـط رأس شيـخ مشايـخ عربان هوارة أسيوط الأمير عايد الهواري الملقب بسيـد العرب دكتوراة فى التاريخ الاسلامى فى انساب القبائل العربية عام 2015 من اكاديمية مشكـاة للدرسات العربية والاسلامية عن القبائـل النازحة لمصـر عقب الفتح الاسلامى سفير النوايا الحسنة المنظمه الضمير العالمى لحقوق الإنسان إحدى منظمات التابعه للامم المتحده رئيس ومؤسس الجمعية الخيرية لأبناء هوارة عام 2012 المشهرة برقم 3107 سفيـر النوايا الحسنة من منظـمة الضميـر التابعة للامم المتحدة ومؤلف مجـلد قاموس القبائل العربية المصرية 1:مفاتيح الانارة فى انساب قبائل العرب والمرابطين والهوارة 2:موسوعه القبائل والعائلات العربية والمصرية وهــم 1:تاريخ الامارة فى أنساب قبائل وعائلات الهوارة 2: القول السليم فى بطون وعشائر بنى سليم 3:القول المتين فى تاريخ وأنساب قبائل المرابطين وبنى سليم 4:رجال العصر فى أنساب هوازن وبنى هلال وبنى نصر 5:الأقوال الجلية فى أنساب وقبائل سيناء والشرقية 6:القول الشاف فى أنساب قبائل الأنصار والأشراف الامين العام لمجلس القبائل المصرية والعربية بالإسكندرية حاصل على درع وشهادة تقدير من المجلس المصري للقبائل المصرية والعربية رئيس اللجنة العليا لدعم الجيش والشرطة والمصالحات بالمنظمة المصرية لحقوق الانسان بالإسكندرية حاصل على شهادة تقدير من المنظمة المصرية لحقوق الانسان رئيس الجمعية الخيرية لأبناء محافظة أسيوط فرع عبدالقادر العامرية الإسكندرية وكيل مؤسسين حزب التحرير العربي حزب لم يكتمل امين عام التنظـيم بحزب مصر الثـورة سابقاً مرشح مجلس الشعب بالدائرة الرابعة بالإسكندرية عن الشباب والجمعيات الاهلية عام 2011 حاصـل على العديد من شهادات التقدير من الجمعيات الاهلية والمجالس عن دورة فى المجتمع المدني. رئيس لجـنة المساعدات الطبية بالجمعيات الاهلية شعبة العامرية باحث ومؤرخ فى تاريخ القبائل العربية والمصرية بمصر والوطن العربي أمين عام المجلس الأعلى للقبائل العربية والمصرية بالإسكندريــة
من هـو د:مصطفي سليمان أبوالطيب أبوعايـد الهواري د:مصـطفى سليمان السـيد أبو الطيب محمد أبو الطيب محمد أبويـوسف بن شيخ العـرب محمد بن شيخ عربان هوارة حمد بن شيخ العرب محمود بن شيخ العرب حمد بن الأمير حماد بن الأمير ريان بن الأمير عايد الهوارى الملقب بسيد العرب الأمير منصور بن الأمير ناصر بن الأميرسليم بن الأمير بهنان بن الأمير عوف بن الأمير مالك بن الأمير ناصر بن الأمير قيس بن الأميرالحارث بن الأمير سعد بن الأمير مالك بن الأميرغندور بن الأمير سرحان بن الأمير مالك بن الأميرعمرو بن الأمير عمارة بن الأمير عمران بن الأمير حمدان بن الأمير عامر بن الأمير عمرو بن سعد بن مسعود بن عمر بن عمير بن عامر بن ربيعة بن معاوية بن عامر بن ربيعة فارس العرب الذى قتل أول فارسى فى معركة القادسية منه بنو ربيعه بن عثمان بن ربيعة بن النابغة بن عنز بن حبيب بن وائلة بن دهمان ومنه بنو دهمان بن نصر ومنه بنو نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن ومنه القبائل الهوازنية بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس ومنه القبائل القيسية بن عيلان بن مضر ومنه بنو مضر بن نزار بن معد بن عدنان هو جد القبائل العدنانية بجزيرة العرب بن أد بن أدد بن هميسع بن سلامان ابن عوص بن بوز بن قموال بن أبي بن عوام بن ناشد بن بلداس بن يدلاف بن طانج بن جاحم بن ناحش بن ماخي بن عيض بن عبقر بن عبيد بن الدعا بن حمدان بن سنبر بن يثربي بن يحزن بن يلحن بن ارعوى بن عيض بن ديشان بن عيص بن أفناد بن أيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن سمي بن مزي بن عوضه بن عرام بن قيدار بن إسماعيل عليه السلام بن إبراهيم عليه السلام أبن تارح بن ناحور بن ساروع أو ساروغ بن راعو بن فالخ بن عابر بن شالخ ابن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ بن إدريس عليه السلام ابن يرد بن مهلائيل بن قينان بن آنوشة بن شيت بن آدم عليهما السلام من مواليد محافظـة الإسكندرية 8-6-1973 الأصل من محافظه أسيوط مركز صدفا قرية الدوير عايد قبيـلة هوارة عايد الهوارى مسقـط رأس شيـخ مشايـخ عربان هوارة أسيوط الأمير عايد الهواري الملقب بسيـد العرب دكتوراة فى التاريخ الاسلامى فى انساب القبائل العربية عام 2015 من اكاديمية مشكـاة للدرسات العربية والاسلامية عن القبائـل النازحة لمصـر عقب الفتح الاسلامى رئيس ومؤسس الجمعية الخيرية لأبناء هوارة عام 2012 المشهرة برقم 3107 سفيـر النوايا الحسنة من منظـمة الضميـر التابعة للامم المتحدة ومؤلف مجـلد قاموس القبائل العربية المصرية 1:مفاتيح الانارة فى انساب قبائل العرب والمرابطين والهوارة 2:موسوعه القبائل والعائلات العربية والمصرية وهــم 1:تاريخ الامارة فى أنساب قبائل وعائلات الهوارة 2: القول السليم فى بطون وعشائر بنى سليم 3:القول المتين فى تاريخ وأنساب قبائل المرابطين وبنى سليم 4:رجال العصر فى أنساب هوازن وبنى هلال وبنى نصر 5:الأقوال الجلية فى أنساب وقبائل سيناء والشرقية 6:القول الشاف فى أنساب قبائل الأنصار والأشراف الامين العام لمجلس القبائل المصرية والعربية بالإسكندرية حاصل على درع وشهادة تقدير من المجلس المصري للقبائل المصرية والعربية رئيس اللجنة العليا لدعم الجيش والشرطة والمصالحات بالمنظمة المصرية لحقوق الانسان بالإسكندرية حاصل على شهادة تقدير من المنظمة المصرية لحقوق الانسان رئيس الجمعية الخيرية لأبناء محافظة أسيوط فرع عبدالقادر العامرية الإسكندرية وكيل مؤسسين حزب التحرير العربي حزب لم يكتمل امين عام التنظـيم بحزب مصر الثـورة سابقاً مرشح مجلس الشعب بالدائرة الرابعة بالإسكندرية عن الشباب والجمعيات الاهلية عام 2011 حاصـل على العديد من شهادات التقدير من الجمعيات الاهلية والمجالس عن دورة فى المجتمع المدني. رئيس لجـنة المساعدات الطبية بالجمعيات الاهلية شعبة العامرية باحث ومؤرخ فى تاريخ القبائل العربية والمصرية بمصر والوطن العربي أمين عام المجلس الأعلى للقبائل العربية والمصرية بالإسكندريــة

من هـو د:مصطفي سليمان أبوالطيب أبوعايـد الهواري د:مصـطفى سليمان السـيد أبو الطيب محمد أبو الطيب محمد أبويـوسف بن شيخ العـرب محمد بن شيخ عربان هوارة حمد بن شيخ العرب محمود بن شيخ العرب حمد بن الأمير حماد بن الأمير ريان بن الأمير عايد الهوارى الملقب بسيد العرب الأمير منصور بن الأمير ناصر بن الأميرسليم بن الأمير بهنان بن الأمير عوف بن الأمير مالك بن الأمير ناصر بن الأمير قيس بن الأميرالحارث بن الأمير سعد بن الأمير مالك بن الأميرغندور بن الأمير سرحان بن الأمير مالك بن الأميرعمرو بن الأمير عمارة بن الأمير عمران بن الأمير حمدان بن الأمير عامر بن الأمير عمرو بن سعد بن مسعود بن عمر بن عمير بن عامر بن ربيعة بن معاوية بن عامر بن ربيعة فارس العرب الذى قتل أول فارسى فى معركة القادسية منه بنو ربيعه بن عثمان بن ربيعة بن النابغة بن عنز بن حبيب بن وائلة بن دهمان ومنه بنو دهمان بن نصر ومنه بنو نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن ومنه القبائل الهوازنية بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس ومنه القبائل القيسية بن عيلان بن مضر ومنه بنو مضر بن نزار بن معد بن عدنان هو جد القبائل العدنانية بجزيرة العرب بن أد بن أدد بن هميسع بن سلامان ابن عوص بن بوز بن قموال بن أبي بن عوام بن ناشد بن بلداس بن يدلاف بن طانج بن جاحم بن ناحش بن ماخي بن عيض بن عبقر بن عبيد بن الدعا بن حمدان بن سنبر بن يثربي بن يحزن بن يلحن بن ارعوى بن عيض بن ديشان بن عيص بن أفناد بن أيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن سمي بن مزي بن عوضه بن عرام بن قيدار بن إسماعيل عليه السلام بن إبراهيم عليه السلام أبن تارح بن ناحور بن ساروع أو ساروغ بن راعو بن فالخ بن عابر بن شالخ ابن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ بن إدريس عليه السلام ابن يرد بن مهلائيل بن قينان بن آنوشة بن شيت بن آدم عليهما السلام من مواليد محافظـة الإسكندرية 8-6-1973 الأصل من محافظه أسيوط مركز صدفا قرية الدوير عايد قبيـلة هوارة عايد الهوارى مسقـط رأس شيـخ مشايـخ عربان هوارة أسيوط الأمير عايد الهواري الملقب بسيـد العرب دكتوراة فى التاريخ الاسلامى فى انساب القبائل العربية عام 2015 من اكاديمية مشكـاة للدرسات العربية والاسلامية عن القبائـل النازحة لمصـر عقب الفتح الاسلامى رئيس ومؤسس الجمعية الخيرية لأبناء هوارة عام 2012 المشهرة برقم 3107 سفيـر النوايا الحسنة من منظـمة الضميـر التابعة للامم المتحدة ومؤلف مجـلد قاموس القبائل العربية المصرية 1:مفاتيح الانارة فى انساب قبائل العرب والمرابطين والهوارة 2:موسوعه القبائل والعائلات العربية والمصرية وهــم 1:تاريخ الامارة فى أنساب قبائل وعائلات الهوارة 2: القول السليم فى بطون وعشائر بنى سليم 3:القول المتين فى تاريخ وأنساب قبائل المرابطين وبنى سليم 4:رجال العصر فى أنساب هوازن وبنى هلال وبنى نصر 5:الأقوال الجلية فى أنساب وقبائل سيناء والشرقية 6:القول الشاف فى أنساب قبائل الأنصار والأشراف الامين العام لمجلس القبائل المصرية والعربية بالإسكندرية حاصل على درع وشهادة تقدير من المجلس المصري للقبائل المصرية والعربية رئيس اللجنة العليا لدعم الجيش والشرطة والمصالحات بالمنظمة المصرية لحقوق الانسان بالإسكندرية حاصل على شهادة تقدير من المنظمة المصرية لحقوق الانسان رئيس الجمعية الخيرية لأبناء محافظة أسيوط فرع عبدالقادر العامرية الإسكندرية وكيل مؤسسين حزب التحرير العربي حزب لم يكتمل امين عام التنظـيم بحزب مصر الثـورة سابقاً مرشح مجلس الشعب بالدائرة الرابعة بالإسكندرية عن الشباب والجمعيات الاهلية عام 2011 حاصـل على العديد من شهادات التقدير من الجمعيات الاهلية والمجالس عن دورة فى المجتمع المدني. رئيس لجـنة المساعدات الطبية بالجمعيات الاهلية شعبة العامرية باحث ومؤرخ فى تاريخ القبائل العربية والمصرية بمصر والوطن العربي أمين عام المجلس الأعلى للقبائل العربية والمصرية بالإسكندريــة

    أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:20 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    【 المجتمع العربي 】

    الجزء الرابع :

    عُبَيَّة الجاهلية :

    ولقد تحدثت في الجزء الأول من هذا > الكتاب عن العقلية العربية بصفة عامة :
    عقلية العرب أي الحضر وعقلية الأعراب.
    وأعود في هذا الموضع إلى الحديث عن عقلية الأعراب وما رماهم به أهل الحضر من الغلظة والجفاء والجهالة والعنجهية والكبر, إلى غير ذلك من نعوت عرفت عند العلماء بـ"عبية الجاهلية"؛ وذلك لما لهذه العبية من صلة بهذا الموضوع في هذا المكان.

    وإذا أردت الوقوف على عنجهية الجاهلية وتكبر سادات القبائل وعلى نظرتهم إلى من هم دونهم في ذلك الوقت، فخذ ما روي عن قصة وقعت لمعاوية بن أبي سفيان على ما يرويه أهل الأخبار. فقد رُوي أن الرسول أمر معاوية بإنزال "وائل بن حجر" الحضرمي منزلًا بالحرة، فمشى معه ووائل راكب وكان النهار حارًّا شديد الحرارة، فقال له معاوية :
    ألق إليَّ نعلك، قال : لا، إني لم أكن لألبسها وقد لبستها. قال: فأردفني، قال: لست من أرداف الملوك, قال: إن الرمضاء قد أحرقت قدمي، قال: لا يبلغ أهل اليمن أن سوقة لبس نعل ملك, ولكن إن شئت قصرت عليك ناقتي فسرت في ظلها. فأتى معاوية النبي، فأنبأه فقال : "إن فيه لعُبَيَّة من عُبَيَّة الجاهلية" (١).

    و"العبية" الكبر والفخر, "وعبية الجاهلية: نخوتها, وفي الحديث: إن الله وضع عنكم عبية الجاهلية، وتعظمها بآبائها، يعني الكبر". وقد وصفت "قريش" ونعتت بتكبرها حتى قيل: "هذه عبية قريش"(٢), ونجد في القرآن الكريم إشارات إلى عبية زعماء قريش وفخرهم على غيرهم بالآباء وبالأحساب وبأمور لا تستوجب فخر مفاحر؛ لأنها لا تتناول عمل إنسان ليحمد أو ليذم عليه. وقد ذمها الإسلام ونهى المسلمين عن عبية الجاهلية.

    ونظرًا إلى ما للبداوة من فقر وقساوة وغلظ في المعاش، ومن ضيق أفق في المدارك وقصر نظر في شئون هذا العالم الخارجي وفي فهم الحياة -نظر العربي إلى الأعرابي نظرة استجهال وازدراء، ونظر إلى نفسه نظرة فيها علو واستعلاء. فورد أن الأعرابي إذا قيل له: يا عربي, فرح بذلك وهش له، والعربي إذا قيل له: يا أعرابي! غضب له (٣) ؛ لما بين الحياتين من فروق وتضاد. فقد جبلت البادية أبناءها على أن يكونوا غرباء عن العالم الحضر وعن عقلية أهل القرى والمدن, متغطرسين مغرورين على فقرهم وفقر من يحيط بهم، فخورين بأنفسهم إلى حد الزهو والإعجاب والخروج عن الحد، فكانوا إذا تكلموا رفعوا أصواتهم، وظهرت الخشونة في كلماتهم، وإذا تعاملوا مع غيرهم ظهر الحذر عليهم، خشية الغدر بهم.

    ولهذا قال الحضر : "أعرابي جلف"، أي جاف (٤), وفي الحديث : "من بدا جفا"، أي: غلظ طبعه لقلة مخالطة الناس(٥). وقالوا :
    "أعرابي قح" و"أعرابي قُحاح"، وهو الذي لم يدخل الأمصار ولم يختلط بأهلها (٦).
    ولهذه الخشونة التي خلقتها طبيعة البادية في الأعرابي، وهو لا دخل له بها الطبع، كما أنه لا يشعر بها ولا يرى أن فيه شيئًا منها، كان العرب إذا تحدثوا عن شخص فيه عنجهية وخشونة، قالوا عنه: فيه أعرابية، كالذي ذكروه مثلًا عن "عيينة بن حصن الفزاري"، من أنه كان أحمق مطاعًا، دخل على النبي من غير إذن وأساء الأدب فصبر النبي "على جفوته وأعرابيته"(٧).
    إلى غير ذلك من نعوت تصف الأعرابي بالغلظ والقسوة والأنانية وما شاكل ذلك من نعوت تحدثت عنها في الجزء الأول من هذا الكتاب. وهي حاصل هذا المحيط الذي وُلد فيه وعاش، والظروف التي ألمت به، فعزلته عن العالم الخارجي، وأبعدته عن التحسس بتنوع مظاهر الطبيعة وبتغيرها، فلم يرَ الثلج في حياته وهو يتساقط من السماء، ولم يتعود على رؤية الأمطار وهي تتساقط عليه على نحو ما يقع في عالم أوروبا أو في البلاد الحارة ذات الأمطار الموسمية الواضحة، حتى يستفيد منها في استغلال أرضه، ولم تعطِه الطبيعة أنهارًا ومياهًا جارية، إلى غير ذلك من أمور تحدثت عنها أثناء كلامي على العقلية العربية, في الجزء الأول من هذا الكتاب.

    ووصف الأعرابي بالجهل، بل بالجهل المطبق. فهو وثني ولكنه لا يفهم شيئًا من أمور الوثنية، وهو نصراني، لكنه نصراني بالاسم، لا يعرف عن النصرانية في الغالب شيئًا، وهو مسلم ولكنه لا يعرف عن الإسلام إلا الاسم. ونجد في كتب أهل الأخبار والأدب قصصًا مضحكًا يمثل هذا الجهل الذي رُمي به الأعراب في بعضه حق بعض وفي بعضه باطل؛ لأنه موضوع حمل عليهم حملًا للانتقاص منهم وليكون قصصًا وتفكهةً وتسلية يتسلى بها الحضر في مجالسهم, في أثناء قتلهم للوقت.
    وهو حقود، لا يرى أن يغفر ذنب من أساء إليه, بل يظل في نفسه حاقدًا عليه حتى يأخذ بثأره منه. "قيل لأعرابي : أيسرك أن تدخل الجنة ولا تسيء إلى من أساء إليك؟ فقال: بل يسرني أن أدرك الثأر وأدخل النار" (٨).

    ويذكر أن الرسول كان يميز بين الأعراب وبين البادية، وهم الذين كانوا
    ينزلون أطراف القارة "القارية" وحولهم.
    فلما أهدت "أم سنبلة" الأسلمية لبنًا إلى بيت رسول الله، أبت عائشة قبوله؛ لأن الرسول قد نهى أهله عن قبول هدية أعرابي.
    وبينما كانت أم سنبلة في بيته، دخل رسول الله، فقال: "ما هذا؟ " قالت عائشة: يا رسول الله، هذه أم سنبلة أهدت لنا لبنًا، وكنت نهيتنا أن نقبل من أحد من الأعراب شيئًا، فقال رسول الله: "خذوها، فإن أسلم ليسوا بأعراب، هم أهل باديتنا" (٩).
    ويفهم من هذا الخبر، أن الرسول فرق بين العرب البادية المقيمين حول "القارية" أهل الحاضرة، الذين هم على اتصال دائم بالحضر، وبين الأعراب، وهم البادون البعيدون عن أهل الحواضر، وهم الذين نهى الرسول عن قبول هدية منهم؛ وذلك بسبب جفائهم على ما يظهر ولأنهم لا يهدون شيئًا إلا طمعوا في رد ما هو أكثر منه لغلظ معاشهم وضيق تفكيرهم, وآية ذلك ما ورد عنهم في القرآن الكريم.

    فأهل البادية المجاورون للحضر أخف على النفس من الأعراب، لتأثرهم بحياة الحضر, ولعل منهم من شارك أهل الحضر في التعاطي والتعامل. ونرى أهل الأخبار يروون أن أهل القرى كانوا أصحاب زرع ونخيل وفواكه وخيل وشاء كثير وإبل، يقيم حولهم أناس بادون, كالذي كان حول مكة ويثرب والطائف وقرى الحجاز واليمن وغير ذلك، فإن هؤلاء لم يكونوا أعرابًا أي: بدوًا صرفًا, هجروا الحواضر وأقاموا في البوادي البعيدة، بل هم وسط بين الحضر وبين الأعراب.
    فأخلاقهم ألين من أخلاق الأعراب وأرق, ويمكن الاعتماد عليهم نوعًا ما، بينما لا يمكن الركون إلى قول أعرابي.

    وقد بلغ من استعلاء الحضر على أهل البادية، أن الأعراب لما أرادوا التسمي بأسماء المهاجرين قبل أن يهاجروا، منعوا من ذلك، فأعلموا أن لهم أسماء الأعراب لا أسماء المهاجرين، وعليهم التسمي بها (١٠).
    والأعراب أهل منة، إذا فعلوا معروفًا بقوا يتحدثون عنه، ويمنون بصنعه على من قدموه له, وهم يريدون منه صنع أضعاف ما صنعوه له. وهم خشنون إذا تكلموا رفعوا أصواتهم, وقد وبهخم القرآن وأنبهم لفعلهم هذا, فجاء فيه :

    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ, إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} (١١).

    وأمر المسلمين بالتأدب بأدب الإسلام, فقال : {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير} (١٢) , وقد كانوا يجهرون له بالكلام ويرفعون أصواتهم، فوعظهم الله ونهاهم عن ذلك، يقول تعالى ذكره : "يأيها الذين صدقوا الله ورسوله, لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت 【 رسول الله ﷺ 】 تتجهمونه بالكلام, وتغلظون له في الخطاب" (١٣).

    وكان من خشونتهم وأعرابيتهم أن أحدهم إذا جاء 【الرسول ﷺ】 فوجده في حجرته نادى : يا محمد, يا محمد ؟ وذكر أن وفدًا من "تميم" وفد على 【 رسول اللهﷺ】 , فوجده في حجرته، ونادى مناديه : اخرج إلينا يا محمد؟ فإن مدحنا زين وذمنا شين, أو: يا محمد! إن مدحي زين وإن شتمي شين، فأنزل 【اللهﷻ】 : {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ, وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (١٤).

    وقد اتهم الأعرابي بماديته المفرطة وبطمعه الفظيع. فهو يحارب معك، ثم ينقلب عليك ويصير مع خصمك، إذا وجد أن في الجانب الثاني حلاوة، وأنه مستعد لإعطائه أكثر مما أعطيته، حاربوا مع 【 الرسول ﷺ】 ثم صاروا عليه وانتهبوا عسكره، وجاءوا إليه فعرضوا عليه الإسلام، فلما أرادوا العودة إلى بلادهم وهم مسلمون، وجدوا رعاء 【 للرسول ﷺ 】 فانتهبوه وقتلوا حماته مع علمهم بأنه له، وأن انتهاب مال المسلم حرام، فكيف بهم وهم ينتهبون مال 【 رسول اللهﷺ】 .
    وقد ندد القرآن الكريم بطمعهم في الآية : {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} فهؤلاء قوم من بوادي العرب، قدموا على 【النبي ﷺ 】 المدينة طمعًا في الصدقات، لا رغبة في الإسلام، فسماهم الله تعالى الأعراب.

    ومثلهم الذين ذكرهم 【 الله ﷻ】 في سورة التوبة، فقال :
    {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا} (١٥).

    وذكر عن "قتادة" قوله :
    "قالت الأعراب آمنا، قل: لم تؤمنوا، ولعمري ما عمت هذه الآية الآعراب. إن من الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر، ولكن إنما أنزلت في حي من أحياء الأعراب امتنوا بإسلامهم على 【 نبي الله ﷺ 】 فقالوا : أسلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان. فقال 【 الله ﷻ】 : لا تقولوا آمنا ولكن قولوا أسلمنا"(١٦). "وقال آخرون: قيل لهم ذلك؛ لأنهم منوا على 【رسول الله ﷺ 】 بإسلامهم.
    فقال 【اللهﷻ】 【 لنبيه ﷺ 】 "قل لهم لم تؤمنوا ولكن استسلم خوف السباء والقتل"(١٧).

    ولا يعرف الأعرابي شيئًا غير القوة ولا يخضع إلا لسلطانها، وبموجب هذه النظرة بنى أصول الحق والعدل، وما يتبعهما من حقوق, كما سأتحدث عن ذلك فيما بعد، وهو فخور بنفسه متباهٍ بشجاعته، لكنه لا يصبر إذا طال القتال وجد، ولا يتحمل الوقوف طويلًا في ساحة المعركة، لا سيما إذا شعر أن القتال غير متوازن، وأن أسلحة خصمه أمضى وأقوى في القتال من أسلحته، فيولي عندئذ الإدبار، ولا يرى في هروبه هذا من المعركة شيئًا ولا عيبًا. وفي تأريخ معارك الجاهلية ولا سيما في معاركهم مع الأعاجم ومع القوات النظامية العربية أمثلة عديدة من هذا القبيل. ففي الحروب التي وقعت بين المسلمين والفرس أو الروم، خذلت بعض القبائل المسلمين، وتركتهم لما رأت جد القتال وألا فائدة مادية ستحصل عليها منه. "وقد كان انضم إلى المسلمين حين ساروا إلى الروم ناس من لخم وجذام, فلما رأوا جد القتال فروا ونجوا إلى ما كان قربهم من القرى، وخذلوا
    المسلمين"(١٨), فروا وهربوا لأنهم وجدوا أن القتال قد طال وأنه قتال جد، ولا قبل للقبائل على القتال الطويل الشديد الجد، فاختاروا الهروب دون أن يفكروا في عقدهم الذي عقدوه مع إخوانهم في الجنس على القتال معهم والاستمرار فيه حتى النهاية، فإما نصر وإما هزيمة وموت وهلاك، ولكن طبيعة الأعراب لا تقيم وزنًا ولا تعطي أهمية للعقود في مثل هذه المواقف, إن رأت هواها في القتال قد تغير وتحول، وأن الأمن في كسب مغنم قد تضاءل، انسحبت منه بعذر قد يكون تافهًا وبغير عذر أيضًا. وقد لا تنسحب، وإنما تبدل الجبهة، بأن تذهب إلى الجانب الآخر فتحارب معه، وتقاتل عندئذ من كانت تقاتل معه؛ لأنها وجدت أن الربح من هذا الجانب مضمون، وأن ما ستناله منه من فائدة أكثر. وذلك بعد مفاوضات سرية تجري بالطبع, وهذا ما أزعج الروم والفرس وجعلهم لا يطمئنون إلى قتال العرب معهم وفي صفوفهم، فرموهم بالغدر، فكانوا إذا كلفوهم بالحرب معهم عهدوا إليهم القيام فيها بأعمال حربية ثانوية، أو الانفراد بحرب الأعراب الأعداء الذين هم من أنصار الجانب الآخر. فقد حدث مرارًا أن هرب الأعراب من ساحة القتال حين سعرت نار الحرب، وارتفع لهيبها، فأحدث هروبهم هذا ارتباكًا في جانب من كان يقاتلون معه, أدى إلى هزيمته هزيمة منكرة، لما أحدثه فرارهم هذا من فجوة في صفوف المقاتلين، وقد أشارت إلى هذه الحوادث مؤلفات الكتاب اليونان واللاتين.

    وهو صارم عبوس، إذا ضحك ضحك بقدر، وكأنه يدفع بضحكته هذه ضريبة فرضت عليه. يكره الدعابة، ويرى فيها تبذلًا لا يليق صدوره من إنسان كريم، بقي هذا شأنه حتى في الإسلام فلما وصف "أبو عبد الله المصعب بن عبد الله بن المصعب الزبيري" "عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق" قال عنه: "كان امرأً صالحًا. وقد كانت فيه دعابة"(١٩) , حتى إن من العلماء من عد "الدعابة" من الشوائب التي تنقص المروءة، وتؤثر في صاحبها، وتطعن فيه، فلا تجعله أهلًا لأن يؤخذ عنه الحديث، أي جعلوه شخصًا غير موثوق به.

    وقد بحث "غوستاف لبون" و"رينان" و"الأب لامانس" في عقلية الأعرابي، وما رأوه فيه من وجود "فردية" متطرفة عنده، إلى درجة تجعله يقيس كل شيء بمقياس الفائدة التي يحصل عليها من ذلك الشيء. ثم ما وجدوه فيه في الوقت نفسه من خوفه من الإمعان في القسوة، ومن الإمعان في القتل، لما يدركه من رد الفعل الذي سيحدث عند أعدائه ضده إذا تمكنوا منه، ومن نتائج الأخذ بالثأر. كما بحثوا عن ميل الأعرابي إلى المبالغة؛ المبالغة في كلامه والمبالغة في إعطائه إذا أعطى، والمبالغة في مدح نفسه، والتباهي بشجاعته وبكرمه وبشدة صبره إلى غير ذلك، مع وجود تناقض فيه بالنسبة إلى دعاويه هذه. وهو يحب المديح كثيرًا, وهو على حد قولهم إذا أعطى، صور ذلك غاية الجود، وبالغ فيه، ويظل يذكره في كل وقت ويحب أن يطرى عليه، لا سيما إذا كان من شاعر وهو صحافي ومذيع ذلك الوقت (٢٠).

    وللفوارق الموجودة بين العرب والأعراب، بين الحضر وبين أهل البوادي رأى "الأزهري" وجوب التفريق بين الاثنين. إذ قال : "والذي لا يفرق بين العرب والأعراب والعربي والأعرابي، ربما تحامل على العرب، بما يتأوله في هذه الآية. وهو لا يميز بين العرب والأعراب, ولا يجوز أن يقال للمهاجرين والأنصار أعراب، إنما هم عرب؛ لأنهم استوطنوا القرى العربية، وسكنوا المدن, سواء منهم الناشئ بالبدو ثم استوطن القرى, والناشئ بمكة ثم هاجر إلى المدينة. فإن لحقت طائفة منهم بأهل البدو بعد هجرتهم واقتنوا نعمًا ورعوا مساقط الغيث بعد ما كانوا حاضرة أو مهاجره، قيل: قد تعربوا أي: صاروا أعرابًا بعد ما كانوا عربًا, وفي الحديث تمثل في خطبته مهاجر ليس بأعرابي؛ جعل المهاجر ضد الأعرابي، قال: والأعراب، ساكنو البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلونها إلا لحاجة. وقال أيضًا: المستعربة عندي قوم من العجم دخلوا في العرب فكانوا بلسانهم وحكوا هيئاتهم وليسوا بصرحاء فيهم. وتُعربوا مثل استعربوا" (٢١).

    وقد ذهب هذا المذهب "ابن خلدون", إذ رأى أن الأعراب يختلفون عن العرب؛ ولذلك فإن ما أشار إليه "ابن خلدون" من أن العرب إذا دخلوا بلدًا أسرع إليه الخراب إنما قصد به الأعراب, لا العرب الحضر.

    ولكي نكون منصفين في الأحكام عادلين غير ظالمين علينا التفريق بين الأعراب وبين العرب, فما يقال عن الأعراب يجب ألا يتخذ قاعدة عامة تطبق على العرب؛ لما بين العرب والأعراب من تباين في الحياة وفي النفسية والعقل.

    الحنين إلى الأوطان :

    تابع الجزء الخامس 》》

    =======================
    (١) ابن سعد، طبقات "1/ 349 وما بعدها"، "وفد حضرموت".
    (٢) تاج العروس "1/ 574 وما بعدها"، "عبب".
    (٣) اللسان "1/ 586"، "صادر"، "عرب".
    (٤) تاج العروس "6/ 60"، "جلف".
    (٥) تاج العروس "6/ 74"، "جفا".
    (٦) تاج العروس "2/ 202"، "قح".
    (٧) تاج العروس "6/ 45"، "ألف".
    (٨) نهاية الأرب "6/ 67".
    (٩) ابن سعد، الطبقات "8/ 215".
    (١٠) تفسير الطبري "26/ 9".
    (١١) الحجرات, الآية 2 وما بعدها.
    (١٢) لقمان, الآية 19.
    (١٣) تفسير الطبري "26/ 74 وما بعدها".
    (١٤) الحجرات, الآية 4 وما بعدها، تفسير الطبري "26/ 76 وما بعدها".
    (١٥) اللسان "1/ 586"، "عرب".
    (١٦) تفسير الطبري "26/ 90".
    (١٧) تفسير الطبري "26/ 90".
    (١٨) الطبري "3/ 571"، "دار المعارف".
    (١٩) نسب قريش "278".
    (٢٠) المشرق, عدد "2" سنة 1932 "ص101 وما بعدها".
    (٢١) تاج العروس "1/ 371"، "عرب".


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:20 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    【 المجتمع العربي 】

    الجزء الخامس :

    الحنين إلى الأوطان :

    ومع فقر البادية وغلظ معاشها وشحها، فإن الأعرابي يحن إليها، ولا يصبر عن فراقها حتى وإن أخذ إلى جنان الريف. قال الجاحظ: "وترى الأعراب تحن إلى البلد الجدب, والمحل القفر, والحجر الصلد, وتستوخم الريف"(١).
    "واعتل أعرابي في أرض غربة، فقيل له: ما تشتهي؟ فقال: حل فلاة، وحسو قلات" (٢).
    ويروى أن "ميسون بنت بحدل" الكلبية، زوجة معاوية، كانت تحن إلى وطنها، وقد سمعها زوجها وهي تنشد أبياتًا فيها شوق وحنين إلى البادية، فخيمتها التي تلعب الأرياح بها خير عندها وأحب لها من العيش في قصر منيف، ورجل من بني عمها نحيف أحب إليها من "علج عليف", أي: حضري سمين من كثرة الأكل (٣), وانتقل أعرابي من البداوة إلى الحضارة، فرأى المكاء في الحضر، فقال يخاطبه: فارق هذا المكان؛ فإنه ليس لك فيه الشجر الذي تعشش عليه, وأشفق من أن تمرض كما مرضت (٤).
    والعربي الذي ألف الحضارة وأمعن في الترف وتفنن في العيش بالمدن، لا يفقه سحر البادية الذي يجلب إليه أهل البادية؛ لأنه يرى أن كل ما فيها ضيق وجوع وحر شمس وفقر, فيسخر من الأعرابي ويضحك عليه لحنينه إلى باديته. ولما استظرف "الوليد بن عبد الملك" أعرابيا واستملحه، فأبقاه عنده وسأله عن سبب حنينه إلى وطنه, أجابه جوابًا خشنًا مثل جفاء الأعراب وصلفهم. فقال الوليد، وهو يضحك: أعرابي مجنون (٥).
    ولم يتأثر منه؛ لأنه أعرابي، والأعرابي في حكم المجانين, وقد سقط حكم القلم عنه.
    ويروي أهل الأخبار حديثًا لكسرى أنوشروان مع وفد وفدَ عليه فيه بعض خطباء العرب, فسألهم عن سبب تفضيلهم السكن بالبادية وعن حياتهم بها وعن طبائعهم إلى غير ذلك من أسئلة وأجوبة دونوها على أنها أسئلة كسرى وأجوبة العرب عليها (٦), وفيها أمور مهمة عن حياة الأعراب. وقد يكون الخبر قصة موضوعة، غير أننا لا ننظر إليها من جهة تأريخية, إنما نأخذها مثالًا على ما كان يدور في خلد من صنعها عن نفسية الأعراب, وعن نظرة الحضر إلى أهل البوادي.
    وللمسعودي كلام في اختيار العرب سكنى البادية وسبب ذلك, كما تحدث
    عن أثر البوادي في صحة أجسام العرب وفي تكوين أخلاقهم، مما جعلهم يختلفون بذلك عن بقية الناس.
    والعرب وإن عرفوا بالترحل والتنقل؛ بسبب البداوة، إلا أنهم يحنون إلى أوطانهم، ولا ينسون موطنهم القديم، يستوي في ذلك العربي والأعرابي. وهم يرون أن في الغربة كربة، وأن الإنسان إذا صار في غير أهله ناله نصيب من العذل(٧).
    "وكانت العرب إذا غزت وسافرت حملت معها من تربة بلدها رملًا وعفرًا تستنشقه عند نزلة أو زكام أو صداع" (٨), "وقيل لأعرابي: كيف تصنع في البادية إذا اشتد القيظ وانتعل كل شيء ظله؟ قال: وهل العيش إلا ذاك، يمشي أحدنا ميلًا فيرفضّ عرقًا, ثم ينصب عصاه ويلقي عليها كساءه, ويجلس في فيئة يكتال الريح، فكأنه في إيوان كسرى"(٩).
    وجاء أن "الوليد بن عبد الملك" استظرف أعرابيا فاحتبسه عنده وحباه, فمرض فبعث إليه "الوليد" بالأطباء، وعالجوه، ورأى من الخليفة كل رعاية, لكن هواه بقي في وطنه، ولم يطق على هذه المعيشة الراضية الطيبة صبرًا، فهلك بعد قليل (١٠), إلى غير ذلك من قصص وشعر ورد في الحنين إلى الأوطان, وفي تفضيل الوطن على كل منزل آخر، ولو كان آية في الجمال ومثالًا من الراحة والاطمئنان.
    وهو يعجب من لغة أهل الحضر, ولا سيما حضر ريف العراق وريف بلاد الشام, ومن الأكرة الذين لا يفهم عنهم ولا يستطيع إفهامهم، فكان يجد نفسه وكأنه في سجن مطبق، يريد الخلاص منه. حدث ذلك حتى في الإسلام، وقد ذكر "أبو عثمان الجاحظ"، أنه رأى أعرابيًّا، وكان عبدًا حبشيًّا لبني أسيد، وقد صار "ناظورًا"، وكأنه أصيب بمس من الجن، فلما رآه، قال له: لعن الله أرضًا ليس بها عرب (١١).

    الجزء السادس
    ملامح العرب :

    =======================
    (١) رسالة في الحنين إلى الأوطان، من "رسائل الجاحظ" "2/ 388"، "تحقيق عبد السلام هارون"
    (٢) المصدر المذكور "2/ 390".
    (٣) بلوغ الأرب "3/ 426 وما بعدها".
    (٤) بلوغ الأرب "3/ 428".
    (٥) رسالة في الحنين إلى الأوطان "2/ 397".
    (٦) بلوغ الأرب "3/ 433".
    (٧) رسالة في الحنين إلى الأوطان "2/ 390 وما بعدها".
    (٨) رسالة في الحنين إلى الأوطان "2/ 392".
    (٩) المصدر نفسه.
    (١٠) رساله في الحنين إلى الأوطان "2/ 397 وما بعدها".
    (١١) رسائل الجاحظ "2/ 403 وما بعدها".


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:21 pm

    الادراسه

    يقول بن عنبه وغيره

    والعقب من ادريس بن عبد الله المحض بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليه‌السلام ويكنى أبا عبد الله وشهد فخا مع الحسين بن علي العابد صاحب فخ ؛ فلما قتل الحسين انهزم هو حتى دخل المغرب فسمّ هناك بعد أن ملك ، وكان قد هرب الى فاس وطنجة ومعه مولاه "راشد" ودعاهم الى الدين فأجابوه وملكوه فاغتم الرشيد لذلك حتى امتنع من النوم ، ودعا سليمان بن جرير الرقي متكلّم الزيدية وأعطاه سمّا فورد سليمان بن جرير الى إدريس متوسما بالمذهب فسر به إدريس بن عبد الله ثم طلب منه غرة ووجد خلوة من مولاه راشد فسقاه السم وهرب ، فخرج راشد خلفه فضربه على وجهه ضربة منكرة وفاته وعاد وقد مضى ادريس لسبيله (١).

    وأعقب إدريس بن عبد الله المحض من ابنه إدريس وحده ، وكان إدريس بن إدريس (٢) لما مات أبوه حملا وامه ام ولد بربرية ، ولما مات إدريس بن عبد الله وضعت المغاربة التاج على بطن جاريته ام ادريس فولدته بعد أربعة أشهر.

    قال الشيخ أبو نصر البخاري :

    قد خفي على الناس حديث "إدريس" لبعده عنهم ونسبوه الى مولاه "راشد" وقالوا إنّه احتال في ذلك لبقاء الملك له ، ولم يعقب إدريس بن عبد الله ، وليس الأمر كذلك فان داود بن القاسم الجعفري وهو أحد كبار العلماء وممن له معرفة بالنسب ، حكى انّه كان حاضرا قصة إدريس بن عبد الله وسمّه وولادة ادريس بن ادريس. قال : وكنت معه بالمغرب فما رأيت أشجع منه ولا أحسن وجها ، وقال الرضا بن موسى الكاظم عليه‌السلام : ادريس بن ادريس بن عبد الله من شجعان أهل البيت والله ما ترك فينا مثله .

    انظر الهامش

    (١) كانت بيعة ادريس بن عبد الله في شهر رمضان ١٧٢ واستمر بالامر الى ان توفي ست سنين الا اشهر.

    (٢) كانت وفاة إدريس بن إدريس الحسني صاحب المغرب سنة أربع عشرة ومائتين. (عن هامش الأصل).


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:21 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    【 المجتمع العربي 】

    الجزء الثالث :

    الرعاة :

    وندخل في الحضر الرعاة :
    رعاة الغنم والمعز والبقر؛ ذلك لأنهم اضطروا بحكم طبيعة حياة حيواناتهم إلى شيء من الاستقرار، وإلى عدم التنقل مسافات بعيدة طويلة في البوادي على نحو ما يفعل الأعراب، ثم إنهم يعيشون على الآبار وبرك الماء وعلى مقربة من الحضر، وفي وضع يجعلهم شبه مستقرين في أكثر أيام حياتهم.
    وهم "أعراب الضواحي"، وعنصر مهم من عناصر تكون القرى والمستوطنات، إذ إن قربهم من الحضر واعتماد حياتهم عليهم، يحملانهم على التأثر بهم، وعلى التقرب منهم ومن مستوطناتهم، فتصير "الخيمة" بيتًا مستقرًّا، ثم تصير "كوخًا" من طين أو من أغصان شجر, ثم تتحول بيتًا من بيوت قرية أو حي من أحياء مدينة، لما في المدينة من وسائل معاشية تستهوي الناس، لا تتوافر في الضواحي البعيدة، فتحول الرعاة قطان مدن.

    ولا يشترط في الرعاة الاقتصار في حياتهم على تربية الغنم، إذ فيهم من يربي الإبل أيضًا, وهم "رعاة الإبل"(١).
    والفرق الوحيد بينهم وبين الأعراب وهم رعاة الإبل, أن الرعاة يلازمون أرضهم وإذا تنقلوا طلبًا للماء والكلأ, فلا يذهبون إلى مسافات بعيدة ولا يمعنون في اختراق البوادي؛ لأنهم لا يستطيعون الابتعاد عن الماء كثيرًا ولا يستطيعون الاكتفاء بكلأ البادية لوجود ماشية أخرى عندهم, لا تستطيع الصبر على الجوع طويلا، كما أن اتصالهم بالحضر أكثر من اتصال الأعراب بهم.
    ومنازلهم هي في الغالب خليط من بيوت مدر ومن بيوت وبر, ولكنها ثابتة على العموم وحياتهم حياة وسط بين البداوة والحضارة, والأرض التي يقيمون بها تكون ذات آبار وعيون ومتجمعات أمطار، وهم لا يبتعدون عنها كثيرًا ولا يفارقونها لارتباط معيشتهم بها, بينما تكون حياة الأعراب على الغيث في الغالب، وعلى الآبار والتنقل.

    وفي العربية لفظة "جشر", ذكر علماء اللغة أنها تعني القوم يبيتون مع الإبل في المرعى لا يأوون بيتوتهم, والقوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى ويبيتون مكانهم لا يأوون البيوت, والمال الذي يرعى في مكانه لا يرجع إلى أهله بالليل, وأن تخرج بخيلك فترعاها أمام بيتك (٢) , إلى آخر ذلك من معانٍ تدل على أن الجشر رعاة يخرجون إلى المجاشر، أي : المراعي لرعي إبلهم أو خيلهم بعض الوقت, إذا شبعت إبلهم واكتفت عادوا بها إلى بيوتهم فأقاموا بها.

    الأعرابي، به يقدر الأسعار، وبه يقدر "الصداق" وثراء الإنسان.

    وقد سبق لى أن تحدثت عن معنى "عرب"، وعن المراد منها إلى قبيل الإسلام، فلا حاجة لي هنا إلى إعادة الكلام عن شيء سبق أن تكلمت عنه. أما مصطلح "أهل الوبر" فمعناه "عرب"، أي : أعراب بالمعنى الجاهلي القديم؛ وذلك لأن الأعراب قوم نقل، يتنقلون من مكان إلى مكان، حاملين بيوتهم وما يملكونه معهم، وبيوتهم هي الخيام، وهي مصنوعة من "الوبر" وبر الإبل في الغالب؛ ولذلك عرفوا بها (٣).
    وعرفوا في الموارد اليونانية بـ"أهل الخيام" وبـ"سكنة الحيام"، وقد استعمل أعراب العراق وبادية الشام وأعراب بلاد الشام الخيام المصنوعة من شعر الماعز، وهي خيام لونها السواد، وقد أشير إليها في التوراة وفي موارد تأريخية أخرى.

    وذكر علماء اللغة أن العرب :
    سكان القرى والمدن أي : الحضر، أهل الحاضرة, أما الأعراب، فهم سكان البادية من هذا الجيل. ويقال للرجل أعرابيا إذا كان بدويًّا همه البحث عن الكلأ وتتبع الغيث والرعي، وأما من ينزل الريف ويستوطن القرى والمدن فهو عربي، وإن كان دون الأعراب في الفصاحة وفي سلامة اللغة, ويقال للأعراب "الأعاريب" وذلك جمع للأعراب.
    فالأعرابي البدوي، وهو صاحب نجعة وانتواء وارتياد للكلأ، وتتبع لمساقط الغيث، وسواء كان من العرب أو من مواليهم (٤), ومن نزل البادية أو حاور البادين وظعن بظعنهم، وانتوى بانتوائهم: فهم أعراب، ومن نزل بلاد الريف واستوطن المدن والقرى العربية وغيرها مما ينتمي إلى العرب، فهم عرب، وإن لم يكونوا فصحاء. (٥)
    ويذكر علماء اللغة أن البادية من البروز والظهور, قيل للبرية لكونها ظاهرة بارزة، وأن البادية اسم للأرض التي لا حضر فيها، وهي خلاف الحاضرة والحضارة. وقيل لسكان البادية البدو والبداة (٦).
    ومن هذا الأصل جاءت لفظة "Bedouin" في الإنجليزية وفي عدد من اللغات الأوروبية الأخرى، بمعنى أعراب.

    والأعرابي بالمعنى العلمي المفهوم من اللفظة، هو -كما قلت قبل قليل- المتبدي، أي : الذي قطن البادية وعاش معظم حياته فيها وانقطع معظم حياته عن القرى والمدن, مكتفيًا باتخاذ الإبل شريكة له في حياته هذه, قاطعا البوادي الجافة التي يقل معدل سقوط الأمطار فيها عن "4" عقد في السنة، للبحث عن الكلأ والماء (٧) , قانعًا بحياته التي يحياها والتي أحبها وتعلق بها على ما فيها من قساوة وضراوة وفقر وشح في العيش, حتى صار لا يفارقها لأنه ولد بها. فهو لا يعرف دنيا غيرها، ولا يعرف أن في الدنيا مكانا أطيب من وطنه الذي يعيش فيه, وكل مولود على ما يولد عليه.

    وتعيش بين الحضر والبادية قبائل، صيرتها إقامتها بين العالمين عالمًا وسطًا، لا هو مجتمع حضري ولا هو بدوي أصيل، حافظ على خصائصه البدوية الموروثة من البادية، واكتسب باحتكاكه بالحضر ما يلائم طبعه وما فرضه عليه محيطه الجديد من حياة أهل الحضر. فصار يزرع بعض الزرع ويرعى البقر والخيل والأغنام والمعز ويأتي إلى القرى والمدن للامتيار، ويستخدم مواد لا يستخدمها الأعراب لعدم وجود حاجة لهم بها، ولفقرهم الذي لا يسمح لهم بشرائها، وأخذ يبيع لأهل الحضارة ما يفيض عن حاجته من الألبان والزبد والجلود والأصواف والحيوانات.

    فأهل هذا لعالم إذن هم عالم وسط عالمين، وقنطرة تربط بين العتبة الأولى من عتبات الحضارة والدرجة الأولى من درجات البداوة.
    وخير مثل على هؤلاء هم عرب مشارف الشام، وعرب مشارف العراق. ويراد بالمشارف القرى والمستوطنات والمضارب القائمة على ما بين بلاد الريف وبين البوادي (٨).

    و"الريف" في رأي بعض علماء اللغة الخصب والسعة في المأكل والمشرب, وما قارب الماء من الأرض. أو حيث يكون الخضر والمياه والزرع؛ ولهذا قيل: "تريف" إذا حضر القرى وهي المياه، و"راف البدوي" يريف إذا أتى الريف، ومن هنا عرف البدوي بأنه جوَّاب بيداء، لا يأكل البقل ولا يريف(٩).
    وورد في الحديث: "كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف، أي: إنا من أهل البادية, لا من أهل المدن" (١٠).
    ولكن المفهوم من لفظة "ضرع"، أنها لفظة تطلق على الماشية ذوات الظلف والخف، أو للشاء والبقر (١١) ، ولهذا فيجب تفسيرها بإنا من أهل ذوات الظلف والخف، أي : من الرعاة لا أهل الزرع -والرعاة هم قُطَّان المشارف- القريبين من القرى والريف، ولا يقيمون في البادية؛ لأن الشاء والبقر وبقية الماشية باستثناء الإبل لا تعيش في البادية, وإنما ترعى الأماكن الخصبة من الماء والريف.

    والحاضرة خلاف البادية، وهي القرى والمدن والريف، سموا بذلك لأن أهلها حضروا الأمصار ومساكن الديار التي يكون لهم بها قرار. وذكر أن كل من نزل على ماء عدّ ولم يتحول عنه شتاءً ولا صيفًا، فهو حاضر، سواء نزلوا في القرى والأرياف وبيوت المدر أو بنوا الأخبية عند المياه فقروا بها ورعوا ما حواليها من الكلأ؛ ولهذا قالوا: الحاضر: القوم نزول على ماء يقيمون به ولا يرحلون عنه. وقد يكون ذلك في البوادي، إذ يقيمون حول بئر أو ماء دائم، ولا يرتحلون عنه. فهذا نوع من أنواع الحاضرة في جزيرة العرب (١٢) , وهم بهذا حضر جزيرة العرب، فهم سكان مستوطنات صغيرة ظهرت في مواضع الماء وعند مفترق الطرق، في هذه البوادي الجافة الواسعة.
    وفي هذه الحواضر التي أسعفها الحظ بالماء، ظهرت مجتمعات متحضرة، أي مستقرة، استفادت من الماء فبنت بعض البيوت وزرعت بعض النخيل والأشجار. ومقياس هذه الحواضر هو الماء, فإذا وجد بغزارة أو كان قريبًا من سطح الأرض, توسعت به رقعة الحضارة بمقدار سعة الماء, وسعد الناس بالعيش في بيوت مستقرة دائمة ثابتة، أما إذا كانت الأرض شحيحة بخيلة، لا تسعف من يعيش فوقها بماء، فإن الإنسان يتحاشاها بالطبع ويبتعد عنها خلال أيام الغيث. وحواضر البوادي هي المواضع التي يجب أن نوجه إليها أنظارنا للبحث فيها عما قد يكون الدهر قد خبأه فيها من كنوز وآثار.
    وهي منتشرة في مواضع عديدة من جزيرة العرب، ولا سيما عند الأودية وقرب الحسي والجعافر والعيون.

    و"عرب الضاحية" أو "عرب الضواحي"، هم العرب النازلون بظواهر الريف والحضارة وبظواهر البادية، و"الضاحية" الظاهرة الخارجة من الشيء التي لا حائل دونها، و"الضامنة" ما أطاف بالشيء مثل سور المدينة، أي: ما كان داخل شيء, وضواحي الروم: ما ظهر من بلادهم وبرز (١٣).
    ويراد بـ"عرب الضاحية"، عرب مشارف العراق وعرب مشارف الشام؛ لأنهم أقاموا بضواحي العراق وبلاد الشام، وعلى تخوم البادية (١٤).

    وقد تأثر أكثر الأعراب الساكنين بأطراف الحضارة وبأخلاق الحضر، ودخلوا مثلهم في النصرانية، بحكم تأثرهم بهم وبعوامل التبشير والسياسة، إلا أن نصرانيتهم كانت نصرانية أعرابية مكيفة بالعقيدة الوثنية الموروثة من السنين الماضية التي كونتها طبيعة البداوة في عقلية أهل الجاهلية.
    وسوف نجد في بحثنا عن اللغة، أن لغة "أهل المشارف" أو "أهل الضواحي" و"عرب الأرياف"، قد تأثرت بلهجات "إرم" العراق وبلاد الشام, فظهرت في لغتهم رطانة، وبرزت فيها ألفاظ آرمية وأعجمية، وانحازت في النطق بعض الانحياز عن عربيات أهل البوادي، وكتبوا بقلم نبطي وبلهجات عربية، لا تقرها عربية القرآن الكريم، التي صارت لسان الإسلام. ولهذا حذر علماء اللغة من الاستشهاد بشعر شعراء القرى والريف وأهل المشارف والضواحي؛ لاعوجاج لسانهم بالنسبة إلى لسان الإسلام.
    فأعراب الضواحي، أو عرب الضاحية، هم أعراب أيضًا, لكنهم لم يعزلوا أنفسهم عن العالم الخارجي، وإنما عاشوا على مقربة منه ومن مواطن الحضر، فصار حالهم أحسن من حال الأعراب الأقحاح، وارتفع مستواهم العقلي...

    تابع الجزء الرابع 》》
    ============
    (١) تاج العروس "10/ 152", "رعى".
    (٢) اللسان "5/ 207", تاج العروس "3/ 100"، "جشر".
    (٣) تاج العروس "3/ 594"، "وبر".
    (٤) روح المعاني، للألوسي "11/ 4"، "المنيرية"، اللسان "1/ 586"، "صادر" "عرب".
    (٥) اللسان "1/ 586" "صادر"، "عرب"، تاج العروس "1/ 371"، "عرب".
    (٦) De vaux p, 3.
    (٧) تاج العروس "10/ 32", "بدا".
    (٨) تاج العرس "6/ 154"، "شرف".
    (٩) جواب بيداء بها غروف ... لا يأكل البقل ولا يريف
    ولا يرى في بيته القليف
    اللسان "9/ 128 وما بعدها"، "ريف"، تاج العروس "6/ 123"، "تريف".
    (١٠) اللسان "9/ 128"، "ريف".
    (١١) اللسان "8/ 23"، "ضرع"، تاج العروس "5/ 430"، "ضرع".
    (١٢) اللسان "4/ 197 وما بعدها"، "حضر".
    (١٣) اللسان "14/ 474 وما بعدها"، "ضحا".
    (١٤) تأريخ الطبري "3/ 353"، "ذكر وقعة الولجة".


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:22 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    【 المجتمع العــــربي 】

    الجــــزء الثاني :

    فالطبيعة هي التي صيرت العرب على هــــذا الحال، وهي التي غلبت عليهم البداوة, إذ حـــرمتهم من الماء وجادت عليهم بــــرمال تلفح الوجوه، وبسموم مؤذية وبحــــرارة شديدة، وبــــأرض متسعة تظهر وكأنها بحــــر من رمل لا حد له، صيرت من وُلد فيها إنسانًا قلقًا هائمًا على وجهه، يتنقل من مكـان إلى مكان بحثًا عن ماء وأكل, خلا الأماكن السخية التي خرجت منها دموع جرت فوق الأرض بقدر وبمقدار، أو مواضع قَــــرُبَ الماء فيها مــن سطح التــــربة فاستنبطه الإنسان، أو أماكن انهمرت من سمائها العاشقة للأرض دموع حبها في مواسم من السنة فأصابت الأرض بطــلٍّ، فاستهوت الإنسان، واستقــر بها وتحضر, وصار العــــرب من ثم بــــدوًا وحضــرًا، أهــل بادية وأهــل حاضرة.

    ومن آيات ذلك، أننا نجد قبيلة واحـدة فيها باديــة وفيها حاضــــرة، استقرت وتحضرت وسكنت في بيوت ثابتة، لا يهمنا أكانت بيوتها مــن صخـــر أم من حجـــر أم من مدر أم من بيوت شعر, إنما المهــــم أنها بيـــوت ثابتة ارتبطت بالأرض، شعر قطانها أن لهم صلة بهذه الأرض وأن لهــــم بها رابطة، لا يحــــل عقــــدها إلا المــــوت أو الضرورات القصوى
    فقريش حاضــــرة وباديــــة.
    وجهينة حضـــر، أقاموا بينبع وقريــــة "الصفراء"، وأعــــراب هبطوا رضـــوى و"عَزْوَر" (١).

    و"همــــدان" حاضــــرة وباديــــة.
    و"نهــد" حضر، وهم من سكن الصفراء منهم، وأهل وبـــر، وهم من سكن دون المدر في جبلي رضوي وعزور (٢).

    و"تنــــوخ" حضـــر، وتنوخ أهل بادية وتنقل, إلى غيــــر ذلك مـــن قبائــــل استقرت أحيــــاء منها، وتبـــدت أحياء أخــــرى منها.

    ثم إننا نجد قرى منتشرة في مواضـــع من العربية الغربية وفي نجد والعربية الشرقية أو العــــربية الجنوبية، وقـــد سكنها قوم عـرب حضر زرعوا وحفروا لهم الآبــــار وتعهدوا العيون بالرعـــاية ليستفيدوا من مياهها، وجاءوا بأشجار مـــن الخارج لزرعها هنــــاك.

    وفي كتب "الهمداني" و"عرام"، وكتب غيــرهما ممن بحث عن جــزيرة العرب أسماء قــرى ومدن جاهلية، كانت ذات مزارع وحـدائق، أما اليوم، فبعضها أثر وبعض منهـــا قــــد زال وذهـــب مـــع الذاهبين، لـــم يترك لــه حتى بقية من أثــــر. وتلك المواضع هي دليل في حد ذاتـــه على أن الماء إذا وُجد في مكان مــا أكـــره سكانـــه على الاستقرار بــه وأجبــــر قسمًا من أهلـه على الاشتغال بالــــزرع.
    ولـــم ينضب الماء مــن تلقاء نفسه عن المواضع التي اندثــرت ومــــاتت وإنما وقعت أحداث لا مجال لي للبحث عنها في هــــذا المكــــان، ومنها الهجرة إلى خـــارج جـــزيرة العرب بالفتح وتحول الطــــرق التجارية العامـــة وإعـــراض الحكومات عن الاهتمام بشئون جزيرة العــرب ونحوها, فأكرهت السكان على الارتحال عنها، فأهملت آبارها وترستها الرمــــال فجفت وذهــب مــاؤها عنها.
    وفي تلك المواضــع التي تــوفرت فيها المياه, من مطـــر وعيــون وآبار ومياه جـــوفية قـــريبة مــن سطــــح الأرض ظهـــرت الحضـــارة على شكل قــــرى ومستوطنات وأسواق موسمية، كــــان لها كلها أثـــر خطير في حياة العــــرب عمومًا من عرب وأعراب, لما كان يقــع فيها مـــن اتصال ومــن تبادل آراء بين الحضــــر والبــــدو، وبين هؤلاء جميعًا وبين الأعاجـــم الــــذين كانوا يؤمونها للاتجار بها بصـــورة مــؤقتة أو دائمــة حيث كانـــوا يقيمون بها إقامة طويلة أو أبديـــة، وبالأعاجــــم الذين كانــــوا يقيمــون فيهـــا رقيقًــا مملـــوكًا لمــن اشتراهم مــن المــــلاكين.
    وبـــذلك حـــدث نــوع من التلقيح في الآراء والأفكــــار وفي شئون الحيــــاة تلقيح مهما قيل فيه وفي درجته فإنـه تلقيــــح على كــــل حــــال (٣).........

    وهــــذه المواضــــع هي التي كــــونت وخلقت تــــأريخ العــــرب فيما قبــــل الإســــلام.

    وقـد نبه "الجاحظ" إلى الاختلاف بين البـــدوي والحضري، والسهلي والجبلي فأشار إلى اختـــلاف مــا بيــن الطائي الجبلي والطائي السهلي، وإلى اختلاف ما بين من نـــزل البطون وبين من نزل الحـــزون، وبين من نــزل النجود وبين من نــــزل الأغــوار، ثم إلى ما ترك هذا الاختلاف في المواضع والمكان من أثر في اختــــلاف اللغــــة, فتحالفت عليا تميــم ، وسفلى قيس، وعجــز هوازن وفصحاء الحجــــاز في اللغــــة.
    وهي في أكثرها على خـلاف لغة حمير وسكــــان مخاليف اليمن, "وكذلك في الصورة والشمائل والأخلاق. وكلهم مع ذلك عــــربي خــــالص".

    وأشار إلى ما تــركه هذا السكن من أثر في أخــــلاق العرب، حتى ليقال :
    "إن هــذيلًا أكـــراد العــــرب" (٤) بسبب طباعهـم وصبـــرهم على تحمل القتال......•

    كمــــا أشار "الجــــاحظ" إلى أن هـــذا الاختلاف ظاهــــر في العــــرب جميعًا قحطانيين وعدنانيين.
    ومــــع ذلك فهــــم كلهم عــــرب؛ لأنهم استووا في التربة وفي اللغة والشمائل والهمــة وفي الأنفــة والحميــــة، وفي الأخــــلاق والسجية، فسبكــوا سبكًا واحــدًا، وأفرغوا إفراغًا واحــــدًا (٥).

    وكان من أثــــر اختـــلاف طبيعة الجو والأرض والضغوط الجــوية في أهـــل جــــزيرة العــــرب، أن صار لأهل المدر مجتمع يختلف في شكله وتكوينه عن مجتمع أهــل الوبـــر، وأن صار مجتمع أهــل المــدر جملة مجتمعات اختلفت في تكوينها باختلاف الظروف المؤثرة التي تحـــدثت عنهــا, وباختــــلاف المؤثرات الخارجية المحيطة بها أو المجاورة لها والقريبة منها في ظروف تلك المجتمعات. وصار من ثم مجتمع العــــرب الجنوبيين، ولا سيما مجتمع اليمن، مجتمعًا خاصًّا له طبيعة خاصة وشخصية مستقلة متأثـــرة بظــــروف اليمن الكلية مــن طبيعة أرض وطبيعة جو، وصار لأهل مكة وهم أشبه بأهــل الحضر مجتمع خــــاص له طابع متميز وصار لأهـــل الحيــرة طابع خاص بهم وصار لأهــــل يثــــرب كـــذلك مجتمع وطبيعة خاصة متميزة, وهكذا قل عن بقية المجتمعات الحضرية.

    فمجتمع اليمن مثلًا مجتمع خاص نجد فيه صفات المجتمع الحضري أكثر مما نــــراه في أي مجتمع حضري آخـر في جــزيرة العـــرب، مجتمع يختلف حتى "عــــربه" أي بدوه وهم الطبقة الثانية من هـــذا المجتمع، عن أعــراب بقيـــة جزيرة العــــرب.
    فهـــم بالقياس إلى بـــدو الجزيرة شبه أعــــراب، ووسط بين البداوة الصـرفة وبين أدنى درجــــات الحياة الحضرية الساذجة المستندة إلى الاستقرار والتعلق بالأرض.
    ومجتمــع اليمــــن الحضري مجتمــع استغل عقلـــه ويـده في سبيل تكييف حياته وإسعاد أيامه في الدنيا فاستغل الأرض وكيفها بحسب قـــدره واستعداده في إنتاج الغلة الــــزراعية وفي إنتــــاج المعــــادن وفي تــــربية الحيوان، وأقــــام لــه قصورًا وحصونًا واستورد آلات حيــة يستعملها وتُيسر لــه ما يحتاج إليه، واستوردها من كل الأنحاء من الشمال ومــن العــراق ومن بــلاد الشام, واستوردها مــــن إفريقيا وسخــــرها في استغلال الأرض وفي إقامــــة الأبنيــــة وفي أداء الأعمــــال اليدوية التي تحتاج إلى حـذق ومهارة فتفوق هذا المجتمع مــن ثـــم وبمزايا إقليمه من جو وأرض على المجتمعات العربية الأخرى، وأنتج حضارة لا نجد لها مثيلًا في بقية أنحاء جزيرة العرب.
    فعـــرف اليمني في جاهليته واشتهر بمهارته وبحـــذقه بحـــرف وبمنتجات بقى ذكـــرها خالدًا إلى الإسلام, وتميز عن غيره بحسن الــذوق وبالبراعة في استعمال أنامله.
    وحين بـــرع بقية عــــرب الجزيرة في التعبير عن أحاسيسهم بكـــلام منظوم نجــــد عــــرب اليمن وبقية العــــربية الجنــــوبية يعبــــرون عـن أحاسيسهم بنقشها على المـــرمــر، وعلى بقيــــة الأحجـــار وعلى المعــــادن والخشب ونجـــد السيوف اليمانية، ولها شهـــرة وخبــــر، ونجـــد بُسُط اليمن وبرودهم وأكسيتهم مشهورة لها صيت في كـــل مكــــان، لا يدانيه صيت أي صنف مما ينتج في مكـــان آخر من أمكنة جزيرة العــــرب، ونجد لهم ذكرًا في الصياغة وفي سوق الأحجار الكريمـــة والعطور وغير ذلك مـــن المنتجات التي تحتاج إلى يــــد وفكــــر.

    ومجتمع اليمن المحتضر، مجتمع طبقي، تكوَّن من طبقات: طبقات رفيعة ذات منزلة ومكانة عالية، تتلوها طبقات أخرى أقل درجة ومنزلة حتى تنتهي بالطبقات الدنيا التي تكون قاعدة لهرم هذا المجتمع وسواد الناس. وهي طبقات تكاد تكون مقفلة، أو شبه مقفلة إن صح هذا التعبير، ولا سيما بالقياس إلى الطبقات الدنيا, التي تجنبت الطبقات التي هي فوقها التصاهر معها والاتصال بها، للفروق المنزلية التي تشعر بوجودها فيما بينها. ثم إن الناس فيها يرثون منازل آبائهم ودرجاتهم، فابن النجار نجار، وابن الحداد حداد في الغالب، وابن التاجر يرث عمل والده, ويستطيع تغيير حرفته وتحسين حاله، إذ ليس لديهم قوانين إلزامية تجبر الناس على البقاء في طبقتهم إلى أبد الآبدين، ولكن مثل هذا التغيير لا يقع إلا إذا كان الشخص ذا استعداد وكفاية وطموح، فيشق طريقه بنفسه هاتكًا ستور الأعراف والعادات.

    وما زالت الحياة الاجتماعية في العربية الجنوبية، تستمد قوتها وحياتها من جذور الحياة الاجتماعية القديمة التي كانت عليها قبل الإسلام. فقد نشأت هذه الحياة ونبتت من حاصل ظروف ذلك المجتمع الذي تحدثت عنه، وحافظ على خصائصه إلى هذا اليوم؛ لأنه عاش في عزلة عن العالم الخارجي أو في شبه عزلة؛ ولهذا بقي يعيش على ما تغذيه به بقايا جذور تلك الأيام من غذاء.

    والحضر، وإن استوطنوا واستقروا في أماكن ثابتة، لم يكونوا حضرًا بالمعنى المفهوم من اللفظة عندنا، فلم يكونوا على شاكلة حضر الروم أو الفرس، ولا على شاكلة حضر العراق أو حضر بلاد الشام من غير العرب. إنهم حضر من ناحية السكنى والاستقرار، أي: من ناحية تعلقهم بالأرض ونزولهم بها واستيطانهم فيها، وعدم ارتحالهم عنها على نحو ما يفعل الأعراب، واتخاذهم مساكن دائمة في مكان ما. أما من ناحية التفكير وطراز المعيشة ونظم الحياة الاجتماعية, فقد بقوا مخلصين لمُثُل البوادي ولطبيعتها في الحياة, فهم في قراهم ومدنهم "بيوت" و"بطون"، يقيمون في "شعاب" ولهم عصبية، وهم مثل الأعراب في أكثر مألوف حياتهم. وما زال هذا الطابع الأعرابي باديًا على حياة من نسميهم الحضر في جزيرة العرب وفي خارجها، مؤثرًا في حياتهم السياسية والاجتماعية .

    تابع الجزء الثالث 》》》

    ============
    (١) بفتح العين وسكون الزاي وفتح الواو، اللسان "4/ 563"، "عزر"، عرام، أسماء جبال تهامة "8 وما بعدها".
    (٢) عرام "7".
    (٣) Hastings, Dlctionary of the Bible, l, p. 133.
    (٤) رسائل الجاحظ "1/ 10، 71"، "مناقب الترك".
    (٥) رسائل الجاحظ "1/ 10 وما بعدها"، "مناقب الترك".


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:22 pm

    الي السائل
    احمد الحسين

    المشاهـــدة :

    من عشائــر العــــراق، تقيم في شمالي بغــــداد و في المحل المعروف باسمها (المشاهدة) ، و تسكن قــــرب الجديدة أيضا في الجانب الشرقي من دجلة، و في التاجي، و منها مـــن يسكــــن في المرحبة مع العكيدات (العقيدات) .

    و قـــد نـــزحت عشيرة المشاهدة مــن مشهد الحجر في أنحاء عانة، ثم سكنه بعض المشاهدة المــوالي، و بعد هؤلاء أهــل رواة و عانة، و هو مشهد يزار، و على جامعه كتابات عــــربية قديمة.

    و كــــل المشاهدة في العراق و سورية أصلهم من هنــــاك.
    و من المشاهدة في سورية مـن يسكن مع العكيدات (العقيدات) . و فرقهم :

    البو طاهر، البو تاج الدين، بو كمولي، المطاردة، البو كطاية (قطاية) البو لطيف القبّطان، المعلك، البو شيتي، البو حياة، البو حمد الياسين أو البو ياسين، البو عثمان المحمد، البو حسين الحديد، البو هرموش البو عون الدين، بو شويّل، البو شوكة، البو زين الدين، البو إسماعيل، و الجدادعة.

    العزاوي 4/236، 240

    =====================

    المشاهـــدة :

    فخـــذ مـــن خلفة مشهــــد بالعراق.
    فــــروعه:
    البو حمد، البو بطوش، البو ريس، العجالي، الكومات (القوامات) و البو حمزة.

    العزاوي 3/154

    ======================

    المشاهـــدة :

    فخـــذ يتبــــع "البو جمال" (كمال) من العكيدات (العقيدات) بالعــــراق.

    العــــزاوي 3/131

    ======================


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:23 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    【 المجتمع العـــربي 】

    الجــــــزء الأول 》 :

    المجتمع العربي : بدو وحضر, أهل وبر وأهـــل مـــدر، يتساوى في هذه الحال عـــرب الشمال وعــرب الجنوب وعرب جميع أنحاء جـــزيرة العـــرب الأخرى.
    وقسم بعضهـــم عـــرب الجاهليــة إلى ملوك وغير ملوك، وقسموا سائر الناس بعـــد الملـــوك إلى طبقتين :
    {1} أهـــل مـــدر
    {2} وأهـل وبـــر.

    فأما أهل المــدر فهم الحواضر وسكان القـــرى، وكانـــوا يعيشون من الـــزرع والنخل والماشية والضـرب في الأرض للتجارة.
    وأما أهــل الوبـــر فهم قطان الصحاري يعيشون مـــن ألبان الإبـــل ولحـــومها منتجعين منابت الكلأ، مرتادين لمواقع القطـــر، فيخيمون هنالك مــا ساعدهم الخصب وأمكنهم الرعي، ثم يتوجهون لطلـــب العشب وابتغـــاء المياه، فـــلا يزالون في حـــل وتـــرحال (١).

    ويعـــرف الحضـــر، وهـــم العـــرب المستقرون بـ"أهل المدر"، عرفوا بذلك لأن أبنيـــة الحضـــر إنما هي بالمـــدر والمدر: قطع الطين اليابس. قال "عامر 【للنبي ﷺ】 :
    لنا الوبــر, ولكم المدر"، فعنى به المدن أو الحضر (٢) , ومن هنا قيل للحضر : بنو مـــدراء (٣).
    وورد في حـــديث "الجسَّاسة والدجـــال" :
    "تبعه أهـــل الحجر وأهــل المدر، يريد أهـــل البوادي الذين يسكنون مواضــع الأحجار والرمـــال، وأهل المـــدر، أهل الباديـــة" (٤).
    ويظهر مــن روايـــات أخـــرى أن "أهل المـــدر" هم أهل الباديـة، ولكن أكثرها أن "أهل المــدر" هم الحضر؛ لأن اتخاذ بيوت المـــدر لا يكون في البادية، بــل في الحضـــر.

    وورد أن أهـــل البادية إنما قيـــل لهــم "أهـــل الوبـــر"؛ لأن لهم أخبية الوبــر, تمييزًا لهم عن أهـــل الحضر الذين لهم مبانٍ مــن المـــدر، ومن هنا قيل للقرية "المــدرة"؛ لأنها مبنية بالطيـــن واللبن، وذكـــر أن "المـــدرة" القــرية والمدينة الضخمة أيضًا؛ لأن المدن تبنى بالمـــدر أيضًا, ومن هنا قيل للحضر عمومًا : بنو مـــدراء (٥).

    ويذكـــر علمـــاء اللغـــة أن الحضـــر والحاضرة والحضارة خـــلاف الباديــة والبـــداوة والبـــدو.
    والحضارة الإقامـــة في الحضـــر, والحاضر والحضر هي المدن والقـــرى والـــريف، سميـت بـــذلك لأن أهلهـــا حضروا الأمصار ومساكن الديـــار التي يكـــون لهـــم بهـــا قـــرار (٦).

    وقـد عرفــوا بأهل القاريـــة، وذلك في مقابـــل أهـــل البادية، لأهل البدو (٧).
    و"أهـــل القـــرار" هـــم الحضر؛ لأنهــم اختــاروا القـــرار وأحبـــوا الاستقـــرار والإقامـــة في مكـــان واحـــد, ولأن الطبيعة حبتهم بكـــل شيء يغري على الارتباط بالأرض, ولـــو ولـــد الأعرابي بين الحضر وتوفـــر لديه ما يؤمن لـــه رزقه الدائـــم في مكانه الذي ولد فيــه لما تنقل وارتحـــل، ولصار حضريا مـن دون شك مثل سائر أهل الحضر. ولكن الطبيعة حـــرمته من نعـــم الاستقرار فصـــار بدويًّــا يتتبع العشب والماء, فالطبيعة هي المسئولة عـــن البـــداوة وعـــن انتشارها في جـــزيرة العـــرب.
    ومن هنا قيل للحضري الــذي لا ينتجع ويكـــون من أهـــل الأمصار "القراري", ولما كان أكثـــر "أهــل القــرار" هم من الصناع، قيـــل لكل صانع : "قـــراري".

    وذكر بعض علماء اللغة أن "القـراري" : الخيـــاط, واستشهدوا على ذلك ببيت شعـــر للأعشى، هـــو :

    《 يشق الأمـــور ويجتابها ... كشـــق القـــراري ثـــوب الـــردن 》

    وذكـــر بعض آخـــر أنـــه القصَّاب.

    وقـــد تجوَّز الناس فيما بعـــد، فقالوا : خياط قـــراري، ونجَّـــار قـــراري (٨).

    ويقال لساكن القـــرية القاري، كما يقال لساكـــن الباديـــة البادي.
    والقارية سَكَنَة القرى أي خلاف البادية والأعراب, والقرية كل مكان اتصلت به الأبنية واتخذ قرارًا, وتقع على المــدن وغيـــرها (٩) , وسكانها مــن الحضر. ويذكر علماء اللغة أن المدينة من مَدَنَ، بمعني : أقام بمكان, ويراد بها الحصن يبنى في أصطمة الأرض (١٠) ، وتقابلها لقظة "مدينتو" في الأرميـــة (١١) .

    و"هكـــرن" "هكــر" "هجر" في العربية الجنوبيـــة.
    وأما "البلدة"، فذكر علماء اللغة أنها كل موضــع أو قطعة من الأرض مستحبزة عامــرة أو عامــرة، خاليــة أو مسكونة (١٢).
    فالبلدة، إذن من مــواطن الحضر أيضًا.

    وقـــد كــان مـن الصعـب التمييز عنــد الشعوب القديمــة بين القــرى والبلدان والمـــدن، وكـــل بلــدة أو مدينة كانت قـــرية في الأصـــل، أي : مستوطنـــة صغيــرة غيــر محصنة، وعنــدما ازداد عـــدد سكانها، وكثـــر عمـــرانها ومالها لأسباب عديدة، توسعت وحصن أهلها أنفسهم بحصون وبأطم أو بسور وخندق يحيط به لمنع العدو من الدنو منها (١٣).
    وبهذه التحصينات وبكثرة عدد السكان تميزت هذه المستوطنات السكنية بعضها عن بعض، ولهذا كانت الشعوب القديمة لا تطلق لفظة "مدينة" إلا على القرى المحصنة المسورة، وفي ضمن هذه الشعوب العرب.
    وتطلق لفظة "عرب" على أهل المدر خاصة، أي: على الحضر، و"الحاضر"

    و"الحاضرة" من العرب، أما أهل البادية فعرفوا، بـ"أعراب"، مع أن كلمة "العرب" قد أطلقت في لغتنا لتشمل العربين: عرب الحاضرة وعرب البادية (١٤) .
    ويظهر أن هذا الإطلاق إنما وضع قبيل الإسلام، فقد سبق لي أن بينت في الجزء الأول من هذا الكتاب تأريخ كلمة "عرب"، وبينت كيف تطورت اللفظة إلى ظهور الإسلام، وقد رأينا أنها كانت تعني أهل البادية، أي : الأعراب في الأصل.

    أما الحضر فعرفوا بأسماء أماكنهم أو قبائلهم، وآية ذلك أن التوراة والكتابات الآشورية والبابلية بل والجاهلية، أي الكتابات العربية التي تعود إلى ما قبل الإسلام، كانت كلها إذا ذكرت الحضر، ذكرتهم بأسمائهم ولم تطلق عليهم لفظة "عرب"، أما إذا ذكرت أهل البادية، فإنها تستعمل لفظة "عرب" و"عربي"، أي أعراب وأعرابي مع أسمائهم، وذلك مثل "جندب"، وهو رئيس قبيلة، وقد حـــارب الآشوريين فقـــد دعي في الكتـــابات الآشوريـــة بـ"جندب العـــربي"، أو "جنـــدب الأعرابي" بتعبير أصح، ومثل "جشم" الـذي نعت في سفر "نحميا" من أسفار التـــوراة بـ"جشم العـــربي" إشارة إلى كونه من الأعــراب، لا من الحضر، وهو مـــن الملوك كما سبق أن تحدثت عنـه في الجزء الأول من هذا الكتاب (١٥) , إلى غير ذلك من أمثلة تحـــدثت عنها في أثناء حديثي عــن لفظة عـــرب.
    أمــا "يقطن" وهـــو "قحطان", ونسله مثـــل : "سبأ" و "حضرموت".

    وأمـــا "إسماعيل" ونسله، وأما أهـــل "تيماء" و"مـــدين" وأمثالهم فلم تطلق التوراة عليهم لفظة "عـــرب"؛ لأنهم لم يكونوا أعرابًا، بل كانـــوا حضرًا؛ ولهذا ذكرتهم بأسمائهم، فاستعمال "عـــرب" إذن بمعنى أهل الحاضر والحاضرة، أو أهـــل المدر، هو استعمال متأخر، ظهر بعـــد الميـــلاد.
    لقد ذهب علماء العـــربية كما سبق أن بينت في الجزء الأول من هــذا الكتاب إلى أن العربية هي لغة "يعـــرب"، وهو أول من أعــرب بلسانه على حد قولهم وذهبـــوا إلى أن العـــدنانيين متعربون ولم يكونوا عـربًا في الأصل، ثم تعلموا
    واختلطوا بالعــرب، حتى صاروا طبقة خاصـــة منهـــم (١٦).

    وذهبـــوا إلى أن التبابعـــة كانوا عــربًا ينظمون الشعر بالعـــربية التي نظم بها الشعراء الجاهليون شعرهم, ثم ذهبوا إلى أن "حميـــر" كـــانت تتكلم بلسان غريب عــده بعض العلماء غير عـــربي (١٧) , مع أنها من لب العـــرب الصرحاء على حسب رأيهـــم، ولـــم يبينوا كيف وقـــع ذلك عندهم، إلى آخــر ما نـــراه عندهـــم من آراء، لم تبن على دراسات تأريخية أصلية ونصوص جاهليـــة.

    ولـــو كـــان المذكورون أحياء في هذا اليـــوم، ولـــو كانـــوا قـــد وقفوا على النصوص الجاهلية المختلفة وقرءوها لغيـــروا رأيهــم حتمًا مــن غيـــر ريب ولقالوا قـــولًا آخر غيـر قولهم المتقدم في العـــربية وفي سبب تسميتها.

    فعربية القرآن الكريم هي عـــربية أهل مكـــة وما والاها، وهي عربية الأعراب أي : عـــربية أهـــل الباديـــة.

    أمـا عـــربية أهـــل اليمن، وهـــم صلب القحطانية، فعربية أخـــرى، وإن أردت قولًا أصح تعبيرًا وأدق تحديدًا، فقل : عـــربيات أخـــرى، فعربية يعـــرب إن تجــوزت وجاريت رأي أهـــل الأنساب والأخبار وقلت قولهم في وجــود جــد وهـــو يعرب، يجب أن تكـــون عــربية أخرى، بل عربيات مخالفة لعربية أهـل مكـــة، وذلك استنادًا إلى النصـــوص الجاهلية المدونة بأقلام أبنائه وحفدته والـــواصلة إلينا.

    ولما كانت اللغة العـــربية، هي عـــربية القـــرآن الكـــريم في رأي علماء اللغــة وهي عندهـــم وحــدها اللغة الفصحى وأشرف لغات العــرب
    إذن فلغة يعـــرب على هذا القياس لغة أعجمية غيـــر عـــربية, أو عــربية من الـــدرجات الدنيا إن أردنا التساهل في القـــول.

    وعندئذ يكـــون يعـــرب هـــو العـــربي المتعرب، ويكون نسله على وفـــق هذا المنطق، هـــم العـــرب المستعـــربة، لا العـــرب العدنانيين.

    ويكون العدنانيون هـــم أصل العـــرب ولبّها والعرب العاربة الأولى، أي عكس ما يراه ويزعمه أهـــل الأخبار.
    أحكي هــذا القـــول بالطبع متجوزًا أو مجاريًا رأي أهـــل الأخبـــار ولا أحكيه لأني أراه، فأنا لست من المؤمنين بمثل هـــذه الأقاصيص التي يقصها علينا القصاص، ولا سيما قصاص أهل اليمن من أمثال وهب بن منبه وابن أخته، أو ابن الكلبي، وبعض القصاص الذين هم من أصـــل يهودي مثل وهب المــذكور و"محمد بن كعــب القرظي"
    فـــرأيي أن كل لغات العـــرب الجاهلية هي لغات عـــربية، وأنها كـانت متباينة عديدة، وبعضها لغات وصلت مـــرحلة التـــدوين مثل "المعينية" و"السبئية" و"القتبانية" و "الحضرمية" وغيـــرها ولغات تصل إلى درجـــة التدوين عنـد المتكلمين بها، لا يمكـــن أن تعــد لغات سوقة ولهجات عامـــة.

    وبعـــد, فلست أرى أن بيــن "يعـــرب" المزعوم، وبين لفظة "العربية" والعرب أية رابطـــة أو صلـــة، وأن الصلة المزعومة المذكورة التي يذكـــرها أهل الأخبـــار في تفسير اللفظة، هي صلـة خلقت خلقًا وصنعت صنعًا؛ لكي يجـــد صانعـوها لهـــم مخـــرجًا في تفسيرها وليس تفسيرهم هـــذا هــو أول تفسير أوجـــدوه، فلـــدينا مئات من التفاسير المصنوعة، لألفاظ أشكــل أمـــرها على الـــرواة وأهـــل الأخبار، فـــوضعوا لها تفسيرات على هـــذا النمط، ليظهـــروا أنفسهم مظهـــر العالمين بكـــل شيء.

    هـــذا وقد قلنا : إن العربية هي بمعنى الأعرابية، أي : البداوة في لغة الأعاجم وفي لغات أهل جزيرة العــرب أنفسهم وهي نسبة إلى العـــرب، والعـــرب هم الأعـــراب في البـــدو في لغات المذكـــورين.
    فتكـــون العـــربية إذن بمعنى عـــربية الأعـــراب, أي : لغـــة أهل الوبـــر، وقد نسبت إليها، لا إلى يعرب بن قحطان. وهي بالطبع لم تكن لهجة واحـــدة، أي عـــربية واحدة، بل كانت لهجات, قيل لها عـــربية ؛ لأن الأعـــراب وإن كانــوا قبائـــل، تجمع بينهم رابطة واحدة هي رابطة البداوة, فكأنهم طبقة واحـــدة تقابلهم طبقـــة "أهـــل المـــدر" وهـــم الحضـــر ؛ لـــذلك نعــت لسانهم بلسان عـــربي.
    ولما كـــانت البداوة أعــم من الحضارة في باديــة الشام وفي طـــرفي الهلال الخصيب ونجــد والحجاز والعـــربية الشرقية، صـــار لسانها اللسان الغالـــب في هـــذه الأرضين، وبلسانها نظـــم الشعراء شعرهم، وبلسان عرب الحجاز نزل القرآن الكريم، فصار لسانهم لسان الـــوحي والإســـلام.
    ومــن ثَـــمَّ صار اعتمــاد أوائـــل علماء العــربية في دراستهم لقواعد اللغة من نحــو وصــرف ومن استشهاد بشواهد على "العـــرب"، أي أهل الوبر من أبناء البادية، من الأعراب المعروفين بصدق لسانهم وبصحة أعرابيتهم وبعدم تأثر ألسنتهم بألسنـــة الحضـــر مــن أهـــل الحواضر, بـــل لم يكتف أولئك العلماء بألسنة هؤلاء الأعـراب القادمين عليهم من البـــوادي، لأسباب لا مجال لذكرها هنا، فركبوا إبلهم وذهبوا بأنفسهم إلى صميم البـــوادي البعيدة عن الحضـــر ليأخذوا اللغة صافية نقيـة مـــن أفواه رجالها الأصلاء الذين لم يتعلموا خدع أهـــل الحاضرة وغشهم وكذبهم، ولــم تنحـرف ألسنتهم عــن ألسنة أجدادهم ولـــم تتأثر بأحرف الأعاجم المندسِّين في القـــرى والمـــدن والأرياف.

    فكـــان "سيبويــه" مثـــلًا إذا استشهد بشاهد أشار إلى أنه من "العــرب الذين تـــرضى عربيتهـــم" أو مـــن "العـــرب الموثوق بعربيتهم"(١٨), أو من "العرب الموثوق بهم"، أو من "فصحاء العرب".

    وكـــان يــرى أن لسان أهل الحجاز هو "الأول والأقـــدم" (١٩) , وكـــان علمـاء اللغـــة إذا اختلفوا في شيء مـن اللغة مـــن ألفاظ أو قـــواعد، حكَّمـــوا أهـل البادية، أي : الأعراب, فيما شجر بينهم مــن خـــلاف، حتى وإن كـــان أولئــك العلماء مـــن أوثـــق الناس علمًا بعلـــم العــربية، فحكموا الأعـــراب مثــلًا في المناظـــرة اللغـــوية التي وقعـــت بين "سيبويه" و "الكسائي" و "الأخفش" في حضرة "يحيى بن خالد" مع أنهـــم أعلـــم الناس بعلـــوم العـــربية (٢٠).

    وقـد أورد "ابن النديم" أسماء عدد من "الأعــراب" كان علماء العربية يلجئون إليهـــم في الملمات، ويأخـــذون عنهم ويحكمونهم فيمــا يقـــع بينهـــم مـــن خـــلاف، فهـــم "حكـــام" ذلك الزمـــن وقضاته، يحكمون في منازعات الناس في اللغـــة (٢١)......•

    والحد الفاصل بين الحضارة والبــداوة هو طراز الحياة ونوعها ؛ فالحضر أهل قــرار، والأعـــراب ينتجعون ويتتبعون مساقط الغيث, يرعــون الكلأ والعشب إذا أعشبت البـــلاد، ويشربون "الكرع" وهو ماء السماء، فلا يزالون في النجع إلى أن يهيج العشب مـــن عـــام قابـل وتنش الغـــدران، فيـــرجعون إلى محاضرهم على إعـــداد المياه (٢٢) ,.. وحياتهم على الإبل فلا يعتنون بتربية ماشية غيرها. ومن هنا اقترنت البداوة بالبادية وبتربية الإبل, التي تنفــرد عن غيـــرها مــن الحيـوانات بقابليتها على المعيشة في الباديـــة, وبقـــوة صبرها على تحمـــل الجـــوع والعطش أيامًـا, بينما تقصــر همــم الحيوانات الأخــرى عن مجاراتها في هـــذا الباب. ومن هنا نقصد بالأعــراب البدو الحقيقيين أبناء الباديـــة, وأصحـــاب الجمـــال الــذين ينتجعــون ويتتبعون مساقط الغيـــث ويشربون الكـــرع ويكـــون تماسهـــم بالحضارة والحضـــر قليـــلًا (٢٣).

    وما أقــوله يخص أعراب نجــد وبادية الشام بالـــدرجة الأولى.

    أما أعـــراب العـــربية الجنوبية، فـــإن وضعهــم يختلف عــن وضـــع هـــؤلاء الأعـــراب، فهم وإن عدوا أعرابًا ونُص عليهم بـ"أعرب" "أعراب" في نصوص المسند، لكنهم لم يكونوا أعــرابًا نقـــلًا يعيشون على تـــربية الإبـــل والغارات وعلى بعض الـــزراعة وكــره الاشتغال بالحـــرف، بـــل كانـــوا شبه مستقرين سكنـــوا خـــارج المـــدن والقـــرى في مستوطنات متجمعة مــؤلفة من بيوت وأكـــواخ وعشش من طين، ومارسوا تـــربية الإبـــل والماشية الأخـــرى واشتغلوا بالزراعة وبالحـــرف اليدوية لـــم يجـــدوا في ذلك بأسًا, وكانـــوا يغيرون على الحضر إن وجـدوا فرصة مواتية ولم يكونوا أقـوياء بالنسبة إلى الحضـــر، لوجود حكـومات منظمة في استطاعتها ضربهم إن تحــرشوا بأهــل المدن والقـــرى، ولهذا لا نجـد للأعراب ذكــرًا في نصوص المسند القديمة ولم يظهر اسمهم فيها كقـوة ضاربة إلا بعد الميـــلاد وقبيل الإسلام، حيـــن ارتبك الوضع السياسي في العـربية الجنوبية وتــدخل الحبش في شئـــونها، وولـــع بعض ملـــوكها مثـــل الملك "شمر يهرعش" في إثارة الحروب، مما أفسح المجال للأعـــراب فجـــربوا حظهـــم بالدخـــول في لعب الحـــروب.
    فلما وجـــدوا لهـــم حظــا حسنا وربحا طيبا, مارسوها مع هذا الحاكم أو ذاك, وظهر اسمهم عنــدئذ في المسنــد, بـل دخـــل في اللقب الرسمي الـــذي حمله الملـــوك, فصار اللقب : "ملك سبأ وذو ريــدان وحضــرموت وأعـــرابها في الهضاب وفي التهائــم", وطمع أعـراب نجـــد في الحصــول على مغانـــم في العـــربية الجنوبية فارتحلــوا نحـــوها وزاد بـــذلك عـــدد الأعـــراب.
    ومـــن هـــؤلاء "كنـــدة" الذين تركـــوا ديارهم بنجد بعد نكبتهم وانضموا إلى إخوانهم في العـــربية الجنوبية, فصار لهـــم فيها شأن كبيــر, حتى ذُكروا في النصوص، ومنها نصوص أبـــرهة.

    ومعاش الحضر على الأرض, يزرعونها ويعيشون عليهـــا، أو على التجــارة أو على الحـــرف اليـــدوية ونحوها، ومن طبيعة أهل الحضر الاستقرار في أرض تكـــون وطنًا ثابتًا لهم، ومقامًا يقيمون فيه فيحبونه ويموتون في سبيله.

    أما أهل الوبـر، فهم رحل، يتنقلون طلبًا للماء والكلأ والامتيار، فموطنهم متنقل قلـــق غيـر مستقر, الأرض كلها وطنهم ولكنها الأرض التي يكونون فيها, فـإذا مــا ارتحلـــوا عنها، صـــارت الأرض الجديدة وطنًا لهـــم جـــديدًا.

    أما الأرض القديمـــة فتكـون وطنًا لمن يحـــل فيها من طارئ جــديد أو طارئ قديـــم.

    والمشهور عند العرب وعند الأعاجم أن العـــرب قـــوم يكـــرهون الزراعـــة والاشتغال بهـــا ويزدرونـــه، فـــلا يتزوجون منــه ولا يزوجونـه منهـــم وينطبق هذا القول على الأعراب وعلى بعض الحضـــر إلى حـــد ما، لكنـــه لم ينطبق على كـــل العـــرب.

    فالعـــرب الحضـــر، الـذين وُجــد الماء بغـــزارة عندهم، غرسوا الأشجار أيضًا وزرعوا، ولم يجدوا في ذلك خسة ولا دناءة.
    والعــرب الذين توفرت لهم مواد العمل وظـــروف العمـــل، اشتغلوا بالحـــرف وبالصناعات، كمـــا هـــو شأن الطائــف والعـــربية الجنوبية بل وبعض رجــال مكة أيضًا, أما الذين ازدروها وكرهوها فهم الذين لم تتـوفر لهم الأسباب التي تغريهـــم على الاشتغـــال بالحـــرف والصناعات، ولم تتوفـــر لديهم المـواد الأوليـــة ولا الظـــروف المساعدة على قيام الحـــرف؛ لذلك كرهوها كـــره من يكـــره شيئًا لأنــه لا يملكه ولا يناله، أو لأن يـــده لا تصل إليه، ولــو ملكه لغيَّر حكمـــه عليـــه من غيـــر شك.

    وقــد أشار "أمية بن خلف الهذلي" إلى اشتغال أهـــل اليمن بالحــرف، بقوله :

    【 يمانيًّا يظل يشد كيرًا ... وينفخ دائبًا لهب الشواظ 】 (٢٤)...

    وقـــد أمــدَّ أهـل اليمن الحجاز وأماكن أخـــرى من جـــزيرة العــرب بالسيوف وبمصنوعات المعـــادن وبالبـــرد والأنسجة الأخـــرى.
    كما عـــرفوا بإتقانهم البنــاء والنجــارة وغير ذلك من حرف الحضر التي أشير إليها في الشعـــر الجـــاهلي.

    وقـــد عِيبَ على أهــل اليمن اشتغالهم بالحرف :
    كالحـــدادة والحياكـــة والصياغة ومـا شاكـــل ذلك من حـــرف، على نحو ما تحدثت عن ذلك في فصل :
    > "طبيعة العقلية العـــربية".
    ولكن مـن عابهم كان عالة عليهم وعلى غيرهـــم من أهـــل الحـــرف في أكثر الأمور التي كانت تخص شئون حياتهم اليـــومية، كالسيوف والخناجر الجيدة مثـــلًا التي هي عمـــاد المحافظة على حياة الإنسان في الباديـــة.

    كما اعتــرف لهـم بالتفوق على من كان يزدري الصناعـــة والحـــرف، فكانـــوا يخافونهـــم في الحـــروب، ويهابونهم عنـــد القتــال، لامتلاكهـــم أسلحـــة لا يملكونها هـــم، وكانـــوا يلجئون إليهم لتنصيب رئيس منهـــم عليهــم تهابـــه القبائل؛ لصعوبة انصياع القبائل لقيادة رئيس منها، بسبب التحاسد القبلي كما كانـــوا يخضعون لحكـــم أهـــل اليمن بسبب تفوقهم عليهم في السلاح وفي الثقافة إلى غير ذلك من أسباب ترجع في الواقـــع إلى الطبيعة التي عطفت على اليمــاني وعلى العـــربي الجنوبي ففوَّقته على الأعـــراب.

    ولما كانت طبيعة الجفاف هي الغالبـــة على جزيرة العــرب, كان لهذه الطبيعة أثرها في حياة العــرب، فغلبت البداوة على الاستقـــرار, وأثـــرت في النظـــم والآراء السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحـــربية وفي سائـــر نواحي الحياة الأخرى. لقد حالت دون قيــام المجتمعات الكبــرى القائمة على الاستقرار والاستيطان واستغلال الأرض, وجعلت مــن الصعـــب قيـــام الدول الكبيرة في هذه البلاد، وتكـوين حكومات تقـــوم على احتـــرام حقوق جميـــع أبناء الحكوـــمة دون نظر إلى البيوتات والعشائر والقبائل والرئاسات.

    وفي الأماكن التي تــوافرت فيها المياه المياه النابعــة من الأرض أو النازلة من السماء، نشأت مجتمعات مستقرة وظهرت حكـــومات، غير أنها حكومات اختلـــف طــابعها وشكلها باختـــلاف المحيط الـذي ظهـــرت فيه, والأحوال الطبيعية التي ألمــت بها والقـــدرة الماديـــة التي تيسرت لـــديها, فيها الحكومات الصغيرة التي قـــد تكـــون حكومات "قريـــة"، أو رئاسات عشائر, وفيها ما يمكن أن يعبر عنه بحكومات مدن، إن جاز إطلاق مصطلح "المدن" عليها، وفيها حكـــومات أكبـــر وأوسع مثـــل حكـــومات الحيرة والغساسنة, وفيها حكومات مثل حكومات العـــرب الجنوبيين, وهي حكـــومات كبيرة إذا قيست إلى الحكـــومات التي كـــونها سادات القبائل في أنحـــاء أخـــرى من جزيرة العـــرب، ولـــم تعمر طويلًا، بل كـــانت مثل رغـــوة الصابون، لا تكـــاد تنتفـــخ حتى تـــزول؛ وذلك لأسباب وعوامل لا يتسع لها صدر هذا المكان.

    فالطبيعة هي التي صيرت العـرب على هـــذا الحـــال، وهي التي غلبت عليهم البـــداوة, إذ حرمتهم من الماء وجادت عليهم بـــرمال تلفح الوجـوه، وبسموم مـــؤذية وبحـــرارة شديدة، وبـــأرض متسعة تظهر وكأنها بحـــر من رمل لا حد له، صيرت من وُلد فيها إنسانًا قلقًا هائمًا على وجهه، يتنقل من مكان إلى مكان بحثًا عن ماء وأكل, خلا الأماكن السخية التي خرجت منها دموع جرت فوق الأرض بقدر وبمقدار، أو مواضع قَـــرُبَ الماء فيها مــن سطـــح التـــربة فاستنبطه الإنسان، أو أماكن انهمرت من سمائها العاشقة للأرض دموع حبها في مـواسم من السنة فأصابت الأرض بطلٍّ، فاستهوت الإنسان، واستقـــر بها وتحضـــر, وصار العـــرب من ثم بــدوًا وحضــرًا، أهـــل باديـــة وأهل حاضرة.

    تابـــع الجـــزء الثاني 》》

    ============

    (١) ابن العبري، مختصر الدول "158 وما بعدها".
    (٢) اللسان "5/ 162"، "مدر".
    (٣) اللسان "5/ 162"، "مدر".
    (٤) اللسان "4/ 166"، "حجر".
    (٥) تاج العروس "3/ 535"، "مدر".
    (٦) تاج العروس "3/ 146"، "حضر".
    (٧) اللسان "15/ 178"، "قرا".
    (٨) تاج العروس "3/ 490"، "قرر".
    (٩) تاج العروس "10/ 290"، "قرى".
    (١٠) تاج العروس "9/ 342"، "مدن".
    (١١) غرائب اللغة "205".
    (١٢) تاج العروس "2/ 305"، "بلد".
    (١٣) قاموس الكتاب المقدس "2/ 321"، "مدينة", Hastings, p. 143, 944, 958.
    (١٤) بلوغ الأرب "1/ 12".
    (١٥) "ص646 وما بعدها".
    (١٦) تاج العروس "1/ 371"، "عرب".
    (١٧) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام "1/ 15 وما بعدها".
    (١٨) من هذا الكتاب "1/ 93، 153، 451"، "2/ 264، 423، 451".
    (١٩) الكتاب "2/ 41، 424"، يوهان فك، العربية: دراسات في اللغة واللهجات والأساليب, "ص50 وما بعدها", "تعريب عبد الحليم النجار".
    (٢٠) الفهرست "82 وما بعدها".
    (٢١) الفهرست "ص71 وما بعدها".
    (٢٢) تاج العروس "5/ 519"، "نجع".
    (٢٣) De Vaux, Ancient IsraeI, P. 3.
    (٢٤) تاج العروس "9/ 371"، "يمن".


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:23 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    【مجمل الحالة السياسية في جزيرة العرب عند ظهور الإسلام】

    الفصل الحادي عشر :

    و"جهينة" بطــن مثل "بلي" و"بهــراء" و"كلب" و"تنوخ" من بطون "قضاعة"، كانت ديارها في نجد، ثم هاجـرت إلى الحجاز، فسكنت على مقربة من يثرب في المنطقة التي بين البحــــر الأحمر ووادي القـــرى، عنــــد ظهور الإسلام.

    وقـــد دخلـــت في الإسلام في حيـــاة 【الرسول ﷺ】 ولم تشترك مـــع مــن اشترك في الــــردة بعــد وفاتــــه (١).

    وينسب النسابون جهينة إلى "صحـار" والــــد "جهينة" ومـــن بطــــونها "بنو حميس (٢).
    ومـــن ديــــار "جهينة" موضع "بواط" وهــــو من "جبال جهينة" من ناحيـــة "رضــــوى" قريب من "ذي خشب" مما يلي طــــريق الشام, وبيــن "بــــواط" والمــــدينة نحو أربعة بــرد، ويمر بـــه طــــريق إلى بــــلاد الشام.

    ولما سمـع 【الرسول ﷺ】 وهـــو على رأس ثلاثـة عشر شهرًا من مهاجره، أن قافلة لعير قــريش, فيها أمية بن خلف الجمحي ومائة من رجال قريش وألف وخمسمائة بعير, تمــــر من هناك، خرج في مــائتين لاعتراضها، ولكنها فــــرت ونجت، فلــــم تقــــع في الأسر (٣).

    وكــان في جملة من وفد على الرسول مــن "جهينة" :
    "عبد العزى بن بدر بن زيد بن معاوية الجهني" من "بني الربعة بن رشدان بن قيس بن قيس بن جهينة", ومعه أخوه لأمه "أبو روغة".
    وكــــان لهــــم وادٍ اسمه "غــــويّ".

    ومن "بني جهينة" "بنو دهمان" ومنهم "عمرو بن مرة الجهني"، وكــــان سادن صنمهــم, فأسلم وكسر الصنم، وقـــدم المدينة, وأعلن إسلامه أمــــام الرسول (٤).
    وقــد كتب 【الرسول ﷺ】 كتابًا "لبني زرعة" و"بني الربعة" من جهينة، أمنهم فيــــه على أنفسهم وأمــــوالهم (٥).

    كما كتب "لعَوْسَجَة بن حرملة الجهني" من "ذي المروة" وقــــد "أعطاه ما بين بَلَكثة إلى المصنعة إلى الجفــــلات إلى الجـــد جبــــل القبلة, لا يحاقه أحـــد" وشهد على صحــــة الكتاب وكتبــــه "عقبــــة" (٦).
    كمـــا كتب 【الرسول ﷺ】 كتابًا لقــوم آخـرين من جهينة، هم من "بني شنخ" وقد "أعطاهم ما خطوا من صفينة وما حرثوا"، وكتب الكتــــاب وشهد عليـــه "العـــلاء بن عقبــــة" (٧).

    كمـــا كتب 【الرسول ﷺ】 كتابًـا "لبني الجرمز بن ربيعة" وهــــم من "جهينة" كتبه المغيرة (٨)
    وكتب كتابًا لـ"عمرو بن معبد الجهني" و"بني الحــرفة" مـــن جهينة و بني الجرمز، أهم ما جــاء فيه "وما كان من الدين مدونة لأحد من المسلمين قضى برأس المال وبطل الربا في الرهن، وأن الصــــدقة في الثمار العشر" (٩).

    ويظهر من ذلك أن هذا الكتاب قد دون بعد نــــزول الأمــــر بتحريم الــــربــا.

    وبلي من قبائل قضاعة كـذلك، وتنسب إلى "بلي بن عمرو بن إلحاف بن قضاعة" , وتقع ديارها على مقربة من تيماء بين ديار جهينة وديار "جــــذام" وهي مثل أكثر قبائل قضاعـة لا نعرف من تأريخها في الجاهلية شيئًا يذكـــر.

    أما في أول ظهــــور الإســـلام, فقــــد اشتركت مــــع القبائـــل النصرانية في جانب الروم ضد المسلمين (١٠), ومنهم "مالك بن رافلة" قاتل "زيد بن حارثة" يــــوم "مؤتــــة" (١١).

    وفي سنة ثمانٍ من الهجرة أرسل 【الرسول ﷺ】 "عمرو بن العاص" إلى أرض "بلي" و"عذرة", فلما بلغ موضع "السلاسل" خــــاف، فبعث إلى رسول الله يستمده، فأمــــده بجماعــــة مـــن المهاجرين الأولين، فيهــــم "أبو عبيدة بن الجـــراح" و"أبو بكر" و"عمر", وقد عــــرفت تلك الغــــزوة بـــــ"ذات السلاسل" (١٢)....

    وقـــد دخـــل ديــن يهود فرعٌ من بلي, ينسب إلى "حشنة بن أكارمة"، وسكن
    على مقربة من تيماء مــــع يهود، وظل في هـذا الدين وفي هذه الديار إلى أن أمـــر "عمر" بإجلائهم عنها في الإسلام (١٣).
    وقــد وفــد نفر من "بلي" على الرسول وكـان "شيخ الوفد" "أبو الضباب" "أبو الضبيب", فأسلم وأسلم من كـــان معه ثــــم عــــادوا إلى ديارهــــم (١٤).

    وتقع إلى الجنوب من ديــار "بلي" ديار "مـــزينة"، وهي في الشرق مـن منازل "جهينة" وإلى الغرب من ديار "سعد" وإلى الشمال مـــن بــــلاد "خــــزاعة"

    ويرجــــع نسب "مزينة" إلى "مضـــر". وقـد وفد قوم منهم إلى الرسول فيهم "خزاعي بن عبد نهم", فبايع الـــرسول على قومه مــــزينة، وقدم معه جماعة من أعيان مــــزينة منهــــم :
    "بــــلال بــن الحــــارث" و"النعمان بـن مقرن" و"عبيد الله بن درة"، و"بشر بن المحتقر". و"خــــزاعي" هو الذي حمل لــواء مــزينة يوم الفتح، وكانوا يومئذ ألف رجــــل، وهو أخو المغفل أبي عبد الله بــن المغفــل, وأخـــو عبد الله ذي البجادين (١٥).
    وأما وادي القرى، فهو وادٍ كثُرت قــراه لذلك قيل له وادي القرى, وأهله عــرب ويهــــود. وهــو من المواضع المعروفة بالخصب في جزيرة العرب، وبه عيون وآبار؛ لذلك اشتهر بالعمار منذ أيـــام ما قبل الميلاد، فنـــزلت بــه قبائل عديدة منها قــوم ثمود. وقد جلب خصب هذا الوادي أنظار من نــــزح إليه من اليهود فحفروا فيــــه الآبار وأساحوا العيــون وزرعوا فيه النخيل والحبوب, وعقدوا بينهم حلفا وعقــدا, ودفعوا عنه قبائل "بلي بن عمرو بن إلحاف بن قضاعة" وغيرهم من القبائل (١٦) , وعقدوا لهم أحـــلافًا مـــع القبائل القوية؛ لتحميهم ولتدافـــع عنهــــم، مقابل جعل سنوي.

    وقد غزا الرسول بعد فراغــه من خيبر هــذا الوادي، فقاتله أهله، ففتحه عنوة وتــــرك 【الرسول ﷺ】 النخل والأرض في أيدي اليهود، وعاملهم على نحو ما عامل عليــــه أهــــل "خيبــــر" (١٧).

    وكانت "فــدك" حكومة مستقلة كسائر الواحـــات والقــــرى في أعالي الحجاز وأهلها مــن اليهــود، وعليهم في أيــام الــــرسول "يوشـــع بن نون اليهودي" وإليــــه بُعــــث "مُحيصة بن مسعود" لدعـــوته ولدعوة قومــــه إلى الإسلام (١٨), وبها قــوم من "بني مـــرة" (١٩) وقــوم مــن "بني سعد بن بكــر" (٢٠).

    وكـــان أهـــل خيبــر من يهــــود كذلك يتحكــــم فيهــــم رؤساء منهـــم، ولهم حصــــون وآطــــام تحمي أموالهــــم ومساكنهم، فُتحت في أيــــام الرسول بسبب معاداة أهلها للإسلام واتفاقهـــم مــــع المشــــركين, وكـــان يظاهرهــم "غطفان".
    ومن حصونهم "حصن ناعم" و"حصن القموص" حصن "أبي الحقيق" و"الوطيـــح" و"السلالم"، وكــان آخــر حصون خيبر، و"الشق" و"النطاة"(٢١).
    وكاتب الرسول "بني غاديا" وهم قـوم من يهـود, وكتب كتاب رسول الله ﷺ إليهم : "خالـــد بــن سعيـــد" (٢٢).
    وكتب "خــــالد" كتابًا آخــــر إلى "بني عريض" وهم أيضًا قوم من يهود، حدد لهـــم الرسول ما فرضه عليهم، يؤدونه لحينه في كــــل عــــام (٢٣).

    وكان يهـــود "بني قينقاع" قد تحالفوا مع الأوس والخـزرج، تحالفوا مع "عبد الله بن أبي سلول"، كما تحالفــوا مــــع "عبادة بن الصامت", وكانــــوا صاغــة ولهــــم سوق عــــرف بــــ "سوق بني قينقاع" وكانوا أشجع يهود. فلما كانت وقعة "بـــدر" أظهروا ميلًا إلى قــريش فحاصرهم الــــرسول، ثــــم غلبهــــم فأجلاهم عن ديارهـم ولحقوا بأذرعات (٢٤).

    ومـــن منــــازل "بني لحيان" موضــــع "غُرَّان"، وادٍ بين أمج وعُسفان إلى بلـد يقــال لــــه "ساية". وهو موضع مرتفع غــــزاه الرسول غــــزوته التي عــرفت بــــ"غــــزوة بني لحيان" في سنة ست للهجرة (٢٥) , وكــان بنــو لحيان ومــن لافهم من غيرهـــم قد استجمعوا، فلما بلغهم إقبال الرسول إليهم هربــوا، فلم يلقَ كيدًا (٢٦) , واعتصموا في رءوس الجبال، فلم يقدر منهم على أحد, ولم تستطع السرايـــا أن تقبض على أحـــد منهــــم، فرجــــع 【الرسول ﷺ】 (٢٧).

    وأقـــام "القُرطاء"، وهــــم "بنو قرط" "قـــريط" مـــن "بني كلاب"، بناحيـــة "ضرية"، فبعــــث رســــول الله إليهم "محمد بن مسلمة"، فاستاق إبلًا وغنمًا منهم، وهــــرب القــــرطاء (٢٨).
    وقـــد أرسل 【 الرسول ﷺ 】 "أبا بكر" لغـــزو "بني كـــلاب" بنجد، وذلك سنة سبع للهجرة, وذكــــر أنـــه غــــزا "بني فــــزارة" (٢٩). وأرسل إليهم سنة تسع "الضحاك بن سفيان الكــلابي"، ومعــه "الأصيد بن سلمة بن قرط"، فلقيهم بـ"الزج" موضع بنجد، وتغلب علي "القرط"
    (٣٠).
    ولما غزا الرسول غزوة "الأبواء"، وهي غزوة "ودَّان"، وكانت أول غزوة غزاها الرسول، وادعه "مخشي بن عمرو الضميري"، وكان سيد "بني ضمير" "بني الضمير" في ذلك الوقت. والأبواء قرية من أعمال "الفرع" من المدينة، بينها وبين "الجحفا" مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلًا (٣١).

    وتقع ديار "بني مدلج" بناحية "ينبع"، ومن أرضهم "ذو العشيرة" وهو لبني مدلج. وقد غزاهم الرسول غزوته المعروفة بـ"ذي العشيرة" على رأس ستة عشر شهرًا من مُهاجَره، فوادعهم ووادع حلفاءهم من "بني سمرة"(٣٢).

    ويظهر أن هذا الموضع إنما سمي بـ"ذي العشيرة"، نسبةً إلى الصنم "ذي العشيرة"، كان له معبد في هذا المكان، فعرف به.

    ومن القبائل التي أقامت على مقربة من مكة "خزاعة"، ومن رجالهم عند ظهور الإسلام "عمرو بن الحمق" الكاهن، صحب 【 النبي ﷺ 】 وشهد المشاهد مع "علي" وقتله "معاوية" بالجزيرة, وكان رأسه أول رأس نصبت في الإسلام (٣٣) , و"عمرو بن سالم الخزاعي"، الذي جاء إلى الرسول يشكو تظاهر "بني بكر بن عبد مناة بن كنانة" وقريش على خزاعة، ونكث قريش عهدهم الذي قطعوه للرسول ألا يظاهروا أحدًا على خزاعة، فكان ذلك من عوامل فتح مكة (٣٤).

    ومن رجال خزاعة "بديل بن ورقاء بن عبد العزى"، شريف كتب إليه النبي يدعوه إلى الإسلام، وكان له قدر في الجاهلية بمكة (٣٥).

    ومن بطون خزاعة "بنو المصطلق"، وعرفوا بـ"بلمصطلق" أيضًا، وقد كانوا ينزلون بـ"المريسيع"، وهو ماء لهم، من ناحية "قُديد" إلى الساحل. وقد كان قائدهم وسيدهم "الحارثُ بن أبي ضرار"، أبو "جويرية" التي تزوجها 【 النبي ﷺ 】 بعد أن خرج إليهم في غزوة "بني المصطلق" من سنة ست، وهم من "خزاعة" (٣٦).
    وكان "الحارث" قد سار في قومه ومن قدر عليه من العرب, ودعاهم إلى حرب الرسول. فلما وصل الرسول إلى "المريسيع"، تفرق من كان مع الحارث من العرب، وتغلب 【الرسول ﷺ】 على "بني المصطلق" وأخذ منهم أسرى وغنائم، وكانت "جويرية" في جملة من وقع في الأسر فتزوجها الرسول. ومن بطون خزاعة "بنو الملوّح"، وكانوا بـ"الكديد" (٣٧).

    وكان في جمله من يقيم بتهامة "بنو جذيمة بن عامر بن عبد مناة"، ومن مياههم "الغميصاء" (٣٨).
    ولما توفي 【 الرسولﷺ 】 تجمعت بتهامة جموع من مدلج، تأشب إليهم شذاذ من خزاعة وأفناء من كنانة، عليهم جندب بن سلمى، أحد "بني شنوق"، من بني مدلج، فحاربهم "خالد بن أسيد"، وشتت شملهم, وأفلت جندب، ثم ندم على ما صنع (٣٩).

    وكتب 【 الرسول ﷺ 】 لقوم من "أهـل تهامـــة" :
    بديل وبسر وسروات بني عمـرو, ذكــر فيه أنه لــم يأثم مالهم، ولــم يضع في جنبهم، ثم قـــال لهـم : "وإن أكرم أهل تهامة علي وأقربهم رحمًا مني أنتم, ومن تبعكم من المطيبين". ثم أخبرهم أن "علقمة بن علاثة" قد أسلم, وأسلم "ابنا هوذة وهاجرا وبايعا على من تبعهم من عكرمة" (٤٠).
    وينقل "ابن سعد" صورة كتاب كتبه "أبي بن كعب" وجهه "لجماع كانوا في جبل تهامة, قد غصبوا المارة من كنانة ومزينة والحكم والقارة ومن اتبعهم من العبيد"، فلما ظهر رسول الله، وقوي أمره، وفد منهم وفد على النبي, فكتب لهم كتابًا جاء فيه: "هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لعباد الله العتقاء. إنهم إن آمنوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، فعبدهم حر ومولاهم محمد, ومن كان منهم من قبيلة لم يرد إليها, وما كان فيهم من دم أصابوه أو مال أخذوه فهو لهم, وما كان لهم من دين في الناس رد إليهم، ولا ظلم عليهم ولا عدوان" (٤١).

    ويظهر من مضمون هــذا الكتاب, ومن بيان أهــل الأخبار عن الذين كانــوا قد اعتصموا في جبل تهامــة ، أنهم كانوا مــن الخارجين على الأعـــراف، ومـــن الـــرقيق الآبق، تجمعوا في هذا المكان المرتفع وتحصنوا وأخـــذوا يغتصبون منه المارة. وبقــوا على ذلك حتى ظهر الإسلام على أعـــدائه، فوجدوا إذ ذاك أنهم لن يتمكنوا بعد ظهور الرسول من الاستمــرار في التحـــرش بالمارة والتحرز بهــذا الجبـــل، وأن ظـــروفًا جديدة فد ظهرت، ستؤمن لهم سبل العيش، وأن الرسول سيعفو عنهـــم ويغفر لهم مـا وقـــع منهم قبل الإسلام فجاءوا إليه وأسلموا عنده, وكتب لهم كتاب أمان بذلك.
    ومنازل "كنانة" بتهامة، وهـم فيها قبل الإسلام بأمـــد طـــويل.

    و"علقمة بن عــلاثة" هـــو "علقمة بــن علاثة بن عــوف بن الأحوص بن جعفر بن كـــلاب"(٤٢).
    وهـو الذي نافر "عامر بن الطفيل" عند "هــرم بن قطبة بن سنان" (٤٣).

    وأمــا "ابنا هـــوذة" فهما :
    العــداء وعمرو ابنا خالد بن هوذة, مـن بني عمــرو بن ربيعـــة بـن عامـــر بـن صعصعة (٤٤).
    وأما "عكرمة"، فعكرمة بن خصفة بن قيس عيلان, وذكر أن مراد الرسول بـ" ومن تبعكم من المطيبين"، "بنو هاشم"، وبنو زهرة، وبنو الحارث بن فهر، وتيم بن مرة، وأسد بن عبد العزى (٤٥).
    وكتب 【الرسول ﷺ 】 إلى "العـداء بن خالد بن هوذة"، ومـن تبعــه من "عامر بـن عكـــرمة"، أنـــه "أعطاهــم مـا بين المصباعة إلى الـــزح ولوابــة", يعني لوابة الحرار.
    وكتب لهـــم الكتـــاب : خـالد بن سعيد (٤٦).
    ومــن منازل "هــذيل" "الرجيع"، وهـو مـــاء لهـــم (٤٧).
    ويقـــع إلى الشرق مــن "هذيل" ديـــار "ضبــة" وديـــار "عبـد مناة"، أمـــا في جنوبها فتقع ديـــار "خثعـم" و"ثقيف" وتمتد ديــارها في الشمال حتى تتصل بـــديار "بني سليم"، ومــن "هـــذيل" "سفيان بن خـــالد بن نبيح الهذلي" وكان قد جمع جمعًا ليغزو بــه الرسول وكـــان قـــد نـــزل "نخلة" أو "عــرنة" موضعًا بقرب عـــرفة، أو قــرية بوادي عـــرفة، فأرسل 【 رسول الله ﷺ 】
    إليـــه "عبد الله بن أنيس" فقتله (٤٨).
    ومـن القبائل المجاورة لهذيل : "فهــم" و"عـــدوان", وكانت ديارهـــم بالسراة (٤٩).
    وممن كتب إليهم 【الرسول ﷺ】ودون "ابن سعد" صور كتبـــه إليهم : "سعيد بن سفيان الرعلي", وقـــد أعطـــاه الرسول "نخل السوارقية وقصــرها، لا يحاقه فيها أحد", وكتب الكتاب وشهد عليـــه "خالد بن سعيد" (٥٠) , و"عتبة بن فرقد", وقد أعطاه الرسول موضــع دار بمكـــة، يبنيها مما يلي المروة (٥١).

    على هذا النحو كـــان الوضع السياسي في جزيرة العـــرب عند ظهور الإسلام وفي أوائل أيامه: قوى مستقلة تخشى القبائل المحيطة بهـا, وأذواء وأقيـــال في اليمن وحضرموت ورؤساء قبائـــل يتحكمون في مناطــق نفـــوذ قبائلهم ويعيشون على مـــا يأخـــذونـه مـــن أتباعهـــم مــن حـــق الـــرئيس على المرءوس في السلم وفي الحرب، وهم فيما بينهــم في خصـــام وتنافس، لــم تتركهم الخصومة من الانصـــراف إلى شئون رعيتهم، وهم أنفسهم لم يفكروا في الانصـــراف إلى ذلك.
    فتــدهورت الأحـــوال، وظهـــر أفـــراد ينادون بإصـــلاح السال، وبالتفكير في تحسين الأوضـــاع وبالتعقــل, وكـــان الصراع بين الفــرس والروم, قـد جسَّر الأعـــراب على الـــدولتين, وأخـــذت النصرانية ترسل المبشرين إلى العــرب لنشر النصـــرانية بينهـــم.
    وتغلب القلـــم المتصل الحـروف، الذي صار قلـــم العــرب والإسلام على القلم المنفصل الحروف, قلم العرب القديم، القلم المسند, وانتشر في مكة ويثرب.

    ونادى الأحناف بنبذ الوثنية والأوثان, ونزل الوحي على 【 الرسول ﷺ 】 في أول العشر الثاني مــن القـــرن السابع للميلاد.
    وظهر الإسلام داعيًا العـــرب وغيرهم إلى الإيمان بإلـــه واحـــد خالـــق لهذا الكـــون, وبرسالة 【 رسوله ﷺ 】 وبما جــاء بــه مــن أوامــر وأحكام.
    فكـــان ظهوره نهاية للجاهلية، وبداية لعهـــد جـــديد، عهـــد الإســـلام.

    وبظهور الإســــلام على أعــــدائه في جــــزيرة العــــرب، وبقضائه على أهل الــــردة، أوجد لجزيــرة العــــرب وجهًا جديدًا من وجوه الحياة، لم تشهده في حياتها ولــــم تعرفــــه.
    وقـــد أوجـــد الإسلام موارد غنية من مـــوارد الرزق، وبسط لهــم الأرض من الصيـــن إلى المحيط "الأطلنطي", وأخــــرج سكانها من ديارهـــم الفقيرة وأنزلهم في ديـــار غنية كثيرة السكان. وعـــرفوا بذلك نظمًا لــم تكـــن مألوفة عندهـــم، وأممًا لـــم يسمع أكثرهم بها وخـــرج المؤمنون الأولون والمؤلفــــة قلوبهم ومن دخـــل الإسلام وقلبه غير مطمئن بـــه، إلى خارج جزيرة العــرب يحكمون باسم الإسلام, حدث كل ذلك في مـــدة لا تعد طويلة بالنسبة إلى ما وقــــع فيها مــن أحــــداث.

    فالإسلام، إذن نهايــة حيــــاة قديمــة وبدايــــة حياة جديـــدة، وتختلف عن الحياة الأولى كــــل الاختــــلاف...•

    =======================
    (١) Ency., I, p. 1060.
    (٢) الاشتقاق "ص319 وما بعدها".
    (٣) نهاية الأرب "17/ 4 وما بعدها".
    (٤) طبقات ابن سعد "1/ 33 وما بعدها", نهاية الأرب "18/ 18 وما بعدها".
    (٥) ابن سعد، طبقات "1/ 270".
    (٦) ابن سعد، طبقات "1/ 271".
    (٧) ابن سعد، طبقات "1/ 271".
    (٨) ابن سعد، طبقات "1/ 271".
    (٩) ابن سعد, طبقات "1/ 271 وما بعدها".
    (١٠) الطبري "1/ 1604، 1610 وما بعدها"، ابن هشام "792", الاشتقاق "322", Ency., I, p. 618, Caussin de perceval, Essai., III, 212, Blau, in ZDMG., XXII, 664, xxIII, 573.
    (١١) الاشتقاق "ص322".
    (١٢) الطبري "3/ 32".
    (١٣) Ency., I, p. 618.
    (١٤) ابن سعد، طبقات "1/ 330"، نهاية الأرب "18/ 90".
    (١٥) طبقات ابن سعد "1/ 291 وما بعدها"، "دار صادر", نهاية الأرب "18/ 19 وما بعدها".
    (١٦) البكري، معجم "11/ 45 وما بعدها".
    (١٧) البلدان "8/ 275" "وادي القرى"، "5/ 343" "بيروت 1957"، تأريخ الخميس "2/ 58"، البلاذري، فتوح "47".
    (١٨) ابن الأثير "2/ 93"، البلدان "6/ 343 وما بعدها".
    (١٩) الطبري "3/ 32", "ذكر مقاسم خيبر وأموالها"، نهاية الأرب "17/ 272".
    (٢٠) نهاية الأرب "17/ 209".
    (٢١) الطبري "3/ 9 وما بعدها".
    (٢٢) ابن سعد، طبقات "1/ 279".
    (٢٣) المصدر نفسه.
    (٢٤) نهاية الأرب "67/ 67"، "ذكر غزوة بني قينقاع".
    (٢٥) الطبري "2/ 595".
    (٢٦) البلاذري، أنساب "1/ 348".
    (٢٧) نهاية الأرب "17/ 200 وما بعدها".
    (٢٨) نهاية الأرب "17/ 200".
    (٢٩) نهاية الأرب "17/ 271".
    (٣٠) نهاية الأرب "17/ 350 وما بعدها".
    (٣١) نهاية الأرب "17/ 4".
    (٣٢) نهاية الأرب "17/ 6".
    (٣٣) الاشتقاق "279".
    (٣٤) الطبري "3/ 42"، الاشتقاق "280"، البلاذري، أنساب "1/ 353".
    (٣٥) الاشتقاق "280".
    (٣٦) الطبري "2/ 604"، "دار المعارف"، إرشاد الساري "6/ 336".
    (٣٧) الطبري "3/ 27 وما بعدها"، الاشتقاق "280 وما بعدها".
    (٣٨) الطبري "3/ 66 وما بعدها".
    (٣٩) الطبري "3/ 67 وما بعدها".
    (٤٠) ابن سعد، طبقات "1/ 272".
    (٤١) ابن سعد، طبقات "1/ 278".
    (٤٢) ابن سعد، طبقات "1/ 272".
    (٤٣) المحبر "135".
    (٤٤) ابن سعد، طبقات "1/ 273".
    (٤٥) ابن سعد، طبقات "1/ 273".
    (٤٦) ابن سعد، طبقات "1/ 273".
    (٤٧) البلاذري، أنساب "1/ 375".
    (٤٨) نهاية الأرب "17/ 128 وما بعدها".
    (٤٩) البكري, معجم "1/ 88".
    (٥٠) ابن سعد, طبقات "1/ 285".
    (٥١) ابن سعد, طبقات "1/ 285".


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:24 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    【مجمل الحالة السياسية في جزيرة العرب عند ظهور الإسلام】

    الفصل العاشر :

    وتقع ديار "غطفان" جنوب "طيء" وشمال "هوازن" و"خيبر", وإلى الغرب من بلي وديار سعد. وهم من القبائل الكبيرة التي يرجع النسابون نسبها إلى "سعد بن قيس بن مضر", فهي من القبائل المضرية في اصطلاح أهل الأنساب, وهم قبائل منهم: ريث وبغيض وأشجع، ومن بغيض ذبيان، وهو والد عبس، وإنما أجداد قبائل كبيرة (١).
    وتقع ديار "أشجع" على مقربة من المدينة، وأما ديار "بغيض" فتقع عند شربة والربذة، وتجاورها "خصفة بن قيس عيلان"، وسليم الذين تقع ديارهم في جنوبهم.
    ومن رجال "أشجع":
    "مسعود بن رخيلة بن نويرة بن طريف"، وقد وفد على الرسول على رأس وفد قوامه مائة رجل، وادعوا 【رسول الله ﷺ 】 ثم أسلموا (٢).

    وقد كانت بين "غطفان" وبين "بني عامر بن صعصعة" وهم بطن من هوازن حوادث وأيام.
    من ذلك "يوم النفراوات", وفيه قتل خالدُ بن جعفر بن كلاب العامري زهيرَ بن جذيمة سيد عبس، وكانت هوازن تخضع لزهير, وتقدم له الإتاوة كل سنة في سوق عكاظ. فلما استبد بهم زهير، ولم يرعَ لهم حرمة، ولم ينصفهم، نقموا عليه, وأقسم جعفر ليقتلنه، وقد وفى بقسمه في يوم "النفراوات" (٣).
    وقد غزا 【 الرسول ﷺ 】 قومًا من "غطفان"، هم من "بني محارب"، و"بني ثعلبة"، حتى نزل نخلًا فلقي جمعًا من "غطفان"، ولم تقع بينهم حرب، وعرفت الغزوة بـ"غزوة ذات الرقاع" (٤).
    وكانت هذه الغزوة في أول السنة الثالثة من الهجرة، وعرفت أيضًا بـ"غزوة ذي أمر" ناحية "النخيل".

    وكان قد جمعهم رجل يقال له : "دعثور بن الحارث" من "بني محارب"، وهم من الأعراب، فلما وصل 【الرسول ﷺ】إليهم هربوا في رءوس الجبال، ثم أسلم "دعثور" ودعا قومه إلى الإسلام (٥).
    وقد تجمع جمع من غطفان بالجناب، وأرادوا مباغتة المسلمين، فوصلت الأنباء بذلك إلى 【 الرسول ﷺ 】 فأرسل سرية عليهم فلّت ذلك الجمع (٦).

    وقد استجابت "غطفان" لدعوة سادات "بني النضير" أمثال :
    "سلام بن أبي الحقيق"، و"حيي بن أخطب"، و"كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق"، ودعوة نفر من "بني وائل"، فيهم "هوذة بن قيس الوائلي" و"أبو عمار الوائلي"، ولزعماء مكة وعلى رأسهم "أبو سفيان"، فخرجت وقائدها "عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري" في بني فزارة, و"الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري" في "بني مرة", و"مسعود "مِسْعر" بن رخيلة بن نويرة بن طريف بن سحمة الأشجعي" فيمن تابعه من أشجع, واستجابت لهم "بنو سليم"، يقودهم "سفيان بن عبد شمس" وهو أبو "أبي الأعور السلمي"، وانضمت إليهم "بنو أسد" يقودهم "طليحة بن خويلد الأسدي"، وكونوا الأحزاب, وساروا باتجاه المدينة, فوجدوا المسلمين وقد حفروا خندقًا حولها، حال بينهم وبين اقتحامها. ووقعت مناوشات انتهت برجوع الأحزاب, ونجاح المسلمين في الدفاع عن أنفسهم (٧).
    ومن رجال "عبس" الذين وفدوا على 【الرسول ﷺ 】: "ميسرة بن مسروق"، و"الحارث بن ربيع" وهو الكامل، و"قنان بن دارم"، و"بشر بن الحارث بن عبادة", و"هِدْم بن مسعدة"، و"سباع بن زيد", و"أبو الحصن بن لقمان"، و"عبد الله بن مالك"، و"فروة بن الحصين بن فضالة".
    وذكر أن 【رسول الله ﷺ】 سأل نفرًا من "عبس" عن "خالد بن سنان", فقالوا : لا عقب له، فقال : "نبي ضيعه قومه"، ثم أنشأ يحدث أصحابه حديث خالد (٨).....•

    وقد كتب 【 الرسول ﷺ 】 إلى "بني زهير بن أقيش" كتابًا، أمنهم فيه على أنفسهم وأموالهم (٩).
    و"بنو أقيش" هم حي من "عكل", و"عكل" من "الرباب", وهم "تيم" و"عدي" و"عكل" و"مزينة".
    وذكر أن الرسول كتب لبني أقيش في ركية بالبادية (١٠).
    ومن ديار "هوازن"، "تربة"، وهي ناحية "العبلاء" على طريق صنعاء ونجران, وتقع في "عجز هوازن".

    وقد أرسل 【 الرسول ﷺ 】 عليهم سرية بقيادة "عمر" وذلك سنة سبع للهجرة (١١).
    وتقع ديار "هوازن" بغور تهامة إلى إلى بيشة والسراة وحنين وأوطاس (١٢).
    وفي جنوب شرقي "حسمى" أقامت بطون "فزارة" (١٣), وتنسب إلى "فزارة بن ذبيان بن بغيض بن غيث بن غطفان".
    وقد اشتركت في حرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان، وفي معارك أخرى، وتعاونت مع يهود خيبر ضد 【 الرسول ﷺ 】 (١٤).
    ومن رجال "فزارة" "خارجة بن حصن"، وكان فيمن وفد على النبي من وفد "بني فزارة" سنة تسع للهجرة (١٥).
    ومن "بني فزارة" في أيام الرسول "عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر"، أغار على لقاح رسول الله وهي ترعى بالغابة، وهي على بريد من المدينة، فوجه رسول الله جمعًا إليه، قتل "مسعدة بن حَكَمَة بن مالك بن حذيفة بن بدر الفزاري" و"حبيب بن عيينة"، ثم لحقهم الرسول بـ"ذي قرد" فوجدهم قد مضوا (١٦).
    وقد نعت 【 النبي ﷺ 】 "عيينة" بـ"الأحمق المطاع في قومه" (١٧).

    ومن بني فزارة الذين وفدوا إلى 【 الرسول ﷺ 】 بعد رجوعه من تبوك سنة تسع للهجرة, "خارجة بن حصن" و "الحر بن قيس بن حصن".
    وذكر أن "عيينة بن حصن" كان من المؤلفة قلوبهم، شهد حنينًا والطائف, وكان أحمق مطاعًا دخل على النبي بغير إذن وأساء الأدب، فصبر النبي على جفوته وأعرابيته. وقد ارتد وآمن بطليحة، ثم أسر، فمنَّ عليه الصديق، ثم لم يزل مظهرًا للإسلام. وكان يتبعه عشرة آلاف قناة, وكان من الجرارة, واسمه حذيفة ولقبه عيينة لشتر عينه.(١٨).

    ولما خرج "زيد بن حارثة" في تجارة له إلى الشام، ومعه بضائع لأصحاب 【رسول الله ﷺ 】 وكان دون "وادي القرى", لقيه ناس من "فزارة" من "بني بدر"، فضربوه وأخذوا ما كان معه، فعاد "زيد" إلى المدينة وأخبر الرسول بما حدث, فأعاده مع سرية لغزوهم، فحاصرهم، ولكنهم كانوا قد هربوا، فأسر منهم "فاطمة بنت ربيعة بن بدر"، وابنتها "جارية بنت مالك بن حذيفة بن بدر"، وقُتل "النعمان" و"عبد الله" ابنا "مسعدة بن حكمة بن مالك بن بدر" (١٩).
    وعلى السُّنة الجارية بين القبائل، تشتَّت شمل عشائر غطفان بسبب الحروب التي نشبت بينها من جهة، وبينها وبين بطون خصافة من جهة أخرى, ونعني بخصافة هوازن وسليمًا. وقد استمر التنافس بين عشائر غطفان وعشائر خصافة إلى ظهور الإسلام، وتميز بحوادث الفتك والاغتيالات، وبرز في هذا النزاع اسم "دريد بن الصمة" وهو من هوازن، ومعاوية وصخر أخوي الحنساء, وهما من سليم (٢٠).

    ولما انتقل 【 الرسول ﷺ 】 إلى جوار ربه، ارتد كثير من غطفان، وأيد بعضهم طليحة، ولم يرجعوا إلى الإسلام إلا بعد انتصاره على المرتدين.

    وكان من وجوه "بني عامر بن صعصعة"، عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس بن مالك بن جعفر، "أربد بن ربيعة بن مالك بن جعفر"، وجبار بن سلمى بن مالك، وكان هؤلاء رءوس القوم وشياطينهم. وقد وفدوا على الرسول, ولم يسلم "عامر بن الطفيل"، بل رجع كافرًا ومات على الشرك (٢١).
    وكان معجبًا بنفسه، جريئا على الناس (٢٢) , من الفرسان (٢٣)، طلب من الرسول أن يجعل الأمر له من بعده في مقابل إسلامه، أو أن يقتسم معه الحكم على الناس مناصفة، فيكون للرسول حكم أهل المدر، وله حكم أهل الوبر.
    فلما قال له 【الرسولﷺ】 : "لا, ولكني أجعل لك أعنة الخيل؛ فإنك امرؤ فارس" قــــال : أَوَلَيست لي؟ لأملأنها خيــلًا ورجــــالًا. ثم ولى، فلما كان في طريقه إلى منازله مرض وهلك (٢٤).
    وكـــان "أبــو بــراء عامر بن مالك بن جعفر" المعروف بـ"مــــلاعب الأسنة الكلابي"، بعث إلى 【رسول الله ﷺ 】أن ينفــــذ إليهـــم قــــومًا يفقهونهم ويعــرضون عليهــم الإسلام وشرائعه، فبعث إليهم قومًا من أصحابه، فعرض لهم "عامر بن الطفيل" يوم بئر معونة فقتلهــم أجمعين, واغتـــم "أبو بــراء" لإخفار عامـــر بن الطفيل ذمتــــه في أصحاب 【رسول الله ﷺ 】 ثم توفي بعد ذلك بقليل, وكان سيد "بني عامر بن صعصعة" في أيامــــه (٢٥).
    و"بئر معونة"، أرض بين أرض "بني عامر" و"حرة بني سليم"، وهي إلى حرة بني سليم أقرب (٢٦).
    وقـــد استصرخ "عامــــر بن الطفيل" جماعــــة من "بني سليم" و"عصية" و"رعـــلا" و"ذكران" فنفروا معه على المسلمين (٢٧).
    ولما أرسل "أبو بكــر" "خالد بن الوليد" إلى "بني عامـــر بــن صعصعة"، لــــم يقاتلوه ودفعــــوا الصدقــــة.
    وكــــان "قـــرة بن هبيـــرة القشيري" امتنع من أداء الصدقة، وأمدَّ "طليحة الأسدي"، فأخـــذه خــــالد، فحمله إلى "أبي بكر" فحقن أبو بكر دمــــه (٢٨).

    ومـــن بني "عامـــر بن صعصعة" :
    بنو "رؤاس بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة", ومنهـــم "عمرو بن مالك بن قيس" الــــذي وفــــد على الرسول فأسلم(٢٩), ومنهم "بنو البكاء", ووفدَ وفدٌ من "بني البكاء" على الرسول كان فيــــه "معاويــــة بن ثور بن عبادة بن البكــاء"، و"الفُجيع بــن عبـــد الله بــن جندح بن البكَّاء" و"عبد عمر البكائي"، وهــــم الأصــــم (٣٠).
    وتقع ديار "بني عامر بن صعصعة" في الأقسام الغربية مــن نجــــد وتمتد إلى الحجاز.
    وذكــــر انهم كـــانوا يصيفون بالطائف لطيب هــــوائها، فلما اشتد عود ثقيف وقوي أمرهم، منعوهم منها، واستقلوا بها وحدهــــم (٣١).
    ويرجـــع نسب "بني سليم" إلى "قيس عيلان"، وتقع منازلها في مواطن حرار ذات مياه ومعــادن عــــرفت بـ"معدن سليــــم"، وكانــــوا يجـــاورون عشائر "غطفان" و "هوازن" و "هلال".
    ولخيرات أرضهم ووقوعها في منطقة مهمة تهيمن على طرق التجارة، صارت بنــــو سليــم من القبائل الغنية، وكانت صلاتها حسنة بيهـــود يثرب، كما كانت صــــلاتها وثيقة "بقــــريش".
    وقد تحالف عدد كبير من رجالات مكة مع "بني سليم" ، واشتغلوا معهـــم في الاستفادة مـــن المعادن والثــــروة في أرض سليــــم (٣٢).
    وقد قدم رجـــل من "بني سليم" اسمه "قيس بن نسيبة"، على 【الرسولﷺ】 فأسلم.
    ذكــر أنــــه كان على علم بلسان الروم وبهينمة الفرس، وبأشعار العــرب، وأنه كــــان ذا حظ بثقافة ذلك اليــــوم. فلما رجع إلى قومــه، وكلمهم بالإسلام اقتنعوا بحديثه فأسلم منهم عدد كبير، وذهب وفـــد عنهم إلى الرسول، فيـــه "العباس بن مرداس" و"أنس بن عياض بن رعل" و"راشد بن عبد ربه"، فأسلموا على يــديــه.

    وكـان "راشد" يسدن صنمًا لبني سليم، وكان اسمه "غــــاوي"، وكان قــــد رأى ثعلبين يبولان على صنمه فشد عليــــه فكسره، ثم جاء مع الوفـد إلى الرسول فأسلم، وسماه الرسول "راشــــدًا" على طــــريقته في تغييــــره أمثال هــــذه الأسماء, وأعطاه الرسول ﷺ "رهاطا" وفيها عيــــن مــــاء.

    ويذكــــر أهــــل الأخبار، أن سيدًا مــن سادات "بني سليم"، اسمــــه "قِدْر بن عمَّار"، كان قد قدم على النبي بالمدينة فأسلم، وعاهده على أن يأتيه بألف من قومــــه، فلما ذهب إلى قــــومه، وعاد ليأتي إلى الرسول برجالــــه، نزل بــــه المـــوت، فأوصى إلى رهط مــن "بني سليم" بالذهــــاب إلى الرسول، هــــم "عباس بن مرداس" و"جبار بن الحكيم" و"الأخنس بن يزيد" وأمَّر كل واحد منهم على ثلاثمائة، ليقدموا على الرسول، ثم جاء من بعدهم "المنقع بن مالك بن أمية" وهو على مائة رجــــل، فصار عددهــــم ألفًا (٣٣).

    وكتب 【 الرسول ﷺ 】 إلى "سلمة بن مالك بن أبي عامر السلمي" مـــن "بني حارثة"، أنه أعطاه مَدْفَوًا لا يحاقه فيه أحــــد (٣٤) , وأعطى "العبــاس بـــن مرداس" "مدفورا" لا يحاقه فيه أحد، كتبه لــــه العلاء بن عقبة، وشهد عليه (٣٥).
    ويظهــــر أن "سلمة بن مالك السلمي" الذي ذكر "ابن سعد" أن 【الرسولﷺ】 "أعطاه ما بين ذات الحناظى إلى ذات الأساور"(٣٦), هــو "سلمي بن مالك بن أبي عامــــر" المتقدم..

    وكــــان "العباس بن مـــرداس" يهاجي "خفاف بن ندبة السلمي" أحد الشعراء المعـــروفين، ثــم تمادى الأمــر إلى أن احتربا، وكثــــرت القتلى بينهما.
    ولما تماديا في هجائهما، ولــــم يسمعا نصيحـــة "الضحاك بن عبد الله السلمي"، وهو يومئذ صاحب أمــر بني سليم، ولجَّا في السفاهة، خلعتهما بنو سليم. ثــــم أتاهما "دريــــد بن الصمة" و"مالك بن عــــوف النصــــري" رأس هوازن، وأصلحا بينهما، واستراح منهما بنو سليــــم (٣٧).

    وأسلم "العباس بن مرداس" قبل فتــح مكـــة, وحضر مع النبي يوم الفتح في جمــــع من "بني سليم" بالقنا والدروع على الخيل، وله ولد اسمه جلهمة، روى
    عن 【النبي ﷺ】 (٣٨).

    ويــــروى أن العباس بن مرداس، شهد حنينًا على فرسه العُبيد، فأعطاه النبي أربــــع قــلائص، فقال العباس : أتجعل نهبي ونهـــب العبيد بين عيينة والأقرع؟، فقال النبي : "اقطعوا عني لسانه"، فأعطــوه ثمانين أوقيـــة فضة (٣٩).....
    وكــــان فيمن اشترك مــــع العباس بن مرداس من قومه في فتح مكة، "أنس بن عباس بن رعـــل" و"راشد بـــن عبد ربـــه" وقــد طلب العباس وقومــه من الرسول، أن يجعل لهــــم لوء أحمــــر وشعارًا مقدمًا, ففعل ذلك بهــــم (٤٠).

    وكــــان للعباس أخ اسمه "عمــــرو بن مرداس"، ويعد مثل أخيــــه في جملة المؤلفــــة قلوبهــــم كــــذلك (٤١).

    وأعطى الــــرسول "هوذة بن نبيشة السلمي" من "بني عُصَيَّة" "ما حـــوى الجفر كله" (٤٢) , وكتب للأجبّ رجل من "بني سليم" أنــه أعطـــاه فالسًا", وكتــــب كتابــــه وشهــــد عليــــه "الأرقم" (٤٣).
    وأعطى الــــرسول "راشد بن عبــد السلمي" "غَلْوتين بسهم, وغلوة بحجر برهاط" "لا يحاقه فيها أحد" (٤٤), كما أعطى "حرام بن عبد عوف" من "بني سليم" "إذامًا ومــا كــــان لــــه مــن شواق" (٤٥).

    ومــن "بني سليم" "نبيشة بن حبيب"، قاتل "ربيعة بن مكدم" الكناني, وكان فارس كنانــــة (٤٦)...
    ـ
    ويذكـــر أن الـــردة لما وقعت بـــوفاة 【الرسول ﷺ 】جاءت "بنو سليم" إلى "أبي بكــــر"، فطلبوا منه أن يمدهــــم بالسلاح لمقاتلة المــرتدين، فأمــــر لهم بسلاح، فأقبلـــوا يقاتلون "أبا بكــــر", فبعث أبو بكر خالــــد بن الوليد عليهم، وجعلهم في حظائر ثــــم أضرم عليهم النيــــران (٤٧).

    ومن ديـــار "بني سليم" معـــدن "بني سليم" ، وهــو منزل كثير الأهـــل فيه أعراب بني سليم، وماؤه من "البرك"، وهي قـــرى قديمـــة (٤٨).

    وقـــد غزا 【 الرسول ﷺ 】 على رأس ثـــلاثة وعشرين شهرًا مـــن مهاجـــره "قرقرة الكدر" "قراقرة الكدر"، ناحية معـــدن "بني سليم" بينه وبين المدينة ثمانيـــة بُرُد، وذلك لما سمـــع أن بهـذا الموضـــع جمعًا مـــن "بني سليم" و"غطفان"، فلما لم يجد أحدًا، أخذ ما عثر عليه من جمال تعــود إليهم، كانت ترعى هناك، ورجع إلى المدينة (٤٩).

    وغـــزا الرسول في السنة الثالثـــة من الهجرة موضعًا آخـــر من مواضع "بني سليم" اسمه : "بحـــران" من ناحيـــة الفرع، وهي قـــرية من ناحية المدينة لما بلغه أن بها جمعًا كثيـــرًا من "بني سليم" (٥٠).
    وكـــانت منازل عجــز هــوازن بموضع شربـــة (٥١).

    ومن رجال "هــوازن" في أيام الرسول "مالك بن عـــوف النصري" أحـــد بني نصر , وهو الذي جمع جموع هـــوازن وثقيف وأقبل عامـــدًا إلى النبي، حتى وافاه بـ"حنين" فوقعت غـــزوة حنين.

    وقد جمعت نصر وجشم كلها وسعد بن بكر وناس من بني هلال، وهـــم قليل، ولم يشهدها من قيس عيلان إلا هؤلاء وغابت عنها فلم يحضرها من هـــوازن كعـــب ولا كـــلاب.

    وفي جشـــم :
    "دريد بن الصمة" شيخ كبير، ليس فيه شيء إلا التيمن برأيـــه ومعـــرفته بالحـــرب، وكان شيخًا كبيرًا مجربًا.

    وفي ثقيف سيدان لهم في الأحلاف : "قارب بن الأسود بن مسعود"
    وفي بني مالك ذو الخمار :
    "سبيع بن الحارث" وأخوه "الأحمر بن الحارث" في بني هـــلال (٥٢).

    وبنو سليــــم أيضًا قبائــــل, منها :
    بنـــو ذكوان، وبنــو بهثة، وبنــو سمال، وبنو بهــز، وبنو مطرود، وبنو الشريد، وبنــو قنفذ، وبنــو عصية، وبنــو ظفر (٥٣).

    وقــــد نجلت هذه القبائل رجالًا عرفوا في الجاهلية والإسلام، منهــــم :
    "العباس بن مرداس" الشاعـر الشهير ممن شهدوا معركة حنين مع 【الرسول ﷺ 】 ومجاشع بن مسعود ممن قاد الجيـــوش، وهـــو مــن المهاجـــرين والعباس بن أنس الأصم من فـــرسان الجاهليـــة، ورجـــال آخـــرون.

    ولسليم شقيـــق في عـــرف النسابين اسمه "مـــازن", أما أبوهما فهو منصور (٥٤).

    و"جهينة" بطن مثل "بلي" و"بهراء" و"كلب" و"تنوخ" من بطون "قضاعة"، كانت ديارها في نجد، ثم هاجرت إلى الحجاز، فسكنت على مقربة من يثرب في المنطقة التي بين البحر الأحمر ووادي القرى، عند ظهور الإسلام.
    وقد دخلت في الإسلام في حياة الرسول ولم تشترك مع من اشترك في الردة بعد وفاته.
    وينسب النسابون جهينة إلى صحار والد جهينة، ومن بطونها بنو حميس.

    تابع الفصل الحادي عشر 》》

    =====================
    (١) الاشتقاق "164 وما بعدها", ابن حزم, جمهرة "ص237 وما بعدها", Ency., II, P. 144.
    (٢) نهاية الأرب "18/ 22".
    (٣) العقد الفريد "3/ 304"، الأغاني "10/ 10".
    (٤) الطبري "2/ 555 وما بعدها".
    (٥) نهاية الأرب "17/ 77 وما بعدها".
    (٦) الطبري "3/23".
    (٧) الطبري "2/ 564 وما بعدها"، "غزوة الخندق"، نهاية الأرب "17/ 166 وما بعدها".
    (٨) طبقات ابن سعد "1/ 295 وما بعدها"، نهاية الأرب "18/ 17".
    (٩) ابن سعد، طبقات "1/ 279".
    (١٠) الاشتقاق "111/ 113".
    (١١) نهاية الأرب "17/ 270".
    (١٢) البكري، معجم "1/ 88".
    (١٣) Musil, Hegaz, p. 315.
    (١٤) Ency., II, p. 93.
    (١٥) الطبري "3/ 122".
    (١٦) البلاذري، أنساب "1/ 348 وما بعدها".
    (١٧) الاشتقاق "173".
    (١٨) تاج العروس "6/ 45", "ألف" و"عين".
    (١٩) نهاية الأرب "17/ 210 وما بعدها".
    (٢٠) Ency., II, p. 145.
    (٢١) الطبري "3/ 144"، "وفد بني عامر بن صعصعة".
    (٢٢) مروج "2/ 328"، "دار الأندلس".
    (٢٣) الاشتقاق "180، 215".
    (٢٤) نهاية الأرب "18/ 51 وما بعدها".
    (٢٥) المحبر "472", الطبري "3/ 545"، "ذكر خبر بئر معونة".
    (٢٦) الطبري "2/ 546".
    (٢٧) نهاية الأرب "17/ 130 وما بعدها".
    (٢٨) البلاذري، فتوح "106".
    (٢٩) ابن سعد، طبقات "1/ 300".
    (٣٠) ابن سعد، طبقات "1/ 304".
    (٣١) البكري، معجم "1/ 77 وما بعدها".
    (٣٢) البلدان "2/ 250"، "8/ 94"، Ency., Iv, p. 518.
    (٣٣) ابن سعد، طبقات "1/ 307 وما بعدها"، نهاية الأرب "18/ 24".
    (٣٤) ابن سعد، طبقات "1/ 273".
    (٣٥) ابن سعد، طبقات "1/ 273".
    (٣٦) ابن سعد، طبقات "1/ 285".
    (٣٧) ابن قتيبة، الشعر والشعراء "ص467 وما بعدها".
    (٣٨) ابن قتيبة، الشعر "ص467 وما بعدها"، المعارف "336".
    (٣٩) الاشتقاق "188".
    (٤٠) نهاية الأرب "18/ 24".
    (٤١) تاج العروس "6/ 45".
    (٤٢) ابن سعد، طبقات "1/ 273".
    (٤٣) ابن سعد، طبقات "1/ 273 وما بعدها".
    (٤٤) المصدر نفسه "1/ 274".
    (٤٥) المصدر المذكور.
    (٤٦) الاشتقاق "189".
    (٤٧) تأريخ خليفة بن خياط "1/ 68".
    (٤٨) ابن رستة، الأعلاق "179".
    (٤٩) نهاية الأرب "17/ 71 وما بعدها".
    (٥٠) نهاية الأرب "17/ 79".
    (٥١) الطبري "3/ 22"، "دار المعارف"، نهاية الأرب "17/ 323 وما بعدها".
    (٥٢) الطبري "3/ 70 وما بعدها".
    (٥٣) الاشتقاق "187 وما يعدها".


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:25 pm

    جذام


    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    【مجمل الحالة السياسية في جزيرة العرب عند ظهور الإسلام】

    الفصل التاسع :

    و"الداروم" قلعة بعد غزة للقاصد إلى مصر, يجاورها عربان بني ثعلبة بن سلامان بن ثعل من بني طيء، وهم درماء وزريق .

    وكانت "جذام" نازلة في "حسمى" عند ظهور الإسلام، وهي من مواطن "ثمود".
    و"جُذام" من نسل "جذام" شقيق "عاملة" و"لخم" أبناء "عدي بن الحارث بن مرة بن كهلان", واسم "جذام" الحقيقي في رأيهم "عمرو"(١).
    وتقع أرض جذام في الأقسام الجنوبية من بلاد الشام، وتصل إلى "أيلة" ثم تمتد مع الساحل حتى تبلغ "ينبع" (٢).
    ويرجع بعض النسابين نسب جذام إلى اليمن، ويرجعها بعض آخر إلى مضر، وتوسط قوم فقالوا :
    إنهم كانوا من مضر في الأصل، ثم غادروا ديار مضر فذهبوا إلى اليمن, وعاشوا بين قبائل قحطان، فنسوا أصلهم بتقادم العهد، وعُدوا في القحطانيين.
    ويظهر أن هذا الرأي هو محاولة للتوفيق بين الرأيين السابقين، أما الذي عليه غالبية جذام، فهو أنها من قحطان (٣).

    وقد وفد رجال من "جذام" على رسول الله، منهم "رفاعة بن زيد بن عمير بن معبد الجذامي" ثم أحد "بني الضبيب"، فأسلم وكتب الرسول له كتابًا.
    أما "فروة بن عمرو بن النافرة" الجذامي، فقد كان كما سبق أن ذكرت عامل الروم على ما يليهم من العرب، وكان منزله "معان" وما حولها أو على "عمان"، فلما بلغهم أنه كاتب الرسول وأنه أسلم أخذوه فحبسوه، ثم ضربوا عنقه (٤).
    ويذكر أهل الأخبار أن "فروة" كتب إلى الرسول كتابًا أرسله مع "مسعود بن سعد"، وبعث إليه ببغلة وفرس وحمار وأثواب لِين وقباء سندس مخوص بالذهب (٥) , وأن الرسول كتب إلى فروة جواب كتابه. ويذكر أهل الأخبار أن الروم لما قبضوا على "فروة"، قال شعرًا يذكر فيه نفسه والرسول، وقال مثل ذلك لما نقله الروم إلى موضع يقع على ماء لهم بفلسطين اسمه "عفراء"، فلما أرادوا ضرب عنقه، قال بيتًا من الشعر في إسلامه وفي إيمانه (٦).

    وقد انتشرت النصرانية بين كلب، كما انتشرت بين أكثر القبائل النازلة بديار الشام. والظاهر أنها كانت على مذهب القائلين بالطبيعة الواحدة "Monophysities (٧).
    وفي جوار "الحجر" وفي شرق "حرة ليلي" أقامت بنو عذرة، وهي من قبائل قضاعة، وتنسب إلى "عُذرة بن سعد بن هُذيم بن زيد بن ليث بن أسلم بن إلحاف بن قضاعة" (٨).
    ولا نعلم من تأريخ هذه القبيلة في الجاهلية شيئًا يذكر, ولم يرد اسمها كثيرًا في الأيام, والظاهر أن ذلك لقلة شعرائها، فإن شعر الشعراء هو الذي خلد أسماء القبائل عند الإخباريين، ويظن أنها قبيلة "Adritai" "Adraetai" التي ذكرها "بطلميوس" (٩).

    أما ديار هذه القبيلة, فكانت في وادي القرى وتبوك، ولكنها امتدت حتى بلغت قرب أيلة (١٠), ويذكر الإخباريون أن هذه القبيلة هاجرت مع من هاجر من قبائل قضاعة بعد حربها مع حمير، فنزلت هذه الديار وتعاهدت مع قوم من يهود على مجاورتهم, وإلا تتحرش بهم وبنخيلهم وبساتينهم.

    وتجاور ديار عذرة ديار قبائل أخرى من قضاعة مثل :
    "نهد" و "جهينة" و "بلي" و "كلب" كما جاورت من الشمال قبيلة "غطفان" (١١).

    و "لعذرة" حلف مع عدد من بطون "سعد هذيم" ، مثل بني ضنة، ويعدهم النسابون بطنًا من عذرة، وكذلك مع بني سلامان، وقد عرفوا بصحار، وكان لهم مع جهينة, ويرجع الإخباريون عهد هذا الحلف إلى أيام حرب قضاعة، وهي الحرب المسماة بـ"حرب القريض" (١٢).

    وهنالك جملة قبائل ذكر الإخباريون أربعًا أو خمسًا قالوا : إنها كانت تعرف بـ"عذرة" (١٣) , وقد سبب تعدد هذه الأسماء للنسابين بعض التشويش.

    ويظهر من روايات الإخباريين أنه كان لهذه القبيلة صلة بقريش، فزعموا أن أم "قصي" تزوجت رجلًا من "بني عذرة"، وأن أخاه من أمه "رزاح بن ربيعة بن حرام" اشترك مع قريش في الدفاع عن الكعبة وفي طرد خزاعة عنها.
    ورووا أيضًا أنه كان لها صلة بالأوس والخزرج كذلك؛ لأن أم القبيلتين، وهي "قيلة بنت كاهل أو بنت هالك", كانت من هذه القبيلة(١٤).

    ولما قدم وفد "عذرة" على الرسول في صفر سنة تسع، وفيه "حمزة بن النعمان العذري", و"سليم" و"سعد" ابنا مالك، و"مالك بن أبي رباح"، سلموا على الرسول "بسلام أهل الجاهلية، وقالوا :
    نحن إخوة قصي لأمه، ونحن الذين أزاحوا خزاعة وبني بكر عن مكة، ولنا قرابات وأرحام".

    وكان من رجال عذرة الذين وفدوا على 【 الرسول ﷺ 】 "زمل بن عمرو العذري" (١٥).
    وذكر "ابن سعد" أن 【 الرسول ﷺ 】 كتب إلى "عذرة" في "عَسيب", وبعث به مع رجل من "بني عذرة", فعدا عليه "ورد بن مرداس" أحد "بني سعد هذيم"، فكسر العسيب وأسلم واستشهد مع "زيد بن حارثة" في غزوة وادي القرى أو غزوة القردة (١٦).

    وكانت مواطنها عند ظهور الإسلام في منطقة مهمة جدا تقع بين الحجاز وبلاد الشام ومصر، فتمتد من منازل "كلب" في "الشمال" حتى منطقة المدينة, وكانت بطونها منتشرة في "وادي القرى" وحول "تبوك" وعند "أيلة" وفي طور سيناء. ولمرور طريق القوافل منها، تولى رجالها حراستها وجباية رسوم المرور منها. ولما رأى بعض المستشرقين أنها تقطن منطقة كان يسكنها "أهل مدين" وكذلك النبط، ذهبوا إلى أنها من نسل "مدين" أو من بقايا "النبط" (١٧).

    ومن المستشرقين من يرى أن "بني النضير" هم فرع من جذام، دخلوا في دين يهود، ودليلهم على ذلك انتشار اليهودية بين بعض بطون جذام التي تقع منازلها على مقربة من "يثرب", وكانت النصرانية قد وجدت لها سبيلًا بين جذام، وذلك باتصالها ببلاد الشام ومصر.
    وقد كانت مع "المستعربة" أي : النصارى العرب, تحارب المسلمين مع الروم في حروب بلاد الشام (١٨).

    وفي أرض جذام موضع يقال له "السلاسل"، وقعت غزوة عرفت بـ"ذات السلاسل".
    وقد قام بها "عمرو بن العاص"، وكان 【 الرسول ﷺ 】 قد بعثه إلى أرض "بلي" و"عذرة" يستنفر الناس إلى الشام (١٩).

    ومـــن جـــذام :
    "رفاعـــة بن زيد الجـــذامي" ثـــم "الضُّبيبي"، وكان قد قدم إلى الرسول فأسلم، وكتب 【الرسول ﷺ 】 له كتابًا، وذهب إلى قومـــه ونزل الحرة : حرة الرجـــلاء (٢٠) , و"ضبيب" بطــن مـــن جـــذام.
    ولما أغار "الهُنيد بن عوص"، وهو من "الضليع"، بطن من جذام على "دحية بن خليفة الكلبي"، حين قدومه من بلاد الشام، وكان 【 رسول الله ﷺ 】بعثه إلى "قيصر" صاحب الروم ومعه تجارة له، فأصاب كل شيء كان مع "دحية" -نَفَرَ "رفاعة" وقومه ممن أسلم إلى "الهنيد"، فاستنقذوا ما كان في يده، فردوه على "دحية"، وكان المعتدون يقيمون بحسمى (٢١).

    ومن "جـــذام" :
    "زنباع بن روح بن سلامة بن حُداد بن حديدة"، وكان عَشَّارًا، مر به "عمر بن الخطاب" في الجاهليـــة تاجـــرًا إلى الشام، فأساء إليه في اجتيازه وأخـــذ مكسه، فقال "عمـر" فيه شعرًا يتوعده ويهجوه، فبلـــغ ذلك "زنباعًا" فجهـــز جيشًا لغزو مكة، فنُهي عن ذلك وأشير عليه بعدم تمكنه منها، فكف عنها (٢٢).

    وكانت "أيلة" في أيام 【الرسول ﷺ】في أيـــدي "يوحنا بن رؤبة" "يحنة بن رؤبة".
    ولما سمع "يوحنا" بمجيء الرسول مـع جيش إلى "تبوك"، جـــاء إليه وصالحه على الجـــزية، وصالحه أهــل "جرباء" و"أذرح" على الجزية أيضًا، كما صالح أهل "مقنا" على ربع كروعهم وغزولهم وحلقتهم وعلى ربـــع ثمارهم، وكانــوا يهـــودًا (٢٣).
    وقد دون "ابن سعد" صورة كتاب ذكـر أن 【 الرسول ﷺ 】 كتبـــه لـ"يحنة بن رؤبة" "يحنة بن رَوْبَةَ" وأهـــل أيلة "لسفنهم وسيارتهم في البر والبحر ... ولمن كان معهم من أهـــل الشام وأهل اليمن وأهـــل البحـــر" (٢٤).

    وأورد "ابن سعد" نص كتاب أرسله 【 الرسول ﷺ 】 إلى "يوحنا بن رؤبة" "يحنة بن روبة" و"سَرَوات" أهل أيلة, جاء فيه أن رسول الله قد أرسل إليه رسلًا هم :
    "شرحبيل" و "أبي" و"حرملة" و"حريث بن زيد الطائي" و"أن حرملة" قــد شفع لــه ولأهــل أيلة لدى الرسول, وأن عليـــه أن يكسو "زيدا" كسوة حسنة, وأنـــه قـــد أوصى رسله بهـــم.
    ويظهر من هـــذا الكتاب أن حامله كان "زيـــدا"، وجاء فيه "وجهزوا أهل مقنا إلى أرضهـــم" (٢٥).

    وكتـب الرسول كتبًا إلى أهـــل "أذرح" و"جربا" ولأهـــل "مقنا"، وذكر أن أهل مقنا كانـــوا يهـــودًا على ساحل البحر, وأهـــل جربا وأذرح يهــود أيضًا (٢٦)..

    أما "كلــب" التي كانت ديارهـــا تتاخم ديـــار جـــذام، فينسبها النسابــون إلى "كلب بن وبرة", وهي من القبائل التي كانــت تنـــزل ديـــار الشام عنـد ظهور الإسلام.
    غيـــر أننا لا نعـــرف مــن تأريخها شيئًا يذكـــر قبـــل الإسلام (٢٧).

    وتتصل بديار "كلب" مــن الشرق أرض الحيرة وديار "بني بكر"، ومن الجنوب ديار طيء، ومن الغـرب ديار "بنو بلي" و"جــذام"، ومـن الشمال "بنو بهـــراء" وقبائـــل "غسان".
    ويرجـــع نسب "كلـــب" في عـــرف النسابين إلى قبائـــل "قضاعـــة".
    ومن كلـــب : "الأسبع" , وهي بطـــون ثعلــب وفهــد ودب والسيد والسرحان وبـــرك.
    ومن قبائلها :
    "ثــور" و "كلب" و "رفيدة" و "عوذي" و "عـــرينة" وقبائل أخـــرى يذكـــرها النسابـــون (٢٨)......

    وينسب إلى هـــذه القبيلة "زهيـــر بن جناب الكلبي"، وهـــو في جملـــة مـن يذكرهـــم الإخباريون مـــن المعمرين. ويذكـــرون أنـــه كان رئيسًا من رؤساء هذه القبيلة, وأنه كان شاعرًا، وأنه كان في أيـــام "كليب وائــل" و"المهلهل بن ربيعـــة"، ومعنى ذلك أنــه عـــاش في القـــرن السادس للميـــلاد (٢٩)....

    وقد ذكر الإخباريون أسماء رجال برزوا في الجاهلية، ينتمون إلى بطون هذه القبيلة، منهم "هوذة بن عمرو"، نعتوه بـ"رب الحجاز" (٣٠) , وهذا النعت يدل على منزلة الرجل ومكانته التي كان عليها قبل الإسلام. وهو من "حَرْدش" وقد مدحه "النابغة الذبياني".
    وقد نسب الإخباريون "هوذة" إلى "عص" أو "عيثر بن لبيد"، وهو في زعمهم من المعمرين في الجاهلية (٣١)

    وقــد وفـــد رجـــل من "كلـــب" على 【الـــرسول ﷺ】 اسمه "عبد عمـرو بن جبلة بن وائل بن الجَلَّاح الكلبي"، ومعــه "عاصم" مــن "بني وقاش" من "بني عامــر"، فأسلما, ووفد "حارثة بن قطن بن زائر بن حصن بن كعب بن عليم الكلبي" و"حمل بن سعدانة بن حارثة بن مغفل بن كعب بن عليم"، فأسلما.
    وكتب "الحارثة بن قطن" كتابًا لأهـــل دومـــة الجندل وما يليها مـن طــوائف "كلـب" ، دوَّن فيه أوامره لهم ونواهيه وشروطـــه إن أرادوا الدخـــول في الإسلام (٣٢)....

    وأورد "ابن سعد" صورة كتاب، ذكر أن الـــرسول كتبــه "لبني جناب" من كلب وأحـــلافهم ومـــن ظاهرهـــم.
    وقد بين فيه الأمـور التي يجب عليهم مـــراعاتها من حقوق وأحــكام, وأشهد عليـــه فيـــه :
    سعد بن عبادة، وعبد الله بن أنيس, و دحيـــة الكلبي (٣٣)

    > ولعـــذرة عـــدة بطـــون، منها :
    "بنو الجلحاء" ، و "بنو جلهمة" ، و "بنو زقزقة"، و "بنو ضنة"، و"بنو حردش"، و "بنو حنّ" ، و "بنو مدلج" (٣٤).

    ويظهر من أبيات للشاعر النابغة أن "النعمان بن حارث الغساني" لما همّ بغزو "بني حن" في موضعهم بـ"برقة صادر", نهاه عن ذلك، غير أنه لم ينتهِ، فأصيب غزوه بهزيمة (٣٥).
    و"حن" هم الذين قتلوا "الجلاس بن وهب بن قيس بن عبيد" من طيء، في الحجر, وكان الجلاس ممن اجتمعت عليه جديلة طيء (٣٦).

    و(تبوك) هي من جملة مواضع "بني عذرة" ، وهي موضع "Thapaua" الذي ذكره "بطلميوس" (٣٧)، ولا نعرف من أمرها قبل الإسلام شيئًا يذكر. وقد ذكرت في الفتوح، إذ وصل 【الرسول ﷺ】 إليها، وصالح أهلها على الجزية، مما يدل على أن سكانها كانوا من أهل الكتاب (٣٨).

    وكان غزو 【الرسول ﷺ】 لها سنة تسع للهجرة، إذ بلغه أن الروم قد جمعت جموعًا كثيرة بالشام، وأنهم قد جمعوا إليهم جمعًا من "لخم" و "جذام" و "عاملة" و "غسان" وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء، فأراد 【الرسول ﷺ】 مباغتتهم قبل أن يباغتوه، فلما وصل إليها وجد أن الروم بعيدون عنه فرجع (٣٩).

    ويذكر أهل الأخبار أن "بني عذرة" نصروا قصيا وساعدوه، لوجود صلة له بهم.
    ويظهر أنه قد كان عند القدامى من "بني عذرة" كتاب في أخبارهم كانوا يرجعون إليه إذا احتاجوا إلى الوقوف على خبر يخص هذه القبيلة, فقد ذكر "أبو عمرو بن حريث العذري"، أنه رجع إلى كتاب من كتب آبائه في أمر "وفد عذرة" الذي ذهب إلى 【الرسول ﷺ 】 (٤٠).

    وتقع ديار "غطفان" جنوب "طيء" وشمال "هوازن" و"خيبر", وإلى الغرب من بلي وديار سعد. وهم من القبائل الكبيرة التي يرجع النسابون نسبها إلى "سعد بن قيس بن مضر", فهي من القبائل المضرية في اصطلاح أهل الأنساب, وهم قبائل منهم :
    "ريث" و "بغيض" و "أشجع"
    > ومن بغيض : "ذبيان" ، وهو والد "عبس" ، وإنما أجداد قبائل كبيرة (٤١).
    وتقع ديار أشجع على مقربة من المدينة، وأما ديار "بغيض" فتقع عند شربة والربذة، وتجاورها "خصفة بن قيس عيلان"، وسليم الذين تقع ديارهم في جنوبهم.

    تابع الفصل العاشر 》》

    =======================
    (١) البلدان "3/ 276"، الاشتقاق "225"، المعارف "ص50".
    (٢) صفة "129".
    (٣) "وجذام قبيلة من اليمن تنزل بجبال حسمى، وراء وادي القرى. وهو لقب عمرو بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان، وهو أخو لخم وعاملة وعفير, ويقال: اسم جذام عوف وقيل: عامر, والأول أصح. وتزعم نساب مضر أنهم من معد بن عدنان"، "وإنما سمي جذام جذامًا؛ لأن أخاه لخمًا وكان اسمه مالكًا، اقتتل وإياه، فجذم أصبع عمرو فسمي جذاما، ولخم عمرو مالكًا فسمي لخمًا"، تاج العروس "8/ 323"، "جذم".
    (٤) طبقات ابن سعد "1/ 354 وما بعدها".
    (٥) ابن سعد، طبقات "1/ 281".
    (٦) نهاية الأرب "18/ 29".
    (٧) Ency., II, P. 689.
    (٨) Ency., II, P. 989.
    (٩) Sprenger, Geographie, s., 205, 333. 4
    (١٠) البكري "18، 22، 27"، الأغاني "16/ 161".
    (١١) Ency., Iv, p. 988.
    (١٢) البلدان "3/ 368"، وهم أبناء "صحار"، الاشتقاق "320", Ency., Iv, P. 988.
    (١٣) محمد بن حبيب، مختلف القبائل "ص37"، "طبعة وستنفلد", Ency., II, P. 289.
    (١٤) Ency., IV, P. 989, Wustenfeld, Genealo, I, 24.
    (١٥) ابن سعد، طبقات "1/ 331 وما بعدها".
    (١٦) ابن سعد، طبقات "1/ 284".
    (١٧) Ency., I, P. 1058.
    (١٨) Ency., I, P. 1058.
    (١٩) الطبري "3/ 32".
    (٢٠) الطبري "3/ 140"، "قدوم رفاعة بن زيد الجذامي".
    (٢١) نهاية الأرب "17/ 207".
    (٢٢) بلوغ الأرب "1/ 361 وما بعدها"، الاشتقاق "225".
    (٢٣) الطبري "3/ 108"، البلاذري، فتوح "71".
    (٢٤) ابن سعد، طبقات "1/ 289"، نهاية الأرب "17/ 357".
    (٢٥) ابن سعد، طبقات "1/ 278".
    (٢٦) ابن سعد، طبقات "1/ 29 وما بعدها".
    (٢٧) Ency., II, P. 688.
    (٢٨) الاشتقاق "ص314 وما بعدها".
    (٢٩) الاشتقاق "ص204", 1237. Ency., Iv, P.
    (٣٠) الاشتقاق "320".
    (٣١) الاشتقاق "320", Ency., Iv, P. 989.,
    (٣٢) ابن سعد, طبقات "1/ 334 وما بعدها".
    (٣٣) ابن سعد، طبقات "1/ 286".
    (٣٤) الاشتقاق "320", Ency., Iv, P. 989.
    (٣٥) الاشتقاق "320"، البلدان "2/ 143".
    (٣٦) البلدان "7/ 74"، "قرى".
    (٣٧) ptolemy, Geography, vI, 7, 27.
    (٣٨) البلدان "1/ 824", ابن هشام "902"، الطبري "1/ 1692"، غزوة تبوك، فتوح البلدان "59", شمال الحجاز, تأليف ألويس موسل, ترجمة: الدكتور عبد المحسن الحسيني, سنة 1952م، "ص140 وما بعدها".
    (٣٩) نهاية الأرب "17/ 352 وما بعدها".
    (٤٠) عن أبي عمرو بن حريث العذري قال: وجدت في كتاب آبائي، قالوا.....", ابن سعد، طبقات "1/ 331".
    (٤١) الاشتقاق "164 وما بعدها", ابن حزم, جمهرة "ص237 وما بعدها", Ency., II, P. 144.


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:25 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    【مجمل الحالة السياسية في جزيرة العرب عند ظهور الإسلام】

    الفصل الثامن :

    ويرجع أهل الأخبار تأريخ "بانقيا" إلى أيام "إبراهيم"، فهم يذكرون أنه كان ينزل بها, وأن اليهود كانوا يدفنون موتاهم بها, ويذكرون أنها أرض بالنجف دون الكوفة، وأن سكانها كانوا على النصرانية عند ظهور الإسلام, وأن الساسانيين كانوا هم الذين يدافعون عنها ويتولون أمر إدارتها، أما شئونها المحلية فكان أمرها بيد ساداتها ورؤسائها (١).

    وكانت عشائر "إياد" من العشائر التي نزحت إلى العراق قبل الإسلام بوقت طويل، نزل بعضهم بـ"عين أبَّاغ"، ونزل بعض منهم بسنداد. فأمروا هناك، وكثروا، واتخذوا بسنداد بيتًا ذا شرفات تعبدوا له, ثم انتشروا وغلبوا على ما يلي الحيرة، وصار لهم "الخورنق" و"السدير", فلهم "أقساس مالك", وهو مالك بن قيس بن زهر بن إياد، ولهم دير الأعور، ودير السواء، وديرة قرة، ودير الجماجم. وإنما سمي دير الجماجم لأنه كان بين إياد وبهراء القين حرب، فقتل فيها من إياد خلق، فلما انقضت الحرب، دفنوا قتلاهم عند الدير, فكان الناس بعد ذلك يحفرون فتظهر جماجم, فسمي دير الجماجم (٢).
    وقيل غير ذلك مما لا مجال لذكره في هذا الموضع.

    وكانت إياد تغير على السواد وتفسد، فجعل "سابور" ذو الأكتاب مسالح بالأنبار وعين التمر وغير هاتين الناحيتين؛ لحماية الحدود منهم. ثم إن إيادًا أغارت على السواد في ملك كسرى أنوشروان، فوجه إليهم جيوشًا كثيفة، فخرجوا هاربين, واتبعوا, فغرق منهم بشر، وأتى فُلُّهم "بني تغلب"، فأقاموا معهم على النصرانية، فأساءت "بنو تغلب" جوارهم, فصار قوم منهم إلى الحيرة، ودخل منهم في جند ملوك الحيرة، ولحق جُلّهم بغسان بالشام, فلما جاء الإسلام دخل بعضهم بلاد الروم، ودخل منهم قوم في خثعم وفي تنوخ وفي قبائل أخرى.
    ويقال : إن مواطن "إياد" قبل نزوحها إلى العراق كانت بالبحرين، واجتمعت عبد القيس والأزد على إياد، فأُخرجوا عن الدار, فأتت العراق (٣).

    وقد وصف "ابن قتيبة" إيادًا على هذا النحو :
    "وكانت إياد أكثر نــزار عددًا وأحسنهم وجــوهًا وأمدهـــم وأشدهم، وأمنعهم, وكانـــوا لقاحًا لا يؤدون خرجًا، وهـــم أول "معـــدي" خرج من تهامة, ونزلوا السواد وغلبـــوا على مـــا بين البحرين إلى سنداد والخورنق".
    فاصطدموا بالساسانيين؛ لأنهـم أغاروا على أمـــوال فأخذوها، فهزموهم إلى الجــزيرة, ووجه إليهم "كسرى" ستين ألفًا فكتب إليهم "لقيط" ينبههم. وانتصر عليهم كسرى، وانقسموا ثـلاث فــرق, فـــرقة لحقت بالشام, وفـــرقة أقامت بالجزيرة، وفـــرقة رجعت إلى السواد (٤).

    ولما سار "خالـــد" من "عين التمر" أتى "صندوداء" وبها قوم من كنــدة وإيــاد والعجـــم، وتركها واتجه نحو جمع من "تغلب" كانـــوا بـ"المضيح" و"الحصد" مـــرتدين, عليهـــم "ربيعة بن بجير", فأتاهم فقاتلوه فهزمهم.
    ثم أغار "خالد" على "قراقر"، وهو ماء "لكلب" ، ثم فوَّز منه إلى "سُوى" وهو ماء "لكلب" أيضًا، ومعهم فيه قوم من "بهـــراء" فقتل "حرقوص بن النعمان البهـــراني" من "قضاعـــة".
    وكان المسلمون لما انتهوا إلى "سوى" وجـــدوا "حرقوصًا" وجماعـــة معـــه يشربــون ويتغنـون فهجمـوا عليهـــم وقتلـــوا "حرقوصا", وخرج خالد من "سوى" إلى "الكـــوائل"، ثـــم أتى "قرقيسيا" وانحـــاز إلى البـــر، وأتى "أركـــة" "أرك"، فأغـــار على أهلهـــا، وفتحها، وسار منهـــا نحـــو"دومة الجنـــدل" (٥).
    وذكر "ابن سعد" أن 【الرسول ﷺ】كتب إلى "نفاثة بن فروة بن الدئلي ملك السماوة"(٦) ولم يشر إلى موضع ملكه من بادية السماوة ومقداره في البادية.

    وكانت "دومة الجندل" عند ظهور الإسلام في ملك "أكيدر بن عبد الملك الكندي السكوني"، والسكون من كندة، فهو كندي النسب أيضًا، وكان يتنقل في البادية فيصل إلى الحيرة وإلى أرض الغساسنة، ويقال : إنه ملك "دومة الحيرة"، ونزل بها قبل جلائه عن "دومة الجندل" أو بعده على رأي أهل الأخبار. وكان مثل أكثر رؤساء القبائل في العراق وفي البادية وبلاد الشام على النصرانية، وله عقود ومعاهدات مع القبائل العربية الشمالية الضاربة في البادية، تأتي إلى مقره في الموسم أيام افتتاح السوق لتمتار ولبيع ما تحمله من تجارات.

    وكان لأكيدر بن عبد الملك أخٌ اسمه "بشر بن عبد الملك", يذكر أهل الأخبار أنه ذهب إلى الحيرة, وتعلم بها الخط، ثم رجع إلى مكة فتزوج "الصهباء بنت حرب" أخت أبي سفيان (٧)

    وقد أرسل 【 الرسول ﷺ 】 خالد بن الوليد إلى دومة الجندل ليفتحها فسار خالد على رأس خيل إلى "دومة"، فلما بلغها وجد الأكيدر خارج حصنه يصطاد مع نفر من قومه فيهم أخ له يقال له : حسان، فهجم رجال خالد على الأكيدر وأسروه، وقتل حسان، وأخذ خالد قباء "أكيدر" وكان من ديباج مخوص بالذهب، وبعث به إلى الرسول ليقف عليه المسلمون، فلما رأوه عجبوا منه وجعلوا يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه، فقال 【رسول الله ﷺ 】 :
    "أتعجبون من هذا, فوالذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا" (٨).
    وقد زاد عجبهم حين وصل خالد ومعه أسيره "أكيدر"، فحقن له دمه وصالحه الرسول على الجزية، ثم خلى سبيله فرجع إلى قريته (٩).

    ويذكر الرواة أن الرسول استقبل خالدًا ومعه أسيره "الأكيدر" في المدينة، فعرض الرسول الإسلام على الأكيدر، فقبله وحقن الرسول دمه وكتب له كتابًا، وعاد إلى "دومة".
    فلما قبض 【 النبي ﷺ 】 منع الصدقة وارتدَّ إلى النصرانية ديانته الأولى, وخرج من دومة الجندل فلحق بالحيرة وابتنى بها بناء على مقربة من "عين التمر" سماه "دومة" أو "دومة الجندل" على اسم موضعه، وسكن هناك. ثم عاد إلى "دومة الجندل"، وتحصن بها، فأمر "أبو بكر" خالد بن الوليد بالتوجه إليها، فسار إليه وقتله. أما أخوه "حريث بن عبد الملك" فقد أسلم، وحقن دمه, وقد تزوج "يزيد بن معاوية" ابنة له (١٠)..

    وتذكر رواية أخرى أن "الأكيدر" بعد أن نقض الصلح وعاد إلى نصرانيته, أجلاه "عمر" من "دومة" فيمن أجلى من مخالفي الإسلام إلى الحيرة، فأقام في موضع قرب "عين التمر"، ابتناه فسماه "دومة" وقيل "دوماء" باسم حصنه (١١). وهي رواية لا تتفق مع المشهور بين أهل الأخبار من أن خالدًا قتل "الأكيدر" في السنة الثانية عشرة أو السنة الثالثة عشرة من الهجرة، وذلك في أيام "أبي بكر" بعد أن أمره الخليفة بالتوجه إليه، وهي رواية أقوى من الرواية المتقدمة في نظر المؤرخين.

    ويظهر أن أهل "دومة الجندل" كانوا قد سمعوا بخبر مسير "خالد" إليهم، فأرسلوا إلى حلفائهم وأحزابهم من بهراء وكلب وغسان وقبائل تنوخ والضجاعم ليساعدوهم في الوقوف أمامه. فأتاهم "وديعة" في "كلب" وبهراء وسانده "رومانس بن وبرة بن رومانس" الكلبي، وجاءهم "ابن الحدرجان" في الضجاعم، و"جبلة بن الأيهم" في طوائف من غسان وتنوخ، وكذلك "الجودي بن ربيعة الغساني"، وكان من المتزعمين في "دومة"، وقد احتمى أهل "دومة" بحصنهم وخلف أسوار المدينة، والتفت حول السور من الخارج نصارى العرب الذين جاءوا لمساعدة أهلها. وقد تمكن "خالد" يساعده "عياض" من التغلب على أهل المدينة وحلفائهم, وقتل رؤساءهم, ودخل المدينة منتصرًا فغنم جيشه غنائم كثيرة وقُتل من أهلها خلق كثير، وسبى ابنة "الجودي" وكان الأكيدر في جملة القتلى (١٢).

    وكان 【 الرسول ﷺ 】 قد غزا "دومة الجندل" بنفسه، وذلك في شهر ربيع الأول من السنة الخامسة من الهجرة، وبلغها ولم يلق كيدًا.
    كان سبب غزوه لها، أن 【رسول الله ﷺ】 أراد أن يدنو إلى أراضي الشام؛ لأن ذلك مما يفزع الروم، ثم إن أهل دومة الجندل كانوا يظلمون من يمر بهم وينزل عندهم، ومن يحل بسوقهم للبيع والشراء، وقد كان الناس يذهبون إليها ويعودون إلى المدينة، فقرر غزوها، فلما وصل الرسول كان أهلها قد فروا وتركوا قريتهم، فنزل بها
    ولم يجد أحدًا، فرجع عنها، وذلك قبل غزو خالد لها (١٣).

    وورد في سبب غزو 【الرسول ﷺ】 لها ، أن جمعًا من قضاعة ومن غسان تجمعوا، وهموا بغزو الحجاز, فسار في ألف انتخبهم، فلما انتهى إلى موضعهم ألفاهم قد تفرقوا أو هربو، ولم يلق كيدًا (١٤).

    وفي هذه الغزوة وادع 【رسول
    الله ﷺ 】 "عيينة بن حصن" على أن يرعى بـ"تغلمين" وما والاه إلى "المراض"(١٥).
    ويفهم من حديث بعض أهل الأخبار عن "دومة الجندل"، أنها كانت قرية عادية، إلا أن الدهر كان قد لعب بها، فخربت وقل عدد من كان بها، إلى أن نزل بها "أكيدر"، فأعاد إليها رواءها، وغرس الزيتون بها، فتوافد إليها الأعراب.
    ويذكر هؤلاء أن "أكيدر"، كان ينزل مع إخوته قبل مجيئه إلى "دومة" "دومة الحيرة"، ولما جاء يزور أخواله من "كلب" ونزل بخرائب "دومة الجندل" أعجبته فنزل بها، وأمر بإعادة بناء ما تهدم من حائطها وببعث الحياة بها حتى صارت قرية عامرة يقصدها الأعراب للبيع والشراء (١٦).
    وصار "أكيدر" يتردد بينها وبين "دومة الحيرة"(١٧).
    ويحمي "دومة" سور قديم، بُني قبل "أكيدر" في زمان لا يحيط علم أهل الأخبار به, يقولون : إنه بني من "الجندل"، وإنه هو الذي جعل الناس يسمون الموضع بـ"دومة الجندل"، ويذكرون أنه كان في داخل السور حصن منيع يقال له "مارد"، وهو حصن "أكيدر بن عبد الملك بن الحي بن أعيا بن الحارث بن معاوية بن خلادة بن أبامة بن سلمة بن شكامة بن شبيب بن السكون بن أشرس بن شور بن عفير، وهو من كندة"، فهو سكوني كندي (١٨).
    وحصن "مارد"، حصن شهير له ذكر بين أعراب الشمال بُني قبل أيام "أكيدر". قال عنه بعض أهل الأخبار: إنه حصن عادي، أي من الحصون الجاهلية القديمة. وقد رأينا فيما سلف أن "دومة" من المواضع المعروفة التي يعود عهدها إلى ما قبل الميلاد. وذكر أهل الأخبار، أن سكانها كانوا أصحاب نخل وزرع، ويسقون على النواضح، وحولها عيون قليلة وزرعهم الشعير، وأنها "دوماء الجندل" أيضًا (١٩).

    وكان أكثر سكان "دومة الجندل" من "بني كنانة" من "كلب", ويعدها بعض أهل الأخبار من "القريات" ويقصدون بمصطلح "القريات": دومة وسكاكة وذو القارة (٢٠).
    وتحيط بدومة مستوطنات وقرى تحتمي بسلطان حاكم "دومة", وكان "أكيدر" يلقب نفسه بلقب "ملك" على عادة ذلك الوقت في تلقيب سادات المواضع أنفسهم بهذا اللقب، وإن كان لا يعني في الواقع أكثر مما يعنيه مصطلح "شيخ" في الوقت الحاضر.

    وكان أهل "دومة" على النصرانية، شأنهم في ذلك شأن أكثر أهل القرى في العراق وفي بادية الشام وبلاد الشام. وكان أهل "أكيدر" على هذه الديانة أيضًا، إذ ورد أن 【الرسولﷺ】 أرسل "عبد الرحمن بن عوف" على رأس جيش إلى دومة، فذهب إليها ودخلها، وأسلم "الأصبغ"، وتزوج عبد الرحمن ابنته "تماضر"، إذ كان الرسول قد كتب إليه أن يتزوج ابنة ملكها، أي ملك "دومة" وهو "الأصبغ"(٢١). فيظهر من هذا الخبر، أن "الأصبغ" كان يلقب نفسه بلقب "ملك أيضًا, وأنه كان يحكم "دومة" في أيام الرسول، في نفس الوقت الذي كان فيه "الأكيدر" يحكم "دومة"، ويلقب نفسه بلقب "ملك".

    وذكر بعض الإخباريين أن أهل دومة الجندل كانوا من عُباد الكوفة (٢٢), ويقصدون بذلك أنهم نصارى، فقد كانت عادتهم إطلاق لفظة "عباد" على النصارى العرب، عرب الحيرة بصورة خاصة. وقصدوا بالكوفة, الحيرة؛ لأن الكوفة لم تكن موجودة في الجاهلية، إذ بنيت في أيام الخليفة "عمر".

    ويظهر من أهل الأخبار أن "أكيدر السكوني" لم يتمكن من تثبيت ملكه على "دومة الجندل" بصورة دائمة، إذ كان ينافسه زعماء كلب الأقوياء.

    فقد ذكر "محمد بن حبيب" أن ملكها كان بين "أكيدر العبادي ثم السكوني وبين قنافة الكلبي، فكان العباديون إذا غلبوا عليه وليها أكيدر، وإذا غلب الغسانيون ولوها قنافة. وكانت غلبتهم أن الملكين كانا يتحاجيان فأيما ملك غلب صاحبه بإخراج ما يلقى عليه، تركه والسوق فصنع فيها ما شاء. ولم يبع بها أحد شيئًا إلا بإذنه حتى يبيع الملك كل ما أراد بيعه مع ما يصل إليه من عشورها"(٢٣).
    ويؤيد هذا الخبر ما ذكرته من وجود ملك آخر على دومة، هو "الأصبغ" الكلبي المتقدم الذكر.
    وهناك خبر آخر يفيد أن "الجودي بن ربيعة"، كان مثل "الأكيدر" رئيسًا على "دومة", وأن الاثنين كانا رئيسين عليها (٢٤).
    وورد أنه كان من غسان وأن اسمه "عدي بن عمرو بن أبي عمرو الغساني", وأن "عبد الرحمن بن أبي بكر"، "كان يختلف إلى الشام في تجارة قريش في الجاهلية، فرأى هناك امرأة يقال لها: ابنة الجودي من غسان، فكان يهذي بها، ويذكرها كثيرًا في شعره"، "وأصيبت حين غزو الروم ليلى بنة الجودي، فبعثوا بها إلى عبد الرحمن بن أبي بكر لذكره إياها"(٢٥). فهو إذن على هذه الرواية من غسان.
    ويظهر من غربلة روايات الإخباريين أن هنالك موضعًا آخر عرف بـ"دومة" و"دوماء", يقع في العراق على مقربة من "عين التمر". ذكر الإخباريون أن اسمه "دومة" و"دوما" و"دومة الجندل"، ونسبوا كما ذكرت قبل قليل بناءه إلى "الأكيدر".
    وهو موضع لا نعرف من أمر تأريخه شيئًا يذكر.

    وذكر أن "حارثة بن قطن"، و"حمل بن سعدانة بن حارثة بن مغفل"، وهما من "كلب" قدما إلى رسول الله وأسلما، فكتب رسول الله لحارثة كتابًا "لأهل دومة الجندل وما يليها من طوائف كلب مع حارثة بن قطن"، ثم بين ما على المذكورين من حقوق وواجبات، وما عليهم من أحكام فرضها الإسلام على المسلمين (٢٦).

    وترك "خالد" "دومة الجندل"، ثم أتى "قصم"، فصالحه "بنو مشجعة بن التيم بن النمر بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة"، وكتب لهم أمانًا، ثم أتى "تدمر"، فأمنهم، ثم أتى "القريتين"، ثم "حوارين" من "سنير"، ثم أتى "مرج راهط"، فأغار على "غسان" (٢٧).
    وكان "حاضر" "قنسرين" لتنوخ، من أول ما تنخوا بالشام، نزلوه وهم في خيم الشعر. ثم ابتنوا به المنازل، فدعاهم "أبو عبيدة" إلى الإسلام، فأسلم بعضهم وأقام على النصرانية "بنو سليح".
    وكان بهذا الحاضر قوم من "طيء" نزلوه بعد حرب الفساد التي كانت بينهم حين نزلوا الجبلين، فلما ورد "أبو عبيدة" عليهم أسلم بعضهم وصالح كثير منهم على الجزية، ثم أسلموا بعد ذلك (٢٨).
    وقضاعة قبائل عديدة، منها "بنو جرم بن ربان" و"بنو سليح" و"تزيد" ابنا "عمران بن إلحاف بن قضاعة" و"كلب بن وبرة"، وهو قبيل عظيم, منهم "الأسبع".

    > ومن قبائل قضاعة :
    "عذرة بن زيد اللآت" و"العبيد بن زيد اللآت", و"بنو كنانة"، و"بنو جناب بن هبل"، و"بنو عليم بن جناب"، و"بنو مصاد"، و"بنو حصن"، و"بنو معقل".

    > ومن "بني جناب" :
    "بحدل بن أتيف"، "يزيد بن معاوية" لأمه، ومن رجالهم "ابن الجلاح"، وكان قائدًا للحارث بن أبي شمر الجفني, واسمه "النعمان". وهو الذي أغار على "بني فزارة" و"بني ذبيان"، فاستباحهم وسبى "عقرب" بنت النابغة، ومن عليها، فمدحه "النابغة"(٢٩).

    وقد انتشرت بطون "كلب" في أرضين واسعة، شملت دومة الجندل وبادية السماوة والأقسام الشرقية من بلاد الشام.
    ولما أُخرج الروم عن ديار الشام، لعبت بطون كلب دورًا بارزًا في السياسة، إذ أيدت الأمويين، وتزوج "معاوية" "ميسون" أم "يزيد" وهي كلبية، فصارت كلب في جانب الأمويين.

    > ومن قبائل "قضاعة" :
    "بنو عامر الأجدار", ومن رجال "بني وبرة" غير كلب، "بنو القيس بن جسر"، و"بنو مصاد بن مذعور"، و"بنو زهير بن عمرو بن فهم". ومن قبائل "جرم بن ربان": "بنو أعجب" و"بنو طرود" و"بنو شميس".

    > ومن بطون "جرم":
    "بنو خشين"، ومن رجالهم "رأس الحجر"، وقد رأس في الجاهلية وأخذ المرباع. ومن رجال "جرم"، "عصام بن شهبر"، حاجب النعمان، وكان النعمان إذا أراد أن يبعث بألف فارس بعث بعصام (٣٠).
    وقد ذهب وفد من "جرم" إلى المدينة، فيه "الأصقع بن شريح بن صريم" و"هوذة بن عمرو"، فأسلما، وكتب الرسول لهما كتابًا (٣١) , وذهب وفد آخر، أخبر 【الرسول ﷺ】 بإسلام حواء من جرم، كان عليه "سلمة بن قيس الجرمي"، ومعه ابنه "أبو زيد عمرو بن سلمة بن قيس الجرمي" (٣٢).
    وقد ساعد الغساسنة الروم في حروبهم مع المسلمين، وكان على رأسهم "جبلة بن الأيهم الغساني"، الذي حارب مع مقدمة جيش الروم في مستعربة الشام من غسان ولخم وجذام وغيرهم يوم اليرموك، ثم انحاز "جبلة" إلى المسلمين، وأظهر الإسلام, ثم عاد ففر إلى بلاد الروم, واستقر بها, وبها مات (٣٣).
    وقد استمر "المستعربة" يناصرون الروم، فلما تراجع قوادهم نحو الشمال لضغط المسلمين عليهم، التحق بهم هؤلاء "المستعربة" من غسان وتنوخ وإياد، وقد التحموا بالمسلمين في "درب بغراس" (٣٤).

    ويذكر الإخباريون أن "دمشق" كانت منازل ملوك غسان، وبها آثار لآل جفنة. والظاهر، أنهم كانوا قد اشتروا وابتنوا بها قصورًا عاشوا فيها، ومنها كانوا يتصلون بكبار الموظفين الحاكمين البيزنطيين، فإذا أرادوا الاتصال بقومهم الغساسنة عادوا إلى قصورهم بين قومهم.
    وكانت الغوطة : غوطة دمشق من المناطق التي سكن بها الغساسنة (٣٥).
    ويظهر من رواية يرجع سندها إلى "محمد بن بكير الغساني" عن قومه "غسان" أن الغساسنة لم يقبلوا على الإسلام إقبال غيرهم من العرب، وأنهم لم يسلموا إلا بعد فتوح الشام.
    ولما ذهب ثلاثة نفر منهم إلى المدينة، وأسلموا وبايعوا الرسول، لم يستجب قومهم لهم في دعوتهم إلى الإسلام، فكتموا أمرهم عنهم، خوفًا من بطش قومهم بهم (٣٦).

    وورد في أخبار الرسل الذين أرسلهم 【 الرسول ﷺ 】 إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام, أن الرسول أرسل "شجاع بن وهب" إلى "الحارث بن أبي شمر الغساني" من غسان، وكان يقيم إذ ذاك بغوطة دمشق في قصر منيف، ليدعوه إلى الإسلام، فلما دفع "شجاع" كتاب رسول الله إلى "الحارث" رمى به، ولم يدخل في الإسلام وبقي على النصرانية حتى توفي عام الفتح (٣٧).
    وكان "جبلة" مع الروم يوم "اليرموك" ومعه "المستعربة" من غسان وقضاعة وذلك سنة "15" للهجرة، وكان قد انضم إلى المسلمين بعض لخم وجذام، فلما وجدوا جدّ القتال فروا ونجوا إلى ما كان قربهم من القرى وخذلوا المسلمين (٣٨).

    وقد كان "جبلة بن الأيهم" على رأس "العرب المتنصرة" يحارب مع الروم، لمنع المسلمين من التقدم نحو "قنسرين"، ويذكر أهل الأخبار أن محاورات جرت بينه وبين المسلمين في موضوع اشتراكه مع الروم, ومنها محاورات مع "خالد بن الوليد" صاغوها بأسلوب قصصي منمق، وذكروا أنه كان جالسًا "على كرسي من ذهب أحمر وعليه ثياب الديباج الرومي وعلى رأسه شبكة من اللؤلؤ وفي عنقه صليب من الياقوت" (٣٩). وكان ذلك بعد ارتداده عن الإسلام(٤٠) فلما غلب الروم، "كان جبلة أول من انهزم والعرب المتنصرة أثره" (٤١).

    ومن الغساسنة "شرحبيل بن عمرو الغساني"، الذي قتل رسولَ 【رسولِ الله ﷺ】 "الحارث بن عمير الأزدي", الذي كان 【الرسول ﷺ 】قد بعثه إلى ملك "بصرى". فلما نزل "مؤتة" قتله "شرحبيل", فأمر 【 رسول الله ﷺ 】 بإرسال حملة إليه سنة ثمانٍ للهجرة, جعل أميرها "زيد بن حارثة"، ولما سمع بها "شرحبيل" جمع جمعًا من قومه وتقدم نحوهم، وكانوا قد نزلوا "معان".
    وبلغ المسلمين أن "هرقل" كان قد نزل "مآب" من أرض البلقاء في جمع من بهراء ووائل وبكر ولخم وجذام والقين، عليهم "مالك بن رافلة" الإراشي من "بلي"، فانحازوا إلى "مشارف"، ولما دنا العدو انحازوا إلى "مؤتة"، وقتل فيها "جعفر بن أبي طالب"، و"عبد الله بن رواحة", و"ثابت بن رواحة", و"ثابت بن أرقم"، ثم "زيد بن حارثة"، ثم تراجعوا إلى المدينة, وقتل من العرب الذين كانوا مع الروم "مالك بن رافلة""زافلة"(٤٢).

    واعتزل بعض "حَدَس" وهم "بنو غنم" الحرب، لإشارة كاهنتهم عليهم بذلك، فأخذوا بقولها، فاعتزلوا عن "بني لخم" وصلم الحرب بعض منهم، وهم "بنو ثعلبة" (٤٣).
    وكان بقرب "حلب" حاضر، عرف بـ"حاضر حلب"، جمع أصنافًا من العرب من تنوخ، فصالحهم "أبو عبيدة" على الجزية (٤٤).

    ويرجع هذا
    الحاضر إلى أيام الجاهلية، فقد كان العرب قد توغلوا إلى هذه الديار قبل ظهور الإسلام، وأقاموا في الحواضر بظواهر المدن يتعيشون من اتصالهم بأهل تلك المدن.

    ولم تكن الرابطة الدينية التي ربطت بين أكثر عرب بلاد الشام والبيزنطيين، هي العامل الوحيد الذي جعل أولئك العرب ينضمون إلى صفوف الروم في الدفاع عنهم وفي مقاومة جيوش المسلمين، بل كانت هنالك عوامل أخرى، مثل المنافع المادية التي كان يجنيها سادات الأعرب من البيزنطيين، حيث كانوا ينالون هدايا ورواتب منهم في مقابل حماية الحدود والمحافظة عليها من غارات الأعراب، وفي مقابل الغارات التي كان البيزنطيون يكلفونهم بها لغزو حدود العراق؛ لإزعاج أعدائهم الفرس وقت الحاجة والضرورة، ومثل التسهيلات التي كانوا ينالونها من البيزنطيين في الاتجار مع مدن الشام وفي معاملات البيع والشراء والرواتب السخية التي تدفع للأعراب إذا خدموا في صفوف العساكر المتطوعة، وهي رواتب سخية إذا قِيسَتْ بالنسبة لحالة أهل البادية المنخفضة من الناحية المادية كثيرًا بالنسبة إلى حالة سكان بلاد الشام.
    وكان "الحيار": "حيار بني القعقاع" بلدًا معروفًا قبل الإسلام، وبه كان مقيل "المنذر بن ماء السماء" اللخمي، ملك الحيرة, فنزله "بنو القعقاع" من "عبس بن بغيض" (٤٥).

    وكانت البلقاء في أيدي قبائل من العرب مثل لخم وجذام وبلقين وبهراء وبلي، وهي قبائل يطلق عليها المؤرخون اسم "المستعربة" (٤٦). وكانوا على النصرانية في الغالب؛ لذلك كان هواهم إلى جانب الروم, فكانوا معهم في غزوة "مؤتة" يقاتلون مع "هرقل" ضد المسلمين وعليهم "مالك بن رافلة"، وهو من "بلي" ثم أحد إراشة. وكان المسلمون إذ ذاك في "معان"، وهي من أعمال البلقاء يستعدون للروم (٤٧), وكان صاحب هذه المدينة في أيام الرسول رجلًا من "جذام"، هو "فروة بن عمرو الجذامي"، وكان عاملًا للروم على من
    يليهم من العرب، ومنزله بمعان. فلما أرسل فروة رسولًا عنه إلى 【الرسول ﷺ 】 يبلغه بإسلامه، قبض الروم عليه وحبسوه، ثم ضربوا عنقه وصلبوه (٤٨).
    ومن "لخم" "بنو الدار بن هانئ". وقد قدم وفد منهم على 【رسول الله ﷺ】 منصرفه من "تبوك"، فيه :
    "تميم بن أوس بن خارجة الداري"، و"نعيم بن أوس بن خارجة", و"يزيد بن قيس بن خارجة", و"الفاكه بن النعمان بن جبلة بن صفارة"، و"جبلة بن مالك بن صفارة"، و "أبو هند" و"الطيب" ابنا "ذر", وهو "عبد الله بن رزين بن عِمّيت بن ربيعة دراع"، و"هانئ بن حبيب", و"عزيز" و"مرة" ابنا "مالك بن سواد بن جذيمة"، فأسلموا، وأهدى "هانئ بن حبيب" لرسول الله راوية خمر وأفراسًا وقباء مخوصًا بالذهب، فقبل الأفراس والقباء. وقال تميم: لنا جيرة من الروم لهم قريتان, يقال لإحداهما "حِِبرى" والأخرى "بيت عينون"، فإن فتح الله عليك الشام فهبهما لي، فوهبهما رسول الله له.
    فلما توفي 【الرسول ﷺ】وقام أبو بكر أعطاه ذلك وكتب له كتابًا (٤٩).

    ولما أمر 【الرسول ﷺ】"أسامة بن زيد بن حارثة" أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين، تجهز معه المهاجرون الأولون، ولكن وفاة الرسول لم تمكنه من السفر، فكان أول ما فعله خليفته "أبو بكر" أن أمره بتنفيذ ما أمره به رسول الله (٥٠). ولكنه لم يتقدم كثيرًا, بل بلغ الموضع الذي قُتِلَ أبوه زيد بن حارثة فيه، وهو من أرض الشام فرجع؛ لأن الرسول أمره في حياته بالمسير إليه (٥١).
    و"الداروم" قلعة بعد غزة للقاصد إلى مصر, يجاورها عربان بني ثعلبة بن سلامان بن ثعل من بني طيء، وهم درماء وزريق (٥٢).

    تابع الفصل التاسع 》》》

    =======================
    (١) البلدان "1/ 331" "طبعة بيروت"، البكري، معجم "1/ 221"، "طبعة السقا", اليعقوبي "1/ 131"، مراصد الاطلاع "1/ 123".
    (٢) البلاذري، أنساب "1/ 26".
    (٣) البلاذري، أنساب "1/ 29".
    (٤) الشعر والشعراء "97 وما بعدها".
    (٥) البلاذري، فتوح "119", الواقدي، فتوح الشام "1/ 30".
    (٦) ابن سعد، طبقات "1/ 284".
    (٧) جمهرة "ص403 وما بعدها"، ابن خلدون "2/ 257".
    (٨) الطبري "3/ 108 وما بعدها"، "طبعة دار المعارف"، ابن هشام "2/ 319", البلاذري, فتوح "72 وما بعدها".
    (٩) الطبري "3/ 108", البكري، معجم "2/ 564 وما بعدها"، فتوح البلدان "223", الكامل "2/ 192" "المنيرية", تاج العروس "3/ 518" "كدر".
    (١٠) فتوح البلدان "223", البلدان "2/ 625 وما بعدها"، البلاذري، فتوح "73", تأريخ خليفة بن خياط "1/ 56", "تحقيق أكرم ضياء العمري".
    (١١) البلدان "2/ 625 وما بعدها".
    (١٢) الطبري "2/ 578 وما بعدها"، "القاهرة 1939م", الكامل "2/ 270", الطبري "3/ 378، 385" "دار المعارف", البلاذري، فتوح "74".
    (١٣) الطبري "2/ 564" "دار المعارف", ابن عساكر، التأريخ الكبير "1/ 17"، ابن خلدون, القسم الأول من المجلد الثاني "ص773"، ابن هشام "2/ 668" "الطبعة الأوروبية"، شرح المواهب "3/ 360"، الكامل "2/ 270 وما بعدها".
    (١٤) البلاذري، أنساب "1/ 341".
    (١٥) نهاية الأرب "17/ 163", "غزوة دومة الجندل".
    (١٦) البلاذري, فتوح "ص223" "بيروت 1957م".
    (١٧) البلدان "2/ 625 وما بعدها" "طهران 1965م"، "4/ 106" "طبعة 1906".
    (١٨) البلدان "2/ 625 وما بعدها" "طبعة طهران 1965م".
    (١٩) التأريخ الكبير، لابن عساكر "1/ 89 وما بعدها"، "مطبعة روضة الشام", تاج العروس "8/ 297", "دوم".
    (٢٠) البلدان "2/ 625 وما بعدها"، "طهران 1965م", مراصد الاطلاع "2/ 542 وما بعدها".
    (٢١) التأريخ الكبير، لابن عساكر "1/ 89 وما بعدها"، البكري، معجم "2/ 564 وما بعدها", المحبر "ص120".
    (٢٢) البلاذري، فتوح "74".
    (٢٣) المحبر "ص263 وما بعدها", الأزمنة والأمكنة "2/ 161 وما بعدها".
    (٢٤) الكامل "2/ 270 وما بعدها".
    (٢٥) نسب قريش "276".
    (٢٦) نهاية الأرب "18/ 93 وما بعدها".
    (٢٧) البلاذري، فتوح "118 وما بعدها"، الطبري "3/ 417"، تأريخ خليفة "1/ 87".
    (٢٨) البلاذري، فتوح "151".
    (٢٩) الاشتقاق "313 وما بعدها".
    (٣٠) "عصام بن شهبر الجرمي، حاجب النعمان بن المنذر ملك العرب، ومنه قولهم: ما وراءك يا عصام؟ يعنون به إياه"، تاج العروس "8/ 399"، "عصم".
    (٣١) ابن سعد، طبقات "1/ 335"، "الأسقع"، نهاية الأرب "18/ 94 وما بعدها".
    (٣٢) ابن سعد، طبقات "1/ 336 وما بعدها".
    (٣٣) البلاذري، فتوح "140 وما بعدها", البلاذري، فتوح "169".
    (٣٤) البلاذري، فتوح "169".
    (٣٥) ابن رستة، الأعلاق "326".
    (٣٦) ابن سعد، طبقات "1/ 338 وما بعدها".
    (٣٧) ابن سعد، طبقات "1/ 261", نهاية الأرب "18/ 165".
    (٣٨) الطبري "3/ 570 وما بعدها".
    (٣٩) الواقدي، فتوح الشام "1/ 106"، و"ذكر فتح قنسرين".
    (٤٠) الواقدي "1/ 110".
    (٤١) الواقدي "1/ 114".
    (٤٢) نهاية الأرب "17/ 277"، "سرية مؤتة".
    (٤٣) الطبري "3/ 41"، ذكر الخبر عن غزوة مؤتة.
    (٤٤) البلاذري، فتوح "151".
    (٤٥) البلاذري، فتوح "151 وما بعدها".
    (٤٦) الطبري "3/ 37" "دار المعارف".
    (٤٧) ابن الأثير "2/ 97", الطبري "3/ 108"، "غزوة مؤتة"، البلدان "8/ 93" "معان".
    (٤٨) ابن الأثير "2/ 124"، البكري "4/ 1242" "معان"، ابن سعد، طبقات "1/ 261 وما بعدها".
    (٤٩) ابن سعد، طبقات "1/ 343 وما بعدها".
    (٥٠) الطبري "3/ 184 وما بعدها"، "ثم دخلت سنة إحدى عشرة".
    (٥١) الطبري "3/ 241"، نهاية الأرب "17/ 370".
    (٥٢) تاج العروس "8/ 288"، "درم".


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:26 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    【مجمل الحالة السياسية في جزيرة العرب عند ظهور الإسلام】

    الفصل السابع :

    ومن رجال اليمامة "محكم بن الطفيل بن سبيع" الذي يقال له "محكم اليمامة"، وقد ارتد وقتل مع من قتل من المرتدين (١).

    > ومن قبائل اليمامة :
    بنو باهلة بن أعصر، وبنو نمير, وأحياء من تميم. واستقرت بطون من بكر وعنزة وضبيعة في القسم الشرقي من اليمامة حتى البحرين، واتصلت منازل بطون منها بالعراق (٢), كما كان بها "بنو هزان" وهم من قطنة اليمامة القدامى, إذ نجد أهل الأخبار يرجعون تأريخهم بها إلى أيام طسم، أي : إلى أيام العرب العاربة أو العرب البائدة الأول.
    والظاهر أن أهل الأخبار قد حاروا في أمر "هزان", فجعلوهم من العرب البائدة ودعاهم الهمداني بـ"هزان الأولى" (٣), وجعلوهم من اليمن ونسبوهم إلى "قحطان" وجعلوهم من "معد", وهم الذين بقوا في يارهم اليمامة إلى الإسلام وفي الإسلام (٤).

    ويظهر من روايات أهل الأخبار، أنهم قصدوا قبائل مختلفة لا قبيلة واحدة هي "هزان" التي ظلت باقية ولها بقية في اليمامة حتى اليوم. ولكننا نستبعد كون القبائل الثلاث قبيلة واحدة في الأصل, بدليل أن أهل الأخبار يذكرون أن هزان اليمانية الأصل كانت تقيم في اليمامة, وأن هزان "معد" هم من أهل اليمامة أيضا، أي : إن مواطن القبيلتين واحدة، بل إن منهم من يرجع مواطن هزان الأولى إلى اليمامة كذلك، وهذا ما يحملنا على القول : إن الهزانيين كلهم من قبيلة واحدة، بقيت فروعها في مواطنها القديمة اليمامة حتى اليوم، ولا قيمة لما يرويه أهل الأنساب من سرد نسب كل قبيلة من القبائل الثلاث إلى العرب البائدة أو إلى العرب العاربة أو إلى العرب المستعربة.

    والظاهر أن "بني حنيفة" ضغطوا على الهزانيين، فاغتصبوا معظم أرضهم باليمامة، فقل بذلك شأنهم، وصاروا دون "بني حنيفة" في القوة. ومن "بني هزان" تزوج الأعشى، ثم أكرهوه على تطليقها، فطلقها حين ضربوه، وأصروا عليه بلزوم تخليه عنها ففعل، فقال في ذلك شعرًا، رواه الرواة.

    ومنهم نفر أسروا "الحارث بن ظالم المري"، ولم يكونوا يعرفونه، وظنوه صعلوكًا، ثم باعوه إلى نفر من القيسيين بزق خمر وشاة، وقيل : من بني سعد. ومنهم كان قاتل حيان بن عتبة بن جعفر بن كلاب، وهو المعروف بصاحب الرداع (٥).

    ومن مواطن "هزان" العلاة، وهو جبل من جبال اليمامـــة، وبــــرك, ونعــــام، وشهــــوان، ومــــاوان، والمجــــازة.

    ويلاحظ أن أخلاطًا من قبائل أخــــرى جاورت "بني هزان" وسكنت معهــــم, منهم :
    "بنو جرم" و"بنو جشم" و"الحارث بن لـــؤي بن غالب بن فهر" من قــــريش، و"ربيعة" وهم من اليمن (٦).

    وأما منازل طيء عنــــد ظهور الإسلام فجبلَا طئ : أجأ وسلمى، غير أن هناك بطونًا من "طيء" كــانت قــد انتشرت في أماكن أخــــرى، فنزلت في العراق وفي بلاد الشام وفي أماكن أخرى في جــــزيرة العــــرب.

    و"طيء" من القبائل التي كان لها شأن كبير قبـــل الإسلام, ولعلها كــــانت من أشهرها وأعــرفها قبيل الميــــلاد وفي القرون الأولى للميلاد، بدليل إطــــلاق السريان كلمة "طيايا" على كل العرب، من أي قبيلة كانوا, أي : إنها استعملت عندهم بمعنى "عرب"، وأصلها من اسم القبيلة التي نتحـــدث عنها وهي قبيلة "طيء".

    ولم تكن طيء متصافية فيما بينها متحابة، فوقعت بين عشائرها حروب، حتى تداخل "الحارث بن جبلة" الغساني فيما بينها, فأصلح حالها، فلما هلك عادت إلى حربها، فالتقت جديلة وغوث بموضع تحاربتا فيه، قتل فيه قائد بني جديلة، وهو أسبع بن عمرو بن لأم، وأخذ رجل من سنبس أذنيه فخصف بهما نعليه، فعظم ما صنعت الغوث على أوس بن خالد بن لأم، وعزم على لقاء الغوث بنفسه، وحلف ألا يرجع عن طيء حتى ينزل معها جبليها أجأ وسلمى، وتجبى له أهلها، وكان لم يشهد الحروب المتقدمة، لا هو ولا أحد من رؤساء طيء، كحاتم، وزيد الخيل، وغيرهما من الرؤساء. فلما أقبلت جديلة وعلى رأسها أوس بن حارثة بن لأم، وبلغ الغوث جمع أوس لها، أوقدت نارًا على ذروة أجأ، وذلك في أول يوم توقد فيه النار، فأقبلت قبائل الغوث، كل قبيلة وعليها رئيسها، ومنهم زيد الخيل، وحاتم، وتلاحمت بجديلة في يوم اليحاميم ويعرف أيضًا بقارات حوق، الذي انتهى بهزيمة منكرة حلت بجديلة, فلم تبق لها بقية للحرب، فدخلت بلاد كلب، وحالفتهم وأقامت معهم (٧).

    وكان سيد طيء في أيام الرسول "زيد الخيل بن مهلهل الطائي" (٨), وهو ممن قدم على الرسول في وفد طيء, وقد قطع له الرسول فيدًا وأرضين معه، وكتب له بذلك، ولكنه توفي في موضع يقال له "فردة" من بلاد نجد من حمى علقت به أثناء إقامته بيثرب، فلما يبلغ مكانه (٩).
    وقد مدحه 【الرسول ﷺ】 وأثنى عليه (١٠), و"زيد الخيل" الذي سماه الرسول "زيد الخير" هو من "بني نبهان" من "طيء".
    وكان في الوفد رجال آخرون منهم :
    "وزر بن جابر بن سدوس" من "بني نبهان"، و"قبيصة بن الأسود بن عامر" من "جرم طيء"، و"مالك بن عبد الله بن خيبري"، من "بني معن"، و"قُعين بن خليف بن جديلة"(١١).

    ومن "طيء" الرجل الذي ضرب بجوده المثل، والذي لا زال الناس يذكرون اسمه على أنه المثل الأعلى في الكرم، وهو "حاتم الطائي", مقري الضيوف ومغيث الفقراء. فمدحه لجوده الشعراء: عبيد بن الأبرص والنابغة الذبياني وبشر بن أبي حازم وغيرهم, وكان مضربه ملجأ للمحتاجين ولمن يسلك الطريق يريد "الحيرة".
    ونظرًا لجوده وكرمه هابته العرب وصارت له دالة ومكانة عند ملوك الحيرة وعند آل غسان (١٢).
    وذكر أنه "إذا أسر أطلق، ومر في سفره على عنزة وفيهم أسير، فاستغاث به الأسير ولم يحضره فكاكه, فاشتراه من العنزيين، وأقام مكانه في القدّ حتى أُدي فداؤه (١٣).

    وقد توفي "حاتم الطائي" قبل الإسلام، وانتقلت رئاسة طيء منه إلى ابنه "عدي بن حاتم طيء"، وكان نصرانيا يسير في قومه بالمرباع، وكان بمثابة الملك فيهم، فلما جاءت خيل الرسول سنة تسع بلاد طيء، قرر اللحوق بأهل دينه من النصارى بالشام، ثم ترك الشام ولحق بالمدينة فأسلم وأكرمه 【الرسول ﷺ】 (١٤) , وعينه الرسول على صدقة طيء وأسد (١٥).

    وذكر أن "عمرو بن المسبح بن كعب بن عمرو بن عصر بن غنم", الذي كان أرمى العرب، وهو الذي ذكره "امرؤ القيس" في شعره وأشار إليه، هو من "طيء"، كان قد أدرك الرسول، ووفد عليه (١٦).

    وقد وقع بين طيء نزاع أدى إلى وقوع حروب وأيام بينها، ومن بينها يوم عرف بـ"يوم اليحاميم".
    وقد كان "الحارث بن جبلة الغساني" قد أصلح بين قبائلها، فلما هلك عادت إلى حروبها، فالتقت جديلة والغوث، فقتل "أسبع بن عمرو بن لأم"، وهو من جديلة وقائدها، قُتل في موضع يقال له "غرثان"، وأخذ رجل من "سنبس" أذنيه فخصف بهما نعليه، فغضبت "بنو جديلة"، وأقسم "أوس بن خالد بن لأم" على الانتقام من "الغوث" ومنهم "بنو سنبس", وأخذ في حشد قومه "جديلة"، وبلغ الغوث ذلك، فأوقدت النار على "أجأ"، فأقبلت قبائل الغوث، وعلى رأسها ساداتها ومنهم "زيد الخيل" و"حاتم الطائي"، ووقع القتال بين جديلة والغوث في موضع يقال له "قارات حوق"، فانهزمت جديلة، وقتل فيها أبرح القتل، حتى لم تبق لها بقية للحرب، فدخلت بلاد كلب وحالفوا كلبًا وأقاموا معهم, وعرف هذا اليوم بـ"يوم اليحاميم" (١٧).
    وكتب 【الرسول ﷺ】 كتبًا إلى جماعة من "طيء", منهم "بنو معاوية بن جرول"،
    و"عامر بن الأسود بن عامر بن جوين الطائي"، وجماعة من "بني جوين"، و"لبني معن" الطائيين.(١٨).

    وتقع إلى الشرق من ديار "طيء" منازل "أسد" وإلى الشمال من ديار أسد منازل "بكر", وأما إلى الجنوب من منازل "أسد" فديار "هوازن"، و"غطفان"، وتتاخم ديار أسد من الشرق قبائل "عبد القيس" و"تميم".
    ولما أخذت الوفود تترى على المدينة لمبايعة الرسول والدخول في الإسلام، كان وفد "أسد" في جملة الوفود التي بايعت الرسول ودخلت في الإسلام، وذلك سنة تسع للهجرة.
    وكان فيه "حضرمي بن عامر" و"ضرار بن الأزور" و"وابصة بن معبد" و"قتادة بن القايف"، و"سلمة بن حبيش" و"طلحة بن خويلد" و"نقادة بن عبد الله بن خلف"، ومعهم قوم من "بني الزنية"، وهم من "مالك بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد".(١٩)

    وكتب 【رسول الله ﷺ】 كتابًا إلى "بني أسد" كتبه له "خالد بن سعيد"، ورد فيه : "ألا يقربن مياه طيء وأرضهم, فإنه لا تحل لهم مياههم ولا يلجن أرضهم من أولجوا"، وأمَّر عليهم "قضاعي بن عمرو"، وهو من "بني عذر" بأن جعله عاملًا عليهم (٢٠).
    وكتب الرسول إلى "حصين بن نضلة الأسدي" "أن له آراما وكسة، لا يحاقه فيها أحد".(٢١)

    ومن ديار "بني أسد بن خزيمة"، "قطن"، وهو جبل بناحية "فيد" به ماء. وأمر الرسول "أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي" بغزوه، لما بلغه أن "طليحة" و"سلمة" ابني "خويلد" قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعوانهم إلى حرب الرسول، فذهب إلى "قطن", ثم عاد ومعه إبل وشاء.(٢٢)
    وتقع إلى الشمال الغربي من ديار "طيء"، ديار "بكر"، وهي "بكر بن وائل".
    وهي قبائل ضخمة ذات فروع عديدة، سكنت في مواضع عديدة أخرى غير هذه المواضع.

    وذكر في خبر فتوح السواد, أن "المثني بن حارثة الشيباني" كان يغير على السواد، فبلغ "أبا بكر" خبره, فسأل عنه، فقال له قيس بن عاصم بن سنان المنقري: هذا رجل غير خامل الذكر، ولا مجهول النسب، وأثنى عليه. ثم إن المثنى قدم على "أبي بكر"، فقال له: يا خليفة رسول الله, استعملني على من أسلم من قومي أقاتل هذه الأعاجم من أهل فارس، فكتب له أبو بكر في ذلك عهدًا, فسار حتى نزل "خفان" ودعا فيه إلى الإسلام فأسلموا. ثم إن أبا بكر أمر "خالد بن الوليد" بالمسير إلى العراق، وكتب إلى "المثنى بن حارثة" يأمره بالسمع والطاعة له وتلقيه. وكان "مذعور بن عدي العجلي", قد كتب إلى أبي بكر يعلمه حاله وحال قومه ويسأله توليته قتال الفرس, فكتب إليه يأمره أن ينضم إلى خالد ويسمع له بالطاعة (٢٣).

    و"خفان"(٢٤) مأسدة وموضع أشبّ الغياض كثير الأسد، أو أجمة قرب "الكوفة" (٢٥).

    ونجد في موارد أخرى أن "المثنى بن حارثة الشيباني" و"سويد بن قطبة العجلي"، وكلاهما من "بكر بن وائل", كانا يغيران على الدهاقين، فيأخذان ما قدرا عليه. فإذا طُلبا أمعنا في البر فلا يتبعهما أحد, وكان المثنى يغير من ناحية الحيرة و"سويد" من ناحية "الأبلة". فكتب إلى "أبي بكر"، يعلمه ضراوته بفارس ويعرفه وهنهم, ويسأله أن يمده بجيش, فكتب إليه "أبو بكر" يخبره أنه مرسل إليه "خالد بن الوليد" وأن يكون في طاعته، فكره "المثنى" ورود خالد عليه، وكان ظن أن أبا بكر سيوليه الأمر، ولكنه لم يتمكن أن يفعل شيئًا فانضم إلى خالد (٢٦).
    ومن "بني عجل" "فرات بن حيان العجلي"، كان دليل "أبي سفيان" إلى الشام (٢٧). وذلك أن قريشًا خافوا طريقهم الذي كانوا يسلكون إلى الشام حين وقعة "بدر"، فكانوا يسلكون طريق العراق، فخرج بهم دليلهم "فرات" في السنة الثالثة من الهجرة، ومعه أبو سفيان, وصفوان بن أمية, وحويطب بن عبد العزى، وعبد الله بن أبي ربيعة، ومعهم مال كثير فيه فضة كثيرة، وهي أعظم تجارتهم. فلما بلغوا موضع "القردة"، وكان "فرات" قد سلك بهم على ذات عرق، اعترض "زيد بن حارثة" القافلة، وكان الرسول قد أرسله للتحرش بها، يوم بلغه أمر القافلة, فهرب أعيانها واستولى زيد على العير, وجاء بها إلى الرسول، وأسر فرات، فأسلم (٢٨).

    ويذكر أهل الأخبار أن قبائل مضر كانت تنزع إلى العراق، وكان أهل اليمن ينزعون إلى الشام، وأنه لم يكن أحد من العرب أجرأ على فارس من ربيعة, وقد قيل لها لذلك: ربيعة الأسد، وكانت العرب في جاهليتها تسمى: فارس الأسد.(٢٩).
    وقد قدم وفد من "بكر بن وائل" على الرسول، فيه "بشير بن الخصاصية" و"عبد الله بن مرثد"، و"حسان بن حوط" "خوط"، فأسلموا وعادوا إلى ديارهم (٣٠), وذهب "حريث بن حسان الشيباني" في وفد من "بكر بن وائل" إلى 【الرسول ﷺ】 فأسلم على يديه (٣١).
    وذكر أن "عبد الله بن أسود بن شهاب بن عوف بن عمرو بن الحارث بن سدوس" قدم مع الوفد المذكور، وكان ينزل اليمامة، فباع ما كان له من مال باليمامة واستقر بالمدينة (٣٢).
    وذكر أن 【رسول الله ﷺ】 كتب كتابًا إلى "بكر بن وائل"، فما وجدوا رجلًا يقرؤه حتى جاءهم رجل من "بني صبيعة بن ربيعة" فقرأه. وكان الذي أتاهم بكتاب 【رسول الله ﷺ】 : "ظبيان بن مرثد السدوسي" (٣٣).
    وخرج "خالد" إلى العراق، فمر بـ"فيد" و"الثعلبية" وأماكن أخرى منها "العذيب" و"خفان"، ثم سار قاصدًا "الحيرة" وهي أهم موضع للعرب في العراق، فخرج إليه ساداتها في هذا الوقت :
    "عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة"، وهو من الأزد وصاحب القصر الذي يقال له: "قصر بني بقيلة" بالحيرة، وهو من "بني سبين", وكان من المعمرين (٣٤), و"هانئ بن قبيصة بن مسعود الشيباني"، ويقال : "فروة بن إياس"، وكان "إياس" عامل كسرى أبرويز على الحيرة بعد النعمان بن المنذر، و"عدي بن عدي بن زيد العبادي"، وأخوه "عمرو بن عدي"، و"عمرو بن عبد المسيح" و"حيري بن أكال"، وهم نقباء أهل الحيرة. فصالحوه على دفع الجزية وعلى أن يكونوا عيونًا للمسلمين على أهل فارس (٣٥).

    وفيد موضع مهم بطريق مكة في نصفها من الكوفة، به حصن عليه باب حديد، وعليه سور دائر. كان الناس يودعون فيه فواضل أزوادهم وما ثقل من أمتعتهم إلى حين رجوعهم. وذكر أن فيدًا فلاة في الأرض بين أسد وطيء في الجاهلية، فلما قدم "زيد الخيل" الفارس المشهور على 【رسول الله ﷺ】 أقطعه فيدًا, وذكر أهل الأخبار أن فيدًا إنما سميت فيدًا بفيد بن حسام أول من نزلها. والظاهر أنها من المواضع القديمة وقد ورد اسمها في الشعر الجاهلي والإسلامي (٣٦).

    و"العذيب" إذ ذاك مسلحة كانت للفرس على طريق البادية، ومن القادسية التي تبعد عن الكوفة "15" ميلًا إلى العذيب "6" أميال، ويؤدي الطريق من العذيب إلى البرية (٣٧), وكان لبني تميم (٣٨).

    وذكر أهل الأخبار أن "محلم بن سويط الضبي" أخا بني صباع، قاد الرباب كلها, وهو الرئيس الأول : أول من سار في أرض "مضر" برئاسة، وغزا العراق وبه كسرى حتى بلغ العذيب, فجعلت الإبل تتهيب خرير الماء. ويظهر من شعر لبعض الضبيين أن العذيب كان أحساء، يخرج الماء فيه من باطن الأرض ويندفع مكونًا خريرًا؛ لذلك هابته الإبل، فكانت تتخوف من الشرب منه (٣٩). وبعد العذيب نهاية حد نجد في الشمال.(٤٠).

    ويذكر "ابن رستة" أن "البطانية"، هو "قبر العبادي" (٤١) ، وسماه بعضهم "بطان". وذكر اليعقوبي أن هذا الموضع من ديار "بني أسد" (٤٢).

    وكان للثعلبية شأن يذكر، فقد ذكر أنها كانت موضعًا معروفًا، بل ذكر أنها مدينة عامرة عليها سور وفيها حمامات وسوق، وهي على ثلث الطريق للقادم من بغداد إلى مكة. وقد صار لها شأن في صدر الإسلام فيما بعد؛ لأنها تقع على طريق التجارة والحاج، وهي على جادة مكة من الكوفة، ومن منازل أسد بن خزيمة (٤٣).
    وكان أهل الحيرة قد تحصنوا بقصورهم : في القصر الأبيض، وهو قصر "النعمان بن المنذر", وقصر ابن بقيلة، قصر العدسيين، والعدسيون من "كلب" نسبوا إلى أمهم وهي كلبية أيضًا (٤٤).
    وذكر أنه كان في طرف الحيرة, لبني عمار بن عبد المسيح بن قيس بن حرملة بن علقمة بن عدس الكلبي، نسبوا إلى جدتهم "عدسة بنت مالك بن عوف الكلبي"، وهي أم "الرماح" و"المشظ" ابني عامر المذمم (٤٥).
    وعدة قصور الحيرة ثلاثة على ما ورد في بعض الروايات, وهي عدة الحيرة وملاجئها أيام الخطر، فإذا سقطت، سقطت الحيرة؛ لأنها هي المكونة لها. وقد صالحت "خالد بن الوليد" لما وجدته أن ليس في استطاعتها الصمود أمام المسلمين (٤٦), ولم يكن لها على ما يظهر من روايات أهل الأخبار سور.
    ومن مواضع الحيرة "ربيعة بني مازن"، لقوم من الأزد من بني عمرو ابن مازن من الأزد، وهم من غسان (٤٧) ' و"دير هند"، لأم "عمرو بن هند بن ماء السماء"، و"ربيعة بني عدي بن الذميل" من لخم (٤٨)...

    وقد هدمت قصور الحيرة التي كانت لآل المنذر واستخدمت حجارتها وأنقاضها لبناء المسجد الجامع بالكوفة ولأبنية أخرى، وقد عوض أصحاب القصور عنها, وفقًا لما جاء في "قراطيس هدم قصور الحيرة"(٤٩).
    وقد هدم بعض الخلفاء العباسيين قصور الحيرة وأزالوا بذلك من معالمها, منهم الخليفة "أبو جعفر المنصور"، فقد هدم "الزوراء"، وهي دار بناها النعمان بن المنذر على ما يذكره أهل الأخبار (٥٠).

    وذكر "اليعقوبي" أن الحيرة "هي منازل آل بقيلة وغيرهم"، وأن علية أهل الحيرة نصارى، منهم من قبائل العرب من بني تميم ومن "سليم" ومن "طيء" وغيرهم, وأن "الخورنق" بالقرب منها مما يلي المشرق، وبينه وبين الحيرة ثلاثة أميال، والسدير في برية (٥١)
    وكان الفرس يستعينون بعرب الحيرة في أمر الترجمة فيما بينهم وبين العرب. ومن هؤلاء أسرة "عدي بن زيد العبادي" على نحو ما ذكرت, وترجمان كان يترجم لـ"رستم" اسمه "عبود"، وكان عربيا من أهل الحيرة (٥٢).
    كما استخدم المسلمون تراجمة؛ ليترجموا ما كان يدور بينهم وبين الفرس من حوار، أو بينهم وبين من يقبضون عليه من أسرى الفرس، ومن هؤلاء رجل اسمه "هلال الهجري". واستخدموا كتبة لكتابة الكتب والأخبار، ذكروا منهم "زياد بن أبي سفيان" (٥٣).
    وقد استعان الفرس ببعض "آل لخم" لمحاربة العرب, ولإشغالهم في معارك
    صغيرة، من هؤلاء "قابوس بن قابوس بن المنذر"، وقد كلفه "الآزاذبة مرد بن الآزاذبة" بالذهاب إلى "القادسية" لإشغال المسلمين، وأن يكون للفرس كما كان آباؤه قبله من النصر والعون، فنزل القادسية، وكاتب بكر بن وائل، بمثل ما كان النعمان يكاتبهم به، فلما بلغ خبره المسلمين حاصروه (٥٤).

    والقادسية موضع مهم جدًّا من الوجهة العسكرية، وقد قال عنه الخليفة "عمر" في كتابه الذي وجهه إلى "سعد" بأنه "باب فارس"، وأجمع أبوابهم لمادتهم (٥٥).
    وقد وضعوا ما بعده الحصون والقناطر والأنهار لحماية مواقعهم من وقوعها في أيدي من قد يأتي إليهم من البادية، وأهله من العرب، وكان الفرس قد أقاموا فيه مسالح عبئت بجنود من فارس، للدفاع عن خطوطهم الأمامية، ولمشاغلة الغزاة إلى حين وصول المدد الكبير.

    وممن ساعد الفرس ودافع عنهم "النعمان بن قبيصة"، وهو ابن "حية الطائي" ابن عم "قبيصة بن إياس بن حية الطائي" صاحب الحيرة، وكان مرابطًا في قصر "بني مقاتل"، وكان منظرة له. وقد قتله "سعد بن عبد الله بن سنان الأسدي" لما سمعه يستخف بقريش وبالقريشيين. فلما سأل عن "سعد بن أبي وقاص"، قيل له: إنه من قريش، قال: "أما إذا كان قرشيًّا فليس بشيء، والله لأجاهدنه القتال، إنما قريش عبيد من غلب، والله ما يمنعون خفيرًا، ولا يخرجون من بلادهم إلا بخفير"(٥٦).
    ونجد في "فتوح الشام" للواقدي، خبرًا مفاده أن "سعد بن أبي وقاص" لما وجهه الخليفة "عمر" إلى العراق قدم أرض "الرحبة"، فاتصلت الأخبار بـ"اليعمور بن ميسرة العبسي"، فكتب إلى كسرى يخبره بمجيئه إلى هذا المكان، وأن "سعدًا" لما ارتحل من "الرحبة" إلى "الحيرة البيضاء" في ثلاثين ألفًا من بجيلة والنخع وشيبان وربيعة وأخلاط العرب، وجد هناك جيش "النعمان بن المنذر"، وقد ضرب خيامه والسرادقات إلى ظاهرها، وهو في ثمانين ألفًا من جميع عرب العراق، فكتب "النعمان" إلى "كسرى" بمجيئهم
    وحث عربه على الصمود وعلى مقاومة سعد قائلًا لهم : "إن هؤلاء عرب وأنتم عرب, وهلاك كل شيء من جنسه" "وليس لأصحاب محمد فخر يفتخرون به علينا، ولكن نحن لنا الفخر عليهم.
    وهم يزعمون أن الله بعث فيهم نبيا وأنزل عليهم كتابًا يقال له القرآن، ونحن لنا الإنجيل وعيسى ابن مريم وجميع الحواريين، ولنا المذبح، ولنا القسوس والرهبان والشمامسة، وعلى كل حال ديننا عتيق ودينهم محدث، فاثبتوا عند اللقاء, وكونوا عند ظن الملك كسرى بكم"(٥٧).
    ويذكر رواة هذا الخبر أن عم "النعمان بن المنذر"، وكان صاحب حرسه، دخل إليه وقال له : إن أعداءنا قد أنفذوا إلينا رسولًا، فأمر بإدخاله عليه، وكان 【الرسول ﷺ】 "سعد بن أبي عبيد القاري"، فلما وقف بين يدي النعمان صاح به الحجاب والغلمان: قَبِّل الأرض للملك, فلم يلتفت إليهم، وقال: إن الله أمرنا ألا يسجد بعضنا لبعض، ولعمري إن هذه كانت العادة المعروفة في الجاهلية قبل أن يبعث الله نبيه محمدًا، فلما بعث جعل تحيته السلام، وكذا كانت الأنبياء من قبله. وأما السلام، فهو من أسماء الله تعالى، أما تحيتكم هذه، فهي تحية جبابرة الملوك. فقال النعمان : لسنا من الجبابرة، بل نحن أجلُّ منكم؛ لأنكم توحدون في دينكم وتقولون: إن الله واحد وتجحدون ولده عيسى ابن مريم". ويذكرون أن "سعدًا" جادل "النعمان" في طبيعة المسيح"، فأعجب بكلامه، ثم كلمه في الإسلام أو دفع الجزية، فغضب "النعمان"، وقال له: "يا ويح قومك، فليس عندنا جواب إلا السيف" (٥٨).
    وتقدمت جيوش المسلمين حتى التحمت بجيش "النعمان" بظاهر الحيرة، وإن "القعقاع بن عمرو التميمي" أو "بشر بن ربيعة التميمي"، أحدهما التقى بالنعمان في كبكبة من الخيل والازدهارات على رأسه، فحمل القعقاع أو بشر على الكبكبة ففرقها، وعلى الكتيبة فمزقها وعلى النعمان بطعنة في صدره فقتل.
    فلما نظرت جيوش الحيرة إلى الملك النعمان مجندلا ولوا الأدبار يريدون القادسية نحو جيش الفرس. وأخذ المسلمون أسرى وغنائم، واحتوى "سعد" على قصري الخورنق والسدير، وترك جميع ما أخذه بالحيرة, وتحرك نحو القادسية. وكانت أخبار هزيمة النعمان
    وقد وصلت الفرس وهم بالقادسية، وقد وصلت إليهم الفلول المنهزمة من جيش النعمان، فوقع التشويش في عسكر الفرس، وخارت قواهم؛ مما أدى إلى انتصار المسلمين عليهم في هذا المكان (٥٩).

    ولا نجد هذا الخبر في أي مورد آخر من موارد أهل الأخبار، فقد نصت جميع الموارد الأخرى على أن النعمان كان قد لقي مصرعه على نحو ما تحدثت عنه في أثناء كلامي على مملكة الحيرة, فلعل "النعمان" هذا هو أحد أبناء "آل لخم", واستعان به الفرس للدفاع عن الحيرة ومنّوه في مقابل مساعدته لهم بالملك، كما استعانوا بـ"قابوس بن قابوس". وقد يكون خبره من صنع أهل الأخبار، أقحموا اسمه إقحامًا، وما فطنوا إلى أنه كان قد توفي قبل هذا الوقت بسنين. على كلٍّ, ففي الخبر كلام منمق وحوار وجدل ينبئك لونه أن فيه تكلفًا وصنعة، وأن الخبر قد وضع, وضعه أناس لغايات لا مجال للبحث عنها في هذا المكان.
    وسار "خالد" من "الحيرة" إلى الأنبار فحاصرها، وكان أصحاب النعمان وصنائعه يعطون أرزاقهم منها، ثم صالحهم، ثم أتى "خالد" بعد مواقع أخرى "عين التمر"(٦٠).
    وكان على رأس العرب الذين عاونوا الفرس وانحازوا إليهم: "عقة بن أبي عقة"، و"هلال بن عقة بن قيس بن البشر" الثمري، على النمر بن قاسط بعين التمر، و"عمرو بن الصعق" و"بجير" أحد بني عتبة بن سعد بن زهير، والهذيل بن عمران، ومعهم رجال من قبائلهم (٦١).
    ولكنهم لم يتمكنوا من الوقوف أمام "خالد بن الوليد"، إذ انهزم جندهم, وأُسر "عقة" و"عمرو بن الصعق", وكان "عقة" خفير القوم، وسقط حصن عين التمر في الإسلام (٦٢).
    وورد في خبر آخر أن "خالدًا" قتل "هلال بن عقة" "هلال بن عقبة" وصلبه، وكان من "النمر بن قاسط"، وكان خفيرًا بعين التمر (٦٣).

    وتعرف "عين التمر" بـ"شفاثا" "شفاثى" وبـ"عين شفتة"، وقد اشتهرت بالقسب والتمر، وكانت تصدرهما إلى البادية وإلى أماكن أخرى، ويقصدها الأعراب للامتيار, وبها حصن يتحصن به وعين ماء. ولما اقترب المسلمون منها، كان بها "مهران بن بهرام جوبين"، في جمع عظيم من الفرس للدفاع عنها ومعه جمع عظيم من النمر وتغلب وإياد ومن لافهم، ولكنهم غلبوا على أمرهم، وفر الفرس (٦٤).
    وكان بعين التمر مسلحة لأهل فارس (٦٥).
    وقد وجد "خالد" في كنيسة "عين التمر" جماعة سباهم، ووجد أولادًا كانوا يتعلمون الكتابة في الكنيسة، وقد اشتهر وعرف عدد من هؤلاء الذين سبوا, واشتهر أولادهم أيضًا. وقد كان من هؤلاء من كان من "بني النمر بن قاسط" النازلين بعين التمر (٦٦).
    وكانت قُريَّات السواد وهي: بانقيا وباروسما وأُلّيس خليطًا من العرب ومن النبط وسواد العراق، وقد صالح أهلها "خالد بن الوليد" حينما ظهر أمامها، صالحوه على الجزية، وكان الذي صالحه عليها "ابن صلوبا السوادي" المعروف بـ"بصبرى بن صلوبا"، ومنزله بشاطئ الفرات. وقد ورد في كتاب الصلح الذي أعطاه "خالد بن الوليد" له: "وقد أعطيت عن نفسك وعن أهل خرجك وجزيرتك ومن كان في قريتك -بانقيا وباروسما- ألف درهم" (٦٧).

    وذكر "البلاذري" أن الخليفة "عمر" وجَّه "أبا عبيدة الثقفي" إلى العراق، فلما وصل إلى هناك، وهزم "جابان" بالعذيب، ثم هزم الفرس في معارك أخرى حتى بلغ "باروسما"، صالحه "ابن الأنذر زعر" "ابن الأندر زعر" عن كل رأس على أربعة دراهم (٦٨), ولم يشر إلى الصلة التي كانت بين "ابن صلوبا" و"ابن الأنذر".

    ويرجع أهل الأخبار تأريخ "بانقيا" إلى أيام "إبراهيم"، فهم يذكرون أنه كان ينزل بها, وأن اليهود كانوا يدفنون موتاهم بها, ويذكرون أنها أرض بالنجف دون الكوفة، وأن سكانها كانوا على النصرانية عند ظهور الإسلام, وأن الساسانيين كانوا هم الذين يدافعون عنها ويتولون أمر إدارتها، أما شئونها المحلية فكان أمرها بيد ساداتها ورؤسائها.

    تابع الفصل الثامن 》》

    ••••••••••••••••••••••••••••
    (١) البلاذري، فتوح "98", الاشتقاق "210".
    (٢) البكري، معجم "4/ 85 وما بعدها".
    (٣) الإكليل "1/ 73 وما بعدها".
    (٤) العرب، الجزء السابع، السنة الثالثة، نيسان 1969م, الرياض.
    (٥) الاشتقاق "321"، العرب, نيسان "1969م", "ص665 وما بعدها".
    (٦) العرب، نيسان 1969م "262 وما بعدها".
    (٧) ابن الأثير "1/ 388", أيام العرب "60".
    (٨) المحبر "ص233".
    (٩) الطبري "3/ 145".
    (١٠) الاشتقاق "236"، الطبري "3/ 145"، "قدوم زيد الخيل في وفد طيء".
    (١١) ابن سعد، طبقات "1/ 321 وما بعدها".
    (١٢) الأغاني "16/ 93 وما بعدها، 104 وما بعدها"، العقد الفريد "1/ 332" "طبعة اللجنة".
    (١٣) الشعر والشعراء "ص123".
    (١٤) الطبري "3/ 112 وما بعدها"، "دار المعارف"، نهاية الأرب "18/ 77 وما بعدها".
    (١٥) الطبري "3/ 147"، "خروج الأمراء والعمال على الصدقات"، ابن سعد، طبقات "1/ 322" "وفادات أهل اليمن: وفد طيء".
    (١٦) ابن سعد، طبقات "1/ 322 وما بعدها".
    (١٧) ابن الأثير, الكامل "1/ 266".
    (١٨) ابن سعد، طبقات "1/ 269".
    (١٩) ابن سعد، طبقات "1/ 292 وما بعدها"، نهاية الأرب "18/ 31".
    (٢٠) ابن سعد، طبقات "1/ 270".
    (٢١) ابن سعد، طبقات "1/ 274".
    (٢٢) نهاية الأرب "17/ 127 وما بعدها".
    (٢٣) البلاذري، فتوح "242".
    (٢٤) "وخفَّان كعفَّان" بتشديد الفاء، تاج العروس "6/ 93"، "خَفَّ".
    (٢٥) قال الأعشى:
    وما مخدر ورد عليه مهابة
    أبو أشبل أضحى بخفان حاردا
    تاج العروس "6/ 93", اللسان "9/ 81", "خفف".
    (٢٦) الأخبار الطوال "111 وما بعدها".
    (٢٧) الاشتقاق "ص208".
    (٢٨) نهاية الأرب "97/ 80".
    (٢٩) الطبري "3/ 487"، "دار المعارف".
    (٣٠) طبقات ابن سعد "1/ 315".
    (٣١) طبقات ابن سعد "1/ 318 وما بعدها".
    (٣٢) نهاية الأرب "18/ 67".
    (٣٣) ابن سعد، طبقات "1/ 81 وما بعدها".
    (٣٤) الاشتقاق "285"، الطبري "3/ 345، 364"، "دار المعارف"، البلاذري, فتوح "244".
    (٣٥) البلاذري، فتوح "244"، الطبري "3/ 364"، "دار المعارف".
    (٣٦) تاج العروس "2/ 457"، "فاد".
    (٣٧) ابن رستة، الأعلاق "175".
    (٣٨) تاج العروس "1/ 370"، "عذب".
    (٣٩) المحبر "248".
    (٤٠) شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري "81".
    (٤١) ابن رستة، الأعلاق "175".
    (٤٢) اليعقوبي، البلدان "311".
    (٤٣) ابن رستة، الأعلاق "175"، اليعقوبي، البلدان "311".
    (٤٤) البلاذري، فتوح "245".
    (٤٥) البلاذري، فتوح "284".
    (٤٦) الأخبار الطوال "112"، تاج العروس "3/ 165" "حارة".
    (٤٧) البلاذري، فتوح "280".
    (٤٨) البلاذري، فتوح "282".
    (٤٩) البلاذري، فتوح "284".
    (٥٠) تاج العروس "3/ 246"، "زار".
    (٥١) البلدان "309"، "مع ابن رستة", تاج العروس "3/ 261"، "سدر" "6/ 332".
    (٥٢) الطبري "3/ 524".
    (٥٣) الطبري "3/ 489".
    (٥٤) الطبري "3/ 489".
    (٥٥) الطبري "3/ 491".
    (٥٦) الطبري "3/ 572 وما بعدها".
    (٥٧) الواقدي، فتوح الشام "2/ 185 وما بعدها".
    (٥٨) الواقدي، فتوح الشام "2/ 186".
    (٥٩) الواقدي، فتوح الشام "2/ 187 وما بعدها".
    (٦٠) البلاذري، فتوح "246 وما بعدها".
    (٦١) البلاذري، فتوح "249".
    (٦٢) الطبري "3/ 376 وما بعدها".
    (٦٣) الأخبار الطوال "112".
    (٦٤) الطبري "3/ 376"، "دار المعارف بمصر".
    (٦٥) الأخبار الطوال "112".
    (٦٦) البلاذري، فتوح "249"، تأريخ خليفة بن خياط "1/ 86".
    (٦٧) الطبري "3/ 344، 346".
    (٦٨) البلاذري، فتوح "251", تأريخ خليفة "92".


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:27 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    【مجمل الحالة السياسية في جزيرة العرب عند ظهور الإسلام】

    الفصل السادس :

    وكان "الأقرع بن حابس بن عقال" المجاشعي الدارمي في جملة المؤلفة
    قلوبهم وهو من سادات تميم. وذكر أنه كان على دين المجوس .

    ولقبيلة "تميم" صلات بملوك الحيرة وقد كانت "الردافة" إليها, وهي مكانة ودرجة مهمة جدا، لا تعطى إلا للقبائل المتنفذة القوية. ومع ذلك فقد وقعت بينها وبينهم خطوب ومعارك, لما في طبع القبائل من شق عصا الطاعة عند شعورها بوجود وهن في الحكم, وبأن في إمكانها الانفراد بنفسها في الحكم. كما كانت لها صلات متينة برجال مكة التجار، ولها معهم أعمال وتجارة وعهود وحبال؛ لحماية قوافل قريش ولتأمين وصولها سالمة إلى الأماكن التي كانت تقصدها.

    ونجد "تميمًا" تحارب "بكر بن وائل" ومن يشد أزرها ويعاونها من "الأساورة" وذلك يوم "الصليب".

    وقد انتصر "بنو عمرو" وهم من تميم على "بني بكر"، وقُتل "طريف" "رأس الأساورة". وقد كانت "بكر بن وائل" من القبائل المؤيدة للساسانيين, وكان الفرس يقومونهم ويجهزونهم، ويشرف على تجهيزهم عاملهم على "عين التمر".

    وتظهر صلات "تميم" الطيبة "بقريش" من أخبار أهل الأخبار عن تجارة قريش وعن الطرق التي كان يسلكها تجارهم لوصولهم إلى الأسواق، مثل سوق دومة الجندل والمشقر والأسواق الأخرى. لقد كانت الطرق المؤدية إلى تلك الأسواق تمر بأرضين هي لأحياء من تميم، ولم تكن هذه الأحياء تتعرض لتجار مكة أو للتجار المتحالفين معهم والذين يتاجرون باسمهم، بأي سوء. على العكس كانت تحترمهم وتقدم لهم المعونة؛ لوجود حبال وعهود عقدها ساداتهم مع سادات قريش. ونظرًا إلى ما كان من حلف بين "كلب" و"تميم"، فقد صار في وسع تاجر مكة ومن هو في حلفه أو يتاجر بحماية تجار مكة، المرور في منازل "كلب" بأمن وسلام.
    ومن ديار تميم "الحزن"، وهو لـ"بني يربوع", وهو مرتع من مراتع العرب، فيه رياض وقيعان، وقيل: هو صقع واسع نجدي بين الكوفة وفيد، وقيل: هو قف غليظ، ومربع من مرابع العرب، بعيد عن المياه، فليس ترعاه الشياه ولا الحمر، فليس فيها دمن ولا أرواث (١) وعرف بأنه بلاد بني يربوع. وهناك حزن آخر ما بين زبالة فما فوق ذلك مصعدًا في بلاد نجد, وفيه غلظ وارتفاع.
    وقد ورد ذكر "الحزن" في شعر للأعشى، حيث يقول :

    < وما روضة من رياض الحزن، معشبة ... خضراء جاد عليها مُسبل هطل >

    وذكر أنه موضع كانت ترعى فيه إبل الملوك، وهو من أرض "بني أسد"(٢).

    وكانت قوافل قريش إذا قصدت "دومة الجندل"، وسلكت السبل التي تمر بـ"الحزن"، فإنها تكون آمنة مطمئنة؛ لأنها تمر ببلاد مضر، ولا يتحرش مضري بمضري.
    وكان إذا عادت وأرادت سلوك مواضع الماء، مرت بديار كلب، فتكون عندئذ آمنة مطمئنة؛ لأن لكلب حلفًا مع "تميم" و"تميم" من مضر ولها صلات وعلاقات بمكة. وإذا مرت بحزن أسد، فإنها تكون آمنة كذلك؛ لأن "بني أسد" من مضر. وإذا دخلت ديار "طيء"، صارت آمنة أيضًا؛ لأن لطيء حلفًا مع بني أسد. (٣)

    ويظهر أنه قد كانت لتميم صلات بقريش وبمكة تعود إلى أيام سابقة على الإسلام, إذ نجد في روايات أهل الأخبار أن نفرًا منهم كانوا يذهبون إلى مكة ومنهم من كان يذهب إليها للاتجار. فقد ذكر أن تميميا كان متجره بمكة، وقد اختلف مع "حرب" فاعتدى عليه "حرب", فذهب التميمي إلى "بني هاشم" واستجار بهم، فأجاره "الزبير بن عبد المطلب" رئيس "بني هاشم" (٤), وذكر أن نفرًا من "بني دارم" كانوا في جوار رجال من "بني هاشم"(٥).
    بل يظهر أنه قد كان لهذه القبيلة علاقة بمكة نفسها وبسوق عكاظ، وهو
    سوق مهم تقصده قريش، وكانت تتحكم في شئونه، فلتميم صلة بـ"الإفاضة"، ولها صلة بالحكومة في سوق عكاظ، وقد ذكر أهل الأخبار أسماء عدد من حكام تميم حكموا بعكاظ. وكانت هي وقريش وكنانة، تدير مراسم الحج وتحافظ على شعائره، مما يدل على أنها كانت ذات صلة قديمة بمكة، ولا سيما بعض أحياء منها، مثل "بني دارم" الذين ظهروا على أكثر أحياء تميم. ولعل ابتعادها عن مكة وارتحال أحيائها إلى مواطن بعيدة عن مكة، قد باعد فيما بينها وبين قريش، وقلل من صلاتها بهم.
    وتتجلى هذه العلاقة في تزوج قريش من "تميم"، مع ما عرف عن قريش من الامتناع من التزوج من غير قريش، وقد روى أهل الأخبار أسماء جماعة من أشراف مكة، كانت أمهاتهم من "تميم".
    ونجد في مكة رجالًا من تميم تحالفوا مع رجال من مكة، فصاروا من حلفائهم (٦).

    وقيام "تميم" بمهمة "الحكومة" قي سوق عكاظ، وبـ"الإجازة"، يدل على أهمية مركز هذه القبيلة بالنسبة لقريش, وما كانت قريش تعطي "الإجازة" لتميم لولا ما كان لها من نفوذ ومن علاقات طيبة بقريش. وقد افتخر "بنو تميم" بالحكومة في "عكاظ", وبالإجازة في الجاهلية وفي الإسلام (٧).

    وكان "بنو عبد القيس" من قبائل البحرين المتنفذة, وكانت غالبيتهم على النصرانية، ومنهم كان "الجارود بن عمرو بن حنش بن المعلي"، الذي قدم في وفد عبد القيس إلى الرسول، فأسلم على يديه، وقد رفض الدخول فيما دخل فيه قومه من الردة عن الإسلام والعودة إلى النصرانية وتأييد "الغرور": المنذر بن النعمان بن المنذر (٨).
    وكان في جملة الوفد الذي قدم على الرسول عام الفتح: "عبد الله بن عوف الأشج"، و"منقذ بن حيان"، وهو ابن أخت الأشج، فأسلما وعادا إلى ديارهما (٩).
    ودون "ابن سعد" صورة كتاب ذكر أن 【 الرسول ﷺ 】 وجهه إلى "الأكبر بن عبد القيس", ولم يشر إلى المراد من "الأكبر بن عبد القيس". ومما جاء فيه
    أن "العلاء بن الحضرمي" "أمين رسول الله على برها وبحرها وحاضرها وسراياها وما خرج منها، وأهل البحرين خفراؤه من الضيم وأعوانه على الظلم وأنصاره في الملاحم"(١٠).

    وكان 【الرسول ﷺ 】 قد أرسل "العلاء بن الحضرمي" سنة ثمانٍ قبل فتح مكة إلى "المنذر بن ساوي العبدي"، يدعوه إلى الإسلام، فأسلم، فهلك بعد وفاة 【الرسول ﷺ 】بشهر، وارتد بعده أهل البحرين (١١).

    واجتمعت "ربيعة" بالبحرين وارتدت، وملكوا عليهم "المنذر بن النعمان بن المنذر الغرور"، وكان يعاونه "الغرور بن سويد" أخي النعمان بن المنذر، ويسمى "المنذر بن سويد بن المنذر" (١٢), وكان رأس أهل الردة "الحطم بن ضبيعة" أخو بني قيس بن ثعلبة، فجمع من اتبعه من بكر بن وائل، حتى نزل القطيف وهجر، واستغوى الخط ومن فيها من الزط والسيابجة، وبعث بعثًا إلى "دارين" وبعث على "جواثي" فحصرهم (١٣), وكان قد منى "سويد بن المنذر" بأن يجعله كالنعمان بالحيرة، غير أنه فشل وغلب المسلمون أهل الردة، وقتل "الحطم"(١٤).
    وكان "المنذر بن النعمان" يسمى "الغرور"، فلما ظهر المسلمون قال : لست بالغرور ولكني المغرور، ولحق هو وفُلّ "ربيعة" بالخط، فأتاها "العلاء" ففتحها وقتل المنذر ومن معه. وذكر أنه نجا فدخل إلى "المشقر"، ثم لحق بسليمة فقتل معه. وذكر أنه قتل "يوم جواثا"، وذكر أنه استأمن ثم هرب فلحق فقتل (١٥) , وقيل : إنه أسلم.

    والمنذر بن ساوي هو رجل عربي من "بني تميم" من "بني دارم" على رأي أكثر أهل الأخبار، وقد ذهب بعضهم إلى أنه من "بني عبد القيس". ولكن أكثرهم على أنه "المنذر بن ساوي بن الأخنس بن بيان بن عمرو بن عبد الله بن زيد بن عبد الله بن دارم التميمي الدارمي" (١٦).
    وكان هو المتولي على البحرين في أيام 【 الرسولﷺ 】.

    ونجد في طبقات ابن سعد صورة كتاب أرسله 【 الرسول ﷺ 】 إلى "المنذر بن ساوي", يذكر فيه أن رُسُل 【 رسول الله ﷺ 】 قد "حمدوك، وأنك مهما تصلح أصلح إليك وأثبتك على عملك وتنصح لله ولرسوله"، كما نجد للرسول كتابًا آخر، يخبر "المنذر" فيه أنه قد بعث إليه "قدامة" و"أبا هريرة"، و"فادفع إليهما ما اجتمع عندك من جزية أرضك".
    وأرسل كتابًا مثله إلى "العلاء بن الحضرمي" يخبره فيه، أنه بعث إلى المنذر بن ساوي من يقبض منه ما اجتمع عنده من الجزية، فعجله بها, وابعث معها ما اجتمع عندك من الصدقة والعشور, وكاتب الكتابين أبي (١٧). وكتب المنذر كتابًا إلى الرسول، جاء فيه : "إني قرأت كتابك على أهل هجر، فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه ودخل فيه، ومنهم من كرهه" (١٨).

    وفي طبقات ابن سعد كتاب من الرسول، ذكر أنه أرسله إلى "الهلال صاحب البحرين"، فيه دعوة لهلال إلى الإسلام وإلى عبادة الله وحده والدخول في الجماعة فإن ذلك خير له (١٩).
    ويظهر أن هلالًا هذا كان أحد سادات البحرين في هذا الوقت، وأنه كان قد تأخر عن "الجماعة" أي : قومه, في الدخول في الإسلام، فكتب الرسول له ذلك الكتاب.

    وأما "هجر"، فكان عليها عند ظهور الإسلام مرزبان يدعى "سيبخت" وإليه ذهب أيضًا العلاء بن الحضرمي يدعوه إلى الإسلام، فأسلم وأسلم معه جميع العرب وبعض العجم (٢٠), وأما أهل الأرض هناك من اليهود والنصارى والمجوس، فقد صالحوا العلاء على الجزية (٢١). وهَجَر سوق من أسواق الجاهلية، يؤمها "بنو محارب" من "عبد القيس" (٢٢).
    ويظهر من كتاب أمر 【رسول اللهﷺ】 بتدوينه إليه، أنه لما أسلم وصدق أرسل إلى 【 رسول الله ﷺ 】 رسولًا يخبره بذلك اسمه "الأقرع"، فكتب إليه الرسول كتابًا حمله إليه الأقرع صاحبه، ويذكر 【رسول الله ﷺ】 فيه أنه علم بما جاء في كتاب "سيبخت" إليه، وأنه يحثه ويدعوه إلى القيام بشعائر الإسلام (٢٣).

    وقد ذهب بعض أهل الأخبار إلى أن هجرًا كانت قاعدة البحرين، وقال بعض آخر : إنها اسم لجميع أرض البحرين، وقد اشتهرت بالتمر، فقيل في المثل: كمُبضِع التمر إلى هجر، كما عرفت بأوبئتها.
    وقد رُوي أن الخليفة عمر قال : "عجبت لتاجر هجر وراكب البحر"، كأنه أراد ذلك لكثرة وبائها، فعجب من تاجر يذهب لذلك إليها، كما عجب من راكب البحر؛ لأنه سواء في الخطر. ويظهر أنها كانت كثيرة المياه ذات مستنقعات؛ لذلك تفشت بها الأوبئة. وذكر الإخباريون أنها عرفت بـ"هجر"، نسبة إلى "هجر بنت المكفف"، وكانت من العماليق، أو من العرب المتعربة، وكان زوجها محلم بن عبد الله صاحب النهر الذي بالبحرين، ويقال له : نهر محلم, وهناك عين ماء عرفت بعين هجر وبعين محلم (٢٤).

    وذكر أهل الأخبار أن "ملك هجر"، ولم يشيروا إلى اسمه، كان قد سوَّد "زُهرة بن عبد الله بن قتادة بن الخوية"، ووفده على 【 النبي ﷺ 】 وأنه كان في جيش "سعد بن أبي وقاص" الذي أرسله إلى العراق، فجعله "سعد" من "أمراء التعبية" (٢٥). ولعلهم قصدوا بذلك المرزبان "سيبخت"، الذي ذهب إليه "العلاء بن الحضرمي" بأمر الرسول ليدعوه إلى الإسلام، فأسلم على يديه.

    ويعرف الساحل المقابل لجزيرة "أوال" من جزر البحرين، بـ"السيف" سيف البحر، والسيف في اللغة: ساحل البحر (٢٦) ويليه "الستار" : "ستار البحرين" (٢٧).
    و"كاظمة" جو على سيف البحر، وفيها ركايا كثيرة وماؤها شروب (٢٨).
    وعرفت بـ"كاظمة البحور" (٢٩), وقد أكثر الشعراء من ذكرها (٣٠). وهي موضع مجهول في الوقت الحاضر، يظن أن مكانه على ساحل الجون المقابل لموضع "الجهرة"، ويعرف ذلك الموضع بـ"دوحة كاظمة" (٣١).

    وكان على الأبلة وما والاها "قيس بن مسعود بن خالد"، فلما علم بما فعله كسرى بملك الحيرة، تفاوض سرًّا مع بكر، واتفق معها على مساعدتها. فلما انتهت معركة "ذي قار" لم يجرؤ كسرى أن يلحق به أذى ما هو في أرضه، فعمد إلى الحيلة للانتقام منه، بأن كتب إليه يطلب منه المجيء لرؤيته، فلما ذهب إليه، قبض عليه وحبسه في قصره بالأنبار أو بساباط (٣٢).
    وقد عده أهل الأخبار في المعدودين من "أجواد الجاهلية", وذكروا أنه كانت له مائة ناقة معدة للأضياف, إذا نقصت أتمها؛ وقد مدحه لذلك الشعراء. وعد من "ذوي الآكال", وذكر أن كسرى كان قد أطعمه "الأبلة" وثمانين قرية من قراها (٣٣).

    وكان على اليمامة "هوذة بن علي الحنفي"، وكان ملكًا على دين النصرانية، وإليه أرسل 【 رسول الله ﷺ 】 "سليط بن عمرو" "سليط بن قيس بن عمرو الأنصاري" يدعوه إلى الإسلام. فأرسل "هوذة" وفدًا إلى 【 الرسول ﷺ 】 ليقول له : "إن جعل الأمر له من بعده أسلم، وسار إليه ونصره، وإلا قصد حربه، فقال 【رسول الله ﷺ】 : لا، ولا كرامة" (٣٤). ثم مات بعد قليل، وذكر أنه كان شاعر قومه وخطيبهم، وكانت له مكانة عند العرب (٣٥).
    وذكر أنه كان من "قُرَّان" من مواضع اليمامة، وأهلها أفصح بني حنيفة.

    وأنه كان من وجهاء قومه. وقد نسب على هذه الصورة: "هوذة بن علي بن ثمامة بن عمرو الحنفي" من بكر بن وائل (٣٦).
    وورد أن تميمًا كانت قد قتلت والد "هوذة"، وأن هوذة كان يكره بني تميم كرهًا شديدًا حتى إن كسرى حين سأله عنهم, أجابه: "بيني وبينهم حساء الموت، فهم الذين قتلوا أبي".
    وورد أن كسرى سأل هوذة عن عيشه وعن ماله، فقال : "أعيش عيشة رغيدة، وأغزو المغازي، وأحصل على الغنائم" (٣٧). ولكن الظاهر أنه لم يكن كفؤًا لبني تميم, وأن ملكه لم يتجاوز حدود اليمامة.

    وزعم أهل الأخبار أن "كسرى" توجَّه إلى اليمامة، أو أنه سمع بجوده وكرمه، فاستدعاه إليه، ولما وجد فيه عقلًا وسياسة ورجاحة رأي توَّجه بتاج من تيجانه؛ ولذا لقب هوذة بـ"صاحب التاج"، وأقطعه أموالًا بـ"هجر"، وكان نصرانيا. وقيل: إن كسرى دعا بعقد من الدر فعقد على رأسه وكساه قباء ديباج مع كسوة كثيرة، فمن ثم سمي هوذة ذا التاج. وذكر أن سبب استدعاء كسرى له، أنه أكرم رجال العير التي حملت ألطاف وهدايا وأموال "وهرز" التي أرسلها من اليمن إلى "كسرى"، وكانوا قد انتُهبوا حتى لم يبق عندهم شيء، فصاروا إلى "هوذة"، فأكرم مثواهم وآواهم وكساهم وزودهم وحماهم، وسار معهم إليه، فأكرمه كسرى على النحو المذكور (٣٨) وقيل: إنه لم يكن صاحب تاج، وإنما كان يضع على رأسه إكليلًا رصعه بأحجار ثمينة كأنه التاج تشبهًا بالملوك (٣٩)..
    ويروي أهل الأخبار أن الشاعر الأعشى قال في حق هوذة :

    <له أكاليل بالياقوت فصَّلها ... صوَّاغها لا ترى عيبًا ولا طبعا>>

    وذكر أنه كان أول معدّيّ لبس التاج، ولم يلبس التاج معدي غيره (٤٠).

    ويظهر من روايات أهل الأخبار عن يوم الصفقة وعن يوم المشقر، أن نفوذ "هوذة" لم يكن واسعًا بعيدًا، بل كان محدودًا بحدود قبيلته، وأنه لم يكن في مستوى ملوك الحيرة أو آل غسان، بل كان سيد قومه إذ ذاك، حتى إنه لما طمع في الجعالة التي كان الفرس يعطونها لمن يتولى خفارة قوافلهم الآتية من اليمن إلى العراق أو الذاهبة من العراق إلى اليمن، ووافق الفرس على أن يعطوه ما أراد، وسار مع القافلة خفيرًا لها من "هجر" حتى "نطاع"، وبلغ "بني سعد" ما صنعه "هوذة", خرجوا عليه وأخذوا ما كان مع الأساورة والقافلة وما معه، وأسروه، حتى اشترى منهم نفسه بثلاثمائة بعير، وقد عُيِّر في ذلك، وتغنى شاعر "بني سعد" بذلك اليوم، الذي سيق فيه هوذة, وهو مقرون اليدين إلى النحر، فلما استلم بنو سعد الإبل المذكورة جاءوا به إلى اليمامة فأطلقوه (٤١).

    ويذكر أهل الأخبار أن هوذة سار مع من تبقى من الأساورة وبقية فلول القافلة إلى "كسرى"؛ ليخبره بما حدث له، وبما فعلت به بنو تميم، ودخل على ملك الفرس فأكرمه، وأمر بإسقائه بكأس من ذهب، ثم أعطاه إياه وكساه قباء, له ديباج منسوج بالذهب واللؤلؤ وقلنسوة قيمتها ثلاثون ألف درهم وحباه ثم عاد إلى بلاده.
    ولو كان هوذة قد جاء كسرى بخبر انتصار وإنقاذ للقافلة جاز لنا أخذ هذا الوصف على محمل الصدق، أما وأن الرواية هي في موضوع هزيمة واندحار، فإن من الصعب علينا التصديق بها، ولا سيما وأن ملوك الفرس كانوا أصحاب غطرسة وكانوا إذا جاءهم أحد بخبر هزيمة قابلوه بالازدراء والتبكيت وبإنزال اللعنات عليه في الغالب، وليس في هذا الموقف ما يدعو إلى إسقاء هوذة بكأس من ذهب.

    ويذكر أهل الأخبار أن اليمامة من نجد، وقاعدتها "حجر"، وكانت تسمى "جدا" في الأصل، كما عرفت بـ"جو". وذكروا أنها سميت "يمامة" نسبة إلى "اليمامة بنت سهم بن طسم"، وكانت منازل طسم وجديس في هذا المكان, وقد تناولتها الأيدي حتى صارت في أيدي "بني حنيفة" عند ظهور الإسلام, في قصص من قصص أهل الأخبار (٤٢).
    واليمامة من الأماكن الخصبة في جزيرة العرب، وبها "وادي حنيفة", وبه مياه ومواضع كانت عامرة ثم خربت، وهي اليوم خراب أو آثار, وقد اشتهرت قراها ومزارعها، وكانت من أهم الأرضين الخاضعة لمملكة كندة. ويظهر أن سيلًا جارفًا أو سيولًا عارمة اكتسحت في الإسلام بعض قراها فهجرت, إذ ترى في هذا اليوم آثار أسس بيوت مبنية من اللبن ومن الطين، يظهر أنها اكتسحت بالسيول وجاءت الرمال فغطتها بغطاء لتستر بقاياها عن رؤية النور (٤٣).

    وقد ذكر أهل الأخبار أن اليمامة كانت من "أحسن بلاد الله أرضًا وأكثرها خيرًا وشجرًا ونخيلًا"(٤٤), وبها مياه كثيرة, وقد عرف أهلها بالنشاط وبالتحضر، وذلك بسبب وجود الماء بها، إذ أغرى سحر الماء الناس على الإقامة عند مواضع المياه، فنشأت مستوطنات كثيرة.
    ولا زال أهل اليمامة يعدون من أنشط سكان المملكة العربية السعودية.

    وحدود اليمامة من الشرق البحرين ومن الغرب تنتهي إلى الحجاز، وأما من الشمال فتتصل بوادٍ متصل بالعذيب والضرية والنباج وسائر حدود البصرة وجنوبها بلاد اليمن, هذا على تعريف "ابن رستة", وتبعد "جو" وهي الحضارم عن حجر يومًا وليلة (٤٥).
    ومن مواضع اليمامة "منفوحة"، وهي قرية مشهورة كان يسكنها الأعشى وبها قبره, وهي لبني قيس بن ثعلبة بن عكابة (٤٦).
    ومن مواضع اليمامة الأخرى "المعلاة" من قرى "الخرج"(٤٧).

    ومن أبرز قبائل اليمامة في أيام الرسول "بنو حنيفة"، و"حنيفة" لقب "أثال بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل".
    ويذكر أهل الأخبار، أن "الأحوى بن عوف" المعروف بجذيمة، لقي أثالًا فضربه فحنفه، فلقب حنيفة، وضربه أثال فحذمه جذيمة, فقال جذيمة :

    فإن تَكُ خنصري بانت فإني ... بها حنفت حاملتي أثال (٤٨)

    وقد وفدَ وفدٌ منهم، فيه "مسيلمة بن حبيب" الذي عرف بـ"الكذاب" لادعائه النبوة، وكان قد طلب من الرسول أن يشركه معه في الأمر, وادعى النبوة، ثم قتل, وكان يسجع السجعات مضاهاة للقرآن (٤٩).
    وممن كان في هذا الوفد: "رحال بن عنفوة"، وقد شهد لمسيلمة أن رسول الله أشركه في الأمر فافتتن الناس به، و"سلمي بن حنظلة السحيمي" و"طلق بن علي بن قيس" و"حمران بن جابر بن شمر" و"علي بن سنان" و"الأقعس بن مسلمة" و"زيد بن عبد عمرو"، وعلى الوفد "سلمي بن حنظلة" (٥٠)

    ويذكر أن "سجاح"، وهي "سجاح بنت أوس بن العنبر بن يربوع" التميمية التي تكهنت وادعت النبوة، أتت "مسيلمة الكذاب"، وهو بـ"حجر", فتزوجته، وجعلت دينها ودينه واحدًا، وكان قد اتبعها قوم من "بني تميم" وقوم من أخوالها من "بني تغلب"(٥١).
    ومن "بني حنيفة" : "عُمير" و"قُرين" ابنا "سلمي". وكان "عمير" أوفى العرب، قتل أخاه "قرينًا" بقتيل قتله من جيرانه (٥٢).
    ومنهم "مجاعة بن مرارة بن سلمي"، وكان رسول الله قد أقطعه "الغورة" و"غرابة" و"الحبل", ثم أقطعه "أبو بكر" "الخضرمة" ثم أقطعه "عمر" "الرياء", ثم أقطعه "عثمان" قطيعة أخرى (٥٣).

    ومن رجال اليمامة "محكم بن الطفيل بن سبيع" الذي يقال له "محكم اليمامة"، وقد ارتد وقتل مع من قتل من المرتدين (٥٤).

    تابع الفصل السابع 》》》

    =======================
    (١) اللسان "13/ 113"، "حزن"، تاج العروس "9/ 174"، "حزن".
    (٢) اللسان "13/ 113"، "حزن"، تاج العروس "9/ 174 وما بعدها"، "حزن".
    (٣) المرزوقي، الأمكنة "2/ 162".
    (٤) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة "3/ 465"، ابن عساكر، تأريخ "7/ 329", سيرة ابن دحلان "1/ 22"، Kister, p. 130.
    (٥) Kister, p. 131.
    (٦) المصعب الزبيري، نسب قريش "267", Kister, p. 157.
    (٧) Wellhausen, Peste, S. 57, Gipebaum, Mohammadan Festivals, P. 32. F, Kister, P. 155.
    (٨) الطبري "3/ 1136"، "قدوم الجارود في وفد عبد القيس".
    (٩) ابن سعد، طبقات "1/ 341"، نهاية الأرب "18/ 65 وما بعدها".
    (١٠) ابن سعد، طبقات "1/ 283".
    (١١) الطبري "3/ 136 وما بعدها", "30", البلاذري، فتوح "89".
    (١٢) الطبري "3043/ 309 وما بعدها".
    (١٣) وهو حصن بالبحرين، البلاذري، فتوح "94".
    (١٤) الطبري "3/ 304 وما بعدها".
    (١٥) البلاذري، فتوح "95".
    (١٦) أسد الغابة "4/ 417".
    (١٧) ابن سعد، طبقات "1/ 276".
    (١٨) نهاية الأرب "18/ 167".
    (١٩) ابن سعد، طبقات "1/ 275".
    (٢٠) البلدان "2/ 74"، البلاذري، فتوح "89 وما بعدها".
    (٢١) أسد الغابة "4/ 7"، فتوح البلدان "86", البلدان "2/ 72".
    (٢٢) صفة "136 وما بعدها", "ابن بليهد 1953م".
    (٢٣) ابن سعد، طبقات "1/ 275".
    (٢٤) تاج العروس "3/ 613 وما بعدها"، البكري، معجم "3/ 346"، البلدان "5/ 393"، المعاني الكبير، لابن قتيبة "2/ 954".
    (٢٥) الطبري "3/ 488".
    (٢٦) اللسان "9/ 167".
    (٢٧) صفة "136 وما بعدها", "طبعة ابن بليهد"، اللسان "4/ 345".
    (٢٨) اللسان "12/ 521 وما بعدها".
    (٢٩) صفة "136 وما بعدها"، "ابن بليهد".
    (٣٠) البلدان "4/ 431"، "بيروت 1957م"، صبح الأعشى "3/ 247"، تقويم البلدان "5/ 65"، البكري "4/ 110", شرح مقامات الحريري "2/ 359", "الشريشي".
    (٣١) التحفة النبهانية في تأريخ جزيرة العرب، لخليفة بن أحمد آل نبهان "8/ 57".
    (٣٢) ديوان الأعشى "القصيدة 26"، "ص128"، "طبعة كاير", Geyer.
    (٣٣) المحبر "ص143 وما بعدها، 253".
    (٣٤) ابن الأثير "2/ 89"، البلاذري، فتوح "97".
    (٣٥) "سليط بن عمرو العامري"، نهاية الأرب "18/ 166".
    (٣٦) البكري، معجم "ص1063"، "وقران كرمان باليمامة. وهي وملهم لبني سحيم من بني حنيفة"، تاج العروس "9/ 309"، "قرن".
    (٣٧) الكامل، لابن الأثير "1/ 378", المعارف، لابن قتيبة "97 وما بعدها", الأغاني "16/ 75 وما بعدها".
    (٣٨) الأغاني "16/ 75 وما بعدها"، العمدة، لابن رشيق "2/ 206"، الطبري "2/ 169 وما بعدها" "طبعة دار المعارف بمصر".
    (٣٩) العقد الفريد "2/ 243".
    (٤٠) وكل زوج من الديباج يلبسه
    أبو قدامة مجبورًا بذاك معا
    له أكاليل بالياقوت زينها
    صواغها، لا ترى عيبًا ولا طبعا
    الأمالي, للمرتضى "2/ 172"، ديوان الأعشى "86".
    (٤١) الأغاني "5/ 8", الطبري "1/ 581".
    (٤٢) البلدان "5/ 441"، فتوح البلدان "118"، البكري, معجم "1/ 83", المعاني الكبير لابن قتيبة "2/ 1041", الهمداني, صفة "141", تاج العروس "9/ 114 وما بعدها", "يمم".
    (٤٣) Naval, R., 233.
    (٤٤) تاج العروس "9/ 15"، "يمم".
    (٤٥) ابن رستة، الأعلاق "182"، تاج العروس "9/ 115", "يمم".
    (٤٦) تاج العروس "2/ 242"، "نفح".
    (٤٧) تاج العروس "10/ 250"، "علا".
    (٤٨) تاج العروس "6/ 78"، "حنف".
    (٤٩) الطبري "3/ 137 وما بعدها"، "دار المعارف"، "قدوم وفد بني حنيفة وفيهم مسيلمة".
    (٥٠) ابن سعد، طبقات "316 وما بعدها".
    (٥١) البلاذري، فتوح "108".
    (٥٢) الاشتقاق "ص209".
    (٥٣) البلاذري، فتوح "89، 102 وما بعدها".
    (٥٤) البلاذري، فتوح "98", الاشتقاق "210".


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:27 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    【مجمل الحالة السياسية في جزيرة العرب عند ظهور الإسلام】

    الفصل الخامس :

    وأما "تهامة"، فكان بها عك والأشعرون، وكانوا قد ارتدوا بعد سماعهم خبر وفاة 【الرسول ﷺ】 ولكنهم غُلبوا على أمرهم، وعادوا إلى الإسلام.

    ولما توفي الرسول، كان أول منتقض بعد النبي بتهامة عك والأشعرون, وذلك أنهم حين بلغهم موت النبي تجمعوا وأقاموا على الأعلاب طريق الساحل, فسار إليهم "الطاهر بن أبي هالة" ومعه "مسروق المكي" فهزمهم وقتلهم كل قتلة, وعرفت الجموع من عك ومن تأشب إليهم : الأخابث, وسُمِّي الطريق الذي تجمعوا به "طريق الأخابث"(١).

    وجاء وفد من الأشعريين، فيه "أبو موسى الأشعري" ومعه رجلان من "عك", قدم في سفن في البحر، ثم نزلوا الساحل وذهبوا برًّا إلى المدينة, فرأوا الرسول وبايعوه (٢).
    وأرسلت "جبشان" نفرًا إلى المدينة فيهم "أبو وهب الجشاني"، فأسلموا (٣).
    وكان الحكم في حضرموت إلى الأقيال كذلك.
    وفي أيام 【الرسول ﷺ】 قدم عليه "وائل بن حجر" راغبًا في الإسلام، وكانت له مكانة كبيرة في بلده، وقد نعته كتاب 【الرسول ﷺ】 الذي كتبه إليه بـ"قيل حضرموت"(٤).

    وقد كان لكندة والسكاسك والسكون والصدف أثر كبير في تأريخ حضرموت في هذا العهد الذي نتحدث عنه.
    وذكر "ابن سعد" أن 【الرسول ﷺ】كتب إلى أقيال حضرموت وعظمائهم؛ كتب إلى "زرعة" و"فهد" و"البسّي" و"البحيري" و"عبد كلال" و"ربيعة" و"حجر"(٥).
    وكانت كندة هي القبيلة المتنفذة بحضرموت. كان "الأشعث بن قيس بن معد يكرب الكندي" من رؤساء هذه القبيلة البارزين, وقد مدح الأعشى "قيس بن معد يكرب" بقوله :

    <وجُلُنداء في عُمان مُقيمًا ... ثم قيسًا في حضرموت المُنيف> (٦).

    وكان "الأشعث بن قيس" على رأس وفد كندة الذي وفد على 【الرسول ﷺ】سنة عشر، فأسلم مع قومه على يديه (٧).
    وقد كان رجال الوفد قد رَجَّلوا جمعهم واكتحلوا، ولبسوا جباب الحبرة قد كَفّوها بالحرير، وعليهم الديباج ظاهر مخوص بالذهب، فأمره【الرسولﷺ】 بترك ذلك، فألقوه (٨).

    وذكر "أبو عبيدة"، أن "الأشعث بن قيس" لم يكن كِنديًّا، وإنما صار في كندة بالولاء. وزعم أن والد "قيس" وهو "معد يكرب" كان علجًا من أهل فارس إسكافًا اسمه "سيبخت بن ذكر", قطع البحر من توج إلى حضرموت, وللفرزدق شعر في ذلك قاله في حق "عبد الرحمن" حين خالف عبد الملك بن مروان. كما زعم أن "وردة بنت معد يكرب" عمة الأشعث كانت عند رجل من اليهود، فماتت ولم تخلف ولدًا، فأتى الأشعث "عمر بن الخطاب" يطلب ميراثها، فقال له عمر :
    لا ميراث لأهل ملتين (٩)....

    وقد عرف ملوك كندة الذين راسلهم 【الرسولﷺ】 بـ"بني معاوية"(١٠) وهم الذين عرفوا بـ"بني معاوية الأكرمين" في شعر مُدحوا به.

    وكان مخوص "مخوس" ومشرح وجمد "حمدة" وأبضعة, بنو معد يكرب بن وليعة بن شرحبيل بن معاوية من الرؤساء الملقبين بلقب ملك؛ لأن كل واحد منهم قد اختص بوادٍ ملكه، ولقب نفسه بلقب ملك (١١). وقد نزلوا المحاجر، وهي أحماء حموها، وقد عرف هؤلاء بالملوك الأربعة من بني عمرو بن معاوية وقد لعنهم 【النبي ﷺ】 (١٢).
    وعرفوا بـ"بني وليعة" ملوك حضرموت وقد جاءوا إلى 【الرسولﷺ】 مع وفد كندة فأسلموا (١٣).
    ووفد رئيس آخر من رؤساء حضرموت على 【الرسول ﷺ】 اسمه "وائل بن حجر"، ويظهر أنه كان ذا منزلة كبيرة عند قومه، فلما وصل المدينة أمر 【الرسول ﷺ 】 "معاوية بن أبي سفيان" باستقباله وبإنزاله منزلا خاصا بـ"الحرة", وأمر بأن ينادى ليجتمع الناس: الصلاة جامعة، سرورًا بقدومه، ولما أراد الشخوص إلى بلاده كتب له 【الرسول ﷺ】 كتابًا دعاه فيه بـ"قيل حضرموت"، وذكر فيه أنه جعل له في يديه من الأرضين والحصون. ولما أمر الرسول معاوية بأن ينزل "وائلًا" بالحرة، مشى معاوية معه ووائل راكب, فقال معاوية: الق إليَّ نعليك أتوقَّ بهما من الحر، فقال له: لا يبلغ أهل اليمن أن سوقة لبس نعل ملك، ولما قال له: فأردفني، قال: لستَ من أرداف الملوك، ولكن إن شئتَ قصرت عليك ناقتي فسرتَ في ظلها، فأتى معاوية 【النبي ﷺ】 ، فأنبأه بقوله، فقال 【رسول الله ﷺ】 : "إن فيه لعُبَيّة من عُبَيّة الجاهلية"(١٤).

    وكان "الأشعث الكندي" وغيره من "كندة" نازعوا "وائل بن حجر" على وادٍ بحضرموت فادعوه عند رسول الله، فكتب به 【رسول الله ﷺ】 لوائل بن حجر, بعد أن شهد له أقيال حمير وأقيال حضرموت. فكتب له بذلك، وأقره على ما في يده من الأرضين (١٥).
    ومن قرى حضرموت: تريم ومشطة والنجير وتنعة وشبوة وذمار (١٦).

    وكان 【الرسول ﷺ】 قد استعمل "المهاجر بن أبي أمية" على كندة والصدف, و"زياد بن لبيد البياضي" من "بني بياضة" على حضرموت، و"عكاشة بن محصن" على "السكاسك" و"السكون"(١٧).
    ولما توفي 【الرسول ﷺ】 , خرج "بنو عمرو بن معاوية" إلى محاجرهم، ونزل "الأشعث بن قيس الكندي" محجرًا، و"السمط بن الأسود" محجرًا، وطابقت "معاوية" كلها على منع الصدقة وأجمعوا على الردة، إلا ما كان من "شرحبيل بن السمط" وابنه، فإنهما خالفاهم في رأيهم، فهجم المسلمون على المحاجر، وقتلوا الملوك الأربعة, وساروا على "الأشعث" ومن انضم إليه من "كندة", والتقوا بمحجر الزرقان، فهزمت كندة وعليهم الأشعث, فالتجأت إلى حصن النجير، ومعهم من استغووا من السكاسك وشذاذ من السكون وحضرموت والنجير، فلحقتهم جيوش المسلمين ومنعت المدد عنهم، وأخضعت من بقرى "بني هند" إلى "برهوت"، وأهل الساحل وأهل "محا"، فخاف من بالحصن على نفسه، واستسلم الأشعث وانتهت فتنته (١٨).
    وأُخذ إلى المدينة، فحقن "أبو بكر" دمه، وزوَّجه أخته، ثم سار إلى الشام والعراق غازيًا ومات بالكوفة (١٩).
    وكان "شرحبيل بن السمط" الكندي مقاومًا للأشعث بن قيس الكندي في الرئاسة، وانتقل العداء إلى الأولاد(٢٠).

    وينسب "الصدف" إلى الصدف بن مالك بن مرتع بن معاوية بن كندة, فهم إذن من كندة.
    وذكر أن من سادات حضرموت في هذا العهد : "ربيعة بن ذي مرحب الحضرمي", وقد كتب إليه 【الرسولﷺ】 كتابًا أقره فيه وأقر أعمامه وإخوته وكل "آل ذي مرحب" على أرضهم وأموالهم ونحلهم ورقيقهم وآبارهم ونخلهم وشجرهم ومياههم وسواقيهم ونبتهم وشراجعهم وأن "أموالهم وأنفسهم وزافرًا حائط الملك الذي كان يسيل إلى آل قيس" هو لهم. وكتب الكتاب للرسول معاوية بن أبي سفيان (٢١).

    وكان يتنازع على رئاسة مهرة رجلان منهم عند ظهور الإسلام، أحدهما "شخريت" وهو من "بني شخراة"، وكان بمكان من أرض مهرة يقال له: "جَيْروت" إلى "نضون"، وأما الآخر فبالنجد. وقد انقادت مهرة جميعًا لصاحب هذا الجمع, عليهم "المصبح" أحد بني محارب, والناس كلهم معه، إلا ما كان من شخريت، فكانا مختلفين، كل واحد من الرئيسين يدعو الآخر إلى نفسه.
    وقد قتل "المصبح" في أثناء ردة مهرة، أما شخريت الذي كان قد أسلم ثم ارتد، فقد سلم على نفسه بعودته إلى الإسلام، وأرسل مع الأخماس إلى "أبي بكر" (٢٢).
    ويذكر أهل الأخبار أن بعض رجال "مهرة" وفدوا على الرسول، منهم "مَهْري بن الأبيض", وقد كتب له الرسول كتابًا, و"زهير بن قِرْضم ابن العُجيل بن قباث بن قمومي"، وقد أسلم، وكتب له الرسول كتابًا حين همَّ بالانصراف إلى قومه (٢٣).

    ومن مواضع "مهرة" "رياض الروضة", بأقصى أرض اليمن من مهرة, و"جيروت" و"ظهور الشحر" و"الصبرات" و"ينعب" و"ذات الخيم" (٢٤).

    وأما عمان، فكان المتنفذ والحاكم فيها "الجلندي بن المستكبر"، وكان قد نصب نفسه ملكًا عليها، ويفعل في ذلك فعل الملوك، فيعشر التجار في سوق "دبا" و"سوق صحار". وكانت سوق دبا من الأسواق المقصودة المشهورة, يأتي إليها البائعون والمشترون من جزيرة العرب ومن خارجها، فيأتيها تجار من السند والهند والصين (٢٥)..

    وورد في باب الرسل الذين أرسلهم 【رسول الله ﷺ】 إلى الملوك، أنه أرسل "عمرو بن العاص" إلى "جيفر بن جلندي" و"عباد بن جلندي" "عبيد" "جيفر بن جلندي بن عامر بن جلندي" "عبدا" الأزديين صاحبي عمان (٢٦). مما يدل على أنهما كانا هما الحاكمين على عمان في هذا الوقت. وتعني لفظة "جلنداء" الواردة في شعر الأعشى في مدح "قيس بن معد يكرب" "الجلندي" صاحب عمان (٢٧) وتذكر الروايات أن "جيفر"، كان هو الملك منهما, وكان أسن من أخيه (٢٨).
    وكان يُسامي "الجلندي" "ذو التاج" "لقيط بن مالك الأزدي"، وقد ارتد وادعى بمثل ما ادعى من تنبأ, وغلب على عمان، والتجأ "جيفر" و"عباد" إلى الجبال". فأرسل "أبو بكر" إليهما مددًا، فتغلبا عليه وعلى من التف حوله (٢٩).
    ويظهر أن "لقيطا" كان ينافس ال الجلندي بن المستكبر" على السلطان، وقد اعتصم ال الجلندي" بالإسلام, وانتصروا بفضل المدد الذي وصل إليهم عليه. وقد قتل "لقيط" وسبي أهل "دبا".
    وكلمة "الجلندي" على ما يظهر من روايات الإخباريين ليست اسمًا لشخص, وإنما هي لقب، وقد تعني "لقبا" أو "قيلا" أو "كاهنا" في لهجات أهل عمان. ويؤيد ذلك ما ورد من أنه "ادعى به من كان نبيا"(٣٠).

    وارتدت طوائف من أهل "عمان"، ولحقوا بالشحر، وارتد جمع من "مهرة بن حيدان بن عمرو بن إلحاف بن قضاعة"، فجهز عليهم "أبو بكر" "عكرمة بن أبي جهل بن هشام المخزومي" و"حذيفة بن حصن البارقي" من الأزد، فتغلبا عليهم جميعًا، وعادوا عن ردتهم إلى الإسلام (٣١).
    ودون "ابن سعد" صورة كتاب ذكر أن الرسول كتبه لرجل من "مهرة" اسمه "مهري بن الأبيض", كتبه له "محمد بن مسلمة الأنصاري"(٣٢).

    وغالب أهل عمان من الأزد, وهم من القحطانيين على رأي أهل الأنساب" من نسل "أزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن كهلان بن سبأ". وقد عرفوا بـ "أزد عمان"، تمييزًا لهم عن أزد شنوءة وأزد السراة وعن أزد غسان. وذكر أن أصل كلمة "أزد" هي "أسد"، وأن "أسد" أفصح من "أزد" (٣٣) وأن الأزد نزلت عمان بعد سيل العرم، فغلبت على من كان بها من ناس (٣٤).

    وأما أزد "شنوءة" فقد اتجهوا نحو الشمال، فذهب قوم منهم إلى العراق، وذكر أنهم سموا "شنوءة" لشنآن، أي: تباغض وقع بينهم أو لتباعدهم عن بلدهم (٣٥).
    وإذا أخذنا بهذا التفسير، قلنا: إنه يعني أن هذه الجماعة من الأزد، كانت مستبدية أعرابية، عاشت متباغضة يقاتل بعضها بعضًا، وهذا ما دفع فلولها إلى الارتحال عن مواضعها الأصلية وعلى الانتشار والتفكك والذهاب إلى أماكن بعيدة عن مواطنها شأن الأعراب المتقابلين المتخاذلين.

    ثم نراهم يذكرون أن أول من لحق بعمان من الأزد: "مالك بن فهم بن غانم بن دوس بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن عبد الله بن مالك" وكان سبب خروجه عن قومه إلى عمان: أن كان له جار وكان لجاره كلبة، وكان بنو أخيه "عمرو بن فهم بن غانم يسرحون ويروحون على طريق بيت ذلك الرجل، وكانت الكلبة تعوي عليهم وتفرق غنمهم، فرماها أحدهم بسهم فقتلها, فشكا جار مالك إليه ما فعل بنو أخيه، فغضب مالك وقال: لا أقيم في بلد ينال فيه هذا من جاري، ثم خرج مراغمًا لأخيه عمرو ابن فهم، ثم لحقت به قبائل أخرى من الأزد" (٣٦)

    ويذكر الإخباريون أن "عمان" نسبة إلى رجل اسمه "عمان بن قحطان", وكان أول من نزلها بولاية أخيه يعرب، وذكر أيضًا أن "عمان" اسم وادٍ، كان ينزل الأزد عليه حين كانوا بمأرب، وأن الفرس كانوا يسمون "عمان" "مزون"(٣٧).
    وذكر أن العرب كانت تسمي "عمان" المزون.
    وذكر أن "أردشير بابكان" جعل الأزد ملاحين بشحر عمان قبل الإسلام بستمائة سنة، وقيل: إن المزون، قرية من قرى عمان يسكنها اليهود والملاحون ليس بها غيرهم (٣٨).

    ونزل بعمان ناس من غير الأزد, منهم جمع من "بني تميم"، ومنهم "آل جذيمة بن حازم"، وقوم من "بني النبيت" من الأنصار، ومنازلهم في قرية يقال لها "ضنك" من أعمال "السر"، و"بنو قطن"، من أهل يثرب كذلك، ومنازلهم "عبرى" و"السليف" و"تنعم" من أرض السر، وقوم من "بني الحارث بن كعب"، وآخرون من "قضاعة"، وفروع من "عبس"(٣٩).
    وكان في جملة من وفد من أزد عمان على 【الرسول ﷺ】 ، "أسد بن يبرح الطاحي، خرج في وفد، فبايعوا 【الرسول ﷺ】 وطلبوا منه أن يرسل إليهم رجلًا يقيم أمرهم، فأمر رسول الله "مخربة العبدي"، واسمه "مدرك بن خُوط" بأن يذهب إليهم، ويعلمهم القرآن والأحكام.
    وجاء بعده وفد آخر فيه "سلمة بن عياذ "عباد" الأزدي" (٤٠)..

    ومن عمان "صحار"، وقد اشتهرت بسوقها, و"قلهات" وهي فرضة عمان على البحر، إليها ترفأ أكثر سفن الهند (٤١) و"دبا" "دمار", و"مهرة"(٤٢). ويعقد سوق صحار في أول يوم من رجب، ولا يختفر فيها بخفير، ثم يرتحلون إلى سوق دبا، فيعشرهم "آل الجلندي" (٤٣).
    ودون "ابن سعد" صورة كتاب ذكر أن الرسول كتبه إلى وفد "ثُمالة" و"الحُدان", جاء فيه: "هذا كتاب من 【رسول الله ﷺ】 لبادية الأسياف ونازلة الأجواف مما حاذت صحار"، ثم ورد بعدها ما وضع عليهم الرسول من حقوق. وقد كتب الصحيفة "ثابت بن قيس بن شماس"، وشهد عليها: سعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة.

    وأما البحرين، فجلُّ سكانها من "بني عبد القيس" وبكر بن وائل وتميم, وهم بين أهل شرك أو نصرانية وبين شراذم من يهود ومجوس. أما الوالي عليها في أيام ظهور 【الرسول ﷺ】 فكان "المنذر بن ساوي"(٤٤), وهو من بني عبد الله بن زيد من "بني تميم". وكانوا ملوك المشقر بهجر، وكانت ملوك الفرس قد استعملتهم عليها(٤٥). و"عبد الله بن زيد" هذا هو "الأسبذي"، نسبة إلى قرية بـ"هجر" يقال لها "الأسبذ"، ويقال: إنه نسب إلى "الأسبذيين"، وهم قوم كانوا يعبدون الخيل بالبحرين (٤٦).

    و"المشقر" حصن آخر من حصون البحرين المعروفة، وهو من الحصون العادية لذلك نسب بعض أهل الأخبار بناءه إلى "سليمان بن داود" على عادتهم في إرجاع نسب الأبنية العادية إليه في الغالب, عند عجزهم عن معرفة أصل الأبنية. وذكر بعض آخر أنه من بناء "طسم", وقد كان لعبد القيس، ولهم حصن آخر يليه اسمه "الصفا" قبل مدينة "هجر"، وبين الصفا والمشقر نهر يجري يقال له "العين"، ويذكر أهل الأخبار أن "بني عبد القيس" لما جاءوا بها "إيادًا" فأخرجوهم عنها قهرًا، وأخذوا مكانهم, وأن "كسرى" حبس "تميما" بهذا الحصن، وفيه فتك "المكعبر" والي "كسرى" ببني تميم. وعرف الموضع لذلك بـ"فج بني تميم"(٤٧).
    وقد ورد اسم هذا الحصن في شعر "لبيد بن ربيعة العامري"، إذ قال :

    وأعوصن بالدومي من رأس حصنه ... وأنزلن بالأسباب رب المشقر

    وقد ذكر شارح الديوان أن الشاعر "لبيدًا" قصد بالدومي ملك دومة الجندل, وأن المشقر حصن بالبحرين. "قال أبو عمرو: كان ربه رجلًا من الفرس"(٤٨).
    وجاء في هامش التحقيق أن "المشقر: قصر بالبحرين بناه معاوية بن الحارث بن معاوية الملك الكندي، وكانت منازلهم ضرية، فانتقل أبوه الحارث إلى الغمر، وبنى ابنه المشقر، وقال ابن الأعرابي: المشقر بمدينة قديمة في وسطها قلعة، وهي مدينة هجر" (٤٩).

    وتقع ديار "عبد القيس" إلى الشمال من ديار "أزد عمان"، وهي تشرف على الخليج، وتمتد نحو الشمال حتى تصل إلى منازل قبائل "بكر بن وائل"، وقد خالطتها قبائل أخرى، وسكنت إلى الغرب من ديار "عبد القيس" قبائل "تميم" التي تمتد ديارها موازية لديار "بني عبد القيس" الواقعة إلى شرقها حتى تصل إلى ديار "بكر بن وائل" وديار "أسد" التي تؤلف الحدود الشمالية الغربية لها. وأما القبائل النازلة إلى الغرب من ديار تميم، فهي: أسد وهوازن و"غني" و"باهلة"، وأما القبائل النازلة إلى الجنوب من بلاد تميم، فهي: "أزد عمان" و"عبد مناة" و"ضبة".

    ويظهر من دراسة الروايات التي يرويها أهل الأخبار عن هجرة القبائل، أن "بني عبد القيس" لما جاءوا إلى البحرين، كانت البلاد إذ ذاك لإياد، فجلت إياد من البحرين ونزحت نحو العراق، فكان ما كان لها من مواقف هناك مع الفرس (٥٠).

    وسبب غدر "المكعبر" ببني تميم، هو وثوبهم على قافلة كانت محملة بالطرف والأموال أرسلها "وهرز" عامل كسرى على اليمن إلى كسرى، فاغتاظ "كسرى" من ذلك، وأراد إرسال جيش عليهم، فأخبر أن بلادهم بلاد سوء، قليلة الماء، وأشير إليه أن يرسل إلى عامله بالبحرين أن يقتلهم، وكانت تميم تصير إلى هجر للميرة، فلجأ العامل إلى الغدر بهم، فأمر مناديه أن ينادي: لا تطلق الميرة إلا لتميم، فأقبل إليه خلق كثير، فأمرهم بدخول المشقر وأخذ الميرة، والخروج من باب آخر، فدخل قوم منهم فقتلهم, ثم أجهز على الباقين، وبعث بذراريهم في سفن إلى فارس (٥١).
    وذكر أن "المكعبر" واسمه "فيروز بن جشيش"، تحصن بـ"الزارة" وانضم إليه مجوس كانوا تجمعوا بالقطيف، وامتنعوا عن أداء الجزية، فحاصرها "العلاء" وفتحها في أول خلافة "عمر". وفتح "العلاء" "السابون" و"دارين" في الساحل المقابل من الخليج (٥٢).
    وتميم من القبائل الكبيرة التي كان لها شأن عند ظهور الإسلام، وقد سكنت في مواضع متعددة من جزيرة العرب وفي العراق وبادية الشام. وكان من أشرافها عند ظهور الإسلام: عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمي، والأقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر، وعمرو بن الأهتم، وقيس بن عاصم (٥٣) وربيعة بن رفيع، وسبرة بن عمرو، والقعقاع بن معبد، ووردان بن محرز, ومالك بن عمرو، وحنظلة بن دارم، وفراس بن حابس (٥٤) ، وقيس بن الحارث, ونعيم بن سعد، ورباح بن الحارث (٥٥), و"سفيان بن الحارث بن مصاد" (٥٦).

    وكان "الزبرقان بن بدر" على الرباب وعوف والأبناء، وقيس بن عاصم على "مقاعس" والبطون، و"صفوان بن صفوان" على "بهدى"، و"سبرة بن عمرو" على "خضم" من "بني عمرو", و"بهدى" و"خضم" قبيلتان من "بني تميم"، و"وكيع بن مالك"، و"مالك بن نويرة" على "بني حنظلة", و"وكيع" على "بني مالك"، و"مالك" على "بني يربوع". ولما وقعت "الردة"، ارتبك موقف زعماء "تميم"، وكانوا متخاصمين غير متفقين فيما بينهم، وبينهم تحاسد وتباغض، منهم من أدى الصدقة ومنهم من امتنع، وتخاصموا فيما بينهم بسبب ذلك. وزاد في ارتباكهم هذا قدوم "سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان" من الجزيرة، وكانت ورهطها في "بني تغلب" تقود أفناء "ربيعة"، ومعها "الهذيل بن عمران" في "بني تغلب" و"عقة بن هلال" في النمر، و"تاد" في إياد، و"السُّليل بن قيس" في "شيبان"، وحاروا في أمرهم، منهم من انضم إليها ومنهم من خالفها وقاتلها، ثم اتجهت نحو"مسيلمة" باليمامة واتفقت معه، ثم غادرته راجعةً إلى قومها (٥٧).
    ولما امتنع "مالك بن نويرة" عن دفع الصدقة، سار إليه "خالد بن الوليد", إلى "البطاح"، وكان قد فرق قومه، وأمرهم بعدم التعرض والمقاومة، ولكنه قتل، وانتهى بذلك أمر تميم (٥٨).
    وكان "الأقرع بن حابس بن عقال" المجاشعي الدارمي في جملة المؤلفة
    قلوبهم (٥٩), وهو من سادات تميم. وذكر أنه كان على دين المجوس (٦٠).

    تابع الفصل السادس 》》》

    ==================
    (١) الطبري "3/ 320 وما بعدها".
    (٢) ابن سعد، طبقات "1/ 348"، نهاية الأرب "18/ 23".
    (٣) ابن سعد, طبقات "1/ 359".
    (٤) ابن خلدون "2/ 56 وما بعدها", "القسم الثاني", "الوفود".
    (٥) ابن سعد، طبقات "1/ 283 وما بعدها".
    (٦) ديوان الأعشى "القصيدة 63، البيت 15".
    (٧) الطبري "3/ 138 وما بعدها" "قدوم الأشعث بن قيس في وفد كندة", نهاية الأرب "18/ 87 وما بعدها".
    (٨) ابن سعد, طبقات "1/ 328".
    (٩) ابن رستة, الأعلاق "205".
    (١٠) ابن سعد، طبقات "1/ 265".
    (١١) البلدان "3/ 294" "حضرموت", ابن خلدون "2/ 56", "القسم الثاني", "الوفود" البلاذري، فتوح "109".
    (١٢) ابن الأثير "2/ 158 وما بعدها".
    (١٣) ابن سعد، طبقات "1/ 349".
    (١٤) ابن سعد، طبقات "1/ 287".
    (١٥) ابن سعد، طبقات "1/ 349 وما بعدها".
    (١٦) المحبر "ص185".
    (١٧) المحبر "ص186 وما بعدها", الطبري "3/ 330", "ذكر خبر حضرموت في ردتهم".
    (١٨) الطبري "3/ 332 وما بعدها".
    (١٩) البلاذري، فتوح "110".
    (٢٠) البلاذري، فتوح "143".
    (٢١) ابن سعد، طبقات "1/ 266".
    (٢٢) الطبري "3/ 316 وما بعدها"، "ذكر خبر مهرة بالنجد".
    (٢٣) ابن سعد، طبقات "3551 وما بعدها".
    (٢٤) الطبري "3/ 317".
    (٢٥) المحبر "ص265 وما بعدها"، البلاذري "87"، "عمان".
    (٢٦) الطبري "3/ 645"، "المحبر "ص77"، "الطبري" 3/ 29" "دار المعارف".
    (٢٧) وجلنداء في عمان مقيمًا
    ثم قيسًا في حضرموت المنيف
    ديوان الأعشى "312" "طبعة الدكتور م. محمد حسين"، القصيدة 63، البيت 15، البلاذري، فتوح "87", ابن الأثير، الكامل "2/ 252"، تاج العروس "2/ 323"، "جلد".
    (٢٨) نهاية الأرب "18/ 167 وما بعدها".
    (٢٩) الطبري "3/ 213 وما بعدها"، "دار المعارف"، ابن الأثير "2/ 156، 252".
    (٣٠) الطبري "3/ 314".
    (٣١) البلاذري، فتوح "87 وما بعدها".
    (٣٢) ابن سعد، طبقات "1/ 286".
    (٣٣) اللسان "3/ 71 وما بعدها"، الاشتقاق "283"، تاج العروس "2/ 389".
    (٣٤) السالمي، تحفة الأعيان "1/ 7".
    (٣٥) تاج العروس "1/ 82".
    (٣٦) السالمي، تحفة الأعيان "1/ 9".
    (٣٧) اللسان "13/ 289"، السالمي، تحفة الأعيان "1/ 7".
    (٣٨) اللسان "13/ 407".
    (٣٩) السالمي، تحفة الأعيان "1/ 9".
    (٤٠) ابن سعد، طبقات "1/ 351"، نهاية الأرب "18/ 115".
    (٤١) السالمي، تحفة الأعيان "1/ 8"، البكري، معجم "3/ 109".
    (٤٢) البلاذري، فتوح "88".
    (٤٣) السالمي، تحفة الأعيان "1/ 8".
    (٤٤) ابن الأثير "2/ 89", الطبري "2/ 161 وما بعدها"، البلدان "2/ 74", المحبر "ص265".
    (٤٥) المحبر "ص265".
    (٤٦) البلاذري، فتوح "89"، تاج العروس "2/ 564"، "السبذة".
    (٤٧) وهناك مواضع أخرى عرفت باسم "المشقر"، البلدان "4/ 615" "طهران"، القزويني، آثار البلاد وأخبار العباد "73"، مراصد الاطلاع "3/ 1275"، البكري، معجم "3/ 1232".
    (٤٨) شرح ديوان لبيد "ص56".
    (٤٩) شرح ديوان لبيد "ص56"، هامش رقم "1".
    (٥٠) الأغاني "20/ 23"، البكري "1/ 67، 82", البلاذري، أنساب "1/ 25", الجاحظ، البيان "1/ 121".
    (٥١) آثار البلاد "ص73".
    (٥٢) البلاذري، فتوح "95 وما بعدها".
    (٥٣) الطبري "3/ 115"، "قدوم بني تميم ونزول سورة الحجرات", نهاية الأرب "18/ 32 وما بعدها".
    (٥٤) الطبري "3/ 157".
    (٥٥) ابن سعد، طبقات "1/ 293 وما بعدها".
    (٥٦) ابن سعد، طبقات "3/ 267 وما بعدها".
    (٥٧) الطبري "3/ 267 وما بعدها".
    (٥٨) الطبري "3/ 276 وما بعدها"، "ذكر البطاح وخبره", الميداني، مجمع الأمثال "2/ 139"، العقد الفريد "3/ 264"، زهر الآداب "3/ 761"، تأريخ خليفة بن خياط "1/ 70".
    (٥٩) تاج العروس "6/ 44"، "ألف".
    (٦٠) الأعلاق النفيسة "217".


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:28 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    【مجمل الحالة السياسية في جزيرة العرب عند ظهور الإسلام】

    الفصل الرابــــع :

    وبقيت "همدان" قبيلة قوية من قبائل اليمن، وقد أسلمت كلها في يوم واحد، أسلمت يــــوم مقــــدم "علي بن أبي طالب" إلى اليمن على رأس سرية أمر 【الــــرسول ﷺ】 بإرسالها إلى هنـــاك.

    وقــد فــــرح 【الرسول ﷺ】 بإسلامها وتتابع أهــــل اليمن على الإســــلام.

    وقد كانت "همدان" بطونًا عديدة؛ مـن بطــــونها :
    "بنو ناعط"، ومن رجالهــــم "حمرة ذو المشعار بن أيفع"، وكــــان شــريفًا في الجاهلية، والظاهــــر أنـه كان صاحب موضع "المشعار"(١) وهو "أبو ثــــور".

    وقد وفــــد على 【الرسولﷺ】 ووفـد معه "مالك بن نمط"، و"مالك بن أيفع"، و"ضمام بن مالك السماني"، و"عميرة بن مالك الحارفي"، فلقوا 【رسول الله ﷺ】 بعد مرجعه من تبوك، وعليهم مقطعات الحبرات والعمائم المعدنية، برحال اللبس على المهرية والأرحبية (٢).

    ويذكر أهـل الأخبار، أن الوفد لما وصل المدينة، ارتجز "مالك بن نمط" رجـــزًا ثـــم خطب بين يـــدي 【الرسول ﷺ】 ذاكرًا لـه أن نصية، أي : أخيارًا أشرافًا من "همدان" يريد رجال الوفد، قدمت إلى 【الرسول ﷺ】 وهي "مــن كـــل حاضر وبادٍ"، أي : من أهل الحضر ومن أهـل البادية، ومن أهل مخلاف خارف ويــام وشاكر، ومـن أهل الإبل والخيل قدموا إليـــه، بعــد أن عافـــوا الأصنام واعتنقوا الإســـلام، فأثنى 【الـــرسول ﷺ】 عليهم وشكرهم وكتب لهم كتابًا وجهه "لمخلاف خـــارف وأهل جنــاب الهضب، وحقاف الرمل مع وافدها, ذي المشعار: مالك بن نمط، ومن أسلم من قومه", ثم بين لهم ما عليهم وما لهـــم (٣).

    وورد أن "قيس بن مالك بن سعد بن لأي الأرحبي" قـــدم على 【رسول الله ﷺ】 وهو بمكة، فعرض 【رسول الله ﷺ】 عليه الإسلام فأسلم، ثـــم خــرج إلى قومه فأسلموا بإسلامه، ثم عاد إلى الرسول فأخبره بإسلامهم، فكتب له عهدًا على قومه "همدان".
    وذكر أن رجلًا مر 【بالرسول ﷺ】 وهو من "أرحب" من "همدان"، اسمه "عبد الله بن قيس ابن أم غزال" فعرض عليه 【الرسول ﷺ】 الإسلام، فأسلم، فلما عاد إلى قومه قتله رجل من "بني زُبَيْد"(٤) وجاء وفد آخر من "همدان" إلى الرسول فأسلم على يديه، وكان فيه "حمزة بن مالك" من "ذي شعار"، وكان على الوفد مقطعات الحبرة مكففة بالديباج، فكتب الرسول لهم كتابًا، وأوصاهم بقومهم من بقية بطون همدان (٥).....•

    وورد أن 【الرسول ﷺ】 كتب لـ"قيس بن مالك بن سعد الأرحبي" عهدًا ثبته فيه على قومه "همدان: أحمورها وعربها وخلائطها ومواليها أن يسمعوا له ويطيعوا"(٦).

    وذكر أن الأحمور : قدم، وآل ذي مران، وآل ذي لعوة، وأذواء همدان
    وقيل : حمورها : أهل القرى.
    وأرى أن المراد بالأحمور هم بقايا حمير الناطقون بالحميرية وهم سكان القرى والمدن، ذُكروا وخُصوا بالذكر؛ لأنهم اختلفوا عن غيرهم ممن كان يتكلم بلهجات أخرى, ولهذا ميزوا عن "عربها"، أي عرب همدان وهم الأعراب، وعن الخلائط وهم الذين يكونون أخلاط الناس وعن الموالي.

    وذهب بعض الباحثين إلى أن "عربها" بالغين، أي : "غربها", ويراد بهم : أرحب، ونهم وشاكر ووداعة ويام وموهبة ودالان وخارف وعذر وحجور (٧)....•

    وأما "بنو زبيد" فكان على رأسهم "عمرو بن معد يكرب الزبيدي"، وكان قد قدم على 【الرسول ﷺ】 في أناس من قومه، ليعرض عليه الإسلام، فأسلم وأسلم من كان معه (٨).

    وقد نعت بالشجاعة فدعي بـ"فارس العرب"(٩) وهو لقب يلقب به الشجعان الفرسان, وأقام في قومه من بني زبيد، وعليهم "فروة بن مسيك المرادي"، الذي كان قد استعمله الرسول على مراد وزبيد ومذحج كلها. فلما توفي 【رسول الله ﷺ】 ارتد عمرو بن معد يكرب, ووثب "قيس بن عبد يغوث" على "فروة بن مسيك"، وهو على مراد، فأجلاه ونزل منزله (١٠)....•

    وكان "عمرو بن معد يكرب" قد لقي "قيس بن مكشوح المرادي" حين انتهى إليه أمر رسول الله، فعرض عليه أن يذهب معه إلى 【رسول الله ﷺ】 حتى يعلم علمه، فإن كان نبيا، فإنه لا يخفى أمره عليهم، وإن كان غير ذلك علم علمه أيضا وتركه، فلم يأخذ "قيس" برأيه وسفه فكرته، ثم أوعد "قيس" "عمرو بن معد يكرب" يوم سمع بذهابه إلى 【الرسول ﷺ】 وباعتناقه الإسلام، وقال : "خالفني وترك رأيي"(١١).
    وكان "فروة بن مسيك المرادي" من "بني مراد"(١٢).
    وقد عده "ابن حبيب" في جملة الجرارين، أي : الذين قادوا ألفًا (١٣).

    وقد كان مفارقًا لملوك كندة، ومعاندًا لهم, وقد شهد يوم الرزم، وهو يوم كان بين مراد قوم فروة وبين همدان، انتصرت فيه همدان على مراد. وقد نسبوا شعرًا لفروة ذكروا أنه قاله يعتذر فيه عن الهزيمة التي أصابت مرادًا في ذلك اليوم، وكان الذي قاد همدان فيه "مراد الأجدع بن مالك"(١٤).

    ولما وصل "فروة" المدينة، نزل على "سعد بن عبادة"، وقد أكرمه الرسول، واستعمله على مراد وزبيد ومذحج، وبعث معه "خالد بن سعيد بن العاص" على الصدقات (١٥).
    وإلى بني الحارث بن كعب أرسل الرسول خالد بن الوليد يدعوهم إلى الإسلام, أو البقاء على دينهم وهو النصرانية مع دفع الجزية. فأسلم أكثرهم، وذهب وفد منهم فيه "قيس بن الحصين بن يزيد بن قنان ذي الغصة"، و"يزيد بن عبد المدان"، و"يزيد بن المحجل"، و"عبد الله بن قريظ الزيادي"، و"شداد بن عبد الله القناني"، و"عمرو بن عبد الله الضبابي"، فقابل الرسول، وكان السواد غالبًا على لونهم، فقال 【الرسول ﷺ】لما رآهم: "من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال من الهند؟ ". قيل: يا رسول الله، هؤلاء بنو الحارث بن كعب (١٦)...•

    وأمر 【رسول الله ﷺ】 "قيس بن الحصين" على "بني الحارث بن كعب", كما زار 【الرسول ﷺ】 "عبدة بن مسهر الحارثي" في المدينة، وأسلم على يديه (١٧).

    وكتب 【الرسول ﷺ】 لبني الضباب من "بني الحارث بن كعب" أن لهم ساربة ورافعها، لا يُحاقّهم فيها أحد ما داموا مسلمين، وكتب كتابهم هذا المغيرة (١٨).
    وكتب لبني قنان بن وعلة من بني الحارث كتابًا أن لهم محبسًا وأنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم، كتبه له المغيرة أيضا.
    وأمر الرسول كاتبه : الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، أن يكتب لعبد يغوث بن وعلة الحارثي، أن له ما أسلم عليه من أرضها وأشيائها، أي نخلها ما دام يقوم بما يفرضه الإسلام عليه من واجبات, وكتب له "علي بن أبي طالب" أن لبني زياد بن الحارث جماء وأذنبة.
    وأمر 【رسول الله ﷺ】 المغيرة بن شعبة أن يكتب ليزيد بن المحجل الحارثي، أن له ولقومه نمرة ومساقيها ووادي الرحمان من بين غابتها، وأنه على قومه من "بني مالك" و"عقبة" لا يغزون ولا يحشرون (١٩).

    وأمر 【الرسول ﷺ】 أن يكتب كتابًا لـ"قيس بن الحصين ذي الغصة" أمانة لبني أبيه بني الحارث ولبني نهد حلفاء بني الحارث، يؤمنهم على أموالهم ما داموا مسلمين، وكتب كتابًا يشهد بإسلام "بني قنان بن يزيد" الحارثيين، ويؤمنهم فيه أيضا أن لهم مذودًا وسواقيه. وكتب مثل ذلك لعاصم بن الحارث الحارثي، أن له نجمة من راكس لا يحاقه فيها أحد (٢٠).
    وكان "عوز بن سُرير الغافقي" في جملة من وفد من "غافق" على 【الرسول ﷺ】 كما كان فيهم "جليحة بن شجار بن صُحار الغافقي"(٢١).

    وقد آلم -ولا شك- خروج الحبش من اليمن البيزنطيين كثيرًا, وأصيبوا بخروجهم منها بخسارة من الوجهة العسكرية والاقتصادية، غير أن مما خفف من هذه المصيبة أن الفرس لم يكن لديهم آنذاك أسطول قوي يستطيع الهيمنة على مضيق المندب، مدخل البحر الأحمر، بل ولا سفن كافية يكون في وسعها حماية سواحل اليمن والعربية الجنوبية. لذلك لم يهدد دخولهم اليمن السواحلَ الإفريقية المقابلة لسواحل جزيرة العرب، وهي مهمة بالنسبة للروم، ثم إنهم عوضوا عن خسارتهم الكبيرة الفادحة التي نزلت بهم باحتلال الفرس لبلاد الشام، بطردهم الفرس وإجلائهم عن كل الأرضين التي استولوا عليها, وبإعادتهم "الصليب المقدس" إلى مكانه. فرفعوا بذلك من معنوياتهم في الشرق الأوسط وفي إفريقيا.

    وقد سُرَّ اليهود من خروج الحبش من اليمن ومن استيلاء الفرس عليها، إذ صاروا في حكم حكومة لا تحقد عليهم، حكومة لا يهمها أمر اليهود لعدم وجود علاقة لها بها. بل ربما ساعدتها لأنها تناهض الروم على عكس النصرانية التي كانت قد وجدت في الحبشة نصيرًا ومساعدًا؛ لذلك قل أتباعها وانحسروا تدريجيا وبقيت متمركزة بمدينة نجران.

    ولنجران وضع خاص, فقد تمتعت باستقلال ذاتي في الغالب, وقد تحرشتُ بتأريخها في مواضع متعددة من هذا الكتاب وبحسب المناسبات. ولما استولى الفرس على اليمن لم تدخل في طاعتهم ولم تخضع لحكم "عاملهم"، بل أخذت تدير شئونها بنفسها وبمجلس تنفيذي حصر أمور البلد في أيدي سادات ثلاثة اختص أحدهم بالحكم المدني، واختص ثانيهم بالنظر في أمور الدين، واختص الثالث في شئون الأمن والدفاع عن المدينة، وقد عرفوا بالعاقب والسيد والأسقف، وقد قدموا على الرسول وباهلوه، وكتب لهم كتاب الصلح وذلك سنة عشر للهجرة, واشترط عليهم في جملة ما اشترطه فيه، ألا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به(٢٢), وكتب الكتاب : المغيرة (٢٣).
    وذكر أن الوفد الذي خرج إلى 【الرسول ﷺ】 من نجران كان مؤلفًا من أربعة عشر رجلًا من أشرافهم نصارى، فيهم :
    العاقب، وهو عبد المسيح، رجل من كندة، وأبو الحارث بن علقمة، رجل من بني ربيعة، والسيد وأوس ابنا الحارث، وزيد بن قيس، وشيبة، وخويلد، وخالد، وعمرو، وعبيد الله، وفيهم ثلاثة نفر يتولون أمورهم، والعاقب، وهو أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم، والسيد، وهو صاحب رحلهم. فتقدمهم "كرز" أخو "أبي الحارث"، ثم قدم الوفد بعده، فدخلوا المسجد عليهم ثياب الحبرة، وأردية مكفوفة بالحرير، ثم كلموا 【الرسول ﷺ】 وصالحهم على شروط، ثم عادوا إلى ديارهم، ثم عاد السيد والعاقب إلى المدينة فأسلما، وبقي الآخرون على دينهم إلى زمن "عمر" فأجلاهم؛ لأنهم أصابوا "الربا" وكثر بينهم، واشترى عقاراتهم وأموالهم، فتفرقوا، فنزل بعضهم الشام ونزل بعضهم "النجرانية" بناحية الكوفة (٢٤).
    وكان الحكم في نجران لـ"بني الأفعى"، ثم تحول إلى "بني الحارث بن كعب"، فلما ظهر الإسلام كان حكامها من بني الحارث بن كعب. أما بنو الأفعى فكانوا كثرة فيها, غير أن الحكم لم يكن في أيديهم (٢٥).

    ولما توفي 【رسول الله ﷺ】 كان عامله "عمرو بن حزم" بنجران (٢٦).
    ولما قام "ذو الخمار عبهلة بن كعب" وهو "الأسود"، بعامة مذحج على الإسلام في حياة 【الرسول ﷺ】 وكان كاهنًا شعباذًا، يُرِي الناس الأعاجيب، ويسبي قلوب من سمع منطقه، أخرج "عمرو بن حزم" من نجران، واستولى عليها ثم سار "عبهلة" إلى صنعاء فأخذها، وأخذ يدعو الناس إليه، حتى قضى عليه (٢٧)..

    وأرسل 【الرسول ﷺ】 قبل وفاته بقليل "وبر بن يُحنس" إلى "فيروز" و"جُشيش الديلمي"، و"داذوية الإصطخري"، و"جرير بن عبد الله" إلى "ذي الكلاع" و"ذي ظليم"، و"الأقرع بن عبد الله الحميري" إلى "ذي زود" و"ذي مران"؛ وذلك للقضاء على "الأسود" وعلى من استجاب إليه، فقتل. قتله "فيروز الديلمي" و"قيس بن مكشوح المرادي"، وعاد من ارتد واتبعه إلى الإسلام، ولم يكن الرسول قد فارق الدنيا بعد (٢٨)..

    وكان 【النبي ﷺ】 حين وفاته قد نصب عمالًا على عمالات تمتد من مكة إلى اليمن، فكان على مكة وأرضها "عتاب بن أُسَيْد" و"الطاهر بن أبي هالة"؛ عتاب على بني كنانة والطاهر على عك, وعلى "الطائف" وأرضها "عثمان بن أبي العاص" و"مالك بن عوف النصري"؛ "عثمان" على أهل المدر ومالك على أهل الوبر أعجاز هوازن, وعلى نجران وأرضها عمرو بن حزم وأبو سفيان بن حرب؛ عمرو بن حزم على الصلاة، وأبو سفيان بن حرب على الصدقات, وعلى ما بين "رمع" و"زبيد" إلى حد "نجران" خالد بن سعيد بن العاص، وعلى همدان كلها "عامر بن شهر"، وعلى "صنعاء" فيروز الديلمي يسانده داذوية وقيس بن المكشوح، وعلى الجند يعلى بن أمية، وعلى مأرب أبو موسى الأشعري، وعلى الأشعريين مع عك الطاهر بن أبي هالة، ومعاذ بن جبل يعلم القوم، يتنقل في عمل كل عامل. بقي الحال على هذا المنوال حتى نزا بهم الأسود الكذاب (٢٩)....•

    وورد في رواية أخرى، أن 【رسول الله ﷺ】 وجه "خالد بن سعد بن العاص" أميرًا على صنعاء وأرضها، وذكر أنه ولى "المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي" صنعاء، فقبض وهو عليها. وقال آخرون: إنما ولى "المهاجر" "أبو بكر"، وولى "خالد بن سعيد" مخاليف أعلى اليمن. وذكر أيضا أن رسول الله ولى "المهاجر" كندة والصدف، فلما قبض 【رسول الله ﷺ】 كتب أبو بكر إلى "زياد بن لبيد البياضي" من الأنصار بولاية كندة والصدف إلى ما كان يتولى من حضرموت, وولى المهاجر "صنعاء".
    والذي عليه الإجماع أن 【رسول الله ﷺ】 ولى "زياد بن لبيد" حضرموت (٣٠).

    ولما ارتد "قيس بن عبد يغوث المكشوح" ردته الثانية، وعمل في قتل فيروز وداذوية وجشيش، وكتب إلى "ذي الكلاع" وأصحابه : "إن الأبناء نُزَّاع في بلادكم، وثقلاء فيكم، وإن تتركوهم لن يزالوا عليكم، وقد أرى من الرأي أن اقتل رءوسهم، وأخرجهم من بلادنا"، كتب "أبو بكر" إلى "عمير ذي مران" وإلى "سعيد ذي زود" وإلى "سميفع ذي الكلاع" وإلى "حوشب ذي ظلم"، وإلى "شهر ذي يناف"، يأمرهم بالتمسك بالإسلام، وبمقاومة "قيس" والمرتدين. فكاتب "قيس" "تلك الفالة السيارة اللحجية، وهم يصعدون في البلاد ويصوبون, محاربين لجميع من خالفهم" "وأمرهم أن يتعجلوا إليه، وليكون أمره وأمرهم واحدًا، وليجتمعوا على نفي الأبناء من بلاد اليمن"؛ فاستجابوا له، ودنوا من صنعاء. وعمد إلى الحيلة لقتل "فيروز"، و"داذوية" و"جشيش", وتمكن من "داذوية"، فقتله. فأحس "فيروز" و"جشيش" بالمكيدة، فهربا إلى "خولان"، وهم أخوال "فيروز"، وامتنع "فيروز" بأخواله، فثار "قيس" بصنعاء، وجمع "فيروز" من تمكن جمعه من الأبناء، وكتب إلى "بني عقيل بن ربيعة بن عامر بن صعصعة" وإلى "عك" يستنصرهم ويستمدهم على "قيس". فساروا إليه ووثبت "عك" وعليهم "مسروق"، وسار "فيروز" بهم نحو "قيس", فهرب في قومه والتحق بفلول "العنسي" التي تذبذبت بعد مقتله، وسار فيما بين صنعاء ونجران، وانضم إلى "عمرو بن معد يكرب". وكان "عمرو" قد فارق قومه "سعد العشيرة" في "بني زبيد" وأحلافها وانضم إلى "العنسي".
    ولما أرسل "أبو بكر" مددًا إلى من أرسله إلى اليمن، انضم إليه قوم من "مهرة" وسعد زيد والأزد وناجية وعبد القيس وحُدبان من بني مالك، وقوم من العنبر, والنخع، وحمير، واختلف "قيس" مع "عمرو بن معد يكرب"،وانفلَّ من كان معهما وأُخذا أسيريْنِ إلى أبي بكر، فعفا عنهما, وانتهت بذلك ردة هذين المرتدين (٣١)

    ومن "بني خُشَين" "أبو ثعلبة الخشي"، وقد وفد على 【الرسولﷺ】 وأسلم, ووفد عليه نفر من "خشين", فنزلوا عليه وأسلموا وبايعوه ورجعوا إلى قومهم (٣٢).
    وكان من جملة وفود أهل اليمن إلى الرسول، وفد "بهراء", جاءوا إلى المدينة فأسلموا، وقد نزلوا على "المقداد بن عمرو" (٣٣).......•

    ومن قبائل اليمن قبائل "مذحج"، وتقع منازلها جنوب منازل "خثعم" وفي شمال ديار "فهد". ومن بطونها "الرهاويون"، وهم حي من مذحج، قدم وفد منهم على 【الرسول ﷺ】سنة "عشر" للهجرة فأسلموا, وقدم رجل منهم اسمه "عمرو بن سبيع" على الرسول فأسلم، فعقد له 【رسول الله ﷺ】 لواء (٣٤)....•

    وأرسل "النخع" رجلين منهم إلى 【النبي ﷺ】 : "أرطاة بن شراحيل بن كعب" من "بني حارثة بن مالك بن النخع" و"الجهيش"، واسمه "الأرقم" من "بني بكر بن عوف بن النخع" فأسلما، وعقد لأرطاة لواء على قومه، وجاء وفد آخر من وفد النخع من اليمن سنة إحدى عشرة، وهم مائتا رجل، وكان فيهم "زرارة بن عمرو" وقيل: هو "زرارة بن قيس بن الحارث بن عداء"، وكان نصرانيا، فأسلموا، وبايعوا 【الرسول ﷺ】 وكانوا قد بايعوا "معاذ بن جبل" باليمن (٣٥).
    وقدم "جرير بن عبد الله البجلي" سنة عشر المدينة على رأس وفد من قومه "بجيلة", فأسلموا وبايعوا الرسول. وقدم وفد آخر منهم فيه "قيس بن عزرة الأحمسي" فأسلموا وعادوا إلى ديارهم (٣٦).

    وجاء وفد "خثعم" وفيه "عثعث بن زحر" و"أنس بن مدرك", فأسلموا، وكتب النبي لهم كتابا (٣٧).
    وقد دون "ابن سعد" صورة كتاب ذكر أن 【الرسول ﷺ】 كتبه لـ"خثعم" "من حاضر بيشة وباديتها"، وأن الذي كتبه له وشهد عليه "جرير بن عبد الله" ومن حضر (٣٨).
    ودون "ابن سعد" صورة كتاب آخر، أمر 【الرسول ﷺ】 بكتابته لـ"مطرف بن الكاهن الباهلي", جاء فيه : "هذا كتاب من محمد رسول الله لمطرف بن الكاهن, ولمن سكن بيشة من باهلة"(٣٩).....

    ويظهر منه أن "مطرفًا" المذكور وقومه من باهلة كانوا يقيمون إذ ذاك بـ"بيشة", ودون "ابن سعد" صورة كتاب آخر كتبه الرسول إلى "نهشل بن مالك الوائلي" من "باهلة" (٤٠) ولم يذكر الكتاب مواضع منازلهم.

    وكان من رجال "جُعْفى" الذين وفدوا على الرسول: "قيس بن سلمة بن شراحيل" و"سلمة بن يزيد"، فأسلما واستأذنا الرسول بالعودة إلى منازلهما. فلما كانا في الطريق، لقيا رجلًا من أصحاب 【رسول الله ﷺ】 معه إبل من إبل الصدقة، فطردا الإبل، وأوثقا الراعي. ومن "جعفي" "أبو سيرة", وهو "يزيد بن مالك بن عبد الله الجعفي" وابناه "سبرة" و"عزيز"، قدم بهما أبوهما على 【الرسول ﷺ】 وأسلموا (٤١).

    وأما "تهامة"، فكان بها "عك" و"الأشعرون" ، وكانوا قد ارتدوا بعد سماعهم خبر وفاة 【الرسول ﷺ】 ولكنهم غُلبوا على أمرهم، وعادوا إلى الإسلام (٤٢)...

    تابع الفصل الخامس 》》》

    =============
    (١) الاشتقاق "ص251".
    (٢) نهاية الأرب "18/ 10 وما بعدها".
    (٣) نهاية الأرب "18/ 11 وما بعدها".
    (٤) ابن سعد، طبقات "1/ 340 وما بعدها", نهاية الأرب "18/ 9 وما بعدها".
    (٥) ابن سعد، طبقات "1/ 340 وما بعدها".
    (٦) نهاية الأرب "18/ 9".
    (٧) الطبري "3/ 132 وما بعدها"، "دار المعارف".
    (٨) الاشتقاق "ص245".
    (٩) الطبري "3/ 134 وما بعدها", ابن سعد، طبقات "1/ 328".
    (١٠) الطبري "3/ 185".
    (١١) الطبري "3/ 132 وما بعدها"، "قدوم وفد زبيد"، نهاية الأرب "18/ 85".
    (١٢) الاشتقاق "ص246".
    (١٣) المحبر "ص252".
    (١٤) الطبري "3/ 134 وما بعدها", "دار المعارف".
    (١٥) ابن سعد، طبقات "1/ 327", نهاية الأرب "18/ 84 وما بعدها".
    (١٦) الطبري "3/ 126 وما بعدها", "دار المعارف بمصر"، ابن سعد، طبقات "1/ 339 وما بعدها".
    (١٧) ابن سعد، طبقات "1/ 340".
    (١٨) ابن سعد "1/ 267 وما بعدها".
    (١٩) ابن سعد "1/ 268".
    (٢٠) ابن سعد، طبقات "1/ 268".
    (٢١) ابن سعد، طبقات "1/ 352".
    (٢٢) الطبري "3/ 139", "دار المعارف", البلاذري، فتوح "75 وما بعدها".
    (٢٣) ابن سعد، طبقات "1/ 266".
    (٢٤) ابن سعد، طبقات "1/ 358 وما بعدها", البلاذري, فتوح "75 وما بعدها", نهاية الأرب "18/ 121 وما بعدها".
    (٢٥) الطبري "3/ 321 وما بعدها".
    (٢٦) الطبري "3/ 130".
    (٢٧) الطبري "3/ 185", "ثم دخلت سنة إحدى عشرة".
    (٢٨) الطبري "3/ 187، 227 وما بعدها", "بقية الخبر عن أمر الكذاب العنسي".
    (٢٩) الطبري "3/ 318 وما بعدها".
    (٣٠) البلاذري، فتوح "80".
    (٣١) الطبري "3/ 323 وما بعدها".
    (٣٢) ابن سعد، طبقات "1/ 329", نهاية الأرب "18/ 23".
    (٣٣) ابن سعد، طبقات "1/ 344 وما بعدها".
    (٣٤) ابن سعد، طبقات "1/ 331".
    (٣٥) ابن سعد، طبقات "1/ 346", "زرارة بن قيس بن الحارث بن عدي بن الحارث بن عوف", نهاية الأرب "18/ 110".
    (٣٦) ابن سعد، طبقات "1/ 347".
    (٣٧) ابن سعد، طبقات "1/ 348".
    (٣٨) ابن سعد، طبقات "1/ 286".
    (٣٩) ابن سعد، طبقات "1/ 284".
    (٤٠) ابن سعد، طبقات "1/ 284".
    (٤١) نهاية الأرب "18/ 83 وما بعدها".
    (٤٢) الطبري "3/ 320 وما بعدها".


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:28 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    【مجمل الحالة السياسية في جزيرة العرب عند ظهور الإسلام】

    الفصل الثالث :

    فلما جاء الخبر بظهور فارس على الروم، فرح المشركون، وكانوا يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإياهم أهل أوثان، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب. فلقي المشركون أصحاب النبي ﷺ فقالوا : إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب، ونحن أميون, وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب, وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم، فأنزل الله :
    {الم, غُلِبَتِ الرُّومُ, فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ, بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العزيزُ الرَّحِيمُ} (١).
    وفرح المسلمون بنزول هذه الآيات المقوية للعزيمة وأيقنوا أن النصر لا بد آتٍ, وأنهم سينتصرون على أهل مكة أيضًا ويغلبونهم بإذن الله، وخرج أبو بكر إلى الكفار "فقال : أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا, فلا تفرحوا ولا يقرن الله أعينكم، فوالله ليظهرن الروم على فارس أخبرنا بذلك 【نبينا ﷺ 】 فقام إليه أبي بن خلف فقال : كذبت يا أبا فضل.
    فقال له أبو بكر رضي الله عنه :
    أنت أكذب يا عدو الله. فقال : أناحبك على عشر قلائص مني وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت، وإن ظهرت فارس على الروم غرمت إلى ثلاث سنين، ثم جاء أبو بكر إلى 【 النبي ﷺ 】فأخبره, فقال : "ما هكذا ذكرت, إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايدْه في الخطر وماده في الأجل". فخرج أبو بكر فلقي أبيًّا، فقال: لعلك ندمت؟ فقال: لا. فقال: أزايدك في الخطر وأمادك في الأجل، فاجعلها مائة قلوص لمائة قلوص إلى تسع سنين. قال: قد فعلت"(٢).

    لقد وقعت هذه الهزائم الحربية الكبيرة في عهد القيصر "هرقل" "Heraclius" "610-641م". ففي عهده, اقتطعت بلاد الشام ومصر من جسم الإمبراطورية، وهي أعضاء رئيسية في ذلك الجسم. غير أن طالع هذا القيصر لم يلبث أن تحسن بعد سنين من النحس، فاستعاد تلك الأملاك في المعارك التي نشبت بين سنة 622 وسنة 628م. في هذه الفترة نال هرقل أعظم نصر له في ثلاث معارك كبيرة, ولكن نصره الأكبر جاءه يوم قتل "كسرى أبرويز" صاحب هذه الفتوحات بيد ابنه "شيرويه"(٣) فورد طائر السعد على القيصر بهذا الخبر المفرح، ثم تحققت البشرى بالصلح الذي عقد بين القيصر وبين "شيرويه". وفيه نزل الفرس عن كل ما غنموه, ورضوا بالرجوع إلى حدودهم القديمة قبل الفتح. فعادت الشأم وفلسطين ومصر إلى البيزنطيين، وأعيد الصليب المقدس إلى موضعه في القدس, في موكب حافل عظيم .

    وسُر المسلمون وهم بالمدينة بانتصار الروم على الفرس، وزاد أملهم في قرب مجيء اليوم الذي ينتصر فيه المسلمون على المشركين، وقويت عزيمتهم في التغلب على قريش، "وأسلم عند ذاك ناس كثير"(٤) وتضعضعت معنويات قريش، وغلب "أبو بكر" أبيا على الرهان، وكسبه، أخذه من ورثته، لأنه كان قد توفي من جرح أصيب به، فلم يدرك زمن طرد من تعصب له من بلاد الشام وخسارته الإبل التي تراهن عليها.
    وشاء ربك ألا يكون النصر في هذه المرة لا للروم ولا للفرس، بل للمسلمين، وشاء ألا يبقى الروم في بلاد الشام إلا قليلًا، إلا سنين، إذ تهاوت مدن بلاد الشام ثم مصر فشمال إفريقيا، الواحدة بعد الأخرى، في أيدي أناس لم يخطر ببال الروم أبدًا أنهم سيكونون شيئًا ذا خطر في هذا العالم، أعني بهم أبناء مكة ويثرب ومن تبعهم من أهل جزيرة العرب. تهاوت بسرعة عجيبة لا تكاد تصدق، وبطريقة تشبه المعجزات. وقد بدأ هذا الانهيار بكتاب يذكر أهل السير والأخبار أن 【الرسول ﷺ】 أرسله إلى "هرقل عظيم الروم"، يدعوه فيه إلى الإسلام, فإن أبى وبقي على دينه فعليه تبعته، فلما لم يسلم، جاءه الإنذار، قوات صغيرة لا تكاد تكون شيئًا بالنسبة إلى جيوش الروم الضخمة، أخذت تمهد الطريق لنشر الإيمان في بلاد رفض حكامها الدخول فيه. طهرت الأرض الموصلة إلى الحدود من المخالفين، ثم أحذت تتحرش ببلاد الشام، ولم يأخذ الروم ذلك التحرش مأخذًا جديًّا، إذ تصوروه غزوًا من غزو العرب المألوف يمكن القضاء عليه بتحريك عرب بلاد الشام من الغساسنة ومن لف لفهم عليهم، أو بإشارة رؤسائهم بالهدايا والمال وتنصيبهم ملوكًا على عرب بلاد الشام في موضع الغساسنة كما كانوا يفعلون مع القبائل القوية الكبيرة التي كانت تتحرش بالحدود، وينتهي بذلك الغزو وتصفو الأمور.

    ولم يعلم البيزنطيون أن المسلمين يختلفون عن الجاهليين، يختلفون عنهم في أن لهم عقيدة ورسالة، وأن من يسقط منهم يسقط في سبيل إعلاء كلمة ربه، وله الجنة، وأن من يعيش منهم وينجو فلن يركن إلى الدعة والحياة الهادئة والرجوع إلى البادية بل لا بد له من أحد أمرين: إما نصر حاسم، وإما موت شريف في سبيل الله ورسوله.
    وبقوا في جهلهم هذا إلى أن نبهتهم الضربات العنيفة التي وقعت بينهم وبين العرب في "أجنادين" "Gabatha" وفي "اليرموك" "Hieromax" بأن المعارك التي وقعت ليست غزوًا من الغزو المألوف، بل خطة مهيأة لطرد الروم الذين لا يؤمنون برسالة الرسول من كل بلاد الشام وما وراءها من أرضين، وعندئذ جمعوا جموعهم، وألفوا قلوب العرب المستعربة، أي : العرب النصارى القاطنين في بلاد الشام، بالمال وباسم الدين، وجعلوهم معهم وتحت قيادتهم في جيوشهم الضخمة لمقابلة المسلمين الذين لم يعرفوا الحروب الكبيرة، ذات العدد الضخم من المحاربين، والأسلحة المتنوعة الحديثة، بالنسبة إلى أسلحتهم المكونة من سيوف وسهام ورماح وحجارة وخناجر. وهنا وقعت غلطة فنية حربية أخرى من الروم، إذ قابلوا المسلمين بجيوش ضخمة، يسيرها قواد كبار تعودوا الحرب بأساليبها النظامية وبالطرق المدرسية الموروثة عن الرومان وتزودوا بالخبرة الفنية العالية التي كسبوها من حروبهم مع الفرس ومع الأوروبيين، فظنوا أن الحرب مع المسلمين شيئًا بسيطًا، بل أبسط من البسيط, حتى إن كبار القادة وجدوا أن من المهانة الاهتمام بأمر أولئك البدو الغزاة, فتركوا الأمر لمن دونهم في الدرجات يديرونها مع العرب الذين أظهروا ذكاء فطريا عظيما في هذه الحروب، بتجنبهم الالتحام بالجيوش، إذ لا قبل لهم بمقاتلتها، وباتخاذهم خطة المناوشات والكر والفر بقوات غير كبيرة العدد، وبذلك تتوفر لهم السرعة في العمل ومباغتة الجيوش الضخمة من ورائها ومن مجنباتها، وبغزو خاطف كالبرق يلقي الفزع في القلوب، وبذلك أفسدوا على الروم خطتهم بالهجوم على العرب، بجيوش نظامية كبيرة مدربة على القتال يكون في حكم المحال بالنسبة للعرب الوقوف أمامها لو أنهم حاربوهم حربهم، ووقفوا أمامهم وجهًا لوجه. وبركون العرب إلى هذه الخطة المبتكرة، وبمعاملتهم من خضع لهم واستسلم لأمرهم معاملة حسنة، وبتحريض "العرب المستعربة"، "العرب المتنصرة"، وسكان بلاد الشام من غير الروم، بل ومن الروم على الانضمام إليهم، غلبوا البيزنطيين، وحصلوا ما حصلوا عليه من أرضين.

    وعند ظهور الإسلام كانت اليمن في حكم الساسانيين كما رأينا، غير أن حكمهم لم يكن في الواقع حكمًا تامًّا فعليًّا، بل كان حكما شكليا اسميا، محصورًا في صنعاء وما والاها. أما الأطراف والمدن الأخرى, فكان الحكم فيها لسادات اليمن من حضر ومن أهل وبر, وهو حكم نسميه حكم "أصحاب الجاه والنفوذ".
    وقد شاء بعض منهم أن يظهر نفسه بمظهر الملوك المنفردين بالحكم والسلطان والجاه، فلقبوا أنفسهم بلقب "ملك" وحملوه افتخارًا واعتزازًا، ولم يكن أولئك الملوك ملوكًا بالمعنى المفهوم، إنما كانوا سادات أرض وقبائل، جملوا أنفسهم بألقاب الملك.
    فقد نعتت كتب التواريخ والسير سادات حمير في أيام 【الرسول ﷺ】: الحارث بن عبد كلال، وشريح بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال، و"النعمان قيل ذي رعين وهمدان ومعافر"، و"زرعة ذو يزن" "زرعة بن ذي يزن" بـ"ملوك حمير"، وذكرت أنهم أرسلوا إلى 【الرسول ﷺ】 رسولًا يحمل إليه كتابًا منهم يخبرونه فيه بإسلامهم، وقد وصل إليه مقفله من تبوك، ولقيه بالمدينة، فكتب الرسول إليهم جوابه، شرح لهم فيه ما لهم وما عليهم، وما يجب عليه مراعاته من أحكام (٥). ويذكر "ابن سعد" أن هذا الرسول هو "مالك بن مُرارة الرهاوي" "مالك بن مرة الرهاوي"، وقد وصل المدينة في شهر رمضان سنة تسع، وذلك بعد رجوعه من أرض الروم (٦)

    ودون "ابن سعد" صورة كتاب ذكر أن 【الرسول ﷺ】 أرسله إلى "الحارث" و"مسروح" و"نعيم" أبناء "عبد كلال" من حمير, حمله إليهم "عياش بن أبي ربيعة المخزومي". وأوصاه بوصايا ليوصي بها أبناء "عبد كلال" إن أسلموا, منها أنهم إذا رطنوا "فقل ترجموا"، حتى يفقه كلامهم, وإذا أسلموا، فليأخذ قضبهم الثلاثة التي إذا حضروا بها سجدوا, وهي من الأثل قضيب ملمع ببياض وصفرة، وقضيب ذو عجر كأنه خيزران، والأسود البهيم كأنه من ساسم، ثم أخرجها فحَرِّقها بسوقهم. فذهب إليهم ووجدهم في دار ذات ستور عظام على أبواب دور ثلاثة. فكشف الستر ودخل الباب الأوسط، وانتهى إلى قوم في قاعة الدار. ففعل بمثل ما أمره به الرسول (٧).

    ويظهر من قوله: "فإذا رطنوا فقل ترجموا"، أنهم لم يكونوا يحسنون عربية أهل مكة، وأنهم كانوا يتكلمون فيما بينهم بلهجاتهم الخاصة بهم, وأن معنى تحريق القضب الثلاثة، هدم ما كان لهم من عزة وسلطان وتكبر على الرعية؛ لأن الإسلام قد أمر باجتثات ذلك، وبأن يكون الحكم للرسول وحده، ولما كانت تلك القضب رمزًا للحكم والسلطان، وقد جعل الإسلام الحكم للرسول وحده، لهذا أمر الرسول بكسر تلك القضب، وفي كسرها إشعار لهم بأن حكمهم القديم قد زال عنهم، وأن الحكم الآن للرسول.
    ويظهر من نص الكتاب الذي وجهه 【الرسول ﷺ】 إلى "زرعة بن ذي يزن"، وفيه :
    "أما بعد، فإن محمدًا يشهد أن لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله، ثم إن مالك بن مرة الرهاوي قد حدثني أنك أسلمت من أول حمير, وقتلت المشركين....إلخ"(٨) أن "زرعة" هذا كان رأس حمير، والمطاع فيها، ولهذا أرسل إليه رسولًا خاصًّا به هو "مالك بن مرة الرهاوي"، واستلم جوابًا خاصًّا من 【الرسول ﷺ】 كتب باسمه، ولم يذكر اسمه في الجواب الذي أرسله إلى الباقين بصورة مشتركة.

    وذكر "ابن سعد" أن 【رسول الله ﷺ】
    كتب كتابًا إلى "بني عمرو" من حمير، ولم يذكر من هم "بنو عمرو"، وأشار إلى أن في الكتاب :
    "وكتب خالد بن سعيد بن العاصي"(٩) ما يدل على أنه كان كاتب ذلك الكتاب. ويشير "ابن سعد" أيضًا إلى أن الرسول أرسل "جرير بن عبد الله البجلي" إلى "ذي الكلاع بن ناكور بن حبيب بن مالك بن حسان بن تبع" وإلى "ذي عمرو" يدعوهما إلى الإسلام، فأسلما وأسلمت "ضريبة بنت أبرهة بن الصباح" امرأة "ذي الكلاع"، وتوفي 【رسول اللهﷺ】 وجرير عندهم، فأخبره "ذو عمرو" بوفاته (١٠).

    ويشير نسب "ذي الكلاع" المذكور إلى أنه من الأسرة التي كانت تحكم اليمن قبيل غزو الحبش لها. فهو من الأسر الشريفة الحميرية في اليمن، وقد عرف بـ"ذي الكلاع الأصغر" عند أهل الأخبار تمييزًا له عن "ذي الكلاع الأكبر" الذي هو في عرفهم "يزيد بن النعمان الحميري" من ولد "شهال بن وحاظة بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن شدد بن زرعة بن سبأ الأصغر".
    وأما صاحبنا "ذو الكلاع" الأصغر الذي راسله 【الرسول ﷺ】 وأسلم، فهو أبو "شراحيل سميفع بن ناكور بن عمرو بن يعفر بن ذي الكلاع الأكبر".

    قال أهل الأخبار : التكلع : الحلف "وبه سمي ذو الكلاع الأصغر؛ لأن حمير تكلعوا على يده، أي : تجمعوا، إلا قبيلتين : (هوازن) و (حراز) فإنهما تكلعتا على ذي الكلاع الأكبر: يزيد بن النعمان"(١١).
    وذكر نسب "ذي الكلاع الأصغر" على هذا الشكل: "سميع بن ناكور ابن عمرو بن يعفر بن يزيد بن النعمان الحميري", و"يزيد" هذا هو "ذو الكلاع الأكبر".

    وذكر أن "أبا شراحيل" هو الرئيس في قومه المطاع المتبوع، أسلم في حياة النبي، فكتب إليه النبي على يد جرير بن عبد الله البجلي كتابًا في التعاون على الأسود ومسيلمة وطليحة. وكان القائم بأمر معاوية في حرب صفين، وقتل قبل انقضاء الحرب، ففرح معاوية بموته، وذلك أنه بلغه أن "ذا الكلاع" ثبت عنده أن عليا بريء من دم عثمان، وأن معاوية لبس عليهم ذلك، فأراد التشتيت عليه فعاجلته منيته بصفين وذلك سنة سبع وثلاثين (١٢).
    ويكون "ذو الكلاع" الأصغر، قد تزوج بنتًا من بنات أبرهة هي "ضريبة"(١٣).
    ونسب إلى النابغة قوله :

    【أتانا بالنجاشة مجلبوها . وكندة تحت راية ذي الكلاع】

    يريد تميمًا وأسدًا وطيًّا أجلبوا الجيش على بني عامر مع أبي يكسوم وذو الكلاع كان معه أيضًا (١٤).

    وذكر أن 【رسول الله ﷺ】 كتب إلى "معد يكرب بن أبرهة" أن له ما أسلم عليه من أرض خولان (١٥).
    ولم يشر "ابن سعد" إلى بقية اسم أبرهة أو إلى شهرته؛ لذلك لا ندري إذا كان قصد "أبرهة" المعروف, أو شخصًا آخر اسمه أبرهة.
    ولكننا نعرف اسم قيل عرف بـ"معد يكرب" اسم والده "أبو مرة الفياض" ذو يزن، كان متزوجًا من "ريحانة" ابنة "ذي جدن" فولدت له "معد يكرب" المذكور. ثم انتزعها منه "الأشرم"، ونشأ "معد يكرب" مع أمه "ريحانة" في حجر "أبرهة"(١٦), فلعله نسب إليه، لذلك قال له "ابن سعد" "معد يكرب بن أبرهة".
    وكان للفرس وللجيل الجديد الذي ظهر في اليمن من تزاوجهم باليمانيين، وهو الجيل الذي عرف بـ"الأبناء" نفوذ كبير في اليمن، وقد تحدثت عنه في الجزء السابق من هذا الكتاب، وإلى هذا الجيل أرسل الرسول "وبر بن يحنس"، يدعوه إلى الإسلام، فنزل على بنات "النعمان بن بزرج" فأسلمن، وبعث إلى فيروز الديلمي فأسلم، وإلى مركبود وعطاء ابنه، ووهب بن منبه. وكان أول من جمع القرآن بصنعاء ابنه عطاء بن مركبود ووهب بن منبه (١٧).

    وقد كان الفرس الذين أقاموا باليمن مثل سائر الفرس على المجوسية، ولما دخل أهل اليمن في الإسلام، دخل بعض هؤلاء فيه, وأقام بعض آخر على دينه، وفرض 【الرسول ﷺ】 على من بقي على دينه جزية (١٨).
    وقد نفر منهم بعض سادات اليمن من الأسر القديمة، بسبب أنهم غرباء عن اليمن، جاءوا إلى اليمن فحكموها، ولهذا انضم بعض منهم إلى "الأسود" في ردته؛ لأن "الأسود العنسي" كان كارهًا للأبناء، حاقدًا عليهم, يرى أنهم عصابة دخيلة، استأثرت بحكم اليمن (١٩).
    وقد شاءت الأقدار أن تكون نهايته بأيديهم؛ إذ كان قاتله منهم فكأن قلبه كان يعلم بما سيفعلونه به، ولهذا كرههم.
    وكانت الأزد من القبائل المعروفة في اليمن، وقد جاء وفد منهم إلى الرسول, على رأسه "صرد بن عبد الله" في بضعة عشر، فأسلم، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من أهل بيته المشركين من قبائل اليمن، وكان أول ما فعله أنه حاصر "جرش", وكانت قد تحصنت وضوت إليها خثعم, فلما وجد أن من العسير عليه فتحها بالقوة آوى إلى جبل "كشر"، فظن أهل جرش، أنه إنما ولى عنهم منهزمًا، فخرجوا في طلبه، حتى إذا أدركوه عطف عليهم فقتلهم قتلًا, ثم أسلم من نجا منهم.
    وحمى الرسول لهم حمى حول قريتهم على أعلام معلومة للفرس، وللراحلة، وللمثيرة تثير الحرث، فمن رعاها من الناس سوى ذلك فماله سحت (٢٠).

    وكتب 【الرسول ﷺ】 كتابًا إلى "خالد بن ضباد الأزدي" أن له ما أسلم عليه من
    أرضه، وكان كاتب كتابه "أبي"(٢١) وكتب مثل ذلك لجنادة الأزدي وقومه, وكان كاتب هذا الكتاب "أبي" كذلك (٢٢).
    وكتب 【الرسول ﷺ】 إلى "أبي ظبيان الأزدي" من "غامد" يدعوه ويدعو قومه إلى الإسلام, فأجابه في نفر من قومه بمكة, وكانت لأبي ظبيان صحبة، وأدرك عمر بن الخطاب (٢٣).

    وذكر أن "ضماد بن ثعلبة" الأزدي، كان صديقًا للرسول في الجاهلية، وكان يتطبب ويرقي من هذه الرياح، ويطلب العلم، فقدم مكة قبل الهجرة، واجتمع 【بالرسول ﷺ】وكلمه، ثم أسلم ، وهو من "أزد شنوءة"(٢٤).

    ونجد "ابن سعد" يدون صورة كتاب ذكر أن الرسول كتبه لبارق من الأزد. نظم فيه حقوقهم مثل ألا تُجذ ثمارهم وألا ترعى بلادهم في مربع ولا مصيف إلا بمسألة من بارق، وغير ذلك.
    وكتب الكتاب "أبي بن كعب"، وشهد عليه أبو عبيدة الجراح وحذيفة بن اليمان (٢٥).
    ويجاور الأزد من الشرق "خثعم" و"مذحج" و"مراد" و"همدان" و"بلحارث"، ويجاورهم في غربهم "بنو كنانة" و"بنو عك". أما من الجنوب، فتتصل ديارهم بديار "همدان" و"حمير".
    وتجمع بعد وفاة النبي قوم من الأزد وبجيلة وخثعم، عليهم حميضة بن النعمان وذلك بـ"شنوءة"، وعلى أهل الطائف "عثمان بن ربيعة"، فبعث إليهم "عثمان بن أبي العاص" عامل النبي على الطائف, بعثًا التقى بهم بشنوءة، فهزموا تلك الجُمَّاع، وتفرقوا عن "حميضة"، وهرب وفسدت ثورة هؤلاء المرتدين (٢٦).
    وتمرد قوم من "خثعم" على "أبي بكر" حينما بلغهم نبأ وفاة 【الرسول ﷺ】وخرجوا غضبًا إلى "ذي الخلصة" يريدون إعادته، فأمر "أبو بكر" جرير ابن عبد الله" أن يدعو من قومه من ثبت على أمر الله، وأن يستنفر "مُقويهم"، فيقاتل بهم خثعم, فنفذ أمره فتبعهم وقتلهم وعاد إلى الإسلام من تاب (٢٧).
    وكان 【الرسول ﷺ】قد بعث سنة تسع للهجرة "قطبة بن عامر بن حدية" إلى خثعم بناحية "تبالة"، فتغلب عليهم (٢٨).
    وبقيت "همدان" قبيلة قوية من قبائل اليمن، وقد أسلمت كلها في يوم واحد، أسلمت يوم مقدم "علي بن أبي طالب" إلى اليمن على رأس سرية أمر الرسول بإرسالها إلى هناك. وقد فرح الرسول بإسلامها، وتتابع أهل اليمن على الإسلام (٢٩).

    تابع الفصل الرابع 》》》
    =======================
    (١) سورة الروم, الآية 1 وما بعدها، تفسير الطبري "21/ 11 وما بعدها"، تفسير القرطبي "14/ 1 وما بعدها". (٢) تفسير الطبري "21/ 13"، تفسير القرطبي "1/ 14 وما بعدها".
    (٣) الطبري "2/ 108 وما بعدها".
    (٤) تفسير القرطبي "2/ 14".
    (٥ ) الطبري "3/ 120 وما بعدها" "دار المعارف"، ابن الأثير "2/ 121"، ابن خلدون "2/ 52" "القسم الثاني" "الوفود", الطبري "3/ 153، 156", البلاذري, فتوح "81"، "اليمن", و"شرح بن عبد كلال"، و"نعمان قيل ذي يزن"، "وزرعة ذي رعين"، ابن سعد، طبقات "1/ 264", نهاية الأرب "18/ 118".
    (٦) ابن سعد، طبقات "1/ 356".
    (٧) ابن سعد، طبقات "1/ 283".
    (٨) الطبري "3/ 121 وما بعدها".
    (٩) ابن سعد، طبقات "1/ 265"، نهاية الأرب "18/ 168".
    (١٠) ابن سعد، طبقات "8/ 265 وما بعدها".
    (١١) تاج العروس "5/ 496"، "كدع".
    (١٢) تاج العروس "5/ 389".
    (١٣) ابن سعد، طبقات "1/ 266".
    (١٤) تاج العروس "5/ 496".
    (١٥) ابن سعد، طبقات "1/ 266".
    (١٦) الطبري "2/ 142 وما بعدها".
    (١٧) الطبري "3/ 158".
    (١٨) البلاذري، فتوح "83".
    (١٩) البلاذري، فتوح "113 وما بعدها".
    (٢٠) الطبري "3/ 130 وما بعدها", "دار المعارف"، ابن سعد، طبقات "1/ 337 وما بعدها"، نهاية الأرب "18/ 96 وما بعدها".
    (٢١) ابن سعد، طبقات "1/ 267".
    (٢٢) ابن سعد، طبقات "1/ 270".
    (٢٣) ابن سعد، طبقات "1/ 280".
    (٢٤) نهاية الأرب "18/ 7 وما بعدها".
    (٢٥) ابن سعد، طبقات "1/ 287".
    (٢٦) الطبري "3/ 320"، "دار المعارف".
    (٢٧) الطبري "3/ 322".
    (٢٨) نهاية الأرب "17/ 250".
    (٢٩) الطبري "3/ 131 وما بعدها"


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:29 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    【مجمل الحالة السياسية في جزيرة العرب عند ظهور الإسلام】

    الفصل الثاني :

    واهتم "يوسطنيان" بأمر التجارة، والتجارة مورد رزق للدولة كبير، ولا سيما مع الأقطار الشرقية، فقد كانت بضائعها مرغوبًا فيها في أوروبا ومطلوبة, تجني الحكومة منها أرباحًا كثيرة، وفي مطلع قائمة هذه البضائع النفيسة الأموال التي ترد إلى الإمبراطورية من الصين والهند، فقد كانت تلاقي إقبالًا كبيرًا من أثرياء الإمبراطورية ومن أثرياء إمبراطورية روما الغربية وبقية أنحاء أوروبا.
    وأثمن بضاعة في قائمة البضائع الواردة من الصين مادة الحرير، ولثمن الحرير الباهظ حرص الصينيون على ألا يسمحوا لأي غريب كان أن ينقل معه البيض أو الديدان التي تتولد منه إلى الخارج، خشية المزاحمة والمنافسة التي تلحق بهم أفدح الأضرار. وتلي هذه المادة البضائع النفيسة الأخرى مثل: العطور والقطن الوارد من الهند والتوابل وأمثالها من المواد التي كان يعجب بها أصحاب الذوق في ذلك الزمن. كل هذه يشتريها تجار الروم، وبعد أن تأخذ الدولة البيزنطية الضرائب المفروضة، تسمح للتجار بالتصرف فيها وبيعها على بقية الأوروبيين.
    وأسعار هذه المواد عالية باهظة إلى درجة كبيرة صارت مشكلة من مشكلات الدولة البيزنطية؛ ولهذا كانت تتصل دومًا بالإمبراطورية الساسانية لمحاولة الاتفاق على تحديد الأسعار، وتعيين مقدار الضرائب، وذلك بسبب ورود أكثرها من هذه الإمبراطورية، إذ كان التجار يأتون بالأموال من أسواق الصين تنقلها القوافل التي تجتاز أرض الدولة الساسانية لتسلمها إلى حدود الإمبراطورية البيزنطية، ومنها إلى العاصمة لتوزع في الأسواق الأوروبية.

    هذا طريق، وهناك طريق آخر هو طريق البحر، يحمل تجار الصين أموالهم على سفن توصلها إلى جزيرة "تبروبانة" "TAPROBANE" وهي جزيرة "سيلان" ثم تفرغ هناك، فتحمل في سفن تنقلها إلى خليج البصرة، ثم تحمل في سفن أخرى تمخر في دجلة والفرات إلى حدود الروم.

    ولما كانت علاقات الروم بالساسانيين غير مستقرة، والحروب بين الإمبراطوريتين متوالية, صارت هذه التجارة معرضة للتوقف والانقطاع طوال أيام الحروب، وهي كثيرة، فترتفع أسعارها هناك، كما أن الساسانيين كانوا يزيدون في أسعار البيع وفي ضريبة المرور، فتزيد هذه في سعر التكليف؛ ولهذا فكَّر "يوسطنيان" في التحرر من تحكم الساسانيين في مورد مهم من موارد رزقهم، وذلك باستيراد بضائع عن طريق البحر الأحمر، وهو بعيد عن رقابة الساسانيين.

    والخطة التي اختطها "يوسطنيان" لتحرير التجارة البيزنطية من سيطرة الساسانيين عليها، هي الاتصال بالأسواق الرئيسية المصدرة، ونقل المشتريات إلى الإمبراطورية بالبحر الأحمر الذي كان يسيطر الروم على أعاليه. لقد كان ميناء "أيلة" في أيدي البيزنطيين، وكان هذا الميناء موضعًا لتفريغ السفن الموسقة بالبضائع المرسلة من الهند إلى فلسطين وبلاد الشام، كما كان ميناء "القلزم" "CIYSMA" في أيديهم كذلك، تقصده السفن التي تريد إرسال حمولتها إلى موانئ البحر المتوسط. أما جزيرة "أيوتابة" "IOTABE" وهي جزيرة "تاران" "تيران"، فقد كانت مركزًا مهمًّا لجباية الضرائب من السفن القادمة من الهند، وكانت في أيدي بعض سادات القبائل، فأمر "يوسطنيان" بإقامة موظفي الجباية البيزنطيين بها؛ ليقوموا بالجباية. وأما ما بعد هذه المنطقة حتى مضيق المندب والمحيط الهندي فلم يكن للبيزنطيين عليه نفوذ.

    ولتحقيق هذه الخطة، كان عليه وجوب السيطرة على البحر الأحمر والدخول منه إلى المحيط الهندي، للوصول إلى الهند وجزيرة "سيلان". ولا يمكن تحقيق هذه الخطة إلا بعملين : عمل عسكري يعتمد على القوة، وعمل سياسي يعتمد على التقرب إلى الحبشة الذين كانوا قد استولوا على اليمن، فصار مدخل البحر الأحمر: "مضيق باب المندب" بذلك في أيديهم. ثم بالتودد إلى سادات القبائل العربية النازلة في العربية وفي بادية الشام؛ لضمهم إلى صفوف البيزنطيين، ولتحريضهم على الفرس، وبذلك يلحق البيزنطيون ضررًا بالغًا بالفرس ويكون في استطاعتهم نقل التجارة نحو الغرب عن جزيرة العرب والبحر الأحمر إلى أسواقهم بكل حرية وأمان.

    أما العمل العسكري، فلم يكن في وسع البيزنطيين القيام به في ذلك الوقت؛ لعدم وجود قوات برية كبيرة كافية، لتتمكن من اجتياز العربية الغربية للوصول إلى اليمن، حيث الحبش هناك إخوان البيزنطيين في الدين. وقد علموا من التجارب السابقة, أن الجوع والعطش يفتكان بالجيش فتكًا، وأن القبائل لا يمكن الاطمئنان إليها والوثوق بها أبدًا؛ لذلك تركوا هذا المشروع, فلم يبقَ أمامهم غير تنفيذه من ناحية البحر، وقد وجدوا أن هذا التنفيذ غير ممكن أيضًا؛ لأن أسطولهم في البحر الأحمر لم يكن قويا، ولم يكن في استطاعته السيطرة عليه سيطرة تامة، فتركوه ولو إلى حين، مفضلين عليه العمل السياسي.
    أما العمل السياسي، فقد تم بالاتصال بالحبش، وقد كان ملكهم على النصرانية، لذلك كان من الممكن جلبه إلى البيزنطيين بالتودد إليه باسم الأخوة في الدين.

    كما تم بالتقرب إلى سادات القبائل المنتصرين، والتودد إليهم باسم الدين أيضًا، وتم بإرسال المبشرين إلى جزيرة العرب، وبتشجيعهم على المعيشة بين الأعراب وفي البوادي لتنصير سادات القبائل، وللتأثير عليهم بذلك، وبإقامة الكنائس وإرسال المال وعمال البناء لبنائها بأسلوب يؤثر في عقول الوثنيين، فيجعلها تميل إلى النصرانية، ولتكون هذه المعابد معاهد تثقيف تثقف بالثقافة البيزنطية كما تفعل الدول الكبرى في هذه الأيام.
    وأرسل "يوسطنيان" -كما سبق أن بينا ذلك رسولًا عنه يدعى "يوليانوس" "جوليانس" "julIANUS" إلى النجاشي وإلى "السميفع أشوع" "ESIMBHANUS" حاكم اليمن في ذلك العهد، ليتودد إليهما، وليطلب منهما باسم "العقيدة المشتركة" التي تجمعهم أن يكوِّنا مع الروم جبهة واحدة في محاربة الساسانيين، وأن يقوما مع من ينضم إليهم من قبائل العرب بمهاجمتهم، وحمل السفير إلى "السميفع أشوع" رجاء آخر، هو موافقته على تعيين رئيس عربي اسمه "KAISOS" أي "قيس" عاملًا "فيلارخ" "BHYLARCH" على قبيلة عربية تدعى "معديني" "MADDENI"، أي قبيلة "معد"، ليشترك معه ومع عدد كبير من أفراد هذه القبيلة بمهاجمة الساسانيين.
    وقد رجع السفير فرحًا مستبشرًا بنجاح مهمته، معتمدًا على الوعود التي أخذها من العاهلين، غير أنهما لم يفعلا شيئًا، ولم ينفذا شيئًا ما مما تعهدا به للسفير، فلم يغزوا الفرس، ولم يعين "السميفع أشوع" "قيسًا" "فيلارخًا" عاملًا على قبيلة معدّ.
    وورد أيضًا أن القيصر جدد في أيام "أبراموس" "ABRAMOS" الذي نصب نفسه في مكان "ESIMIBHAEUS"، طلبه ورجاءه في محاربة الفرس، فوافق على ذلك وأغار عليهم، غير أنه تراجع بسرعة.

    ويظهر أن اتصال البيزنطيين بـ"أبراموس" "ABRAMOS" كان بعد القضاء على "السميفع أشوع" الذي لم يتمكن من مهاجمة الفرس؛ إذ كان من الصعب عليه اجتياز أرض واسعة بعيدة وطرق بعيدة تمر بصحارى وقفار لمحاربة أناس أقدر من رجاله على القتال.

    فلما تمكن "أبراموس" من التحكم في شئون اليمن ومن تنصيب نفسه حاكمًا عامًّا على اليمن وصارت الأمور بيديه تمامًا، فكر البيزنطيون في الاستفادة منه بتحريضه على الساسانيين، وذلك باسم الأخوة في الدين.
    وقد تحرش "أبراموس" بالفرس، غير أنه لم يستمر في تحرشه بهم، فما لبث أن كف قواته عنهم3. ولم يذكر المؤرخ "بروكوبيوس" كيف هاجم "أبراموس" الساسانيين، ومن أين هاجمهم ومتى هاجمهم. لذلك أبقانا في جهل بأخبار الهجوم.

    و"أبراموس" هو "أبرهة" الذي تحدثت عنه في أثناء كلامي عن اليمن، أما ما أشار إليه "بروكوبيوس" من تحرشه بالفرس ومن تركه لهم بعد قليل, فقد قصد به حملته على "مكة" على الغالب، وهي حملة قصد بها "أبرهة" على ما يظهر الاتصال بالبيزنطيين عن طريق البر, وإخضاع العربية الغربية بذلك إلى حكمه وهو من المؤيدين البيزنطيين. وبذلك تؤمن حرية الملاحة في البحر الأحمر، ويكون في إمكان السفن البيزنطية السير به بكل حرية، ولعله كان يقصد بعد ذلك مهاجمة الفرس من البادية بتحريض القبائل المعادية للساسانيين عليهم، وبتأليف حلف من قبائل يؤثر عليها فيهاجم بها الفرس.

    أما "KAISOS" "CAISUS"، فكان كما وصفه المؤرخ "بروكوبيوس" شجاعًا ذا شخصية قوية مؤثرة, حازمًا, من أسرة سادت قبيلة "معد", وقتل أحد ذوي قرابة "السميفع أشوع" "ESIMABHAIOS""ESIMAPHAEUS" فتعادى بذلك معه، حتى اضطر إلى ترك دياره والهرب إلى مناطق صحراوية نائية. فأراد القيصر الشفاعة له "ESIMAPHAIOS" والرجاء منه الموافقة على إقامته رئيسًا "PHYLARCH" على قبيلته قبيلة معد.

    ولا يعقل بالطبع توسط القيصر في هذا الموضوع، لو لم يكن الرجل من أسرة مهمة عريقة، لها عند قومها مكانة ومنزلة، وعند القيصر أهمية وحظوة, ولشخصيته ومكانة أسرته أرسل رسوله إلى حاكم اليمن لإقناعه بالموافقة على إقامته رئيسًا على قومه. وبهذا يكتسب القيصر رئيسًا قويًّا وحليفًا شجاعًا يفيده في خططه السياسية الرامية إلى بسط نفوذ الروم على العرب، ومكافحة الساسانيين.

    ونحن لا نعرف من أمر "قيس" هذا في روايات الإخباريين شيئًا غير أن هناك رواية لابن إسحاق جاء فيها أن أبرهة عين محمد بن خزاعى عاملًا له على مضر، وأن "قيسًا" كان يرافق أخاه حين كان في أرض كنانة. فلما قتل "محمد"، فر إلى "أبرهة".

    وقد ورد نسب "محمد" على هذه الصورة: "محمد بن خزاعى بن علقمة بن محارب بن مرة بن هلال بن فالح بن ذكوان السلمي" في بعض الروايات، وذكر أنه كان في جيش أبرهة مع الفيل.
    فهل قيس هذا هو قيس الذي ذكره "بروكوبيوس", اتصل مع أخيه محمد بأبرهة، وصار من المقربين لديه؟ أم هو رجل آخر لا علاقة له بـ"قيس" الذي ذكره "ابن إسحاق"؟
    وقد زار والد "نونوسوس" "NONNOSOS" "قيسًا" هذا مرتين، وذلك قبل سنة "530م", وزاره "نونوسوس" نفسه في أثناء حكمه. وأرسل "قيس" ابنه "معاوية" إلى "يوسطنيان"، ثم أعطى أخاه ثم ابنه الإمارة، وعينه القيصر عاملًا "PHYLARCH" على فلسطين.

    وكانت للقيصر "يوسطنيان" صداقة مع رئيس آخر اسمه "أبو كرب" "ABOCHORABUS"، يقع ملكه في أعالي الحجاز وفي المناطق الجنوبية من فلسطين. عرف هذا الرئيس بالحزم والعزم فخافه الأعداء، واحترمه الأتباع، واتسع لذلك ملكه، وتوسع سلطانه حتى شمل مناطق واسعة، ودخلت في تبعيته قبائل عديدة أخرى على القانون الطبيعي في البادية الذي يحتم دخول القبائل طوعًا وكرهًا في تبعية الرئيس القوي.
    أراد هذا الرئيس أن يتقرب إلى القيصر، وأن يبالغ في تقربه إليه وفي إكرامه له، فنزل له عن أرض ذات نخيل كثيرة، عرفت عند الروم بـ"فوينيكون" "PHOINIKON" "واحة النخيل"، أو "غابة النخيل". وهي أرض بعيدة، لا تُبلَغ إلا بعد مسيرة عشرة أيام في أرض قفرة، فقبل القيصر هذه الهدية الرمزية، إذ كان يعلم، كما يقول المؤرخ "بروكوبيوس", عدم فائدتها له، وأضافها إلى أملاكه، وعين هذا "الشيخ" عاملًا "فيلارخًا" على عرب فلسطين.

    وقد قام ملك هذا الرئيس على ملك رئيس آخر كانت له صلات حسنة بالروم كذلك، هو "امرؤ القيس" "AMORKESOS" وكان "AMORKESOS" في الأصل من عرب المناطق الخاضعة للفرس، ثم هجر دياره لسبب لا نعرفه إلى الأرضين الخاضعة لنفوذ الرومان، وأخذ يغزو الأعراب، حتى هابته القوافل، فتوسع نفوذه، وامتد إلى العربية الصخرية، واستولى على جزيرة "تاران" "IOTABA"، وترك رجاله فيها يجبون له الجباية من السفن القادمة من الهند، حتى حصل على ثروة كبيرة، وعزم في سنة "473م" على إرسال الأسقف "بطرس" أسقف الأعراب التابعين له, إلى القسطنطينية؛ ليتصل بالقيصر، وليتوسط لديه هناك أن يوافق على تعيينه عاملًا "PHYLARCH" على الأعراب المقيمين في العربية الحجرية والخاضعين لنفوذ الروم مقابل دخوله في حلف معهم، فاستجاب القيصر "ليون" "LEO" إلى طلب "بطرس"، فأرسل دعوة إلى "امرئ القيس" لزيارة القسطنطينية، فذهب إليها بالرغم من وجود شرط في معاهدة الصلح التي كانت قد عقدت بين الفرس والروم لا يسمح بموجبه لعربي ما من سَكَنَة المناطق الخاضعة لنفوذ الإمبراطورية الساسانية بالذهاب إلى مناطق الروم. ولما وصل إلى القسطنطينية، رحب به البيزنطيون ترحيبًا جميلًا واستقبلوه استقبالًا حسنًا, فأعلن هناك دخوله في النصرانية، وأغدق عليه القيصر الهدايا والألطاف, ومنحه لقب "فيلارخ" "PHYLARCH"، وثبته على المواضع التي أرادها، وعلى جزيرة "تاران" "IOTABA".
    وكان دخل البيزنطيين كبيرًا من الضرائب التي يجبيها موظفو الجمارك المقيمون في جزيرة "تاران""IOTABA". وكان لهؤلاء الموظفين واجب آخر، هو واجب مكافحة التهريب، والقبض على كل مهرب يريد إدخال التجارة خلسة إلى بلاد الشام أو مصر، ومصادرة الأموال التي يحملها معه، ولهم حق مكافأة المخبرين الذين يرشدونهم للقبض على المهربين.

    و"غابة النخيل" التي ذكرناها، تجاور أرض قبيلة "معد" "Maddenoi" وكانت معد خاضعة لحكم حمير، وقد رأينا كيف أن القيصر "يوسطنيان" توسط لدى "السميفع أشوع" ليوافق على تعيين "قيس" رئيسًا على معد، وقد تمردت هذه القبيلة على "أبرهة" فسير إليها قوة لتأديبها، كما يظهر ذلك من كتابة أمر "أبرهة" بكتابتها لهذه المناسبة: أدبها بقوة، سيرها إليها في شهر "ذو ثبتن" من شهور فصل الربيع، فانهزمت معد، وأنزلت القوة بها خسائر فادحة. وبعد أن تأدبت وخضعت، اعترف "أبرهة" بحكم "عمرم بن مذرن" عليها, وتراجعت القوة عنها.
    و"عمرم بن مذرن", أي "عمرو بن المذر" هو "عمرو بن المنذر" ملك الحيرة. وقد كانت "معد" في حكم ملوك الحيرة، وعلى هذا تكون هذه الغزوة "غزوتن" التي قام بها "أبرهة" على قبيلة "معد" موجهة إلى "عمرو ابن المنذر" حليف الفرس، بمعني أنه تعرض لجماعة كانت في جانب الساسانيين. فهل الغزاة التي أشار إليها المؤرخ "بروكوبيوس" هي هذه الغزاة؟
    و"Maddenoi" هي قبيلة "معداية" "Ma'addaye" التي ذكرها "يوحنا الأفسوسي" "John Of Ephesus" مع "طياية" "طيايا" "طيايه" "Tayaye" "Taiyaya" في كتابه الذي وجهه إلى أسقف "بيت أرشام" "Beth Arsham" ويظهر من هذا الكتاب أنها كانت مقيمة في فلسطين وقد تحدثتُ سابقًا عن ورود اسم قبيلة "معد" في نص النمارة الذي يرجع عهده إلى سنة "328م" حيث ورد أن "امرأ القيس بن عمرو" ملك العرب ملك على "معد" وعلى قبائل أخرى ذكرها النص، منها أسد ونزار ومذحج. ويربط الإخباريون في العادة بين ملوك الحيرة وقبيلة معد، وطالما ذكروا أن ملوك الحيرة غزوا بمعد، مما يدل على وجود صلة تأريخية متينة بين الحيرة وهذه القبيلة المتبدية التي كانت تمعن في سكنها مع البادية.
    ويظهر من روايات أهل الأخبار أنه قد كان للتبابعة شأن في تنصيب سادات على معد. فهي تذكر أنهم هم الذين كانوا يعينون أولئك السادة، فينصبونهم "ملوكًا" على معد. وذلك بسبب تنازع سادات معد فيما بينهم وتحاسدهم وعدم تسليم بعضهم لبعض بالزعامة. ولهذا كانوا يلجئون إلى التبابعة لتنصيب "ملوك" عليهم. يضاف إلى ذلك أن معدا كانت قبائل متبدية, منتشرة في أرضين واسعة تتصل باليمن، وقد كان أهل اليمن المتحضرون أرقى منهم، وجيوشهم أقوى وأنظم نسبيا من محاربي معد ومقاتليهم الذين كانوا يقاتلون قتال بدو، لا يعرفون تنظيمًا ولا تشكيلًا ولا توزيعًا للعمل. وكل ما عندهم هو كر وفر, إذا وجدوا خصمهم أشطر منهم وأقدر على القتال هربوا منه.
    وقد مُنيت الإمبراطورية البيزنطية بانتكاسات عديدة بعد وفاة "يوسطنيان"، فاشتد الاضطهاد للمذاهب المخالفة للمذهب الأرثوذكسي، وعادت الفوضى إلى الحكومة بعد أن سعى القيصر الراحل في القضاء عليها، وتجددت الحروب بين البيزنطيين والساسانيين، وعاد الناس يقاسون الشدائد بعد فترة من الراحة لم تدم طويلًا، وبعد حروب متتالية دخل الساسانيون بلاد الشام. وفي سنة "614م" احتل أتباع ديانة زرادشت عاصمة النصرانية القدس، فأصيبت المدينة بخسائر كبيرة في أبنيتها التأريخية وفي ثروتها الفنية التي لا تقدر بثمن، ثم أصيبت الإمبراطورية بنكبة عظيمة جدا هي استيلاء الفرس على مصر، وبلوغ جيوش الساسانيين في هذه الأثناء الساحل المقابل للقسطنطينية عاصمة الإمبراطورية.

    لقد وقعت هذه الأحداث ونزلت هذه الهزائم بالروم في وقت كان أمر الله قد نزل فيه على الرسولﷺ بلزوم إبلاغ رسالته للناس, والرسول إذ ذاك بمكة، يدعو أهلها إلى دين الله. فلما جاء الخبر بظهور فارس على الروم، فرح المشركون، وكانوا يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإياهم أهل أوثان، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب.

    تابع الفصل الثالث 》》》


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:29 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    【مجمل الحالة السياسية في جزيرة العرب عند ظهور الإسلام】

    الفصل الاول :

    استعرضنا في الفصول المتقدمة من هذا الكتاب حالة العرب السياسية قبل الإسلام, على قدر ما أدى إليه بحثنا، وساعفتنا عليه الموارد.

    أما في هذا الفصل وهو خاتمة فصول القسم السياسي، فنستعرض حالة العرب السياسية في القرن السادس للميلاد بوجه عام.

    والقرن السادس للميلاد فترة من الفترات المهمة في تأريخ البشرية، فيه ظهرت أمارات الشيخوخة على الإمبراطورية الساسانية التي شيدها "أردشير الأول" على أثر الثورة التي اندلعت عام "224م" أو "226م"، ثم لم تلبث أن انهارت في القرن السابع للميلاد بسرعة عجيبة، وبأيدٍ لم يحسب لوجودها حساب، ومن مكان لم يكن له قبل ظهور الإسلام أثر ما فعال في السياسة العالمية.

    وفي هذا القرن أيضًا برزت الأمراض العديدة التي ألمت بالقيصرية، والأملاك التي كانت خاضعة لها، وهي أمراض لم تنجُ منها إلا ببتر بعض أطرافها في القرن التالي له, فخرجت من ردهة العمليات تئن من فاجعة الألم الذي حل بها، ومن هول ما أصيب به بذلك البتر.
    وفي النصف الثاني من هذا القرن وُلِدَ الرسول، وبميلاد الرسول ﷺ ظهر حدث تأريخي خطير للبشرية في النصف الأول من القرن السابع للميلاد، يكفي أن أثره قائم حتى الآن، وأنه سيقوم إلى ما شاء الله، وأنه أوجد مفاهيم خلقية جديدة للبشرية، وأنه بشَّر برسالة قائمة على أن الدين لله، وأن الناس أمامه سواء, لا فرق بين فرد وآخر وجنس وجنس، ولا تمييز للون على آخر، ثم لم يلبث أن انتشر بسرعة عجيبة لم ينتشر بمثلها دين من الأديان، فقضى على إحدى الإمبراطوريتين العظيمتين في عالم ذلك العهد, واستأصل الأعضاء الثمينة من الإمبراطورية الأخرى، وأوجد من أشتات سكان جزيرة العرب أمة، ومن قبائلها المتنازعة حكومة ذات سلطان، وفاض على سداد الجزيرة، وسقى ما وراءها من أرضين، ثم وحد بين أقوام عديدين وجمعهم في صعيد دين الله.
    وقد ابتُلِيَ هذا القرن والنصف الأول من القرن التالي له بأوبئة وبآفات وبمجاعات زادت في مشكلاته الكثيرة التي ورثها من القرون السابقة له، ففيه انتشرت أوبئة ابتلعت بضع مئات من البشر في كل يوم من أيام انتشارها، كانت كالعواصف تنتقل من مكان إلى مكان مكتسحة من تجده أمامها من مساكين، وتعود بين الحين والحين لتبتلع ما يسد حاجتها من البشر والحيوانات. وفيه مُنِيَ العالم بزلازل وبنقص كبير في الغلات أوجد قحطًا ومجاعةً وفقرًا في كثير من الأقطار، حتى اضطر كثير من الناس إلى هجر الأماكن المنكوبة والارتحال عنها إلى أماكن أخرى فيها النجاة والسلامة.
    ولا ريب أن ظروفًا هذه حالتها، لا بد أن تتولد منها مشكلات اجتماعية وسياسية واقتصادية للحكومات وللرعية، فاختل الأمن خاصة في المناطق الواقعة تحت أقدام الجيوش، فيومًا تكتسحها جيوش الفرس فتهدم كل ما تجده أمامها من حاصلات زراعية ومن أموال.
    وفي ظروف هذه شأنها لا بد أن يجد الخارجون على النظام والطامعون في الربح السهل الحرام فرصًا مواتية, لا يفرَّط فيها, للكسب والظفر بما يرغبون فيه، فتأثرت بذلك حالة سكان هذه الأرضين، كما تعرضت التجارة للأخطار، واضطر التجار إلى سلوك طرق نائية ليكونوا بمأمن من شر قطاع الطرق وفسادهم، وترك أكثر الناس مزارعهم وقراهم فرارًا من هذا الوضع إلى المدن الكبيرة البعيدة عن مواطن الغزو والأخطار، فتحولت خيرة الأرضين الخصبة إلى أرضين مجدبة؛ نتيجة لهذه الهجرة, ولتراكم الأتربة في شبكات الري.

    ولكن هذا القرن لم يعدم مع ذلك حكامًا حاولوا جهد إمكانهم إصلاح الخطأ، وأناسًا كان لهم حسٌّ وشعورٌ بما وصلت إليه الحالة، فنادوا بإصلاح. ولكن صيحاتهم لم تكن ذات أثر خطير في قوم قلقين حائرين، وليس في أيديهم زمام أمورهم، وقد اعتراهم ذهول جعلهم لا يعرفون كيف يتصرفون. ثم إن الحمل كان ثقيلًا والأخطاء كثيرة، والأمراض عديدة، لا يقومها طبيب واحد أو أطباء معدودون.

    لقد عزم "كسرى" الأول "531-579م" المعروف بـ"كسرى أنوشروان"، على إصلاح الحال في مملكته، فأمر بوضع دستور جديد للجباية يخفف عن كاهل الدافعين بعض الثقل، وأمر بإصلاح الأرض وتوزيعها على شعبه بالعدل وبالإنصاف بين الناس حتى عرف لذلك بالعادل، واستعان بمستشارين حكماء كانوا يعظونه ويرشدونه بطريقة الحكم والأمثال والعظات إلى كيفية سياسة الرعية وتدبير أمورها، كما ولى النواحي الروحية عنايته كذلك، فأعاد الزردشتية القديمة، وقاوم الحركة المزدكية التي قام بها "مزدك" في عهد والده "قباذ الأول" "483-531م" "488-531م"وهي حركة تدعو إلى إلغاء الملكية، وإلى الإباحية، وإلى القضاء على امتيازات النبلاء ورجال الدين على ما تقوله الموارد التأريخية العربية المستندة إلى موارد "فهلوية" شجعها "قباذ" لما وجد فيها من مبادئ توافق سياسته الرامية إلى مقاومة تلك الطبقات المتنفذة التي عارضت في انتقال العرش إليه، والتي اجتمعت كلمتها برئاسة "موبذان موبذ" والعظماء على إنزاله من عرشه، لما بدا لهم من ازوراره عنهم، وانحرافه عن الزردشتية إلى تعاليم مزدك المناهضة للموابذة ولعظماء المملكة الذين كانوا يتمتعون في المملكة بنفوذ واسع حد من سلطان "شاهنشاه".

    ورساله مزدك وتعاليمه غامضة، لا نعلم من حقيقتها شيئًا، فقد أبيدت كتبهم وطمست معالم دينهم في عهد "أنو شروان"، ولم يبق منها إلا هذه النتف المدونة في الكتب العربية عن موارد "فهلوية" دُونت في أيام محنة المزدكية وبعدها. ويظهر من هذه النتف أنها حركة دينية اجتماعية سياسية تدعو إلى توزيع الثروات بين الناس بالتساوي، وإلى انتزاع الأموال والأرضين من الأغنياء لإعطائها للمقلين، حتى من كان عنده جملة نساء تؤخذ منه لتعطى لغيره من المحتاجين، فهي على هذا التعريف فكرة اشتراكية متطرفة عارضت النظم الاجتماعية القائمة، وهددت الدين القائم، وجرَّأت العامة على تلك الطبقات، كان الملك في حاجة إليها للانتقام ممن عارضه فأيدها.

    هذا وحيث إننا قد تعلمنا من التجارب التي تجري في الوقت الحاضر, ومن دراستنا للموارد التأريخية القديمة، أن ما يكتب عن قوم غضب الحاكمون عليهم، لا يمكن أن يكون مرآة صافية يعبر عن وجه أولئك القوم وعن ملامحهم الحقيقية؛ لذا فإننا لا نستطيع أن نقول: إن ما وصل إلينا عن المزدكية يمثل رأيها وعقيدتها تمام التمثيل، إذ يجوز أن يكون منه ما هو مصنوع موضوع حمل عليهم، وأن رواة الأخبار قد غرفوا منه، ودونوه على نحو ما وصل إلينا في كتبهم. لذلك يجب الانتباه إلى هذه الملاحظة.
    وحمل عدل الملك الساساني وحلمه وتسامحه مع رعيته ومساعدته للخارجين على الكنيسة الرومية الرسمية "من الفلاسفة والمثقفين بالثقافة الإغريقية القديمة ممن كانوا هدفًا لهجمات الكنيسة الأرثوذكسية في الإمبراطورية البيزنطية" على الهجرة إلى المملكة الساسانية، طامعين في عدل الملك وحمايته، وفي بيئة تكون فيها الحرية الفكرية مكفولة مضمونة، لا ضغط فيها ولا إكره. ولكنهم ما لبثوا أن وجدوا أن الزردشتية التي نصرها وأيدها "كسرى أنوشروان"، وهي ديانة المملكة غير ملائمة للفلسفة، وأنها ليست أرحب صدرًا من "الأرثوذكسية"، وأنهم لم يكونوا على صواب بمجيئهم إلى هذه الأرض, فرجوا من "ملك الملوك" الترفق بهم، بالسماح لهم بالعودة إلى بلادهم. فلما كانت الهدنة، طلب "كسرى" من قيصر في سنة 549م إباحة العودة إلى ديارهم والتلطف بهم والعفو عما بدر منهم من الذهاب إلى مملكته.

    وكان مما فعله "كسرى أنوشروان" أن هاجم الإمبراطورية البيزنطية وقيصرها في عهد "يوسطفيان" "يسطنيانوس" "جستنيان" "527-565م" واشتبك معها في جملة حروب، ووسع حدوده في الشرق، وساعد الأحزاب المعارضة للروم، وأرسل حملة إلى اليمن بناء على طلب الأمراء المعارضين لحكم الحبشة عليها، ساعدتهم في وضع خطة لإزاحة الحبشة عنها.

    والحبش هم حلفاء البيزنطيين وإخوانهم في الدين وهم الذين حثوا النجاشي على فتح اليمن بعد أن يئسوا من الاستيلاء عليها, ومن الاستيلاء على الحجاز وبقية جزيرة العرب.

    واتبع "كسرى الثاني" "590-628م" المعروف بـ"كسرى أبرويز"، وهو ابن "هرمز بن كسرى أنوشروان" خطوات جده وأسلافه الملوك الماضين في الحرب مع البيزنطيين، فبلغ "خلقيدونية" ثلاث مرات، واستولى على بلاد الشام، ودخلت جيوشه القدس في سنة "614م". ثم استولى على مصر في سنة "619م", ودوخ بفتوحاته الروم إلى أن عاجله ابنه بخلعه, فاستراح الروم منه، ثم لم يلبثوا أن استردوا من الفرس أكثر ما أخذوه منهم في تلك الحروب.
    وقد أضعف هذه الحروب المتوالية الحكومة الساسانية وآذت الشعوب التي خضعت لحكمها وأفقرتها، وأثرت على الأمن الداخلي وعلى الأوضاع الاقتصادية والعمرانية تأثيرًا كبيرًا, ولا سيما في البلاد التي صارت ساحة تعبئة وتلاحم جيوش، وهي بلاد العراق. ولم يعد الإنسان يأمن على حياته وعلى ماله، وصار سواد الناس وكأنهم أبقار واجبها إعطاء الحليب وأداء الأعمال الأخرى للحكام، والذبح للاستفادة من لحومها ومن جلودها وعظامها, حينما تنتفي الحاجات الأخرى منها. وتأسد المرازبة وقادة الجيوش في الحكم، حتى صار الحكم حكم عواطف وأهواء ومصالح، "والشاهنشاه" عاجز عن عمل كل شيء؛ لأن "الشاهنشاهية" لم تعد متقيدة بالوراثة القديمة وبالآداب السلطانية، بل صارت لمن يستعين بأصحاب العضلات ويمثيري الفتن والاضطرابات.
    أضف إلى ذلك أن من بيده مفتاح الدفاع عن الدولة، وهم الجنود والضباط الصغار، شعروا أنهم يقاتلون لا في سبيل وطن ودين وعقيدة، بل يقاتلون لأنهم يساقون إلى القتال قسرًا، وهم في حالة سيئة ووراءهم عوائلهم لا تملك شيئًا، وقد جيء بهم إلى الجيش قسرًا وعلى طريقة "السخرة". وهم يحاربون ولا سلاح لهم؛ لأن الحكومة لا تملك سلاحًا, ولا نظام لهم؛ لأنهم لم يدربوا على القتال ولم يعلموا أصوله، أجسامهم تقاتل، وقلوبهم مشغولة في مصير أولادهم وزوجاتهم وبيوتهم، وهم المعيلون لهم، ليس لهم غيرهم من معين.

    وحكومة هذا شأنها، لا يمكن لها أن تحافظ على حدود طويلة مفتوحة سهلة تقيم عليها قبائل غازية، تترقب الفرص لتجد فرصة تهتبلها لتغير فيها على الحضر، فتنتزع منهم ما قد تقع أيديهم عليه من أي شيء. فصار الأعراب يغيرون على الحدود من كل مكان فيه نفوذ وجنود للساسانيين، ولا سيما بعد معركة "ذي قار" التي منحتهم قوة معنوية عالية، وعلمتهم مواطن الضعف عند الساسانيين. فلما جاء الإسلام من جزيرة العرب صاروا عونًا له في تقويض تلك الدولة، ودالة ساعدته في تفهم مواطن الضعف فيها، ومنها نفذ الإسلام إلى ما وراء البحار، وقوض الحكومة الضخمة بسرعة عجيبة وبمحاربين لم يكونوا قد عرفوا من قبل أساليب القتال المنظم، ولا المعارك الضخمة التي صادفوها لأول مرة في حروبهم مع الساسانيين والبيزنطيين.

    وقد طمعت القبائل في حكومة الحيرة أيضًا، هذه الحكومة التي ظهر عليها الوهن كذلك. فأخذت تغير عليها وتتعرض بحدودها، وتتحرش بقوافلها التي كان يرسلها ملوكها للاتجار في أسواق الحجاز واليمن، حتى صارت الطرق التي تسلكها خطرة غير آمنة، لا يتمكن رجالها من المرور بها بسلام. ولم يستطع الساسانيون من مساعدتها وحمايتها؛ لأن أوضاعهم الداخلية كانت كما ذكرتُ على غير ما يرام, وهذا مما زاد في تصميم القبائل على مهاجمة ملوك الحيرة وحدود الفرس في آن واحد. ولعل هذه الغارات كانت في جملة الأسباب التي حملت "كسرى" على القضاء على النعمان وعلى إنهاء حكم "آل نصر"، إما بسبب ما رآه "كسرى" من عدم تمكن الملك "النعمان" من تأديب القبائل ومن ضبط الطرق والأمن، فارتأى استبداله بعربي آخر أو برجل قوي من قادة الجيوش الفرس، وإما لظنه أو لما وصل إلى علمه من خبر يفيد بأن النعمان قد أخذ يفاوض سادة القبائل الكبار لإرضائهم وضمهم إليه، وفي هذا العمل تهديد لمصالح الفرس ومحاولة للابتعاد عنهم. فأراد لذلك القضاء عليه وعلى الأسرة الحاكمة، قبل أن يتمكن من الحصول على تأييد أولئك السادة الذين أدركوا نواحي الضعف في حكومة الساسانيين.

    وهناك روايات يُشْتَمُّ منها أن "النعمان" قال لسادات القبائل: "إنما أنا رجل منكم، وإنما ملكتُ وعززتُ بمكانكم وما يتخوف من ناحيتكم.... ليعلم أن العرب على غير ما ظن وحدث" وروايات تفيد أن "كسرى" إنما قتل "النعمان"؛ لأنه وسائر أسرته سايروا سادات القبائل وتواطئوا معهم على الساسانيين . ولعل عجز ملوك الحيرة عن حماية قوافل الفرس الذاهبة إلى اليمن والآيبة منها، وعن حماية الطرق البرية المهمة التي توصل العراق باليمن، ثم عجز ملك الحيرة من منع الأعراب من الإغارة على حدود الساسانيين، ثم اضطرار الملك "النعمان" إلى الاتصال بسادات القبائل لترضيتهم ولضمهم إليه لتأييده ولتقوية ملكه الضعيف, الذي كان يهدده خصوم له. لعل هذه الأسباب وغيرها، كانت في جملة العوامل التي حملت "كسرى" على القضاء على "النعمان" وعلى استبدال الأسرة الحاكمة بأسرة أخرى، أو تسليم أمور الحيرة نهائيا إلى قائد فارسي, يحكمها حكمًا عسكريًّا.

    وقد نصب الفرسُ حاكمًا منهم على الحيرة، لكنه لم يتمكن من سد أبواب الحدود الطويلة وغلقها، ومنع الأعراب من دخولها. لقد اجتازوها ثم جاوزوها إلى مسافات بعيدة في الإسلام، أوصلت العرب إلى الصين والهند وتركستان الصينية؛ ذلك لأن الفرس كانوا منهوكي القوى في الداخل وفي الخارج، وقد أتعبتهم الأوجاع, بينما جاء العرب بإيمان برسالة، وبعزم وتصميم، وباعتماد على النفس، من أن النصر سيكون لهم حتمًا. لقد بدأ هذا العزم قبل "ذي قار"، ثم تجسم في "ذي قار"، فكان نصر المعركة في هذا الموضع ناقوس النصر، و"الهرمون" الذي بعث الحيوية في جسم القبائل، فجعلها تشعر أن في استطاعتها أن تفعل شيئًا لو وحدت نفسها، وعلمت عملًا إيجابيًّا منتظمًا، بعد دراسة وتفكير, وباعدت نفسها عن الهياج والحماس والكلام الكثير، الذي يذهب بعد تكلمه مع الهواء.

    ولم تكن مشكلات الروم أقل خطورة أو عددًا من مشكلات الساسانيين. لقد تمكنت النصرانية، بعد عنت واضطهاد ومقاومة, أن تكون ديانة رسمية للحكومة والشعب. وكان المأمول أن تتوحد بذلك صفوف الأمة، غير أن التصدع الذي أصاب هذه الديانة لم يحقق لها ذلك الأمل، فتدخلت المذهبية في السياسة؛ في المذهبيات. وتولدت من هذا التدخل مقاومة رسمية من الحكومة للمذاهب المعارضة، واضطهاد لكل من يعارض مذهب القيصر, وظهرت كنيسة شرقية وكنيسة غربية، وتجزأ النصارى الشرقيون إلى شِيَعٍ وفِرَقٍ عُدَّ بعضها خارجًا على تعاليم الحق والإيمان -هي في نظر "الأرثوذكسية" مذاهب إلحادية باطلة- فعُوملت كما عاملت وثنية روما النصرانية حين ظهورها، فحوربت بغير هوادة واضطر الكثير من المخالفين إلى التكتم أو الهرب إلى مواضع ليس للبيزنطيين عليها سلطان.
    والحروب المتوالية التي شنها الفرس على البيزنطيين, والبيزنطيون على الفرس، وانقسام الإمبراطورية إلى حكومتين :
    حكومة روما وحكومة القسطنطينية، ثم مهاجمة الملوك والأقوام الساكنة في أوروبا لهاتين الحكومتين من الشمال والغرب، كل هذه أنتجت مشكلات خطيرة للعالم الغربي عامة وللروم خاصة. وقد كان إزعاج الروم وإقلاقهم، مما يفيد بالطبع منافسيهم الفرس ويسُرُّهم، فكانوا يشجعون الثائرين ويتحالفون معهم لأن في ذلك قوة لهم، كما كان الروم أنفسهم يشجعون الأحزاب المعارضة للفرس ويحرضونها على الثورة على الساسانيين والتمرد عليهم، وعلى مهاجمة حدودهم نكاية بأعدائهم وللانتقام منهم حتى صارت الحروب بين الإمبراطوريتين تقليدًا موروثًا، لا يتركها أحد الطرفين إلا اضطرارًا، ولا تعقد هدنة بينهما إلا بدفع جزية تكون مقبولة لدى الطرف الغالب تغنيه عن المكاسب التي يتأملها من وراء الحرب، يدفعها المغلوب صاغرًا بسبب الأحوال الحرجة التي هو فيها، آملًا تحسن الموقف للانتقام من الخصم. فتأريخ الساسانيين والروم, هو تأريخ هدن وحروب عادت إلى بلاد الطرفين بأفدح الأضرار, وما الذي يكسبه الإنسان من الحروب غير الضرر والدمار؟.

    لقد وجد "كسرى أنوشروان" "531-579م" في انشغال "يوسطنيان" "جستنيان" "jUSTINIAN" "527-565م" بالحروب في الجبهات الغربية, فرصة مواتية للتوسع في المناطق الشرقية من الإمبراطورية البيزنطية، فتحلل من "الهدنة الأبدية" التي كانت قد عقدت بين الفرس والروم, وهاجم الإمبراطورية منتحلًا أعذارًا واهية، واشترك في قتال دموي مر بجيوش الروم. ولم يفلح مجيء القائد "بليزاريوس" "BELISARIUS" من الجبهات الإيطالية لإيقاف تقدم الفرس، فسقطت مدن الشام وبلغت جيوش الفرس سواحل البحر المتوسط، وبعد مفاوضات ومساومات طويلة تمكن الروم من شراء هدنة من الفرس أمدها خمس سنوات بشروط صعبة عسيرة، وبدفع أموال كثيرة. ثم مُدت هذه الهدنة على أثر مفاوضات شاقة مع الفرس خمسين عامًا, حيث عقد الصلح في سنة "561" أو "562م", تعهد الروم لكسرى بدفع إتاوة سنوية عالية، وتعهد الفرس في مقابل ذلك بعدم اضطهاد النصارى، وبالسماح للروم في الاتجار في مملكتهم على شرط معاملة الروم لرعايا الفرس المعاملة التي يتلقاها تجار الروم في أرض الساسانيين..

    و"يوسطنيان" معاصر "كسرى أنوشروان" شخصية فذة مثل شخصية معاصره، ذو آراء في السياسة وفي الملك، من رأيه أن الملك يجب أن يكون دليلًا وقدوةً ونبراسًا للناس، وأنه لا يكون عظيمًا شهيرًا لحروبه ولكثرة ما يملكه من سلاح وجند، إنما يكون عظيمًا بقوته وبقدرته وبالقوانين التي يسنها لشعبه للسير عليها، تنظيما للحياة. فالملك في نظره قائد في الحروب ومرشد في السلم، حامٍ للقوانين، منتصر على أعدائه. وكان من رأيه أن الله قد جعل الأباطرة ولاته على الأرض، وأدلة للناس، قوامين على الشريعة، ولذلك فإن من واجب كل إمبراطور أن يقوم بأداء ما فرضه الله عليه, بسن القوانين وتشريع الشرائع، ليسير الناس عليها. ولما كانت القوانين التي سارت عليها الإمبراطورية الرومانية كثيرة جدًّا، حتى صعب جمعها وحفظها، تطرق إليها الخلل، وتناقضت
    الأحكام، لذلك رأى أن من واجبه جمعها وتنسيقها وتهذيبها وإصدارها في هيئة دستور إمبراطوري يسير عليه قضاة الإمبراطورية في تنفيذ الأحكام بين الناس. وعهد بهذا العمل الشاق إلى "تريبونيان" "TRIBONIAN" من المشرعين المعروفين في أيامه.
    فجمع هذا المشرع البارع القوانين في مدونات، ورتبها في كتب وأبواب، وصان بتدوينه هذا بعض القوانين البيزنطية والرومانية من الضياع، وأورث المشرعين ذخيرة ثمينة من ذخائر البشرية في التشريع.
    ويعد هذا العمل من الأعمال العظيمة في تأريخ التشريع، ولم يكن "يوسطنيان" أول من فكر في جميع القوانين السابقة في مدونة، ولكنه كان أول من أقدم على تنسيقها وجمع ما تشتت منها وتيسيرها للمشرعين، وقد وحد بذلك قوانين الإمبراطورية, فعُدَّ صنيعه هذا إصلاحًا كبيرًا يدل على شعور الملك وتقديره للعدالة في مملكته. وقد أدخل معاصره "كسرى أنوشروان" إصلاحات على قوانين الجباية، فعد القرن السادس من القرون المهمة في تأريخ التشريع. ولكن الذي يؤسفنا أننا لا نملك موارد تفصل إصلاحات "كسرى", وهل هي نتيجة شعور بضرورة ملحة وحاجة، أم هي صدى للعمل الذي قام به "يوسطنيان"؟ ثم أي مدى بلغته تلك الإصلاحات؟
    وفكرة إخضاع الإمبراطورية لقانون واحد نابعة من أصل عام كان يدين به "يوسطنيان"، يتلخص في دولة واحدة وقانون واحد وكنيسة واحدة. كان يوسطنيان يرى أن الدولة المنظمة هي الدولة التي يخضع فيها كل أحد لأوامر القيصر، وأن الكنيسة إنما هي سلاح ماضٍ يعين الحكومة في تحقيق أهدافها؛ لذلك سعى لجعلها تحت نفوذ الحكومة وفي خدمة أغراضها، فتقرب إلى رجال الدين، وساعد على إنشاء كنائس جديدة، واستدعى إلى عاصمته رؤساء الكنيسة "المتوفيزيتية" "MONOPHYSITES" القائلين بالطبيعة الواحدة واليعاقبة وأتباع "آريوس" "ARIAUS" وغيرهم من المعارضين لمباحثتهم ولعقد مناظرات بينهم وبين الكنيسة الرسمية للتقريب فيما بينهم, وإيجاد نوع من الاتفاق يخدم أهداف الملك المذكور. ولكن هذه المحاولة لم تنجح، ومحاولات التوفيق لم تثمر، ولتحقيق نظريته في الكنيسة الواحدة اضطهد أصحاب المذاهب المعارضة، وكذلك اليهود.
    واضطر بعضهم إلى ترك الإمبراطورية والهجرة إلى مملكة الساسانيين وإلى المحلات التي ليس للحكومة عليها سلطان.

    وزادت نظريته المذكورة في الدولة وفي الكنيسة من حدة المشكلات التي ورثها من أسلافه وجاءت بنتائج معاكسة لما كان يريد منها. فمحاولة تقربه من "البابا" وتأييده له، اصطدمت بفكرة كانت مسيطرة عليه، هي أن علمه باللاهوت لا يقل عن علم رجال الدين به، وأن من حقه التدخل في أمور الكنائس وفي تسيير المجامع الكنيسية، لتوحيد الكنائس وإعادتها إلى أصلها، فأزعج بذلك "البابا"، وصار من أضداده، وأزعج أصدقاءه ومعارضيه من رجال المذاهب الأخرى؛ لأنه خالفهم، وجاء بتفسيرات لم ترضِ أي مذهب منها. واضطر أخيرًا إلى الخضوع لعقيدته المهيمنة على عقله، وهي أن ما يراه في الدين هو الصحيح، وهو الحل الوسط للنزاع الكنسي، وهو الأصلح للدولة, فخلق معارضين له, وأغلق "جامعة أثينا" ومدارس البحث، وأصدر أمرًا بمنع الوثنيين وكل من ليس نصرانيًّا من الاشتغال في الدولة. وهكذا ولدت نظريته في "أنا الدولة" مشكلات خطيرة لدولته, ولدولة من جاء بعده من قياصرة.

    وكانت لدى الروم مثل هذه المشكلة التي كانت عند الفرس: مشكلة تهرب كبار الملاكين والمتنفذين من دفع الضرائب، وزيادة نفوذهم وسلطانهم في الدولة. فعزم "يوسطنيان" على الحد من سلطانهم، والتشديد في استيفاء الضرائب لمعالجة الوضع الحربي الناتج من قلة المال اللازم للإنفاق على جيش كبير، مما اضطر الحكومة إلى تقليص عدد الجنود. فأصدر أوامر عديدة بالتشديد في جمع الضرائب، وبإجراء الإصلاحات في الإدارة، غير أن إصلاحاته هذه لم تنفذ؛ إذ لم يكن في مقدور الحكومة تنفيذها لعدم وجود قوة لديها تمكنها من الحد من نفوذ المتنفذين ورجال أكفاء أقوياء يقومون بالتنفيذ.

    واهتم "يوسطنيان" بأمر التجارة، والتجارة مورد رزق للدولة كبير، ولا سيما مع الأقطار الشرقية، فقد كانت بضائعها مرغوبًا فيها في أوروبا ومطلوبة, تجني الحكومة منها أرباحًا كثيرة، وفي مطلع قائمة هذه البضائع النفيسة الأموال التي ترد إلى الإمبراطورية من الصين والهند، فقد كانت تلاقي إقبالًا كبيرًا من أثرياء الإمبراطورية ومن أثرياء إمبراطورية روما الغربية وبقية أنحاء أوروبا.

    تابع الفصل الثاني 》》》


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:30 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام
    (2)
    【الطائف】

    وبنو ثقيف حزبان : الأحلاف ومنهم : "غيلان بن سلمة" و"كنانة بن عبد ياليل" و"الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب"، و"ربيعة بن عبد ياليل" و"شرحبيل بن غيلان بن سلمة" و"عثمان بن أبي العاص" و"أوس بن عوف" و"نمير بن خرشة بن ربيعة"، وقد ذهب هؤلاء إلى 【الرسول ﷺ】 وأسلموا فاستعمل عليهم "عثمان بن أبي العاص".

    وأما القسم الثاني، فعُرف بـ"بني مالك"، وقد ذهب نفر منهم مع هذا الوفد إلى 【الرسول ﷺ】 فضرب لهم قبة في المسجد, وأما الأحلاف فنزلوا ضيوفًا على "المغيرة بن شعبة" وهو من ثقيف.

    ومن الأحلاف في الإسلام: المختار بن أبي عبيد، والحجاج بن يوسف.
    ومن زعماء الأحلاف عند ظهور الإسلام :
    أمية بن أبي الصلت، والحارث بن كلدة، ومعتب، وعتاب، وأبو عتبة، وعتبان (١).

    ويذكر أهل الأخبار أن حربًا وقعت بين "مالك" والأحلاف، فخرجت الأحلاف تطلب الحلف من أهل يثرب على "بني مالك"، وعلى رأسها "مسعود بن معتب" رأس الأحلاف. فقدم على "أحيحة بن الحلاج"، أحد بني عمرو بن عوف من "الأوس", فطلب منه الحلف، فأشار عليه "أحيحة"، أن عليه أن يعود إلى الطائف ويصالح إخوانه، فإن أحدًا لن يبر له إذا حالفهم, فانصرف "مسعود" عن "عتبة" بعد أن زوده بسلاح وزاد وأعطاه غلامًا يبني الأسوار، فلما وصل، أمر الغلام ببناء سور حول الطائف، فبناه له، وأحيطت الطائف بسور قوي حصين، وآمنت بذلك على نفسها من غارات الأعراب (٢).
    ويختلف أهل الطائف عن أهل مكة، وعن الأعراب من حيث ميلهم إلى الزراعة واشتغالهم بها وعنايتهم بغرس الأشجار.
    وقد عرفت الطائف بكثرة زبيبها وأعنابها واشتهرت بأثمارها، وقد كان أهلها يُعنون بزراعة الأشجار المثمرة, ويسعون إلى تحسين أنواعها وجلب أنواع جديدة لها، فقد استوردوا أشجارًا من بلاد الشام ومن أماكن أخرى وغرسوها حتى صارت الطائف تمون مكة وغيرها بالأثمار والخضر.
    وثقيف حضر مستقرون متقدمون بالقياس إلى بقية أهل الحجاز, فاقوا غيرهم في الزراعة إذ عنوا بها كما ذكرت، واستفادوا من الماء فائدة كبيرة، وأحاطوا المدينة ببساتين مثمرة، كما فاقوا في البناء فبيوتهم جيدة منظمة، وكان لهم حذق ومهارة في الأمور العسكرية.
    وقد تجلى ذلك في دفاعهم عن مدينتهم يوم حاصرها 【الرسول ﷺ】 وتحصنهم بسورهم، ورميهم المسلمين بالسهام وبالنار من فوق سورهم، يوم لم يكن لمكة ولا للمدينة سور ولا خنادق.
    كذلك اختلف أهل الطائف عن غيرهم من أهل الحجاز في ميلهم إلى الحرف اليدوية مثل الدباغة والنجارة والحدادة، وهي حرف مستهجنة في نظر العربي، يأنف من الاشتغال بها. ولكن أهل الطائف احترفوها، وربحوا منها، وشغَّلوا رقيقهم بها.

    وقد استفادوا من خبرة الرقيق فتعلموا منهم ما لم يكن معروفًا عندهم من أساليب الزراعة وأعمال الحرف، فجددوا وأضافوا إلى خبرتهم خبرة جديدة.

    وقد عاش أهل الطائف في مستوى هو أرفع من مستوى عامة أهل الحجاز، فقد رزقوا فواكه أكلوا منها، وجففوا بعضًا منها مثل "الزبيب"، وأكلوا وصدروا منه ما زاد عن حاجتهم، كما اقتاتوا بالحبوب واللحوم, حتى حظ فقراء الطائف هو أرفع وأحسن درجة من حظ فقراء المواضع الأخرى من الحجاز.
    وقد ذهب المفسرون إلى أن كلمة القريتين الواردة في القرآن الكريم، تعني مكة والطائف. {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (٣).
    وكان رؤساؤها من المثرين الكبار، لهم حصون يدافعون بها عن أنفسهم وعن أموالهم، ولهم علم بالحرب. ولحماية مدينتهم أقاموا حصونًا على مسافات منها، وحوطوا مدينتهم بسور حصين عالٍ، يرد من يحاول دخولها، وجمعوا عندهم كل وسائل المقاومة الممكنة التي كانت معروفة في ذلك العهد، مثل أوتاد الحديد التي تحمى بالنار لتلقى على الجنود المختفين بالدبابات، وغير ذلك من وسائل المقاومة والدفاع، كما كانوا قد تعلموا من أهل اليمن مثل مدينة "جرش" صناعة العرادات والمنجنيق والدبابات (٤)..

    وكان أغنياء "الطائف" كأغنياء مكة وأغنياء المواضع الأخرى من جزيرة العرب, أصحاب ربا. ولما أسلموا اشترط عليهم الرسول ﷺ ألا يرابوا، ولا يشربوا الخمر، وكتب لهم كتابًا (٥). وكانت لهم تجارة مع اليمن، ولكننا لا نسمع شيئًا عن قوافل كبيرة كقوافل أهل مكة، كانت تتاجر مع بلاد الشام أو العراق، ولعلهم كانوا يساهمون مع تجار مكة في اتجارهم مع تلك الديار.
    وقد اشتهرت الطائف بدباغة الجلود، وذكر أن مدابغها كانت كثيرة، وأن مياهها كانت تنساب إلى الوادي، فتنبعث منها روائح كريهة مؤذية (٨) واشتهرت بفواكهها وبعسلها (٧)

    وقد استغل أثرياء قريش أموالهم في الطائف، فاشتروا فيها الأرضين وغرسوها واستثمروها، واشتروا بعض المياه، وبنوا لهم منازل في الطائف ليتخذوها مساكن لهم في الصيف، وأسهموا مع رؤساء ثقيف في أعمال تجارية رابحة، وربطوا حبالهم بحبالهم، وحاولوا جهد إمكانهم ربط الطائف بمكة في كل شيء (٨).
    ولما فتحت مكة وأسلم أهلها, طمعت ثقيف فيها، حتى إذا فتحت الطائف أقرت في أيدي المكيين، وصارت أرض الطائف مخلافًا من مخاليف مكة (٩).
    وقد كان بين أهل مكة وأهل الطائف تنافس وتحاسد، وقد حاول أهل الطائف جلب القوافل إليهم، وجعل مدينتهم مركزًا للتجار يستريحون فيه، وقد نجحوا في مشروعهم هذا بعض النجاح يوم استولى الفرس على اليمن، وتمكنوا فيه من طرد الحبش عن العربية الجنوبية, فصارت قوافل "كسرى" التجارية و"لَطائم" ملوك الحيرة تذهب إلى اليمن وتعود منها من طريق الطائف, ونغصت بذلك عيش أهل مكة, غير أن أهل مكة تمكنوا من التغلغل إلى الطائف ومن بسط سلطانهم عليها، بإقراض سادتها الأموال، وبشراء الأرضين, فبسطوا بذلك سلطانهم عليها، وأقاموا بها أعمالًا اقتصادية خاصة ومشتركة، وهكذا استغل أذكياء مكة هذا الموضع المهم، وحولوه إلى مكان صار في حكم التابع لسادات قريش.
    ومن سادات الطائف :
    "عبد ياليل" وإخوته "حبيب" و"مسعود" و"ربيعة" و"كنانة" وهم "بنو عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة الثقفي"، وكانوا أثرياء أجوادًا يطعمون بالرياح (١٠).
    وأمهم "قلابة بنت الحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج" الثقفي (١١) وبيت "بني علاج" من البيوت القديمة المعروفة بالطائف (١٢)....

    ولقد لقي الرسول ﷺ مقاومة عنيفة من أهل الطائف حين حاصرها وأحاط بها، فقد تحصن أهلها بحائطهم وبحصونهم, وأغلقوا عليهم أبواب مدينتهم، وصنعوا الصنائع للقتال. أما من كان حول الطائف من الناس, فقد أسلموا كلهم، ولما ضيق المسلمون الحصار عليها، وقربوا من الحائط، دخل نفر من أصحاب رسول الله ﷺ تحت دبابة، ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار، فخرجوا من تحتها، فرمتهم ثقيف بالنبل، وقتلوا رجالا، فأمر رسول الله بقطع أعناب ثقيف؛ كي يحملهم على فتح أبواب مدينتهم ومهادنة الرسول ﷺ للإبقاء على أموالهم، غير أنهم لم يبالوا بما رأوا من قطع أعنابهم وتخريب بساتينهم، وبقوا على عنادهم، مما حمل الرسول ﷺ على ترك حصارهم والرحيل عنهم انتظارًا لفرصة أخرى (١٣).
    ويذكر أهل الأخبار، أن "سلمان الفارسي" اتخذ منجنيقًا نصبه المسلمون على الطائف، وأن المسلمين كانت لهم دبابة، جاء بها "خالد بن سعيد بن العاص" من "جرش"(١٤).

    ويذكر الطبري أن عروة بن مسعود وهو من وجوه الطائف، كان قد تعلم مع غيلان بن سلمة صنعة الدبابات والضبور والمجانيق من أهل جرش (١٥).
    وقد اشتهرت هذه المدينة بصنع آلات الحرب.
    ولما انصرف الرسول ﷺ عن الطائف، اتبع أثره "عروة بن مسعود بن متعب" حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة، فأسلم. فلما رجع إلى الطائف على أمل إقناع أهلها بالدخول في الإسلام، لمكانته فيهم، رموه بالنبل من كل وجه، فأصابه سهم فقتله.

    ثم أقامت ثقيف بعد مقتل عروة أشهرًا، ثم إنهم ائتمروا بينهم ألا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب, فأرسلوا وفدًا إلى المدينة لمفاوضة 【الرسول ﷺ】 على الدخول في الإسلام.
    فلما دخلوا عليه أبوا أن يحيوه إلا بتحية الجاهلية، ثم سألوه أن يدع لهم "الطاغية" وهي اللات لا يهدمها, إلى أجل؛ لأنهم أرادوا بذلك "فيما يظهرون أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم، ويكرهون أن يروِّعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام. فأبى 【رسول الله ﷺ】 ذلك إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فيهدماها.
    وقد كانوا سألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة، وأن يكسروا أوثانهم بأيديهم، فقال رسول اللهﷺ : "أما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه. وأما الصلاة، فلا خير في دين لا صلاة فيه". فقالوا: يا محمد، أما هذه فسنؤتيكها وإن كانت دناءة"(١٦).
    فلما وصل الوفد ومعه أبو سفيان والمغيرة بن شعبة إلى الطائف، وأرادا هدم الصنم، "أراد المغيرة أن يقدم أبا سفيان، فأبى ذلك أبو سفيان عليه، وقال: ادخل أنت على قومك، وأقام أبو سفيان بماله بذي الهرم (١٧) فلما دخل المغيرة بن شعبة، علاها يضربها بالمعول، وقام قوم دونه -بنو معتب- خشية أن يرمى أو يصاب.... وخرجن نساء ثقيف حسَّرًا يبكين" "ويقول أبو سفيان والمغيرة يضربها بالفأس: واهًا لك، فلما هدمها المغيرة، أخذ مالها وحُليَّها، وأرسل إلى أبي سفيان وحليها مجموع، ومالها من الذهب والجزع، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر أبا سفيان أن يقضي من مال اللات دين عروة والأسود ابني مسعود، فقضى منه دينهما"(١٨).
    وذكر عن "عروة بن مسعود الثقفي" أنه كان من الرجال الذين كان عندهم عشر نسوة عند مجيء الإسلام (١٩) وأنه نادى على سطحه بالطائف بالأذان أو التوحيد، فرماه رجل من أهل الطائف فقتله، وأن الرسول قال فيه: "مثله مثل صاحب ياسين" (٢٠) "ويقال :
    إنه الذي ذكره 【الله عز وجل】 في التنزيل : {مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم} وذكر بعض أهل العلم أن أربعة سؤددهم في الجاهلية والإسلام :
    عروة بن مسعود، والجارود واسمه: بشر بن المعلى، وجرير بن عبد الله، وسراقة بن جعشم المدلجي"(٢١)

    وثقيف أقرب في الواقع إلى اليمن منهم إلى أهل الحجاز، وتكاد تكون ثقافتهم ثقافة يمانية، وحياتهم الاجتماعية حياة اجتماعية من النوع المألوف في اليمن, حتى في الوثنية نجد لهم معبدًا خاصًّا بهم، يتقربون إليه ويحجون له.
    ولعل هذه الاختلافات وغيرها هي من جملة العوامل التي صيرت ثقيفًا مجتمعًا خاصًّا معارضًا لمجتمع مكة, وجعلت أهل الطائف يكرهون أهل مكة الذين امتلكوا أملاكًا في الطائف، وكانوا يأتون إليها في الصيف هربًا من جو مكة المحرق.

    ومن بطون ثقيف :
    "بنو الحطيط" و"بنو غاضرة"، ومن بني الحطيط "مالك بن حطيط"، وكان من ساداتهم في الجاهلية.

    ومن ثقيف الشاعر أمية بن أبي الصلت، وكان بعض العلماء يقول :
    لولا 【النبي ﷺ】 لادعت ثقيف أن أمية نبي؛ لأنه قد دارس النصارى وقرأ معهم ودارس اليهود وكل الكتب قرأ, ولم يسلم ورثى قتلى بدر (٢٢). و
    من رجالهم "أبو محجن"، كان شاعرًا فارسًا شجاعًا شهد يوم القادسية وكان له فيها بلاء عظيم، وقد شهد يومئذ "عمرو بن معد يكرب" وغيره من فرسان العرب, فلم يبل أحد بلاءه, و"الأخنس بن شريق", وتزعم ثقيف أنه أحد الرجلين اللذين ورد ذكرهما في القرآن, {عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَينِ عَظِيم} : الأخنس بن شريق والوليد بن المغيرة, وقد كان حليفًا لبني زهرة. وقد خنس ببني زهرة يوم بدر (٢٣).

    ومن ثقيف "بنو علاج"، ومنهم "الحارث بن كلدة", "كان طبيب العرب في زمانه وأسلم ومات في خلافة عمر"(٢٤) والمغيرة بن شعبة (٢٥).

    ومن بني ثقيف عثمان والحكم ابنا أبي العاص بن بشر بن دهمان الثقفي، كانا شريفين عظيمي القدر، ولى "عمر" عثمان عمان والبحرين وأقطعه الموضع المعروف بالبصرة بـ"شط عثمان".

    ومنهم "تميم بن خَرشة بن ربيعة" أحد وفد ثقيف إلى【رسول الله ﷺ 】 ومن فرسانهم في الجاهلية :
    "أوس بن حذيفة" وأدرك الإسلام و"ضبيس بن أبي عمرو"، و"همام بن الأعقل", وآخرون (٢٦).

    ======================
    (١) المعارف "91".
    (٢) ابن الأثير، الكامل "1/ 420 وما بعدها".
    (٣) الزخرف، الآية 31، الطبرسي، مجمع "5/ 46"، تفسير الطبري "25/ 39".
    (٤) ابن سعد، طبقات "1/ 312" "بيروت 1957م"، السيرة الحلبية "3/ 131 وما بعدها".
    (٥) البلاذري، فتوح "67".
    (٦) البلدان "6/ 10 وما بعدها".
    (٧) البلاذري، فتوح "68 وما بعدها".
    (٨) البلاذري، فتوح "68".
    (٩) البلاذري، فتوح "68".
    (١٠) المحبر "460".
    (١١) المحبر "460".
    (١٢) الاشتقاق "185".
    (١٣) الطبري "3/ 82 وما بعدها" "غزوة الطائف".
    (١٤) البلاذري، أنساب "1/ 366".
    (١٥) الطبري "3/ 82".
    (١٦) الطبري "3/ 99 وما بعدها".
    (١٧) "الهدم".
    (١٨) الطبري "3/ 99 وما بعدها".
    (١٩) المحبر "ص357".
    (٢٠) المحبر "ص106".
    (٢١) الاشتقاق "186".
    (٢٢) الاشتقاق "184".
    (٢٣) الاشتقاق "185".
    (٢٤) الاشتقاق "ص185 وما بعدها".
    (٢٥) الاشتقاق "186".
    (٢٦) الاشتقاق "184".


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:30 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    【الطائف】

    والطائف على مسافة خمسة وسبعين ميلًا تقريبًا إلى الجنوب الشرقي من مكة، وهي على عكس مكة أرض مرتفعة ذات جو طيب في الصيف فيه زرع وضرع، وغنى جادت الطبيعة به على أهله.
    وقد كان وما زال مصيفًا طيبًا يقصده أهل مكة فرارًا من وهج الشمس.
    وتقع الطائف على ظهر جبل غزوان، وهو أبرد مكان في الحجاز، وربما جمد الماء في ذروته في الشتاء، وليس بالحجاز موضع يجمد فيه الماء سوى هذا الموضع, وبينها وبين مكة وادٍ اسمه نعمان الأراك. وهي كثيرة الشجر والثمر، وأكثر ثمارها الزبيب والرمان والموز والأعناب، ولا سيما الصديفي، وفواكه أخرى عديدة. وهي تمون مكة بالفواكه والبقول (١) وتحيط بها الأودية. ومن مواضعها "الوهط"، وهو واد، أو مكان مطمئن من الأرض مستوٍ، تنبت فيه العضاه والسمر والطلح والعرفط، وقد اتخذ بستانًا، صار لـ"عمرو بن العاص"، ثم لابنه، وقد عرف بكثرة كرمه وأنواع أعنابه (٢).

    وإلى الشرق من الطائف وادٍ يقال له "لِيَّة"، ذكر بعض أهل الأخبار أن أعلاه لثقيف, وأسفله لـ"بني نصر بن معاوية" من هوازن (٣).
    وتأريخ مدينة الطائف تأريخ غامض، لا نعرف من أمره شيئًا؛ إذ لم تمس تربتها أيدي علماء الآثار بعد، كما أن السياح لم يجدوا في الطائف كتابات قديمة بعد. ولكن مكانًا مثل الطائف لا بد أن يكون له تأريخ قديم، ولا يعقل أن يكون من الأمكنة التي ظهرت ونشأت قبيل الإسلام, وليس لنا من أمل في الحصول على شيء من تأريخ الطائف إلا بقيام العلماء بمناجاة تربتها واستدراجها لتبوح لم بما تكنه من كتابات مسجلة في الألواح تتحدث عن تأريخ هذا المكان المهم.

    وقد عثر الباحثون فعلًا على كتابات مدونة على الصخور المحيطة بمدينة الطائف الحديثة وفي مواضع غير بعيدة عنها. وقد تبين أن بعضًا منها بالنبطية وبعضًا آخر بالثمودية، وأن بعضًا بأبجدية أخرى، وأن بعضًا بأبجدية القرآن الكريم، أي بقلم إسلامي. ولا يستبعد عثور العلماء في المستقبل على كتابات ستكشف عن تأريخ هذه البقعة، وعن تأريخ من سكنها قبل الإسلام وقبل ثقيف. وذُكر أن بعض كتابات يشبه شكلها شكل الأبجدية اليونانية، وكتابات أخرى يشبه خطها الخط الكوفي, عثر عليها في "بستان شهار" على مسافة كيلومترين إلى الجنوب من الطائف (٤), غير أنها لم تدرس حتى الآن. ومكان مهم بالنسبة للطرق التجارية ولموقعه المعتدل الجميل، لا بد وأن يكون قد لفت أنظار سكان العربية الغربية قبل الميلاد فسكنوه، ولا أستبعد إمكانية تدوين تأريخ صحيح لهذه المدينة إذا ما قام المنقبون بالبحث فيها وفي الأماكن القريبة منها لاستنطاقها، لتتحدث لهم عما عرفته من أخبار تلك الشعوب التي سكنت هذا الموضع قبل ثقيف.
    ويزعم أهل الأخبار أن الطائف إنما سيمت طائفًا، بحائطها المطيف بها, أما اسمها القديم فهو "وج". ولهم روايات عن كيفية قيام ذلك الحائط، وقد حاول بعض أهل الأخبار إعطاء الطائف مسحة دينية، فزعموا بأنها من دعوات 【إبراهيم عليه السلام】 وأنها قطعة من أرض ذات شجر كانت حول الكعبة، ثم انتقلت من مكانها بدعوة إبراهيم، فطافت حول البيت، ثم استقرت في مكانها، فسميت الطائف، وزعمت أن جبريل اقتطعها من فلسطين، وسار بها إلى مكة فطاف بها حول البيت، ثم أنزلها حول الطائف (٥).
    وهكذا أكسبت هذه الروايات الطائف
    قدسية، وجعلت لها مكانة دينية، وهي روايات يظهر أنها وضعت بتأثير من سادات ثقيف المتعصبين لمدينتهم، والذين كانوا يرون أن مدينتهم ليست بأقل شأنًا من مكة أو يثرب. وقد كان بها سادات وأشراف كانوا أصحاب مال وثراء.
    وقد زعم بعض أهل الأخبار أن الذي أقام حائط الطائف رجل من الصدف، يقال له "الدمون بن عبد الملك"، قتل ابن عم له يقال له "عمرو" بحضرموت، ثم فر هاربًا، ثم جاء إلى "مسعود بن متعب الثقفي" ومعه مال كثير، وكان تاجرًا، فقال : أريد أن أحالفكم على أن تزوجوني وأزوجكم
    وأبني لكم طوفًا عليكم مثل الحائط لا يصل إليكم أحد من العرب. فوافقوا على ذلك، وبنى لهم طوفًا عليهم، فسميت الطائف, فزوجوه (٦).
    وقد كان لأهل الطائف معبد يحجون إليه، هو معبد "اللات"، وكانوا يعظمونه ويتبركون به. ويذكر أهل الأخبار أن اللات كان صخرة مربعة يلتّ يهودي عندها السَّوِيق، وكان سدنتَه "بنو عتاب بن مالك" وهم من ثقيف, وقد بنو له بناء ضخمًا. وكانت العرب، ومنها قريش، تعظمه وتحج إليه وتطوف به, وقد هُدم في الإسلام عند فتح الطائف ودخول أهلها فيه. وقد هدم الصنم : المغيرةُ بن شعبة، وأحرقه بالنار, ويقع موضعه تحت منارة المسجد، الذي بني على أنقاض ذلك المعبد، وهو مسجد المدينة. فمسجد الطائف إذن هو معبد اللات القديم، وهو في الطائف نفسها (٧).

    ويرجع أهل الأخبار زمان الطائف إلى العمالقة، ويقولون : إنها إنما سميت "وَجًّا" بوج بن عبد الحي، من العماليق، وهو أخو "أجأ" الذي سمي به جبل "طي", ثم غلب عليها "بنو عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر"، ثم غلبهم "بنو عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن"، وذلك بعد قتال شديد. ثم استغلت ثقيف الظروف، فاستولت عليها، وأخذتها من "بني عامر"، فارتحل "بنو عامر" عنها، ونزحوا إلى تهامة، وتحكم بها بنو ثقيف (٨).

    ويذكر بعض أهل الأخبار أن أول من ملك الطائف "عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر". فلما كثر "بنو عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن"، غلبوهم على الطائف بعد قتال شديد (٩).
    وقد كانت مواطن "بني عامر" بنجد, وكانوا يصيفون بالطائف، حتى غلبتهم ثقيف, فخرجوا إلى تهامة. وكان منهم "عامر بن الظرب العدواني" أحد الحكماء العرب (١٠).

    وقد ورد في بعض الأخبار أن قوم ثمود هم الذين نزلوا بالطائف بعد العماليق، فأخذوها منهم، وذلك قبل ارتحالهم عنها إلى وادي القرى، بسبب منازعة القبائل لهم، ومن ثم ربط رواة هذه الأخبار نسب ثقيف بثمود، وقد صير بعض أهل الأخبار ثقيفًا مولى من موالي هوازن، ونسبهم آخرون إلى إياد (١١).

    وجاء في رواية أخرى أن أقدم سكان الطائف هم بنو مهلائيل بن قينان, وهم الذين عمروها وغرسوها وأحيوا مواتها, وقد سكنوها قبل الطوفان، فلما وقع الطوفان, كانوا في جملة من هلك فيه من الأمم الباغية. فخلت الطائف منهم، وسكنها بعدهم بنو هانئ بن هذلول بن هوذلة بن ثمود، فأعادوا بناءها وعمروها حتى جاءهم قوم من الأزد على عهد "عمرو بن عامر"، فأخرجوهم عنها، وأقاموا بها وأخذوا أماكنهم، ثم توالى عليها العرب حتى صارت في أيدي ثقيف (١٢).

    وصير بعض أهل الأخبار ثقيفًا رجلًا متشردًا، اتفق مع ابن خاله النخع على الهجرة في طلب الرزق والعيش، فذهب النخع إلى اليمن، فنزل بها، وذهب "ثقيف" إلى وادي القرى، فنزل على عجوز يهودية لا ولد لها، واتخذها ثقيف أمًّا له. فلما حضرها الموت، أوصت له بما كان عندها من دنانير وقضبان، ثم دفنها وذهب نحو الطائف، فلما كان على مقربة منها، وجد أمة حبشية ترعى غنمًا, فأراد قتلها ليستولي على ماشيتها، فارتابت منه، وأخبرته بأن يصعد إلى الجبل، فيستجير بـ"عامر بن الظرب العدواني" فإنه سيجيره ويغنيه، ويربح أكثر من ربحه من استيلائه على هذه الغنم، فذهب إليه، وأجاره، وأغناه، وأنزله عنده، وزوجه ابنة له، وبقي مقيمًا في الطائف، وتكاثر ولده، حتى زاحموا بني عامر، وتلاحيا ثم اقتتلا، فتغلبت ثقيف على بني عامر، واستولت على الطائف (١٣).

    ويذكر هؤلاء الرواة أن ثقيفًا اتفقوا مع "بني عامر" على أن يأخذوا الطائف لهم ويرحل بنو عامر عنها، فيدفعوا لهم نصف ما يحصلون عليه من غلات. وقد بقوا على ذلك أمدًا، حتى ثبتت ثقيف نفسها في الطائف وقوت دفاعها وأحكمت مواضعها، ثم امتنعت عن دفع أي شيء كان لبني عامر، فوقع قتال بين الطرفين انتهى بانتصار ثقيف. وصارت بذلك سيدة الطائف بلا نزاع.

    وقد حسدهم طوائف من العرب، وقصدوهم لما صار لهم من مركز ومن رزق رغد وأثمار وجنان، ولكنهم لم يتمكنوا من الظفر بطائل، وتركوهم على حالهم (١٤).
    وذكر بعض أهل الأخبار أن "عبد ضخم" كانوا فيمن سكن الطائف, وقد كانوا من عاد الأولى، وهلكوا فيمن هلك من عاد ومن أقوام بائدة.

    وذكر أنه كان بالطائف قوم من يهود، طُردوا من اليمن ومن يثرب, فجاءوا إلى الطائف، وسكنوا فيها، ودفعوا الجزية لساداتها، ومن بعضهم ابتاع "معاوية" أمواله بالطائف (١٥).
    وقد كان لوقوع الطائف على مرتفع، ولحائطها المزود بأبراج واستحكامات الفضل بالطبع في صد الأعراب ومنعهم من نهبها وغزوها. والظاهر أن أهل الطائف كانوا قد اقتفوا أثر اليمن في الدفاع عن مدنهم وقراهم, حيث كانوا يبنونها على المرتفعات في الغالب، ثم يحيطون ما يبنونه بأسوار ذات أبراج لمنع العدو من الدنو منها, ولا سيما الأعراب الذين لم يكونوا بحكم طبيعة معيشتهم في أرض منبسطة مكشوفة، ولفقرهم وعدم وجود أسلحة حسنة لديهم يستطيعون مهاجمة مثل هذه التحصينات، وأخذها على غِرَّة حيث تقفل أبواب الأسوار وتغلق ليلًا، وفي أوقات الخطر, فلا يكون في استطاعة أحد ولوجها؛ لذلك صارت هذه التحصينات من أثقل الأعداء على قلوب الأعراب.

    ولما هم "أبرهة" بالسير إلى مكة، كانت الطائف في جملة المواضع التي نزل بها في طريقه إليها. وقد خرج إليه مسعود بن معتب في رجال ثقيف، فأتوه بالطاعة، وبعثوا معه "أبا رغال" دليلًا، فأنزله المغمس بين الطائف ومكة، فهلك "أبو رغال" هناك وقبره في ذلك الموضع.

    وعند ظهور الإسلام كان أغلب سكان هذا الموضع ينتسبون إلى قبيلة ثقيف. وترجع هذه القبيلة نسبها مثل القبائل الأخرى إلى جد أعلى، يقولون: إن اسمه "قسي بن منبه"، ويقول الإخباريون: إنما دعي قسيًّا؛ لأنه قتل رجلًا، فقيل: قسا عليه، وكان غليظًا قاسيًا (١٦).
    والنسابون يختلفون في نسبه، فمنهم من ينسبه إلى إياد، فيجعله قسي بن نبت بن منبه بن منصور بن مقدم بن أفصى بن دُعْمِيّ بن إياد بن معد، ومنهم من يجعله من هوازن، فيقول: قسي بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان (١٧).

    ونحن إذا درسنا ما رواه أهل الأخبار عن نسب ثقيف، وعن القبائل التي اتصلت بها، نجد أنها كانت ذات صلة وثيقة بقبائل "قيس عيلان" من مجموعة مضر. ومعنى هذا أنها كانت على مقربة منها، وأنها كانت من قبائل مضر, كما نجد في الوقت نفسه أنها كانت على صلات وثيقة مع بعض قبائل اليمن. وقد فسرت هذه الصلات بوجود نسب لثقيف باليمن، وهذا النسب المزدوج، هو كناية عن الصلات التي كانت تربط بين "ثقيف" ومجموعة "مضر", وبينها وبين قبائل اليمن. وهو تعبير عن موضع الطائف المهم الوسط، الذي يربط بين اليمن والحجاز والطرق المارة إلى نجد، مما جعله وسطًا وموضعًا للاحتكاك بين قبائل هذه الأرضين.
    وصيروا ثقيفًا في رواية أخرى ابنًا لأبي رغال, ثم رفعوا نسب الابن والأب إلى قوم ثمود، وجعله حماد الراوية ملكًا ظالمًا على الطائف، لا يرحم أحدًا، مر في سنة مجدبة بامرأة ترضع صبيا يتيما بلبن عنز لها، فأخذها منها فبقي الصبي بلا مرضعة، فمات، فرماه الله بقارعة فأهلكه، فرجمت العرب قبره، وصار رجم قبره سنة للناس (١٨). فهل تجد رجلًا ألأم من هذا الرجل على هذا الوصف؟.
    وقد قيل في "أبي رغال": إنه كانت رجلًا عشَّارًا في الزمن الأول, جائرًا, وقيل: كان عبدًا لشعيب، وقيل: اسمه "زيد بن مخلف" عبدٌ كان 【لصالحٍ النبي】 وأنه أرسله إلى قوم ليس لهم لبن إلا شاة واحدة، ولهم صبي قد ماتت أمه يغذونه بلبن تلك الشاة، فأبى أن يأخذ غيرها، فقالوا : دعها نحايي بها هذا الصبي، فأبى "فيقال: إنه نزلت به قارعة من السماء, ويقال: بل قتله رب الشاة. فلما فقده صالح، قام في الموسم ينشد الناس، فأخبر بصنيعه فلعنه، فقبره بين مكة والطائف يرجمه الناس"(١٩).

    وفي رأيي أن معظم هذه الروايات التي يرويها الإخباريون عن ثقيف إنما وضعت في الإسلام، بغضًا للحَجَّاج الذي عرف بقسوته وبشدته، فصيروا ثقيفًا عبدًا لأبي رغال, وجعلوا أصله من قوم نجوا من ثمود. وأبو رغال نفسه جاسوس خائن في نظر الإخباريين، حاول إرشاد أبرهة إلى مكة، فكيف يكون إذن حال رجل من قوم فَسَقَة كَفَرَة, ثم صار عبدًا لجاسوس لئيم! وقد رأيت أن من أهل الأخبار من صير "ثقيفًا" رجلًا مهاجرًا، هاجر في البلاد يلتمس العيش حتى جاء وادي القُرَى، فتبنته عجوز يهودية، وعطفت عليه، حتى إذا ما ماتت أخذ مالها، وهاجر إلى الطائف، وكان لئيما فطمع في غنم لأمة حبشية، وكاد يقتلها لولا إشارتها عليه باللجوء إلى "عامر بن الظَّرِب"، الجواد الكريم، وصاحب الطائف، فأعطاه وحباه، ولكن أبى لؤم ثقيف إلا أن ينتقل إلى ولده، فتنكروا لبني عامر وأخرجوهم عن الطائف، واستبدوا وحدهم بها.

    وبنو ثقيف حزبان: الأحلاف ومنهم: "غيلان بن سلمة" و"كنانة بن عبد ياليل" و"الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب"، و"ربيعة بن عبد ياليل" و"شرحبيل بن غيلان بن سلمة" و"عثمان بن أبي العاص" و"أوس بن عوف" و"نمير بن خرشة بن ربيعة"، وقد ذهب هؤلاء إلى 【الرسول ﷺ】 وأسلموا، فاستعمل عليهم "عثمان بن أبي العاص". وأما القسم الثاني، فعُرف بـ"بني مالك"، وقد ذهب نفر منهم مع هذا الوفد إلى 【الرسول ﷺ 】فضرب لهم قبة في المسجد, وأما الأحلاف فنزلوا ضيوفًا على "المغيرة بن شعبة" وهو من ثقيف (٢٠).

    تابع (2)
    =====================
    (١) تقويم البلدان "95"، صورة الأرض، لابن حوقل "39"، البكري، معجم "3/ 31، 886".
    (٢) تاج العروس "5/ 243"، "وهط".
    (٣) صفة "120"، تاج العروس "10/ 334"، "لوو".
    (٤) OSman r. rostem, rock inscriptions in the Hijaz, p. 11.
    (٥) البلدان "3/ 499 وما بعدها"، المقدسي, البدء والتأريخ "2/ 109"، الكامل، لابن الأثير "1/ 420 وما بعدها"، "والطائف من بلاد ثقيف. قال أبو طالب بن عبد المطلب:
    منعنا أرضنا من كل حي ... كما امتنعت بطائفها ثقيف
    وهي في وادٍ بالغور، أول قراها لقيم وآخرها الوهط، سميت لأنها طافت على الماء في الطوفان، أو لأن جبريل -عليه السلام- طاف بها على البيت سبعًا. نقله الميورقي عن الأزرقي، أو لأنها كانت قرية بالشام فنقلها الله تعالى إلى الحجاز بدعوة إبراهيم -عليه السلام- اقتلاعًا من تخوم الثرى بعيونها وثمارها ومزارعها, وذلك لما قال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} . نقله أبو داود الأزرقي في تاريخ مكة وأبو حذيقه إسحاق بن بشر القرشي في كتاب المبتدأ، وهو قول الزهري. وقال القسطلاني في المواهب: إن جبريل -عليه السلام- اقتلع الجنة التي كانت لأصحاب الصريم فسار بها إلى مكة، فطاف بها حول البيت ثم أنزلها حيث الطائف، فسمي الموضع بها, وكانت أولًا بنواحي صنعاء, واسم الأرض وج, وهي بلدة كبيرة على ثلاث مراحل أو اثنتين من مكة من جهة المشرق كثيرة الأعناب والفواكه. وروى الحافظ بن عات في مجالسه أن هذه الجنة كانت بالطائف، فاقتلعها جبريل وطاف بها البيت سبعًا ثم ردها إلى مكانها ثم وضعها مكانها اليوم. قال أبو العباس الميورقي: فتكون تلك البقعة من سائر بقع الطائف, طِيف بها بالبيت مرتين في وقتين، أو لأن رجلًا من الصدف، وهو ابن الدمون بن الصدف. واسم الصدف: مالك بن مرتع بن كندة من حضرموت أصاب دما في قومه بحضرموت ففر إلى وج ولحق بثقيف وأقام بها وحالف مسعود بن معتب الثقفي أحد من قيل فيه: إنه المراد من الآية: {عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم} ، وكان له مال عظيم. فقال لهم: هل لكم أن أبني لكم طوفًا عليكم يطيف ببلدكم يكون لكم ردءًا من العرب. فقالوا: نعم فبناه وهو الحائط المطيف المحدق به. وهذا القول نقله السهيلي في الروض عن البكري وأعرض عنه. وذكر ابن الكلبي ما يوافق هذا القول, وقد خصت بتصانيف. وذكروا هذا الخلاف الذي ساقه المصنف وبسطوا فيه، أورد بعض ذلك الحافظ ابن فهد الهاشمي في تأريخ له خصه بذكر الطائف"، تاج العروس "1/ 184"، "طوف".
    (٦) البلدان "6/ 10 فما بعدها".
    (٧) ابن الكلبي، الأصنام "16 وما بعدها"، القزويني، آثار البلاد "64 وما بعدها".
    (٨) الكامل، لابن الأثير "1/ 420 وما بعدها"، ابن قتيبة، المعارف "91"، "ووج اسم وادٍ بالطائف بالبادية, سمي بوج بن عبد الحي من العمالقة, وقيل من خزاعة.
    قال عمرو بن حزام:
    أحقًّا يا حمامة بطن وج ... بهذا النوح إنك تصدُقينا
    غلبتك بالبكاء لأن ليلي ... أواصله وإنك تهجعينا
    وإني إن بكيت بكيت حقًّا ... ولكني أسر وتعلنينا
    فنوحي يا حمامة بطن وج ... فقد هيجت مشتاقًا حزينا
    قرأت هذه الأبيات في الحماسة لأبي تمام, والذي ذكرت هنا رواية المعجم، وبينهما تفاوت قليل"، تاج العروس "2/ 110"، "الوج"، "ووج موضع بالبادية، وقيل: هي الطائف" "وفي الحديث: "صيد وج وعضاهه حرام محرم", قال: هو موضع بناحية الطائف ويحتمل أن يكون حرمه في وقت معلوم ثم نسخ. وفي حديث كعب: أن وجًّا مقدس، منه عرج الرب إلى السماء", اللسان "2/ 397"، "وجج".
    (٩) الكامل، لابن الأثير "1/ 420 وما بعدها".
    (١٠) ابن خلدون "5/ 63".
    (١١) ابن خلدون "2/ 641 وما بعدها".
    (١٢) الهمداني، صفة "1/ 312 وما بعدها", البلدان "3/ 498 وما بعدها", اللسان "9/ 225"، صورة الأرض "39".
    (١٣) البلدان "3/ 498 وما بعدها"، "وثقيف كأمير، أو قبيلة من هوازن واسمه قسي بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان. وقد يكون ثقيف اسمًا للقبيلة والأول أكثر. قال سيبويه: وأما قولهم هذه ثقيف فعلى إرادة الجماعة. وإنما قال ذلك لغلبة التذكير عليه, وهو مما لا يقال فيه من بني فلان"، تاج العروس "6/ 51"، "ثقف".
    (١٤) البلدان "3/ 498 وما بعدها".
    (١٥) البلاذري، فتوح "68".
    (١٦) الاشتقاق "183".
    (١٧) ابن الأثير، الكامل "1/ 288"، الأغاني "4/ 74"، البلاذري، أنساب الأشراف "25 وما بعدها",
    ency., iv, p, 734.s
    (١٨) الأغاني "4/ 74".
    (١٩) "عن أنس, قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر، فقال: "هذا قبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف، وكان من ثمود, وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه" الحديث. وأورده القسطلاني هكذا في المواهب في وفادة ثقيف, وبسطه الشراح. وقول الجوهري والصاغاني كذلك أنه كان دليلًا للحبشة حين توجهوا إلى مكة -حرسها الله تعالى- فمات في الطريق بالمغمس, قال جرير:
    وإذا مات الفرزدق فارجموه ... كما ترمون قبر أبي رغال
    غير جيد. وكذا قول ابن سيده كان عبدًا لشعيب -على نبينا وعليه الصلاة والسلام-. وكان عشارا جائرا فقبره بين مكة والطائف يرجم اليوم. وقال ابن المكرم: ورأيت في هامش الصحاح ما صورته: أبو رغال اسمه: زيد بن مخلف, عبد كان لصالح النبي
    عليه السلام- بعثه مصدقًا، أنه أتى قوما ليس لهم لبن إلا شاة واحدة ولهم صبي قد ماتت أمه، فهم يعاجونه بلبن تلك الشاة، يعني: يغذونه، فأبى أن يأخذ غيرها. ففالوا: دعها نحايي هذا الصبي فأبى، فيقال: إنه نزلت به قارعة من السماء, ويقال: بل قتله رب الشاة، فلما فقده صالح -عليه السلام- قام في الموسم ينشد الناس، فأخبر بصنيعه فلعنه، فقبره بين مكة والطائف يرجمه الناس"، تاج العروس "7/ 348" "رغل", "والمغمس كمعظم ومحدث، الأول هو المشهور عن أهل مكة والثاني نقله الصاغاني، وقال لغة فيه بطريق الطائف بالقرب من مكة, فيه قبر أبي رغال دليل أبرهة الحبشي إلى مكة ويرجم إلى الآن. قال أمية بن أبي الصلت:
    حبس الفيل بالمغمس حتى
    ظل فيه كأنه مقبور"، تاج العروس "4/ 203"، "غمس".
    (٢٠) ابن سعد، طبقات "1/ 312 وما بعدها".


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:31 pm

    -- « مدوناتٌ في تاريخِ عُروبةِ الدِّيار المصرية» ---
    -- « تاريخُ وحودِقبائلُ العٓربِ في مِصْر أرضِ الكِنانة » --
    " لا نُغالي إذا قلنا إن مصرٓ اتصلت ببلاد العرب منذ عهد بعيد جدًّا ، بل ذهب علماء الجيولوجيا إلى أن صحراء مصر الشرقية من وادي النيل حتى البحر الأحمر تُعٓدُّ جزءًا من بلاد العرب ، وذهبوا إلى أنه في العصور الجيولوجية القديمة كان الجزء الجنوبي الغربي من بلاد العرب يتصل بأفريقيا ، وكان البحر الأحمر عبارة عن بحيرة ، ويقول الأستاذ دي مورجان : «كانت صحراء مصر الشرقية جزءًا من بلاد العرب ، والآن تمنع منطقة سينا هذه الصحراء الشرقية من أن تنفصل نهائيًّا عن العرب.» .
    وفي عصور التاريخ اتصلت مصر ببلاد العرب عن طريقين ؛ أولهما : طريق النيل؛ إذ كانت السفن تسير في النيل إلى موضع «قِفط» الحالية ، ثم تسير القوافل في طريق وادي الحمامات؛ حيث المناجم والمحاجر التي اكتشفها قدماء المصريين ، وينتهي هذا الطريق بالقرب من عيذاب والقصير ، ثم استخدم المصريون البحر الأحمر للاتصال بالمواني العربية، وأول دليل قاطع لما قام به المصريون في البحر الأحمر كان في الأسرة الخامسة حين قام الملك ساهور حوالي سنة ٢٧٤٣ ق.م برحلته إلى شواطئ البحر الأحمر وترك صُوَرًا لأسطوله وتقريرًا عن أعماله على أسوار معبده، وفي وادي الحمامات عدد كبير من النقوش يتحدث عن رحلات المصريين في البحر الأحمر .
    يقول المؤرخون: إن الملاحة في البحر الأحمر لعبت دورًا هامًّا في التجارة ، ولا سيما تجارة البخور التي كان يطلبها المصريون من العرب ؛ لاستخدامها في التحنيط وفي الشعائر الدينية ، والقدماء حتى عصر هيرودوت ؛ قالوا : إن جزيرة العرب وحدها هي التي تُنْبِت العطور ، وقد حدثنا الأستاذ نللينو : «إن قدماء المصريين كانوا على اتصال دائم بجنوب بلاد العرب التي تُعدُّ أكثر البلاد إنتاجًا للبخور.»
    أما الطريق الثاني الذي اتصلت مصر عن طريقه ببلاد العرب فهو طريق سيناء ، وهو طريق قديم جدًّا ، وإذا تصفحنا تاريخ مصر نجد أن المحور الأساسي الذي كانت تدور عليه سياسة الأسرة الثامنة عشرة هو تأمين البلاد من محاولة غزو القبائل السامية ، ويدلنا على ذلك غزو سوريا أيام إمنحوتب الأول ، وأن تحتموس الأول أعلن أن الفرات هو حدود مصر الشرقية ، وكان غزو البلاد الشمالية عن طريقين : طريق البحر الأبيض ، وطريق سينا البري ، وكان طريق سينا معروفًا لدى المصريين في عهد الأسرة الأولى ؛ بسبب وجود معدن النحاس ، وفي عهد الأسرة الثالثة زار زوسر سيناء ، وعمل على إخراج النحاس وأحجار الزمرد ، ونُقِشَت زيارته في وادي المنارة شمال مدينة الطور الحالية ، وفي الأسرة الرابعة غزا سنفرو شبه الجزيرة ، ونقش أخبار حملته على الأحجار ، وبنى حصونًا ليلجأ إليها عمال المناجم من هجمات قبائل العرب.
    وفي الطرف الشرقي لشبه جزيرة سينا نجد تلَّ القلعة أو شربة الخادم — ولا أدري لمَ سُمِّيت كذلك — وفي قمة هذا التل نجد معبدًا مصريًّا لهاتور ، وبه عدة نقوش يرجع تاريخها إلى الأسرة الحادية عشرة ، وقد وُسِّع المعبد في أيام الأسرة الثامنة عشرة ، وبالقرب منه في وادي نصب وٓجٓد المصريون مناجم أخرى للنحاس ، وبنى المصريون هناك معابد للعمال ، كما عُثِر على كثير من النقوش المصرية شرقي شبه جزيرة سيناء ، وأكثر هذه النقوش أقامها موظفو المناجم الذين أرادوا أن تُسجَّل أسماؤهم وأعمالهم ، وذهب بعض المؤرخين إلى أن الهكسوس من قبائل عربية ، وضَرَبَ بعضُ المصريين في الصحراء العربية ؛ حتى ذهب بعض المؤرخين إلى أن المصريين أسَّسوا مستعمرة مصرية في بلاد العرب مكان يثرب؛ أي المدينة المنورة.
    إذن كانت الصلة بين مصر وبلاد العرب قديمة ؛ فٓرٓضٓتْها طبيعة الجوار بين البلدان ؛ فنشأت هذه الصلات بينهما.
    وبجانب هذه الصلة التجارية ، كانت هناك صلة علمية ؛ فالأستاذ M. Matter يحكي أن تاجرًا من تجار الإسكندرية في القرن السادس الميلادي يُدعَى قزمان كان محبًّا للأسفار ، جريئًا على المخاطرة ، محبًّا للاطلاع على أحوال البلدان المجاورة ؛ قام بعدة رحلات علمية إلى بلاد العرب والهند ، ووضع عدة مؤلفات عن هذه البلاد ، ولكن مؤلفاته فُقِدَت ، ولم يٓبقٓ منها إلا مقتطفات قليلة متفرقة .
    ويقول مؤرخو الكنيسة المسيحية : إن الرهبنة نُقِلَت من مصر إلى بلاد العرب والشام ، ويذكرون بين الرهبان الذين كان لهم أثر واضح في نشر المسيحية ببلاد العرب ؛ الراهب هيلاريون ، وهو أحد تلاميذ مدرسة الإسكندرية ، وسافر إلى غزة ، ودعا إلى الرهبنة ؛ فأجابه نحو ثلاثة آلاف رجل ، فرقهم في فلسطين ، وسوريا ، وبلاد العرب، وتُوفِّي سنة ٣٥٦م .
    ويتحدث مؤرخو المسيحية عن الناسك موسى المصري الذي عُيِّن أسقفًا لمسيحيي العرب سنة ٣٧٢م ، وذهب بعضهم إلى أن نسطور صاحب المذهب النسطوري نفاه الإمبراطور ثيودوسيس الثاني إلى بترا عاصمة بلاد النبط ، ثم نقله إلى مصر ، ولكنه استطاع أن يهرب في صحراء طيبة ، ومنها إلى بلاد العرب سنة ٤٤٠م ، وقيل : إن مذهبه انتشر في مصر وبلاد العرب ، ولا سيما بعد الاضطهاد الذي لحق بأتباعه .
    وفي سيرة ابن هشام أن قريشًا حين بنت الكعبة قبل الرسالة بخمس(٥) سنين ؛ استعانوا برجل قِبطي نٓجّٓار كان بمكة . وشُرّٓاحُ السِّيرة يقولون إن اسمه باقوم .
    وجاء في كتب الطبقات أن جبر بن عبد الله القبطي كان أحد الصحابة الذين أخذوا عن النبي دينه ، ويقول السيوطي : إن قبط مصر يفخرون بأن منهم من صحب النبي.
    وكما ذهب مصريون إلى بلاد العرب جاء عرب إلى مصر ، إذ يحدثنا صاحب كتاب الأغاني (الأصفهاني) ؛ أن بعض بطون خُزاعة خرجوا في الجاهلية إلى مصر والشام ؛ لأن بلادهم أجدبت ، وفي أوائل القرن السابع الميلادي؛ أي حوالي سنة (٦١٦م) غزا الفُرس مصر ، ويقول الأستاذ شارب : إن الجنود الذين فتح بهم (كِسرى الفرس) مصرٓ كان بعضهم من أهل الشام ، وبعضهم من العرب.
    وذهبت مسز بوتشر والأستاذ ميلن في كتابه ؛ إلى أن جيش الفرس كان مستمدًّا من الشام وبلاد العرب ، فلم يلقوا مشقة في حكم مصر ؛ إذ لعل الأغنياء في مصر كان بينهم كثير من العرب ؛ فرحبوا بأقربائهم ، ولا أدي ما الذي يقصده ميلن بهذه العبارة ، ولا من أين أخذها ، وهي إن صحت تدلنا على شدة الصلة بين المصريين والعرب.
    وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب بعد أن تمَّ له فتح الشام ، وقبل أن يفتح العرب مصر ؛ انتقلت بعض مُتٓنٓصِّرةُ(نصارى) قبيلةغٓسّٓان (الغساسنة) برئاسة أبي ثور بن عامر بن صعصعة إلى مصر ، وأقطعهم حاكم مصر منطقة «تنيس» .
    وقال المسعودي : إن عددهم عشرون ألف رجل ، ولكن بتلر في كتابه «فتح العرب لمصر» أنقص عددهم إلى ألفين ، وروى ابن إسحاق الأموي في كتابه «فتوح مصر» ؛ أن رئيس الغساسنة ابن عم جٓبٓلة بن الأيهم آخر ملوك الغساسنة ، وأنه هرب بماله وأهله بعد أن تم للعرب فتح الشام .
    ولما بُعِث النبي ﷺ أرسل من قِبٓلٓهُ حاطِبُ بن أبي بٓلْتٓعٓةٓ رسولًا إلى «المُقوقِس» عظيم القِبط في مصر ؛ يدعوه إلى الإسلام ؛ فأكرم المقوقس الرسول ، وأرسل معه هدية إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - تقبَّلها شاكرًا ، وأوصى بالقبط خيرًا ، ورُوِيَ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : «استوصوا بالقبط خيرًا ؛ فإن لهم ذمة ورحمًا.» .
    قال ابن كثير : والمرادُ بالرّٓحِمِ ؛ أنهم أخوال إسماعيل بن إبراهيم الخليل - عليهما السلام - ؛ إذ إن أمه السيدة «هٓاجٓر» القبطية ، وهو والد «عٓرب الحِجاز - العرب العدنانية » ؛ الذين منهم النبي - عليه الصلاة والسلام - ، وأخوال إبراهيم ابن رسول الله الذي أمه مارية القبطية - رضي الله عنهما - مِنْ «سناكورة انصنا» .
    وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : «أهل مصر أكرم الأعاجم كلها ، وأسمحهم يدًا ، وأفضلهم عنصرًا ، وأقربهم رحمًا بالعرب عامة وبقريش خاصة.» .
    وكان بين الأقباط مَن صَحِب رسول الله -ﷺ - ، مثل ؛ جبر بن عبد الله القبطي .وقد وروى السيوطي عن سعيد بن عفير أنه قال : «والقبط تفخر بأن منهم من صَحِب النبي - ﷺ - .».
    وجاءٓ ذِكْرُ مصرٓ في القرآن الكريم صراحة ، أو كناية في أكثر من عشرين موضعًا ، ولم يُذْكَر غير «مصر» من البلدان بمثل هذا العدد ، فلا غٓرٓوٓ (شك) إذن أن نرى العرب يٓعرفون شيئًا عن مصر ؛ فراحوا يتحدثون عنها ، ويخترعون الأحاديث الكثيرة عن عجائبها ، كما طمع العرب في ثروة مصر ؛ لهذا بعد أن تمَّ لهم فتح الشام جاء عمرو بن العاص إلى مصر ومعه عٓرب من قبائل مختلفة ، يقال إن أكثرهم من «عك» ، و«لٓخْم» ، ويقال أيضًا إن عددهم لم يزدْ على أربعة آلاف(٤٠٠٠) نٓفْس ، ثم أتبعه الزبير بن العوام بمدد قُدِّر باثني عشر ألفًا (١٢٠٠٠) ؛ فلما تمَّ لهم فتح مصر وبُنِي مسجد الفسطاط (أول مسجد بني في مصر قبل بناء القاهرة بأكثر من (٣٠٠) عام ) ؛ أمر عمرو جنوده أن يختطوا حول المسجد الجامع كُلٌّ بحسب قبيلته ، فمن القبائل التي اختطت بالفسطاط وأقامت بها : مٓهرة ، وتجيب ، ولخم ، وغسان وغافق. ومن بني غافق بطن يُعرَفون «بالقرافة» سكنوا سفح جبل «المُقٓطٓم» ، ثم تركوا أماكنهم ، وتفرقوا في البلاد المصرية ، وصار مكانهم مقبرة المسلمين فسمِّيت المقبرة في مصر «بالقرافة» ؛ نسبةً إلى هؤلاء القوم.
    وكان مع عمرو بن العاص - رضي الله عنه - جماعة «العُتقاء» ؛ وهم جِماعٌ من القبائل عُرِفوا «بالصعاليك» ؛ كانوا يقطعون الطريق أيام النبي -ﷺ- ؛ فبعث في طلبهم ، وأُُتِي بهم أسرى ؛ فأعتقهمو، وكان بينهم كثير من طوائف قبيلتٓي الأزد وفٓهم .
    كذلك شهد فتح مصر واختلط بالفسطاط قوم من الفُرس ؛ هم أبناء «جندباذان» ؛ عامل كِسرى على اليمن قبل الإسلام ، وأسلموا ، ورغبوا في الجهاد ، فنفروا مع عمرو بن العاص إلى مصر .
    كما كان في جيش الفتح جماعة من الشام عُرِفوا في مصر «بالحٓمراء» ؛ لنزول الروم بينهم ، ولكنهم عرب من قبيلة «بَلي القضاعية» ، وقبائل ؛فٓهْم ، وعدوان ، وبعض الأزْد، وكانوا يسكنون قٓيساريّٓة وما حولها ، ورغبوا في الإسلام قبل واقعة «اليرموك» ، وساروا مع عمرو إلى مصر ، وسُمُّوا «بالحمراء» ؛ لأن العرب اعتادوا أن يسموا الموالي من الروم بهذا الاسم .
    اشترك في فتح مصر أيضًا عدد من قبائل مختلفة ؛ من قريش ، والأنصار (الأوس والخزرج اليمانيين) ، وخزاعة ، ومزينة وأشْجٓع ، وجُهينة ، وثقيف ، ودٓوْس ، وليث، عُرِفوا في مصر باسم «أهل الراية» ، ونُسِبَت الخطة إليهم ؛ لأنهم جماعة لم يكن لكل بطن منهم من العدد ما ينفرد من الديوان .
    أما هٓمٓدان ؛ فلم يٓقبلوا أن يسكنوا «الفُسْطاط « أول مدينة بناها العرب بداية فتح مصر ، وهي تعني الخيمة» ، واختاروا «الجيزة التي بنيت عام ٢٣ ه‍ على يد العرب بالقرب من الاهرامات» لهم مقرًّا ، وحاول عمرو أن يرجعهم إلى الفُسطاط فلم يستطعْ ، فاضْطُر إلى أن يخاطب الخليفة في شأنهم ، فكتب الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - إليه : «كيف رضيتٓ أن تفرِّق أصحابك ، ولم يكن ينبغي لك أن ترضى لأحد من أصحابك أن يكون بينك وبينهم بحرٌ(يعني نهر النيل» ؛ لا تدري ما يفاجئهم ، فلعلك لا تقدر على غياثهم حين ينزل بهم ما تكره ، فاجْمعهم إليك ، فإن أبَوا إليك وأَعْجَبَهم موضعُهم فابن عليه من فَيْء المسلمين حِصنًا .» ؛ فبنى لهم عمرو بن العاص الحِصن بالجيزة ، وسكن مع همدان نافعٌ ، وذو أصْبٓح ، وطائفةٌ من الحجر ، وبرزوا إلى أرض الحرث والزرع ؛ «أي امتهنوا الزراعة والحراثة » .
    وبعد أن تمَّ فتح مصر رأينا الخليفة عمر يكتب إلى عامل الشام أن يُسيِّر ثلث من بالشام من قُضاعة إلى مصر ، فنظر الوالي فإذا «بِٓلي» تعادل ثلث قُضاعة ؛ فسيّٓرهم إليها ؛ فانتشروا في البلاد ، ولا سيما حول «إخميم» وما يليها ، وتفرقت « قبيلة بِٓلي» بأرض مصر ، ثم اتفقت هي و«جُهٓينة» فصار لها من الشرق من «عٓقبة قاو الخٓراب» إلى «عيذاب» ؛ (بالقرب من القصير) .
    وكان عمرو بن الخطاب يبعث كل عام غٓازية « جماعة من المقاتلين» من أهل المدينة ترابط بالإسكندرية، وقسَّم عمرو بن العاص من معه ، فكان يرسل ربع الناس يقيمون ستة أشهر في رباط الإسكندرية ، والربع في السواحل ، والنصف يقيمون معه ، ولم يختلط العرب بالإسكندرية كما اختلطوا في الفُسطاط ، بل كان بها «أخائِذ» ؛ مٓنْ أخذ منزلًا نزل فيه هو وبنو أبيه ، فلما استقامت لهم البلاد قطعٓ عمرو بن العاص من أصحابه لرباط الإسكندرية رُبعٓ الناس ، وكانت قبائل «لٓخْم» أعزُ من ناحية الإسكندرية.
    أخذ العرب يٓفِدون على مصر أفواجًا ؛ حتى غصَّت بهم البلاد ، وكان بين القبائل فضاء واسع من القبيل إلى القبيل ، فلما كثرت الأمداد في زمان عثمان بن عفان وما بٓعُدُو ، وكٓثُرٓ الناس ، وسَّع كلُّ قوم لبني أبيهم حتى كثر البنيان والْتَأم (التصقٓ) .
    ولما وٓلَّي معاوية بن أبي سفيان (أول خليفة أموي) زيادٓ بن أبيه (أخا معاوية) على البصرة ، غرّٓب جماعة من «الأزد» إلى مصر عام ثلاث وخمسين (٥٣) هجرية ؛ فنزل منهم نحو مائة وثلاثين .
    كما كتب معاوية إلى علقمة القطيفي عامل الإسكندرية : « إني قد أمددتك بعشرة آلاف من أهل الشام وبخمسة آلاف من أهل المدينة.» ؛ فكان في الإسكندرية سبعة وعشرون ألفًا ، كما كان بمصر في خلافة معاوية أربعون ألفًا .
    وفي إمارة الوليد بن رفاعة على مصر عام تسع ومائة (١٠٩ه‍) ؛ نزل بنو سليم (وهم من قيس) ، ولم يكن بأرض مصر أحدٌ من قبائل قيس العدنانية قبل ذلك ، إلا من كان من «عٓدوان» الذين أنزلهم عبد الله بن الحبحاب والي الخٓراج في خلافة هشام بن عبد الملك ، وكان عدد بني سليم ثلاثة آلاف رجل ، فأنزلهم الحوف الشرقي ، وأمرهم بالزرع « بالزراعة» ؛ فاشتروا إبلًا ، وكانوا يحملون الطعام إلى «القلزم ؛ البحر الأحمر» ؛ فأَثْرَوا ؛ «صاروا أثرياء» ، ولما بلغ ذلك عامة قومهم تحمَّل إليهم خمسمائة (٥٠٠) أهل بيت من البادية ، فأقاموا سنةً ؛ فأتاهم ألف وخمسمائة (١٥٠٠) بيت من قيس ، حتى إذا كان زمن مروان بن محمد « آخر خليفة أموي صار بمصر ثلاثة آلاف (٣٠٠٠) أهل بيت ، ثم زِيدوا إلى خمسة آلاف ومائتين (٥٢٠٠)، ولكثرة القيسية بمصر ، وتجمعهم في «الحٓوف» ، وثرائهم العظيم ؛ كانوا مصدر فتن وقلاقل ، وكثيرًا ما حاربوا الوُلاة ، وكان يجاورهم في الحٓوف جماعة من ؛ صلاح ، وطارق وهم من قبائل جُذام ؛ ولذلك قامت الحروب الكثيرة بين القيسية واليمنية ، شأنهما في ذلك شأن هاتين الطائفتين في كل الأقطار الإسلامية.
    وسكن بنو عقبة وهم من جذام أيضًا ما بين أيلة « العقبة» وحوف مصر . كما ذهب قوم من جذام ولخم إلى الإسكندرية ، وكانت لهم هناك أيام معلومة ووقائع مشهورة ، ولا سيما في فتنة ابن الجروي .
    وكان كل أمير يتولى بمصر يأتي إليها ومعه عدد من الجند العرب ؛ كي يتقوَّى بهم ، ويقمع (يقضي) بهم الفتن التي تنجم في البلاد ؛ فقد قيل إن «حوثرة الباهلي ؛ من قبيلة باهِلٓة » سار إلى مصر في آلاف من العرب ، ولا أدري تمامًا من أي القبائل كان هؤلاء القوم ، وأكبر الظن أنهم من القيسية عشيرة الوالي .
    وبصعيد مصر أولاد الكنز ؛ أصلهم من قبائل ربيعة ، وكانوا ينزلون اليمامة « في نجد الرياض حاليا » ؛ فقدموا أرض مصر في خلافة المتوكل عام نيف وأربعين ومائتين (٢٤٠ ه‍) في عدد كثير ، وانتشروا في البلاد ؛ فنزلت طائفة منهم بأعالي الصعيد ، وسكنوا بيوت الشعر في براريها الجنوبية وأوديتها ، وكانت قبائل «البِجٓة الأفريقية» تشن الغارات على القرى الشرقية في كل حين ، وخربوا كثيرًا من أملاك الأهالي ، فقام الربعيون « قبيلة ربيعة » بمنعهم حتى كفوهم ، ثم لم يلبثوا أن تزوجوا منهم ، وصارت لهم مرافق في بلاد البٓجٓة ، واستولوا على مناجم الذهب بها ؛ فكثرت بذلك أموالهم .
    وانتقلت بطون من قريش إلى «الأشمونيين» ، وكان بينهم بنو جعفر بن أبي طالب المعروف بالطيّٓار - رضي الله عنه - ، وبنو مسلمة بن عبد الملك بن مروان ، وتحالفوا جميعًا ، وعاشوا سالمين . والجعافرة اليوم ينسبون إلى جعفر هذا .
    يقول المقريزي : «وجُهينة أكثر عرب مصر.» . وهؤلاء كانوا يسكنون حول أسيوط وما بعدها في الصعيد المصري ، وقدوقع بينهم وبين بطون« بلي » من الخُطوب « المنازعات» ما أدى إلى دوام الفتنة بينهما .
    وفي الفيوم نزل بنو كلاب . ومن مُنيٓةِ غمر « مدينة المِنيا في الصعيد» إلى «زفيتا » ؛ سكن سعود جذام ، وأكثرهم مشايخ البلاد وخفراؤها ، ولهم مزارع وفسادهم كثير .
    وانتقلت طوائف من فزارة إلى «الغربية» , و«قٓلْيُوب» . وفي «الدقهلية» ؛ سكن عرب ينتسبون إلى قريش.
    وسكن حول «تنيس» ، و«دمياط» قوم ينتسبون إلى نصر بن معاوية ؛ وهم من هوازن ، وكان لهم شوكة شديدة بأرض مصر، وكثروا حتى مَلؤوا أسفل الأرض ، وغلبوا عليها ، وقويتْ شوكتهم إلى أن عَلِيَهم(غلبهم) قبيلة من البٓربر تعرف «بلوُاتٓة»؛ تزعم أنها من قيس ، والصحيح أنها أمازيغية بربرية جاءت من المغرب العربي ؛ فأجْلٓت بني نصر ، وأسكنٓتٓها «الجِدار» ، فصاروا أهل قرى في مكان عُرِف بهم وسط النيل وهو «جزيرة بني نصر» .
    ثم تعاقب على مصر طوائف من العرب في العصور التي تلت عصرنا الذي نؤرخه ، ولعل أكثرها كان في القرن الخامس الهجري ؛ إذ أرسل الوزير الناصر اليازوري عام اثنين وأربعين وأربعمائة (٤٤٢ ه‍) فاستدعى «سُنْبُسٓ من فلسطين وأقطعهم «البِحِيرة» التي كانت منازل «بني قُرّٓة» ؛ فعظُم أمرهم أيام الفاطميين ، ولكنهم تفرقوا في «الغربية» ، وذُلُّوا بعد واقعة «ديروط» عام إحدى وخمسين وستمائة (٦٥١ه‍) ؛ أيام عز الدين التركماني ، وكان يجاورهم فرقة من كِنانة بن خزيمة ، وفرقة من بني عٓدِي بن كعب رهط(قوم)عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، ونزل العُمٓريون في «البُرُلُّس» ، والكنانيون بقرب دمياط .
    مما تقدم ؛ نستطيع أن نقول : إن أكثر عرب مصر من اليمنين ، وقد اختطوا دورهم في الفُسطاط وغيرها ، ورٓابطَ بعضهم في المدن الكبيرة التي هي ثغور مصر التي كان يُخشَى عليها من مهاجمة الأعداء ، وكان بمصر عدة من الثُغور المُعٓدٓةُ للرِباط في سبيل الله تعالى ، وهي ؛ البرلس ، ورشيد والإسكندرية ، وذات الحمام ، والبحيرة ، واخنا ، ودمياط ، وشطا ، وتنيس ، والأشتوم ، والفٓرما (تقع على الطريق الواصل من العريش إلى الشرقية) ، والواردة ، والعريش ، وأسوان ، وقُوص ، والواحات ؛ فيٓغزِوا الروم والفرنج والبربر والنوبة والحبشة والسودان من هذه الثغور .
    كما كان لبعض العرب إقطاعات بمصر ؛ كالذي قيل : إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أقطعٓ (منحٓ) ابن سندر «مُنْيٓة الأصبغ»؛ فحاز منها لنفسه ألف (١٠٠٠) فدان ، فلم تزل له حتى مات ، فاشتراها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان ؛ فسميت باسمه.
    وكانت للعرب أيام خاصة في الربيع ينتقلون فيها من مرابطهم يجوسون خلال قرى الريف ؛ فقد جاء في خُطبةٍ لعمرو بن العاص - رضي الله عنه - : « فٓحُي لكم على بركة الله ريفكم ؛ فنالوا من خٓيرِه ، ولبنِه ، وخِرافه ، وصيده ، وأرْبِعُوا خيلٓكم ، وأسمِنوها ، وصونوها ، وأكرموها ؛ فإنها جُنَّتكم (تحكيم) من عدوكم ، وبها مغانمكم وأنفالكم ، واستوصوا بمن جاورتموه من القِبط خيرًا …. إلى أن قال : فتمتعوا في ريفكم ما طاب لكم ، فإذا يٓبٓس العُود( الزرع) ، وسخن العمود ، وكثر الذباب ، وحمض اللبن ، وانقطع الورد من الشجر ؛ فحي إلى فسطاطكم على بركة الله.» .
    فإن صحت نسبة هذا القول إلى عمرو بن العاص - رضي الله عنه - ؛ فإنا نتبين أن العرب كانوا يخرجون من رباطهم ، ويتصلون بالمصريين في قُراهم ومدنهم ، ويتحدثون إليهم ويتساومون ؛ فمن المصريين من أُعْجِب بالعرب ودينهم فاعتنقه ، ومنهم من دُفِع إلى اعتناقه اضطرارًا ؛ لعجزه عن أداء الجزية ، أو لأغراض أخرى .
    كان عمرو - رضي الله عنه - يُعيِّن القرى التي تذهب إليها كل قبيلة ؛ فكان يكتب لكل قوم بربيعهم ولبنهم إلى حيث أحبوا .
    إذن في ابتداء الفتح كانت إقامة العرب في الفسطاط والثغور ، ولم يكن لهم مُقام بالقرى ، وكان القِبطُ (أهل مصر الأصليون) متمكنين في بلادهم ؛ لا يتدخل في شئونهم عربي ، على أن المسلمين في المائة الثانية انتشروا في قرى مصر ونواحيها ، وما بٓرٓحٓ (زالٓ) القبط يثورون على المسلمين ، إلى أن جاء المأمون سنة سبع عشرة ومائتين ٢١٧ ه‍) ؛ فأسرف في تأديبهم ؛ حتى أخضعهم له ، وغلب العرب على أماكن المصريين في القرى، وحوَّلوا بعض الكنائس إلى مساجد ، فاضْطُر المصريون إلى أن يتعلموا لغة الفاتحين ، وإلى أن يعتنق أكثرهم دين الإسلام ، وانصهر الكثير منهم في القبائل العربية.
    ...منقول بتصرف عن صفحة الصديق «حمدي الدالي المصري» .
    -------------------------------
    الكاتب الباحث الاجتماعي الأردني:
    د. بشار ابونصير المصاروة .
    مأدبا - الأردن.
    الثلاثاء ١٦-٨-٢٠٢٢م.


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:32 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام
    الفصل الاول :
    【 يثرب والطائف 】

    وأبو جبيلة عند بعض الإخباريين، هو "عبيد بن سالم بن مالك بن سالم" أحد بني غضب بن جشم بن الخزرج. فهو على هذة الرواية رجل من الخزرج ذهب إلى ديار الشام، فملك على غسان، وذهب بعض آخر من الإخباريين إلى أنه لم يكن ملكًا, وإنما كان عظيمًا ومقربًا عند ملك غسان.
    ونسبه بعض أهل الأخبار إلى "بني زريق"، بطن من بطون الخزرج, ونعته بـ"أبي جبيلة الملك الغساني".

    ونحن إذا أخذنا بهذه الرواية، وجب علينا القول: إن أخذ الأوس والخزرج أمر المدينة بيدهم، وزحزحة اليهود عنها، يجب أن يكون قد وقع في النصف الثاني من القرن السادس للميلاد، أي: في زمن لا يبعد كثيرًا عن الإسلام؛ لأننا نجد أن أحد أولاده وهو "عثمان بن مالك بن العجلان" في جملة من دخل في الإسلام وشهد بدرًا, كما نجد جملة رجال من "بني العجلان"، من أبناء إخوة "مالك" وقد شهدوا "بدرًا" ومشاهد أخرى (١) وهذا مما يجعل زمن "مالك" لا يمكن أن يكون بعيدًا عن الإسلام.

    ويظهر من دراسة هذه الأخبار المروية عن اليهود وملكهم "الفطيون" وعن الأوس والخزرج وما فعلوه باليهود، أن عنصر الخيال قد لعب دورًا في هذا المروي في كتب أهل الأخبار عن الموضوع. ونجد في القصص المروي عن ملوك اليمن وعن ولعهم بالنساء وعملهم المنكر بهن، ما يشبه هذا القصص الذي نسب إلى "الفطيون", ونجد للعلاقات الجنسية مكانة في هذا القصص الجاهلي الذي يرويه أهل الأخبار عن ملوك الجاهلية، وما قصة "الفطيون" إلا قصة واحدة من هذا القصص الذي نجد للغرائز الجنسية مكانة بارزة فيه.
    ويظهر أن كلمة "الأوس" هي اختصار لجملة "أوس مناة", و"مناة" كما نعلم صنم من أصنام الجاهلية، و"الأوس" هو جد الأوس، وهو في عرف النسابين "أوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن عبد الله بن الأزد" (٢).

    وينقسم الأوس إلى بطون، منهم: عوف، والنبيت، وجشم، ومرة، وامرؤ القيس, وقد عرف "بنو مرة" بالجعادرة كذلك. واتفقت جشم ومرة وامرؤ القيس وكونت حلفًا عرف بـ"أوس اللات", وبـ"أوس" كذلك. وانقسمت هذه الكتلة إلى أربعة أقسام، هي: ختمة وهي "جشم" في الأصل، وأمية، ووائل وهي مرة، وواقف وهي امرؤ القيس. وانقسمت هذه البطون إلى أفخاذ عديدة، حدثت بينها منازعات وحروب (٣).
    ويرجع أهل الأخبار نسب أهل "قباء" إلى "عوف"، ونسب "النبيت" إلى "عمرو"، ونسب "الجعادرة" إلى "مرة", وقيل: إنهم سموا بذلك؛ لأنهم كانوا يقولون للرجل إذا جاورهم: "جعدر حيث شئت، فأنت آمن، أي: اذهب حيث شئت". ومنهم بنو كلفة وبنو حنش وبنو ضبيعة (٤).

    ومن الأوس "أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبا"، سيد الأوس في الجاهلية شاعر, وكانت عنده "سلمى بنت عمرو التجارية"، وأولاده منها إخوة عبد المطلب، وهو من "بني جحجبا". ومن ولده "المنذر بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح"، شهد بدرًا وقتل يوم بئر معونة (٥) وله أشعار ذكرها الرواة، منها أبيات في رثاء ابن له (٦).
    وأما الخزرج، فإنهم إخوة الأوس في عرف النسابي,. فالخزرج، وهو جد الخزرج، هو شقيق أوس, وهو "الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن عبد الله بن الأزد" وقد جاء نسله كما جاء نسل الأوس من اليمن بعد حادث سيل العرم، وسكنوا يثرب وإلى الشمال منها حتى "خيبر" و"تيماء". وتأريخهم مثل تأريخ الأوس في رأي الإخباريين بدأ بالاتصال باليهود وبالعيش معهم وبينهم إلى أن تمكنوا منهم بعد الحادث الذي ذكرته, وبعد مجيء أبي جبيلة لنصرتهم (٧).

    ومن سادات الأوس عند ظهور الإسلام "سعد بن معاذ"، الذي قتل يوم "الخندق"، وأخوه "عمرو بن معاذ"، وقتل يوم أحد, و"سماك بن عتيك" فارسهم في الجاهلية، وابنه "حضير الكتائب"، وكان سيد الأوس ورئيسهم يوم بعاث, وابنه "أسيد بن حضير"، شهد بدرًا (٨). ومنهم "أبو الهيثم بن التيهان"، وكان نقيبًا، شهد العقبة وبدرًا، و"قيس بن الخطيم بن عدي" الشاعر (٩) و"سعد بن خيثمة"، وكان نقيبًا، وقتل يوم بدر، وأبو قيس بن الأسلت الشاعر, و"شاس بن قيس بن عبادة"، وكان من أشراف الأوس في الجاهلية (١٠).

    والخزرج أيضًا بطون، أشهرها: بنو النجار وينتسبون إلى "تيم الله بن ثعلبة", والحارث، وجشم، وعوف، وكعب (١١).
    ويلاحظ أن جشمًا وعوفًا هما اسما بطنين أيضًا من بطون الأوس.

    ومن الخزرج "أبو أيوب خالد بن زيد", نزل عليه النبي أيام قدم المدينة، و"نعيمان بن عمرو"، وكان النبي يستخف نعيمان، لم يلقَهُ قط إلا ضحك إليه, و"أسعد الخير بن زرارة بن عدس"، شهد العقبة وكان نقيبًا، و"أبو أنس بن صرمة" الشاعر، وهو جاهلي (١٢) و"ثابت بن قيس بن شاس"، خطيب رسول الله، وعمرو بن الأطنابة الشاعر، جاهلي وهو أحد فرسان الخزرج (١٣) و"سعد بن عبادة بن دليم"، وابنه "قيس بن سعد بن عبادة" وكان نقيبًا سيدًا جوادًا، وابنه قيس أجود أهل دهره في أيام معاوية، ومنهم "مالك بن العجلان" قاتل "الفطيون"، وابنه "عثمان بن مالك بن العجلان"، شهد "بدرًا" (١٤) و"خالد بن قيس بن العجلان"، شهد بدرًا، و"عمرو بن النعمان بن كلدة بن عمرو بن أمية بن عامر بن بياضة", رأس الخزرج يوم بُعاث (١٥) , و"رافع بن مالك بن العجلان"، وهو أول من أسلم من الأنصار، و"النعمان بن العجلان"(١٦), و"مرداس بن مروان"، شهد يوم الحديبية، وبايع تحت الشجرة، وكان أمين النبي على سُهمان خبير (١٧), و"خشرم بن الحباب"، وكان حارس النبي, و"البراء بن معرور"، عقبيّ وكان نقيبًا، وهو أول من أوصى بثلث ماله وأول من استقبل القبلة، وأول من دفن عليها (١٨), و"أبو قتادة بن ربعي" فارس النبي.

    ويذكر الإخباريون أنه كان للخزرج رئيس منهم، هو "عمرو بن الأطنابة"(١٩) وقد ملك الحجاز. وكان ملكه على رأيهم في أيام "النعمان بن المنذر"، قتله الحارث بن ظالم قاتل خالد بن جعفر بن كلاب (٢٠) وكانت بينه وبين "عمرو" خصومة. وذكر أن "عمرًا" قال شعرًا يهزأ فيه بالحارث جاء فيه :

    أبلغ الحارث بن ظالم المُوعِدَ ... والناذر النذور عَلَيّا
    إنما تقتل النيام ولا تقتل ... يقظان ذا سلاحٍ كميّا
    وكان عمرو شاعرًا, ومن الفرسان (٢١).

    وبالرغم من صلة الرحم القريبة التي كانت بين الأوس والخزرج، فقد وقعت بينهما حروب هلك فيها من الطرفين خلق كثير. وأول حرب وقعت بين الأوس والخزرج هي على رواية الإخباريين حرب "سمير" "سميحة". و"سمير" في روايتهم رجل من الأوس من بني عمرو، شتم رجلًا اسمه كعب بن العجلان، وهو من بني ثعلبة من سعد بن ذبيان، نزل على مالك بن العجلان رئيس الخزرج وحالفه وأقام معه، ثم قتله. فثارت الثائرة بين الأوس بسبب هذا القتل وبسبب دفع دية القتيل، ثم وقعت الحرب. ثم اتفقوا على أن يضعوا حكمًا بينهم يفصل في الأمر، فوقع اختيارهم على "المنذر بن حرام النجاري الخزرجي"، وهو جد حسان بن ثابت، فحكم بينهم بأن يؤدوا لكعب دية الصريح، ثم يعودوا إلى سنتهم القديمة، وهي دفع نصف الدية عن الحليف. فرضوا وتفرقوا، ولكن بعد أن تمكنت العداوة والبغضاء في نفوس الطرفين (٢٢).

    واشتعلت نيران حرب أخرى بين الأوس والخزرج بسبب امرأة من "بني سالم", وقد كانت الحرب في هذه المرة بين "بني جحجبا" من الأوس, و"بني مازن بن النجار" من الخزرج. وقد وقعت في موضع "الرحابة" انهزمت فيه "بنو جحجبا"(٢٣).
    ثم تجددت الحرب بين "عمرو بن عوف" من الأوس وبني الحارث من الخزرج بسبب مقتل رجل من بني عمرو، وقد عرفت هذه الحرب باسم: "يوم السرارة". وقد كان على الأوس "حضير بن سماك"، وهو والد "أسيد بن حضير"، وكان على الخزرج "عبد الله بن سلول" "عبد الله بن أُبَيّ" المعروف في الإسلام بـ"رأس المنافقين". وقد انتهت بانصراف الأوس إلى دورها، فعدت الخزرج ذلك نصرًا لها (٢٤).

    ووقعت حرب أخرى لأسباب تافهة كهذه الأسباب، وما كانت لتقع لولا هذه العصبية الضيقة, يثيرها في الغالب أفراد لا منازل كبيرة لهم في المجتمع, ومنهم من الصعاليك والمغمورين بأمور سخيفة، فإذا وقع على أحدهم اعتداء نادى قومه للأخذ بثأره، فتثور الحرب. ومن هذه الحروب، حرب بني وائل بن زيد الأوسيين وبني مازن بن النجار الخزرجيين، وحرب بني ظفر من الأوس وبني مالك من الخزرج، وحرب فارع، وحرب حاطب, ويوم الربيع, وحرب الفجار الأولى, وهي غير حرب الفجار التي وقعت بين قيس وكنانة، ثم حرب معبس ومضرس، وحرب الفجار الثانية، ثم يوم بعاث. وكان هذا اليوم آخر الأيام المشهورة التي وقعت بين الأوس والخزرج (٢٥).

    وكان رئيس الخزرج في يوم بعاث "عمر بن النعمان بن صلاءة بن عمرو بن أمية بن عامر بن بياضة", أما رئيس الأوس، فكان "حضير الكتائب بن سماك بن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل", وقد ساعد الخزرج في هذا اليوم أشجع من غطفان، وجهينة من قضاعة، وساعد الأوس مزينة من أحياء طلحة بن إياس, وقريضة, والنضير. وقد قتل فيه "عمرو بن النعمان" رئيس الخزرج, فانهزم الخزرج، وانتصرت الأوس (٢٦).
    وكان "حضير الكتائب بن سماك" سيد الأوس ورئيسهم يوم بعاث، ركز الرمح في قدمه وقال: ترون أفر؟! فقتل يومئذ, وابنه "أسيد بن حضير" من الصحابة الذين شهدوا العقبة وبدرًا (٢٧).
    وقد تخلل أخبار هذه الأيام كالعادة شعر، ذكر أن شعراء الطرفين المتخاصمين قالوه على الطريقة المألوفة في الفخر، وفي انتقاص الخصم، وفي إثارة النخوة لتصطلم الحرب ويستميت أصحاب الشاعر في القتال. وقد كان المحلّق في هذه الأيام حسان بن ثابت الشاعر المخضرم الشهير، شاعر الرسول, وهو لسان الخزرج والمدافع عنهم، و"قيس بن الخطيم" وهو من الأوس، ثم جماعة ممن اشتركوا في المعارك مثل عامر بن الأطنابة، والربيع بن أبي الحقيق اليهودي، وعبد الله بن رواحة, وآخرين.

    ويظهر من روايات أهل الأخبار عن يثرب أن الأوس والخزرج، لم يكونوا كأهل مكة من حيث الميل إلى الهدوء والاستقرار، بل كانوا أميل من أهل مكة إلى حياة البداوة القائمة على الخصومة والتقاتل. وقد بقي الحيان يتخاصمان حتى جاء الرسول إليهما، فأمرهما بالكف عنه، ووجههما وجهة أخرى أنستهما الخصومة العنيفة التي كانت فيما بينهما. ويظهر من رواياتهم أيضا أن الأوس والخزرج، وإن كانوا قد تحضروا واستقروا، غير أنهم لم يتمكنوا من التخلص من الروح الأعرابية تخلصًا تامًّا، بل بقوا محافظين على أكثر سجاياها، ومنها النزعة إلى التخاصم والتقاتل، فألهتهم هذه النزعة عن الانصراف إلى غرس الأرض والاشتغال بالزراعة كما فعل اليهود، وعن الاشتغال بالتجارة بمقياس كبير على نحو ما فعل أهل مكة.
    ونظرًا لمساعدة أهل يثرب للرسول ومناصرتهم له وللمهاجرين، عرف الأوس والخزرج بـ"الأنصار" في الإسلام. وصاروا يفتخرون بهذه التسمية، حتى غلبت عليهم، وصارت في منزلة النسب.

    وكان أهل "يثرب" مثل غيرهم تجارًا، يخرجون إلى أسواق الشام فيتجرون بها. وقد ذكر أهل الأخبار أسماء رجال منها تاجروا مع بلاد الشام، وكان "يهود" يثرب يتاجرون أيضًا، ويأتون إلى أهل "يثرب" بما يحتاجون إليه من تجارات. كما "كانت الساقطة تنزل المدينة في الجاهلية والإسلام يقدُمون بالبر والشعير والزيت والتين والقماش، وما يكون في الشام" (٢٨) وكانوا يتسقطون الأخبار وينقلونها إلى الروم عند ظهور الإسلام. فقدم بعض الساقطة المدينة، وأبو بكر ينفذ الجيوش، وسمعوا كلام أبي بكر لعمرو بن العاص، وهو يقول: عليك بفلسطين وإيليا، "فساروا بالخبر إلى الملك هرقل" (٢٩) وتهيأ لملاقاة المسلمين.
    ولم يذكر الرواة جنس هؤلاء "الساقطة"، الذين كانوا يأتون بالتجارة من بلاد الشام إلى المدينة، هل كانوا رومًا, أم عربًا، أم يهودًا، أم كانوا خليطًا من كل هؤلاء؟. على كلٍّ, كانوا تجارًا يأتون يثرب في الجاهلية لبيع ما يحملونه من تجارة، ولشراء ما يجدونه هناك، وبقوا شأنهم هذا إلى الإسلام، كما نرى من الخبر المتقدم.
    هذا هو مجمل ما نعرفه عن تأريخ "يثرب" وهو شيء قليل، لا يكفي المتعطش لمعرفة تأريخ هذه المدينة التي تعد من المواضع المقدسة في الإسلام, ولا بد وأن يأتي يوم سنكتشف فيه الأقنعة عن تأريخ المدينة قبل الإسلام، وذلك حين يقوم المنقبون المتخصصون بالبحث في تربتها عن الماضي المستور الدفين.

    ==============≈≈≈≈≈≈≈≈
    (١) الاشتقاق "ص271 ومواضع أخرى".
    (٢) البلدان "7/ 428"، "أوس بن حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان"، ابن الأثير، الكامل "1/ 275"، ابن خلدون "2/ 288"، اللسان "4/ 18 وما بعدها", تاج العروس "4/ 103"، ابن حزم، جمهرة "ص322", العقد الفريد "3/ 36، 159"، "لجنة"، ابن هشام "2/ 347"، دائرة المعارف الإسلامية "3/ 150".
    (٣) الاشتقاق "ص259".
    (٤) الاشتقاق "ص259 وما بعدها".
    (٥) الاشتقاق "ص362".
    (٦) رسالة الغفران "554، 562".
    (٧) البلدان "7/ 428"، الكامل "1/ 275"، السويدي، سبائك الذهب "63"، المعارف لابن قتيبة "260", دائرة المعارف الإسلامية "3/ 150"، السهيلي، الروض الأنف "1/ 14"، سيرة ابن هشام "2/ 204"، "القاهرة 1936م",
    ENCY., I, P. 523
    (٨) الاشتقاق "ص263".
    (٩) الاشتقاق "ص264".
    (١٠) الاشتقاق "ص265 وما بعدها".
    (١١) الاشتقاق "ص266".
    (١٢) الاشتقاق "ص267".
    (١٣) الاشتقاق "ص268".
    (١٤) الاشتقاق "270 وما بعدها".
    (١٥) الاشتقاق "ص271 وما بعدها".
    (١٦) الاشتقاق "272".
    (١٧) الاشتقاق "273".
    (١٨) الاشتقاق "273".
    (١٩) الاشتقاق "275".
    (٢٠) ابن خلدون "2/ 289"، الأغاني "11/ 121 وما بعدها".
    (٢١) الاشتقاق "ص268".
    (٢٢) الكامل "1/ 277"، الأغاني "3/ 18 وما بعدها" "20/ 24 وما بعدها"، المفضليات "ص135"، الاشتقاق "ص266"، ابن رستة، الأعلاق "64", البلخي, البدء والتأريخ "3/ 130".
    (٢٣) الكامل "1/ 277".
    (٢٤) الكامل "1/ 278 وما بعدها"، "فمن بني الحبلى: عبد الله بن أبي بن مالك، الذي يقال له ابن سلول، وسلول أمه، وكان رأس المنافقين، وكان ابنه عبد الله من خيار المسلمين"، الاشتقاق "271".
    (٢٥) الكامل "1/ 280 وما بعدها".
    (٢٦) ابن خلدون "2/ 289 وما بعدها"، ابن هشام "ص385", البرقوقي "ص278 وما بعدها"، البلدان، لياقوت "1/ 451", الميداني، الأمثال" 1/ 2"، اللسان "6/ 18"، "أوس"، تاج العروس "1/ 604"، البكري، معجم "1/ 260".
    (٢٧) الاشتقاق "263".
    (٢٨) الواقدي، فتوح "ص16", "طبعة بيروت 1956م".
    (٢٩) الواقدي، فتوح "16 وما بعدها".


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:32 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام
    الفصل الأول
    【 يثرب والطائف 】

    وكان ليثرب مكان مهم عند ظهور الإسلام، وفيها وفي أطرافها سكنت جاليات من يهود, وهي من المواضع التي يرجع تأريخها إلى ما قبل الميلاد. وقد ذكرت في الكتابات المعينية، وكانت من المواضع التي سكنتها جاليات من معين، ثم صارت إلى السبئيين بعد زوال مملكة معين(١).

    ولعل هذا السكن هو الذي حمل النسابين على إرجاع نسب أهل يثرب إلى اليمن، فقالوا : إنهم من الأزد، وإنهم من "قحطان".

    وللإخباريين كعادتهم آراء في الاسم قالوا : إنها سميت "يثرب" نسبةً إلى "يثرب بن قانية بن مهلائيل بن إرم بن عبيل بن عوص بن إرم بن سام بن نوح"، وكان أول من نزلها فدعيت باسمه.
    وقالوا : بل قيل لها "يثرب" من التثريب، وقالوا أشياء أخرى من هذا القبيل (٢).

    وزعم أهل الأخبار أن الرسول لما نزلها كره أن يسميها "يثرب"، فدعاها "طيبة"، و"طابة", وذكروا لها تسعةً وعشرين اسمًا، منها "جابرة" و"مسكينة" و"محبورة" و"يندر الدار" و"دار الهجرة"(٣).

    ويذكر بعض أهل الأخبار أن أقدم من سكن "يثرب" في سالف الزمان قــوم يقال لهــــم "صُعل" و"فالج"، فغزاهم النبي "داود" وأخذ منهم أسرى وهلك أكثرهــم وقبورهــم بناحية "الجرف" وسكنها "العماليـــق", فأرسل عليهـــم النبي "موسى" جيشًا انتصــــر عليهم وعلى مـــن كان ساكنًا منهم بـ"تيماء" فقتلوهم، وكــان ذلك في عهد ملكهم الملك "الأرقــم بن أبي الأرقم", ولــم يترك الإسرائيلون منهم أحدًا، وسكن اليهود في مواضعهم (٤).
    ونــــزل عليهم بعض قبائــل العــــرب فكانــــوا معهــم واتخذوا الأمــــوال والآطام والمنازل.
    ومن هؤلاء "بنو أنيّف"، وهم حي من "بليّ"، ويقــــال : إنهــــم بقيــــة مــن العماليق، و"بنو مُريد" مزيد "مرثد" حي مـــن "بلي"
    وبنــو معاوية بن الحارث بن بُهثة بن سليم بن منصــور بن عكـــرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان، وبنـــو الجدمى "الجدماء" حي من اليمن فعاشوا مع من كان بيثرب وأطرافها من اليهود، واتخذوا المنازل والآطام يتحصنون فيها مـــن عـــدوهم إلى قـــدوم الأوس والخــــزرج إياها (٥).

    وكــان قـــدوم "الأوس" و"الخــزرج" على أثر حادث "سيل العرم"، فأجمع "عمرو بن عامر بن حـــارثة بن ثعلبة" الخروج عن بــلاده وباع ما له بمأرب وتفرق ولده، فنزلت الأوس والخزرج "يثــــرب" وارتحلــت "غسان" إلى الشام، وذهبـــت "الأزد" إلى عمـــان, وخــــزاعة إلى تهامــــة.
    وأقامت الأوس والخـــزرج بالمــدينة ووجدوا الأموال والآطام والنخل في أيدي اليهود, ووجدوا العــــدد والقوة معهـــم، فمكثوا معهم أمــــدًا وعقدوا معهم حلفًا وجــــوارًا يأمن به بعضهم بعضًا ويمتنعون بـه ممن سواهم، فلم يزالوا على ذلك زمانًا طويــــلًا، حتى نقضت اليهود عهد الحلف والجــــوار وتسلطها على يثــــرب، فاستعان الأوس والخــــزرج بأقربائهــــم على اليهــــود، فغلبوهم، وصارت الغلبــــة للعــــرب على المدينة منذ ذلك العهد على نحــو ما سأتحدث عنه بعد قليل (٦).

    وأقـــدمُ مـورد أشير فيه إلى "يثرب" هـــو نص الملك "نبونيد" ملك بــابــل الذي سكن "تيماء" أمـــدًا، وذكــر فيه أنـــه بلغ هــــذه المدينة، كما سلف أن تحــدثت عـــن ذلك في أثناء حديثي عن صــــلات العرب بالبابليين.
    وقــد عــرفت بـ"يثربة" "Jathripa" في جغــــرافيا "بطلميوس" وعنــــد "إصطيفان البيزنطي"(٧).
    وعــــرفت بـ"المدينة" كذلك من كلمة "Medinto" "Medinta" الإرمية، التي تعني "مدينة" في عربيتنا و"هكر" في العربية الجنوبية(٨). وقد ورد اسمها في الكتابات المعينية (٩).
    ويظهر أنها عرفت بـ"مدينة يثرب" على نحو ما وجدنا في كتاب "إصطفيان البيزنطي"، ثم اختصرت، فقيل لها "مدينتا"، أي: "المدينة". ولما نزل الرسول بها، عرفت بـ"مدينة الرسول" في الإسلام (١٠).

    ولم يشر أهل الأخبار إلى وجود حرم أو بيت بيثرب، كما يتعبد فيه اليثربيون ويتقربون إليه بالنذور، مع أنهم أشاروا إلى بيت اللات في الطائف. ويثرب مدينة مثل الطائف ومثل مدن أخرى كانت ذات محجات ومعابد، وقد كان أهل يثرب -مثل غيرهم من العرب- مشركين يتقربون إلى الأصنام، وكانوا يحفظون أصنامًا لهم في بيوتهم يتقربون إليها، كما كانوا يحجون إلى محجَّات كانت على مسافة من يثرب؛ ولذلك يبدو غريبًا سكوت أهل الأخبار عن ذكر بيت في هذه المدينة، يحج له الأوس والخزرج ومن والاهم من قبائل وعشائر.

    وعثر في مواضع لا تبعد كثيرًا عن "يثرب" على كتابات جاهلية, لم تعرف هويتها الآن؛ لأن الباحثين لم يتمكنوا من فحص مواضعها ومن نقلها إلى العلماء المختصين لقراءتها, كما أنهم لم يتمكنوا من تصويرها ولا من التنقيب في تلك الأماكن تنقيبًا علميا. وقد أشار "عثمان ورستم" إلى وجود كتابات من هذا النوع على جبل "سلع"، وعند موضع "بئر عروة"، بوادي العقيق وفي أماكن أخرى (١١) أرجو أن يصل إليها الباحثون للتنقيب فيها ولحل رموز هذه الكتابات.

    وقد يعثر على كتابات أخرى مطمورة في تربة "يثرب" وفي الأماكن القريبة منها، تكشف للقادمين من بعدنا أسرار هذه المدينة المقدسة.

    ويثرب, مثل مكة من شعاب، تسكنها بطون الأوس والخزرج: الأوس في شعاب، والخزرج في شعاب, اليهود في شعاب. وفي الشعاب "حوائط" بساتين صغيرة، وفي الحوائط "آبار" يستقون منها للشرب وللسقي وللغسل (١٢) كما كانت فيها دور مبنية بالآجر ودور مبنية باللبن، وبعضها ذو طابقين. وقد احتفر اليهود آبارًا، كانوا يبيعون الماء منها بالدلاء، مثل "بئر أرومة"، وكانت ليهودي، وقد أمر الرسول بشرائها، فاشتراها عثمان (١٣). ومن آبار المدينة "بئر ذروان"، وهي البئر التي ذكر أن لبيد "ابن الأعصم" اليهودي سحر بها الرسول (١٤).

    ويثرب على شاكلة مكة, بغير سور ولا حائط يحيط بها، ولا خندق يقف حائلًا أمام من يريد بالمدينة سوءًا. وقد كان عماد دفاع أهلها بالتحصن في بيوتهم وبسد منافذ الطرق في أثناء الخطر, والأغنياء الموسرون يعتمدون على آطام هم وحصونهم وقصورهم، يلجئون إليها عند الشدة ومن معهم من أتباعهم يرمون أعداءهم من فوق السطوح بالسهام وبالحجارة، إذ لا حائط يحيط بها على نحو ما كان لمدينة الطائف. وقد تحارب الأوس والخزرج على الآطام، وأرخوا بتلك الحرب، وصاروا يؤرخون بـ"عام الآطام". وذكر أن أهل المدينة من الأوس والخزرج كانوا يمتنعون بها، فأخربت في أيام عثمان 〔١٥〕.
    ويظهر من وصف أهل الأخبار ليثرب، أنها كانت تشبه مدينة "الحيرة" بالعراق, من حيث خلوها من سور ومن تكونها من "قصور" هي بيوت السادة ومعاقل المدينة ومواضع دفاعها آناء الشدة وأوقات الحروب, وقد عرفت بـ"أطم" و"آطام" عند أهل يثرب. وذكر أن "الأطم" كل حصن بُني بحجارة، أو كل بيت مربع مسطح. وورد أن "الأُطوم": القصور والحصون لأهل المدينة والأبنية المرتفعة كالحصون 〔١٦〕..

    والمدينة عند "وادي إضم". يقال للقسم الذي هو عند المدينة منه "القناة", والذي هو أعلى منها عند السد: الشظاة، أما ما كان أسفل ذلك فيسمى أضمًا إلى البحر. وذكر أن أضم وادٍ يشق الحجاز حتى يفرغ في البحر, وأعلى أضم القناة التي تمر دُوين المدينة (١٧) وأن المدينة هي ما بين طرف قناة إلى طرف الجرف, وما بين الماء الذي يقال له "ألبوا" إلى "زبالة"(١٨).

    وجو "يثرب" على العموم خير من جو مكة، فهو ألطف وأفرح. ولم يعانِ أهلها ما عانى أهل مكة من قحط في الماء ومن شدة الحصول عليه، حتى بعد حفر "بئر زمزم". فالماء متوفر بعض الشيء في المدينة، وهو غير بعيد عن سطح الأرض، ومن الممكن الحصول عليه بسهولة بحفر آبار في البيوت. ولهذا صار في إمكان أهلها زرع النخيل، وإنشاء البساتين والحدائق، والتفسح فيها، والخروج إلى أطراف المدينة للنزهة، فأثر ذلك في طباع أهلها فجعلهم ألين عريكةً وأشرح صدرًا من أهل البيت الحرام.

    وتأريخ المدينة مثل سائر تواريخ هذه الأماكن التي نتحدث عنها، مجهول لا نعرف من أمره شيئًا يذكر، وإنما ما يذكره الإخباريون عن وجود العماليق وجرهم بها (١٩) فأمر وإن قالوه، لا يستند إلى دليل، وحكمه حكم الأخبار الأخرى التي يروونها والتي عرفنا نوع أكثرها وطبيعته, ولكن الشيء الذي نعرفه يقينًا أن أهل المدينة كانوا ينتسبون عند ظهور الإسلام إلى يمن، وكانوا يقسمون أنفسهم فرقتين: الأوس والخزرج، وبين الفرقتين صلة قربى على كل حال. ثم يذكرون أنه كان بينهم يهود، وهم على زعمهم من قدماء سكان يثرب.

    ويلاحظ أن الأوس والخزرج لا يدعون أنفسهم بأبناء حارثة، وإنما يدعون أنفسهم بـ"بني قيلة" وبـ"ابني قيلة", ويقصدون بها "قيلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة"، أو "قيلة بنت هالك بن عُذْرة" من قضاعة، أو "قيلة بنت كامل بن عذرة بن سعد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن إلحاف بن قضاعة"(٢٠). ولا بد أن يكون لهذه الامرأة التي ينتسبون إليها شهرة في الجاهلية حملتهم على الانتساب إليها. وقد ورد أن "قيلة" اسم أم الأوس والخزرج, وهي قديمة(٢١).

    وقد ذكر بعض أهل الأخبار أن الأوس والخزرج ابني قيلة لم يؤدوا إتاوة قط في الجاهلية إلى أحد من الملوك، وكتب إليهم تبع يدعوهم إلى طاعته، فغزاهم تبع أبو كرب، فكانوا يقاتلونه نهارًا ويخرجون إليه العشاء ليلًا، فلما طال مكوثه ورأى كرمهم رحل عنهم (٢٢).
    ويرجع الإخباريون مجيء الأوس والخزرج إلى المدينة إلى حادث سيل العرم، ويقولون: إنهم لما جاءوا إلى يثرب وجدوا اليهود وقد تمكنوا منها، فنزلوا في ضنك وشدة، ودخلوا في حكم ملوك يهود إلى أيام ملكهم المسمى "الفيطوان" أو "الفيطون" أو "الفِطيون"، وكان رجلًا شديدًا فظًّا يعتدي على نساء الأوس والخزرج، فقتله رجل منهم اسمه "مالك بن العجلان" وفر إلى الشام إلى ملك من ملوك الغساسنة اسمه "أبو جبيلة", وفي رواية: أنه فر إلى "تبع الأصغر بن حسان". وتذكر الرواية أن أبا جبيلة سار إلى المدينة ونزل بذي حرض، ثم كتب إلى اليهود يتودد إليهم، فلما جاءوا إليه قتلهم، فتغلبت من يومئذ الأوس والخزرج، وصار لهم الأموال والآطام. ثم رجع "أبو جبيلة" إلى الشام, وصارت اليهود تلعن "مالك بن عجلان", وهم يروون في ذلك أبياتًا ينسبونها إلى شاعر اسمه "الرمق بن زيد الخزرجي"(٢٣). ويذكر الإخباريون أن اليهود صورت "مالك بن عجلان" في كنائسهم وبيعهم؛ ليراه الناس فيلعنوه(٢٤).

    وذكر "ابن دريد" أن "الفِطيون" اسم "عبراني"، وكان تملك بيثرب، وكان هذا أول اسم في الجاهلية الأولى. وقد شهد بعض ولد الفطيون بدرًا، واستشهد بعضهم يوم اليمامة، فمن ولد "الفطيون": أبو المقشعر، واسمه أسيد بن عبد الله (٢٥).
    ويذكر بعضهم أن اسم "الفطيون"، وهو "عامر بن عامر بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الحارث المحرق بن عمرو مزيقياء"(٢٦) فهو من العرب على رأي هذا البعض، ومن اليمن، وليس من أصل عبراني.

    وأبو جبيلة عند بعض الإخباريين، هو "عبيد بن سالم بن مالك بن سالم"، أحد بني غضب بن جشم بن الخزرج. فهو على هذة الرواية رجل من الخزرج ذهب إلى ديار الشام، فملك على غسان، وذهب بعض آخر من الإخباريين إلى أنه لم يكن ملكًا, وإنما كان عظيمًا ومقربًا عند ملك غسان (٢٧).
    ونسبه بعض أهل الأخبار إلى "بني زريق"، بطن من بطون الخزرج, ونعته بـ"أبي جبيلة الملك الغساني"(٢٨.

    تابع الفصل الثاني 》》
    ======================
    (١) Ency. III, P. 83. Hartmann, Die Arabische Frage, S. 253, H. Winckler, Arabisch-Semitisch-orientalisch, in Mitteilungen der borderasiatischen Gesellschaft, 1901. S. 63.
    (٢) البلدان "8/ 498"، ابن خلدون "2/ 286".
    (٣) البلدان "7/ 425"، "8/ 498"، المقدسي: أحسن التقاسيم "ص30", "الطبعة الثانية" "ليدن 1906م"، ابن رستة، الأعلاق "ص59"، "للمدينة في التوراة "التوريه" أحد عشر اسمًا"، ابن رستة "ص78".
    (٤) ابن رستة، الأعلاق "60 وما بعدها"، ياقوت، البلدان "4/ 461 وما بعدها", الأغاني "19/ 94".
    (٥) ابن رستة، الأعلاق "62".
    (٦) ابن رستة، الأغلاق، "62 وما بعدها"، البداية والنهاية لابن كثير "2/ 160", "مطبعة السعادة، 1932م".
    (٧) تأريخ العرب قبل الإسلام، لجواد علي "3/ 395"، "4/ 181", Ptolemy, VI, 7, 31.
    (٨) Blay, in ZDMG, 22, 1868, S. 668, Ency, III, P. 83. Paulys-Wissowa, 17 ter Halbband, 1914, 791.
    (٩) Ency, III, P. 83, Winckler, Arabisch –Semitiseh in Mitteilungen der vorderasiatischen Gesellschaft, 1901, S. 63.
    (١٠) Ency. III, P. 83.
    (١١) Osman R. Rostem, Rok Inscriptions in the Hijaz. PP. 4.
    (١٢) الطبري "2/ 357" "دار المعارف", اللسان "7/ 279".
    (١٣) المعارف "ص83".
    (١٤) نزهة الجليس "1/ 61", تفسير النيسابوري "30/ 215"، حاشية على تفسير الطبري.
    (١٥) الأغاني "1/ 14" "ساسي", التنبيه "ص176".
    (١٦) تاج العروس "8/ 187"، "أطم"، اللسان "12/ 19"، "أطم".
    (١٧) تاج العروس "8/ 187" "أضم".
    (١٨) ابن رستة، الأعلاق "62".
    (١٩) البلدان "7/ 427 وما بعدها", ابن خلدون "2/ 286 وما بعدها".
    (٢٠) البلدان "7/ 428"، الكامل "1/ 275", ابن حزم، جمهرة "1/ 232"، ابن خلدون، المجلد الثاني، القسم الأول "596"، "منشورات دار الكتاب اللبناني 1956م, بيروت".
    (٢١) اللسان "11/ 580"، "صادر" "قيل".
    (٢٢) العقد الفريد "1/ 192 وما بعدها"، الأصمعي، ملوك العرب الأولية "87 وما بعدها".
    (٢٣) البلدان "7/ 428 وما بعدها"، الاشتقاق "ص259"، الكامل "1/ 275", البداية، ابن كثير "2/ 160"، "مطبعة السعادة، 1932م".
    (٢٤) ابن خلدون "2/ 287"، الاشتقاق "ص270", الأغاني "19/ 95 وما بعدها", السمهودي خلاصة الوفاء "82 وما بعدها"، الطبري "2/ 371"، تأريخ اليهود في بلاد العرب، إسرائيل ولفنسون "56 وما بعدها",
    Graetz, bd., 3, s., 91, 410.
    (٢٥) الاشتقاق "ص259".
    (٢٦) الاشتقاق "ص259".
    (٢٧) الكامل "1/ 276", ابن خلدون "2/ 286 وما بعدها".
    (٢٨) الاشتقاق "ص272".


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:33 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    [ كسب مكة ]

    ومكة كما ذكرت بلد في وادٍ غير ذي زرع؛ لذلك كان عماد حياة أهلها التجارة, والأموال التي تجبى من القوافل القادمة من الشام إلى اليمن والصاعدة من اليمن إلى الشام، وما ينفقه الحجيج القادمون في المواسم المقدسة؛ للتقرب إلى الأصنام, وهناك مورد آخر درَّ على أثرياء هذه المدينة المقدسة ربحًا كبيرًا، هو الربا الذي كانوا يتقاضونه من إيداع أموالهم إلى المحتاجين إليها, من تجار ورجال قبائل.
    ولقد استفادت مكة كثيرًا من التدهور السياسي الذي حل باليمن، ومن تقلص سلطان التبابعة، وظهور ملوك وأمراء متنافسين، إذ أبعد هذا الوضع خطر الحكومات اليمانية الكبيرة عنها، وكانت تطمع فيها وفي الحجاز؛ لأن الحجاز قنطرة بين بلاد الشام واليمن، ومن يستولي عليه يتصل ببلاد الشام وبموانئ البحر الأبيض المهمة. وأعطى تدهور الأوضاع في العربية الجنوبية أهل مكة فرصة ثمينة عرفوا الاستفادة منها, فصاروا الواسطة في نقل التجارة من العربية الجنوبية إلى بلاد الشام، وبالعكس، وسعى تجار مكة جهد إمكانهم لاتخاذ موقف حياد تجاه الروم والفرس والحبش، فلم يتحزبوا لأحد، ولم يتحاملوا على طرف، وقوَّوْا مركزهم بعقد أحلاف بينهم وبين سادات القبائل، وتوددوا إليهم بتقديم الألطاف والمال إليهم؛ ليشتروا بذلك قلوبهم. وقد نجحوا في ذلك، واستفادوا من هذه السياسة كثيرًا.

    وفي القرآن إشارة إلى تجارة مكة، وإلى نشاط أهلها ومتاجرتهم مع الشام واليمن: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} (١). قال المفسرون: إن رحلة الشتاء كانت إلى اليمن، أما رحلة الصيف فكانت إلى بلاد الشام، وإنهم كانوا يجمعون ثروة طائلة من الرحلتين تدرُّ على قريش خيرًا كثيرًا، وتعوضهم عن فقر بلادهم.
    ويظهر أن أهل هذه المدينة كانوا يسهمون جميعًا في الاتجار, فيقدم المكي المتمكن كل ما يتمكن تقديمه من مال ليستغله ويأتيه برزق يعيش عليه؛ ولذلك يعد رجوع القافلة آمنة مطمئنة بُشرى وسرورًا للجميع.

    وقد أدى نشاط بعض أسر مكة في التجارة إلى حصولها على ثروات كبيرة طائلة، وقد أسهم رجل واحد من أهل هذه المدينة هو "أبو أحيحة", بثلاثين ألف دينار في رأس مال القافلة التي تولى قيادتها أبو سفيان. ومبلغ مثل هذا ليس بشيء قليل بالقياس إلى الوضع المالي في تلك الأيام, كذلك كان "عبد الله بن جدعان" و"الوليد بن المغيرة المخزومي" من أثرياء مكة، وقد اشتهر بنو مخزوم بالثروة والمال.

    وكانت لأسر مكة تجارات خاصة مع العراق وبلاد الشام واليمن ومواضع من جزيرة العرب, تجارات لا علاقة لها برحلتي الشتاء والصيف، وكان لبعضها تجارة مع الأنبار والحيرة في العراق، وكان لبعض آخر تجارة مع "بصرى" و"غزة" وأذرعات في بلاد الشام, وكان لآخرين تجارة مع بلاد اليمن, وكان للأسر الغنية الثرية اتصال تجاري مع كل هذه المواضع, وتعاملت مع كل الأماكن المذكورة، ولها وكلاء يبيعون لها ويشترون, كما كانت هي تتوكل لتجار العراق وبلاد الشام واليمن، وتجني من هذا التعامل أرباحًا طيبة.

    وقد تحدثت عن النزاع الذي كان قد نشب بين أهل مكة و"أبرهة"، وهو نزاع ذو طبيعة سياسية في الأغلب، وإن جعله أهل الأخبار ذا طبيعة دينية. والأغلب أن الروم حثوا أبرهة على السير إلى مكة والاتجاه منها نحو الشمال، للاتصال ببلاد الشام، والاستيلاء بذلك على العربية الغربية، وبذلك يكون لهم سلطان على القسم الغربي من جزيرة العرب، فيأمنون على مصالحهم الداخلية وينزلون بذلك ضربة كبيرة بأعدائهم الساسانيين, وبمن كان يساعدهم من سادات قبائل .
    ولكن أخفق التدبير، ورجع "أبرهة" خائبًا لم يحقق شيئًا.
    وأدى استيلاء الفرس على اليمن إلى حدوث تطور في علاقات أهل مكة بالفرس وبالروم. وقد أخذ الفرس يتدخلون في تجارة العربية الجنوبية، فصاروا يرسلون ببضائع من أسواق العراق إلى اليمن، ويأخذون في مقابلها بضائع من أسواق إفريقيا والعربية الجنوبية، كما أخذ ملوك الحيرة يرسلون بـ"لطائمهم" إلى اليمن للبيع والشراء.

    وقد أثر هذا الوضع في تجارة أهل مكة أثرًا كبيرًا، إذ انتزع الفرس وملوك الحيرة من أيديهم قسطًا من أرباحهم، وربما لا يبعد أن يكون الهجوم الذي وقع على "لطيمة" "النعمان بن المنذر" ملك الحيرة، بتشجيع من أهل مكة، ذلك الهجوم الذي عرف بـ"الفجار"؛ وذلك للإضرار بالفرس وبملوك الحيرة, ولتخويف القوافل التي صارت تسلك طريق "الطائف"، ثم منها إلى مواضع في البادية إلى الحيرة متجنبة طريق مكة (٢).
    وكانت "الشعيبة" ميناء مكة، إليها ترد السفن قبل جُدَّة، ثم أخذت جدة موضعها في أيام الخليفة عثمان بن عفان (٣).
    وقد قصدت ميناء "الشعيبة" سفن الروم وسفن الحبش، إذ كانت السفن القادمة من إفريقيا، لبيع تجارتها لأهل مكة، ترسو في هذا الميناء.

    ويظهر من كتب أهل الأخبار أن تجار مكة لم يكونوا يملكون سفنًا خاصة بهم لنقل تجارتهم إلى موانئ إفريقيا، أو لنقل ما يشترونه من الموانئ الإفريقية لتصريفه في أسواق العراق أو أسواق بلاد الشام، فنحن لا نكاد نجد في هذه الكتب شيئًا يفيد أن أهل مكة كانوا يملكون سفنًا يسيرها بحارة منهم. بل نجد أنهم كانوا يركبون سفنًا حبشية عند ذهابهم إلى الحبشة، وهي سفن لم تكن شيئًا بالقياس إلى سفن الروم في ذلك العهد.

    ولمركز مكة ونشاطها في التجارة، توافد عليها أيضًا تجار من الخارج من بلاد الشام ومن العراق ومن بلاد الروم والفرس وغيرهم. ساكنوا المكيين، وتحالفوا مع أثريائهم، ومنهم من أقام فيها في مقابل دفع جزية لحمايته ولحفظ أمواله وتجارته. وكان تجار بلاد الشام خاصة يجلبون القمح والزيوت والخمور الجيدة إلى تجار مكة, وقد اتخذوا مستودعات فيها لخزن بضاعتهم هذه ولتصريفها.

    ولا يستبعد "أوليري" أن يكون من بين تجار الروم في مكة من كان عينًا للبيزنطيين على العرب، يتجسس لهم، ويتسقط أخبارهم، ويكتب لهم عن صلاتهم بالفرس، وعن أنباء الفرس في جزيرة العرب واتصالهم بالقبائل, لشدة حاجة الروم إلى تلك الأخبار، لإفساد خطط الفرس وإبعادهم عن بلاد العرب وعن البحار، والعالم يومئذ معسكران متخاصمان: معسكر للروم، ومعسكر للفرس .

    وقوم هم أصحاب تجارة واتصال بالعالم الخارجي بحكم اتجارهم معه، وذهابهم إليه، لا بد أن يكون لهم اهتمام بما كان يجري ويقع في السياسة الدولية. وكان لهم علم بما يحدث بين الفرس والروم، وبين الحبش وأهل اليمن؛ لأن لما يحدث علاقة كبيرة بتجارتهم وبالأسواق التي كانوا يخرجون إليها للبيع والشراء.
    ونجد في القرآن الكريم ما يؤيد ذلك, فلما وقعت الحرب بين الفرس والروم، هذه الحرب التي استولى فيها الفرس على القدس، وعلى "الصليب" المقدس عند النصارى، كان اهتمام مكة بها كبيرًا, وانقسم أهل مكة فريقين: مؤيد للروم، ومؤيد للفرس، مما يدل على وقوف أهل مكة على ما كان يقع في الخارج، وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم في سورة "الروم".

    وقد كان المكيون يهتمون اهتمامًا خاصًّا بما كان يقع في بلاد الشام وفي اليمن من أحداث، إذ كانت تجارتهم مرتبطة بهذه البلاد بالدرجة الأولى، فما يقع فيها يؤثر تأثيرًا مباشرًا في تجارتهم، ولذلك حاولوا جهد إمكانهم إنشاء صلات حسنة مع الحاكم على بلاد الشام والحاكم على اليمن, كما كان من مصلحة الروم مصالحة حكام العربية الغربية وترضيتهم؛ ليأمنوا بذلك على سلامة تجارتهم في البحر الأحمر، وعلى وصول بضائع إفريقيا والبلاد العربية الجنوبية والهند إليهم عند تعسف الفرس بالتجارة البرية التي كانت تأتي من الهند ومن الصين لتباع في بلاد الروم، وعند نشوب الحرب، وهي متوالية كثيرة فيما بينهما، فتنقطع التجارة عندئذ بينهما، وترتفع الأسعار. أما التجارة عن طريق العربية الغربية، فلم تكن تصاب بأذى الحروب وبالنزاع بين الفرس والروم؛ لأنها كانت بعيدة عن ساحة الحروب، وهي في مأمن من الغارات.

    ويظهر من روايات أهل الأخبار أن سادات مكة والمواضع الأخرى من الحجاز كانوا يتوددون إلى الروم وإلى حكام اليمن ليمكِّنوهم من التحكم في شئون مواطنيهم وللسيادة عليهم, وقد روى "ابن قتيبة" أن قصيًّا" استعان بـ"قيصر" في نزاعه مع خزاعة (٤). وقد تكون مساعدة قيصر له، بإشارته على الغساسنة حلفاء الروم لتقديم العون إليه، ويجوز أن يكون "بنو عذرة" وهم من العرب النصارى النازلين في أطراف بلاد الشام قد ساعدوه بطلب من الروم (٥).
    ولا يستبعد أن يكون تجار اليمن في أيام قصي وبعد موته كانوا يأتون بتجارتهم إلى "مكة"، ثم يقوم تجار مكة بنقلها إلى بلاد الشام، أو بشرائها من تجار اليمن، ثم يقومون هم ببيعها على حسابهم في "بُصْرَى" أو غزة من بلاد الشام. وقد كان يقع اختلاف في بعض الأحيان بين تجار اليمن وتجار مكة، وقد يقع اعتداء على تجار اليمن فيصادر بعض أهل مكة أموالهم ويغتصبونها، كالذي حدث لتاجر من تجار اليمن، مما حداه بالاستجارة بأشراف مكة وسادتها لإنصافه، وأدى الحال إلى عقد حلف الفضول (٦).

    ولطبيعة أهل مكة المستقرين التجار، لزم الابتعاد عن الحروب وعن خلق المشكلات، وحل كل معضلة بالمفاوضات أولًا وبالسلم, كما سعت للاتفاق مع القبائل المجاورة على محالفتها ومهادنتها. وقد أفادت هذه السياسة قريشًا كثيرًا، فظهرت زعامة مكه على القبائل بعد تدهور ملك حمير في السياسة وفي الدين والاقتصاد, ولارتفاع مستوى مكة الثقافي بالنسبة إلى الأعراب، ولزعامتها الدينية على القبائل المجاورة لها، ولاتصال سادتها بالعالم الخارجي، ولوجود جاليات أجنبية فيها طورت حياتها الاقتصادية والصناعية مما جعل القبائل تعترف لها بالتفوق عليها، وتسير في ركابها، وتتبع تقويمها، وتحضر في مواسمها، حتى صارت مكة عند ظهور الإسلام القاعدة للغربية العربية والزعيمة لها، ولذلك كانت رمز مقاومة الإسلام، والحصن العتيد المقاوم له. فلما دك هذا الحصن، دكت المقاومة دكا، واستسلمت المواضع والقبائل للإسلام دون مقاومة تذكر (٧).

    ======================
    (١) سورة قريش، الآية الأولى والثانية.
    (٢) الأزرقي، أخبار مكة "128"، المرزوقي، الأزمنة والأمكنة "2/ 161", الأغاني "6/ 64", "بيروت 1956م", صبح الأعشى "1/ 201 وما بعدها".
    (٣) البلدان "5/ 276", Ency., lll, p. 440.
    (٤) المعارف "ص313".
    (٥) Lammens, Mecque, 269, Watt, Muhammad at Mecca, P. 13.
    (٦) Watt, Muhammad at Mecca, P. 13.
    (٧) Wellhausen, Reste, S. 92.


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14549
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

    أنساب القبائل العربية  المؤرخ أحمد رضا - صفحة 4 Empty رد: أنساب القبائل العربية المؤرخ أحمد رضا

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء سبتمبر 21, 2022 7:33 pm

    تاريــــخ العــــرب قبــــل الاســــلام

    【أغنياء ومعدومون】

    كان أهل مكـة بين غني مُتْخَم وفقير معــــدم, وبيــــن الجماعتين طبقــــة نستطيع أن نقــــول : إنها كــــانت متوسطة. وأغنياء مكة، هم أصحاب المال، وقد تمكنوا من تكثيره بإعمال ما عندهم من مال بالاتجار وبإقراضه للمحتاج إليـــه، وبإعمالـــه بالزراعــــة واستغلاله بكــل الطرق المربحة التي يــــرون أنها تنفحهم بالأرباح.
    وقــــد تمكن هؤلاء الأغنياء من بسط سلطانهم على قبائــــل الحجاز، ومـن تكـــوين صلات وثيقة مــــع أصحاب المال في العــــربية الجنوبيــــة وفي العــــراق وبــــلاد الشام، بحيث كانوا يتصافقون في التجارة ويشاركونهم في الأعمــال، حتى صاروا مــن أشهر تجــــار جزيرة العــــرب في القــــرن السادس للميلاد.
    ويظهر مما جاء في القـرآن الكريم أن بعض هــــؤلاء الأغنياء كان قاسيًا، لم تـــدخل الرحمـــة ولا الشفقة قلبــــه.

    فكــــان يقسو على المحتــــاج، فــــلا يقرضـــه المال إلا بـــربا فاحش وكان يشتط عليــــه.
    وكـــان بعضهم لا يتورعون من أكـــل أمــوال اليتيـــم والضعيف، طمعًا في زيادة ثرائـــه، وكـــان يستغل رقيقــه استغلالًا شنيعًا، حتى إنه كان يكــــره فتياته على البغــاء ليستولي على مــا يأتين بــــه من مــــال.
    وفي ذلك نزل النهي عنه في الإسلام: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (١).
    قــــال "الطبــــري" :
    "كانوا في الجاهلية يكرهون إماءهـم على الـــزنا, يأخذون أجورهن.
    فقال الله : لا تكرهوهن على الزنا من أجل المنالة في الدنيا, ومن يكرههن, فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم لهن, يعني: إذا أكرهن" وقال: "كانوا يأمرون ولائدهم يباغين، يفعلن ذلك، فيصبن فيأتينهم بكسبهن". وروي أن هذه الآية نزلت في حق "عبد الله بن أبي سلول"(٢).

    وكــــان من أغنياء مكــــة من يأكـــل بصحاف من ذهــــب وفضة، ويشرب بآنية مـــن ذهـــب وفضة ومــن بلور ويأكــــل على طريقة الروم والفــرس بسكاكين وشوكــات مصنوعــة مــــن ذهب أو مـــن فضة, على حين كــــان أكثر أهل مكــة فقراء لا يملكون شيئًا وكانــــوا يلبسون الحـــرير، ويتحلون بالخواتم المصنوعة من الذهب تزينها أحجار كــــريمة. ولعل هــذا الإسراف والتبذير كانا في جملة العــوامل التي أدت إلى منــع المسلمين من استعمال الأواني المصنوعــــة مــــن الــــذهب والفضة للأكل والشرب، ومـــن صدور النهي مـــن استعمال الحــرير للرجال (٣).

    وقد حرص هؤلاء الأغنياء على إكثار أموالهم, وعلى توسيع تجارتهم، لذلك كانـــت هجــــرة الرسول إلى يثــــرب وتحرش المسلمين بقوافلهم الذاهبــة الآيبة بين بــــلاد الشام ومكـــة لطمة كبيــــرة أصابتهم. لقــد اجتمع ملؤهم بعد وقعة "بــدر" للتداول في أمرهم. فقال قائل منهــــم : "قد عــــور علينا محمد مَتْجَرنا وهــــو على طــــريقنا. وقــال أبو سفيان وصفوان بن أمية : إن أقمنا بمكــة أكلنا رءوس أموالنا.

    قال زمعة بن الأسود: فأنا أدلكم على رجــــل يسلك بكم النجدية، لو سلكها مغمض العينين لاهتدى. قال صفوان: من هو, فحاجتنا إلى الماء قليل, إنما نحن شاتون؟ قال : فـــرات بن حيان فدعواه فاستأجراه، فخـــرج بهم في الشتاء، فسلك بهم على ذات عرق، ثم خــــرج بهم على "غمرة"، وانتهى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- خبــــر العير وفيها مال كثير, وآنية من فضة حملها "صفوان بن أميه" فخرج "زيـد بن حارثة" فاعترضها، فظفر بالعيـــر وأفلت أعيان القــــوم، فكان الخمس عشرين ألفًا، فأخــــذه رســــول الله -صلى الله عليه وسلم- وقسم أربعة الأخماس على السرية، وأتى بفـــرات بن حيان العجلي أسيرًا، فقيل : إن أسلمت لـــم يقتلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسلم، فأرسله"(٤).

    وقـــد عرفت هــــذه الغــزوة بـ"غزوة القردة", وقــد كانت في السنة الثالثة مــــن الهجــــرة.

    وقــــد أشير في ديــــوان "حسان بن ثابت" إلى "فرات" هذا, كما أشير إلى رجل آخر هو "قيس بن امرئ القيس العجلي"، استأجرته قــــريش كـــذلك ليكون لها دليلًا يهدي قوافلها الطريق (٥).
    وقـــد كانت قــــريش، كما كان غيــــر قــريش، ومنهم المسلمون يستعينون بالأدلاء لإرشادهم الطــــرق، ولا سيما في أيام الخطــر. وأيام جزيرة العرب كلها خطــــر دائــم بالنسبة للتجار, لما كانــــوا يحملونه معهــم من أمــــوال تسيل لعاب الطامعين في المال وتنسيهم كل عهد وموثق.
    لذلك كــــانوا يتحسسون جهــــدهم الطــــرق، ولا يسيرون إلا في الطــرق الآمنة التي يوثق من ذمـــم أصحابها ومن قدرة سادتها على ضبطها وعلى إنــــزال أقصى العقــــوبة بالخلعاء وبالخارجين على الطاعـــة والعــــرف ويستأجرون الأدلاء أصحــــاب العلم والدراية العملية بالطرق وبمخارجها وبكيفية الخروج من مآزقها ومهالكها وأخطــــارها، ينفقــــون معهــــم على إرشادهم، على أن يكــــون لهم أجـــر حسن إن نجــت القافلة مــن الخطــر ووصلت سالمة إلى مكانها المقصود.

    وقـــد استغل تجار مكــة أموالهم في الخــــارج، وامتلكـوا الضياع، فامتلك "أبو سفيان بن حــرب" أيـــام تجارته إلى الشام في الجاهليــــة ضيعــــة بالبلقاء تــــدعى بقبش، فصــــارت لمعاويــــة وولــــده (٦).

    ولـــم يبالِ رجال مكـــة من الاشتغال بالصناعات، فقــد اشتغل قـــوم منهم بالبــــزازة، واشتغــــل بعض منهــــم بالخياطة، فكان "العــــوام أبــو الزبير خياطًا" و"كان الــــزبير جــزارًا، وكان عمرو بن العاص جزارًا، وكان عامر بن كريز جزارًا، وكـــان الوليد بن المغيرة جـــزارًا، وكان العاص بن هشام أخـــو أبي جهل حـــدادًا، وكان عقبة بن أبي معيط خمارًا، وكــان عثمان بــن أبي طلحة الــــذي دفــــع إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مفتاح البيت خياطًا، وكــــان قيس بـــن مخــــرمة خياطًا، وكــــان أبو سفيان بن حــرب يبيع الزيت والأدم, وكــــان عتبــة بن أبي وقاص أخو سعد نجــــارًا، وكــان أمية بن خلف يبيع البـــرم، وكان عبد الله بن جدعان نخاسًا، لــــه جــــوارٍ يساعين ويبيع أولادهن، وكان العاص بن وائل أبو عمرو بن العاص يعالــــج الخيــــل والإبل, وكــــان النضــــر بن الحارث بن كلــــدة يضــــرب بالعـــود ويتغنى، وكــان الحكم بن أبي العاص أبو مروان بن الحكم حجامًا, وكـذلك حــــريث بن عمــــرو"(٧).

    وإذا صح ما ذكرته من كلام نقلته من "الأعــلاق النفيسة" لابن رستة, فــإن ذلك ينفي ما يذكره أهــل الأخبار من عدم وجـــود "نجــار" في مكة كالذي ذكروه من عدم وجود نجار بها يـــوم جددوا بناء الكعبة، فحاروا في كيفية العثـــور على نجـــار يقـــوم بتسقيف البيـــت، وبقـــوا في حيرتهـــم حتى اهتــــدوا إلى رومي تحطمت سفينته عنـــد الساحل، فجاءوا بـــه وبخشب سفينته فسقف الرومي "باقــوم" لهم عندئذ الكعبــــة.
    وتنفي روايــة "ابن رستة" ما ذكــــره غيره من ترفـع ذوي الأسر من قريش من الاشتغال بالحـــرف اليدوية؛ لأنها حرف لم تخلق للأشراف، ويكون ذلك دليلًا على أن بعض ما يذكــــره أهــل الأخبار عن أهل مكة بعيد عن الواقـع وتناقض فيما يروونـــه، لــــم يفطنوا إليه؛ لأنهــم كانــــوا ينقلون الأخبــــار ويأخذونها أنَّى جــــاءت، وغايتهــــم الجمع، وعلينا الآن واجــب التمحيص بين تلك الروايات ونقــــدها وغربلتها لاستخــراج اللب مــن القشور.

    وعنـــدي أن الإسلام هــو الــذي صير قريشًا, قريشًا المــــذكورة في الكتب وهو الذي سودها على العـرب, وجعل لها المكانــــة الأولى بيـــن القبائــــل والخـــلافة فيها، بفضل كون الرسول منها وظهور الإسلام في مكـــة. ولولا الإسلام، لكانت مكة قريـــة من القرى لبعض أسرهــا ثــــراء حصلت عليــــه بفضل نشاطها وتقــــرب رجـــالها إلى سادات القبائل وحكام العـــراق وبلاد الشام واليمن، وبفضل دعـــوة رجــال قــــريش القبائل المحيطة بمكة لحج البيت والتقــــرب إلى الأصنــــام التي كدسوها فيـــه وحــوله, ومنها أصنام القبائــــل التي لها تعامل مــع مكــــة فحصلت على ربح هــو "حق قريش" مـــن الغــــرباء وحــــق تعشير التجار وتعاطي البيع والشراء معهم.

    ويبـــدو مـــن أخبار الإخباريين عـــن البيت، أن العناية لـــم توجـــه إليه إلا قبيل الإسلام، وأن الإسلام هـــو الذي رفــــع قواعـــده، وعني بعمارته، وهو الذي فـــرش مسجده بالرخام، وجعل لــه أشياء كثيرة لم تكن موجودة في أيــام الجاهلية. وقــــد صــــرف عليه الخلفاء أموالًا طائلة؛ وذلك قــربة لله رب البيت.
    والواقـــع أن في كثير مما يذكره أهل الأخبار عـــن مكـــة, ما يناقض بعضه بعضًا، وما لا يلتئم مـــع ما يذكـــرونه عنها, وهو في حاجة إلى نقد وغربلة. والظاهــــر أن الـــرواة عنــدما وجهوا عنايتهم نحـــو تـــدوين تأريخ مكـــة وعمـــدوا إلى الشيبة يسألونهم عـــن تأريخها، تكلــــم كـل منهم بحسب ما بقي في ذهنــه عنها، وبما سمعه مــن آبائه، فجـــاء متناقضًا، لا تـــوافق ولا تناسق فيما بيــن تلك الــروايات التي أخـــذت مـــن الأفــــواه, وقــد زوَّقها بعضهم بعض التزويق، أو هــذَّب فيها وشذب، حتى وصلـــت إلى الشكــــل الذي بلغته إلينا. وإني أرجــو أن يعثر في المستقبل على كتابات جاهليــــة قـــد تلقي بعض الضــــوء على تأريخ هـذه المدينة المقدسة قبلة المسلمين وأن يقـــوم العلماء بتخصيص وقــت كــــافٍ لــــدراسة مــا ورد في كتـــب التفسير والحديث والمـــوارد الأخرى عن مكـــة؛ لتقديم تأريخ واضح عــن مكــــة.
    هـذا ما عندي عن تأريخ مكة, أما عن "الكعبـــة" وعــن الحـج وعن المسائل الأخـــرى المتعلقة بالدين أو بالتجارة أو بالحكم وبما شاكـل ذلك، فسيكون الكــلام عنها في المواضــــع المناسبة فإليها المرجــــع إذن.

    =====================
    (١) النور الآية 33.
    (٢) تفسير الطبري "18/ 103 وما بعدها"، سورة النور.
    (٣) شمس العلوم "جـ1, قسم 2, ص293".
    (٤) الطبري "2/ 492"، "دار المعارف"، الاشتقاق "208"، البلاذري، أنساب "1/ 374".
    (٥) ديوان حسان "295"، "البرقوقي"، "ص38"، "هرشفلد".
    (٦) البلاذري، فتوح "125".
    (٧) ابن رستة، الأعلاق "215".


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مايو 17, 2024 12:37 am