ملوك العرب الغساسنه
كتب التاريخ تاريخ ابن خلدون منشور رقم ١
الخبر عن أبناء جفنة ملوك غسان بالشام من هذه الطبقة و أوليتهم و دولهم و كيف انساق الملك إليهم ممن قبلهم
أول ملك كان للعرب بالشام فيما علمناه للعمالقة ثم لبني إرم بن سام و يعرفون بالأرمانيين وقد ذكرنا خلاف الناس في العمالقة الذين كانوا بالشام هل هم من ولد عمليق بن لاوذ بن سام أو من ولد عماليق بن أليفاز بن عيصو و أن المشهور و المتعارف أنهم من عمليق بن لاوذ و كان بنو إرم يومئذ بادية في نواحي الشام و العراق وقد ذكروا في التوارة و كان لهم مع ملوك الطوائف حروب كما تقدمت الإشارة إلى ذلك كله من قبل و كان آخر هؤلاء العمالقة ملك السميدع بن هوثر و هو الذي قتله يوشع بن نون حين تغلب بنو إسرائيل على الشام و بقي في عقبه ملك في بني الظرب بن حسان من بني عاملة العماليق و كان آخرهم ملكا الزبا بنت عمرو بن السميدع و كانت قضاعة مجاورين لهم في ديارهم بالجزيرة و غلبوا العمالقة لما فشل ريحهم فلما هلكت الزبا و انقرض أمر بني الظرب بن حسان ملك أمر العرب تنوخ من بطون قضاعة و هم تنوخ بن مالك بن فهم بن تيم الله بن الأسود بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وقد تقدم ذكر نزولهم بالحيرة و الأنبار و مجاورتهم للأرمانيين فملك من تنوخ ثلاثة ملوك فيما ذكر المسعودي : النعمان بن عمرو ثم ابنه عمرو بن النعمان ثم أخوه الحوار بن عمرو و كانوا مملكين من قبل الروم ثم تلاشى أمر تنوخ و اضمحل و غلبت عليهم سليح من بطون قضاعة ثم الضجاعم منهم من ولد ضجعم بن سعد بن سليح و اسمه عمرو بن حولان بن عمران بن الحاف فتنصروا و ملكتهم الروم على العرب و أقاموا على ذلك مدة و كان نزولهم ببلاد مؤاب من أرض البلقاء و يقال : إن الذي ولى سليح على نواحي الشام هو قيصر طيطش بن قيصر ماهان
قال ابن سعيد : كان لبني سليح دولتان في بني ضجعم و بني العبيد فأما بنو ضجعم فملكوا إلى أن جاءهم غسان فسلبوهم ملكهم و كان آخرهم زياد بن الهبولة سار بمن أبقى السيف منهم إلى الحجاز فقتله والي الحجاز للتبابعة حجر آكل المرار قال : و من النسابين من يطلق تنوخ على بني ضجعم و دوس الذين تنخوا بالبحرين أي أقاموا ثم سار الضجاعم إلى برية الشام و دوس إلى برية العراق قال : و أما بنو العبيد بن الأبرص بن عمرو بن أشجع بن سليح فتوارثوا الملك بالحضر الذي آثاره باقية في برية سنجار و المشهور منهم الضيزن بن معاوية بن العبيد المعروف عند الجرامقة بالساطرون و قصته مع سابور معروفة أهـ كلام ابن سعيد ثم استحالت صبغة الرياسة عن العرب لحمير و صارت إلى كهلان إلى بلاد الحجاز و لما فصلت الأزد من اليمن كان نزولهم ببلاد عك ما بين زبيد و زمع فحاربوهم و قتلوا ملك عك قتله ثعلبة بن عمرو مزيقيا قال بعض أهل اليمن عك بن عدنان بن عبد الله بن أدد قال الدارقطني : عك بن عبد الله بن عدثان بالثاء المثلثة و ضم العين و لا خلاف أنه بنونين كما يختلف في دوس بن عدثان قبيلة من الأزد أنه بالثاء المثلثة ثم نزلوا بالظهران و قاتلوا جرهم بمكة ثم افترقوا في البلاد فنزل بنو نصر بن أزد الشراة و عمان و نزل بنو ثعلبة بن عمرو مزيقيا بيثرب و أقام بنو حارثة بن عمر و بمر الظهران بمكة و هم يقال لهم خزاعة
و قال المسعودي : سار عمرو مزيقيا حتى إذا كان الشراة بمكة أقام هنالك بنو نصر بن الأزد و عمران الكاهن و عدي بن حارثة بن عمرو بالأزد حتى نزلوا بين بلاد الأشعريين و عك على ماء يقال له غسان بين واديين يقال لهما زبيد و زمع فشربوا من ذلك الماء فسموا غسان و كانت بينهم و بين معد حروب إلى أن ظفرت بهم معد فأخرجوهم إلى الشراة و هو جبل الأزد الذين هم به على تخوم الشام ما بينه و بين الجبال مما يلي أعمال دمشق و الأردن
قال ابن الكلبي : و لد عمرو بن عامر مزيقيا جفنة و منه الملوك و الحرث و هو محرق أول من عاقب بالنار و ثعلبة و هو العنقا و حارثة و أبا حارثة و مالكا و كعبا و وداعة و هو في همدان و عوفا و دهل وائل و دفع ذهل إلى نجران و منه أسقف عبيدة و ذهلا و قيسا درج هؤلاء الثالثة و عمران بن عمرو فلم يشرب أبو حارثة و لا عمران و لا وائل ماء غسان فليس يقال لهم غسان و بقي من أولاد مزيقيا ستة شربوا منه فهم غسان و هم : جفنة و حارثة و ثعلبة و مالك و كعب و عوف و يقال إن ثعلبة و عوفا لم يشربا منه و لما نزلت غسان الشام جاوروا الضجاعم و قومهم من سليح و رئيس غسان يومئذ ثعلبة بن عمرو بن المجالد بن الحرث بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن بن الأزد ورئيس الضجاعم يومئذ داود اللثق بن هبولة بن عمرو بن عوف بن ضجعم و كانت الضجاعم هؤلاء ملوكا على العرب عمالا للروم كما قلناه يجمعون ممن نزل بساحتهم لقيصر فغلبتهم غسان على ما بأيديهم من رياسة العرب لما كانت صبغة رياستهم الحميرية قد استحالت و عادت إلى كهلان و بطونها و عرفت الرياسة منها باليمن قبل فصولهم و ربما كانوا أولى عدة و قوة و إنما العزة للكاثر
و كانت غسان لأول نزولها بالشام طالبها ملوك الضجاعم بالأتاوة فمانعتهم غسان فاقتتلوا فكانت الدائرة على غسان و أقرت بالصغار و أدت الأتاوة حتى نشأ جذع بن عمرو بن المجالد بن الحرث بن عمرو بن المجالد بن الحرث بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن بن الأزد و رجال سليح من ولد رئيسهم داود اللثق و هو سبطة بن المنذر داود و يقال بل قتله فالتقوا فغلبتهم غسان و أقادتهم و تفردوا بملك الشام و ذلك عند فساد كان بين الروم و فارس فخاف ملك الروم أن يعينوا عليه فارسا فكتب إليهم و استدناهم و رئيسهم يومئذ ثعلبة بن عمرو أخو جذع بن عمرو و كتبوا بينهم الكتاب على أنه إن دهمهم أمر من العرب أمدهم بأربعين ألفا من الروم و إن دهمه أمر أمدته غسان بعشرين ألفا و ثبت ملكهم على ذلك و توارثوه أول من ملك منهم ثعلبة بن عمرو فلم يزل ملكها إلى أن هلك و ولي مكانه منهم ثعلبة بن عمرو مزيقيا
قال الجرجاني : و بعد ثعلبة بن عمرو ابنه الحرث بن ثعلبة يقال إنه ابن مارية ثم بعده ابنه المنذر بن الحرث ثم ابنه النعمان بن المنذر بن الحرث ثم أبو بشر بن الحرث بن جبلة بن الحرث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة هكذا نسبه بعض النساب و الصحيح أنه ابن عوف بن الحرث بن عوف بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن ثم الحرث الأعرج ابن أبي شمر ثم عمرو بن الحرث الأعرج ثم المنذر بن الحرث الأعرج ثم الأيهم بن جبلة بن الحرث بن جبلة بن الحرث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة ثم ابنه جبله
و قال المسعودي : أول من ملك منهم الحرث بن عمرو مزيقيا ثم بعده الحرث بن ثعلبة بن جفنة و هو ابن مارية ذان القرطين و بعده النعمان بن الحرث بن جفنة بن الحرث ثم أبو شمر بن الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن الحارث ثم ملك بعده أخوه المنذر بن الحارث ثم أخوه جبلة بن الحارث ثم بعده عوف بن أبي شمر ثم بعده الحارث بن أبي شمر و على عهده كانت البعثة و كتب له النبي صلى الله عليه و سلم فيمن كتب إليه من ملوك تهامة و الحجاز و اليمن و بعث إليه شجاع بن وهب الأسدي يدعوه إلى الإسلام و يرغبه في الدين كذا عند ابن إسحق و كان النعمان بن المنذر على عهد الحارث بن أبي شمر هذا و كانا يتنازعان في الرياسة و مذاهب المدح و كانت شعراء العرب تفد عليهما مثل الأعشى و حسان بن ثابت و غيرهما و من شعر حسان رضي الله عنه في مدح أبناء جفنة :
( لله در عصابة نادمتهم ... يوما بجلق في الزمان الأول )
( أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل )
( يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل )
ثم ملك بعد الحارث بن أبي شمرا ابنه النعمان ثم ملك بعده جبلة بن الأيهم بن جبلة و جبلة جده هو الذي ملك بعد أخويه شمر و المنذر
و قال ابن سعيد : أول من ملك من غسان بالشام و أذهب ملك الضجاعم جفنة بن مزيقيا و نقل عن صاحب تواريخ الأمم : و لما ملك جفنة بنى جلق و هي دمشق و ملك خمسا و أربعين سنة و اتصل الملك في بنيه إلى أن كان منهم الحارث الأعرج ابن أبي شمر و أمه مارية ذات القرطين من بني جفنة بنت الهانيء المذكورة في شعر حسان بأرض البلقاء و معان قال ابن قتيبة : و هو الذي سار إليه المنذر بن ماء السماء من ملوك الحيرة في مائة ألف فبعث إليه الحارث مائة من قبائل العرب فيهم لبيد الشاعر و هو غلام فأظهروا أنهم رسل في الصلح حتى إذا أحاطوا برواق المنذر فتكوا به و قتلوا جميع من كان معه في الروق و ركبوا خيولهم فمنهم من نجا و منهم من قتل و حملت غسان على عسكر المنذر وقد اختطوا فهزموهم و كانت حليمة بنت الحارث تحرض الناس و هم منهزمون على القتال فسمي يوم حليمة و يقال إن النجوم ظهرت فيه بالنهار من كثرة العجاج ثم توالى الملك في ولد الحارث الأعرج إلى أن ملك منهم جفنة بن المنذر بن الحارث الأعرج و هو محرق لأنه حرق الحيرة دار ملك آل النعمان و كان جوالا في الآفاق و ملك ثلاثين سنة ثم كان ثالثه في الملك النعمان بن عمرو بن المنذر الذي بنى قصر السويدا و قصر حارث عند صيدا و هو مذكور في شعر النابغة و لم يكن أبوه ملكا و إنما كان يغزو بالجيوش ثم ملك جبلة بن النعمان و كان منزله بصفين و هو صاحب عين أباغ يوم كانت له الهزيمة فيه على المنذر بن المنذر ابن ماء السماء و قتل المنذر في ذلك اليوم ثم اتصل الملك في تسعة منهم بعده و كان العاشر أبو كرب النعمان بن الحارث الذي رثاه النابغة و كان منزله بالجولان من جهة دمشق ثم ملك الأيهم بم جبلة بن الحارث و كان له رأي في الإفساد بين القبائل حتى أفنى بعضهم فعل ذلك ببني جسر و عاملة و غيرهم و كان منزله بتدمر و ملك بعده منهم خمسة فكان السادس منهم ابنه جبلة بن الأيهم و هو آخر ملوكهم أهـ كلام ابن سعيد
و استفحل ملك جبلة هذا و جاء الله بالإسلام و هو على ملكه و لما افتتح المسلمون الشام أسلم جبلة و هاجر إلى المدينة و استشرف أهل المدينة لمقدمه حتى تطاول النساء من خدورهن لرؤيته لكرم وفادته و أحسن عمر رضي الله عنه نزله و أكرم وفادته و أجله بأرفع رتب المهاجرين ثم غلب عليه الشقاء و لطم رجلا من المسلمين من فزارة وطيء فضل إزاره و هو يسحبه في الأرض و نابذه إلى عمر رضي الله عنه في القصاص فأخذته العزة بالإثم فقال له عمر رضي الله عنه : لا بد أن أقيده منك فقال له : إذن أرجع عن دينكم هذا الذي يقاد فيه للسوقة من الملوك فقال له عمر رضي الله عنه : إذن أضرب عنقك فقال أمهلني الليلة حتى أرى رأيي و احتمل رواحله و أسرى فتجاوز الدروب إلى قيصر و لم يزل بالقسطنطينية حتى مات سنة عشرين من الهجرة و فيما تذكره الثقات أنه ندم و لم يزل باكيا على فعلته تلك و كان فيما يقال يبعث بالجوائز إلى حسان بن ثابت لما كان منه في مدح قومه و مدحه في الجاهلية و عند ابن هشام أن شجاع بن وهب إنما بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى جبلة
قال المسعودي : جميع ملوك غسان بالشام أحد عشر ملكا و قال : إن النعمان و المنذر إخوة جبلة و أبي شمر و كلهم بنو الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة ملكوا كلهم قال : وقد ملك الروم على الشام من غير آل جفنة مثل : الحارث الأعرج و هو أبو شمر بن عمر بن الحارث بن عوف و عوف هذا جد ثعلبة بن عامر قاتل داود اللثق و ملكوا عليهم أيضا أبا جبيلة بن عبد الله بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج بن ثعلبة بن مزيقيا و هو أبو جبيلة الذي استصرخه مالك بن العجلان على يهود يثرب حسبما نذكر بعد
و قال ابن سعيد عن صاحب تواريخ الأمم : إن جميع ملوك بني جفنة اثنان و ثلاثون و مدتهم ستمائة سنة و لم يبق لغسان بالشام قائمة و ورث أرضهم بها قبيلة طيء قال ابن سعيد : أمراؤهم بنو مرا و أما الآن فأمراؤهم بنو مهنا و هما معا لربيعة بن علي ابن مفرج بن بدر بن سالم بن علي بن سالم بن قصة بن بدر بن سميع و قامت غسان بعد منصرفها من الشام بأرض القسطنطينية حتىانقرض ملك القياصرة فتجهزوا إلى جبل شركس و هو ما بين بحر طبرستان و بحر نيطش الذي يمده خليج القسطنطينية و في هذا الجبل باب الأبواب و فيه من شعوب الترك المنتصرة الشركس و أركس و اللاص و كسا و معهم أخلاط من الفرس و يونان و الشركس غالبون على جميعهم فانحازت قبائل غسان إلى هذا الجبل عند انقراض القياصرة و الروم و تحالفوا معهم و اختلطوا بهم و دخلت أنساب بعضهم في بعض حتى ليزعم كثير من الشركس أنهم من نسب غسان و الله حكمة بالغة في خلقه و الله وارث الأرض و من عليها و هو خير الوارثين لا انقضاء لملكه و لا رب غيره
إعداد
د ممصطفى سليمان ابوالطيب الهوارى
كتب التاريخ تاريخ ابن خلدون منشور رقم ١
الخبر عن أبناء جفنة ملوك غسان بالشام من هذه الطبقة و أوليتهم و دولهم و كيف انساق الملك إليهم ممن قبلهم
أول ملك كان للعرب بالشام فيما علمناه للعمالقة ثم لبني إرم بن سام و يعرفون بالأرمانيين وقد ذكرنا خلاف الناس في العمالقة الذين كانوا بالشام هل هم من ولد عمليق بن لاوذ بن سام أو من ولد عماليق بن أليفاز بن عيصو و أن المشهور و المتعارف أنهم من عمليق بن لاوذ و كان بنو إرم يومئذ بادية في نواحي الشام و العراق وقد ذكروا في التوارة و كان لهم مع ملوك الطوائف حروب كما تقدمت الإشارة إلى ذلك كله من قبل و كان آخر هؤلاء العمالقة ملك السميدع بن هوثر و هو الذي قتله يوشع بن نون حين تغلب بنو إسرائيل على الشام و بقي في عقبه ملك في بني الظرب بن حسان من بني عاملة العماليق و كان آخرهم ملكا الزبا بنت عمرو بن السميدع و كانت قضاعة مجاورين لهم في ديارهم بالجزيرة و غلبوا العمالقة لما فشل ريحهم فلما هلكت الزبا و انقرض أمر بني الظرب بن حسان ملك أمر العرب تنوخ من بطون قضاعة و هم تنوخ بن مالك بن فهم بن تيم الله بن الأسود بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وقد تقدم ذكر نزولهم بالحيرة و الأنبار و مجاورتهم للأرمانيين فملك من تنوخ ثلاثة ملوك فيما ذكر المسعودي : النعمان بن عمرو ثم ابنه عمرو بن النعمان ثم أخوه الحوار بن عمرو و كانوا مملكين من قبل الروم ثم تلاشى أمر تنوخ و اضمحل و غلبت عليهم سليح من بطون قضاعة ثم الضجاعم منهم من ولد ضجعم بن سعد بن سليح و اسمه عمرو بن حولان بن عمران بن الحاف فتنصروا و ملكتهم الروم على العرب و أقاموا على ذلك مدة و كان نزولهم ببلاد مؤاب من أرض البلقاء و يقال : إن الذي ولى سليح على نواحي الشام هو قيصر طيطش بن قيصر ماهان
قال ابن سعيد : كان لبني سليح دولتان في بني ضجعم و بني العبيد فأما بنو ضجعم فملكوا إلى أن جاءهم غسان فسلبوهم ملكهم و كان آخرهم زياد بن الهبولة سار بمن أبقى السيف منهم إلى الحجاز فقتله والي الحجاز للتبابعة حجر آكل المرار قال : و من النسابين من يطلق تنوخ على بني ضجعم و دوس الذين تنخوا بالبحرين أي أقاموا ثم سار الضجاعم إلى برية الشام و دوس إلى برية العراق قال : و أما بنو العبيد بن الأبرص بن عمرو بن أشجع بن سليح فتوارثوا الملك بالحضر الذي آثاره باقية في برية سنجار و المشهور منهم الضيزن بن معاوية بن العبيد المعروف عند الجرامقة بالساطرون و قصته مع سابور معروفة أهـ كلام ابن سعيد ثم استحالت صبغة الرياسة عن العرب لحمير و صارت إلى كهلان إلى بلاد الحجاز و لما فصلت الأزد من اليمن كان نزولهم ببلاد عك ما بين زبيد و زمع فحاربوهم و قتلوا ملك عك قتله ثعلبة بن عمرو مزيقيا قال بعض أهل اليمن عك بن عدنان بن عبد الله بن أدد قال الدارقطني : عك بن عبد الله بن عدثان بالثاء المثلثة و ضم العين و لا خلاف أنه بنونين كما يختلف في دوس بن عدثان قبيلة من الأزد أنه بالثاء المثلثة ثم نزلوا بالظهران و قاتلوا جرهم بمكة ثم افترقوا في البلاد فنزل بنو نصر بن أزد الشراة و عمان و نزل بنو ثعلبة بن عمرو مزيقيا بيثرب و أقام بنو حارثة بن عمر و بمر الظهران بمكة و هم يقال لهم خزاعة
و قال المسعودي : سار عمرو مزيقيا حتى إذا كان الشراة بمكة أقام هنالك بنو نصر بن الأزد و عمران الكاهن و عدي بن حارثة بن عمرو بالأزد حتى نزلوا بين بلاد الأشعريين و عك على ماء يقال له غسان بين واديين يقال لهما زبيد و زمع فشربوا من ذلك الماء فسموا غسان و كانت بينهم و بين معد حروب إلى أن ظفرت بهم معد فأخرجوهم إلى الشراة و هو جبل الأزد الذين هم به على تخوم الشام ما بينه و بين الجبال مما يلي أعمال دمشق و الأردن
قال ابن الكلبي : و لد عمرو بن عامر مزيقيا جفنة و منه الملوك و الحرث و هو محرق أول من عاقب بالنار و ثعلبة و هو العنقا و حارثة و أبا حارثة و مالكا و كعبا و وداعة و هو في همدان و عوفا و دهل وائل و دفع ذهل إلى نجران و منه أسقف عبيدة و ذهلا و قيسا درج هؤلاء الثالثة و عمران بن عمرو فلم يشرب أبو حارثة و لا عمران و لا وائل ماء غسان فليس يقال لهم غسان و بقي من أولاد مزيقيا ستة شربوا منه فهم غسان و هم : جفنة و حارثة و ثعلبة و مالك و كعب و عوف و يقال إن ثعلبة و عوفا لم يشربا منه و لما نزلت غسان الشام جاوروا الضجاعم و قومهم من سليح و رئيس غسان يومئذ ثعلبة بن عمرو بن المجالد بن الحرث بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن بن الأزد ورئيس الضجاعم يومئذ داود اللثق بن هبولة بن عمرو بن عوف بن ضجعم و كانت الضجاعم هؤلاء ملوكا على العرب عمالا للروم كما قلناه يجمعون ممن نزل بساحتهم لقيصر فغلبتهم غسان على ما بأيديهم من رياسة العرب لما كانت صبغة رياستهم الحميرية قد استحالت و عادت إلى كهلان و بطونها و عرفت الرياسة منها باليمن قبل فصولهم و ربما كانوا أولى عدة و قوة و إنما العزة للكاثر
و كانت غسان لأول نزولها بالشام طالبها ملوك الضجاعم بالأتاوة فمانعتهم غسان فاقتتلوا فكانت الدائرة على غسان و أقرت بالصغار و أدت الأتاوة حتى نشأ جذع بن عمرو بن المجالد بن الحرث بن عمرو بن المجالد بن الحرث بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن بن الأزد و رجال سليح من ولد رئيسهم داود اللثق و هو سبطة بن المنذر داود و يقال بل قتله فالتقوا فغلبتهم غسان و أقادتهم و تفردوا بملك الشام و ذلك عند فساد كان بين الروم و فارس فخاف ملك الروم أن يعينوا عليه فارسا فكتب إليهم و استدناهم و رئيسهم يومئذ ثعلبة بن عمرو أخو جذع بن عمرو و كتبوا بينهم الكتاب على أنه إن دهمهم أمر من العرب أمدهم بأربعين ألفا من الروم و إن دهمه أمر أمدته غسان بعشرين ألفا و ثبت ملكهم على ذلك و توارثوه أول من ملك منهم ثعلبة بن عمرو فلم يزل ملكها إلى أن هلك و ولي مكانه منهم ثعلبة بن عمرو مزيقيا
قال الجرجاني : و بعد ثعلبة بن عمرو ابنه الحرث بن ثعلبة يقال إنه ابن مارية ثم بعده ابنه المنذر بن الحرث ثم ابنه النعمان بن المنذر بن الحرث ثم أبو بشر بن الحرث بن جبلة بن الحرث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة هكذا نسبه بعض النساب و الصحيح أنه ابن عوف بن الحرث بن عوف بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن ثم الحرث الأعرج ابن أبي شمر ثم عمرو بن الحرث الأعرج ثم المنذر بن الحرث الأعرج ثم الأيهم بن جبلة بن الحرث بن جبلة بن الحرث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة ثم ابنه جبله
و قال المسعودي : أول من ملك منهم الحرث بن عمرو مزيقيا ثم بعده الحرث بن ثعلبة بن جفنة و هو ابن مارية ذان القرطين و بعده النعمان بن الحرث بن جفنة بن الحرث ثم أبو شمر بن الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن الحارث ثم ملك بعده أخوه المنذر بن الحارث ثم أخوه جبلة بن الحارث ثم بعده عوف بن أبي شمر ثم بعده الحارث بن أبي شمر و على عهده كانت البعثة و كتب له النبي صلى الله عليه و سلم فيمن كتب إليه من ملوك تهامة و الحجاز و اليمن و بعث إليه شجاع بن وهب الأسدي يدعوه إلى الإسلام و يرغبه في الدين كذا عند ابن إسحق و كان النعمان بن المنذر على عهد الحارث بن أبي شمر هذا و كانا يتنازعان في الرياسة و مذاهب المدح و كانت شعراء العرب تفد عليهما مثل الأعشى و حسان بن ثابت و غيرهما و من شعر حسان رضي الله عنه في مدح أبناء جفنة :
( لله در عصابة نادمتهم ... يوما بجلق في الزمان الأول )
( أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل )
( يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل )
ثم ملك بعد الحارث بن أبي شمرا ابنه النعمان ثم ملك بعده جبلة بن الأيهم بن جبلة و جبلة جده هو الذي ملك بعد أخويه شمر و المنذر
و قال ابن سعيد : أول من ملك من غسان بالشام و أذهب ملك الضجاعم جفنة بن مزيقيا و نقل عن صاحب تواريخ الأمم : و لما ملك جفنة بنى جلق و هي دمشق و ملك خمسا و أربعين سنة و اتصل الملك في بنيه إلى أن كان منهم الحارث الأعرج ابن أبي شمر و أمه مارية ذات القرطين من بني جفنة بنت الهانيء المذكورة في شعر حسان بأرض البلقاء و معان قال ابن قتيبة : و هو الذي سار إليه المنذر بن ماء السماء من ملوك الحيرة في مائة ألف فبعث إليه الحارث مائة من قبائل العرب فيهم لبيد الشاعر و هو غلام فأظهروا أنهم رسل في الصلح حتى إذا أحاطوا برواق المنذر فتكوا به و قتلوا جميع من كان معه في الروق و ركبوا خيولهم فمنهم من نجا و منهم من قتل و حملت غسان على عسكر المنذر وقد اختطوا فهزموهم و كانت حليمة بنت الحارث تحرض الناس و هم منهزمون على القتال فسمي يوم حليمة و يقال إن النجوم ظهرت فيه بالنهار من كثرة العجاج ثم توالى الملك في ولد الحارث الأعرج إلى أن ملك منهم جفنة بن المنذر بن الحارث الأعرج و هو محرق لأنه حرق الحيرة دار ملك آل النعمان و كان جوالا في الآفاق و ملك ثلاثين سنة ثم كان ثالثه في الملك النعمان بن عمرو بن المنذر الذي بنى قصر السويدا و قصر حارث عند صيدا و هو مذكور في شعر النابغة و لم يكن أبوه ملكا و إنما كان يغزو بالجيوش ثم ملك جبلة بن النعمان و كان منزله بصفين و هو صاحب عين أباغ يوم كانت له الهزيمة فيه على المنذر بن المنذر ابن ماء السماء و قتل المنذر في ذلك اليوم ثم اتصل الملك في تسعة منهم بعده و كان العاشر أبو كرب النعمان بن الحارث الذي رثاه النابغة و كان منزله بالجولان من جهة دمشق ثم ملك الأيهم بم جبلة بن الحارث و كان له رأي في الإفساد بين القبائل حتى أفنى بعضهم فعل ذلك ببني جسر و عاملة و غيرهم و كان منزله بتدمر و ملك بعده منهم خمسة فكان السادس منهم ابنه جبلة بن الأيهم و هو آخر ملوكهم أهـ كلام ابن سعيد
و استفحل ملك جبلة هذا و جاء الله بالإسلام و هو على ملكه و لما افتتح المسلمون الشام أسلم جبلة و هاجر إلى المدينة و استشرف أهل المدينة لمقدمه حتى تطاول النساء من خدورهن لرؤيته لكرم وفادته و أحسن عمر رضي الله عنه نزله و أكرم وفادته و أجله بأرفع رتب المهاجرين ثم غلب عليه الشقاء و لطم رجلا من المسلمين من فزارة وطيء فضل إزاره و هو يسحبه في الأرض و نابذه إلى عمر رضي الله عنه في القصاص فأخذته العزة بالإثم فقال له عمر رضي الله عنه : لا بد أن أقيده منك فقال له : إذن أرجع عن دينكم هذا الذي يقاد فيه للسوقة من الملوك فقال له عمر رضي الله عنه : إذن أضرب عنقك فقال أمهلني الليلة حتى أرى رأيي و احتمل رواحله و أسرى فتجاوز الدروب إلى قيصر و لم يزل بالقسطنطينية حتى مات سنة عشرين من الهجرة و فيما تذكره الثقات أنه ندم و لم يزل باكيا على فعلته تلك و كان فيما يقال يبعث بالجوائز إلى حسان بن ثابت لما كان منه في مدح قومه و مدحه في الجاهلية و عند ابن هشام أن شجاع بن وهب إنما بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى جبلة
قال المسعودي : جميع ملوك غسان بالشام أحد عشر ملكا و قال : إن النعمان و المنذر إخوة جبلة و أبي شمر و كلهم بنو الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة ملكوا كلهم قال : وقد ملك الروم على الشام من غير آل جفنة مثل : الحارث الأعرج و هو أبو شمر بن عمر بن الحارث بن عوف و عوف هذا جد ثعلبة بن عامر قاتل داود اللثق و ملكوا عليهم أيضا أبا جبيلة بن عبد الله بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج بن ثعلبة بن مزيقيا و هو أبو جبيلة الذي استصرخه مالك بن العجلان على يهود يثرب حسبما نذكر بعد
و قال ابن سعيد عن صاحب تواريخ الأمم : إن جميع ملوك بني جفنة اثنان و ثلاثون و مدتهم ستمائة سنة و لم يبق لغسان بالشام قائمة و ورث أرضهم بها قبيلة طيء قال ابن سعيد : أمراؤهم بنو مرا و أما الآن فأمراؤهم بنو مهنا و هما معا لربيعة بن علي ابن مفرج بن بدر بن سالم بن علي بن سالم بن قصة بن بدر بن سميع و قامت غسان بعد منصرفها من الشام بأرض القسطنطينية حتىانقرض ملك القياصرة فتجهزوا إلى جبل شركس و هو ما بين بحر طبرستان و بحر نيطش الذي يمده خليج القسطنطينية و في هذا الجبل باب الأبواب و فيه من شعوب الترك المنتصرة الشركس و أركس و اللاص و كسا و معهم أخلاط من الفرس و يونان و الشركس غالبون على جميعهم فانحازت قبائل غسان إلى هذا الجبل عند انقراض القياصرة و الروم و تحالفوا معهم و اختلطوا بهم و دخلت أنساب بعضهم في بعض حتى ليزعم كثير من الشركس أنهم من نسب غسان و الله حكمة بالغة في خلقه و الله وارث الأرض و من عليها و هو خير الوارثين لا انقضاء لملكه و لا رب غيره
إعداد
د ممصطفى سليمان ابوالطيب الهوارى