قبائل هوارة فى تاريخ الصعيد المصرى
كتاب ازدهار وانهيار حضارة مصرية - قوص
تأليف – جان كلود كارسان
ترجمة – بشير السباعي
صفحة 331 - بنو عمر بن عبد العزيز
كان شمال الصعيد الاعلي خاضعا بدرجة اكبر للوصاية السلطانية وما كان يمكن ان يدور حديث عن تراخ هذا الجزء من الوادي
لكن سلطة الهوارة لم تكن مع ذلك اقل رسوخا في جرجا , وهي سلطة اكثر خطورة بقدر ما انها قد تأسست علي فلاحة واستثمار الأرض . وربما كذلك بالفعل علي تجارة العبيد وكان بوسعها السماح لنفسها بان تفرض نفسها سلميا , ولا يحدد المقريزي تاريخ موت الثري محمد بن عمر بن عبد العزيز - الذي خلفه أخوه ----- يوسف ----- علي رأس هوارة جرجا . وبعد
القمع الذي شهدنه أعوام 820 – 822 / 1417 – 1419 , ترمز سلطنة برسباي الي فرض رقابة صارمة علي أمراء جرجا , ويروي العيني كيف ان الوزير والاستدار السلطاني قد اخذ معه في شعبان 834 / ابريل 1431 إلي القاهرة --- إسماعيل بن يوسف الذي لا شك في انه مات لتوه, لكي يحصل علي التقليد السلطاني, وقد تم إلقاء القبض عليه بناء علي شكوى من الكاشف وجري إحلال أخيه ---- موسي --- محله , وفيما بعد , بما إن هذا المرشح الجديد لم يكن مريحا جدا للسلطان دون شك , جري اقتياد موسي بدوره عن طريق الغدر إلي القاهرة وحبسه وإحلال أخر محله هو واحد من بني عمومته من إل عمران بما كان رهن احتجاز السلطة له آنذاك في العاصمة, إلا انه منذ شوال 834 / يونيو 1431 , كان وفد مؤلف من عدد من الفقراء وثلاثة من المشايخ المبجلين في الإقليم قد تدخل لدي برسباي وتوصل إلي الإفراج عن ------ اسماعيل بن يوسف ---- بينما اصطدم مرشح السلطة في الساحة بمعارضة الهوارة , الذين وصل بهم الأمر الي حد إحراق المحاصيل وإعلان التمرد . وتشتد قوة الضغط البدوي نحو أواخر سلطنة برسباي ويتعين علي السلطة التدخل في كل مكان , أكان ذلك من اجل منع عرب البحيرة من التحرك إلي الصعيد أم من اجل حماية طرق الحج من باليي الحجاز .
888/1483
ما ان فترة انعدام اليقين وانتشار القلاقل والتي فصلت موت برسباي عن صعود جقمق الي السلطة (ذو القعدة 841 – ربيع الاول 842 / مايو – اغسطس 1438 تتطابق دون شك مع تمرد من جانب هوارة الصعيد ضد الامير الذي فرض عليهم , وقد جري ارسال قوة حملة اولي ثم قوة حملة ثانية تحت قيادة امير سلاح : وقد جرت مطاردة الهوارة حتي اسنا , ثم عاد الجيش الي الشمال, وعندئذ يتدخل وفد من مسلمي هو الورعين لانقاذ اولئك الذين لم يهربوا من العقاب , وقد قبل امير السلاح الوفاق مؤقتا لان قوة الحملة كانت علي وشك التمرد لحساب ابن برسباي الذي كان قد هرب من سجنه في القاهرة الا انه عندما يزول خطر نشوب تمرد من جانب المماليك , يجري استنناف الحملة ضد الهوارة: وقد لحقت بهم الهزيمة قرب ابي تيج وجري قطع رؤوس ستة من اعيانهم , ويستمر التمرد بعد رحيل امير السلاح : ومن الواضح ان عمران الذي كان برسباي قد نصبه في الامارة في عام 839 /1431 لم يستطع البقاء بعد هذا العمل الغادر من جانب امير السلاح ويجري قتله . ويتعين من جديد ارسال قوة حملة . ويبدو ان محرك المقاومة هو اسماعيل بن يوسف بن عمر الذي كان وفد من الفقراء قد توصل الي الافراج عنه من سجون برسباي . والحال ان السخاوي الذي كرس له اشارة بيوجرافيه يقول عنه انه كان معروفا بانه من اهل الخير والمسلك الذي لا مؤاخذه عليه . لكن السلطان لم يكن يحبه . ومن الواضح انه كان يمثل مصدر خوف اكبر بالنسبة لجقمق الورع الذي كانت اخلاقه تتمتع بقدر كبير من الاحترام وقد حاول جقمق ان يفرض علي الهوارة احد احفاد اسماعيل بن مازن لكي يتخلص من بني عمر, وقد منيت هذه المحاولة بفشل جديد . وفي صفر 844 / يوليو 1440 اضطر جقمق الي التصالح مع فكرة عرض الامارة علي عيسي , اخ اسماعيل الذي , من جهته كان قد جري الافراج عنه من سجنه الذي كان قد حبس فيه من جديد , وكان علي بني عمر ان يسلموا الي السلطان مبلغ سبعين الف دينار , يدفع منها اربعون الف دينار فورا : والواقع انهم هم الذين فازوا وشهدوا الاعتراف بوضعهم . وفي اقليم جرجا, تصبح الحياة من جديد عادية بالرغم من ان اسماعيل ريما يكون قد احتاج الي عدة سنوات حتي يقبل تنحيته عن الامارة . فقد توصل الي الصلح مع جقمق في عام 850 / 1447 وهذه العودة الي الهدوء التدريجي هي التي تسمح بالحملة ضد الكنوز.
لقد دامت الازمة عامين كاملين وكانت عنيفه , وقد خرجت سلطة بني عمر منها معززة. ومما لا مراء فيه ان السلطان يجد الان تحت تصرفه قوة تدخل اقليمية, ففي عام 852 /1448 قاتل العدو القديم ---- اسماعيل بن يوسف ---- الي جانب المماليك السلطانية ضد بدو المتمردين , لكن بني عمر قد انتزعوا من ذلك هيبه متزايدة, ان عيسي بن يوسف شأنه في ذلك شأن اخيه اسماعيل قد اعتبر وليا مشهورا باحساناته ومتضلعا علاوة ذلك في معرفة الفقه المالكي , وسوف يموت في عام 863 /1459 لدي عودته من الحج , ومع واحد من بني عمر هؤلاء تحالفت عائلة قاضي سمهود , وهكذا فنحو منتصف القرن التاسع / الخامس عشر, لم يعد بنو عمر في جرجا واحدة من عائلات البربر تلك الموجودة كمجرد مرتكز سلطاني في اقليم استراتجي, ولا حتي مجرد سادة بدو كبار تحقق لهم النجاح , لقد اصبحوا السادة الشرعيين لجرجا , وهم متحالفون مع السلطة دون شك , ولكن بقدر احترامها لحقوقهم , وهم متحالفون ايضا مع النخبه المسلمة في الاقليم والتي تتولي الدفاع عنهم , ان دعت الحاجة الي ذلك , ونفوذهم المعنوي , ان لم يكن مصالحهم ايضا , يمتد علي الاقل حتي سمهود وهو , أي علي الجزء الاكثر حيوية في ولاية قوص .
الامير يشبك بن مهدي ومراسيم قوص
====================
اذا كان بنو عمر قد عززوا انغراسهم الاقليمي , فانهم لم يكونوا اقل حفاظا علي تقاليدهم البدوية , لقد كان الاستقرار حديث العهد تماما يحيث يتعذر الا يعرفوا تلك الازمات التي تهز عادة العائلات البدوية الكبري عندما تفرض ممارسة المسؤليات الاقليمية توحيدا للسلطة . ففي ربيع الثاني 863 / 1459 عين السلطان الملك الاشرف اينال في الامارة سليمان ابن عيسي بن يوسف ( بن عمر بن عبد العزيز الهواري) الذي مات لتوه , وعندئذ طلب جزء من الهوارة ان تعود السلطة الي ذرية اسماعيل بن يوسف , المعارض القديم لسلطة القاهرة , وقد استجاب السلطان لطلبهم وحل احمد بن اسماعيل بن يوسف محل ابن عمه , وسوف يترتب علي ذلك قلاقل علي مدار عدة سنوات لان الامير المخلوع لم يقبل قدره , وسوف تصبح هذه القلاقل اكثر خطورة نحو عامي 868- 869 / 1463 -1465 حيث تجتمع علي ما يبدوا مع تجدد للتوتر القبلي حيث يبدو ان التعارض اليمني-القيسي القديم المميز لقبائل الجنوب في عصر المماليك البحرية قد حل محله تناحر بين العرب والهوارة, ولا شك في ان السلطة السلطانية تشعر انذاك بان عليها وبوسعها التدخل, وفي ربيع الاول 871 / اكتوبر 1466 يرد قرار صادر عن السلطان خشقدم لحساب الامير يشبك بن مهدي الذي كان قد عين قبل ذلك بشهرين كاشفا للبهنسا, وهي وظيفة كانت وظيفة الكاشف الاكبر للجنوب وفقا لابن تغري بردي بينما يجعلها السخاوي مخطئنا كما سوف نري وظيفة "نائب الجنوب باسره حتي اسوان بعد ان كانت هذه النيابه قد جري التخلي عنها لوقت ما وايا ما كان الامر فان ما حدث انما يعني الاعتراف مرة اخري بان تبعثر السلطة ليس ملائما للسيطرة علي القبائل في الايام الصعبة.
وكان الامير يشبك بن مهدي قد وصل بالفعل الي الجنوب , ذلك ان اينال كان قد نفاه الي قوص – ويبدو ان الرجل كان وافر الهمة والقسوة في ان واحد , باكثر مما كان ضروريا لتهدئة البلد. كما يبدوا انه كان حريصا علي تخليص ممثلي السلطة السلطانية من أي موقف يمكن اعتباره اعترافا وتسليما بالواقع القبلي في الصعيد . ومن ثم فان مهمته تخص مصر العليا كلها , وفي الصعيد الاعلي , لم يكن بوسعة الا يصطدم بسلطة الهوارة , فبعد وقت قصير من تعيينه , وبينما كان لم يصطدم حتي ذلك الحين الا بجماعات قبلية اخري , من المحتمل انها تنتمي الي ال جذام , تعرض للهجوم امام جرجا من جانب يونس بن اسماعيل بن يوسف , اخ امير الهواره , والذي يصوره السخاوي علي انه رجل قادر وشجاع وان كان صارما لسوء الحظ بشان التراث العائلي الورع . والحال ان يشبك الذي يصاب بجراح يتسني انقاذه ثم يثأر لنفسه . وتلحق الهزيمة بالهوارة . وبعد ذلك وبذكاء شديد يأمر بان يعين في الامارة من جديد سليمان بن عيسي بن يوسف , المرشح السلطاني القديم , محل ابن عمه , والحال ان هذا الاجراء الحاذق سوف يكفل لسلطة القاهرة تعاون جزء من الهوارة خلال الازمة التالية . ولا يمكن ان نفسر لانفسنا بشكل اخر عدم ميل الهوارة الي الاستفادة من الوضع خلال اعوام 872 و 873و874 / 1467و1470 االرهيبة , حيث دفعت المجاعة والطاعون والقلاقل السياسية والهزائم العسكرية في اسيا الصغري ابن الصيرفي الي القول بانه لم ير شيئا اسوأ من ذلك قط في حياته والشئ الاحسن بكثير هو انه بينما استعان يشبك بوحدات بدوية كان قد استخدمها في الجنوب , من اجل مساعدة قريبه قايتباي علي الصعود الي السلطة . مما سيعود عليه بمنصب الدودار , فان امير جرجا كما رأينا سوف يستفيد من المجاعة السائدة في القاهرة في عام 873 / 1468-1469 لكي يحصل علي فوائد رائعة من بيع قمحه, وفي المقابل فان المجاعات اليمنية التي يبدو انها كانت لا تملك الحكمة التي يملكها الهوارة قد تعرضت لمحنه رهيبة , ان بني هلبه من ال جذام في عام 873 / 1468 وبني عدي من ال لخم في عام 874 / 1469 سوف يكونون ضحايا لحملات قمعية فظيعه قادها الامير الدودار من القاهرة .
علي ان الوضع في جرجا لم يكن سليما , ان الامير المخلوع احمد ابن اسماعيل بن يوسف واخاه يونس يواصلان معارضة ابن عمهما سليمان الذي نصبه يشبك بشكل جد سافر , وربما تحت ضغط منهما , يهرب سليمان بدوره , في عام 879 / 1474 – 1475 وقد حل محله اخوه احمد بن عيسي بن يوسف وسوف ينهي حياته في سجون القلعة , ووفقا للسخاوي , فان احمد قد افضل منه أي اكثر خضوعا , لكن ابناء اسماعيل بن يوسف كانوا في تمرد سافر , وفي صفر 881 / مايو 1476 تمني بالفشل حملة قادها يشبك ضدهم ويبدوا انه قد نشأت عن هذا الواقع المحلي انتفاضة للقبائل : وفي محرم 882 / ابريل 1477 يتم الرجوع الي القاهرة برأس امير العرك , الا انه يصل الي الاسماع ايضا ان احمد امير بني عمر قد لاذ بالهرب وسوف يموت بعد ذلك بوقت قصير , وقد استخلص قايتباي درس المغامرة , فبما ان المرشح السلطاني لم يتمكن من ترسيخ قدميه فقد جري تعيين الامير يشبك بن مهدي اميرا للهوارة ونو يتحركك صوب الجنوب لمطاردة المتمردين وقد وصل به السير حتي النوبه : وفي ربيع الثاني 883 / يوليو 1478 يصل الي القاهرة نبأ مفاده ان يونس بن اسماعيل قد قتل والحال ان اخاه احمد الذي وقع في الاسر سوف يجري اعدامه مع سبعة من المقربين اليه في الشهر التالي , اما م باب زويلة , لقد اصبحت الكلمة الاخيرة للسلطة السلطانية , وكان قايتباي في اوج حكمه .
ومن ثم فقد جرت استعادة السلطة السلطانية قدر الامكان في الجنوب في اثر تمرد اخرق من جانب القبائل في فترة سمح فيها الوضع السياسي المؤاتي لللامبراطورية المملوكية بتدخل سريع من القاهرة , والي 17 ربيع الثاني 883 / 18 يوليو 1478 يرجع تاريخ احد مر اسيم يشبك وهو مرسوم منقوش علي الحجر ومثبت علي جدار مسجد قوص الكبير. اما تاريخ المرسوم الاخر فمن الصعب تمييزه , لكنه علي ما يحتمل قريب من تاريخ المرسوم السابق , ان لم يكن مطابقا له , ومع هذا الوضع ايضا يتطابق بيان الاقطاعات الذي قدمه ااب الجيعان , ان احد نقوش قوص يشير الي سجل المساحة لعام 882 /1477 : ومما لا مراء فيه ان هذا السجل هو السجل الذي عرفه ابن الجيعان لان اقطاع جرجا فيه موجود باسم يشبك من مهدي , بعد ان كان باسم "العربان" وهو ما يعد طبيعيا لان يشبك كان قد عين اميرا للهوارة. والحال ان دراسة نص مرسومي قوص , او ما بقي منهما , علي ضوء بيان الاقطاعات الذي قدمه ابن الجيعان , انما تكشف عن امور كثيرة , ففي احداهما , يحمل يشبك لقبا مفاجئا , هو لقب " صاحب اقطاع كشف الجنوب" والواقع ان هذا اللقب انما يعبر بدقةعن المهمة التي عهد بها الي الامير, ومن ثم فان الوظيفة التي كانت قد انتهت الي الاهمال واعييدت لحساب يشبك لم تكن وظيفه نائب السلطنة بل وظيفة الكشف السابقة , والحال ان سجل المساحة يعرف الموارد المخصصة لانجاز مهام هذه الوظيفه: انها تجئ في غالبيتها من ولاية قوص .
ويبدو من ثم ان حفظ النظام المملوكي في الجنوب قد جري النظر اليه من جديد علي انه يجب ان يتحقق , ليس بفضل دعم القبائل المخلصه الي هذا الحد او ذاك في اقليم منفلوط او جرجا , وانما استنادا الي الصعيد الاعلي الذي يجب استخدام موارده بالدرجة الاولي من جانب امراء المماليك, ومن جهة اخري ( وهذا هو التتمه المنطقيه لما سبق وللعودة الي تحصيل ايراد الاقطاعات التي يشهد عليها سجل المساحه لعام 882 / 1477 ) فانه اذا كان يعهد بهذه الاستعادة الجديدة لزمام امور الجنوب كما حدث في السابق الي امير الكشف , فان وجوده في الاقليم ليس دائما مع ذلك ومن الواضح ان السلطات الاقليمية تحتفظ بدورها .
ان احد المراسيم موجه الي كشاف وولاة الجنوب وهو ما يعني انه اذا كان والي قوص لا يظهر في سجل المساحة لعام 882 / 1477 وهو ما يرجع دون مراء الي اسباب تتصل بترتيبات تمويليه لانه يحصل علي مخصصاته من يشبك , فانه موجود مع ذلك: ونحن نعرف اسم الوالي الذي شغل المنصب في عام 885 /1480 .
وبالرغم من الظاهر , فان مهمة االامير يشبك التي اختص بها قبل تعيينه ايضا في منصب الدوادار الاكبر والاستادار الاكبر, هي مهمة جد مختلفه عن مهمة الاستادارات في بداية القرن : فهي تعيد تنظيم النظام المملوكي في الاقليم انطلاقا من الاقليم نفسه , مثبته الكوادر المحلية في وظائفها , ويهدف احد المرسومين بشكل محدد الي ان يكفل لرجال القضاء ولجميع اولئك الذين يحصلون علي معاش من الادارة المملوكية ان ذلك المعاش لن يلغي ولن يجري تخفيضه منذ ذلك الحين فصاعدا : ويعد هذا اجراء من شأنه ان يكون مواتيا لبقاء الوسط الحضري المرتبط من جهة اخري بحفظ الاطار الاميري لللاقليم .
ومن ثم فان السياسة المتبعة في الصعيد الا علي انما تشكل كلا متامسكا: فهي محاولة للعودة الي الايام الجميلة للتراث المملوكي , في فترة سعيدة بشكل خاص هي فترة سلطنة قايتباي , وفي هذا الكل المتماسك, لو كان قد كتب له ان يتحقق كانت قوص ستظل مدينة جديرة بهذا الاسم : ان مصيرها يبدو مرتبطا مرة اخري بمصير النظام السلطاني, اما نمو جرجا الناشئ عن السلطة البدوية فكان من شأنه ان يكون مهددا . ولكن الا تعتبر تلك المحاولة محاولة تسير عكس اتجاه الزمن لانها لا تأخذ في الحسبان التطور الذي تم السماح بحدوثه وخراب البلد ؟ ان الموارد غير متوافره من اجل انجاز مثل هذا البرنامج , وقد قلنا ان تركيز الاقطاعات بين يدي الامير يشبك انما يترجم في سجل المساحة هذا العوز , ولو كان قد جري توزيع الاقطاعات , لما تسني تقدير الايرادات , وقد قتل الامير يشبك فجأة علي الحدود بين سوريا وبلاد الرافدين في عام 885 /1480 , وسوف تبرز اخطار اخري , تختزل الي العدم جهود استعادة النظام المملوكي في الجنوب .
انتهاء السلطنة المملوكية وصعود سلطة بدوية في جرجا
=============================
ان هذه المحاولة التي بذلت لاستعادة السلطة التامة للدولة المملوكية علي اقليم كان تدفق القبائل اليه قد جعلها شيئا فشيئا متزايدة الهشاشه , يبدوا تماما انها كانت بشكل خاص من صنع الامير يشبك , احد الامراء المماليك الكبار الاخرين الذي كان علي دراية فعلية بالجنوب . وبعد موته , تجري العودة الي التنظيم الذي عرفه زمن برسباي .
فقد جري اختيار امير جديد للهوارة في شخص – محمد بن يونس بن اسماعيل وهو ابن المتمرد الذي كان يشبك قد الحق به الهزيمة , الامر الذي يعتبر دليلا علي نوايا السلطة التصالحية, وقد جري بعد ذلك احلال – داود بن سليمان بن عيسي , وهو ابن عم له محله , في عام 888 / 1483 , وكان -- داود شخصية محترمة وقد اشار السخاوي الي حجه الي الحجاز في عام 893 /1488 وهو الذي كان "الشريف السمهودي " قريبه يدير الاوقاف المخصصة لفقراء الاماكن المقدسه : وكانت سلالة عيسي بن يوسف بن عمر اكثر خضوعا دائما لسلطة القاهرة من سللالة اخيه اسماعيل , ومن الواضح اننا بازاء عودة الي الممارسة السابقة , وهي الممارسة الممكنة الوحيدة دون شك , لابقاء البلد في وضع الطاعة من خلال الاستناد علي قبيلة ضد اخري وعلي سلالة ضد سلالة منافسة لها , ومع هؤلاء الامراء البدو كان علي السلطات الاقليمية ان تقتسم سلطتها : كاشف اسيوط وكاشف منفلوط ودون شك ايضا ولاة قوص بالرغم من اننا لا نجد بعد أي اسم لوال للمدينة بعد 885 / 1480 . اخر 337
قطعت راسه توليه - 888 هجرية
بعد ذلك بعامين حجه - 893/1488
من جانب طومان باي شنقه - 902 / 1497 في منفلوط بامر الدودار اقبردي 904
علي ان هذه العودة الي الوضع الذي كان قائما في السابق لا تكفي من جهة اخري لتاكيد سيادة السلم والامن , وبالرغم من فقر المعلومات حول الجنوب , والذي يميز هذه الازمنة الاخيرة للعصر الشركسي حيث " يبتعد" الصعيد بشكل متزايد عن القاهرة , فاننا ننعرف ان الاقليم قد هزته ازمتان بدويتان جسيمتان علي الاقل :
اولا- نحو عام 890 – 891 / 1485 - 1486 خلال التهديد العثماني الاول حيث يبدو انه قد نشأت حركة معادية للمرشح السلطاني عند الهوارة , بالاتصال مع تمرد جديد من جانب الباليين – الاحمديين : ولا بد ان قوص قد تعرضت لتهديد مباشر وكان القمع الذي قاده الدودار - اقبردي - ضد الاحمديين عنيفا لا يرحم .
ثم في الاعوام الاولي للقرن العاشر / 1496 – 1503 , بعد موت قايتباي وامساك الغوري بزمام الدولة : ففي عام 902 /1497 جري شنق – داود بن سليمان نفسه في منفلوط بامر الدودار اقبردي , والحال ان اخاه الذي خلفه في الامارة قد قطعت رأسه بعد ذلك بعامين من جانب الدودار طومان باي , وعندما وصل الغوري الي السلطه , كان البدو , اذا ما صدقنا ابن اياس , علي وشك ان يصبحوا سادة البلد , ونحن لا نعرف باي شكل تمت العودة الي الهدوء والسكينة .
ومن الؤكد ان الدولة المملوكية تسيطر علي مصر بشكل اقل رسوخا بصورة مطردة وحدوث ازمة في القاهرة يعد مناسبة لنشوب تمرد في الجنوب . والحال ان هذا العجز عن السيطرة علي الاقليم انما يعني صعوبة متزايدة في الحصول منه علي ايراد الاقطاعات , في حين ان الاوبئة تواصل اختزال القدرة الانتاجية للبلد بينما تظهر اعباء جديدة تفرضها اخطار جديدة .
فخلال السنوات العشر الاخيرة لسلطنة قايتباي , نجد ان العثمانين هم الذين وضع ضغطهم حدا للاصلاح الذي جري الاضطلاع به , ثم, في ظل الغوري , نجد برتغاليي المحيط الهندي الذين يطالون النظام في قاعدته المالية,الاحتكارات , ثم نجد العثمانين من جديد ¸.
ويبدو ان ذلك يؤدي الي عودة الي ممارسات الحملا ت الكبري القمعية والضريبية في ان واحد في مستهل القرن , والتي يتولاها , هذه المرة – الدودارات - والحال ان واحدة منها علي الاقل قادها طومان باي , الذي سوف يصبح المللك الاشرف فيما بعد , والذي كان ساعتها دودارا, تصل الي قوص في عام 918 /1512 وبهذه الممارسات يقاس فشل الشراكسة .
وفي المقابل , في جرجا , احتفظ - بنوعمر بسلطتهم, ربما بعد فترة ازمة ((: ففي عام 916 / 1510 يشار الي امير للهورة , وذلك لاول مرة منذ عام 904 /1499 وهو امير لم نتمكن من تحديد صلة نسب له بالامراء السابقين ,)) الا ان من المؤكد انه واحد من بني عمر ( اذ لم يكن من الممكن للامر ان يكون غير ذلك .)) ومنذ عام 898 / 1493 ينسب ابن اياس الي الامير داود لقب امير الجنوب .
ومما لا مراء فيه ان هذه التسمية مغلوطه تاريخيا , ولكن بالكاد وخلال الهجوم العثماني , سوف يرسل الهوارة شأنهم في ذلك شأن الاخرين وحداتهم البدوية بقدر م انه كان هناك امل , الا انه عندما ينسحب السلطان طومان باي المهزوم في القاهرة الي الصعيد ( الذي سبق له ان زاره مرارا عندما كان دودارا ) من اجل اعادة تهيئة قواته , فانه لن يتمكن من تجاوز جرجا : ويروي ابن زنبل انه عندما وصل امام المدينة , فان عليا امير الهوارة قد رد علي طلبه العون باعلان ولائه للسلطان سليم , وقد قوبل هذا الموقف بالمكافأة.
لقد اعترف العثماني رسميا للهواري بسلطة مباشرة وفي البداية علي الاقل فيما يبدو, دون شريك, علي مصر العليا , وقد جري تبادل للهدايا فيما بينهما , كما مع خاير بك والي مصر , او امير اليمن : وهكذا فقد عرف امير بني عمر , وفقا لتعبير ابن اياس " قوة وعظمة ورفاهية لم يعرفها من قبل قط احد من اسلافه ولا من ذويه" لقد تم قهر الدولة المملوكية وتحت امارة علي , اصبحت جرجا عاصمة الصعيد , وسوف يبني ابنه فيها المدرسة الاولي , لقد كانت جماعة حضرية مسلمة جديدة بسبيلها الي ان تولد , بما يشكل مركزا اقليميا جديد يخلف قوص .
946 -960 961-974
انحدار قوص في ظل المماليك الشراكسة
======================
عندما تنهار السلطنة المملوكية تحت ضربات العثمانيين , يحسم من ثم مصير قوص , ان مهمتها كعاصمة اقليمية قد انتهت بشكل حاسم ونهائي , وذلك هو نتيجة التطور الذي تواصل علي مدار مجمل العصر الشركسي , ومن الصعوبة بمكان اعادة تركيب تاريخ انحدار حضري. اننا لا نجد اثرا له الا بشكل نادر في الحوليات خاصة عندما لا يدور الحديث عن مقر لسلطة سياسية . وتصلح احداث معينه لان تشكل معالم , وما عدا ذلك انما ينبثق من التطور العام للكيان الاقليمي ومن الاهمية المتزايدة التي يتخذها فيه المركز الجديد قبل ان يحل محل المركز السابق : وهذا هو ما حاولنا عمله هنا .
في اواخر عصر المماليك البحرية , بدا ان هذا المركز الاقليمي الجديد سوف يكون اسيوط , وهو ما كان سيحدث دون مراء لو لم تبد سلطة الدولة شيئا فشيئا عاجزة عن فرض نظامها علي القبائل التي سمح لها بالاستقرار هناك , وسوف يستأنف نمو اسيوط المتواصل مسيرته في القرن التاسع عشر عند استعادة هذه السلطة. اما في ذلك الزمن فان الهجرة المتتالية لللعناصر البدوية قد انتهت بأن اضفت علي ممارسة السلطة السلطانية في اقليم من مصر هذه المعرفة منذ زمن بعيد بضعف قبائلها , المظهر الذي اكتسبته في سوريا المماليك البحرية حيث تهيمن الجماعات العربية علي العكس من ذلك بحكم كفاحيتها وحفاظها علي تقاليدها . وشيئا فشيئا , جعل هؤلاء البدو من الصعب بشكل مطرد تحصيل ايرادات الاقطاعات من جانب اولئك المستفيدين منها , ثم حلوا محلهم في استغلال عمل الفلاح وفي ادارته , ومن هذه الروابط غير المباشرة مع الارض والتي تعجل بالاستقرار الاخذ في الحدوث, ومن مكاسب التجارة مع بلاد السود , يولد المركز الاقليمي الجديد في جرجا : وبقدر نموه تنحدر قوص .
ونحو اواخر القرن الثامن / الرابع عشر , كان ولاة قوص واخميم يديرون كيان الجنوب الاوسع , وقد امتدت سلطتهم الي الشمال في ذات الوقت الذي تحرك فيه مركز الصعيد الاعلي نحو المجال الجديد لمفرق الطرق الذي تنتهي عنده دروب السودان والذي تخرج منه دروب القصير . ولم يكن الجنوب الاقصي مهما بالفعل بعد , وهشاشة اسوان تنبئ بضياعها منذ عام 787 / 1385 عندما جاء واليها الي قوص بحثا عن ملاذ : ان العاصمة الفاطمية القديمة لا تزال المدينة الكبري لجنوب خامل هجرته تجارة التوابل لكنه يكتشف شيئا فشيئا الامكانيات التي تتيحها الدروب الافريقيه , ثم تجئ الازمة الرهيبه لمستهل القرن التاسع / الخامس عشر . ص 341
صعيد البدو
ص 350
......لقد اعترف السلطان العثماني رسميا في البداية بحكم الصعيد علي مدار قرن لبني عمر , ولكن مثلما حدث بالفعل خلال الفترة السابقة , يبدو ان العائلة السائدة لم تتمكن من تجنب الانقسامات في صفوفها, وبعد فترتي الامارة الطويلتين لمحمد بن علي 946/960 (1539-1552) ولمحمد بن داود 961 – 974 (1553-1566) اللذين خلفا ابيهما.
يبدو ان ازمة قد نشبت في ثمانينات القرن العاشر / سبيعينات القرن السادس عشر مما ادي ال عدة تدخلات عسكرية عثمانية في عام 981 /1573 - 1574 اولا – ثم في عام 984 /1576 , ربما كان هدفها الاولي هو تدعيم مرشح رسمي محل خلاف في جرجا وهو ما لم يكن جديدا , لكنها قد تلتها اقامة دائمة من جانب قوة عثمانية تحت قيادة احد السناجق وبعد وقت كفل فيه امراء بني عمر والسناجق السلطة في جرجا بشكل مشترك , وهو ما يصفه وصفا جد ممتاز رحالة بندقي في عام 1589 , لا بد ان السناجق قد اخذوا شيئا فشيئا يتولون وحدهم حكم الاقليم , وفي عامي 1015 – 1016 / 1606 – 1607 فان واحدا من بني عمر هو الامير عيسي يصعد مرة اخري الي امارة الصعيد وتلك هي المرة الاخيرة واعتبارا من عام 1019 /1610 الي ما بعد ذلك حل محل السناجق بكوات في جرجا واخذ هؤلاء يتعاقبون علي الحكم دون انقطاع تقريبا
وتبدو الطاقات البدوية انذاك محتواة من جانب سلطة البكوات الذين تهيمن قوتهم علي الحياة السياسية علي مدار نصف قرن في الصعيد كما في القاهرة , وهم يتولون احيانا علي مدار عدة اعوام حكم ولاية جرجا , تاركين في الذاكرة اسمائهم او بناياتهم : سلمان جمبلاط 1024-1027- 1615- 1618 الذي يعتبره فانسليب مخطئا اول بك لجرجا – ويوسف بك 1027 – 1037 = 1618-1627 الذي تدين له جرجا بمسجد – وعلي بك ومحمد بك الفقاري اللذان كانت تدخلاتهما في صراعات الفصائل المملوكية في العاصمة معروفه حتي للرحالة الغربيين , ويتم تنصيب الادارة العثمانية في الصعيد الاعلي ويجري تقسيم البلد الي كشفيليكات .
و..............وهذا الانقسام في عالم القبائل كما نعرف ليس جديدا , والهدف من تولية احد البكوات حكم الصعيد هو في المحل الاول السعي الي تحويل جرجا الي موقع امن متحرر من ضغط الهوارة وقادر عند الحاجه علي دعم سلطة الكشاف في البلد
وهذا يعني ايضا ان الهوارة المحرومين من عاصمتهم التقليدية انما يضطرون منذ ذلك الحين الي اتخاذ مراكذ اخري للتجمع خاصة شمال ولاية قوص السابقه . اقليم فرشوط وهو الذي امتد اليه نفوذهم منذ القرن الخامس عشر . ونجد هناك بالفعل – بني همام ابن سيبيك جد الشيخ همام في عام 1019 = 1610- 1611 - ربما هو الذي يكون قد اسهم باستثارته لانتفاضة بدوية , في ايجاد تنظيم اكثر صرامة لحكم جرجا من جانب السلطة العثمانية , وهذه العائلة الهوارية ليست جد قوية بعد , ولا مراء في انها تخضع لمراقبة صارمة , ولا بد ان - همام - قد ترك عند موته ابنا صغير العمر , وقد اعدم في القاهرة في عام 1087 /1677.
لكن بني همام ليسوا البدو الوحيدين في هذا الاقليم , ان جماعة اولا يحي في مواجهة جرجا علي الضفة الشرقيه توفر ملاذا لمعارضين من القاهرة يجيئون للجوء عندها . بل ان امراء اخميم كانوا من البربر من حيث اصولهم وهم ساعتها الذين يبدو انهم كانوا يتمتعون بالنفوذ الاكبر في هذا التمزق للقوة البدوية
.................. ومنذ بداية القرن , فان بني همام كانو تحت قيادة الحاج احمد وابنه يوسف الا انه سرعان ما تظهر شخصية الشيخ همام , ومشكلة امراء فرشوط تتمثل علي ما يحتمل في توحيد الصعيد الاعلي حيث لا يتعتبر بنو همام وحيدين .وفي برديس يجري تنصيب امير بدوي اخر معاد لهم وهو , وهذا من المفارقات يسيطر علي مجمل الضفة الشرقيه للنيل بين قنا واسنا ومن ثم فان قوص تجد نفسها من جديد وسط ارض عاصمة ثانية الامير بدوي – وفي الجوار يخيم الباليون وعلي الضفة الغربية فان سيادة بني همام تعد مفروضه علي السكان المعادين الذين يحتفظون بسهل التماثيل الضخمة ومقابر طيبه وهم – قصاص سليم – واعتبارا من اسنا التي تنتمي اليهم فان الهوارة يتعين عليهم ان يفرضوا انفسهم بالقوة علي العبابدة ورثة بني هلال .الذين يزعمون الانتساب اليهم والاقوياء علي دروب صحراء البحر الاحمر.
وبعد وقت قصير من عام 1740 يتوصل بنو همام الي التخلص من امراء برديس وقبل وقت قصير من منتصف القرن تتلاشي السلالة التي تهيمن علي اخميم - وهكذا يختفي
كتاب ازدهار وانهيار حضارة مصرية - قوص
تأليف – جان كلود كارسان
ترجمة – بشير السباعي
صفحة 331 - بنو عمر بن عبد العزيز
كان شمال الصعيد الاعلي خاضعا بدرجة اكبر للوصاية السلطانية وما كان يمكن ان يدور حديث عن تراخ هذا الجزء من الوادي
لكن سلطة الهوارة لم تكن مع ذلك اقل رسوخا في جرجا , وهي سلطة اكثر خطورة بقدر ما انها قد تأسست علي فلاحة واستثمار الأرض . وربما كذلك بالفعل علي تجارة العبيد وكان بوسعها السماح لنفسها بان تفرض نفسها سلميا , ولا يحدد المقريزي تاريخ موت الثري محمد بن عمر بن عبد العزيز - الذي خلفه أخوه ----- يوسف ----- علي رأس هوارة جرجا . وبعد
القمع الذي شهدنه أعوام 820 – 822 / 1417 – 1419 , ترمز سلطنة برسباي الي فرض رقابة صارمة علي أمراء جرجا , ويروي العيني كيف ان الوزير والاستدار السلطاني قد اخذ معه في شعبان 834 / ابريل 1431 إلي القاهرة --- إسماعيل بن يوسف الذي لا شك في انه مات لتوه, لكي يحصل علي التقليد السلطاني, وقد تم إلقاء القبض عليه بناء علي شكوى من الكاشف وجري إحلال أخيه ---- موسي --- محله , وفيما بعد , بما إن هذا المرشح الجديد لم يكن مريحا جدا للسلطان دون شك , جري اقتياد موسي بدوره عن طريق الغدر إلي القاهرة وحبسه وإحلال أخر محله هو واحد من بني عمومته من إل عمران بما كان رهن احتجاز السلطة له آنذاك في العاصمة, إلا انه منذ شوال 834 / يونيو 1431 , كان وفد مؤلف من عدد من الفقراء وثلاثة من المشايخ المبجلين في الإقليم قد تدخل لدي برسباي وتوصل إلي الإفراج عن ------ اسماعيل بن يوسف ---- بينما اصطدم مرشح السلطة في الساحة بمعارضة الهوارة , الذين وصل بهم الأمر الي حد إحراق المحاصيل وإعلان التمرد . وتشتد قوة الضغط البدوي نحو أواخر سلطنة برسباي ويتعين علي السلطة التدخل في كل مكان , أكان ذلك من اجل منع عرب البحيرة من التحرك إلي الصعيد أم من اجل حماية طرق الحج من باليي الحجاز .
888/1483
ما ان فترة انعدام اليقين وانتشار القلاقل والتي فصلت موت برسباي عن صعود جقمق الي السلطة (ذو القعدة 841 – ربيع الاول 842 / مايو – اغسطس 1438 تتطابق دون شك مع تمرد من جانب هوارة الصعيد ضد الامير الذي فرض عليهم , وقد جري ارسال قوة حملة اولي ثم قوة حملة ثانية تحت قيادة امير سلاح : وقد جرت مطاردة الهوارة حتي اسنا , ثم عاد الجيش الي الشمال, وعندئذ يتدخل وفد من مسلمي هو الورعين لانقاذ اولئك الذين لم يهربوا من العقاب , وقد قبل امير السلاح الوفاق مؤقتا لان قوة الحملة كانت علي وشك التمرد لحساب ابن برسباي الذي كان قد هرب من سجنه في القاهرة الا انه عندما يزول خطر نشوب تمرد من جانب المماليك , يجري استنناف الحملة ضد الهوارة: وقد لحقت بهم الهزيمة قرب ابي تيج وجري قطع رؤوس ستة من اعيانهم , ويستمر التمرد بعد رحيل امير السلاح : ومن الواضح ان عمران الذي كان برسباي قد نصبه في الامارة في عام 839 /1431 لم يستطع البقاء بعد هذا العمل الغادر من جانب امير السلاح ويجري قتله . ويتعين من جديد ارسال قوة حملة . ويبدو ان محرك المقاومة هو اسماعيل بن يوسف بن عمر الذي كان وفد من الفقراء قد توصل الي الافراج عنه من سجون برسباي . والحال ان السخاوي الذي كرس له اشارة بيوجرافيه يقول عنه انه كان معروفا بانه من اهل الخير والمسلك الذي لا مؤاخذه عليه . لكن السلطان لم يكن يحبه . ومن الواضح انه كان يمثل مصدر خوف اكبر بالنسبة لجقمق الورع الذي كانت اخلاقه تتمتع بقدر كبير من الاحترام وقد حاول جقمق ان يفرض علي الهوارة احد احفاد اسماعيل بن مازن لكي يتخلص من بني عمر, وقد منيت هذه المحاولة بفشل جديد . وفي صفر 844 / يوليو 1440 اضطر جقمق الي التصالح مع فكرة عرض الامارة علي عيسي , اخ اسماعيل الذي , من جهته كان قد جري الافراج عنه من سجنه الذي كان قد حبس فيه من جديد , وكان علي بني عمر ان يسلموا الي السلطان مبلغ سبعين الف دينار , يدفع منها اربعون الف دينار فورا : والواقع انهم هم الذين فازوا وشهدوا الاعتراف بوضعهم . وفي اقليم جرجا, تصبح الحياة من جديد عادية بالرغم من ان اسماعيل ريما يكون قد احتاج الي عدة سنوات حتي يقبل تنحيته عن الامارة . فقد توصل الي الصلح مع جقمق في عام 850 / 1447 وهذه العودة الي الهدوء التدريجي هي التي تسمح بالحملة ضد الكنوز.
لقد دامت الازمة عامين كاملين وكانت عنيفه , وقد خرجت سلطة بني عمر منها معززة. ومما لا مراء فيه ان السلطان يجد الان تحت تصرفه قوة تدخل اقليمية, ففي عام 852 /1448 قاتل العدو القديم ---- اسماعيل بن يوسف ---- الي جانب المماليك السلطانية ضد بدو المتمردين , لكن بني عمر قد انتزعوا من ذلك هيبه متزايدة, ان عيسي بن يوسف شأنه في ذلك شأن اخيه اسماعيل قد اعتبر وليا مشهورا باحساناته ومتضلعا علاوة ذلك في معرفة الفقه المالكي , وسوف يموت في عام 863 /1459 لدي عودته من الحج , ومع واحد من بني عمر هؤلاء تحالفت عائلة قاضي سمهود , وهكذا فنحو منتصف القرن التاسع / الخامس عشر, لم يعد بنو عمر في جرجا واحدة من عائلات البربر تلك الموجودة كمجرد مرتكز سلطاني في اقليم استراتجي, ولا حتي مجرد سادة بدو كبار تحقق لهم النجاح , لقد اصبحوا السادة الشرعيين لجرجا , وهم متحالفون مع السلطة دون شك , ولكن بقدر احترامها لحقوقهم , وهم متحالفون ايضا مع النخبه المسلمة في الاقليم والتي تتولي الدفاع عنهم , ان دعت الحاجة الي ذلك , ونفوذهم المعنوي , ان لم يكن مصالحهم ايضا , يمتد علي الاقل حتي سمهود وهو , أي علي الجزء الاكثر حيوية في ولاية قوص .
الامير يشبك بن مهدي ومراسيم قوص
====================
اذا كان بنو عمر قد عززوا انغراسهم الاقليمي , فانهم لم يكونوا اقل حفاظا علي تقاليدهم البدوية , لقد كان الاستقرار حديث العهد تماما يحيث يتعذر الا يعرفوا تلك الازمات التي تهز عادة العائلات البدوية الكبري عندما تفرض ممارسة المسؤليات الاقليمية توحيدا للسلطة . ففي ربيع الثاني 863 / 1459 عين السلطان الملك الاشرف اينال في الامارة سليمان ابن عيسي بن يوسف ( بن عمر بن عبد العزيز الهواري) الذي مات لتوه , وعندئذ طلب جزء من الهوارة ان تعود السلطة الي ذرية اسماعيل بن يوسف , المعارض القديم لسلطة القاهرة , وقد استجاب السلطان لطلبهم وحل احمد بن اسماعيل بن يوسف محل ابن عمه , وسوف يترتب علي ذلك قلاقل علي مدار عدة سنوات لان الامير المخلوع لم يقبل قدره , وسوف تصبح هذه القلاقل اكثر خطورة نحو عامي 868- 869 / 1463 -1465 حيث تجتمع علي ما يبدوا مع تجدد للتوتر القبلي حيث يبدو ان التعارض اليمني-القيسي القديم المميز لقبائل الجنوب في عصر المماليك البحرية قد حل محله تناحر بين العرب والهوارة, ولا شك في ان السلطة السلطانية تشعر انذاك بان عليها وبوسعها التدخل, وفي ربيع الاول 871 / اكتوبر 1466 يرد قرار صادر عن السلطان خشقدم لحساب الامير يشبك بن مهدي الذي كان قد عين قبل ذلك بشهرين كاشفا للبهنسا, وهي وظيفة كانت وظيفة الكاشف الاكبر للجنوب وفقا لابن تغري بردي بينما يجعلها السخاوي مخطئنا كما سوف نري وظيفة "نائب الجنوب باسره حتي اسوان بعد ان كانت هذه النيابه قد جري التخلي عنها لوقت ما وايا ما كان الامر فان ما حدث انما يعني الاعتراف مرة اخري بان تبعثر السلطة ليس ملائما للسيطرة علي القبائل في الايام الصعبة.
وكان الامير يشبك بن مهدي قد وصل بالفعل الي الجنوب , ذلك ان اينال كان قد نفاه الي قوص – ويبدو ان الرجل كان وافر الهمة والقسوة في ان واحد , باكثر مما كان ضروريا لتهدئة البلد. كما يبدوا انه كان حريصا علي تخليص ممثلي السلطة السلطانية من أي موقف يمكن اعتباره اعترافا وتسليما بالواقع القبلي في الصعيد . ومن ثم فان مهمته تخص مصر العليا كلها , وفي الصعيد الاعلي , لم يكن بوسعة الا يصطدم بسلطة الهوارة , فبعد وقت قصير من تعيينه , وبينما كان لم يصطدم حتي ذلك الحين الا بجماعات قبلية اخري , من المحتمل انها تنتمي الي ال جذام , تعرض للهجوم امام جرجا من جانب يونس بن اسماعيل بن يوسف , اخ امير الهواره , والذي يصوره السخاوي علي انه رجل قادر وشجاع وان كان صارما لسوء الحظ بشان التراث العائلي الورع . والحال ان يشبك الذي يصاب بجراح يتسني انقاذه ثم يثأر لنفسه . وتلحق الهزيمة بالهوارة . وبعد ذلك وبذكاء شديد يأمر بان يعين في الامارة من جديد سليمان بن عيسي بن يوسف , المرشح السلطاني القديم , محل ابن عمه , والحال ان هذا الاجراء الحاذق سوف يكفل لسلطة القاهرة تعاون جزء من الهوارة خلال الازمة التالية . ولا يمكن ان نفسر لانفسنا بشكل اخر عدم ميل الهوارة الي الاستفادة من الوضع خلال اعوام 872 و 873و874 / 1467و1470 االرهيبة , حيث دفعت المجاعة والطاعون والقلاقل السياسية والهزائم العسكرية في اسيا الصغري ابن الصيرفي الي القول بانه لم ير شيئا اسوأ من ذلك قط في حياته والشئ الاحسن بكثير هو انه بينما استعان يشبك بوحدات بدوية كان قد استخدمها في الجنوب , من اجل مساعدة قريبه قايتباي علي الصعود الي السلطة . مما سيعود عليه بمنصب الدودار , فان امير جرجا كما رأينا سوف يستفيد من المجاعة السائدة في القاهرة في عام 873 / 1468-1469 لكي يحصل علي فوائد رائعة من بيع قمحه, وفي المقابل فان المجاعات اليمنية التي يبدو انها كانت لا تملك الحكمة التي يملكها الهوارة قد تعرضت لمحنه رهيبة , ان بني هلبه من ال جذام في عام 873 / 1468 وبني عدي من ال لخم في عام 874 / 1469 سوف يكونون ضحايا لحملات قمعية فظيعه قادها الامير الدودار من القاهرة .
علي ان الوضع في جرجا لم يكن سليما , ان الامير المخلوع احمد ابن اسماعيل بن يوسف واخاه يونس يواصلان معارضة ابن عمهما سليمان الذي نصبه يشبك بشكل جد سافر , وربما تحت ضغط منهما , يهرب سليمان بدوره , في عام 879 / 1474 – 1475 وقد حل محله اخوه احمد بن عيسي بن يوسف وسوف ينهي حياته في سجون القلعة , ووفقا للسخاوي , فان احمد قد افضل منه أي اكثر خضوعا , لكن ابناء اسماعيل بن يوسف كانوا في تمرد سافر , وفي صفر 881 / مايو 1476 تمني بالفشل حملة قادها يشبك ضدهم ويبدوا انه قد نشأت عن هذا الواقع المحلي انتفاضة للقبائل : وفي محرم 882 / ابريل 1477 يتم الرجوع الي القاهرة برأس امير العرك , الا انه يصل الي الاسماع ايضا ان احمد امير بني عمر قد لاذ بالهرب وسوف يموت بعد ذلك بوقت قصير , وقد استخلص قايتباي درس المغامرة , فبما ان المرشح السلطاني لم يتمكن من ترسيخ قدميه فقد جري تعيين الامير يشبك بن مهدي اميرا للهوارة ونو يتحركك صوب الجنوب لمطاردة المتمردين وقد وصل به السير حتي النوبه : وفي ربيع الثاني 883 / يوليو 1478 يصل الي القاهرة نبأ مفاده ان يونس بن اسماعيل قد قتل والحال ان اخاه احمد الذي وقع في الاسر سوف يجري اعدامه مع سبعة من المقربين اليه في الشهر التالي , اما م باب زويلة , لقد اصبحت الكلمة الاخيرة للسلطة السلطانية , وكان قايتباي في اوج حكمه .
ومن ثم فقد جرت استعادة السلطة السلطانية قدر الامكان في الجنوب في اثر تمرد اخرق من جانب القبائل في فترة سمح فيها الوضع السياسي المؤاتي لللامبراطورية المملوكية بتدخل سريع من القاهرة , والي 17 ربيع الثاني 883 / 18 يوليو 1478 يرجع تاريخ احد مر اسيم يشبك وهو مرسوم منقوش علي الحجر ومثبت علي جدار مسجد قوص الكبير. اما تاريخ المرسوم الاخر فمن الصعب تمييزه , لكنه علي ما يحتمل قريب من تاريخ المرسوم السابق , ان لم يكن مطابقا له , ومع هذا الوضع ايضا يتطابق بيان الاقطاعات الذي قدمه ااب الجيعان , ان احد نقوش قوص يشير الي سجل المساحة لعام 882 /1477 : ومما لا مراء فيه ان هذا السجل هو السجل الذي عرفه ابن الجيعان لان اقطاع جرجا فيه موجود باسم يشبك من مهدي , بعد ان كان باسم "العربان" وهو ما يعد طبيعيا لان يشبك كان قد عين اميرا للهوارة. والحال ان دراسة نص مرسومي قوص , او ما بقي منهما , علي ضوء بيان الاقطاعات الذي قدمه ابن الجيعان , انما تكشف عن امور كثيرة , ففي احداهما , يحمل يشبك لقبا مفاجئا , هو لقب " صاحب اقطاع كشف الجنوب" والواقع ان هذا اللقب انما يعبر بدقةعن المهمة التي عهد بها الي الامير, ومن ثم فان الوظيفة التي كانت قد انتهت الي الاهمال واعييدت لحساب يشبك لم تكن وظيفه نائب السلطنة بل وظيفة الكشف السابقة , والحال ان سجل المساحة يعرف الموارد المخصصة لانجاز مهام هذه الوظيفه: انها تجئ في غالبيتها من ولاية قوص .
ويبدو من ثم ان حفظ النظام المملوكي في الجنوب قد جري النظر اليه من جديد علي انه يجب ان يتحقق , ليس بفضل دعم القبائل المخلصه الي هذا الحد او ذاك في اقليم منفلوط او جرجا , وانما استنادا الي الصعيد الاعلي الذي يجب استخدام موارده بالدرجة الاولي من جانب امراء المماليك, ومن جهة اخري ( وهذا هو التتمه المنطقيه لما سبق وللعودة الي تحصيل ايراد الاقطاعات التي يشهد عليها سجل المساحه لعام 882 / 1477 ) فانه اذا كان يعهد بهذه الاستعادة الجديدة لزمام امور الجنوب كما حدث في السابق الي امير الكشف , فان وجوده في الاقليم ليس دائما مع ذلك ومن الواضح ان السلطات الاقليمية تحتفظ بدورها .
ان احد المراسيم موجه الي كشاف وولاة الجنوب وهو ما يعني انه اذا كان والي قوص لا يظهر في سجل المساحة لعام 882 / 1477 وهو ما يرجع دون مراء الي اسباب تتصل بترتيبات تمويليه لانه يحصل علي مخصصاته من يشبك , فانه موجود مع ذلك: ونحن نعرف اسم الوالي الذي شغل المنصب في عام 885 /1480 .
وبالرغم من الظاهر , فان مهمة االامير يشبك التي اختص بها قبل تعيينه ايضا في منصب الدوادار الاكبر والاستادار الاكبر, هي مهمة جد مختلفه عن مهمة الاستادارات في بداية القرن : فهي تعيد تنظيم النظام المملوكي في الاقليم انطلاقا من الاقليم نفسه , مثبته الكوادر المحلية في وظائفها , ويهدف احد المرسومين بشكل محدد الي ان يكفل لرجال القضاء ولجميع اولئك الذين يحصلون علي معاش من الادارة المملوكية ان ذلك المعاش لن يلغي ولن يجري تخفيضه منذ ذلك الحين فصاعدا : ويعد هذا اجراء من شأنه ان يكون مواتيا لبقاء الوسط الحضري المرتبط من جهة اخري بحفظ الاطار الاميري لللاقليم .
ومن ثم فان السياسة المتبعة في الصعيد الا علي انما تشكل كلا متامسكا: فهي محاولة للعودة الي الايام الجميلة للتراث المملوكي , في فترة سعيدة بشكل خاص هي فترة سلطنة قايتباي , وفي هذا الكل المتماسك, لو كان قد كتب له ان يتحقق كانت قوص ستظل مدينة جديرة بهذا الاسم : ان مصيرها يبدو مرتبطا مرة اخري بمصير النظام السلطاني, اما نمو جرجا الناشئ عن السلطة البدوية فكان من شأنه ان يكون مهددا . ولكن الا تعتبر تلك المحاولة محاولة تسير عكس اتجاه الزمن لانها لا تأخذ في الحسبان التطور الذي تم السماح بحدوثه وخراب البلد ؟ ان الموارد غير متوافره من اجل انجاز مثل هذا البرنامج , وقد قلنا ان تركيز الاقطاعات بين يدي الامير يشبك انما يترجم في سجل المساحة هذا العوز , ولو كان قد جري توزيع الاقطاعات , لما تسني تقدير الايرادات , وقد قتل الامير يشبك فجأة علي الحدود بين سوريا وبلاد الرافدين في عام 885 /1480 , وسوف تبرز اخطار اخري , تختزل الي العدم جهود استعادة النظام المملوكي في الجنوب .
انتهاء السلطنة المملوكية وصعود سلطة بدوية في جرجا
=============================
ان هذه المحاولة التي بذلت لاستعادة السلطة التامة للدولة المملوكية علي اقليم كان تدفق القبائل اليه قد جعلها شيئا فشيئا متزايدة الهشاشه , يبدوا تماما انها كانت بشكل خاص من صنع الامير يشبك , احد الامراء المماليك الكبار الاخرين الذي كان علي دراية فعلية بالجنوب . وبعد موته , تجري العودة الي التنظيم الذي عرفه زمن برسباي .
فقد جري اختيار امير جديد للهوارة في شخص – محمد بن يونس بن اسماعيل وهو ابن المتمرد الذي كان يشبك قد الحق به الهزيمة , الامر الذي يعتبر دليلا علي نوايا السلطة التصالحية, وقد جري بعد ذلك احلال – داود بن سليمان بن عيسي , وهو ابن عم له محله , في عام 888 / 1483 , وكان -- داود شخصية محترمة وقد اشار السخاوي الي حجه الي الحجاز في عام 893 /1488 وهو الذي كان "الشريف السمهودي " قريبه يدير الاوقاف المخصصة لفقراء الاماكن المقدسه : وكانت سلالة عيسي بن يوسف بن عمر اكثر خضوعا دائما لسلطة القاهرة من سللالة اخيه اسماعيل , ومن الواضح اننا بازاء عودة الي الممارسة السابقة , وهي الممارسة الممكنة الوحيدة دون شك , لابقاء البلد في وضع الطاعة من خلال الاستناد علي قبيلة ضد اخري وعلي سلالة ضد سلالة منافسة لها , ومع هؤلاء الامراء البدو كان علي السلطات الاقليمية ان تقتسم سلطتها : كاشف اسيوط وكاشف منفلوط ودون شك ايضا ولاة قوص بالرغم من اننا لا نجد بعد أي اسم لوال للمدينة بعد 885 / 1480 . اخر 337
قطعت راسه توليه - 888 هجرية
بعد ذلك بعامين حجه - 893/1488
من جانب طومان باي شنقه - 902 / 1497 في منفلوط بامر الدودار اقبردي 904
علي ان هذه العودة الي الوضع الذي كان قائما في السابق لا تكفي من جهة اخري لتاكيد سيادة السلم والامن , وبالرغم من فقر المعلومات حول الجنوب , والذي يميز هذه الازمنة الاخيرة للعصر الشركسي حيث " يبتعد" الصعيد بشكل متزايد عن القاهرة , فاننا ننعرف ان الاقليم قد هزته ازمتان بدويتان جسيمتان علي الاقل :
اولا- نحو عام 890 – 891 / 1485 - 1486 خلال التهديد العثماني الاول حيث يبدو انه قد نشأت حركة معادية للمرشح السلطاني عند الهوارة , بالاتصال مع تمرد جديد من جانب الباليين – الاحمديين : ولا بد ان قوص قد تعرضت لتهديد مباشر وكان القمع الذي قاده الدودار - اقبردي - ضد الاحمديين عنيفا لا يرحم .
ثم في الاعوام الاولي للقرن العاشر / 1496 – 1503 , بعد موت قايتباي وامساك الغوري بزمام الدولة : ففي عام 902 /1497 جري شنق – داود بن سليمان نفسه في منفلوط بامر الدودار اقبردي , والحال ان اخاه الذي خلفه في الامارة قد قطعت رأسه بعد ذلك بعامين من جانب الدودار طومان باي , وعندما وصل الغوري الي السلطه , كان البدو , اذا ما صدقنا ابن اياس , علي وشك ان يصبحوا سادة البلد , ونحن لا نعرف باي شكل تمت العودة الي الهدوء والسكينة .
ومن الؤكد ان الدولة المملوكية تسيطر علي مصر بشكل اقل رسوخا بصورة مطردة وحدوث ازمة في القاهرة يعد مناسبة لنشوب تمرد في الجنوب . والحال ان هذا العجز عن السيطرة علي الاقليم انما يعني صعوبة متزايدة في الحصول منه علي ايراد الاقطاعات , في حين ان الاوبئة تواصل اختزال القدرة الانتاجية للبلد بينما تظهر اعباء جديدة تفرضها اخطار جديدة .
فخلال السنوات العشر الاخيرة لسلطنة قايتباي , نجد ان العثمانين هم الذين وضع ضغطهم حدا للاصلاح الذي جري الاضطلاع به , ثم, في ظل الغوري , نجد برتغاليي المحيط الهندي الذين يطالون النظام في قاعدته المالية,الاحتكارات , ثم نجد العثمانين من جديد ¸.
ويبدو ان ذلك يؤدي الي عودة الي ممارسات الحملا ت الكبري القمعية والضريبية في ان واحد في مستهل القرن , والتي يتولاها , هذه المرة – الدودارات - والحال ان واحدة منها علي الاقل قادها طومان باي , الذي سوف يصبح المللك الاشرف فيما بعد , والذي كان ساعتها دودارا, تصل الي قوص في عام 918 /1512 وبهذه الممارسات يقاس فشل الشراكسة .
وفي المقابل , في جرجا , احتفظ - بنوعمر بسلطتهم, ربما بعد فترة ازمة ((: ففي عام 916 / 1510 يشار الي امير للهورة , وذلك لاول مرة منذ عام 904 /1499 وهو امير لم نتمكن من تحديد صلة نسب له بالامراء السابقين ,)) الا ان من المؤكد انه واحد من بني عمر ( اذ لم يكن من الممكن للامر ان يكون غير ذلك .)) ومنذ عام 898 / 1493 ينسب ابن اياس الي الامير داود لقب امير الجنوب .
ومما لا مراء فيه ان هذه التسمية مغلوطه تاريخيا , ولكن بالكاد وخلال الهجوم العثماني , سوف يرسل الهوارة شأنهم في ذلك شأن الاخرين وحداتهم البدوية بقدر م انه كان هناك امل , الا انه عندما ينسحب السلطان طومان باي المهزوم في القاهرة الي الصعيد ( الذي سبق له ان زاره مرارا عندما كان دودارا ) من اجل اعادة تهيئة قواته , فانه لن يتمكن من تجاوز جرجا : ويروي ابن زنبل انه عندما وصل امام المدينة , فان عليا امير الهوارة قد رد علي طلبه العون باعلان ولائه للسلطان سليم , وقد قوبل هذا الموقف بالمكافأة.
لقد اعترف العثماني رسميا للهواري بسلطة مباشرة وفي البداية علي الاقل فيما يبدو, دون شريك, علي مصر العليا , وقد جري تبادل للهدايا فيما بينهما , كما مع خاير بك والي مصر , او امير اليمن : وهكذا فقد عرف امير بني عمر , وفقا لتعبير ابن اياس " قوة وعظمة ورفاهية لم يعرفها من قبل قط احد من اسلافه ولا من ذويه" لقد تم قهر الدولة المملوكية وتحت امارة علي , اصبحت جرجا عاصمة الصعيد , وسوف يبني ابنه فيها المدرسة الاولي , لقد كانت جماعة حضرية مسلمة جديدة بسبيلها الي ان تولد , بما يشكل مركزا اقليميا جديد يخلف قوص .
946 -960 961-974
انحدار قوص في ظل المماليك الشراكسة
======================
عندما تنهار السلطنة المملوكية تحت ضربات العثمانيين , يحسم من ثم مصير قوص , ان مهمتها كعاصمة اقليمية قد انتهت بشكل حاسم ونهائي , وذلك هو نتيجة التطور الذي تواصل علي مدار مجمل العصر الشركسي , ومن الصعوبة بمكان اعادة تركيب تاريخ انحدار حضري. اننا لا نجد اثرا له الا بشكل نادر في الحوليات خاصة عندما لا يدور الحديث عن مقر لسلطة سياسية . وتصلح احداث معينه لان تشكل معالم , وما عدا ذلك انما ينبثق من التطور العام للكيان الاقليمي ومن الاهمية المتزايدة التي يتخذها فيه المركز الجديد قبل ان يحل محل المركز السابق : وهذا هو ما حاولنا عمله هنا .
في اواخر عصر المماليك البحرية , بدا ان هذا المركز الاقليمي الجديد سوف يكون اسيوط , وهو ما كان سيحدث دون مراء لو لم تبد سلطة الدولة شيئا فشيئا عاجزة عن فرض نظامها علي القبائل التي سمح لها بالاستقرار هناك , وسوف يستأنف نمو اسيوط المتواصل مسيرته في القرن التاسع عشر عند استعادة هذه السلطة. اما في ذلك الزمن فان الهجرة المتتالية لللعناصر البدوية قد انتهت بأن اضفت علي ممارسة السلطة السلطانية في اقليم من مصر هذه المعرفة منذ زمن بعيد بضعف قبائلها , المظهر الذي اكتسبته في سوريا المماليك البحرية حيث تهيمن الجماعات العربية علي العكس من ذلك بحكم كفاحيتها وحفاظها علي تقاليدها . وشيئا فشيئا , جعل هؤلاء البدو من الصعب بشكل مطرد تحصيل ايرادات الاقطاعات من جانب اولئك المستفيدين منها , ثم حلوا محلهم في استغلال عمل الفلاح وفي ادارته , ومن هذه الروابط غير المباشرة مع الارض والتي تعجل بالاستقرار الاخذ في الحدوث, ومن مكاسب التجارة مع بلاد السود , يولد المركز الاقليمي الجديد في جرجا : وبقدر نموه تنحدر قوص .
ونحو اواخر القرن الثامن / الرابع عشر , كان ولاة قوص واخميم يديرون كيان الجنوب الاوسع , وقد امتدت سلطتهم الي الشمال في ذات الوقت الذي تحرك فيه مركز الصعيد الاعلي نحو المجال الجديد لمفرق الطرق الذي تنتهي عنده دروب السودان والذي تخرج منه دروب القصير . ولم يكن الجنوب الاقصي مهما بالفعل بعد , وهشاشة اسوان تنبئ بضياعها منذ عام 787 / 1385 عندما جاء واليها الي قوص بحثا عن ملاذ : ان العاصمة الفاطمية القديمة لا تزال المدينة الكبري لجنوب خامل هجرته تجارة التوابل لكنه يكتشف شيئا فشيئا الامكانيات التي تتيحها الدروب الافريقيه , ثم تجئ الازمة الرهيبه لمستهل القرن التاسع / الخامس عشر . ص 341
صعيد البدو
ص 350
......لقد اعترف السلطان العثماني رسميا في البداية بحكم الصعيد علي مدار قرن لبني عمر , ولكن مثلما حدث بالفعل خلال الفترة السابقة , يبدو ان العائلة السائدة لم تتمكن من تجنب الانقسامات في صفوفها, وبعد فترتي الامارة الطويلتين لمحمد بن علي 946/960 (1539-1552) ولمحمد بن داود 961 – 974 (1553-1566) اللذين خلفا ابيهما.
يبدو ان ازمة قد نشبت في ثمانينات القرن العاشر / سبيعينات القرن السادس عشر مما ادي ال عدة تدخلات عسكرية عثمانية في عام 981 /1573 - 1574 اولا – ثم في عام 984 /1576 , ربما كان هدفها الاولي هو تدعيم مرشح رسمي محل خلاف في جرجا وهو ما لم يكن جديدا , لكنها قد تلتها اقامة دائمة من جانب قوة عثمانية تحت قيادة احد السناجق وبعد وقت كفل فيه امراء بني عمر والسناجق السلطة في جرجا بشكل مشترك , وهو ما يصفه وصفا جد ممتاز رحالة بندقي في عام 1589 , لا بد ان السناجق قد اخذوا شيئا فشيئا يتولون وحدهم حكم الاقليم , وفي عامي 1015 – 1016 / 1606 – 1607 فان واحدا من بني عمر هو الامير عيسي يصعد مرة اخري الي امارة الصعيد وتلك هي المرة الاخيرة واعتبارا من عام 1019 /1610 الي ما بعد ذلك حل محل السناجق بكوات في جرجا واخذ هؤلاء يتعاقبون علي الحكم دون انقطاع تقريبا
وتبدو الطاقات البدوية انذاك محتواة من جانب سلطة البكوات الذين تهيمن قوتهم علي الحياة السياسية علي مدار نصف قرن في الصعيد كما في القاهرة , وهم يتولون احيانا علي مدار عدة اعوام حكم ولاية جرجا , تاركين في الذاكرة اسمائهم او بناياتهم : سلمان جمبلاط 1024-1027- 1615- 1618 الذي يعتبره فانسليب مخطئا اول بك لجرجا – ويوسف بك 1027 – 1037 = 1618-1627 الذي تدين له جرجا بمسجد – وعلي بك ومحمد بك الفقاري اللذان كانت تدخلاتهما في صراعات الفصائل المملوكية في العاصمة معروفه حتي للرحالة الغربيين , ويتم تنصيب الادارة العثمانية في الصعيد الاعلي ويجري تقسيم البلد الي كشفيليكات .
و..............وهذا الانقسام في عالم القبائل كما نعرف ليس جديدا , والهدف من تولية احد البكوات حكم الصعيد هو في المحل الاول السعي الي تحويل جرجا الي موقع امن متحرر من ضغط الهوارة وقادر عند الحاجه علي دعم سلطة الكشاف في البلد
وهذا يعني ايضا ان الهوارة المحرومين من عاصمتهم التقليدية انما يضطرون منذ ذلك الحين الي اتخاذ مراكذ اخري للتجمع خاصة شمال ولاية قوص السابقه . اقليم فرشوط وهو الذي امتد اليه نفوذهم منذ القرن الخامس عشر . ونجد هناك بالفعل – بني همام ابن سيبيك جد الشيخ همام في عام 1019 = 1610- 1611 - ربما هو الذي يكون قد اسهم باستثارته لانتفاضة بدوية , في ايجاد تنظيم اكثر صرامة لحكم جرجا من جانب السلطة العثمانية , وهذه العائلة الهوارية ليست جد قوية بعد , ولا مراء في انها تخضع لمراقبة صارمة , ولا بد ان - همام - قد ترك عند موته ابنا صغير العمر , وقد اعدم في القاهرة في عام 1087 /1677.
لكن بني همام ليسوا البدو الوحيدين في هذا الاقليم , ان جماعة اولا يحي في مواجهة جرجا علي الضفة الشرقيه توفر ملاذا لمعارضين من القاهرة يجيئون للجوء عندها . بل ان امراء اخميم كانوا من البربر من حيث اصولهم وهم ساعتها الذين يبدو انهم كانوا يتمتعون بالنفوذ الاكبر في هذا التمزق للقوة البدوية
.................. ومنذ بداية القرن , فان بني همام كانو تحت قيادة الحاج احمد وابنه يوسف الا انه سرعان ما تظهر شخصية الشيخ همام , ومشكلة امراء فرشوط تتمثل علي ما يحتمل في توحيد الصعيد الاعلي حيث لا يتعتبر بنو همام وحيدين .وفي برديس يجري تنصيب امير بدوي اخر معاد لهم وهو , وهذا من المفارقات يسيطر علي مجمل الضفة الشرقيه للنيل بين قنا واسنا ومن ثم فان قوص تجد نفسها من جديد وسط ارض عاصمة ثانية الامير بدوي – وفي الجوار يخيم الباليون وعلي الضفة الغربية فان سيادة بني همام تعد مفروضه علي السكان المعادين الذين يحتفظون بسهل التماثيل الضخمة ومقابر طيبه وهم – قصاص سليم – واعتبارا من اسنا التي تنتمي اليهم فان الهوارة يتعين عليهم ان يفرضوا انفسهم بالقوة علي العبابدة ورثة بني هلال .الذين يزعمون الانتساب اليهم والاقوياء علي دروب صحراء البحر الاحمر.
وبعد وقت قصير من عام 1740 يتوصل بنو همام الي التخلص من امراء برديس وقبل وقت قصير من منتصف القرن تتلاشي السلالة التي تهيمن علي اخميم - وهكذا يختفي