وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون * ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين * فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون * قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون * وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون }
يخبر تعالى عن قدوم إخوة يوسف عليه السلام إلى الديار المصرية يمتارون طعاما وذلك بعد إتيان سني الجدب وعمومها على سائر العباد والبلاد
وكان يوسف عليه السلام إذا ذاك الحاكم في أمور الديار المصرية دينا ودنيا فلما دخلوا عليه عرفهم ولم يعرفوه لأنهم لم يخطر ببالهم ما صار إليه يوسف عليه السلام من المكانة والعظمة فلهذا عرفهم وهم له منكرون
وعند أهل الكتاب : أنهم لما قدموا عليه سجدوا له فعرفهم وأراد ألا يعرفوه فأغلظ لهم في القول وقال : أنتم جواسيس جئتم لنا لتأخذوا خير بلادي فقالوا : معاذ الله إنما جئنا نمتار لقومنا من الجهد والجوع الذي أصابنا ونحن بنو أب واحد من كنعان ونحن اثنا عشر رجلا ذهب منا واحد وصغيرنا عند أبينا فقال : لا بد أن أستعلم أمركم وعندهم : أنه حبسهم ثلاثة أيام ثم أخرجهم واحتبس شمعون عنده ليأتوه بالأخ الآخر وفي بعض هذا نظر
قال تعالى : { ولما جهزهم بجهازهم } أي أعطاهم من الميرة ما جرت به عادته من إعطاء كل إنسان حمل بعير لا يزيده عليه { قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم } وكان قد سألهم عن حالهم وكم هم ؟ فقالوا : كنا اثني عشر رجلا فذهب منا واحد وبقي شقيقه عند أبينا فقال : إذا قدمتم من العام المقبل فأتوني به معكم
{ ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين } ؟ أي قد أحسنت نزلكم وقراكم فرغبهم ليأتوه به ثم رهبهم إن لم يأتوه به فقال : { فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون } أي فلست أعطيكم ميرة ولا أقريكم بالكلية عكس ما أسدي إليهم أولا
فاجتهد في إحضاره معهم ليبل شوقه منه بالترغيب والترهيب
{ قالوا سنراود عنه أباه } أي سنجتهد في مجيئه معنا وإتيانه إليك بكل ممكن { وإنا لفاعلون } أي وإنا لقادرون على تحصيله
ثم أمر فتيانه أن يضعوا بضاعتهم وهي ما جاءوا به يتعوضون به عن الميرة في أمتعتهم من حيث لا يشعرون بها { لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون } قيل أراد أن يردوها إذا وجدوها في بلادهم وقيل خشي ألا يكون عندهم ما يرجعون به مرة ثانية وقيل تذمم أن يأخذ منهم عوضا عن الميرة
وقد اختلف المفسرون في بضاعتهم على أقوال سيأتي ذكرها وعند أهل الكتاب أنها كانت صررا من ورق وما أشبه والله أعلم
* * *
{ فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون * قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين * ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير * قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال : الله على ما تقول وكيل * وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون * ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون }
يذكر تعالى ما كان من أمرهم بعد رجوعهم إلى أبيهم وقولهم له : { منع منا الكيل } أي بعد عامنا هذا إن لم ترسل معنا أخانا فإن أرسلته معنا لم يمنع منا
{ ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالو يا أبانا ما نبغي } أي شيء نريد وقد ردت إلينا بضاعتنا ؟ { ونمير أهلنا } أي نمتار لهم ونأتيهم بما يصلحهم في سنتهم ومحلهم { ونحفظ أخانا ونزداد } بسببه { كيل بعير }
قال الله تعالى : { ذلك كيل يسير } أي في مقابلة ذهاب ولده الآخر
وكان يعقوب عليه السلام أضن شيء بولده بنيامين لأنه كان يشم فيه رائحة أخيه ويتسلى به عنه ويتعوض بسببه منه
فلهذا قال : { لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم } أي إلا أن تغلبوا كلكم عن الإتيان به { فلما آتوه موثقهم قال : الله على ما نقول وكيل }
أكد المواثيق وقرر العهود واحتاط لنفسه في ولده ولن يغني حذر من قدر ! ولولا حاجته وحاجة قومه إلى الميرة لما بعث الولد العزيز ولكن الأقدار لها أحكام والرب تعالى يقدر ما يشاء ويختار ما يريد ويحكم ما يشاء وهو الحكيم العليم
ثم أمرهم ألا يدخلوا المدينة من باب واحد ولكن ليدخلوا من أبواب متفرقة وقيل : أراد ألا يصيبهم أحد بالعين وذلك لأنهم كانوا أشكالا حسنة وصورا بديعة قاله ابن عباس ومجاهد ومحمد بن كعب وقتادة والسدي والضحاك
وقيل : أراد أن يتفرقوا لعلهم يجدون خبرا ليوسف أو يحدثون عنه بأثر قاله إبراهيم النخعي
والأول أظهر ولهذا قال : { وما أغني عنكم من الله من شيء }
وقال تعالى : { ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنه من الله من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها إنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون }
وعند أهل الكتاب : أنه بعث معهم هدية إلى العزيز من الفستق واللوز والصنوبر والبطم والعسل وأخذوا الدراهم الأولى وعرضا آخر
{ ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون * فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون * قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون * قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم * قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين * قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين * قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين * فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم * قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون * قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين * قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون }
يذكر تعالى ما كان من أمرهم حين دخلوا بأخيهم بنيامين على شقيقه يوسف وإيوائه إليه وإخباره له سرا عنهم بأنه أخوه وأمره بكتم ذلك عنهم وسلاه عما كان منهم من الإساءة إليه
ثم احتال على أخذه منهم وتركه إياه عنده دونها فأمر فتيانه بوضع سقايته وهي التي كان يشرب بها ويكيل بها للناس الطعام عن غرة في متاع بنيامين ثم أعلمهم بأنهم قد سرقوا صواع الملك ووعدهم جعالة على رده حمل بعير وضمنه المنادي لهم فأقبلوا على من اتهمهم بذلك فذنبوه وهجنوه فيما قاله لهم : { قالوا تالله قد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين } يقولون : أنتم تعلمون منا خلاف ما رميتمونا به من السرقة
{ قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين * قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين } وهذه كانت شريعتهم : أن السارق يدفع إلى المسروق منه ولهذا قالوا : { كذلك نجزي الظالمين }
قال الله تعالى : { فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه } ليكون ذلك أبعد للتهمة وأبلغ في الحيلة ثم قال الله تعالى : { كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك } أي لولا اعترافهم بأن جزاءه من وجد في رحله فهو جزاؤه لما كان يقدر يوسف على أخذه منهم في سياسة ملك مصر { إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء } أي في العلم : { وفوق كل ذي علم عليم }
وذلك لأن يوسف كان أعلم منهم وأتم رأيا وأقوى عزما وحزما وإنما فعل ما فعل عن أمر الله له في ذلك لأنه يترتب على هذا الأمر مصلحة عظيمة بعد ذلك من قدوم أبيه وقومه عليه ووفودهم إليه
فلما عاينوا استخراج الصواع من حمل بنيامين { قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل } يعنون يوسف قيل كما قد سرق صنم جده أبي أمه فكسره وقيل كانت عمته قد علقت عليه بين ثيابه وهو صغير منطقا كانت لإسحاق ثم استخرجوها من بين ثيابه وهو لا يشعر بما صنعت وإنما أرادت أن يكون عندها وفي حضانتها لمحبتها له وقيل كان يأخذ الطعام من البيت فيطعمه الفقراء وقيل غير ذلك فلهذا : { قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه } وهي كلمته بعدها وقوله : { أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون } أجابهم سرا لا جهرا حلما وكرما وصفحا وعفوا فدخلوا معه في الترفق والتعطف فقالوا : { يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين * قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون } أي إن أطلقنا المتهم وأخذنا البرىء وهذا ما لا نفعله ولا نسمح به وإنما نأخذ من وجدنا متاعنا عنده
وعند أهل الكتاب : أن يوسف تعرف إليهم حينئذ وهذا مما غلوا فيه ولم يفهموه جيدا
{ فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين * ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين * واسأل القرية التي كنا فيها والعير التى أقبلنا فيها وإنا لصادقون * قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم * وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم * قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين * قال إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون * يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون }
يقول تعالى مخبرا عنهم لما استيأسوا من أخذه منه : خلصوا يتناجون فيما بينهم قال كبيرهم وهو روبيل : { ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله } لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ؟ لقد أخلفتم عهده وفرطتم فيه كما فرطتم في أخيه يوسف من قبله فلم يبق لي وجه أقابله به { فلن أبرح الأرض } أي لا أزال مقيما هاهنا { حتى يأذن لي أبي } في القدوم عليه { أو يحكم الله لي } بأن يقدرني على رد أخي إلى أبي { وهو خير الحاكمين }
{ ارجعوا إلي أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق } أي أخبروه بما رأيتم من الأمر في ظاهر المشاهدة { وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين * واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها } أي فإن هذا الذي أخبرناك به - من أخذهم أخانا لأنه سرق - أمر اشتهر بمصر وعلمه العير التي كنا نحن وهم هناك { وإنا لصادقون }
{ قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل } أي ليس الأمر كما ذكرتم لم يسرق فإنه ليس سجية له ولا خلقة وإنما { سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل }
قال ابن إسحاق وغيره : لما كان التفريط منهم في بنيامين مترتبا على صنيعهم في يوسف قال لهم ما قال وهذا كما قال بعض السلف : إن من جزاء السيئة السيئة بعدها !
ثم قال : { عسى الله أن يأتيني بهم جميعا } يعنى يوسف وبنيامين وروبيل : { إنه هو العليم } أي بحالي وما أنا فيه من فراق الأحبة { الحكيم } فيما يقدره ويفعله وله الحكمة البالغة والحجة القاطعة
{ وتولى عنهم } أي أعرض عن بنيه : { وقال يا أسفى على يوسف } ذكره حزنه الجديد بالحزن القديم وحرك ما كان كامنا كما قال بعضهم :
( نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الأول )
وقال آخر :
( لقد لامني عند القبور على البكا ... رفيقي لتذراف الدموع السوافك )
( فقال : أتبكي كل قبر رأيته ... لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك )
( فقلت له : إن الأسى يبعث الأسى ... دعنى فهذا كله قبر مالك )
وقوله : { وابيضت عيناه من الحزن } أي من كثرة البكاء { فهو كظيم } أي مكظم من كثرة حزنه وأسفه وشوقه إلى يوسف
فلما رأى بنوه ما يقاسيه من الوجد وألم الفراق { قالوا } له على وجه الرحمة والرأفة والحرص عليه : { تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين }
يقولون : لا تزال تتذكره حتى ينحل جسدك وتضعف قوتك فلو رفقت بنفسك كان أولى بك
{ قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون } يقول لبنيه : لست أشكو إليكم ولا إلى أحد من الناس ما أنا فيه إنما أشكوه إلى الله عز وجل وأعلم أن الله سيجعل لي مما أنا فيه فرجا ومخرجا وأعلم أن رؤيا يوسف لا بد أن تقع ولا بد أن أسجد له أنا وأنتم حسب ما رأى ولهذا قال : { وأعلم من الله ما لا تعلمون }
ثم قال لهم محرضا على تطلب يوسف وأخيه وأن يبحثوا عن أمرهما : { يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } أي لا تيأسوا من الفرج بعد الشدة فإنه لا ييأس من روح الله وفرجه وما يقدره من المخرج في المضايق إلا القوم الكافرون
* * *
{ فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين * قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون * قالوا أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين * قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين * قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين * اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأتي بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين }
يخبر تعالى عن رجوع إخوة يوسف إليه وقدومهم عليه ورغبتهم فيها لديه من الميرة والصدقة عليهم برد أخيهم بنيامين إليهم : { فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر } أي من الجدب وضيق الحال وكثرة العيال { وجئنا ببضاعة مزجاة } أي ضعيفة لا يقبل مثلها منا إلا أن تتجاوز عنا قيل كانت دراهم رديئة وقيل قليلة وقيل حب الصنوبر وحب البطم ونحو ذلك وعن ابن عباس : كانت خلق الغرائر والحبال ونحو ذلك
{ فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين } قيل بقولها قاله السدي وقيل برد أخينا إلينا قال ابن جريج وقال سفيان بن عيينة : إنما حرمت الصدقة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونزع بهذه الآية رواه ابن جرير
فلما رأى ما هم فيه من الحال وما جاءوا به مما لم يبق عندهم سواه من ضعيف المال تعرف إليهم وعطف عليهم قائلا لهم عن أمر ربه وربهم وقد حسر عن جبينه الشريف وما يحويه من الحال الذي يعرفون فيه : { هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون }
{ قالوا } وتعجبوا كل العجب وقد ترددوا إليه مرارا عديدة وهم لا يعرفون أنه هو { أئنك لأنت يوسف } ؟
{ قال أنا يوسف وهذا أخي } يعنى أنا يوسف الذي صنعتم معه ما صنعتم وسلف من أمركم فيه ما فرطتم وقوله { وهذا أخي } تأكيد لما قال وتنبيه على ما كانوا أضمروا لهما من الحسد وعملوا في أمرهما من الإحتيال ولهذا قال : { قد من الله علينا } أي بإحسانه إلينا وصدقته علينا وإيوائه لنا وشده معاقد عزنا وذلك بما أسلفنا من طاعة ربنا وصبرنا على ما كان منكم وطاعتنا وبرنا لأبينا ومحبته الشديدة لنا وشفقته علينا { إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين }
{ قالوا تالله لقد آثرك الله علينا } أي فضلك وأعطاك ما لم يعطنا { وإن كنا لخاطئين } أي فيما أسدينا إليك وها نحن بين يديك { قال لا تثريب عليكم اليوم } أي لست أعاتبكم على ما كان منكم بعد يومكم هذا ثم زادهم على ذلك فقال : { يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين } ومن زعم أن الوقف على قوله : { لا تثريب عليكم } وابتدأ بقوله : { اليوم يغفر الله لكم } فقوله ضعيف والصحيح الأول
ثم أمرهم بأن يذهبوا بقميصه وهو الذي يلى جسده فيضعوه على عيني أبيه فإنه يرجع إليه بصره بعد ما كان ذهب بإذن الله وهذا من خوارق العادات ودلائل النبوات وأكبر المعجزات
ثم أمرهم أن يتحملوا بأهلهم أجمعين إلى ديار مصر إلى الخير والدعة وجمع الشمل بعد الفرقة على أكمل الوجوه وأعلى الأمور
{ ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون * قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم * فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون * قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين * قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم }
قال عبد الرزاق : أنبأنا إسرائيل عن أبي سنان عن عبد الله بن أبي الهذيل سمعت ابن عباس يقول : { ولما فصلت العير } قال : لما خرجت العير هاجت ريح فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف فقال : { إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون } قال : فوجد ريحه من مسيرة ثلاثة أيام وكذا رواه الثوري وشعبة وغيرهم عن أبي سنان به
وقال الحسن البصري وابن جريج المكي : كان بينهما مسيرة ثمانين فرسخا وكان له منذ فارقه ثمانون سنة
وقوله : { لولا أن تفندون } أي تقولون إنما قلت هذا من الفند وهو الخرف وكبر السن
قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة { تفندون } تسفهون وقال مجاهد أيضا والحسن : تهرمون
{ قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم } قال قتادة والسدي : قالوا له كلمة غليظة
قال الله تعالى : { فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا } أي بمجرد ما جاء ألقى القميص على وجه يعقوب فرجع من فوره بصيرا بعد ما كان ضريرا وقال لبنيه عند ذلك : { ألم أقل لكم إني أعلم من الله مالا تعلمون } أي أعلم أن الله سيجمع شملي بيوسف وسيقر عيني به وسيريني فيه ومنه ما يسرني
فمنذ ذلك : { قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين } طلبوا منه أن يستغفر لهم لله عز وجل عما كانوا فعلوا ونالوا منه ومن ابنه وما كانوا عزموا عليه ولما كان من نيتهم التوبة قبل الفعل وفقهم الله للاستغفار عند وقوع ذلك منهم فأجابهم أبوهم إلى ما سألوا وما عليه عولوا قائلا : { سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم }
قال ابن مسعود وإبراهيم التيمي وعمرو بن قيس وابن جريج وغيرهم : أرجأهم إلى وقت السحر قال ابن جرير : حدثني أبو السائب : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت عبد الرحمن بن إسحاق يذكر عن محارب بن دثار قال : كان عمر يأتي المسجد فسمع إنسانا يقول : " اللهم دعوتني فأجبت وأمرتني فأطعت وهذا السحر فاغفر لي " قال : فاستمع إلى الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود فسأل عبد الله عن ذلك فقال : إن يعقوب أخر بنيه إلى السحر بقوله : { سوف أستغفر لكم ربي } وقد قال تعالى : { والمستغفرين بالأسحار }
وثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول : هل من تائب فأتوب عليه هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ] ؟ وقد ورد في حديث : [ أن يعقوب أرجأ بنيه إلى ليلة الجمعة ]
قال ابن جرير : حدثني المثني قال : حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب الدمشقي حدثنا الوليد أنبأنا ابن جريج عن عطاء وعكرمة عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : { سوف أستغفر لكم ربي } يقول : [ حتى ليلة الجمعة وهو قول أخي يعقوب لبنيه ]
وهذا غريب من هذا الوجه وفي رفعه نظر والأشبه أن يكون موقوفا على ابن عباس رضي الله عنهما
* * *
{ فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين * ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم * رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين }
هذا إخبار عن حال اجتماع المتحابين بعد الفرقة الطويلة التي قيل : إنها ثمانون سنة ! وقيل : ثلاث وثمانون سنة وهما روايتان عن الحسن وقيل : خمس وثلاثون سنة قاله قتادة وقال محمد بن إسحاق : ذكروا أنه غاب عنه ثماني عشرة سنة قال : وأهل الكتاب يزعمون أنه غاب عنه أربعين سنة
وظاهر سياق القصة يرشد إلى تحديد المدة تقريبا فإن المرأة راودته وهو شاب ابن سبع عشرة سنة فيما قاله غير واحد فامتنع فكان في السجن بضع سنين وهي سبع عند عكرمة وغيره ثم أخرج فكانت سنوات الخصب السبع ثم لما أمحل الناس في السبع البواقي جاء إخوته يتمارون في السنة الأولي وحدهم وفي الثانية ومعهم أخوه بنيامين وفي الثالثة تعرف إليهم وأمرهم بإحضار أهليهم أجمعين فجاءوا كلهم
{ فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه } واجتمع بهما خصوصا وحدهما دون إخوته { وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين } قيل هذا من المقدم والمؤخر تقديره قال : ادخلوا مصر وآوي إليه أبويه وضعفه ابن جرير وهو معذور وقيل : بل تلقاهما وآواهما في منزل الخيام ثم لما اقتربوا من باب مصر { ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين } قاله السدي ولو قيل : إن الأمر لا يحتاج إلى هذا أيضا
وعند أهل الكتاب : أن يعقوب لما وصل إلى أرض جاشر - وهي أرض بلبيس - خرج يوسف لتلقيه وكان يعقوب قد بعث ابنه يهوذا بين يديه مبشرا بقدومه وعندهم أن الملك أطلق لهم أرض جاشر يكونون فيها ويقيمون بها بنعمهم ومواشيهم وقد ذكر جماعة من المفسرين أنه لما أزف قدوم نبي الله يعقوب - وهو إسرائيل - أراد يوسف أن يخرج لتلقيه فركب معه الملك وجنوده خدمة ليوسف وتعظيما لنبي الله " إسرائيل " وأنه دعا للملك وأن الله رفع عن أهل مصر بقية سني الجدب ببركة قدومه إليهم فالله أعلم
وكان جملة من قدم مع يعقوب من بنيه وأولادهم - فيما قاله أبو إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة عن ابن مسعود - ثلاثة وستين إنسانا
وقال موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب عن عبد الله بن شداد : كانوا ثلاثة وثمانين إنسانا
وقال أبو إسحاق عن مسروق : دخلو وهم ثلاثمائة وتسعون إنسانا
قالوا : وخرجوا مع موسى وهم أزيد من ستمائة ألف مقاتل وفي نص أهل الكتاب : أنهم كانوا سبعين نفسا وسموهم
* * *
قال الله تعالى : { ورفع أبويه على العرش } قيل : كانت أمه قد ماتت كما هو عند علماء التوراة وقال بعض المفسرين : أحياها الله تعالى وقال آخرون : بل كانت خالته " ليا " والخالة بمنزلة الأم
وقال ابن جرير وآخرون : بل ظاهر القرآن يقتضي بقاء حياة أمه إلى يومئذ فلا يعول على نقل أهل الكتاب فيما خالفه وهذا قوي والله أعلم
ورفعهما على العرش أي أجلسهما معه على سريره : { وخروا له سجدا } أي سجد له الأبوان والإخوة الأحد عشر تعظيما وتكريما وكان هذا مشروعا لهم ولم يزل ذلك معمولا به في سائر الشرائع حتى حرم في ملتنا
{ وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل } أي هذا تعبير ماكنت قصصته عليك : من رؤيتي الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر حين رأيتهم لي ساجدين و أمرتني بكتمانها ووعدتني ما وعدتني عند ذلك { قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن } أي بعد الهم والضيق جعلني حاكما نافذ الكلمة في الديار المصرية حيث شئت { وجاء بكم من البدو } أي البادية وكانوا يسكنون أرض العربات من بلاد الخيل { من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي } أي فيما كان منهم من الأمر الذي تقدم وسبق ذكره
ثم قال : { إن ربي لطيف لما يشاء } أي إذا أراد شيئا هيأ أسبابه ويسرها وسهلها وجوه لا يهتدي إليها العباد بل يقدرها ويسرها بلطيف صنعه وعظيم قدرته أي بجميع { إنه هو العليم } بالأمور { الحكيم } في خلقه وشرعه وقدره
وعند أهل الكتاب : أن يوسف باع أهل مصر وغيرهم من الطعام الذي كان تحت يده بأموالهم كلها من الذهب والفضة والعقار والأثاث وما يملكونه كله حتى باعهم بأنفسهم فصاروا أرقاء ثم أطلق لهم أرضهم وأعتق رقابهم على أن يعملوا ويكون خمس ما يستغلون من زروعهم وثمارهم للملك فصارت سنة أهل مصر بعده
وحكى الثعليب : أنه كان لايشبع في تلك السنين حتى لاينسى الجيعان وأنه إنما كان يأكل أكلة واحدة نصف النهار قال : فمن ثم اقتدى به الملوك في ذلك قلت : وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لايشبع بطنه عام الرمادة حتى ذهب الجدب وأتى الخصب
قال الشافعي : قال رجل من الأعراب لعمر بعدما ذهب عام الرمادة : لقد انجلت عنك وإنك لابن حرة !
ثم لما رأى يوسف عليه السلام نعمته قد تمت وشمله قد اجتمع وعرف أن هذه الدار لا يقر بها قرار وأن كل شيء فيها ومن عليها فان وما بعد التمام إلا النقصان فنعد ذلك أثنى على ربه بما هو أهله واعترف له بعظيم إحسانه وفضله وسأل منه - وهو خير المسئولين - أن يتوفاه أي حين يتوفاه على الإسلام وأن يلحقه بعباده الصالحين وهكذا كما يقال في الدعاء : " اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين " أي حين تتوفانا
ويحتمل أنه سأل ذلك عند احتضاره عليه السلام كما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عند احتضاره أن يرفع روحه إلى الملأ الأعلى و الرفقاء الصالحين من النبيين والمرسلين كما قال : " اللهم في الرفيق الأعلى ثلاثا " ثم قضى
ويحتمل أن يوسف عليه السلام سأل الوفاء على الإسلام منجزا في صحة بدنه وسلامته أن ذلك كان سائغا في ملتهم وشرعتهم كما روي عن ابن عباس أنه قال : ما تمنى نبي قط الموت قبل يوسف
فأما في شريعتنا فقد نهى عن الدعاء بالموت إلا عند الفتن كما في حديث معاذ في الدعاء الذي رواه أحمد : [ وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك غير مفتونين ] وفي الحديث الآخر : [ ابن آدم الموت خير لك من الفتنة ] وقالت مريم عليها السلام : { ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا } وتمنى الموت علي بن أبي طالب لما تفاقمت الأمور وعظمت الفتن واشتد القتال وكثر القيل والقال وتمنى ذلك البخاري أبو عبد الله صاحب الصحيح لما اشتد عليه الحال ولقي من مخالفيه الأهوال
فأما في حال الرفاهية فقد روى البخاري و مسلم في صحيحهما من حديث أنس بن مالك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لايتمنين أحدكم الموت لضر نزل به إما محسنا فلعله يزداد وإما مسيئا فلعله يستعتب ولكن ليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ] والمراد بالضر هاهنا : ما يخص العبد في بدنه من مرض ونحوه لا في دينه
والظاهر أن نبي الله يوسف عليه السلام سأل ذلك إما عند احتضاره أو إذا كان ذلك أن يكون كذلك
وقد ذكر ابن إسحاق عن أهل الكتاب : أن يعقوب أقام بديار مصر عند يوسف سبع عشرة سنة ثم توفي عليه السلام وكان قد أوصى إلى يوسف عليه السلام أن يدفن عند أبويه إبراهيم وإسحاق قال السدي : فصبره وسيره إلى بلاد الشام فدفنه بالمغارة عند أبيه إسحاق وجده الخليل عليه السلام
وعند أهل الكتاب : أن عمر يعقوب يوم دخل مصر مائة وثلاثون سنة وعندهم أنه أقام بأرض مصر سبع عشرة سنة ومع هذا قالوا : فكان جميع عمره مائة وأربعين سنة
هدا نص كتابهم وهو غلط : أما في النسخة أو منهم أو قد أسقطوا الكسر وليس بعادتهم فيما هو أكثر من هذا فكيف يستعملون الطريقة ها هنا
وقد قال تعالى في كتابه العزيز : { أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون }
يوصي بنيه بالإخلاص وهو دين الإسلام الذي بعث الله به الأنبياء عليهم السلام
وقد ذكر أهل الكتاب : أن أوصى بنيه واحدا واحدا وأخبرهم بما يكون من أمرهم وبشر يهوذا بخروج نبي عظيم من نسله تطيعه الشعوب وهو عيسى ابن مريم والله أعلم
وذكروا : أنه لما مات يعقوب بكي عليه أهل مصر سبعين يوما وأمر يوسف الأطباء فطيبوه بطيب ومكث فيه أربعين يوما ثم استأذن يوسف ملك مصر في الخروج مع أبيه ليدفنه عند أهله فأذن له وخرج معه أكابر مصر وشيوخها فلما وصلوا حبرون ودفنوه في المغارة التي كان اشتراها إبراهيم الخليل من عفرون بن صخر الحيثي وعملوا له عزاء سبعة أيام
قالوا : ثم رجعوا إلى بلادهم وعزى إخوة يوسف يوسف في أبيهم وترققوا له فأكرمهم وأحسن منقلبهم فأقاموا ببلاد مصر
ثم حضرت يوسف عليه السلام الوفاة فأوصى أن يحمل معهم إذا خرجوا من مصر فيدفن عند آبائه فحنطوه ووضعوه في تابوت فكان بمصر حتى أخرجه معه موسى عليه السلام فدفنه عند آبائه كما سيأتي قالوا : فمات وهو ابن مائة سنة وعشر سنين
هذا نصهم وفيما رأيته وفيما حكاه ابن جرير أيضا وقال مبارك ابن فضالة عن الحسن : ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة وغاب عن أبيه ثمانين سنة وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة وقال غيره : أوصى إلى أخيه يهوذا صلوات الله عليه وسلامه
* * *
يخبر تعالى عن قدوم إخوة يوسف عليه السلام إلى الديار المصرية يمتارون طعاما وذلك بعد إتيان سني الجدب وعمومها على سائر العباد والبلاد
وكان يوسف عليه السلام إذا ذاك الحاكم في أمور الديار المصرية دينا ودنيا فلما دخلوا عليه عرفهم ولم يعرفوه لأنهم لم يخطر ببالهم ما صار إليه يوسف عليه السلام من المكانة والعظمة فلهذا عرفهم وهم له منكرون
وعند أهل الكتاب : أنهم لما قدموا عليه سجدوا له فعرفهم وأراد ألا يعرفوه فأغلظ لهم في القول وقال : أنتم جواسيس جئتم لنا لتأخذوا خير بلادي فقالوا : معاذ الله إنما جئنا نمتار لقومنا من الجهد والجوع الذي أصابنا ونحن بنو أب واحد من كنعان ونحن اثنا عشر رجلا ذهب منا واحد وصغيرنا عند أبينا فقال : لا بد أن أستعلم أمركم وعندهم : أنه حبسهم ثلاثة أيام ثم أخرجهم واحتبس شمعون عنده ليأتوه بالأخ الآخر وفي بعض هذا نظر
قال تعالى : { ولما جهزهم بجهازهم } أي أعطاهم من الميرة ما جرت به عادته من إعطاء كل إنسان حمل بعير لا يزيده عليه { قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم } وكان قد سألهم عن حالهم وكم هم ؟ فقالوا : كنا اثني عشر رجلا فذهب منا واحد وبقي شقيقه عند أبينا فقال : إذا قدمتم من العام المقبل فأتوني به معكم
{ ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين } ؟ أي قد أحسنت نزلكم وقراكم فرغبهم ليأتوه به ثم رهبهم إن لم يأتوه به فقال : { فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون } أي فلست أعطيكم ميرة ولا أقريكم بالكلية عكس ما أسدي إليهم أولا
فاجتهد في إحضاره معهم ليبل شوقه منه بالترغيب والترهيب
{ قالوا سنراود عنه أباه } أي سنجتهد في مجيئه معنا وإتيانه إليك بكل ممكن { وإنا لفاعلون } أي وإنا لقادرون على تحصيله
ثم أمر فتيانه أن يضعوا بضاعتهم وهي ما جاءوا به يتعوضون به عن الميرة في أمتعتهم من حيث لا يشعرون بها { لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون } قيل أراد أن يردوها إذا وجدوها في بلادهم وقيل خشي ألا يكون عندهم ما يرجعون به مرة ثانية وقيل تذمم أن يأخذ منهم عوضا عن الميرة
وقد اختلف المفسرون في بضاعتهم على أقوال سيأتي ذكرها وعند أهل الكتاب أنها كانت صررا من ورق وما أشبه والله أعلم
* * *
{ فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون * قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين * ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير * قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال : الله على ما تقول وكيل * وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون * ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون }
يذكر تعالى ما كان من أمرهم بعد رجوعهم إلى أبيهم وقولهم له : { منع منا الكيل } أي بعد عامنا هذا إن لم ترسل معنا أخانا فإن أرسلته معنا لم يمنع منا
{ ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالو يا أبانا ما نبغي } أي شيء نريد وقد ردت إلينا بضاعتنا ؟ { ونمير أهلنا } أي نمتار لهم ونأتيهم بما يصلحهم في سنتهم ومحلهم { ونحفظ أخانا ونزداد } بسببه { كيل بعير }
قال الله تعالى : { ذلك كيل يسير } أي في مقابلة ذهاب ولده الآخر
وكان يعقوب عليه السلام أضن شيء بولده بنيامين لأنه كان يشم فيه رائحة أخيه ويتسلى به عنه ويتعوض بسببه منه
فلهذا قال : { لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم } أي إلا أن تغلبوا كلكم عن الإتيان به { فلما آتوه موثقهم قال : الله على ما نقول وكيل }
أكد المواثيق وقرر العهود واحتاط لنفسه في ولده ولن يغني حذر من قدر ! ولولا حاجته وحاجة قومه إلى الميرة لما بعث الولد العزيز ولكن الأقدار لها أحكام والرب تعالى يقدر ما يشاء ويختار ما يريد ويحكم ما يشاء وهو الحكيم العليم
ثم أمرهم ألا يدخلوا المدينة من باب واحد ولكن ليدخلوا من أبواب متفرقة وقيل : أراد ألا يصيبهم أحد بالعين وذلك لأنهم كانوا أشكالا حسنة وصورا بديعة قاله ابن عباس ومجاهد ومحمد بن كعب وقتادة والسدي والضحاك
وقيل : أراد أن يتفرقوا لعلهم يجدون خبرا ليوسف أو يحدثون عنه بأثر قاله إبراهيم النخعي
والأول أظهر ولهذا قال : { وما أغني عنكم من الله من شيء }
وقال تعالى : { ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنه من الله من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها إنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون }
وعند أهل الكتاب : أنه بعث معهم هدية إلى العزيز من الفستق واللوز والصنوبر والبطم والعسل وأخذوا الدراهم الأولى وعرضا آخر
{ ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون * فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون * قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون * قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم * قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين * قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين * قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين * فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم * قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون * قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين * قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون }
يذكر تعالى ما كان من أمرهم حين دخلوا بأخيهم بنيامين على شقيقه يوسف وإيوائه إليه وإخباره له سرا عنهم بأنه أخوه وأمره بكتم ذلك عنهم وسلاه عما كان منهم من الإساءة إليه
ثم احتال على أخذه منهم وتركه إياه عنده دونها فأمر فتيانه بوضع سقايته وهي التي كان يشرب بها ويكيل بها للناس الطعام عن غرة في متاع بنيامين ثم أعلمهم بأنهم قد سرقوا صواع الملك ووعدهم جعالة على رده حمل بعير وضمنه المنادي لهم فأقبلوا على من اتهمهم بذلك فذنبوه وهجنوه فيما قاله لهم : { قالوا تالله قد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين } يقولون : أنتم تعلمون منا خلاف ما رميتمونا به من السرقة
{ قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين * قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين } وهذه كانت شريعتهم : أن السارق يدفع إلى المسروق منه ولهذا قالوا : { كذلك نجزي الظالمين }
قال الله تعالى : { فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه } ليكون ذلك أبعد للتهمة وأبلغ في الحيلة ثم قال الله تعالى : { كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك } أي لولا اعترافهم بأن جزاءه من وجد في رحله فهو جزاؤه لما كان يقدر يوسف على أخذه منهم في سياسة ملك مصر { إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء } أي في العلم : { وفوق كل ذي علم عليم }
وذلك لأن يوسف كان أعلم منهم وأتم رأيا وأقوى عزما وحزما وإنما فعل ما فعل عن أمر الله له في ذلك لأنه يترتب على هذا الأمر مصلحة عظيمة بعد ذلك من قدوم أبيه وقومه عليه ووفودهم إليه
فلما عاينوا استخراج الصواع من حمل بنيامين { قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل } يعنون يوسف قيل كما قد سرق صنم جده أبي أمه فكسره وقيل كانت عمته قد علقت عليه بين ثيابه وهو صغير منطقا كانت لإسحاق ثم استخرجوها من بين ثيابه وهو لا يشعر بما صنعت وإنما أرادت أن يكون عندها وفي حضانتها لمحبتها له وقيل كان يأخذ الطعام من البيت فيطعمه الفقراء وقيل غير ذلك فلهذا : { قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه } وهي كلمته بعدها وقوله : { أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون } أجابهم سرا لا جهرا حلما وكرما وصفحا وعفوا فدخلوا معه في الترفق والتعطف فقالوا : { يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين * قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون } أي إن أطلقنا المتهم وأخذنا البرىء وهذا ما لا نفعله ولا نسمح به وإنما نأخذ من وجدنا متاعنا عنده
وعند أهل الكتاب : أن يوسف تعرف إليهم حينئذ وهذا مما غلوا فيه ولم يفهموه جيدا
{ فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين * ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين * واسأل القرية التي كنا فيها والعير التى أقبلنا فيها وإنا لصادقون * قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم * وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم * قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين * قال إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون * يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون }
يقول تعالى مخبرا عنهم لما استيأسوا من أخذه منه : خلصوا يتناجون فيما بينهم قال كبيرهم وهو روبيل : { ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله } لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ؟ لقد أخلفتم عهده وفرطتم فيه كما فرطتم في أخيه يوسف من قبله فلم يبق لي وجه أقابله به { فلن أبرح الأرض } أي لا أزال مقيما هاهنا { حتى يأذن لي أبي } في القدوم عليه { أو يحكم الله لي } بأن يقدرني على رد أخي إلى أبي { وهو خير الحاكمين }
{ ارجعوا إلي أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق } أي أخبروه بما رأيتم من الأمر في ظاهر المشاهدة { وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين * واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها } أي فإن هذا الذي أخبرناك به - من أخذهم أخانا لأنه سرق - أمر اشتهر بمصر وعلمه العير التي كنا نحن وهم هناك { وإنا لصادقون }
{ قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل } أي ليس الأمر كما ذكرتم لم يسرق فإنه ليس سجية له ولا خلقة وإنما { سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل }
قال ابن إسحاق وغيره : لما كان التفريط منهم في بنيامين مترتبا على صنيعهم في يوسف قال لهم ما قال وهذا كما قال بعض السلف : إن من جزاء السيئة السيئة بعدها !
ثم قال : { عسى الله أن يأتيني بهم جميعا } يعنى يوسف وبنيامين وروبيل : { إنه هو العليم } أي بحالي وما أنا فيه من فراق الأحبة { الحكيم } فيما يقدره ويفعله وله الحكمة البالغة والحجة القاطعة
{ وتولى عنهم } أي أعرض عن بنيه : { وقال يا أسفى على يوسف } ذكره حزنه الجديد بالحزن القديم وحرك ما كان كامنا كما قال بعضهم :
( نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الأول )
وقال آخر :
( لقد لامني عند القبور على البكا ... رفيقي لتذراف الدموع السوافك )
( فقال : أتبكي كل قبر رأيته ... لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك )
( فقلت له : إن الأسى يبعث الأسى ... دعنى فهذا كله قبر مالك )
وقوله : { وابيضت عيناه من الحزن } أي من كثرة البكاء { فهو كظيم } أي مكظم من كثرة حزنه وأسفه وشوقه إلى يوسف
فلما رأى بنوه ما يقاسيه من الوجد وألم الفراق { قالوا } له على وجه الرحمة والرأفة والحرص عليه : { تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين }
يقولون : لا تزال تتذكره حتى ينحل جسدك وتضعف قوتك فلو رفقت بنفسك كان أولى بك
{ قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون } يقول لبنيه : لست أشكو إليكم ولا إلى أحد من الناس ما أنا فيه إنما أشكوه إلى الله عز وجل وأعلم أن الله سيجعل لي مما أنا فيه فرجا ومخرجا وأعلم أن رؤيا يوسف لا بد أن تقع ولا بد أن أسجد له أنا وأنتم حسب ما رأى ولهذا قال : { وأعلم من الله ما لا تعلمون }
ثم قال لهم محرضا على تطلب يوسف وأخيه وأن يبحثوا عن أمرهما : { يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } أي لا تيأسوا من الفرج بعد الشدة فإنه لا ييأس من روح الله وفرجه وما يقدره من المخرج في المضايق إلا القوم الكافرون
* * *
{ فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين * قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون * قالوا أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين * قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين * قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين * اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأتي بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين }
يخبر تعالى عن رجوع إخوة يوسف إليه وقدومهم عليه ورغبتهم فيها لديه من الميرة والصدقة عليهم برد أخيهم بنيامين إليهم : { فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر } أي من الجدب وضيق الحال وكثرة العيال { وجئنا ببضاعة مزجاة } أي ضعيفة لا يقبل مثلها منا إلا أن تتجاوز عنا قيل كانت دراهم رديئة وقيل قليلة وقيل حب الصنوبر وحب البطم ونحو ذلك وعن ابن عباس : كانت خلق الغرائر والحبال ونحو ذلك
{ فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين } قيل بقولها قاله السدي وقيل برد أخينا إلينا قال ابن جريج وقال سفيان بن عيينة : إنما حرمت الصدقة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونزع بهذه الآية رواه ابن جرير
فلما رأى ما هم فيه من الحال وما جاءوا به مما لم يبق عندهم سواه من ضعيف المال تعرف إليهم وعطف عليهم قائلا لهم عن أمر ربه وربهم وقد حسر عن جبينه الشريف وما يحويه من الحال الذي يعرفون فيه : { هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون }
{ قالوا } وتعجبوا كل العجب وقد ترددوا إليه مرارا عديدة وهم لا يعرفون أنه هو { أئنك لأنت يوسف } ؟
{ قال أنا يوسف وهذا أخي } يعنى أنا يوسف الذي صنعتم معه ما صنعتم وسلف من أمركم فيه ما فرطتم وقوله { وهذا أخي } تأكيد لما قال وتنبيه على ما كانوا أضمروا لهما من الحسد وعملوا في أمرهما من الإحتيال ولهذا قال : { قد من الله علينا } أي بإحسانه إلينا وصدقته علينا وإيوائه لنا وشده معاقد عزنا وذلك بما أسلفنا من طاعة ربنا وصبرنا على ما كان منكم وطاعتنا وبرنا لأبينا ومحبته الشديدة لنا وشفقته علينا { إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين }
{ قالوا تالله لقد آثرك الله علينا } أي فضلك وأعطاك ما لم يعطنا { وإن كنا لخاطئين } أي فيما أسدينا إليك وها نحن بين يديك { قال لا تثريب عليكم اليوم } أي لست أعاتبكم على ما كان منكم بعد يومكم هذا ثم زادهم على ذلك فقال : { يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين } ومن زعم أن الوقف على قوله : { لا تثريب عليكم } وابتدأ بقوله : { اليوم يغفر الله لكم } فقوله ضعيف والصحيح الأول
ثم أمرهم بأن يذهبوا بقميصه وهو الذي يلى جسده فيضعوه على عيني أبيه فإنه يرجع إليه بصره بعد ما كان ذهب بإذن الله وهذا من خوارق العادات ودلائل النبوات وأكبر المعجزات
ثم أمرهم أن يتحملوا بأهلهم أجمعين إلى ديار مصر إلى الخير والدعة وجمع الشمل بعد الفرقة على أكمل الوجوه وأعلى الأمور
{ ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون * قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم * فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون * قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين * قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم }
قال عبد الرزاق : أنبأنا إسرائيل عن أبي سنان عن عبد الله بن أبي الهذيل سمعت ابن عباس يقول : { ولما فصلت العير } قال : لما خرجت العير هاجت ريح فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف فقال : { إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون } قال : فوجد ريحه من مسيرة ثلاثة أيام وكذا رواه الثوري وشعبة وغيرهم عن أبي سنان به
وقال الحسن البصري وابن جريج المكي : كان بينهما مسيرة ثمانين فرسخا وكان له منذ فارقه ثمانون سنة
وقوله : { لولا أن تفندون } أي تقولون إنما قلت هذا من الفند وهو الخرف وكبر السن
قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة { تفندون } تسفهون وقال مجاهد أيضا والحسن : تهرمون
{ قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم } قال قتادة والسدي : قالوا له كلمة غليظة
قال الله تعالى : { فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا } أي بمجرد ما جاء ألقى القميص على وجه يعقوب فرجع من فوره بصيرا بعد ما كان ضريرا وقال لبنيه عند ذلك : { ألم أقل لكم إني أعلم من الله مالا تعلمون } أي أعلم أن الله سيجمع شملي بيوسف وسيقر عيني به وسيريني فيه ومنه ما يسرني
فمنذ ذلك : { قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين } طلبوا منه أن يستغفر لهم لله عز وجل عما كانوا فعلوا ونالوا منه ومن ابنه وما كانوا عزموا عليه ولما كان من نيتهم التوبة قبل الفعل وفقهم الله للاستغفار عند وقوع ذلك منهم فأجابهم أبوهم إلى ما سألوا وما عليه عولوا قائلا : { سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم }
قال ابن مسعود وإبراهيم التيمي وعمرو بن قيس وابن جريج وغيرهم : أرجأهم إلى وقت السحر قال ابن جرير : حدثني أبو السائب : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت عبد الرحمن بن إسحاق يذكر عن محارب بن دثار قال : كان عمر يأتي المسجد فسمع إنسانا يقول : " اللهم دعوتني فأجبت وأمرتني فأطعت وهذا السحر فاغفر لي " قال : فاستمع إلى الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود فسأل عبد الله عن ذلك فقال : إن يعقوب أخر بنيه إلى السحر بقوله : { سوف أستغفر لكم ربي } وقد قال تعالى : { والمستغفرين بالأسحار }
وثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول : هل من تائب فأتوب عليه هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ] ؟ وقد ورد في حديث : [ أن يعقوب أرجأ بنيه إلى ليلة الجمعة ]
قال ابن جرير : حدثني المثني قال : حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب الدمشقي حدثنا الوليد أنبأنا ابن جريج عن عطاء وعكرمة عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : { سوف أستغفر لكم ربي } يقول : [ حتى ليلة الجمعة وهو قول أخي يعقوب لبنيه ]
وهذا غريب من هذا الوجه وفي رفعه نظر والأشبه أن يكون موقوفا على ابن عباس رضي الله عنهما
* * *
{ فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين * ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم * رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين }
هذا إخبار عن حال اجتماع المتحابين بعد الفرقة الطويلة التي قيل : إنها ثمانون سنة ! وقيل : ثلاث وثمانون سنة وهما روايتان عن الحسن وقيل : خمس وثلاثون سنة قاله قتادة وقال محمد بن إسحاق : ذكروا أنه غاب عنه ثماني عشرة سنة قال : وأهل الكتاب يزعمون أنه غاب عنه أربعين سنة
وظاهر سياق القصة يرشد إلى تحديد المدة تقريبا فإن المرأة راودته وهو شاب ابن سبع عشرة سنة فيما قاله غير واحد فامتنع فكان في السجن بضع سنين وهي سبع عند عكرمة وغيره ثم أخرج فكانت سنوات الخصب السبع ثم لما أمحل الناس في السبع البواقي جاء إخوته يتمارون في السنة الأولي وحدهم وفي الثانية ومعهم أخوه بنيامين وفي الثالثة تعرف إليهم وأمرهم بإحضار أهليهم أجمعين فجاءوا كلهم
{ فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه } واجتمع بهما خصوصا وحدهما دون إخوته { وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين } قيل هذا من المقدم والمؤخر تقديره قال : ادخلوا مصر وآوي إليه أبويه وضعفه ابن جرير وهو معذور وقيل : بل تلقاهما وآواهما في منزل الخيام ثم لما اقتربوا من باب مصر { ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين } قاله السدي ولو قيل : إن الأمر لا يحتاج إلى هذا أيضا
وعند أهل الكتاب : أن يعقوب لما وصل إلى أرض جاشر - وهي أرض بلبيس - خرج يوسف لتلقيه وكان يعقوب قد بعث ابنه يهوذا بين يديه مبشرا بقدومه وعندهم أن الملك أطلق لهم أرض جاشر يكونون فيها ويقيمون بها بنعمهم ومواشيهم وقد ذكر جماعة من المفسرين أنه لما أزف قدوم نبي الله يعقوب - وهو إسرائيل - أراد يوسف أن يخرج لتلقيه فركب معه الملك وجنوده خدمة ليوسف وتعظيما لنبي الله " إسرائيل " وأنه دعا للملك وأن الله رفع عن أهل مصر بقية سني الجدب ببركة قدومه إليهم فالله أعلم
وكان جملة من قدم مع يعقوب من بنيه وأولادهم - فيما قاله أبو إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة عن ابن مسعود - ثلاثة وستين إنسانا
وقال موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب عن عبد الله بن شداد : كانوا ثلاثة وثمانين إنسانا
وقال أبو إسحاق عن مسروق : دخلو وهم ثلاثمائة وتسعون إنسانا
قالوا : وخرجوا مع موسى وهم أزيد من ستمائة ألف مقاتل وفي نص أهل الكتاب : أنهم كانوا سبعين نفسا وسموهم
* * *
قال الله تعالى : { ورفع أبويه على العرش } قيل : كانت أمه قد ماتت كما هو عند علماء التوراة وقال بعض المفسرين : أحياها الله تعالى وقال آخرون : بل كانت خالته " ليا " والخالة بمنزلة الأم
وقال ابن جرير وآخرون : بل ظاهر القرآن يقتضي بقاء حياة أمه إلى يومئذ فلا يعول على نقل أهل الكتاب فيما خالفه وهذا قوي والله أعلم
ورفعهما على العرش أي أجلسهما معه على سريره : { وخروا له سجدا } أي سجد له الأبوان والإخوة الأحد عشر تعظيما وتكريما وكان هذا مشروعا لهم ولم يزل ذلك معمولا به في سائر الشرائع حتى حرم في ملتنا
{ وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل } أي هذا تعبير ماكنت قصصته عليك : من رؤيتي الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر حين رأيتهم لي ساجدين و أمرتني بكتمانها ووعدتني ما وعدتني عند ذلك { قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن } أي بعد الهم والضيق جعلني حاكما نافذ الكلمة في الديار المصرية حيث شئت { وجاء بكم من البدو } أي البادية وكانوا يسكنون أرض العربات من بلاد الخيل { من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي } أي فيما كان منهم من الأمر الذي تقدم وسبق ذكره
ثم قال : { إن ربي لطيف لما يشاء } أي إذا أراد شيئا هيأ أسبابه ويسرها وسهلها وجوه لا يهتدي إليها العباد بل يقدرها ويسرها بلطيف صنعه وعظيم قدرته أي بجميع { إنه هو العليم } بالأمور { الحكيم } في خلقه وشرعه وقدره
وعند أهل الكتاب : أن يوسف باع أهل مصر وغيرهم من الطعام الذي كان تحت يده بأموالهم كلها من الذهب والفضة والعقار والأثاث وما يملكونه كله حتى باعهم بأنفسهم فصاروا أرقاء ثم أطلق لهم أرضهم وأعتق رقابهم على أن يعملوا ويكون خمس ما يستغلون من زروعهم وثمارهم للملك فصارت سنة أهل مصر بعده
وحكى الثعليب : أنه كان لايشبع في تلك السنين حتى لاينسى الجيعان وأنه إنما كان يأكل أكلة واحدة نصف النهار قال : فمن ثم اقتدى به الملوك في ذلك قلت : وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لايشبع بطنه عام الرمادة حتى ذهب الجدب وأتى الخصب
قال الشافعي : قال رجل من الأعراب لعمر بعدما ذهب عام الرمادة : لقد انجلت عنك وإنك لابن حرة !
ثم لما رأى يوسف عليه السلام نعمته قد تمت وشمله قد اجتمع وعرف أن هذه الدار لا يقر بها قرار وأن كل شيء فيها ومن عليها فان وما بعد التمام إلا النقصان فنعد ذلك أثنى على ربه بما هو أهله واعترف له بعظيم إحسانه وفضله وسأل منه - وهو خير المسئولين - أن يتوفاه أي حين يتوفاه على الإسلام وأن يلحقه بعباده الصالحين وهكذا كما يقال في الدعاء : " اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين " أي حين تتوفانا
ويحتمل أنه سأل ذلك عند احتضاره عليه السلام كما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عند احتضاره أن يرفع روحه إلى الملأ الأعلى و الرفقاء الصالحين من النبيين والمرسلين كما قال : " اللهم في الرفيق الأعلى ثلاثا " ثم قضى
ويحتمل أن يوسف عليه السلام سأل الوفاء على الإسلام منجزا في صحة بدنه وسلامته أن ذلك كان سائغا في ملتهم وشرعتهم كما روي عن ابن عباس أنه قال : ما تمنى نبي قط الموت قبل يوسف
فأما في شريعتنا فقد نهى عن الدعاء بالموت إلا عند الفتن كما في حديث معاذ في الدعاء الذي رواه أحمد : [ وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك غير مفتونين ] وفي الحديث الآخر : [ ابن آدم الموت خير لك من الفتنة ] وقالت مريم عليها السلام : { ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا } وتمنى الموت علي بن أبي طالب لما تفاقمت الأمور وعظمت الفتن واشتد القتال وكثر القيل والقال وتمنى ذلك البخاري أبو عبد الله صاحب الصحيح لما اشتد عليه الحال ولقي من مخالفيه الأهوال
فأما في حال الرفاهية فقد روى البخاري و مسلم في صحيحهما من حديث أنس بن مالك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لايتمنين أحدكم الموت لضر نزل به إما محسنا فلعله يزداد وإما مسيئا فلعله يستعتب ولكن ليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ] والمراد بالضر هاهنا : ما يخص العبد في بدنه من مرض ونحوه لا في دينه
والظاهر أن نبي الله يوسف عليه السلام سأل ذلك إما عند احتضاره أو إذا كان ذلك أن يكون كذلك
وقد ذكر ابن إسحاق عن أهل الكتاب : أن يعقوب أقام بديار مصر عند يوسف سبع عشرة سنة ثم توفي عليه السلام وكان قد أوصى إلى يوسف عليه السلام أن يدفن عند أبويه إبراهيم وإسحاق قال السدي : فصبره وسيره إلى بلاد الشام فدفنه بالمغارة عند أبيه إسحاق وجده الخليل عليه السلام
وعند أهل الكتاب : أن عمر يعقوب يوم دخل مصر مائة وثلاثون سنة وعندهم أنه أقام بأرض مصر سبع عشرة سنة ومع هذا قالوا : فكان جميع عمره مائة وأربعين سنة
هدا نص كتابهم وهو غلط : أما في النسخة أو منهم أو قد أسقطوا الكسر وليس بعادتهم فيما هو أكثر من هذا فكيف يستعملون الطريقة ها هنا
وقد قال تعالى في كتابه العزيز : { أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون }
يوصي بنيه بالإخلاص وهو دين الإسلام الذي بعث الله به الأنبياء عليهم السلام
وقد ذكر أهل الكتاب : أن أوصى بنيه واحدا واحدا وأخبرهم بما يكون من أمرهم وبشر يهوذا بخروج نبي عظيم من نسله تطيعه الشعوب وهو عيسى ابن مريم والله أعلم
وذكروا : أنه لما مات يعقوب بكي عليه أهل مصر سبعين يوما وأمر يوسف الأطباء فطيبوه بطيب ومكث فيه أربعين يوما ثم استأذن يوسف ملك مصر في الخروج مع أبيه ليدفنه عند أهله فأذن له وخرج معه أكابر مصر وشيوخها فلما وصلوا حبرون ودفنوه في المغارة التي كان اشتراها إبراهيم الخليل من عفرون بن صخر الحيثي وعملوا له عزاء سبعة أيام
قالوا : ثم رجعوا إلى بلادهم وعزى إخوة يوسف يوسف في أبيهم وترققوا له فأكرمهم وأحسن منقلبهم فأقاموا ببلاد مصر
ثم حضرت يوسف عليه السلام الوفاة فأوصى أن يحمل معهم إذا خرجوا من مصر فيدفن عند آبائه فحنطوه ووضعوه في تابوت فكان بمصر حتى أخرجه معه موسى عليه السلام فدفنه عند آبائه كما سيأتي قالوا : فمات وهو ابن مائة سنة وعشر سنين
هذا نصهم وفيما رأيته وفيما حكاه ابن جرير أيضا وقال مبارك ابن فضالة عن الحسن : ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة وغاب عن أبيه ثمانين سنة وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة وقال غيره : أوصى إلى أخيه يهوذا صلوات الله عليه وسلامه
* * *