وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون * وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين * وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون * ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين }
يخبر الله تعالى عن قصة يوسف حين وضع في الجب : أنه جلس ينتظر فرج الله ولطفه به فجاءت سيارة أي مسافرون قال أهل الكتاب : كانت بضاعتهم من الفستق والصنوبر والبطم قاصدين ديار مصر من الشام فأرسلوا بعضهم ليستقوا من ذلك البئر فلما أدلى أحدهم دلوه تعلق فيه يوسف
فلما رآه ذلك الرجل { قال يا بشرى } أي يا بشارتي { هذا غلام وأسروه بضاعة } أي أوهموا أنه معهم غلام من جملة متجرهم { والله عليم بما يعملون } أي هو عالم بما تمالأ عليه إخوته وبما يسره واجدوه من أنه بضاعة لهم ومع هذا لا يغيره تعالى لما له في ذلك من الحكمة العظيمة والقدر السابق والرحمة بأهل مصر بما يجري الله على يدي هذا الغلام الذي يدخلها في صورة أسير رقيق ثم بعد هذا يملكه أزمة الأمور وينفعهم الله به في دنياهم وأخراهم بما لا يحد ولا يوصف
ولما استشعر إخوة يوسف بأخذ السيارة له لحقوهم وقالوا هذا غلامنا أبق منا فاشتروه منهم بثمن بخس أي قليل نزر وقيل هو الزيف : { دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين }
قال ابن مسعود وابن عباس ونوف البكالي والسدي وقتادة وعطية العوفي : باعوه بعشرين درهما اقتسموها درهمين وقال مجاهد : اثنان وعشرون درهما وقال عكرمة ومحمد بن إسحاق : أربعون درهما والله أعلم
{ وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه } أي أحسني إليه { عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا } وهذا من لطف الله به ورحمته وإحسانه إليه بما يريد أن يؤهله له ويعطيه من خيري الدنيا والآخرة
قالوا : وكان الذي اشتراه من أهل مصر عزيزها وهو الوزير بها الذي الخزائن مسلمة إليه قال ابن إسحاق : واسمه أطفير بن روحيب قال : وكان ملك مصر يومئذ الريان بن الوليد رجل من العماليق قال : واسم امرأة العزيز : " راعيل " بنت رماييل وقال غيره : كان اسمها " زليخا " والظاهر أنه لقبها وقيل " فكا " بنت ينوس رواه الثعلبي عن ابن هشام الرفاعي
وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس : كان اسم الذي باعه بمصر - يعني الذي جلبه إليها - مالك بن زعر بن نويت بن مديان بن إبراهيم والله أعلم
وقال ابن إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود قال : أفرس الناس ثلاثة : عزيز مصر حيث قال لامرأته { أكرمي مثواه } والمرأة التي قالت لأبيه عن موسى : { يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين } وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنهما
ثم قيل : اشتراه العزيز بعشرين دينارا وقيل بوزنه مسكا ووزنه حريرا ووزنه ورقا والله أعلم
وقوله : { وكذلك مكنا ليوسف في الأرض } أي وكما قيضنا هذا العزيز وامرأته يحسنان إليه ويعتنيان به مكنا له في أرض مصر { ولنعلمه من تأويل الأحاديث } أي فهمها وتعبير الرؤيا من ذلك { والله غالب على أمره } أي إذا أراد شيئا فإنه يقيض له أسبابا وأمورا لا يهتدى إليها العباد ولهذا قال تعالى : { ولكن أكثر الناس لا يعلمون }
{ ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين } فدل على أن هذا كله كان وهو قبل بلوغ الأشد وهو حد الأربعين الذي يوحى الله فيه إلى عباده النبيين عليهم الصلاة والسلام من رب العالمين
وقد اختلفوا في مدة العمر الذي هو بلوغ الأشد : فقال مالك وربيعة وزيد بن أسلم الشعبي : هو الحلم وقال سعيد بن جبير : ثماني عشرة سنة وقال الضحاك : عشرون سنة وقال عكرمة : خمس وعشرون سنة وقال السدي : ثلاثون سنة وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة : ثلاتة وثلاثون سنة وقال الحسن : أربعون سنة ويشهد له قوله تعالى : { حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة }
{ وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون * ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين * واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم * قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين * وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين * فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم * يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين }
يذكر تعالى ما كان من مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه السلام عن نفسه وطلبها منه ما لا يليق بحاله ومقامه وهي في غاية الجمال والمال والمنصب والشباب وكيف غلقت الأبواب عليها وعليه وتهيأت له وتصنعت ولبست أحسن ثيابها وأفخر لباسها وهي مع هذا كله امرأة الوزير قال ابن إسحاق : وبنت أخت الملك الريان ابن الوليد صاحب مصر
وهذا كله من أن يوسف عليه السلام شاب بديع الجمال والبهاء إلا أنه نبي من سلالة الأنبياء فعصمه ربه عن الفحشاء وحماه عن مكر النساء فهو سيد السادة النجباء السبع الأتقياء المذكورين في الصحيحين عن خاتم الأنبياء في قوله عليه الصلاة والسلام من رب الأرض والسماء : [ سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل معلق قلبه بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه وشاب نشأ في عبادة الله ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ]
والمقصود أنها دعته إليها وحرصت على ذلك أشد الحرص فقال { معاذ الله إنه ربي } يعنى زوجها صاحب المنزل سيدي { أحسن مثواي } أي أحسن إلي وأكرم مقامي عنده { إنه لا يفلح الظالمون } وقد تكلمنا على قوله تعالى : { ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه } بما فيه كفاية ومقنع في التفسير
وأكثر أقوال المفسرين هاهنا متلقي من كتب أهل الكتاب فالإعراض عنه أولى بنا
والذي يجب أن يعتقد : أن الله تعالى عصمه وبرأه ونزهه عن الفاحشة وحماه عنها وصانه منها ولهذا قال تعالى : { كذلك لنضرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين }
{ واستبقا الباب } أي هرب منها طالبا الباب ليخرج منه فرارا منها فاتبعته في أثره { وألفيا } أي وجدا { سيدها } أي زوجها { لدى الباب } فبدرته بالكلام وحرضته عليه { قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم } اتهمته وهي المتهمة وبرأت عرضها ونزهت ساحتها فلهذا قال يوسف عليه السلام : { هي راوتدني عن نفسي } احتاج إلى أن يقول الحق عند الحاجة
{ وشهد شاهد من أهلها } قيل كان صغيرا في المهد قاله ابن عباس وروى عن أبي هريرة وهلال بن يساف والحسن البصري وسعيد بن جبير والضحاك واختاره ابن جرير وروى فيه حديثا مرفوعا عن ابن عباس ووقفه غيره عنه
وقيل كان رجلا قريبا إلى " وقطفير " بعلها وقيل قريبا إليها وممن قال إنه كان رجلا : ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وزيد بن أسلم
فقال : { إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين } أي لأنه يكون قد راودها فدافعته حتى قدت مقدم قميصه { وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين } أي لأنه يكون قد هرب منها فاتبعته وتعلقت فيه فانشق قميصه لذلك وكذلك كان ولهذا قال تعالى : { فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم } أي هذا الذي جرى من مكركن أنت راودتيه عن نفسه ثم اتهمتيه بالباطل
ثم أضرب بعلها عن هذا صفحا فقال : { يوسف أعرض عن هذا } أي لا تذكره لأحد لأن كتمان مثل هذه الأمور هو الأليق والأحسن وأمرها بالإستغفار لذنبها الذي صدر منها والتوبة إلى ربها فإن العبد إذا تاب إلى الله تاب الله عليه
وأهل مصر وإن كانوا يعبدون الأصنام إلا أنهم يعلمون أن الذي يغفر الذنوب ويؤاخذ بها هو الله وحده لا شريك له في ذلك ولهذا قال لها بعلها وعذرها من بعض الوجوه لأنها رأت ما لا صبر لها على مثله إلا أنه عفيف نزيه برىء العرض سليم الناحية فقال : { استغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين }
{ وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين * فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلم رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشر إن هذا إلا ملك كريم * قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راوته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين * قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين * فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم }
يذكر تعالى ما كان من قبل نساء المدينة من نساء الأمراء وبنات الكبراء في الطعن على امرأة العزيز وعيبها والتشنيع عليها في مراودتها فتاها وحبها الشديد له وهو لا يساوي هذا لأنه مولى من الموالي وليس مثله أهلا لهذا ولهذا قلن : { إنا لنراها في ضلال مبين } أي في وضعها الشيء في غير محله
{ فلما سمعت بمكرهن } أي بتشنيعهن عليها والتنقص لها والإشارة إليها بالعيب والمذمة بحب مولاها وعشق فتاها فأظهرن ذما وهي معذورة في نفس الأمر فلهذا أحبت أن تبسط عذرها عندهن وتبين أن هذا الفتي ليس كما حسبن ولا من قبيل ما لديهن فأرسلت إليهن فجمعتهن في منزلها وأعتدت لهن ضيافة مثلهن وأحضرت جملة ذلك شيئا مما يقطع بالسكاكين كالأترج ونحوه وآتت كل واحدة منهن سكينا وكانت قد هيأت يوسف عليه السلام وألبسته أحسن الثياب وهو في غاية طراوة الشباب وأمرته بالخروج عليهن بهذه الحالة فخرج وهو أحسن من البدر لا محالة
{ فلما رأينه أكبرنه } أي أعظمنه وأجللنه وهبنه وما ظنن أن يكون مثل هذا في بني آدم وبهرهن حسنه حتى اشتغلن عن أنفسهن وجعلن يحززن في أيديهن بتلك السكاكين ولا يشعرن بالجراح { وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم }
وقد جاء في حديث الإسراء : [ فمررت بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن ] قال السهيلي وغيره من الأئمة : معناه أنه كان على النصف من حسن آدم عليه السلام لأن الله تعالى خلق آدم بيده ونفخ فيه من روحه فكان في غاية نهايات الحسن البشري ولهذا يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم وحسنه ويوسف كان على النصف من حسن آدم ولم يكن بينهما أحسن منهما كما أنه لم تكن أنثى بعد حواء أشبه بها من سارة امرأة الخليل عليه السلام
قال ابن مسعود : وكان وجه يوسف مثل البرق وكانت إذا أتته امرأة لحاجة غطى وجهه وقال غيره : كان في الغالب مبرقعا لئلا يراه الناس ولهذا لما قام عذرن امرأة العزيز في محبتها لهذا المعني المذكور وجرى لهن وعليهن ما جرى من تقطيع أيديهن بجراح السكاكين وما ركبهن من المهابة والدهش عند رؤيته ومعاينته
{ قالت فذلكن الذي لمتنني فيه } ثم مدحته بالعفة التامة فقالت : { ولقد راودته عن نفسه فاستعصم } أي امتنع { ولئن لم يفعل يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين }
وكان بقية النساء حرضنه على السمع والطاعة لسيدته فأبي أشد الإباء ونأى لأنه من سلالة الأنبياء ودعا فقال في دعائه لرب العالمين : { رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين } يعنى إن وكلتني إلى نفسي فليس لي من نفسي إلا العجز والضعف ولا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله فأنا ضعيف إلا ما قويتني وعصمتني وحفظتني وحطتني بحولك وقوتك
ولهذا قال تعالى : { فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم * ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين * ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين * قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون * واتبعت ملة آبائي إبراهيم و اسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لايشكرون * يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار * ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا اياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون * يا صاحبي السجن أما أحدكما قيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان }
يذكر تعالى عن العزيز وامرأته أنهم بدا لهم أي ظهر لهم من الرأي بعد ما علموا براءة يوسف أن يسجنوه إلى وقت ليكون ذلك أقل لكلام الناس في تلك القضية وأحمد لأمرها وليظهروا أنه راودها عن نفسها فسجن بسببها فسجنوه ظلما وعدوانا
وهذا مما قدر الله له ومن جملة ما عصمه به فإنه أبعد له عن معاشرتهن ومخالطتهم
ومن هاهنا استنبط بعض الصوفية ما حكاه عنهم الشافعي : أن من العصمة ألا تجد !
قال الله : { ودخل معه السجن فتيان } قيل : كان أحدهما ساقي الملك واسمه فيما قيل " بنوا " والآخر خبازه يعنى الذي يلي طعامه وهو الذي يقوله له الترك " الجاشنكير " واسمه فيما قيل " مجلث " وكان الملك قد اتهمهما في بعض الأمور فسجنهما فلما رأيا يوسف في السجن أعجبتهما سمته وهديه ودله وطريقته وقوله وفعله وكثرة عبادته ربه وإحسانه إلى خلقه فرأى كل واحد منهما رؤيا تناسبه
قال أهل التفسير : رأيا في ليلة واحدة أما الساقي فرأى كأن ثلاثة قضبان من حبلة وقد أورقت وأينعت عناقيد العنب فأخذها فاعتصرها في كأس الملك وسقاه ورأى الخباز على رأسه ثلاث سلال من خبز وضواري الطيور تأكل من السلة الأعلى
فقصاها عليه وطلبا منه أن يعبرها لهما وقالا : { إنا نراك من المحسنين } فأخبرهما أنه عليم بتعبيرها خبير بأمرها { قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نباتكما بتأويله قبل أن يأتيكما } قيل : معناه مهما رأيتما من حلم فإني أعبره لكم قبل وقوعه فيكون كما أقول وقيل معناه أني أخبركم بما يأتيكما من الطعام قبل مجيئه حلوا وحامضا كما قال عيسى : { وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم }
وقال لهما : إن هذا من تعليم الله إياى لأني مؤمن به موحد له متبع ملة آبائي الكرام : إبراهيم الخليل وإسحاق ويعقوب { ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا } أي أن هدانا لهذا { وعلى الناس } أي بأن أمرنا أن ندعوهم إليه ونرشدهم وندلهم عليه وهو في فطرهم مركوز وفي جبلتهم مغروز { ولكن أكثر الناس لا يشكرون }
ثم دعاهم إلى التوحيد وذم عبادة ما سوى الله عز وجل وصغر أمر الأوثان وحقرها وضعف أمرها فقال : { يا صاحبى السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار * ما تعبدون من دونه إلا أسماء سيتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله } أي المتصرف في خلقه الفعال لما يريد الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء { أمر ألا تعبدوا إلا إياه } أي وحده لا شريك له و { ذلك الدين القيم } أي المستقيم والصراط القويم { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أي فهم لا يهتدون إليه مع وضوحه وظهوره
وكانت دعوته لهما في هذه الحال في غاية الكمال لأن نفوسهما معظمة له منبعثة على تلقى ما يقول بالقبول فناسب أن يدعوهما إلى ما هو الأنفع لهما مما سألا عنه وطلبا منه
ثم لما قام بما وجب عليه وأرشد إلى ما أرشد إليه قال : { يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا } قالوا وهو الساقي { وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه } قالوا وهو الخباز { قضي الأمر الذي فيه تستفتيان } أي وقع هذا لا محالة ووحب كونه على كل حالة ولهذا جاء في الحديث : [ الرؤيا على رجل طائر على ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت ]
وقد روى عن ابن مسعود ومجاهد وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنهما قالا : لم نر شيئا فقال لهما : { وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان }
{ وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين }
يخبر تعالى أن يوسف قال للذي ظنه ناجيا منهما وهو الساقي : { اذكرني عند ربك } يعنى اذكر أمري وما أنا فيه من السجن بغير جرم عند الملك وفي هذا دليل على جواز السعي في الأسباب ولا ينافي ذلك التوكل على رب الأرباب
وقوله : { فأنساه الشيطان ذكر ربه } أي فأنسى الناجي منهما الشيطان أن يذكر ما وصاه به يوسف عليه السلام قال مجاهد ومحمد بن إسحاق وغير واحد وهو الصواب وهو منصوص أهل الكتاب
{ فلبثت } يوسف { في السجن بضع سنين } والبضع : ما بين الثلاث إلى التسع وقيل إلى السبع وقيل إلى الخمس وقيل ما دون العشرة : حكاها الثعلبي ويقال بضع نسوة وبضعة رجال
ومنع الفراء استعمال البضع فيما دون العشر قال وإنما يقال نيف وقال الله تعالى : { فلبث في السجن بضع سنين } وقال تعالى { في بضع سنين } وهذا رد لقوله
قال الفراء : ويقال بضعة عشر وبعضة وعشرون إلى التسعين ولا يقال : بضع ومائة وبضع وألف وخالف الجوهري فيما زاد على بضعة عشر فمنع أن يقال بضعة وعشرون إلى تسعين وفي الصحيح : [ الإيمان بضع وستون شعبة ] وفي رواية : [ وسبعون شعبة وأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ]
ومن قال إن الضمير في قوله : { فأنساه الشيطان ذكر ربه } عائد على يوسف فقد ضعف ما قاله وإن كان قد روى عن ابن عباس وعكرمة
والحديث الذي رواه ابن جرير في هذا الموضع ضعيف من كل وجه تفرد بإسناده إبراهيم ابن يزيد الخوري المكي وهو متروك
ومرسل الحسن وقتادة لا يقبل ولا هاهنا بطريق الأولى والأحرى والله أعلم
فأما قول ابن حبان في صحيحه عند ذكر السبب الذي من أجله لبث يوسف في السجن ما لبث : أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا خالد بن عبد الله حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ رحم الله يوسف لولا الكلمة التي قالها { اذكرني عند ربك } ما لبث في السجن ما لبث ورحم الله لوطا إن كان ليأوي إلى ركن شديد إذ قال لقومه : { لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد } قال : فما بعث الله نبيا بعده إلا في ثروة من قومه ]
فإنه حديث منكر من هذا الوجه ومحمد بن عمرو بن علقمة له أشياء ينفرد بها وفيها نكارة وهذه اللفظة من أنكرها وأشدها والذي في الصحيحين يشهد بغلطها والله أعلم
{ وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون * قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين * وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون * يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون * قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون * ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون * ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون }
هذا كان من جملة أسباب خروج يوسف عليه السلام من السجن على وجه الإحترام والإكرام وذلك أن ملك مصر وهو الريان بن الوليد بن ثروان بن أراشة بن فاران بن عمرو ابن عملاق بن لاوذ ابن سام بن نوح رأي هذه الرؤيا
قال أهل الكتاب : رأى كأنه على حافة نهر وكأنه قد خرج منه سبع بقرات سمان فجعلن يرتعن في روضة هناك فخرجت سبع هزال ضعاف من ذلك النهر فرتعن معهن ثم ملن عليهن فأكلنهن فاستيقظ مذعورا ثم نام فرأي سبع سنبلات خضر في قصبة واحدة وإذا سبع أخر دقاق يابسات فأكلنهن فاستيقظ مذعورا
فلما قصها على ملئه وقومه لم يكن فيهم من يحسن تعبيرها بل { قالوا أضغاث أحلام } أي أخلاط أحلام من الليل لعلها لا تعبير لها ومع هذا فلا خبرة لنا بذلك ولهذا قالوا : { وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين } فعند ذلك تذكر الناجي منهما الذي وصاه يوسف بأن يذكره عند ربه فنسيه إلى حينه هذا وذلك عن تقدير الله عز وجل وله الحكمة في ذلك فلما سمع رؤيا الملك ورأى عجز الناس عن تعبيرها تذكر أمر يوسف وما كان أوصاه به من التذكار
ولهذا قال تعالى : { وقال الذي نجا منهما وادكر } أي تذكر { بعد أمة } أي بعد مدة من الزمان وهو بضع سنين وقرأ بعضهم كما حكى عن ابن عباس وعكرمة والضحاك : { وادكر بعد أمه } أي بعد نسيان وقرأها مجاهد : { بعد أمة } بإسكان الميم وهو النسيان أيضا يقال أمه الرجل يأمه أمها وأمها إذا نسى قال الشاعر :
( أمهت وكنت لا أنسى حديثا ... كذلك الدهر يزرى بالعقول )
فقال لقومه وللملك : { أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون } أي فأرسلوني إلى يوسف فجاءه فقال : { يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون }
وعند أهل الكتاب : أن الملك لما ذكره له الساقي استدعاه إلى حضرته وقص عليه ما رآه ففسره له وهذا غلط والصواب ما قصه الله في كتابه القرآن لا ما عربه هؤلاء الجهلة الثيران من فرى وهذيان
فبذل يوسف عليه السلام ما عنده من العلم بلا تأخر ولا شرط ولا طلب الخروج سريعا بل أجابهم إلى ما سألوه وعبر لهم ما كان من منام الملك الدال على وقوع سبع سنين من الخصب ويعقبها سبع جدب { ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس } يعنى يأتيهم الغيث والخصب والرفاهية { وفيه يعصرون } يعنى ما كانوا يعصرونه من الأقطاب والأعناب والزيتون والسمسم وغيرها
فعبر لهم وعلى الخير دلهم وأرشدهم إلى ما يعتمدونه في حالتي خصبهم وجدبهم وما يفعلونه من ادخار حبوب سنى الخصب في السبع الأول في سنبله إلا ما يرصد بسبب الأكل ومن تقليل البذر في سني الجدب في السبع الثانية إذ الغالب على الظن أنه لا يرد البذر من الحقل وهذا يدل على
يخبر الله تعالى عن قصة يوسف حين وضع في الجب : أنه جلس ينتظر فرج الله ولطفه به فجاءت سيارة أي مسافرون قال أهل الكتاب : كانت بضاعتهم من الفستق والصنوبر والبطم قاصدين ديار مصر من الشام فأرسلوا بعضهم ليستقوا من ذلك البئر فلما أدلى أحدهم دلوه تعلق فيه يوسف
فلما رآه ذلك الرجل { قال يا بشرى } أي يا بشارتي { هذا غلام وأسروه بضاعة } أي أوهموا أنه معهم غلام من جملة متجرهم { والله عليم بما يعملون } أي هو عالم بما تمالأ عليه إخوته وبما يسره واجدوه من أنه بضاعة لهم ومع هذا لا يغيره تعالى لما له في ذلك من الحكمة العظيمة والقدر السابق والرحمة بأهل مصر بما يجري الله على يدي هذا الغلام الذي يدخلها في صورة أسير رقيق ثم بعد هذا يملكه أزمة الأمور وينفعهم الله به في دنياهم وأخراهم بما لا يحد ولا يوصف
ولما استشعر إخوة يوسف بأخذ السيارة له لحقوهم وقالوا هذا غلامنا أبق منا فاشتروه منهم بثمن بخس أي قليل نزر وقيل هو الزيف : { دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين }
قال ابن مسعود وابن عباس ونوف البكالي والسدي وقتادة وعطية العوفي : باعوه بعشرين درهما اقتسموها درهمين وقال مجاهد : اثنان وعشرون درهما وقال عكرمة ومحمد بن إسحاق : أربعون درهما والله أعلم
{ وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه } أي أحسني إليه { عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا } وهذا من لطف الله به ورحمته وإحسانه إليه بما يريد أن يؤهله له ويعطيه من خيري الدنيا والآخرة
قالوا : وكان الذي اشتراه من أهل مصر عزيزها وهو الوزير بها الذي الخزائن مسلمة إليه قال ابن إسحاق : واسمه أطفير بن روحيب قال : وكان ملك مصر يومئذ الريان بن الوليد رجل من العماليق قال : واسم امرأة العزيز : " راعيل " بنت رماييل وقال غيره : كان اسمها " زليخا " والظاهر أنه لقبها وقيل " فكا " بنت ينوس رواه الثعلبي عن ابن هشام الرفاعي
وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس : كان اسم الذي باعه بمصر - يعني الذي جلبه إليها - مالك بن زعر بن نويت بن مديان بن إبراهيم والله أعلم
وقال ابن إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود قال : أفرس الناس ثلاثة : عزيز مصر حيث قال لامرأته { أكرمي مثواه } والمرأة التي قالت لأبيه عن موسى : { يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين } وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنهما
ثم قيل : اشتراه العزيز بعشرين دينارا وقيل بوزنه مسكا ووزنه حريرا ووزنه ورقا والله أعلم
وقوله : { وكذلك مكنا ليوسف في الأرض } أي وكما قيضنا هذا العزيز وامرأته يحسنان إليه ويعتنيان به مكنا له في أرض مصر { ولنعلمه من تأويل الأحاديث } أي فهمها وتعبير الرؤيا من ذلك { والله غالب على أمره } أي إذا أراد شيئا فإنه يقيض له أسبابا وأمورا لا يهتدى إليها العباد ولهذا قال تعالى : { ولكن أكثر الناس لا يعلمون }
{ ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين } فدل على أن هذا كله كان وهو قبل بلوغ الأشد وهو حد الأربعين الذي يوحى الله فيه إلى عباده النبيين عليهم الصلاة والسلام من رب العالمين
وقد اختلفوا في مدة العمر الذي هو بلوغ الأشد : فقال مالك وربيعة وزيد بن أسلم الشعبي : هو الحلم وقال سعيد بن جبير : ثماني عشرة سنة وقال الضحاك : عشرون سنة وقال عكرمة : خمس وعشرون سنة وقال السدي : ثلاثون سنة وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة : ثلاتة وثلاثون سنة وقال الحسن : أربعون سنة ويشهد له قوله تعالى : { حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة }
{ وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون * ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين * واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم * قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين * وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين * فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم * يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين }
يذكر تعالى ما كان من مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه السلام عن نفسه وطلبها منه ما لا يليق بحاله ومقامه وهي في غاية الجمال والمال والمنصب والشباب وكيف غلقت الأبواب عليها وعليه وتهيأت له وتصنعت ولبست أحسن ثيابها وأفخر لباسها وهي مع هذا كله امرأة الوزير قال ابن إسحاق : وبنت أخت الملك الريان ابن الوليد صاحب مصر
وهذا كله من أن يوسف عليه السلام شاب بديع الجمال والبهاء إلا أنه نبي من سلالة الأنبياء فعصمه ربه عن الفحشاء وحماه عن مكر النساء فهو سيد السادة النجباء السبع الأتقياء المذكورين في الصحيحين عن خاتم الأنبياء في قوله عليه الصلاة والسلام من رب الأرض والسماء : [ سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل معلق قلبه بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه وشاب نشأ في عبادة الله ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ]
والمقصود أنها دعته إليها وحرصت على ذلك أشد الحرص فقال { معاذ الله إنه ربي } يعنى زوجها صاحب المنزل سيدي { أحسن مثواي } أي أحسن إلي وأكرم مقامي عنده { إنه لا يفلح الظالمون } وقد تكلمنا على قوله تعالى : { ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه } بما فيه كفاية ومقنع في التفسير
وأكثر أقوال المفسرين هاهنا متلقي من كتب أهل الكتاب فالإعراض عنه أولى بنا
والذي يجب أن يعتقد : أن الله تعالى عصمه وبرأه ونزهه عن الفاحشة وحماه عنها وصانه منها ولهذا قال تعالى : { كذلك لنضرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين }
{ واستبقا الباب } أي هرب منها طالبا الباب ليخرج منه فرارا منها فاتبعته في أثره { وألفيا } أي وجدا { سيدها } أي زوجها { لدى الباب } فبدرته بالكلام وحرضته عليه { قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم } اتهمته وهي المتهمة وبرأت عرضها ونزهت ساحتها فلهذا قال يوسف عليه السلام : { هي راوتدني عن نفسي } احتاج إلى أن يقول الحق عند الحاجة
{ وشهد شاهد من أهلها } قيل كان صغيرا في المهد قاله ابن عباس وروى عن أبي هريرة وهلال بن يساف والحسن البصري وسعيد بن جبير والضحاك واختاره ابن جرير وروى فيه حديثا مرفوعا عن ابن عباس ووقفه غيره عنه
وقيل كان رجلا قريبا إلى " وقطفير " بعلها وقيل قريبا إليها وممن قال إنه كان رجلا : ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وزيد بن أسلم
فقال : { إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين } أي لأنه يكون قد راودها فدافعته حتى قدت مقدم قميصه { وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين } أي لأنه يكون قد هرب منها فاتبعته وتعلقت فيه فانشق قميصه لذلك وكذلك كان ولهذا قال تعالى : { فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم } أي هذا الذي جرى من مكركن أنت راودتيه عن نفسه ثم اتهمتيه بالباطل
ثم أضرب بعلها عن هذا صفحا فقال : { يوسف أعرض عن هذا } أي لا تذكره لأحد لأن كتمان مثل هذه الأمور هو الأليق والأحسن وأمرها بالإستغفار لذنبها الذي صدر منها والتوبة إلى ربها فإن العبد إذا تاب إلى الله تاب الله عليه
وأهل مصر وإن كانوا يعبدون الأصنام إلا أنهم يعلمون أن الذي يغفر الذنوب ويؤاخذ بها هو الله وحده لا شريك له في ذلك ولهذا قال لها بعلها وعذرها من بعض الوجوه لأنها رأت ما لا صبر لها على مثله إلا أنه عفيف نزيه برىء العرض سليم الناحية فقال : { استغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين }
{ وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين * فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلم رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشر إن هذا إلا ملك كريم * قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راوته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين * قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين * فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم }
يذكر تعالى ما كان من قبل نساء المدينة من نساء الأمراء وبنات الكبراء في الطعن على امرأة العزيز وعيبها والتشنيع عليها في مراودتها فتاها وحبها الشديد له وهو لا يساوي هذا لأنه مولى من الموالي وليس مثله أهلا لهذا ولهذا قلن : { إنا لنراها في ضلال مبين } أي في وضعها الشيء في غير محله
{ فلما سمعت بمكرهن } أي بتشنيعهن عليها والتنقص لها والإشارة إليها بالعيب والمذمة بحب مولاها وعشق فتاها فأظهرن ذما وهي معذورة في نفس الأمر فلهذا أحبت أن تبسط عذرها عندهن وتبين أن هذا الفتي ليس كما حسبن ولا من قبيل ما لديهن فأرسلت إليهن فجمعتهن في منزلها وأعتدت لهن ضيافة مثلهن وأحضرت جملة ذلك شيئا مما يقطع بالسكاكين كالأترج ونحوه وآتت كل واحدة منهن سكينا وكانت قد هيأت يوسف عليه السلام وألبسته أحسن الثياب وهو في غاية طراوة الشباب وأمرته بالخروج عليهن بهذه الحالة فخرج وهو أحسن من البدر لا محالة
{ فلما رأينه أكبرنه } أي أعظمنه وأجللنه وهبنه وما ظنن أن يكون مثل هذا في بني آدم وبهرهن حسنه حتى اشتغلن عن أنفسهن وجعلن يحززن في أيديهن بتلك السكاكين ولا يشعرن بالجراح { وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم }
وقد جاء في حديث الإسراء : [ فمررت بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن ] قال السهيلي وغيره من الأئمة : معناه أنه كان على النصف من حسن آدم عليه السلام لأن الله تعالى خلق آدم بيده ونفخ فيه من روحه فكان في غاية نهايات الحسن البشري ولهذا يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم وحسنه ويوسف كان على النصف من حسن آدم ولم يكن بينهما أحسن منهما كما أنه لم تكن أنثى بعد حواء أشبه بها من سارة امرأة الخليل عليه السلام
قال ابن مسعود : وكان وجه يوسف مثل البرق وكانت إذا أتته امرأة لحاجة غطى وجهه وقال غيره : كان في الغالب مبرقعا لئلا يراه الناس ولهذا لما قام عذرن امرأة العزيز في محبتها لهذا المعني المذكور وجرى لهن وعليهن ما جرى من تقطيع أيديهن بجراح السكاكين وما ركبهن من المهابة والدهش عند رؤيته ومعاينته
{ قالت فذلكن الذي لمتنني فيه } ثم مدحته بالعفة التامة فقالت : { ولقد راودته عن نفسه فاستعصم } أي امتنع { ولئن لم يفعل يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين }
وكان بقية النساء حرضنه على السمع والطاعة لسيدته فأبي أشد الإباء ونأى لأنه من سلالة الأنبياء ودعا فقال في دعائه لرب العالمين : { رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين } يعنى إن وكلتني إلى نفسي فليس لي من نفسي إلا العجز والضعف ولا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله فأنا ضعيف إلا ما قويتني وعصمتني وحفظتني وحطتني بحولك وقوتك
ولهذا قال تعالى : { فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم * ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين * ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين * قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون * واتبعت ملة آبائي إبراهيم و اسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لايشكرون * يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار * ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا اياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون * يا صاحبي السجن أما أحدكما قيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان }
يذكر تعالى عن العزيز وامرأته أنهم بدا لهم أي ظهر لهم من الرأي بعد ما علموا براءة يوسف أن يسجنوه إلى وقت ليكون ذلك أقل لكلام الناس في تلك القضية وأحمد لأمرها وليظهروا أنه راودها عن نفسها فسجن بسببها فسجنوه ظلما وعدوانا
وهذا مما قدر الله له ومن جملة ما عصمه به فإنه أبعد له عن معاشرتهن ومخالطتهم
ومن هاهنا استنبط بعض الصوفية ما حكاه عنهم الشافعي : أن من العصمة ألا تجد !
قال الله : { ودخل معه السجن فتيان } قيل : كان أحدهما ساقي الملك واسمه فيما قيل " بنوا " والآخر خبازه يعنى الذي يلي طعامه وهو الذي يقوله له الترك " الجاشنكير " واسمه فيما قيل " مجلث " وكان الملك قد اتهمهما في بعض الأمور فسجنهما فلما رأيا يوسف في السجن أعجبتهما سمته وهديه ودله وطريقته وقوله وفعله وكثرة عبادته ربه وإحسانه إلى خلقه فرأى كل واحد منهما رؤيا تناسبه
قال أهل التفسير : رأيا في ليلة واحدة أما الساقي فرأى كأن ثلاثة قضبان من حبلة وقد أورقت وأينعت عناقيد العنب فأخذها فاعتصرها في كأس الملك وسقاه ورأى الخباز على رأسه ثلاث سلال من خبز وضواري الطيور تأكل من السلة الأعلى
فقصاها عليه وطلبا منه أن يعبرها لهما وقالا : { إنا نراك من المحسنين } فأخبرهما أنه عليم بتعبيرها خبير بأمرها { قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نباتكما بتأويله قبل أن يأتيكما } قيل : معناه مهما رأيتما من حلم فإني أعبره لكم قبل وقوعه فيكون كما أقول وقيل معناه أني أخبركم بما يأتيكما من الطعام قبل مجيئه حلوا وحامضا كما قال عيسى : { وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم }
وقال لهما : إن هذا من تعليم الله إياى لأني مؤمن به موحد له متبع ملة آبائي الكرام : إبراهيم الخليل وإسحاق ويعقوب { ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا } أي أن هدانا لهذا { وعلى الناس } أي بأن أمرنا أن ندعوهم إليه ونرشدهم وندلهم عليه وهو في فطرهم مركوز وفي جبلتهم مغروز { ولكن أكثر الناس لا يشكرون }
ثم دعاهم إلى التوحيد وذم عبادة ما سوى الله عز وجل وصغر أمر الأوثان وحقرها وضعف أمرها فقال : { يا صاحبى السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار * ما تعبدون من دونه إلا أسماء سيتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله } أي المتصرف في خلقه الفعال لما يريد الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء { أمر ألا تعبدوا إلا إياه } أي وحده لا شريك له و { ذلك الدين القيم } أي المستقيم والصراط القويم { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أي فهم لا يهتدون إليه مع وضوحه وظهوره
وكانت دعوته لهما في هذه الحال في غاية الكمال لأن نفوسهما معظمة له منبعثة على تلقى ما يقول بالقبول فناسب أن يدعوهما إلى ما هو الأنفع لهما مما سألا عنه وطلبا منه
ثم لما قام بما وجب عليه وأرشد إلى ما أرشد إليه قال : { يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا } قالوا وهو الساقي { وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه } قالوا وهو الخباز { قضي الأمر الذي فيه تستفتيان } أي وقع هذا لا محالة ووحب كونه على كل حالة ولهذا جاء في الحديث : [ الرؤيا على رجل طائر على ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت ]
وقد روى عن ابن مسعود ومجاهد وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنهما قالا : لم نر شيئا فقال لهما : { وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان }
{ وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين }
يخبر تعالى أن يوسف قال للذي ظنه ناجيا منهما وهو الساقي : { اذكرني عند ربك } يعنى اذكر أمري وما أنا فيه من السجن بغير جرم عند الملك وفي هذا دليل على جواز السعي في الأسباب ولا ينافي ذلك التوكل على رب الأرباب
وقوله : { فأنساه الشيطان ذكر ربه } أي فأنسى الناجي منهما الشيطان أن يذكر ما وصاه به يوسف عليه السلام قال مجاهد ومحمد بن إسحاق وغير واحد وهو الصواب وهو منصوص أهل الكتاب
{ فلبثت } يوسف { في السجن بضع سنين } والبضع : ما بين الثلاث إلى التسع وقيل إلى السبع وقيل إلى الخمس وقيل ما دون العشرة : حكاها الثعلبي ويقال بضع نسوة وبضعة رجال
ومنع الفراء استعمال البضع فيما دون العشر قال وإنما يقال نيف وقال الله تعالى : { فلبث في السجن بضع سنين } وقال تعالى { في بضع سنين } وهذا رد لقوله
قال الفراء : ويقال بضعة عشر وبعضة وعشرون إلى التسعين ولا يقال : بضع ومائة وبضع وألف وخالف الجوهري فيما زاد على بضعة عشر فمنع أن يقال بضعة وعشرون إلى تسعين وفي الصحيح : [ الإيمان بضع وستون شعبة ] وفي رواية : [ وسبعون شعبة وأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ]
ومن قال إن الضمير في قوله : { فأنساه الشيطان ذكر ربه } عائد على يوسف فقد ضعف ما قاله وإن كان قد روى عن ابن عباس وعكرمة
والحديث الذي رواه ابن جرير في هذا الموضع ضعيف من كل وجه تفرد بإسناده إبراهيم ابن يزيد الخوري المكي وهو متروك
ومرسل الحسن وقتادة لا يقبل ولا هاهنا بطريق الأولى والأحرى والله أعلم
فأما قول ابن حبان في صحيحه عند ذكر السبب الذي من أجله لبث يوسف في السجن ما لبث : أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا خالد بن عبد الله حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ رحم الله يوسف لولا الكلمة التي قالها { اذكرني عند ربك } ما لبث في السجن ما لبث ورحم الله لوطا إن كان ليأوي إلى ركن شديد إذ قال لقومه : { لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد } قال : فما بعث الله نبيا بعده إلا في ثروة من قومه ]
فإنه حديث منكر من هذا الوجه ومحمد بن عمرو بن علقمة له أشياء ينفرد بها وفيها نكارة وهذه اللفظة من أنكرها وأشدها والذي في الصحيحين يشهد بغلطها والله أعلم
{ وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون * قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين * وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون * يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون * قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون * ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون * ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون }
هذا كان من جملة أسباب خروج يوسف عليه السلام من السجن على وجه الإحترام والإكرام وذلك أن ملك مصر وهو الريان بن الوليد بن ثروان بن أراشة بن فاران بن عمرو ابن عملاق بن لاوذ ابن سام بن نوح رأي هذه الرؤيا
قال أهل الكتاب : رأى كأنه على حافة نهر وكأنه قد خرج منه سبع بقرات سمان فجعلن يرتعن في روضة هناك فخرجت سبع هزال ضعاف من ذلك النهر فرتعن معهن ثم ملن عليهن فأكلنهن فاستيقظ مذعورا ثم نام فرأي سبع سنبلات خضر في قصبة واحدة وإذا سبع أخر دقاق يابسات فأكلنهن فاستيقظ مذعورا
فلما قصها على ملئه وقومه لم يكن فيهم من يحسن تعبيرها بل { قالوا أضغاث أحلام } أي أخلاط أحلام من الليل لعلها لا تعبير لها ومع هذا فلا خبرة لنا بذلك ولهذا قالوا : { وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين } فعند ذلك تذكر الناجي منهما الذي وصاه يوسف بأن يذكره عند ربه فنسيه إلى حينه هذا وذلك عن تقدير الله عز وجل وله الحكمة في ذلك فلما سمع رؤيا الملك ورأى عجز الناس عن تعبيرها تذكر أمر يوسف وما كان أوصاه به من التذكار
ولهذا قال تعالى : { وقال الذي نجا منهما وادكر } أي تذكر { بعد أمة } أي بعد مدة من الزمان وهو بضع سنين وقرأ بعضهم كما حكى عن ابن عباس وعكرمة والضحاك : { وادكر بعد أمه } أي بعد نسيان وقرأها مجاهد : { بعد أمة } بإسكان الميم وهو النسيان أيضا يقال أمه الرجل يأمه أمها وأمها إذا نسى قال الشاعر :
( أمهت وكنت لا أنسى حديثا ... كذلك الدهر يزرى بالعقول )
فقال لقومه وللملك : { أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون } أي فأرسلوني إلى يوسف فجاءه فقال : { يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون }
وعند أهل الكتاب : أن الملك لما ذكره له الساقي استدعاه إلى حضرته وقص عليه ما رآه ففسره له وهذا غلط والصواب ما قصه الله في كتابه القرآن لا ما عربه هؤلاء الجهلة الثيران من فرى وهذيان
فبذل يوسف عليه السلام ما عنده من العلم بلا تأخر ولا شرط ولا طلب الخروج سريعا بل أجابهم إلى ما سألوه وعبر لهم ما كان من منام الملك الدال على وقوع سبع سنين من الخصب ويعقبها سبع جدب { ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس } يعنى يأتيهم الغيث والخصب والرفاهية { وفيه يعصرون } يعنى ما كانوا يعصرونه من الأقطاب والأعناب والزيتون والسمسم وغيرها
فعبر لهم وعلى الخير دلهم وأرشدهم إلى ما يعتمدونه في حالتي خصبهم وجدبهم وما يفعلونه من ادخار حبوب سنى الخصب في السبع الأول في سنبله إلا ما يرصد بسبب الأكل ومن تقليل البذر في سني الجدب في السبع الثانية إذ الغالب على الظن أنه لا يرد البذر من الحقل وهذا يدل على