{ وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم * قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين * ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين * وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم }
لما أحاط الملك علما بكمال علم يوسف عليه الصلاة والسلام وتمام عقله ورأيه السديد وفهمه أمر بإحضاره إلى حضرته ليكون من جملة خاصته فلما جاءه الرسول بذلك أحب ألا يخرج حتى يتبين لكل أحد أنه حبس ظلما وعدوانا وأنه برىء الساحة مما نسبوه إليه بهتانا { قال ارجع إلى ربك } يعني الملك { فاسأله ما بال النسوة اللاتى قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم } قيل معناه : إن سيدي العزيز يعلم براءتي مما نسب إلي أي فمر الملك فليسألهن : كيف كان امتناعي الشديد عند مراودتهن إياي ؟ وحثهن لي على الأمر الذي ليس برشيد ولا سديد ؟
فلما سئلن عن ذلك اعترفن بما وقع من الأمر وما كان منه من الأمر الحميد { قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء }
فعند ذلك { قالت امرأة العزيز } وهي زليخا { الآن حصحص الحق } أي ظهر وتبين ووضح والحق أحق أن يتبع { أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين } أي فيما يقوله ومنه أنه برىء وأنه لم يراودني وأنه حبس ظلما وعدوانا وزورا وبهتانا
وقوله : { ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين } قيل إنه من كلام يوسف أي إنما طلبت تحقيق هذا ليعلم العزيز أني لم أخنه بظهر الغيب وقيل إنه من تمام كلام زليخا أي إنما اعترفت بهذا ليعلم زوجي أني لم أخنه في نفس الأمر وإنما كان مراودة لم يقع معها فعل فاحشة
وهذا القول هو الذي نصره طائفة كثيرة من أئمة المتأخرين وغيرهم ولم يحك ابن جرير وابن أبي حاتم سوى الأول
{ وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم } قيل إنه من كلام يوسف وقيل من كلام زليخا وهو مفرع على القولين الأولين وكونه من تمام كلام زليخا أظهر وأنسب وأقوى والله أعلم
* * *
{ وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين * قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم * وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين * ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون }
لما ظهر للملك براءة عرضه ونزاهة ساحته عما كانوا أظهروا عنه مما نسبوه إليه { قال ائتوني به أستخلصه لنفسي } أي أجعله من خاصتي ومن أكابر دولتي ومن أعيان حاشيتي فلما كلمه وسمع مقاله وتبين حاله { قال إنك اليوم لدينا مكين أمين } أي ذو مكانة وأمانة
{ قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم } طلب أن يوليه النظر فيما يتعلق بالأهراء لما يتوقع من حصول الخلل فيما بعد مضي سبع سني الخصب لينظر فيها بما يرضي الله في خلقه من الإحتياط لهم والرفق بهم وأخبر الملك أنه حفيظ أي قوي على حفظ ما لديه أمين عليه عليم بضبط الأشياء ومصالح الأهراء
وفي هذا دليل على جواز طلب الولاية لمن علم من نفسه الأمانة والكفاءة
وعند أهل الكتاب : أن فرعون عظم يوسف عليه السلام جدا وسلطه على جميع أرض مصر وألبسه خاتمه وألبسه الحرير وطوقه الذهب وحمله على مركبه الثاني ونودي بين يديه أنت رب ومسلط وقال له : لست أعظم منك إلا بالكرسي
قالوا : وكان يوسف إذا ذاك ابن ثلاثين سنة وزوجه امرأة عظيمة الشأن وحكى الثعلبي أنه عزل قطفير عن وظيفته وولاها يوسف
وقيل : إنه لما مات زوجه امرأته زليخا فوجدها عذراء لأن زوجها كان لا يأتي النساء فولدت ليوسف عليه السلام رجلين هما : أفرايم ومنسا قال : واستوثق ليوسف ملك مصر وعمل فيهم بالعدل فأحبه الرجال والنساء
حكي أن يوسف كان يوم دخل على الملك عمره ثلاثين سنة وأن الملك خاطبه بسبعين لغة وفي كل ذلك يجاوبه بكل لغة منها فأعجبه ذلك مع حداثة سنة والله أعلم
قال الله تعالى : { وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء } أي بعد السجن والضيق والحصر صار مطلق الركاب
بديار مصر { يتبوأ منها حيث يشاء } أي أين شاء حل منها مكرما محسودا معظما
{ نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين } من أي هذا كله من جزاء الله وثوابه للمؤمن مع ما يدخر له في آخرته من الخير الجزيل والثواب الجميل
ولهذا قال : { ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون }
ويقال : إن قطفير زوج زليخا كان قد مات فولاه الملك مكانه وزوجه امرأته زليخا فكان وزير صدق
وذكر محمد بن إسحاق أن صاحب مصر - الوليد بن الريان - أسلم على يدي يوسف عليه السلام فالله أعلم وقد قال بعضهم :
( وراء مضيق الخوف متسع الأمن ... وأول مفروح به غاية الحزن )
( فلا تيأسن فالله ملك يوسفا ... خزائنه
لما أحاط الملك علما بكمال علم يوسف عليه الصلاة والسلام وتمام عقله ورأيه السديد وفهمه أمر بإحضاره إلى حضرته ليكون من جملة خاصته فلما جاءه الرسول بذلك أحب ألا يخرج حتى يتبين لكل أحد أنه حبس ظلما وعدوانا وأنه برىء الساحة مما نسبوه إليه بهتانا { قال ارجع إلى ربك } يعني الملك { فاسأله ما بال النسوة اللاتى قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم } قيل معناه : إن سيدي العزيز يعلم براءتي مما نسب إلي أي فمر الملك فليسألهن : كيف كان امتناعي الشديد عند مراودتهن إياي ؟ وحثهن لي على الأمر الذي ليس برشيد ولا سديد ؟
فلما سئلن عن ذلك اعترفن بما وقع من الأمر وما كان منه من الأمر الحميد { قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء }
فعند ذلك { قالت امرأة العزيز } وهي زليخا { الآن حصحص الحق } أي ظهر وتبين ووضح والحق أحق أن يتبع { أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين } أي فيما يقوله ومنه أنه برىء وأنه لم يراودني وأنه حبس ظلما وعدوانا وزورا وبهتانا
وقوله : { ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين } قيل إنه من كلام يوسف أي إنما طلبت تحقيق هذا ليعلم العزيز أني لم أخنه بظهر الغيب وقيل إنه من تمام كلام زليخا أي إنما اعترفت بهذا ليعلم زوجي أني لم أخنه في نفس الأمر وإنما كان مراودة لم يقع معها فعل فاحشة
وهذا القول هو الذي نصره طائفة كثيرة من أئمة المتأخرين وغيرهم ولم يحك ابن جرير وابن أبي حاتم سوى الأول
{ وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم } قيل إنه من كلام يوسف وقيل من كلام زليخا وهو مفرع على القولين الأولين وكونه من تمام كلام زليخا أظهر وأنسب وأقوى والله أعلم
* * *
{ وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين * قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم * وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين * ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون }
لما ظهر للملك براءة عرضه ونزاهة ساحته عما كانوا أظهروا عنه مما نسبوه إليه { قال ائتوني به أستخلصه لنفسي } أي أجعله من خاصتي ومن أكابر دولتي ومن أعيان حاشيتي فلما كلمه وسمع مقاله وتبين حاله { قال إنك اليوم لدينا مكين أمين } أي ذو مكانة وأمانة
{ قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم } طلب أن يوليه النظر فيما يتعلق بالأهراء لما يتوقع من حصول الخلل فيما بعد مضي سبع سني الخصب لينظر فيها بما يرضي الله في خلقه من الإحتياط لهم والرفق بهم وأخبر الملك أنه حفيظ أي قوي على حفظ ما لديه أمين عليه عليم بضبط الأشياء ومصالح الأهراء
وفي هذا دليل على جواز طلب الولاية لمن علم من نفسه الأمانة والكفاءة
وعند أهل الكتاب : أن فرعون عظم يوسف عليه السلام جدا وسلطه على جميع أرض مصر وألبسه خاتمه وألبسه الحرير وطوقه الذهب وحمله على مركبه الثاني ونودي بين يديه أنت رب ومسلط وقال له : لست أعظم منك إلا بالكرسي
قالوا : وكان يوسف إذا ذاك ابن ثلاثين سنة وزوجه امرأة عظيمة الشأن وحكى الثعلبي أنه عزل قطفير عن وظيفته وولاها يوسف
وقيل : إنه لما مات زوجه امرأته زليخا فوجدها عذراء لأن زوجها كان لا يأتي النساء فولدت ليوسف عليه السلام رجلين هما : أفرايم ومنسا قال : واستوثق ليوسف ملك مصر وعمل فيهم بالعدل فأحبه الرجال والنساء
حكي أن يوسف كان يوم دخل على الملك عمره ثلاثين سنة وأن الملك خاطبه بسبعين لغة وفي كل ذلك يجاوبه بكل لغة منها فأعجبه ذلك مع حداثة سنة والله أعلم
قال الله تعالى : { وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء } أي بعد السجن والضيق والحصر صار مطلق الركاب
بديار مصر { يتبوأ منها حيث يشاء } أي أين شاء حل منها مكرما محسودا معظما
{ نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين } من أي هذا كله من جزاء الله وثوابه للمؤمن مع ما يدخر له في آخرته من الخير الجزيل والثواب الجميل
ولهذا قال : { ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون }
ويقال : إن قطفير زوج زليخا كان قد مات فولاه الملك مكانه وزوجه امرأته زليخا فكان وزير صدق
وذكر محمد بن إسحاق أن صاحب مصر - الوليد بن الريان - أسلم على يدي يوسف عليه السلام فالله أعلم وقد قال بعضهم :
( وراء مضيق الخوف متسع الأمن ... وأول مفروح به غاية الحزن )
( فلا تيأسن فالله ملك يوسفا ... خزائنه