العنّاب والبرغل والجبس المؤلف:المهندس سليمان حاتم

العنّاب والبرغل والجبس المؤلف:المهندس سليمان حاتم

فجأة يدخل الى ـ الاكزخانة ـ كماريشال خارج للتو من المعركة ، ولكن يصطدم بوجود معارف له في الصيدلية ، كأنه لم يكن يتوقع وجود أحد يعرفه ، وبالاحرى لا يتمنى ذلك ، السلام عليكم جميعاً ، كيف الشباب ، قلت له : نحن بخبر ، كيف احوالك سيادة الـ .... ،كيف هي الحياة بعد التقاعد ، هل فكرت بكتابة مذكراتك ، البعض يكتبون رسائل في الحب الستيني ، قال بصوتٍ جهوري : زهرة الحب في الستين . واقترب

من أذن صديقي الصيدلاني. وشوشه وتمتمه و « وتوته » بصوتٍ كسير ومنخفض ومتهدج ، لقد تغيرت نبرة صوته ، لم أفهم حرفاً واحداً منه ، والصيدلاني يقول له : نعم متوفر ، ويعود للهمس في أذن الصيدلاني ، وأيضاً لم أفهم حرفاً واحداً ، ولكن الصيدلاني يوضح أن له آثارا جانبية ، ويسأله عن ضغط الدم والتنفس الشهيق والزفير وكرياته البيضاء والحمراء ، فيقول إن ضغطه طبيعي وكل شيء طبيعي ، جسمه مثل الليرة ويتحدث في طلبه بلغة ( المذكر ) ، وأخيراً يناوله الصيدلاني ( علبة ) يدفع ثمنها ويخرج ، ثم يعود ويقول : متوفر هذا طيلة الوقت أليس كذلك ، هل ينقطع أو حصل ان انقطع ذات يوم ، وكأنه يطمئن الى مادة تموينية تشكل عمادا لاقتصاد البيت .قال له الصيدلاني : على الرغم من طلبه الزائد فهو متوفر ، وطبعاً لم أعلق على الموضوع ، أو لم يثر فضولي معرفة الأمر ، توقعت أن يكون ـ مميعا للدم ـ أو ـ مقشعاً للبلغم ـ أو ـ مسهلاً للبطن ـ أو ـ مقوياً للذاكرة ـ ولكن صديقي الصيدلاني ببساطة متناهية قال : إنه يسأل عن ـ الفياغرا ـ ( الحبة الزرقاء ) ، قلت : ولكن لماذا كل هذه السرية والتكتم في حديثه ، ولماذا يخجل أن يطلبها بكل بساطة ، وقد أصبحت تباع بكل الألوان ، يسمونها ( الحبة الزرقاء والبيضاء والخضراء والسكلما ) ... في ألمانيا وفي مدينة ( كولن ) المدينة السياحية الرائعة على نهر الراين ، وجدت عددآً من المواطنين ( مذكرين ومؤنثين ) يقفون قبالة إحدى الواجهات ويتحدثون بوضوح وبساطة عما هو معروض على الواجهة واللبيب من الاشارة يفهم ، كما لو اننا في سوق الخضار والفواكه أو نتحدث عن المطربين والملحنين وموجة الطرب التي تجتاح المنطقة ، لم يكن هناك ثمة خجل في أن تشتري شيئاً من هذا المحل ، عندنا يقلبون ( المذكر ) ( مونثاًً ) والمؤنث مذكراً في طلباتهم كي لا نفهم حرفاً مما يدور حولك ، ويدخلون خفية كأنهم يسرقون أو يختلسون ، لايريدون لأحد أن يراهم ، أحدهم قرأ بشغف مقالة تحدثت عن فوائد العناب، وظنها الوصفة السحرية التي لا تقدر بثمن ، وشطح به الخيال أن يغرس ـ كرماً من العناب ـ ولم يكن بحوزته العنوان الالكتروني لكاتب المقال الذي وجد في العناب بديلاً للفياغرا لكي يشكره على كل كلمة وحرف ونقطة وردت في هذه المقالة ، وبخاصة عندما وصف العناب هذه الثمرة الطبيعية التي منَّ الله بها على البشر دون أن يقدروا قيمتها ، ،لكن للأسف فإن المقالة في غير موسم العناب ، ولو حصل ذلك لبيعت ـ حبة العناب ـ بالدولار ، ولكن ـ أيها السادة أود أن أقول لكم إن هذه صفة مضللة ، ولا أدري كاتب المقال هل كان متعمداً أن يفعل نهفة كهذه ويوحي للآخرين أن ـ حبة العناب ـ تفعل العجائب ، وفي سريرته يبطن شيئاً آخر ،كمن يسألك عن ساحة الشيخ ضاهر فتدله على الزقزقانية ؟ وأقول أيها السادة الأفاضل ـ أوعاكم من العناب ـ فإن له مفعولاـً عكسياً ، ومن يقرأ تذكرة الشيخ الجليل داود الأنطاكي الصيدلاني والطبيب والحكيم والفيلسوف التي تسمى ( تذكرة داود ) أو ( تذكرة أولي الألباب في جامع العجب العجاب ) في طب النباتات والأعشاب ، حيث يتعرض للعناب ويحذر أولئك الموشوشين الهامسين الذين يقلبون المذكر مؤنثاً من أكله ، فإنه لا يخلف سوى الضعف والكسل والخمول . وينصح بخلطة الجرجير بالفطر بالليمون ، وهي بالأصل ( سلطة الموسم ) منذ فترة وجيزة ، ارتفع سعر الجبس ( ويسمونه البطيخ الأحمر ) فجأة بين يوم وليلة ، البعض قال إن ارتفاع سعره عالمي ، وهؤلاء وقعوا في قولهم هذا في نفس ـ فخ العناب ـ ولكن الحقيقة أن ارتفاع سعره لم يكن له علاقة بالنفط ولا بالدولار ، وانما ارتبط بخبر نشرته إحدى الصحف المركزية عن دراسات أجريت على ـ الجبس ـ أثبتت أن من يأكل ـ جبسة واحدة في اليوم ـ لا يحتاج الى كل تلك الحبوب الملونة، من يدري قد تأتي لحظة ينفد فيها الجبس ، لكن يقيناً لن تهرب عبر الحدود ، ولو وصل سعر الجبسة في الدول المجاورة الى مئة دولار ، ولن يكن بمقدور كل دوريات حماية المستهلك أن تلغي احتكارها ، سيصبح محصولاً استراتيجياً بامتياز ، أحد الذين يعملون في حقل ( الخضار والفواكه والحبوب ) فاجأني تصريحه : ( أن اللاذقية محافظة تحب البرغل ؟ لا أدري هل استنتاجه هذا مبني على إحصائيات أم أنه انطلاق في تعميمه من إحساسه الشخصي ومن محبته البرغل ؟ في كل الأحوال إذا كانت هناك من إحصائية بهذا الاتجاه فهي الأولى من نوعها في العالم ، وربما تشير الى مبادرة رائدة ونوعية وخلاقة في علم الاحصاء ، فظريف أن تبحث علاقة ( الحب بالحبوب ) والظريف أكثر أن الصحفي نقل التصريح محتفياً بأهميته ، ربما الكثيرون سيقولون إن الجبس لا يُعلى عليه ، ولا مكان للبرغل ولا للرز ولا للفول ولا للعدس ولا للحمص عندما يظهر ، حتى ولوتم إغراق السوق بكل هذه الحبوب ، ثم ألا يستحق ـ الجبس ـ أن تبنى له صومعة من البيتون المسلح ، تؤمن احتياطياً مناسباً يوفر شراء البدائل الكيميائية التي تستورد بالعملة الصعبة ، وهذا من شأنه أن يدعم ويقوي وينشط ويفعّل الاقتصاد المحلي وأشياء آخرى ...؟؟؟‏