الخبر عن ملوك بابل من النبط و السريانيين و ملوك الموصل و نينوى من الجرامقة
قد تقدم لنا أن ملك الأرض من بعد نوح عليه السلام كان لكنعان بن كوش بن حام ثم لابنه النمروذ من بعده و إنه كان على بدعة الصائبة و أن بني سام كانوا حنفاء ينتحلون التوحيد الذي عليه الكلدانيون من قبلهم قال ابن سعيد : و معنى الكلدانيين الموحدين و وقع ذكر النمروذ في التوراة منسوبا إلى كوش بن حام و لم يقع فيها ذكر لكنعان بن كوش فالله أعلم بذلك و قال ابن سعيد أيضا : و خرج عابر بن شالخ بن أرفخشذ فغلبه و سار من كوثا إلى أرض الجزيرة و الموصل فبنى مدينة مجدل هنالك و أقام بها إلى أن هلك و ورث أمره ابنه فالغ من بعده و أصاب النمروذ و قومه على عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام ما أصابهم في الصرح و كانت البلبلة و هي المشهورة و قد وقع ذكرها في التوراة و لا أدري معناها و القول بأن الناس أجمعين كانوا على لغة واحدة فباتوا عليها ثم أصبحوا و قد افترقت لغاتهم قول بعيد في العادة إلا أن يكون من خوارق الأنبياء فهو معجزة حينئذ و لم ينقلوه كذلك و الذي يظهر أنه إشارة إلى التقدير الإلهي في خرق العادة و افتراقها و كونها من آياته كما في القرآن الكريم و لا يعقل في أمر البلبلة غير ذلك
و قال ابن سعيد سوريان بن نبيط ولاه فالغ على بابل فانتقض عليه و حاربه و لما هلك فالغ قام بأمره بعده ابنه ملكان فغلبه سوريان على الجزيرة و ملكها هؤلاء الجرامقة إخوانه في النسل بنو جرموق بن أشوذ بن سام و كانت مواطنهم بالجزيرة و كانت ابن أخت سوريان منهم الموصل بن جرموق فولاه سوريان على الجزيرة و أخرج بني عابر منها و لحق ملكان منها بالجبال فأقام هناك و يقال إن الخضر من عقبه و استبد الموصل على خاله سوريان بن نبيط ملك بابل و امتازت مملكة الجرامقة من مملكة النبط و ملك بعد الموصل ابنه راتق و كانت له حروب مع النبط و ملك من بعده ابنه أثور و بقي ملكها في عقبه و هو مذكور في التوراة و ملك بعده ابنه نينوى و بني المدينة المقابلة للموصل من عدوة دجلة المعروفة باسمه ثم كان من عقبه سنجاريف بن أثور بن نينوى بن أثور و هو الذي بنى مدينة سنجار و غزا بني اسرائيل فصلبوه على بيت المقدس
و قال البيهقي : إن الجزيرة ملكها بعد مقتل سنجاريف أخوه ساطرون و هو الذي بنى مدينة الخضر في برية سنجار على نهر الترتار لتولعه بصيد الأسود في غيضاتها و ملك من بعده ابنه زان و كان يدين بالصائبة و يقال إن يونس بن متى بعث إليه و يونس من الجرامقة من سبط بنيامين بن إسرائيل من ابنه فآمن به زان بن ساطرون بعد الذي قصه القرآن من شأنه معهم ثم إن بختنصر لما غلب على بابل زحف إليه و دعاه إلى دين الصائبة و شرط له أن يبقيه في ملكه فأجاب و لم يزل على الجزيرة حتى زحف إليه جيوش الفرس مع أرتاق فضمن القيام بالمجوسية على أن يبقوه في ملكه و كتب بذلك أرتاق إلى بهمن فيضمن له فأجابه بأن هذا رجل متلاعب بالأديان فاقتله فقتله أرتاق و انقرض ملكه بعد ألف و ثلثمائة سنة فيما قال البيهقي و في أربعين ملكا منهم و صارت الجزيرة لملوك الفرس و الذي عند الإسرائيليين سنجاريف من ملوك نينوى و هم أولاد موصل بن أشوذ بن سام و أنه كان قبله بالموصل ملوك منهم و هم فول و تلفات و بلناص و أنهم ملكوا بلد الأسباط العشرة و هي شمورون المعروفة بالسامرة و أنه غرب الأسباط الذين كانوا فيها إلى نواحي أصبهان و خراسان و أسكن أهل كومة و هي الكوفة في شمورون هذه فسلط الله عليهم السباع يفترسونهم في كل ناحية فشكوا ذلك إلى سنجاريف و سألوه أن يخبرهم عن بلد شمورون في قسمة أي كوكب هي كي يتوجهوا إليه و يستنزلوا روحانيته على طريق الصابئة فأعرض عن ذلك و بعث كاهنان إليهم من اليهود فعلموهم دين اليهودية و أخذوا به و هؤلاء عند اليهود هم الشمرة نسبة إلى شمرة و هي شمورون و ليس الشمرة عندهم من بني إسرائيل و لأن دينهم صحيح في اليهودية
و زحف سنجاريف عندهم إلى بيت المقدس بعد استيلائه على شمورون فحاصرها و داخله العجب بكثرة عساكره فقال لبني إسرائيل من الذي خلصه إلهه من يدي حتى يخلصكم إلهكم و فزع ملاك بني اسرائيل إلى نبيهم مدليلا و سأله الدعاء فدعا له و أمنه من شر سنجاريف و نزلت بعسكره في بعض لياليهم آفة سماوية فأصبحوا كلهم قتلى يقال أحصى قتلاهم فكانوا مائة و خمسة و ثمانين ألفا و رجع سنجاريف إلى نينوى ثم قتله أولاده في سجوده لمعبوده من الكواكب و ولي ابنه أيسر حدون ثم استولى عليهم بعد ذلك بختنصر كما سنذكره في خبره
و أما ملوك بابل فهم النبط بنو نبيط بن أشوذ بن سام و قال المسعودي : نبيط بن ماش بن إرم و كانوا موطنين بأرض بابل و ملك منهم سوريان بن نبيط و قال المسعودي : هو أحد نبيط بن ماش ملك أرض بابل بولاية من فالغ فلما مات فالغ أظهر بدعة الصائبة و انتحلها بعده ابنه كنعان و يلقب بالنمروذ و ملك بعده ابنه كوش و هو نمروذ إبراهيم عليه السلام عليه السلام و هو الذي قدم أباه آزر فاصطفاه هاجر على بيت الأصنام لأن أرعو بن فالغ لما هلك أبوه فالغ و كان على دين التوحيد الذي دعاه إليه أبوه عابر رجع حينئذ أرغو إلى كوثا و دخل مع النمارذة في دين الصائبة و توارثها بنوه إلى آزر بن ناحور فاصطفاه هاجر بن كوش و قدمه على بيت الأصنام و ولد له إبراهيم عليه السلام و كان من أمره ما ذكرنا فيما نصه التنزيل و نقله الثقات ثم توالت ملوك النماردة ببابل و كان منهم بختنصر على ما ذهب إليه بعضهم و يقال إن الجرامقة و هم أهل نينوى غلبوا على بابل و ملكها سنجاريف منهم و استعمل فيها بختنصر من ملوكها ثم انتقض عليه بالجزا و الطاعة و غزا بني اسرائيل ببيت المقدس فاقتحمها عليهم بعد الحصار و أثخن فيهم بالقتل و الأسر و قتل ملكهم و خرب مسجدهم و تجاوزهم إلى مصر فملكها و لما هلك بختنصر ملك من بعده فيما ذكروه ابنه نشبت نصر ثم من بعده بنيصر و غزاه أرتاق مرزبان كسرى من ملوك الكينية فقتله و ملك بابل و أعمالها و صار النبط و الجرامقة رعية للفرس و انقرضت دولة النمارذة ببابل هكذا ذكر ابن سعيد و نقله عن داهر مؤرخ دولة الفرس و جعل السريانيين و النبط أمة واحدة و هما دولة واحدة و أما المسعودي فجعلهما دولتين و أما السريانيون فقال هم أول ملوك الأرض بعد الطوفان و سمى من ملوكهم تسعة متعاقبين في مائة سنة أو فوقها بأسماء أعجمية لا فائدة في نقلها لقلة الوثوق بالأصول التي بأيدينا من كتبه و كثرة التغيير في الأسماء الأعجمية نعم ذكر أن شوشان بشينين معجمتين و أنه أول من وضع التاج على رأسه و الرابع منهم أنه الذي كور الكور و مدن المدن و أن ملك الهند لعهده كان اسمه رتبيل و أنه على ملكه و استولى على السريانيين و أن بعض ملوك المغرب ظاهرهم عليه و انتزع لهم ملكهم منه ورده عليهم و سمى الثامن منهم ماروت و أشار في آخر كلامه إلى أنهم كانوا مستولين على بابل و على الموصل و أن ملوك اليمن ربما غلبوهم على أمرهم بعض الأحيان و ذكر في التاسع أنه كان غير مستقل بأمره و أن أخاه كان مقاسمه في سلطانه و أن أول من اتخذ الخمر فلان و أول من ملك فلان و أول من لعب بالصقور و الشطرنج فلان مزاعم كلها بعيدة من الصحة إنما وجهه أن السريانيين لما كانوا أقدم في الخليفة نسب إليهم كل قديم من الأشياء أو طبيعي كالخط و اللغة و السحر و الله أعلم
و أما النبط فعند المسعودي أنهم من أهل بابل لقوله في ترجمهتم ذكر ملوك بابل و النبط و غيرهم المعروفين بالكلدانيين و ذكر أن أولهم نمروذ الجبار و نسبه إلى ماش بن إرم بن سام و ذكر أنه الذي بنى الصرح ببابل و احتفر نهر الكوفة و نسب النمروذ في موضع آخر إلى كوش بن حام لا أدري هو أو غيره ثم عد ملوكهم بعد النمروذ ستا و أربعين أو نحوها في ألف و أربعمائة من السنين بأسماء أعجمية متعذر ضبطها فتركت نقلها إلا أنه ذكر في الموفي منهم عدد العشرين و بعد التسعمائة من سنيهم إنه الذي غزت فارس لعهدة مدينة بابل و ذكر في الموفى عدد ثلاثة و ثلاثين منهم عند الألف و الأربعمائة من سنيهم أنه سنجاريف الذي حارب بني إسرائيل حاصرهم ببيت المقدس حتى أخذ الجزية منهم و أن آخر ملوكهم دارينوش و هو دار الذي قتله الإسكندر لما ملك بابل هذا ما ذكره المسعودي و لم يذكر منهم نمروذ الخليل عليه السلام و ذكر أن مدينتهم بابل و أن الذي اختطها اسمه نير و اسم إمراته شمرام ملوك السريانيين اسمان أعجميان لا وثوق لنا بضبطهما و قال الطبري نمروذ بن كوش بن كنعان بن حام صاحب إبراهيم الخليل عليه السلام و كان يقال عاد إرم فلما هلكوا قيل ثمود إرم فلما هلكوا قيل نمروذ إرم فلما هلك قيل لسائر ولد إرم إرمان فهم النبط و كانوا على الإسلام ببابل حتى ملكهم نمروذ فدعاهم إلى عبادة الأوثان فعندوها انتهى كلام الطبري
و قال هروشيوش مؤرخ الروم : إنه نمروذ الجسيم و إن بابل كانت مربعة الشكل و كان سورها في دور ثمانين ميلا و ارتفاعه مائتا ذراع و عرضه خمسون ذراعا و هو كله مبني بالآجر و الرصاص و فيه مائة باب من النحاس و في أعلاه مساكن الحراس و المقاتلة تبيت على الجانبين في سائر دورة الطريق بينهما و حول هذا السور خندق بعيد المهوى أجري فيه الماء و أن الفرس هدموه و لما تغلبوا على ملك بابل تولى ذلك منهم جيرش و هو كسرى الأول انتهى كلام هروشيوش
و يظهر من كلام هؤلاء أن اسم النمروذ سمت لكل من ملك بابل لوقوعه في أهل أنساب مختلفة مرة إلى سام و مرة إلى حام و زعم بعض المؤرخين أن نمروذ الخليل عليه السلام هو النمروذ بن كنعان بن سنجاريف بن النمروذ الأكبر و أن بختنصر من عقبه و هو ابن برزاد بن سنجاريف بن النمرود و أن الفرس الكينية غلبوا بختنصر على بابل ثم أبقوه و استعملوه عليها و أن كسرى الأول من بنيى ساسان خرب مدينة بابل و عند الإسرائيلين و ينقلونه عن كتاب دانيال و أرميا من أنبيائهم و ضبط هذا الاسم يرميا أن بختنصر من عقب كاسد بن حاور و هو أخو ابراهيم الخليل و بنو كاسد هؤلاء من ملوك بابل و يعرفون بالكسدانيين نسبة إليه و إن بختنصر منهم ملك أكثر المعمور وغلب على بني إسرائيل و أزال دولتهم و خرب بيت المقدس و انتهى ملكه إلى مصر و ما وراءها و كان ملكه خمسا و أربعين و ملك بعده ابنه أويل مردود ثلاثا و عشرين سنة و بعده ابنه بلينصر ثلاث سنين ثم زحف إليه دارا من ملوك الفرس و صهره كورش فحاصروه بمدينة بابل و قال بعض الاسرائيليين أن بختنصر و ملوك بابل من كسديم و كسديم من عيلام بن سام و هو أخو أشوذ و من أشوذ ملوك الموصل انتهى الكلام في ملوك الموصل و ملوك بابل
و هذا غاية ما أدى إليه البحث من أخبارهم و أنسابهم و كان من هؤلاء و الكلدانيين دين الصائبة و هو عبادة الكواكب و استجلاب روحانيتها و يذكر أنهم كانوا لذلك أهل عناية بأرصاد الكواكب و معرفة طبائعها و خلاص المولدات و ما يشابه ذلك من علوم النجوم و الطلسمات و السحر و أنهم نهجوا ذلك لأهل الربع الغربي من الأرض و قد يشهد لذلك قراءة من قرأ : و ما أنزل على الملكين بكسر اللام مشيرا إلى أن هاروت و ماروت من ملوك السريانيين و هم أول ملوك بابل و على القراءة المشهور و أنهما من الملائكة فيكون اختصاص هذه الفتنة و الابتلاء ببابل من بين أقطار الأرض دليلا على وفور قسطهما من صناعة السحر الذي وقع الابتلاء به و مما يشهد لانتحالهم السحر و فنونه من النجوم و غيرها أن هذه العلوم وجدناها من منتحل أهل مصر المجاورين لهم و كان لملوكها عناية شديدة بذلك حتى كان من مباهاتهم موسى بذلك و حشر السحرة له ما كان و بقايا الآثار السحرية في برابي أخميم من صعيد مصر ما يشهد لذلك أيضا و الله أعلم
قد تقدم لنا أن ملك الأرض من بعد نوح عليه السلام كان لكنعان بن كوش بن حام ثم لابنه النمروذ من بعده و إنه كان على بدعة الصائبة و أن بني سام كانوا حنفاء ينتحلون التوحيد الذي عليه الكلدانيون من قبلهم قال ابن سعيد : و معنى الكلدانيين الموحدين و وقع ذكر النمروذ في التوراة منسوبا إلى كوش بن حام و لم يقع فيها ذكر لكنعان بن كوش فالله أعلم بذلك و قال ابن سعيد أيضا : و خرج عابر بن شالخ بن أرفخشذ فغلبه و سار من كوثا إلى أرض الجزيرة و الموصل فبنى مدينة مجدل هنالك و أقام بها إلى أن هلك و ورث أمره ابنه فالغ من بعده و أصاب النمروذ و قومه على عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام ما أصابهم في الصرح و كانت البلبلة و هي المشهورة و قد وقع ذكرها في التوراة و لا أدري معناها و القول بأن الناس أجمعين كانوا على لغة واحدة فباتوا عليها ثم أصبحوا و قد افترقت لغاتهم قول بعيد في العادة إلا أن يكون من خوارق الأنبياء فهو معجزة حينئذ و لم ينقلوه كذلك و الذي يظهر أنه إشارة إلى التقدير الإلهي في خرق العادة و افتراقها و كونها من آياته كما في القرآن الكريم و لا يعقل في أمر البلبلة غير ذلك
و قال ابن سعيد سوريان بن نبيط ولاه فالغ على بابل فانتقض عليه و حاربه و لما هلك فالغ قام بأمره بعده ابنه ملكان فغلبه سوريان على الجزيرة و ملكها هؤلاء الجرامقة إخوانه في النسل بنو جرموق بن أشوذ بن سام و كانت مواطنهم بالجزيرة و كانت ابن أخت سوريان منهم الموصل بن جرموق فولاه سوريان على الجزيرة و أخرج بني عابر منها و لحق ملكان منها بالجبال فأقام هناك و يقال إن الخضر من عقبه و استبد الموصل على خاله سوريان بن نبيط ملك بابل و امتازت مملكة الجرامقة من مملكة النبط و ملك بعد الموصل ابنه راتق و كانت له حروب مع النبط و ملك من بعده ابنه أثور و بقي ملكها في عقبه و هو مذكور في التوراة و ملك بعده ابنه نينوى و بني المدينة المقابلة للموصل من عدوة دجلة المعروفة باسمه ثم كان من عقبه سنجاريف بن أثور بن نينوى بن أثور و هو الذي بنى مدينة سنجار و غزا بني اسرائيل فصلبوه على بيت المقدس
و قال البيهقي : إن الجزيرة ملكها بعد مقتل سنجاريف أخوه ساطرون و هو الذي بنى مدينة الخضر في برية سنجار على نهر الترتار لتولعه بصيد الأسود في غيضاتها و ملك من بعده ابنه زان و كان يدين بالصائبة و يقال إن يونس بن متى بعث إليه و يونس من الجرامقة من سبط بنيامين بن إسرائيل من ابنه فآمن به زان بن ساطرون بعد الذي قصه القرآن من شأنه معهم ثم إن بختنصر لما غلب على بابل زحف إليه و دعاه إلى دين الصائبة و شرط له أن يبقيه في ملكه فأجاب و لم يزل على الجزيرة حتى زحف إليه جيوش الفرس مع أرتاق فضمن القيام بالمجوسية على أن يبقوه في ملكه و كتب بذلك أرتاق إلى بهمن فيضمن له فأجابه بأن هذا رجل متلاعب بالأديان فاقتله فقتله أرتاق و انقرض ملكه بعد ألف و ثلثمائة سنة فيما قال البيهقي و في أربعين ملكا منهم و صارت الجزيرة لملوك الفرس و الذي عند الإسرائيليين سنجاريف من ملوك نينوى و هم أولاد موصل بن أشوذ بن سام و أنه كان قبله بالموصل ملوك منهم و هم فول و تلفات و بلناص و أنهم ملكوا بلد الأسباط العشرة و هي شمورون المعروفة بالسامرة و أنه غرب الأسباط الذين كانوا فيها إلى نواحي أصبهان و خراسان و أسكن أهل كومة و هي الكوفة في شمورون هذه فسلط الله عليهم السباع يفترسونهم في كل ناحية فشكوا ذلك إلى سنجاريف و سألوه أن يخبرهم عن بلد شمورون في قسمة أي كوكب هي كي يتوجهوا إليه و يستنزلوا روحانيته على طريق الصابئة فأعرض عن ذلك و بعث كاهنان إليهم من اليهود فعلموهم دين اليهودية و أخذوا به و هؤلاء عند اليهود هم الشمرة نسبة إلى شمرة و هي شمورون و ليس الشمرة عندهم من بني إسرائيل و لأن دينهم صحيح في اليهودية
و زحف سنجاريف عندهم إلى بيت المقدس بعد استيلائه على شمورون فحاصرها و داخله العجب بكثرة عساكره فقال لبني إسرائيل من الذي خلصه إلهه من يدي حتى يخلصكم إلهكم و فزع ملاك بني اسرائيل إلى نبيهم مدليلا و سأله الدعاء فدعا له و أمنه من شر سنجاريف و نزلت بعسكره في بعض لياليهم آفة سماوية فأصبحوا كلهم قتلى يقال أحصى قتلاهم فكانوا مائة و خمسة و ثمانين ألفا و رجع سنجاريف إلى نينوى ثم قتله أولاده في سجوده لمعبوده من الكواكب و ولي ابنه أيسر حدون ثم استولى عليهم بعد ذلك بختنصر كما سنذكره في خبره
و أما ملوك بابل فهم النبط بنو نبيط بن أشوذ بن سام و قال المسعودي : نبيط بن ماش بن إرم و كانوا موطنين بأرض بابل و ملك منهم سوريان بن نبيط و قال المسعودي : هو أحد نبيط بن ماش ملك أرض بابل بولاية من فالغ فلما مات فالغ أظهر بدعة الصائبة و انتحلها بعده ابنه كنعان و يلقب بالنمروذ و ملك بعده ابنه كوش و هو نمروذ إبراهيم عليه السلام عليه السلام و هو الذي قدم أباه آزر فاصطفاه هاجر على بيت الأصنام لأن أرعو بن فالغ لما هلك أبوه فالغ و كان على دين التوحيد الذي دعاه إليه أبوه عابر رجع حينئذ أرغو إلى كوثا و دخل مع النمارذة في دين الصائبة و توارثها بنوه إلى آزر بن ناحور فاصطفاه هاجر بن كوش و قدمه على بيت الأصنام و ولد له إبراهيم عليه السلام و كان من أمره ما ذكرنا فيما نصه التنزيل و نقله الثقات ثم توالت ملوك النماردة ببابل و كان منهم بختنصر على ما ذهب إليه بعضهم و يقال إن الجرامقة و هم أهل نينوى غلبوا على بابل و ملكها سنجاريف منهم و استعمل فيها بختنصر من ملوكها ثم انتقض عليه بالجزا و الطاعة و غزا بني اسرائيل ببيت المقدس فاقتحمها عليهم بعد الحصار و أثخن فيهم بالقتل و الأسر و قتل ملكهم و خرب مسجدهم و تجاوزهم إلى مصر فملكها و لما هلك بختنصر ملك من بعده فيما ذكروه ابنه نشبت نصر ثم من بعده بنيصر و غزاه أرتاق مرزبان كسرى من ملوك الكينية فقتله و ملك بابل و أعمالها و صار النبط و الجرامقة رعية للفرس و انقرضت دولة النمارذة ببابل هكذا ذكر ابن سعيد و نقله عن داهر مؤرخ دولة الفرس و جعل السريانيين و النبط أمة واحدة و هما دولة واحدة و أما المسعودي فجعلهما دولتين و أما السريانيون فقال هم أول ملوك الأرض بعد الطوفان و سمى من ملوكهم تسعة متعاقبين في مائة سنة أو فوقها بأسماء أعجمية لا فائدة في نقلها لقلة الوثوق بالأصول التي بأيدينا من كتبه و كثرة التغيير في الأسماء الأعجمية نعم ذكر أن شوشان بشينين معجمتين و أنه أول من وضع التاج على رأسه و الرابع منهم أنه الذي كور الكور و مدن المدن و أن ملك الهند لعهده كان اسمه رتبيل و أنه على ملكه و استولى على السريانيين و أن بعض ملوك المغرب ظاهرهم عليه و انتزع لهم ملكهم منه ورده عليهم و سمى الثامن منهم ماروت و أشار في آخر كلامه إلى أنهم كانوا مستولين على بابل و على الموصل و أن ملوك اليمن ربما غلبوهم على أمرهم بعض الأحيان و ذكر في التاسع أنه كان غير مستقل بأمره و أن أخاه كان مقاسمه في سلطانه و أن أول من اتخذ الخمر فلان و أول من ملك فلان و أول من لعب بالصقور و الشطرنج فلان مزاعم كلها بعيدة من الصحة إنما وجهه أن السريانيين لما كانوا أقدم في الخليفة نسب إليهم كل قديم من الأشياء أو طبيعي كالخط و اللغة و السحر و الله أعلم
و أما النبط فعند المسعودي أنهم من أهل بابل لقوله في ترجمهتم ذكر ملوك بابل و النبط و غيرهم المعروفين بالكلدانيين و ذكر أن أولهم نمروذ الجبار و نسبه إلى ماش بن إرم بن سام و ذكر أنه الذي بنى الصرح ببابل و احتفر نهر الكوفة و نسب النمروذ في موضع آخر إلى كوش بن حام لا أدري هو أو غيره ثم عد ملوكهم بعد النمروذ ستا و أربعين أو نحوها في ألف و أربعمائة من السنين بأسماء أعجمية متعذر ضبطها فتركت نقلها إلا أنه ذكر في الموفي منهم عدد العشرين و بعد التسعمائة من سنيهم إنه الذي غزت فارس لعهدة مدينة بابل و ذكر في الموفى عدد ثلاثة و ثلاثين منهم عند الألف و الأربعمائة من سنيهم أنه سنجاريف الذي حارب بني إسرائيل حاصرهم ببيت المقدس حتى أخذ الجزية منهم و أن آخر ملوكهم دارينوش و هو دار الذي قتله الإسكندر لما ملك بابل هذا ما ذكره المسعودي و لم يذكر منهم نمروذ الخليل عليه السلام و ذكر أن مدينتهم بابل و أن الذي اختطها اسمه نير و اسم إمراته شمرام ملوك السريانيين اسمان أعجميان لا وثوق لنا بضبطهما و قال الطبري نمروذ بن كوش بن كنعان بن حام صاحب إبراهيم الخليل عليه السلام و كان يقال عاد إرم فلما هلكوا قيل ثمود إرم فلما هلكوا قيل نمروذ إرم فلما هلك قيل لسائر ولد إرم إرمان فهم النبط و كانوا على الإسلام ببابل حتى ملكهم نمروذ فدعاهم إلى عبادة الأوثان فعندوها انتهى كلام الطبري
و قال هروشيوش مؤرخ الروم : إنه نمروذ الجسيم و إن بابل كانت مربعة الشكل و كان سورها في دور ثمانين ميلا و ارتفاعه مائتا ذراع و عرضه خمسون ذراعا و هو كله مبني بالآجر و الرصاص و فيه مائة باب من النحاس و في أعلاه مساكن الحراس و المقاتلة تبيت على الجانبين في سائر دورة الطريق بينهما و حول هذا السور خندق بعيد المهوى أجري فيه الماء و أن الفرس هدموه و لما تغلبوا على ملك بابل تولى ذلك منهم جيرش و هو كسرى الأول انتهى كلام هروشيوش
و يظهر من كلام هؤلاء أن اسم النمروذ سمت لكل من ملك بابل لوقوعه في أهل أنساب مختلفة مرة إلى سام و مرة إلى حام و زعم بعض المؤرخين أن نمروذ الخليل عليه السلام هو النمروذ بن كنعان بن سنجاريف بن النمروذ الأكبر و أن بختنصر من عقبه و هو ابن برزاد بن سنجاريف بن النمرود و أن الفرس الكينية غلبوا بختنصر على بابل ثم أبقوه و استعملوه عليها و أن كسرى الأول من بنيى ساسان خرب مدينة بابل و عند الإسرائيلين و ينقلونه عن كتاب دانيال و أرميا من أنبيائهم و ضبط هذا الاسم يرميا أن بختنصر من عقب كاسد بن حاور و هو أخو ابراهيم الخليل و بنو كاسد هؤلاء من ملوك بابل و يعرفون بالكسدانيين نسبة إليه و إن بختنصر منهم ملك أكثر المعمور وغلب على بني إسرائيل و أزال دولتهم و خرب بيت المقدس و انتهى ملكه إلى مصر و ما وراءها و كان ملكه خمسا و أربعين و ملك بعده ابنه أويل مردود ثلاثا و عشرين سنة و بعده ابنه بلينصر ثلاث سنين ثم زحف إليه دارا من ملوك الفرس و صهره كورش فحاصروه بمدينة بابل و قال بعض الاسرائيليين أن بختنصر و ملوك بابل من كسديم و كسديم من عيلام بن سام و هو أخو أشوذ و من أشوذ ملوك الموصل انتهى الكلام في ملوك الموصل و ملوك بابل
و هذا غاية ما أدى إليه البحث من أخبارهم و أنسابهم و كان من هؤلاء و الكلدانيين دين الصائبة و هو عبادة الكواكب و استجلاب روحانيتها و يذكر أنهم كانوا لذلك أهل عناية بأرصاد الكواكب و معرفة طبائعها و خلاص المولدات و ما يشابه ذلك من علوم النجوم و الطلسمات و السحر و أنهم نهجوا ذلك لأهل الربع الغربي من الأرض و قد يشهد لذلك قراءة من قرأ : و ما أنزل على الملكين بكسر اللام مشيرا إلى أن هاروت و ماروت من ملوك السريانيين و هم أول ملوك بابل و على القراءة المشهور و أنهما من الملائكة فيكون اختصاص هذه الفتنة و الابتلاء ببابل من بين أقطار الأرض دليلا على وفور قسطهما من صناعة السحر الذي وقع الابتلاء به و مما يشهد لانتحالهم السحر و فنونه من النجوم و غيرها أن هذه العلوم وجدناها من منتحل أهل مصر المجاورين لهم و كان لملوكها عناية شديدة بذلك حتى كان من مباهاتهم موسى بذلك و حشر السحرة له ما كان و بقايا الآثار السحرية في برابي أخميم من صعيد مصر ما يشهد لذلك أيضا و الله أعلم