حكيم هواره فهمي عمر, أو الخال كما يحلو لعشاقه وأصدقائه وتلاميذه أن ينادوه
************
ولادته
في السادس من مارس 1928 بقرية «الرئيسية مركز نجع حمادي - محافظة قنا» ولد «محمد فهمي عمر» ابن عمدة القرية «فهمي أفندي عمر» الحاصل علي الابتدائية القديمة، والذي كان أقصي أمنيات حياته أن يعلم ابنه حتي نهاية المطاف مهما واجه من صعوبات ومتاعب!.
حلم لم يتحقق
بعد حصول محمد فهمي عمر علي الشهادة الابتدائية في مدرسة دشنا بقرية الرئيسية.. أصبح عليه أن يعبر النيل يوميا.. ليستقل القطار إلي المدرسة الثانوية.. هذه الرحلة الشاقة كان يجب عليه أن يقطعها يوميا لمدة ثلاث سنوات من أجل تحقيق حلم الالتحاق بكلية الطب..
ولكن الرياح دائما تأتي بما لا تشتهي السفن - فلم يحقق مجموعاً مناسباً.. ولم يكن أمامه سوي السفر إلي الإسكندرية للالتحاق بمعهد الكيمياء الصناعية وهناك أصابه الدوار والدهشة، بما وجده من حياة اجتماعية لم يعشها، وشواطئ وكورنيش ودور سينما.. أشياء لم يتعود علي مشاهدتها من قبل في قريته الصعيدية، هذا بالطبع غير ما عايشه من طباع وعادات «الخواجات» نزلاء البنسيون الذي اختار الإقامة به، أما المفاجأة الأخري التي كانت تنتظره - أن مجموع درجاته لا يسمح له حتي بالالتحاق بمعهد الكيمياء الصناعية مما اضطره للالتحاق بكلية الحقوق - وعندما حصل علي الليسانس عام 1949، ولد لديه حلم جديد، في أن يصبح وكيلا للنيابة العامة،
وهذا المنصب له شنة ورنة في الصعيد، حتي أنه أهم من مأمور المركز في عرف أبناء قريته، وحتي يتحقق حلمه لابد أن يعمل بالمحاماة لفترة ولكن بعد ثلاثة أشهر علم برغبة الإذاعة المصرية في تعيين مذيعين جدد فتقدم للاختبارات قائلا لنفسه - ولمالا - وحياتي منذ البداية لم تكن من اختياري مذيع خارج الميكروفون.
ورغم نجاحه في الاختبارات - فوجئ بتعيينه في وظيفة «مذيع خارج الميكروفون» - وعندما سأل عن السبب قالوا: يجب أن تتخلص أولاً من لهجتك الصعيدية؟
!. ويعترف «فهمي عمر» صراحة: بأن هذه الفترة كانت من أخصب فترات حياته الفكرية والثقافية، حيث كان عليه أن يلتقي بالمتحدثين من كبار الكتاب والمفكرين قبل دخول الاستديو بالإضافة إلي كتابة تقرير عن مدي صلاحية التسجيل للإذاعة فنيا، ومن هنا أصبح صديقا عن قرب للأساتذة عباس محمود العقاد، سليمان نجيب محمد فريد أبوحديد والعديد من الشعراء والموسيقيين ونجوم الغناء.
كان يتعامل معهم ويناقشهم في موضوعات فكرية وفنية وسياسية، تعلم منهم الكثير مما جعله أكثر نضوجاً، في نفس الوقت كان يتدرب علي التخلص من لهجته الصعيدية علي يد الراحلين حافظ عبدالوهاب، عبدالوهاب يوسف.
حياته
وفي قنا أيضا تعلق الخال فهمي بكرة القدم التي عرفها وتابع فريق مدرسته وهو يلاعب فرقا إنجليزية في صحراء قنا الشرقية الممتدة حتي الغردقة, وانضم إلي فريق التمثيل في مسرحية مجنون ليلي لأمير الشعراء أحمد شوقي تحت إشراف عثمان أباظة مفتش التمثيل في وزارة المعارف آنذاك.. وجاءت المرحلة الجامعية بعد النجاح والتفوق في الثانوية, واقترح الأهل كلية الحقوق كلية الوزراء ورجال القضاء أملا في أن يكون ابنهم وكيلا للنائب, العام, ثم قاضيا وانتقل عام1945 من قنا إلي الإسكندرية بعد أن تنازل عن حلمه الأول بالالتحاق بالمعهد العالي للكيمياء الصناعية ليعود بعدها ينقب عن كنوز الأرض في صحراء قنا الشرقية والبحر الأحمر, لكنه نزل علي رغبة أسرته واتجه إلي الحقوق ومدينة الإسكندرية التي يقول عنها إذا كانت دار السينما في مدينة قنا قد خلبت عقلي, فإن مدينة الإسكندرية جعلتني في حالة انعدام الوزن, فقد جئتها من مجتمع مغلق لا تخرج فيه المرأة إلي الشارع إلا ملتحفة ببردتها السوداء, ولا يظهر من ملامحها شيء حتي عيونها تغطيها البردة, إلي مجتمع مفتوح حيث المرأة تعوم في بحر المدينة بالبكيني.
وفي الإسكندرية عشق كرة القدم ووقع في حب الاتحاد السكندري الذي كان يجاور كلية الحقوق بالشاطبي.. كنت ألمح جماهير حول مداخل مدرجات النادي, وعرفت أن هناك مباراة كرة قدم سيلعبها الاتحاد والأوليمبي وهما في الإسكندرية مثل الأهلي والزمالك, وكان إن اشتريت تذكرة لدخول الدرجة الثالثة بمبلغ خمسة قروش, ومنذ ذلك اليوم أصبح الاتحاد السكندري يشكل حيزا في تفكيري وأصبحت مشاهدة مبارياته إدمانا بالنسبة لي وتضاعف هذا الإدمان بعد أن دخلت مباريات الدوري العام إلي ميدان الكرة المصرية
عام48 وأصبحت أشاهد مباريات الاتحاد ضد الأهلي والزمالك والترسانة المصري والإسماعيلي وغيرها من أندية مصر, ومن أسرار مشواره مع الكرة: يذكر الخال فهمي رحلته الأولي مرافقا لفريق كروي عندما اشترك في رحلة نظمها نادي الاتحاد لجمهوره إلي القاهرة بقيمة خمسون قرشا تشمل تذكرة السفر بالقطار والعودة ودخول المباراة التي جمعت الاتحاد وفاروق ـ الزمالك حاليا ـ علي كأس الملك فاروق عام1948, ويومها فاز الاتحاد2/1 وكان الزمالك يضم يحيي إمام وعبدالكريم صقر والجندي وحنفي بسطان وغيرهم, أما الاتحاد فقدم للكرة المصرية لاعبا رائعا بزع نجمه يومها هو دياب العطار الشهير بالديبة الذي أحرز هدف الفوز وكان عمره19 عاما فقط وعدنا إلي الإسكندرية واحتفلنا بالفوز وسهرنا حتي الصباح.
وجاء التخرج صيف عام49, وبدأت محاولات العائلة لإلحاق الخال فهمي بسلك النيابة العامة, وانتظرت العائلة الانتخابات النيابية أملا في فوز حزب الوفد بأغلبيتها كالعادة وقتها, وكان ابنا عم والد الخال فهمي عضوين في مجلس الشيوخ ومجلس الأمة عن الوفد, وجاء يناير1950 وأجريت الانتخابات وفاز الوفد بالاكتساح, وسافر الخال فهمي إلي القاهرة.. سافرت إلي القاهرة لأكون قريبا من دائرة صنع قرار تعييني في النيابة العامة.. ومرت شهور يناير وفبراير ومارس من تلك السنة دون أن تظهر بادرة إيجابية واحدة تبشر بقرب التحاقي بالنيابة العامة إلي أن تطرق اليأس إلي قلبي..
في تلك الأثناء كان الخال فهمي يتدرب في مكتب الدكتور محمد صالح المحامي وأستاذ القانون التجاري وعميد الحقوق الأسبق, بوساطة من أبو الفتوح طلبة صقر, صديق أحد أقارب الخال وصهر الدكتور صالح.
ولعب القدر لعبته في تغيير مجري حياة الخال فهمي من النيابة إلي الإذاعة.. وفي أحد الأيام وأنا جالس مع الدكتور صالح في مكتبه قال لي: ما رأيك لو عملت مذيعا بالإذاعة المصرية, فقد أعلنت الإذاعة في الصحف عن فتح باب التقدم للعمل بها, وهي تطلب مذيعين ومحرري أخبار ومقدمي برامج.. لماذا لا تتقدم ويمكن إذا ما قدر لك العمل بالإذاعة أن تستقيل. إذا ما جاءتك وظيفة وكيل نيابة وكانت كل الوظائف الأخرى تطوف بذهني في حال لم أدخل سلك النيابة, إلا حكاية الإذاعة هذه إنه شيء كان بعيدا كل البعد عن خواطري وتطلعاتي وقبل أن أرد عليه بالقبول أو النفي سحب ورقة بيضاء وألصق عليها ورقة تمغة وكتب بخط يده طلب تقدمي لاختبارات الإذاعة, وجعلني أوقع علي الطلب واستدعي سكرتير مكتبه وأعطاه الطلب قائلا له: اذهب وسلم هذا الطلب45 شارع أحمد عبدالعزيز المتفرع من شارع شريف باشا أمام عمارة اللواء, حيث إدارة شئون العاملين بالإذاعة المصرية, وبعد أيام قليلة جاءني خطاب بالبريد يطلبني للاختبار الذي اجتزته وعينت بالإذاعة لكن مع إيقاف التنفيذ.
ولم يكن الخال فهمي عمر الذي تقدم مصادفة للعمل مذيعا ولاقي القبول يدري أن العمل في الإذاعة يتطلب وهو المفوه حديثا, المتمكن من قواعد اللغة العربية, ومخارج ألفاظه سليمة وحنجرته قوية وكلها مواصفات المذيع الناجح, أن يتنكر للكنته الصعيدية ولأنه لم يكن متقبلا وهو الصعيدي الأصيل فكرة التنكر للهجته متسائلا: مالها اللهجة الصعيدية؟ إيه عيبها؟.. تقرر أن يلتحق بالعمل قائما بالتسجيلات خارج الهواء, ولعب القدر دورا بارزا في الاستفادة من هذه المهمة التي استمرت15 شهرا, تعرف خلالها المذيع الجديد إلي نخب المجتمع المصري الثقافية والفنية والدينية.. لكن الناس لا تعرفه, لذا قرر أن يخوض أكثر من اختبار لهجة حتي كان المراد من رب العباد وجلس ثلاثة أسابيع مصاحبا لأحد الزملاء الأقدم دون أن ينبت ببنت شفة, إلي أن أخبره الأستاذ علي الراعي كبير المذيعين بأنه سيقرأ نشرة الأخبار لينطلق صوته لأول مرة في أغسطس..51 هذه نشرة الأخبار يقرؤها عليكم فهمي عمر وكانت سعادة الأهل في الصعيد بلا حدود عندما التفوا حول الراديو ليستمعوا إلي صوت ابنهم لأول مرة عبر المذياع لينسي الجميع حكاية النيابة.
ويتذكر الخال فهمي الأيام الجميلة التي شهدت بداية عمله في الإذاعة.. لم يكن مسموحا لمذيع أن يخطئ ومن يخطئ يرفع من جدول المذيعين أسبوعا أو اثنين ليتدرب علي أصول اللغة, لكن لم يكن مسموحا أن تدخل الاستوديو بالقميص والبنطلون فقط بل لابد من ارتداء الزي الكامل وتربط الكرافتة وتضع الطربوش علي رأسك, وكان أستاذنا حافظ عبدالوهاب يقول لنا: إن المستمع أذكي من المذيع, فلا تجعل المستمع يحس أنك لم تحلق ذقنك أو تهذب شعر رأسك ولا تجعله يحس أن حذاءك غير لامع.. وقلنا له كيف هذا يا أستاذ؟ فقال إذا لم تؤد عملك بنشاط وحيوية, وإذا لم تكن قد راجعت نشرة الأخبار مثني وثلاث, وضبطت وقفاتك وأحسنت تشكيل الكلمات, فأنت مذيع مبهدل في ملبسك ولست علي سنجة عشرة كما يقول.
ومن الإذاعة تعلم الخال فهمي الانضباط في المواعيد وهي صفة حميدة تلازمه حتي الآن في كل مواعيده, فهو منضبط كساعة بج بن. ويتذكر الخال فهمي جيل الأساتذة العظام الذين تتلمذ علي أيديهم وعاش بينهم وعمل معهم, مثل عبدالوهاب يوسف وبابا شارو وعلي الراعي وأنور المشري وعلي خليل والسيد بدير وصفية المهندس وعبدالحميد الحديدي وحسني الحديدي وحافظ عبدالوهاب, وهو لا ينسي أن أنور المشري اصطحبه معه إلي الإسكندرية ليكون المذيع المساعد في تقديم المعلقين الرياضيين وتسجيل صور إذاعية عن فاعليات دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط الأولي عام51, كيف كان يوجهه عبدالحميد يونس لتكون مخارج ألفاظه سليمة في حروف السين والثاء والكاف والقاف, وكيف كان عبدالحميد الحديدي شديد الجدية في العمل وعلي خليل شديد الأناقة في ملبسه ممشوق القوام. وسارت الأيام في مشوار حياة الخال فهمي المهنية في طريقها المرسوم, وعايش توحد إدارات الإذاعة في مبني الشريفين عندما قررت حكومة الوفد ذلك عام51, وشهد إشراقة ثورة يوليو المجيدة وكان المذيع الأول الذي قدم الرئيس الراحل أنور السادات ليلقي بيان الثورة الأول, ومنذ ذلك الحين تعرف إلي الرئيس السادات الذي كان يقرن اسمه أو يسبقه بلقب المذيع الصعيدي, وهذا اللقب التصق بالخال حتي صار جزءا منه بعدما كتب عنه جليل البنداري في آخر ساعة, وتعرفت إليه أم كلثوم مصادفة في الاستوديو وقدمه لها ابن اختها محمود دسوقي قائلا المذيع الصعيدي فردت بخفة دم يعني اللي يسلم عليه يقوله صعيده.
مجلة الهواء.. أولي برامجه
لم تكــن قراءة نشــرة الأخبـار هي أقصي طموحــــــاته، وأن عليه أن يثبت وجوده أكثر من خلال تقديم البرامج الحوارية، وبالفعل ظهر العدد الأول، من مجلة الهواء عام 1954، حيث التقي خلالها بالعديد من المشاهير في كل المجالات والقي الضوء أيضا علي أهم الأحداث الفنية والأدبية والاجتماعية ليس في مصر وحدها وإنما علي مستوي العالم العربي وأوروبا أيضا، وفي نفس العام قدم برنامجه الثاني «ساعة لقلبك» الذي تألق من خلاله أكبر وأشهر نجوم الكوميديا في مصر، وعلي رأسهم عبدالمنعم مدبولي، فؤاد المهندس خيرية أحمد، الخواجة بيجو، أبولمعة، محمد يوسف، يوسف عوف.. الخ. لم يكتف «فهمي عمر» بكل هذا النجاح والتألق.. فدخل في نفس العام ميدانا جديدا، لم تكن الإذاعة قد عرفته من قبل وهو البرامج الرياضية حيث تحول خلال عام واحد إلي أشهر معلق رياضي في العالم العربي وتجول مع الميكروفون ليغطي ست دورات أوليمبية ثم سبع دورات لحوض البحر الأبيض المتوسط، أربع دورات أفريقية، ثلاث دورات عربية.
فهمي عمر رئيسا للإذاعة
في عام 1975 عين مديرا لإذاعة الشعب، وفي 1978 رئيسا لشبكة الإذاعات المحلية، التي تضم إذاعة القاهرة الكبري، إذاعة وسط الدلتا، شمال الصعيد، شمال سيناء، جنوب سيناء وفي عام 1982 عين رئيسا للإذاعة المصرية حتي بلوغه سن المعاش في مارس 1988، وظهر في عهده كرئيس للإذاعة العديد من البرامج الشهيرة الآن في تاريخ الإذاعة المصرية ومنها «شاهد علي العصر» لعمر بطيشة، «زيارة لمكتبة فلان» لنادية صالح، «أضواء علي الجانب الآخر» لنجوي أبوالنجا، «حديث الذكريات» لأمنية صبري.. الخ أيضا الاحتفال بالليلة المحمدية لأول مرة، بتكوين أول فرقة موسيقية خاصة بالإذاعة برئاسة الموسيقار أحمد فؤاد حسن.
النائب في البرلمان
رحلة «فهمي عمر» مع المناصب لم تقتصر فقط علي الإذاعة، فقد عين عام 1969 وكيلا لمنطقة القاهرة والجيزة لكرة السلة، وفي عام 1970 عضوا بمجلس إدارة نادي الزمالك، وبالانتخاب في عام 1971، وعضوا باتحاد كرة القدم 1977، 1992 وفي عام 1987 رشحه الحزب الوطني لعضوية مجلس الشعب عن دائرة الرئيسية بمحافظة قنا، وفي عام 1990 فاز بالتزكية، وفي عام 1995، فاز مرة أخري بعضوية المجلس، بعد أحداث دامية في حياته وقد تعود فهمي عمر علي تفضيل الإقامة شبه الدائمة في بلده الرئيسية حتي في شهور الصيف، فهي مكانه المفضل لقضاء المصيف.
الاوسمة التى حصل عليها فهمى عمر
حصل فهمي عمر علي عدد من الاوسمة اهمها
وسام الاستحقاق من الرئيس السابق محمد حسني مبارك في العيد الأول للإعلاميين عام 1984.
وسام الرياضة من الطبقة الثانية 1973، وسام الرياضة من الطبقة الأولي من الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
حكيم هواره فهمي عمر, أو الخال كما يحلو لعشاقه وأصدقائه وتلاميذه أن ينادوه ************ ولادته في السادس من مارس 1928 بقرية «الرئيسية مركز نجع حمادي - محافظة قنا» ولد «محمد فهمي عمر» ابن عمدة القرية «فهمي أفندي عمر» الحاصل علي الابتدائية القديمة، والذي كان أقصي أمنيات حياته أن يعلم ابنه حتي نهاية المطاف مهما واجه من صعوبات ومتاعب!. حلم لم يتحقق بعد حصول محمد فهمي عمر علي الشهادة الابتدائية في مدرسة دشنا بقرية الرئيسية.. أصبح عليه أن يعبر النيل يوميا.. ليستقل القطار إلي المدرسة الثانوية.. هذه الرحلة الشاقة كان يجب عليه أن يقطعها يوميا لمدة ثلاث سنوات من أجل تحقيق حلم الالتحاق بكلية الطب.. ولكن الرياح دائما تأتي بما لا تشتهي السفن - فلم يحقق مجموعاً مناسباً.. ولم يكن أمامه سوي السفر إلي الإسكندرية للالتحاق بمعهد الكيمياء الصناعية وهناك أصابه الدوار والدهشة، بما وجده من حياة اجتماعية لم يعشها، وشواطئ وكورنيش ودور سينما.. أشياء لم يتعود علي مشاهدتها من قبل في قريته الصعيدية، هذا بالطبع غير ما عايشه من طباع وعادات «الخواجات» نزلاء البنسيون الذي اختار الإقامة به، أما المفاجأة الأخري التي كانت تنتظره - أن مجموع درجاته لا يسمح له حتي بالالتحاق بمعهد الكيمياء الصناعية مما اضطره للالتحاق بكلية الحقوق - وعندما حصل علي الليسانس عام 1949، ولد لديه حلم جديد، في أن يصبح وكيلا للنيابة العامة، وهذا المنصب له شنة ورنة في الصعيد، حتي أنه أهم من مأمور المركز في عرف أبناء قريته، وحتي يتحقق حلمه لابد أن يعمل بالمحاماة لفترة ولكن بعد ثلاثة أشهر علم برغبة الإذاعة المصرية في تعيين مذيعين جدد فتقدم للاختبارات قائلا لنفسه - ولمالا - وحياتي منذ البداية لم تكن من اختياري مذيع خارج الميكروفون. ورغم نجاحه في الاختبارات - فوجئ بتعيينه في وظيفة «مذيع خارج الميكروفون» - وعندما سأل عن السبب قالوا: يجب أن تتخلص أولاً من لهجتك الصعيدية؟ !. ويعترف «فهمي عمر» صراحة: بأن هذه الفترة كانت من أخصب فترات حياته الفكرية والثقافية، حيث كان عليه أن يلتقي بالمتحدثين من كبار الكتاب والمفكرين قبل دخول الاستديو بالإضافة إلي كتابة تقرير عن مدي صلاحية التسجيل للإذاعة فنيا، ومن هنا أصبح صديقا عن قرب للأساتذة عباس محمود العقاد، سليمان نجيب محمد فريد أبوحديد والعديد من الشعراء والموسيقيين ونجوم الغناء. كان يتعامل معهم ويناقشهم في موضوعات فكرية وفنية وسياسية، تعلم منهم الكثير مما جعله أكثر نضوجاً، في نفس الوقت كان يتدرب علي التخلص من لهجته الصعيدية علي يد الراحلين حافظ عبدالوهاب، عبدالوهاب يوسف. حياته وفي قنا أيضا تعلق الخال فهمي بكرة القدم التي عرفها وتابع فريق مدرسته وهو يلاعب فرقا إنجليزية في صحراء قنا الشرقية الممتدة حتي الغردقة, وانضم إلي فريق التمثيل في مسرحية مجنون ليلي لأمير الشعراء أحمد شوقي تحت إشراف عثمان أباظة مفتش التمثيل في وزارة المعارف آنذاك.. وجاءت المرحلة الجامعية بعد النجاح والتفوق في الثانوية, واقترح الأهل كلية الحقوق كلية الوزراء ورجال القضاء أملا في أن يكون ابنهم وكيلا للنائب, العام, ثم قاضيا وانتقل عام1945 من قنا إلي الإسكندرية بعد أن تنازل عن حلمه الأول بالالتحاق بالمعهد العالي للكيمياء الصناعية ليعود بعدها ينقب عن كنوز الأرض في صحراء قنا الشرقية والبحر الأحمر, لكنه نزل علي رغبة أسرته واتجه إلي الحقوق ومدينة الإسكندرية التي يقول عنها إذا كانت دار السينما في مدينة قنا قد خلبت عقلي, فإن مدينة الإسكندرية جعلتني في حالة انعدام الوزن, فقد جئتها من مجتمع مغلق لا تخرج فيه المرأة إلي الشارع إلا ملتحفة ببردتها السوداء, ولا يظهر من ملامحها شيء حتي عيونها تغطيها البردة, إلي مجتمع مفتوح حيث المرأة تعوم في بحر المدينة بالبكيني. وفي الإسكندرية عشق كرة القدم ووقع في حب الاتحاد السكندري الذي كان يجاور كلية الحقوق بالشاطبي.. كنت ألمح جماهير حول مداخل مدرجات النادي, وعرفت أن هناك مباراة كرة قدم سيلعبها الاتحاد والأوليمبي وهما في الإسكندرية مثل الأهلي والزمالك, وكان إن اشتريت تذكرة لدخول الدرجة الثالثة بمبلغ خمسة قروش, ومنذ ذلك اليوم أصبح الاتحاد السكندري يشكل حيزا في تفكيري وأصبحت مشاهدة مبارياته إدمانا بالنسبة لي وتضاعف هذا الإدمان بعد أن دخلت مباريات الدوري العام إلي ميدان الكرة المصرية عام48 وأصبحت أشاهد مباريات الاتحاد ضد الأهلي والزمالك والترسانة المصري والإسماعيلي وغيرها من أندية مصر, ومن أسرار مشواره مع الكرة: يذكر الخال فهمي رحلته الأولي مرافقا لفريق كروي عندما اشترك في رحلة نظمها نادي الاتحاد لجمهوره إلي القاهرة بقيمة خمسون قرشا تشمل تذكرة السفر بالقطار والعودة ودخول المباراة التي جمعت الاتحاد وفاروق ـ الزمالك حاليا ـ علي كأس الملك فاروق عام1948, ويومها فاز الاتحاد2/1 وكان الزمالك يضم يحيي إمام وعبدالكريم صقر والجندي وحنفي بسطان وغيرهم, أما الاتحاد فقدم للكرة المصرية لاعبا رائعا بزع نجمه يومها هو دياب العطار الشهير بالديبة الذي أحرز هدف الفوز وكان عمره19 عاما فقط وعدنا إلي الإسكندرية واحتفلنا بالفوز وسهرنا حتي الصباح. وجاء التخرج صيف عام49, وبدأت محاولات العائلة لإلحاق الخال فهمي بسلك النيابة العامة, وانتظرت العائلة الانتخابات النيابية أملا في فوز حزب الوفد بأغلبيتها كالعادة وقتها, وكان ابنا عم والد الخال فهمي عضوين في مجلس الشيوخ ومجلس الأمة عن الوفد, وجاء يناير1950 وأجريت الانتخابات وفاز الوفد بالاكتساح, وسافر الخال فهمي إلي القاهرة.. سافرت إلي القاهرة لأكون قريبا من دائرة صنع قرار تعييني في النيابة العامة.. ومرت شهور يناير وفبراير ومارس من تلك السنة دون أن تظهر بادرة إيجابية واحدة تبشر بقرب التحاقي بالنيابة العامة إلي أن تطرق اليأس إلي قلبي.. في تلك الأثناء كان الخال فهمي يتدرب في مكتب الدكتور محمد صالح المحامي وأستاذ القانون التجاري وعميد الحقوق الأسبق, بوساطة من أبو الفتوح طلبة صقر, صديق أحد أقارب الخال وصهر الدكتور صالح. ولعب القدر لعبته في تغيير مجري حياة الخال فهمي من النيابة إلي الإذاعة.. وفي أحد الأيام وأنا جالس مع الدكتور صالح في مكتبه قال لي: ما رأيك لو عملت مذيعا بالإذاعة المصرية, فقد أعلنت الإذاعة في الصحف عن فتح باب التقدم للعمل بها, وهي تطلب مذيعين ومحرري أخبار ومقدمي برامج.. لماذا لا تتقدم ويمكن إذا ما قدر لك العمل بالإذاعة أن تستقيل. إذا ما جاءتك وظيفة وكيل نيابة وكانت كل الوظائف الأخرى تطوف بذهني في حال لم أدخل سلك النيابة, إلا حكاية الإذاعة هذه إنه شيء كان بعيدا كل البعد عن خواطري وتطلعاتي وقبل أن أرد عليه بالقبول أو النفي سحب ورقة بيضاء وألصق عليها ورقة تمغة وكتب بخط يده طلب تقدمي لاختبارات الإذاعة, وجعلني أوقع علي الطلب واستدعي سكرتير مكتبه وأعطاه الطلب قائلا له: اذهب وسلم هذا الطلب45 شارع أحمد عبدالعزيز المتفرع من شارع شريف باشا أمام عمارة اللواء, حيث إدارة شئون العاملين بالإذاعة المصرية, وبعد أيام قليلة جاءني خطاب بالبريد يطلبني للاختبار الذي اجتزته وعينت بالإذاعة لكن مع إيقاف التنفيذ. ولم يكن الخال فهمي عمر الذي تقدم مصادفة للعمل مذيعا ولاقي القبول يدري أن العمل في الإذاعة يتطلب وهو المفوه حديثا, المتمكن من قواعد اللغة العربية, ومخارج ألفاظه سليمة وحنجرته قوية وكلها مواصفات المذيع الناجح, أن يتنكر للكنته الصعيدية ولأنه لم يكن متقبلا وهو الصعيدي الأصيل فكرة التنكر للهجته متسائلا: مالها اللهجة الصعيدية؟ إيه عيبها؟.. تقرر أن يلتحق بالعمل قائما بالتسجيلات خارج الهواء, ولعب القدر دورا بارزا في الاستفادة من هذه المهمة التي استمرت15 شهرا, تعرف خلالها المذيع الجديد إلي نخب المجتمع المصري الثقافية والفنية والدينية.. لكن الناس لا تعرفه, لذا قرر أن يخوض أكثر من اختبار لهجة حتي كان المراد من رب العباد وجلس ثلاثة أسابيع مصاحبا لأحد الزملاء الأقدم دون أن ينبت ببنت شفة, إلي أن أخبره الأستاذ علي الراعي كبير المذيعين بأنه سيقرأ نشرة الأخبار لينطلق صوته لأول مرة في أغسطس..51 هذه نشرة الأخبار يقرؤها عليكم فهمي عمر وكانت سعادة الأهل في الصعيد بلا حدود عندما التفوا حول الراديو ليستمعوا إلي صوت ابنهم لأول مرة عبر المذياع لينسي الجميع حكاية النيابة. ويتذكر الخال فهمي الأيام الجميلة التي شهدت بداية عمله في الإذاعة.. لم يكن مسموحا لمذيع أن يخطئ ومن يخطئ يرفع من جدول المذيعين أسبوعا أو اثنين ليتدرب علي أصول اللغة, لكن لم يكن مسموحا أن تدخل الاستوديو بالقميص والبنطلون فقط بل لابد من ارتداء الزي الكامل وتربط الكرافتة وتضع الطربوش علي رأسك, وكان أستاذنا حافظ عبدالوهاب يقول لنا: إن المستمع أذكي من المذيع, فلا تجعل المستمع يحس أنك لم تحلق ذقنك أو تهذب شعر رأسك ولا تجعله يحس أن حذاءك غير لامع.. وقلنا له كيف هذا يا أستاذ؟ فقال إذا لم تؤد عملك بنشاط وحيوية, وإذا لم تكن قد راجعت نشرة الأخبار مثني وثلاث, وضبطت وقفاتك وأحسنت تشكيل الكلمات, فأنت مذيع مبهدل في ملبسك ولست علي سنجة عشرة كما يقول. ومن الإذاعة تعلم الخال فهمي الانضباط في المواعيد وهي صفة حميدة تلازمه حتي الآن في كل مواعيده, فهو منضبط كساعة بج بن. ويتذكر الخال فهمي جيل الأساتذة العظام الذين تتلمذ علي أيديهم وعاش بينهم وعمل معهم, مثل عبدالوهاب يوسف وبابا شارو وعلي الراعي وأنور المشري وعلي خليل والسيد بدير وصفية المهندس وعبدالحميد الحديدي وحسني الحديدي وحافظ عبدالوهاب, وهو لا ينسي أن أنور المشري اصطحبه معه إلي الإسكندرية ليكون المذيع المساعد في تقديم المعلقين الرياضيين وتسجيل صور إذاعية عن فاعليات دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط الأولي عام51, كيف كان يوجهه عبدالحميد يونس لتكون مخارج ألفاظه سليمة في حروف السين والثاء والكاف والقاف, وكيف كان عبدالحميد الحديدي شديد الجدية في العمل وعلي خليل شديد الأناقة في ملبسه ممشوق القوام. وسارت الأيام في مشوار حياة الخال فهمي المهنية في طريقها المرسوم, وعايش توحد إدارات الإذاعة في مبني الشريفين عندما قررت حكومة الوفد ذلك عام51, وشهد إشراقة ثورة يوليو المجيدة وكان المذيع الأول الذي قدم الرئيس الراحل أنور السادات ليلقي بيان الثورة الأول, ومنذ ذلك الحين تعرف إلي الرئيس السادات الذي كان يقرن اسمه أو يسبقه بلقب المذيع الصعيدي, وهذا اللقب التصق بالخال حتي صار جزءا منه بعدما كتب عنه جليل البنداري في آخر ساعة, وتعرفت إليه أم كلثوم مصادفة في الاستوديو وقدمه لها ابن اختها محمود دسوقي قائلا المذيع الصعيدي فردت بخفة دم يعني اللي يسلم عليه يقوله صعيده. مجلة الهواء.. أولي برامجه لم تكــن قراءة نشــرة الأخبـار هي أقصي طموحــــــاته، وأن عليه أن يثبت وجوده أكثر من خلال تقديم البرامج الحوارية، وبالفعل ظهر العدد الأول، من مجلة الهواء عام 1954، حيث التقي خلالها بالعديد من المشاهير في كل المجالات والقي الضوء أيضا علي أهم الأحداث الفنية والأدبية والاجتماعية ليس في مصر وحدها وإنما علي مستوي العالم العربي وأوروبا أيضا، وفي نفس العام قدم برنامجه الثاني «ساعة لقلبك» الذي تألق من خلاله أكبر وأشهر نجوم الكوميديا في مصر، وعلي رأسهم عبدالمنعم مدبولي، فؤاد المهندس خيرية أحمد، الخواجة بيجو، أبولمعة، محمد يوسف، يوسف عوف.. الخ. لم يكتف «فهمي عمر» بكل هذا النجاح والتألق.. فدخل في نفس العام ميدانا جديدا، لم تكن الإذاعة قد عرفته من قبل وهو البرامج الرياضية حيث تحول خلال عام واحد إلي أشهر معلق رياضي في العالم العربي وتجول مع الميكروفون ليغطي ست دورات أوليمبية ثم سبع دورات لحوض البحر الأبيض المتوسط، أربع دورات أفريقية، ثلاث دورات عربية. فهمي عمر رئيسا للإذاعة في عام 1975 عين مديرا لإذاعة الشعب، وفي 1978 رئيسا لشبكة الإذاعات المحلية، التي تضم إذاعة القاهرة الكبري، إذاعة وسط الدلتا، شمال الصعيد، شمال سيناء، جنوب سيناء وفي عام 1982 عين رئيسا للإذاعة المصرية حتي بلوغه سن المعاش في مارس 1988، وظهر في عهده كرئيس للإذاعة العديد من البرامج الشهيرة الآن في تاريخ الإذاعة المصرية ومنها «شاهد علي العصر» لعمر بطيشة، «زيارة لمكتبة فلان» لنادية صالح، «أضواء علي الجانب الآخر» لنجوي أبوالنجا، «حديث الذكريات» لأمنية صبري.. الخ أيضا الاحتفال بالليلة المحمدية لأول مرة، بتكوين أول فرقة موسيقية خاصة بالإذاعة برئاسة الموسيقار أحمد فؤاد حسن. النائب في البرلمان رحلة «فهمي عمر» مع المناصب لم تقتصر فقط علي الإذاعة، فقد عين عام 1969 وكيلا لمنطقة القاهرة والجيزة لكرة السلة، وفي عام 1970 عضوا بمجلس إدارة نادي الزمالك، وبالانتخاب في عام 1971، وعضوا باتحاد كرة القدم 1977، 1992 وفي عام 1987 رشحه الحزب الوطني لعضوية مجلس الشعب عن دائرة الرئيسية بمحافظة قنا، وفي عام 1990 فاز بالتزكية، وفي عام 1995، فاز مرة أخري بعضوية المجلس، بعد أحداث دامية في حياته وقد تعود فهمي عمر علي تفضيل الإقامة شبه الدائمة في بلده الرئيسية حتي في شهور الصيف، فهي مكانه المفضل لقضاء المصيف. الاوسمة التى حصل عليها فهمى عمر حصل فهمي عمر علي عدد من الاوسمة اهمها وسام الاستحقاق من الرئيس السابق محمد حسني مبارك في العيد الأول للإعلاميين عام 1984. وسام الرياضة من الطبقة الثانية 1973، وسام الرياضة من الطبقة الأولي من الرئيس الراحل محمد أنور السادات.