مُساهمةموضوع: دولة آل حماد بالقلعة من ملوك صنهاجة الداعية لخلافة العبيديين الإثنين نوفمبر 22, 2010 12:27 am
الخبر عن دولة آل حماد بالقلعة من ملوك صنهاجة الداعية لخلافة العبيديين
وما كان لهم من الملك والسلطان بإفريقية والمغرب الأوسط إلى حين انقراضه بالموحدين هذه الدولة شعبة من دولة آل زيري وكان المنصور بلكين قد عقد لأخيه حماد على أشير والمسيلة وكان يتداولها مع أخيه يطوفت وعمه أبي البهار. ثم استقل بها سنة سبع وثمانين أيام باديس من أخيه المنصور ودفعه لحرب زناتة سنة خمس وتسعين بالمغرب الأوسط من مغراوة وبني يفرن وشرط له ولاية أشير والمغرب الأوسط وكل بلد يفتحه وأن لا يستقدمه. فعظم عناؤه فيها وأثخن في زناتة وكان مظفراً عليهم. واختط مدينة القلعة بجبل كتامة سنة ثمان وتسعين وهو جبل عجيسة وبه لهذا العهد قبائل عياض من عرب هلال. ونقل إليها أهل المسيلة وأهل حمزة وخربهما. ونقل جراوة من المغرب وأنزلهم بها وتم بناؤها وتمصيرها على رأس المائة الرابعة. وشيد من بنيانها وأسوارها واستكثر فيها من المساجد والفنادق فاستبحرت في العمارة واتسعت بالتمدن. ورحل إليها الثغور والقاصية والبلد البعيد طلاب العلوم وأرباب الصنائع لنفاق أسواق المعارف والحرف والصنائع بها. ولم يزل حماد أيام باديس هذا أميراً على الزاب والمغرب الأوسط ومتولياً حروب زناتة. وكان نزوله ببلد أشير والقلعة متاخماً لملوك زناتة وأحيائهم البادية بضواحي تلمسان وتاهرت. وحاربه بنو زيري عند خروجهم على باديس سني تسعين وثلثمائة وهم زاوي وماكسن وإخوانهما فقتل ماكسن وابناه وألجأ زاوي وإخوته إلى جبل شنون وأجازهم البحر إلى الأندلس. ثم إن بطانة باديس ومن إليه من الأعجام والقرابة نفسوا على حماد رتبته وسعوا في مكانه من بادس إلى أن فسد ذات بينهما. وطلب باديس أن يسلم عمل تيجسب وقسطنطينة لولده المعز لما قلده الحاكم ولاية عهد ابنه فأبى حماد وخالف دعوة باديس وقتل الرافضة وأظهر السنة ورضي عن الشيخين ونبذ طاعة العبيديين جملة وراجع دعوة آل العباس وذلك سنة خمس وأربعمائة. وزحف إلى باجة فدخلها بالسيف ودس إلى أهل تونس الثورة على المشارقة والرافضة فثاروا بهم فناصبه باديس الحرب وعبأ عساكره من القيروان وخرج إليه فنزع عن حماد أكثر أصحابه مثل: بني أبي واليل أصحاب معرة من زناتة وبني حسن كبار صنهاجة وبني يطوفت من زناتة وبني غمرة أيضاً منهم وفر حماد وملك باديس أشير. ولحق حماد بشلف بني واليل وباديس في اتباعه حتى نزل مواطن السرسو من بلاد زناتة. ونزع إليه عطية بن داقلتن في قومه من بني توجين لما كان حماد قتل أباه. وجاء على أثره ابن عمه بدر بن لقمان بن المعتز فوصلهما باديس واستظهر بهما على حماد. ثم أجاز إليه باديس من وادي شلف وناجزه الحرب ونزع إليه عامة أهل معسكره فانهزم وأغذ السير إلى القلعة وباديس في أثره حتى نزل فحص المسيلة وانحجر حماد في القلعة وحاصره. ثم هلك بمعسكره من ذلك الحصار فجأة بمضربه وهو نائم بين أصحابه آخر ست وأربعمائة فبايعت صنهاجة لابنه المعز صبياً ابن ثمان سنين. وتلافوا أمر أشير وبعثوا كرامة بن منصور لسدها فلم يقدر واقتحمها عليه حماد. واحتملوا باديس على أعواده إلى مدفنهم بالقيروان. وبايعوا المعز بالبيعة العامة. وزحف إلى حماد بناحية قفصة وأشفق حماد فبعث ابنه القائد لأحكام الصلح بينه وبين المعز فوصل إلى القيروان سنة ثمان وأربعمائة بهدية جليلة. وأمضى له المعز ما سأله من الصلح ورجع إلى أبيه. وهلك حماد سنة تسعة عشر وأربعمائة فقام بأمره ابنه القائد وكان جباراً فاستعمل أخاه يوسف على المغرب وويغلان على حمزة في بلد اخطته حمزة بن إدريس. وزحف إليه حمامة بن زيري بن عطية ملك فاس من مغراوة سنة ثلاثين فخرج إليه القائد وسرب الأموال في زناتة. وأحس بذلك حمامة فصالحه ودخل في طاعته ورجع إلى فاس. وزحف إليه المعز من القيروان سنة أربع وثلاثين وحاصره مدة طويلة. ثم صالح القائد وانصرف إلى أشير فحاصرها ثم أقلع عنها وانكفأ راجعاً. وراجع القائد طاعة العبيديين لما نقم عليه المعز ولقبوه شرف الدولة. وهلك سنة ست وأربعبن وولي ابنه محسن وكان جباراً وخرج عليه عمه يوسف ولحق بالمغرب فقتل سائر أولاد حماد وبعث محسن في طلبه بلكين ابن عمه محمد بن حماد وأصحبه من العرب خليفة بن بكير وعطية الشريف وأمرهما بقتل بلكين في طريقهما فأخبرا بلكين بذلك وتعاهدوا جميعاً على قتل محسن وأنذر بهم ففر إلى القلعة وأدركوه فقتله بلكين لتسعة أشهر من ولايته. وولي الأمر سنة سبع وثلاثين وكان شهماً قرماً حازماً سفاكاً للدماء. وقتل وزير محسن الذي تولى قبله. وفي أيامه قتل جعفر بن أبي رمان مقدم بسكرة لما أحس بنكثه فخالف أهل بسكرة بأثر ذلك حسبما نذكره. ثم مات أخوه مقاتل بن محمد فاتهم به زوجته ناميرت بنت عمه علناس بن حماد فقتلها وأحفظ ذلك أخاها الناصر وطوى على التبييت وكان بلكين كثيراً ما يردد الغزو إلى المغرب. وبلغه استيلاء يوسف بن تاشفين والمرابطين على الصامدة فنهض نحوهم سنة أربع وخمسين وفر المرابطون إلى الصحراء وتوغل بلكين في ديار المغرب رنزلى بفاس واحتمل من أكابر أهلها وأشرافهم رهناً على لاعة. وانكفأ راجعاً إلى القلعة فانتهز منه الناصر ابن عمه الفرصة في الثأر بأخته ومالأه قومه من صنهاجة لما لحقهم من تكلف المشقة بإبعاد الغزو والتوغل في أرص العدو فقتلة بتساتة سنة أربع وخمسين. وقام بالأمر من بعده واستوزر أبا بكر أبي الفتوح وعقد على المغرب لأخيه كباب وأنزله مليانه وعلى حمزة لأخيه رومان وعلى نقاوس لأخيه خزر. وكان المعز قد هدم سورها فأصلحه الناصر وعقد على قسطنطينة لأخيه بلبار وعلى الجزائر ومرسى الدجاج لابنه عبد الله وعلى أشير لابنه يوسف وكتب إليه حمو بن مليل البرغواطي من صفاقس بالطاعة وبعث إليه بالهدية. ووفد عليه أهل قسطنطينة ومقدمهم يحيى بن واطاس فأعلنوا بطاعته وأجزل صلتهم وردهم إلى أماكنهم وعقد عليها ليوسف بن خلوف من صنهاجة ودخل أهل القيروان أيضاً قي طاعته وكذلك أهل تونس. وكان أهل بسكرة لما قتله بلكين مقدمهم جعفر بن أبي رمان خلعوا طاعة آل حماد واستبدوا بأمر بلدهم وعيلهم بنو جعفر فسرح الناصر إليهم خلف بن أبي حيدرة وزيره ووزير بلكين قبله فنازلها وافتتحها عنوة واحتمل بني جعفر في جماعة من رؤسائها إلى القلعة فقتلهم الناصر وصلبهم ثم قتل خلف بن أبي حيدرة بسعاية رجالات صنهاجة فيه أنه لما بلغه خبر يلكين أراد تولية أخيه معمر وشاورهم في ذلك فقتله الناصر وولى مكانه أحمد بن جعفر بن أفلح. ثم خرج الناصر ليتفقد المغرب فوثب علي بن راكان على تافربوست دار ملكهم. وكان لما قتل بلكين هرب إلى إخوانه من عجيسة واهتبلوا الغرة في تافربوست لغيبة الناصر فطرقوها ليلاً. وملكها علي فرجع الناصر من المسيلة وعاجلهم فسقط في أيديهم وافتتحها عليهم عنوة وذبح علي بن راكان نفسه بيده ثم وقعت بين العرب الهلاليين فتن وحروب ووفد عليه رجالات الأثبج صريخاً به على رياح فأجابهم ونهض إلى مظاهرتهم في جموعه من صنهاجة وزناتة حتى نزل للاربس وتواقعوا بسببه فغدرت بهم زناتة وجروا عليه وعلى قومه الهزيمة بدسيسة ابن المعز بن زيري بن عطية وإغراء تميم بن المعز فانهزم الناصر واستباحوا خزائنه ومضاربه وقتل أخوه القاسم وكاتبه ونجا إلى قسطنطينة في أتباعه. ثم لحق بالقلعة في فل من عسكره لم يبلغوا مايتين. وبعث وزيره ابن أبي الفتوح للإصلاح فعقد بينهم وبينه صلحاً وتممه الناصر. ثم وفد عليه رسول تميم وسعى عنده بالوزير ابن أبي الفتوح وأنه مائل إلى تميم فنكسه وقتله. وكان المستنصر بن خزرون الزناتي خرج في أيام الفتنة بين الترك والمغاربة بمصر ووصل إلى طرابلس فوجد بني عدي بها قد أخرجهم الأثبج وزغبة من إفريقية كما ذكرناه فرغبهم في بلاد المغرب وسار بهم حتى نزل المسيلة ودخلوا أشير. وخرج إليه الناصر ففر إلى الصحراء ورجع فرجع إلى مكانه من الإفساد فراسله الناصر في الصلح فأسعفه وأقطعه ضواحي الزاب ووريغة وأوعز إلى عروس بن هندي رئيس بسكرة لعهده وولي دولته أن يمكن به فوصل المنتصر إلى بسكرة وخرج إليه عروس بن هندي وأحمد نزله وأشار إلى حشمه عند انسكاب المنتصر وذويه على الطعام فبادروا مكبين لطعنه وفر أتباعه وأخذوا رأسه وبعث به إلى الناصر فنصبه ببجاية وصلب شلوه بالقلعة وجعلوه عظة لغيره. وقتل كثير من رؤساء رناتة فمن مغراوة أبي الفتوح بن حبوس أمير بني سنجلس وكانت له بلد لمدية ولمرية قبيل من بطون صنهاجة سميت البلد بهم وقتل معتصر بن حماد منهم أيضاً وكان بناحية شلف فأجلب على عامل مليانة وقتل شيوخ بني وريسفان من مغراوة فكاتبهم السلطان لما كان مشتغلاً عنهم بشأن العرب فزحفوا إلى معنصر وقتلوه وبعثوا برأسه إلى الناصر فنصبه على رأس القصر. وبعث إليه أهل الزاب أن عمر ومغراوة ظاهروا الأثبج من العرب على بلادهم فبعث ابنه المنصور في العساكر ونزل وعلان بلد المنتصر بن خزرون وهدمها. وبعث سراياه وجيوشه إلى بلد واركلا وولى عليها وقفل بالغنائم والسبي وبلغه عن بني توجين من زناتة أنهم ظاهروا بني عدي من العرب على الفساد وقطع السبيل وأميرهم إذ ذاك مناد بن عبد الله فبعث ابنه المنصور إليهم بالعسكر وتقبض على أمراء بني عدي ساكن بن عبد الله وحميد بن خزعل ولاحق بن جهان وتقبض أيضاً على أمير بني توجين وأخيه زيري وعميهما الأغلب وحمامة وأحضرهم فوبخهم وقدر عليهم فغلبه في إجارتهم من أولاد القاسم رؤساء بني عبد الواد وقتلهم جميعاً على الخلاف. وفي سنة ستين افتتح جبل بجاية وكان له قبيل من البربر يسمون بهذا الاسم إلا أن الكاف فيهم بلغتهم ليست كافاً بل هي بين الجيم والكاف وهذا القبيل من صنهاجة باقون لهذا العهد أوزاعاً في البربر فلما افتتح هذا الجبل اختط به المدينة وسماها الناصريه وتسمى عند الناس باسم القبيلة وهي بجاية وبنى بها قصر اللؤلؤة وكان من أعجب قصور الدنيا ونقل إليها الناس وأسقط الخراج عن ساكنيها وانتقل إليها سنة إحدى وستين. وفي أيام الناصر هذا كان استفحال ملكهم وشغوفه على ملك بني باديس إخوانهم بالمهدية ولما أضرع منه الدهر بفتنة العرب الهلاليين حتى اضطرب عليهم أمرهم وكثر الثوار عليهم والمنازعون من أهل دولتهم فاعتز آل حماد هؤلاء أيام الناصر هذا وعظم شأن أيامهم فبنى المباني العجيبة المؤنقة وشيد المدائن العظيمة وردد الغزو إلى المغرب وتوغل فيهم. ثم هلك سنة إحدى وثمانين وقام بالأمر من بعده ابنه المنصور بن الناصر. ونزل بجاية سنة ثلاث وثمانين وأوطنها بعساكره وخاصة بعرا من منازل العرب وما كانوا يسومونهم بالقلعة من خطة الخسف وسوء العذاب بوطء ساحاتها والعيث في نواحيها وتخطف الناس من حولها لسهولة طرقها على رواحلهم وصعوبة المسالك عليها في الطريق إلى بجاية لمكان الأوعار فاتخذ بجاية هذه معقلاً وصيرها داراً لملكه وجمد قصورها وشيد جامعها. وكان المنصور هذا جماعة مولعاً بالبناء وهو الذي حضر ملك بني حماد وتأنق في اختطاط المباني وتشييد المصانع واتخاذ القصور وإجراء المياه في الرياض والبساتين. فبنى في القلعة قصر الملك والمنار والكوكب وقصر السلام وفي بجاية قصر اللؤلؤة وقصر أميميون. وكان أخوه يلباز على قسطنطينة منذ عهد الناصر أبيهما. وهم بالاستبداد لأول ولاية المنصور فسرح إليه أبا يكنى بن محصن بن العابد في العساكر وعقد له على قسطنطينه وبونة فتقبض على بلباز وأشخصه إلى القلعة وأقام والياً على قسطنطينة مكانه وولى أخاه ويغلان على بونة. ثم بدا له في الخلاف على المنصور وثار بقسطنطينة سنة سبع وثمانين. وبعث أخاه من بونة إلى تميم بن المعز بالمهدية واستدعاه لولاية بونة فبعث معه ابنه أبا الفتوح بن تميم ونزل بونة مع ويغلان. وكاتبوا المرابطين بالمغرب الأقصى وجمعوا العرب على أمرهم. وسرح المنصور عساكره فحاصروا بونة سبعة أشهر. ثم اقتحموها غلاباً وتقبضوا على أبي الفتوح بن تميم وبعثوا به إلى المنصور فاعتقله بالقلعة. ثم نازلت عساكره قسطنطينة واضطرب أحوال ابن أبي يكنى فخرج إلى قلعة بجبل أوراس وتحصن بها. ونزل بقسطنطينة صليصل بن الأحمر من رجالات الأثبج. وداخل صليصل المنصور في أن يمكنه من قسطنطينة على مال يبذله ففعل واستولى عليها المنصور. وأقام أبو يكنى بحصنه من أوراس وردد الغارة على قسطنطينة فتوجهت إليه العساكر وحاصروه بقلعته. ثم اقتحموها عليه وقتلوه. وكان بنو ومانو من زناتة حياً جميعاً وقوماً أعزة. وكانت إليهم رئاسة زناتة. وكان رئيسهم لعهده ماخوخ وكان بينهم وبين آل حماد صهر فكانت إحدى بناتهم زوجة للناصر وكانت أخرى عند المنصور. ولما تجددت الفتنة بينه وبين قومهما أغزاهم المنصور بنفسه في جموع صنهاجة وحشوده وجمع له ماخوخ ولقيه في زناتة فانهزم المنصور إلى بجاية فقتل أخت ماخوخ التي كانت تحته. واستحكمت النفرة بين ماخوخ وبينه. وسار إلى ولاية أمراء تلمسان من لمتونة وحرضهم على بلاد صنهاجة فكان ذلك مما دعا المنصور إلى النهوض إلى تلمسان. وذلك أن يوسف بن تاشفين لما ملك المغرب واستفحل به أمره سما إلى ملك تلمسان فغلب عليها أولاد يعلى سنة أربع وسبعين على ما يأتي ذكره وأنزلها محمد بن يغمر المسوفي وصيرها ثغراً لملكه فاضطلع بأمرها ونازل بلاد صنهاجة وثغورهم فزحف إليه المنصور وأخرب ثغوره وحصون ماخوخ وضيق عليه فبعث إليه يوسف بن تاشفين وصالحه. وقبض أيدي المرابطين عن بلاد صنهاجة ثم عاود المرابطون إلى شأنهم في بلاده فبعث ابنه الأمير عبد الله وسمع به المرابطون فانقبضوا عن بلاده وزحفوا إلى مراكش. واحتل هو بالمغرب الأوسط فشن الغارة في بلاد بني ومانوا وحاصر الجعبات وفتحها ثم عاود ذلك مرات كذلك وعفا عن أهلها ورجع إلى أبيه. ثم وقعت الفتنة بينه وبين ماخوخ. وقتل أخوه ولحق ابن ماخوخ بتلمسان وظاهره ابن يغمر صاحب تلمسان على أمره وأجلبوا على الجزائر فنازلوها يومين مات عقيبها محمد بن يغمر صاحب تلمسان. وولي يوسف بن تاشفين مكان أخيه تاشفين بن يغمر فنهض إلى أشير وافتتحها فقام المنصور في ركائبه ومعه كافة صنهاجة. ومن العرب أحياء الأثبج وزغبة وربيعة وهم المعقل من زناتة أمماً كثيرة ونهض إلى غزو تلمسان سنة ست وسبعين في نحو عشرين ألفاً. ولقي أسطقسيف وبعث العسكر في مقدمته وجاء على أثرهم. وكان تاشفين قد أفرج عن تلمسان وخرج إلى تسالة ولقيته عساكر المنصور فهزموه ولجأ إلى جبل الصخرة. وعاثت عساكر المنصور في تلمسان فخرجت إليه حوا زوجة تاشفين أميرهم متذممة راغبة في الإبقاء متوسلة بوشائج الصنهاجية فأكبر قصدها إليه وأكرم موصلها وأفرج عنهم صبيحة يومه. وانكفأ راجعاً إلى حضرته بالقلعة. وأثخن بعدها في زناتة وشردهم بنواحي الزاب والمغرب الأوسط. ورجع إلى بجاية وأثخن في نواحيها ودوخت عساكره قبائلها فساروا في جبالها المنيعة مثل بني عمران وبني تازروت والمنصورية والصهريج والناظور وحجر المغز وقد كان أسلافه يرومون كثيراً عنها فتمتنع عليهم فاستقام أمره واستفحل ملكه. وقدم عليه معز الدولة بن صمادح من المرية فاراً أمام المرابطين لما ملكوا الأندلس فنزل على المنصور وأقطعه تدلس وأنزله بها. وهلك سنة ثمان وتسعين فولي من بعده ابنه باديس فكان شديد البأس عظيم النظر فنكب عبد الكريم بن سليمان وزير أبيه لأول ولايته وخرج من القلعة إلى بجاية فنكب سهاماً عامل بجاية. وهلك قبل أن يستكمل سنة وولي من بعده أخوه العزيز. وقد كان عزله عن الجزائر وغربه إلى جيجل فبعث عنه القائد علي بن حمدون فوصل وبايعوه وصالح زناتة وأصهر إلى ماخوخ فأنكحه ابنته. وطال أمر ملكه وكانت أيامه هدنة وأمناً. وكان العلماء يتناظرون في مجلسه. ونازلت أساطيله جربة فنزلوا على حكمه وأخذوا بطاعته. ونازل تونس وصالحه صاحبها أحمد بن عبد العزيز وأخذ بطاعته وكبس العرب في أيامه القلعة وهم غازون فاكتسحوا جميع ما وجدوه بظواهرها وعظم عيثهم وقاتلتهم الحامية فغلبوهم وأخرجوهم من البلد. ثم ارتحل العرب وبلغ الخبر إلى العزيز فبعث ابنه يحيى وقائده علي بن حمدون من بجاية في عسكر وتعبية فوصل إلى القلعة وسكن الأحوال. وقد أمن العرب واستعتبوا فأعتبوا وانكفأ يحيى راجعاً إلى بجاية في عسكره. وعلى عهد العزيز هذا كان وصول مهدي الموحدين إلى بجاية قافلاً من المشرق سنة اثتتي عشرة وغير بها المنكر فسعى به عند العزيز وائتمر به فخرج إلى بني ورياكل من صنهاجة كانوا ساكنين بوادي بجاية فأجاروه. ونزل عليهم بملالة وأقام بها يدرس العلم. وطلبه العزيز فمنعوه وقاتلوه دونه إلى أن رحل عنهم إلى المغرب. وهلك العزيز سنة خمس عشرة وأربعمائة فولي من بعده ابنه يحيى وطالت أيامه مستضعفاً مغلباً للنساء مولعاً بالصيد على حين انقراض الدولة وذهاب الأيام بقبائل صنهاجة واستحدث السكة ولم يحدثها أحد من قومه أدباً مع خلفائهم العبيديين ونقل ابن حماد أن سكته في الدينار كانت ثلاثة سطور ودائرة في كل وجه فدائرة الوجه الواحد: " واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " والسطور: لا إله إلا الله محمد رسول الله يعتصم بحبل الله يحيى بن العزيز بالله الأمير المنصور. ودائرة الوجه الآخر: بسم الله الرحمن الرحيم ضرب هذا الدينار بالناصرية سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. وفي سطوره: الإمام أبو عبد الله المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين العباسي. ووصل سنة ثلاث وأربعين إلى القلعة لافتقادها ونقل ما بقي بها وانتقض عليه بتوزر ابن مروان فجهز إليه الفقيه مطرف بن علي بن حمدون في العساكر فافتتحها عنوة وتقبض على ابن مروان وأوصله إليه فسجنه بالجزائر إلى أن هلك في معتقله وقيل قتله. وبعث مطرف بابنه إلى تونس فافتتحها ونازل في وجهته هذه المهدية فامتنعت عليه ورجع إلى بجاية. وتغلب النصارى على المهدية وقصده الحسن صاحبها فأجازه إلى الجزائر وأنزله بها مع أخيه القائد حتى إذا زحف الموحدون إلى بجاية وفر القائد من الجزائر وأسلمها قدموا الحسن على أنفسهم. ولقي عبد المؤمن فأمنهم وأخرج يحيى بن عبد العزيز أخاه سبع للقاء الموحدين فانهزم وملك الموحدون بجاية. وركب يحيى البحر إلى صقلية يروم الإجازة منها إلى بغداد. ثم عدل إلى بونة فنزل على أخيه الحارث. ونكر عليه سوء صنيعه وإخراجه عن البلاد فارتحل عنه إلى قسطنطينة فنزل على أخيه الحسن فتخلى له عن الأمر. وفي خلال ذلك دخل الموحدون لقلعة عنوة. وقتل حوشن بن العزيز وابن الدحامس من الأثبج معه وخربت القلعة. ثم بايع يحيى لعبد المؤمن سنة سبع وأرببعين. ونزل عن قسطنطينة واشترط لنفسه فوفى له ونقله إلى مراكش فسكنها. ثم انتقل إلى سلا سنة ثمان وخمسين فسكن قصر بني عشيرة إلى أن هلك في سنته. وأما الحارث بن عبد العزيز صاحب بونة ففر إلى صقلية واستصرخ صاحبها فصارخه على أمره ورجع إلى بونة وملكها. ثم غلب عليها الموحدون وقتلوه صبراً. وانقرض ملك بني حماد والبقاء لله وحده ولم يبق من قبائل ماكسن إلا أوزاع بوادي بجاية ينسبون إليهم وهم لهذا العهد في عداد الجند ولهم اقطاع بنواحي البلد على العسكرة في جملة السلطنة مع قواده والله وارث الأرض ومن عليها.
الخبر عن ملوك بني حبوس في ماكسن من بني زيري من صنهاجة
بغرناطة من عدوة الأندلس وأولية ذلك ومصايره لما استبد باديس بن المنصور بن بلكين بن زيري بن مناد بن هاد بولاية إفريقية سنة خمس وثمانين ولى عمومته وقرابته ثغور عمله فأنزل حماداً بأشير وأخاه يطوفت بتاهرت وزحف زيري بن عطية صاحب فاس من مغراوة بدعوة المؤيد هشام خليفة قرطبة إلى عمل صنهاجة في جموع زناتة ونزل تاهرت وسرح باديس عساكره لنظر محمد بن أبي العون فالتقوا على تاهرت وانهزم صنهاجة فزحف باديس بنفسه للقائهم وخالف عليه فلفول بن سعيد بن خزرون صاحب طبنة. ثم أجفل زيري بن عطية امامه ورجع به إلى المغرب فرجع باديس إلى القيروان وترك عمومته أولاد زيري بأشير مع حماد وأخيه يطوفت وهم: زاوى وجلال وعمرم ومعنين وأجمعوا على الخلاف والخروج على باديس سنة سبع وثمانين فأسلموا حماداً برمته واستولوا على جميع ما معه واتصل الخبر بأبي البهار بن زيري وهم مع باديس فخشيه على نفسه ولحق بهم واجتمعوا في الخلاف واشتغل باديس عنهم بحرب فلفول بن يانس مولى الحاكم القادم على طرابلس من قبله وانفسح مجالهم في الفساد والعبث ووصلوا أيديهم بفلفول وعاقدوه. ثم رجع أبو البهار عنهم إلى باديس فتقبله وصالح له ثم رجعوا إلى حماد سنة إحدى وتسعين ولقيهم فهزمهم وقتل مساكن وابنه ولحق زاوي بجبل شنوق من ساحل مليانة وأجاز البحر إلى الأندلس في بنيه وبني أخيه وحاشيته ونزل على المنصور بن أبي عامر صاحب الدولة وكافل الخلافة الأموية فأحسن نزلهم وأكرم وفادتهم واصطنعهم لنفسه واتخذهم بطانة لدولته وأوليائه على ما يرومه من قهر الدولة والتغلب على الخلافة ونظمهم في طبقات زناتة وسائر رجالات البربر الذين أدال بجموعهم من جنود السلطان وعساكر الأموية وقبائل العرب واستغلظ أمر صنهاجة بالأندلس واستفحلت أمارتهم وحملوا دولة المنصور بن أبي عامر وولديه المظفر والناصر من بعده على كاهلهم. ولما انقرض أمرهم واضمحلت دولتهم ونشأت الفتنة بالأندلس بين البرابرة وأهلها فكان زاوي كبش تلك الوقائع ومحش حروبها. وتمرس بقرطبة هو وقومه صنهاجة وكافة زناتة والبربر حتى أثبتوا قدم خليفتهم المستعين سليمان بن الحكم بن سليمان بن الناصر الذي أتوه ببيعتهم وأعطوه على الطاعة صفقتهم كما ذكرناه في أخبارهم ثم اقتحموا به قرطبة عنوة واصطلموا عامة أهلها وأنزلوا المعرات بذوي الصون منها وبيوتات الستر من خراصها فحدث الناس في ذلك بأخبارها. وتوصل زاوي عند استباحة قرطبة إلى رأس أبيه زيرى بن مناد المنصور بجدران قصر قرطبة فأزاله وأصاره إلى قومه ليدفن في جدثه. ثم كان شأن أبي حمود من العلوية وافترق أمر البرابرة واضطرمت الأندلس ناراً وامتلأت جوانبها فتنة وأسرى الرؤساء من البرابرة ورجالات الدولة على النواحي والأمصار فملكوها وتحيزت صنهاجة إلى ناحية ألبيرة فكانت ضواحيها لهم وحصل عليها استلاؤهم وزاوي يومئذ عضد البرابرة فنزل غرناطة واتخذها داراً لملكته ومعتصماً لقومه. ثم وقع في نفسه سوء أثر البربر بالأندلس أيام الفتنة وحذر مغبة الفعلة واستعاضت الدولة فاعتزم على الرطة وآوى إلى سلطان قومه بالقيروان سنة عشر وأربعمائة بعد غيبة عشرين سنة وأنزل على المعز بن باديس حافد أخيه بلكين أجل ما كانت دولتهم بأمر إفريقية وأترف وأوسع ملكاً وأوفر عدداً. فلقيه المعز بأحسن أحوال البر والتجلة وأنزله أرفع المنازل من الدولة وقدمه على الأعمام والقرابة وأسكنه بقصره وأبرز الحرم للقائه فيقال إنه لقيه من ذوات محارمه ألف امرأة لا تحل له واحدة منهن ووارى إبراهيم مع شلوه بجدثه وكان استخلف على عمله ابنه ونا فظعن لأهل غرناطة فانتقضوا عليه وبعثوا عن حبوس ابن عمه ماكسن بن زيري مكانه ببعض حصون عمله فبادر إليهم ونزل بغرناطة فانتقضوا عليه وبايعوه واستحدث بها ملكاً وكان من أعظم ملوك الطوائف بالأندلس إلى أن هلك سنة تسع وعشرين. وولي من بعده ابنه باديس بن حبوس ويلقب بالمظفر ولم يزل مقيماً لدعوة آل حمود أمراء مالقة بعد تخلفهم عن قرطبة سائر أيامه وزحف إليها العامري صاحب المرية سنة تسع وعشرين فلقيه باديس بظاهر غرناطة فهزمه وقتله وطالت أيامه ومد ملوك الطوائف أيديهم جميعاً إلى مدده فكان ممن استمده محمد بن عبد الله البرزالي لما حاصره إسمعيل بن القاضي بن عباد بعساكر أبيه فأمده باديس بنفسه وقومه وصار إلى صريخه مع ابن بقية قائد إدريس بن حمود صاحب المالقة سنة إحدى وثلاثين ورجعوا من طريقهم وطمع إسمعيل بن القاضي بن عباد مع صريخه فيهم فاتبعهم ولحق بباديس في قومه فاقتتلوا وفر عسكر إسمعيل وأسلموه فقتله صنهاجة وحمل رأسه إلى ابن حمود. وكان القادر بن ذي النون صاحب طليلة أيضاً يستدفع به وبقومه استطالة ابن عباد وأعوانه. وباديس هذا هو الذي مصر غرناطة واختط قصبتها وشاد قصورها وشيد حصونها وآثاره في مبانيها ومصانعها باقية لهذا العهد. واستولى على مالقة عند انقراض بني حمود سنة تسع وأربعين وأضافها إلى عمله وهلك سنة سبع وستين. وظهرأمر المرابطين بالمغرب واستفحل ملك يوسف بن تاشفين فولي من بعده حافده عبد الله بن بلكين بن باديس. وتغلب المظفر وعقد لأخيه تميم على مالقة فاستقام أمرها إلى أن أجاز يوسف بن تاشفين إلى العدوة إجازته المعروفة كما نذكره في أخباره ونزل بغرناطة سنة ثلاث وثمانين فتقبض على عبد الله بن بلكين واستصفى أمواله وذخيرته وألحق به أخاه تميماً من مالقة واستصحبها إلى العدوة. فأنزل عبد الله وتميماً بالسوس الأقصى وأقطع لهما إلى أن هلكوا في إيالته. ويزعم بنو الماكسن من بيوتات طنجة لهذا العهد أنهم من أعقابهم فاضمحل ملك بلكانة من صنهاجة ومن إفريقية والأندلس أجمع والبقاء لله وحده.
الطبقة الثانية من صنهاجة
وهم الملثمون وما كان لهم بالمغرب من الملك والدولة هنه الطبقة من صنهاجة هم الملثمون الموطنون بالقفر وراء الرمال الصحراوية بالجنوب أبعدوا في المجالات هنالك منذ دهور قبل الفتح لا يعرف أولها فأصحروا عن الأرياف ووجدوا بها المراد وهجروا التلول وجفوها واعتاضوا منها بألبان الأنعام ولحومها انتباذاً عن العمران واستئناساً بالانفراد وتوحشاً بالعز عن الغلبة والقهر. فنزلوا من ريف الحبشة جواراً وصاروا ما بين بلاد البربر وبلاد السودان حجزاً واتخذوا اللثام خطاماً تميزوا بشعاره بين الأمم وعفوا في تلك البلاد وكثروا. وتعددت قبائلهم من كذالة فلمتونة فمسوفة فوتريكة فناوكا فزغاوة ثم لمطة إخوة صنهاجة كلهم ما بين البحر المحيط بالمغرب إلى غدامس من قبلة طرابلس وبرقة. وللمتونة فيهم بطون كثيرة منهم: بنو ورتنطق وبنو زمال وبنو صولان وبنو ناسجة وكان موطنهم من بلاد الصحراء يعرف كاكدم وكان دينهم جميعاً المجوسية شأن برابرة المغرب. ولم يزالوا مستقرين بتلك المجالات حتى كان إسلامهم بعد فتح الأندلس وكانت الرياسة فيهم للمتونة. واستوسق لهم ملك ضخم منذ دولة عبد الرحمن بن معاوية الداخل توارتة ملوك منهم. تلاكاكين وورتكا وأوراكن بن ورتنطق جد أبي بكر بن عمر أمير لمتونة في مبتدأ دولتهم وطالت أعمارهم فيها إلى الثمانين ونحوها ودوخوا تلك البلاد الصحراوية وجاهدوا من بها من أمم السودان وحملوهم على الإسلام فدان به كثيرهم. واتقاهم آخرون بالجزية فقبلوها منهم وملك عليهم بعد تلاكاكين المذكور تيولوتان. قال ابن أبي زرع: أول من ملك الصحراء من لمتونة تيولوتان فدوخ بلاد الصحراء واقتضى مغارم السودان. وكان يركب في مائة ألف نجيب. وتوفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين وملك بعده يلتان وقام بأمرهم وتوفي سنة سبع وثمانين ومائتين وقام بأمرهم بعده ابنه تميم إلى سنة ست وثلثمائة وقتله صنهاجة وافترق أمرهم. انتهى كلام ابن أبي زرع. وقال غيره: كان من أشهرهم تينزوا بن وانشيق بن بيزا وقيل برويان بن واشنق بن يزار ملك الصحراء بأسرها على عهد عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم المستنصر في المائة الرابعة. وفي عهد عبيد الله وابنه أبي القاسم من خلفاء الشيعة كان يركب في مائة ألف نجيب وعمله مسيرة شهرين في مثلها. ودان له عشرون ملكاً من ملوك السودان يعطونه الجزى وملك من بعده بنوه ثم افترق أمرهم من بعد ذلك وصار ملكهم طوائف ورياستهم شيعاً. قال ابن أبي زرع: افترق أمرهم بعد تميم بن يلتان مائة وعشرون سنة إلى أن قام فيهم أبوعبيد الله بن تيفاوت المعروف بناشرت اللمتوني فاجتمعوا عليه وأحبوه وكان من أهل الدين والصلاح وحج وهلك لثلاثة أعوام من رياسته في بعض غزواته. وقام بأمرهم صهره يحيى بن إبراهيم الكندالي. وبعده يحيى بن عمر بن تلاكاكين. وكان لهذه الطبقة ملك ضخم بالمغرب والأندلس أولاً وبإفريقية بعده فنذكره الآن على نسقه.
الخبر عن دولة آل حماد بالقلعة من ملوك صنهاجة الداعية لخلافة العبيديين
وما كان لهم من الملك والسلطان بإفريقية والمغرب الأوسط إلى حين انقراضه بالموحدين هذه الدولة شعبة من دولة آل زيري وكان المنصور بلكين قد عقد لأخيه حماد على أشير والمسيلة وكان يتداولها مع أخيه يطوفت وعمه أبي البهار. ثم استقل بها سنة سبع وثمانين أيام باديس من أخيه المنصور ودفعه لحرب زناتة سنة خمس وتسعين بالمغرب الأوسط من مغراوة وبني يفرن وشرط له ولاية أشير والمغرب الأوسط وكل بلد يفتحه وأن لا يستقدمه. فعظم عناؤه فيها وأثخن في زناتة وكان مظفراً عليهم. واختط مدينة القلعة بجبل كتامة سنة ثمان وتسعين وهو جبل عجيسة وبه لهذا العهد قبائل عياض من عرب هلال. ونقل إليها أهل المسيلة وأهل حمزة وخربهما. ونقل جراوة من المغرب وأنزلهم بها وتم بناؤها وتمصيرها على رأس المائة الرابعة. وشيد من بنيانها وأسوارها واستكثر فيها من المساجد والفنادق فاستبحرت في العمارة واتسعت بالتمدن. ورحل إليها الثغور والقاصية والبلد البعيد طلاب العلوم وأرباب الصنائع لنفاق أسواق المعارف والحرف والصنائع بها. ولم يزل حماد أيام باديس هذا أميراً على الزاب والمغرب الأوسط ومتولياً حروب زناتة. وكان نزوله ببلد أشير والقلعة متاخماً لملوك زناتة وأحيائهم البادية بضواحي تلمسان وتاهرت. وحاربه بنو زيري عند خروجهم على باديس سني تسعين وثلثمائة وهم زاوي وماكسن وإخوانهما فقتل ماكسن وابناه وألجأ زاوي وإخوته إلى جبل شنون وأجازهم البحر إلى الأندلس. ثم إن بطانة باديس ومن إليه من الأعجام والقرابة نفسوا على حماد رتبته وسعوا في مكانه من بادس إلى أن فسد ذات بينهما. وطلب باديس أن يسلم عمل تيجسب وقسطنطينة لولده المعز لما قلده الحاكم ولاية عهد ابنه فأبى حماد وخالف دعوة باديس وقتل الرافضة وأظهر السنة ورضي عن الشيخين ونبذ طاعة العبيديين جملة وراجع دعوة آل العباس وذلك سنة خمس وأربعمائة. وزحف إلى باجة فدخلها بالسيف ودس إلى أهل تونس الثورة على المشارقة والرافضة فثاروا بهم فناصبه باديس الحرب وعبأ عساكره من القيروان وخرج إليه فنزع عن حماد أكثر أصحابه مثل: بني أبي واليل أصحاب معرة من زناتة وبني حسن كبار صنهاجة وبني يطوفت من زناتة وبني غمرة أيضاً منهم وفر حماد وملك باديس أشير. ولحق حماد بشلف بني واليل وباديس في اتباعه حتى نزل مواطن السرسو من بلاد زناتة. ونزع إليه عطية بن داقلتن في قومه من بني توجين لما كان حماد قتل أباه. وجاء على أثره ابن عمه بدر بن لقمان بن المعتز فوصلهما باديس واستظهر بهما على حماد. ثم أجاز إليه باديس من وادي شلف وناجزه الحرب ونزع إليه عامة أهل معسكره فانهزم وأغذ السير إلى القلعة وباديس في أثره حتى نزل فحص المسيلة وانحجر حماد في القلعة وحاصره. ثم هلك بمعسكره من ذلك الحصار فجأة بمضربه وهو نائم بين أصحابه آخر ست وأربعمائة فبايعت صنهاجة لابنه المعز صبياً ابن ثمان سنين. وتلافوا أمر أشير وبعثوا كرامة بن منصور لسدها فلم يقدر واقتحمها عليه حماد. واحتملوا باديس على أعواده إلى مدفنهم بالقيروان. وبايعوا المعز بالبيعة العامة. وزحف إلى حماد بناحية قفصة وأشفق حماد فبعث ابنه القائد لأحكام الصلح بينه وبين المعز فوصل إلى القيروان سنة ثمان وأربعمائة بهدية جليلة. وأمضى له المعز ما سأله من الصلح ورجع إلى أبيه. وهلك حماد سنة تسعة عشر وأربعمائة فقام بأمره ابنه القائد وكان جباراً فاستعمل أخاه يوسف على المغرب وويغلان على حمزة في بلد اخطته حمزة بن إدريس. وزحف إليه حمامة بن زيري بن عطية ملك فاس من مغراوة سنة ثلاثين فخرج إليه القائد وسرب الأموال في زناتة. وأحس بذلك حمامة فصالحه ودخل في طاعته ورجع إلى فاس. وزحف إليه المعز من القيروان سنة أربع وثلاثين وحاصره مدة طويلة. ثم صالح القائد وانصرف إلى أشير فحاصرها ثم أقلع عنها وانكفأ راجعاً. وراجع القائد طاعة العبيديين لما نقم عليه المعز ولقبوه شرف الدولة. وهلك سنة ست وأربعبن وولي ابنه محسن وكان جباراً وخرج عليه عمه يوسف ولحق بالمغرب فقتل سائر أولاد حماد وبعث محسن في طلبه بلكين ابن عمه محمد بن حماد وأصحبه من العرب خليفة بن بكير وعطية الشريف وأمرهما بقتل بلكين في طريقهما فأخبرا بلكين بذلك وتعاهدوا جميعاً على قتل محسن وأنذر بهم ففر إلى القلعة وأدركوه فقتله بلكين لتسعة أشهر من ولايته. وولي الأمر سنة سبع وثلاثين وكان شهماً قرماً حازماً سفاكاً للدماء. وقتل وزير محسن الذي تولى قبله. وفي أيامه قتل جعفر بن أبي رمان مقدم بسكرة لما أحس بنكثه فخالف أهل بسكرة بأثر ذلك حسبما نذكره. ثم مات أخوه مقاتل بن محمد فاتهم به زوجته ناميرت بنت عمه علناس بن حماد فقتلها وأحفظ ذلك أخاها الناصر وطوى على التبييت وكان بلكين كثيراً ما يردد الغزو إلى المغرب. وبلغه استيلاء يوسف بن تاشفين والمرابطين على الصامدة فنهض نحوهم سنة أربع وخمسين وفر المرابطون إلى الصحراء وتوغل بلكين في ديار المغرب رنزلى بفاس واحتمل من أكابر أهلها وأشرافهم رهناً على لاعة. وانكفأ راجعاً إلى القلعة فانتهز منه الناصر ابن عمه الفرصة في الثأر بأخته ومالأه قومه من صنهاجة لما لحقهم من تكلف المشقة بإبعاد الغزو والتوغل في أرص العدو فقتلة بتساتة سنة أربع وخمسين. وقام بالأمر من بعده واستوزر أبا بكر أبي الفتوح وعقد على المغرب لأخيه كباب وأنزله مليانه وعلى حمزة لأخيه رومان وعلى نقاوس لأخيه خزر. وكان المعز قد هدم سورها فأصلحه الناصر وعقد على قسطنطينة لأخيه بلبار وعلى الجزائر ومرسى الدجاج لابنه عبد الله وعلى أشير لابنه يوسف وكتب إليه حمو بن مليل البرغواطي من صفاقس بالطاعة وبعث إليه بالهدية. ووفد عليه أهل قسطنطينة ومقدمهم يحيى بن واطاس فأعلنوا بطاعته وأجزل صلتهم وردهم إلى أماكنهم وعقد عليها ليوسف بن خلوف من صنهاجة ودخل أهل القيروان أيضاً قي طاعته وكذلك أهل تونس. وكان أهل بسكرة لما قتله بلكين مقدمهم جعفر بن أبي رمان خلعوا طاعة آل حماد واستبدوا بأمر بلدهم وعيلهم بنو جعفر فسرح الناصر إليهم خلف بن أبي حيدرة وزيره ووزير بلكين قبله فنازلها وافتتحها عنوة واحتمل بني جعفر في جماعة من رؤسائها إلى القلعة فقتلهم الناصر وصلبهم ثم قتل خلف بن أبي حيدرة بسعاية رجالات صنهاجة فيه أنه لما بلغه خبر يلكين أراد تولية أخيه معمر وشاورهم في ذلك فقتله الناصر وولى مكانه أحمد بن جعفر بن أفلح. ثم خرج الناصر ليتفقد المغرب فوثب علي بن راكان على تافربوست دار ملكهم. وكان لما قتل بلكين هرب إلى إخوانه من عجيسة واهتبلوا الغرة في تافربوست لغيبة الناصر فطرقوها ليلاً. وملكها علي فرجع الناصر من المسيلة وعاجلهم فسقط في أيديهم وافتتحها عليهم عنوة وذبح علي بن راكان نفسه بيده ثم وقعت بين العرب الهلاليين فتن وحروب ووفد عليه رجالات الأثبج صريخاً به على رياح فأجابهم ونهض إلى مظاهرتهم في جموعه من صنهاجة وزناتة حتى نزل للاربس وتواقعوا بسببه فغدرت بهم زناتة وجروا عليه وعلى قومه الهزيمة بدسيسة ابن المعز بن زيري بن عطية وإغراء تميم بن المعز فانهزم الناصر واستباحوا خزائنه ومضاربه وقتل أخوه القاسم وكاتبه ونجا إلى قسطنطينة في أتباعه. ثم لحق بالقلعة في فل من عسكره لم يبلغوا مايتين. وبعث وزيره ابن أبي الفتوح للإصلاح فعقد بينهم وبينه صلحاً وتممه الناصر. ثم وفد عليه رسول تميم وسعى عنده بالوزير ابن أبي الفتوح وأنه مائل إلى تميم فنكسه وقتله. وكان المستنصر بن خزرون الزناتي خرج في أيام الفتنة بين الترك والمغاربة بمصر ووصل إلى طرابلس فوجد بني عدي بها قد أخرجهم الأثبج وزغبة من إفريقية كما ذكرناه فرغبهم في بلاد المغرب وسار بهم حتى نزل المسيلة ودخلوا أشير. وخرج إليه الناصر ففر إلى الصحراء ورجع فرجع إلى مكانه من الإفساد فراسله الناصر في الصلح فأسعفه وأقطعه ضواحي الزاب ووريغة وأوعز إلى عروس بن هندي رئيس بسكرة لعهده وولي دولته أن يمكن به فوصل المنتصر إلى بسكرة وخرج إليه عروس بن هندي وأحمد نزله وأشار إلى حشمه عند انسكاب المنتصر وذويه على الطعام فبادروا مكبين لطعنه وفر أتباعه وأخذوا رأسه وبعث به إلى الناصر فنصبه ببجاية وصلب شلوه بالقلعة وجعلوه عظة لغيره. وقتل كثير من رؤساء رناتة فمن مغراوة أبي الفتوح بن حبوس أمير بني سنجلس وكانت له بلد لمدية ولمرية قبيل من بطون صنهاجة سميت البلد بهم وقتل معتصر بن حماد منهم أيضاً وكان بناحية شلف فأجلب على عامل مليانة وقتل شيوخ بني وريسفان من مغراوة فكاتبهم السلطان لما كان مشتغلاً عنهم بشأن العرب فزحفوا إلى معنصر وقتلوه وبعثوا برأسه إلى الناصر فنصبه على رأس القصر. وبعث إليه أهل الزاب أن عمر ومغراوة ظاهروا الأثبج من العرب على بلادهم فبعث ابنه المنصور في العساكر ونزل وعلان بلد المنتصر بن خزرون وهدمها. وبعث سراياه وجيوشه إلى بلد واركلا وولى عليها وقفل بالغنائم والسبي وبلغه عن بني توجين من زناتة أنهم ظاهروا بني عدي من العرب على الفساد وقطع السبيل وأميرهم إذ ذاك مناد بن عبد الله فبعث ابنه المنصور إليهم بالعسكر وتقبض على أمراء بني عدي ساكن بن عبد الله وحميد بن خزعل ولاحق بن جهان وتقبض أيضاً على أمير بني توجين وأخيه زيري وعميهما الأغلب وحمامة وأحضرهم فوبخهم وقدر عليهم فغلبه في إجارتهم من أولاد القاسم رؤساء بني عبد الواد وقتلهم جميعاً على الخلاف. وفي سنة ستين افتتح جبل بجاية وكان له قبيل من البربر يسمون بهذا الاسم إلا أن الكاف فيهم بلغتهم ليست كافاً بل هي بين الجيم والكاف وهذا القبيل من صنهاجة باقون لهذا العهد أوزاعاً في البربر فلما افتتح هذا الجبل اختط به المدينة وسماها الناصريه وتسمى عند الناس باسم القبيلة وهي بجاية وبنى بها قصر اللؤلؤة وكان من أعجب قصور الدنيا ونقل إليها الناس وأسقط الخراج عن ساكنيها وانتقل إليها سنة إحدى وستين. وفي أيام الناصر هذا كان استفحال ملكهم وشغوفه على ملك بني باديس إخوانهم بالمهدية ولما أضرع منه الدهر بفتنة العرب الهلاليين حتى اضطرب عليهم أمرهم وكثر الثوار عليهم والمنازعون من أهل دولتهم فاعتز آل حماد هؤلاء أيام الناصر هذا وعظم شأن أيامهم فبنى المباني العجيبة المؤنقة وشيد المدائن العظيمة وردد الغزو إلى المغرب وتوغل فيهم. ثم هلك سنة إحدى وثمانين وقام بالأمر من بعده ابنه المنصور بن الناصر. ونزل بجاية سنة ثلاث وثمانين وأوطنها بعساكره وخاصة بعرا من منازل العرب وما كانوا يسومونهم بالقلعة من خطة الخسف وسوء العذاب بوطء ساحاتها والعيث في نواحيها وتخطف الناس من حولها لسهولة طرقها على رواحلهم وصعوبة المسالك عليها في الطريق إلى بجاية لمكان الأوعار فاتخذ بجاية هذه معقلاً وصيرها داراً لملكه وجمد قصورها وشيد جامعها. وكان المنصور هذا جماعة مولعاً بالبناء وهو الذي حضر ملك بني حماد وتأنق في اختطاط المباني وتشييد المصانع واتخاذ القصور وإجراء المياه في الرياض والبساتين. فبنى في القلعة قصر الملك والمنار والكوكب وقصر السلام وفي بجاية قصر اللؤلؤة وقصر أميميون. وكان أخوه يلباز على قسطنطينة منذ عهد الناصر أبيهما. وهم بالاستبداد لأول ولاية المنصور فسرح إليه أبا يكنى بن محصن بن العابد في العساكر وعقد له على قسطنطينه وبونة فتقبض على بلباز وأشخصه إلى القلعة وأقام والياً على قسطنطينة مكانه وولى أخاه ويغلان على بونة. ثم بدا له في الخلاف على المنصور وثار بقسطنطينة سنة سبع وثمانين. وبعث أخاه من بونة إلى تميم بن المعز بالمهدية واستدعاه لولاية بونة فبعث معه ابنه أبا الفتوح بن تميم ونزل بونة مع ويغلان. وكاتبوا المرابطين بالمغرب الأقصى وجمعوا العرب على أمرهم. وسرح المنصور عساكره فحاصروا بونة سبعة أشهر. ثم اقتحموها غلاباً وتقبضوا على أبي الفتوح بن تميم وبعثوا به إلى المنصور فاعتقله بالقلعة. ثم نازلت عساكره قسطنطينة واضطرب أحوال ابن أبي يكنى فخرج إلى قلعة بجبل أوراس وتحصن بها. ونزل بقسطنطينة صليصل بن الأحمر من رجالات الأثبج. وداخل صليصل المنصور في أن يمكنه من قسطنطينة على مال يبذله ففعل واستولى عليها المنصور. وأقام أبو يكنى بحصنه من أوراس وردد الغارة على قسطنطينة فتوجهت إليه العساكر وحاصروه بقلعته. ثم اقتحموها عليه وقتلوه. وكان بنو ومانو من زناتة حياً جميعاً وقوماً أعزة. وكانت إليهم رئاسة زناتة. وكان رئيسهم لعهده ماخوخ وكان بينهم وبين آل حماد صهر فكانت إحدى بناتهم زوجة للناصر وكانت أخرى عند المنصور. ولما تجددت الفتنة بينه وبين قومهما أغزاهم المنصور بنفسه في جموع صنهاجة وحشوده وجمع له ماخوخ ولقيه في زناتة فانهزم المنصور إلى بجاية فقتل أخت ماخوخ التي كانت تحته. واستحكمت النفرة بين ماخوخ وبينه. وسار إلى ولاية أمراء تلمسان من لمتونة وحرضهم على بلاد صنهاجة فكان ذلك مما دعا المنصور إلى النهوض إلى تلمسان. وذلك أن يوسف بن تاشفين لما ملك المغرب واستفحل به أمره سما إلى ملك تلمسان فغلب عليها أولاد يعلى سنة أربع وسبعين على ما يأتي ذكره وأنزلها محمد بن يغمر المسوفي وصيرها ثغراً لملكه فاضطلع بأمرها ونازل بلاد صنهاجة وثغورهم فزحف إليه المنصور وأخرب ثغوره وحصون ماخوخ وضيق عليه فبعث إليه يوسف بن تاشفين وصالحه. وقبض أيدي المرابطين عن بلاد صنهاجة ثم عاود المرابطون إلى شأنهم في بلاده فبعث ابنه الأمير عبد الله وسمع به المرابطون فانقبضوا عن بلاده وزحفوا إلى مراكش. واحتل هو بالمغرب الأوسط فشن الغارة في بلاد بني ومانوا وحاصر الجعبات وفتحها ثم عاود ذلك مرات كذلك وعفا عن أهلها ورجع إلى أبيه. ثم وقعت الفتنة بينه وبين ماخوخ. وقتل أخوه ولحق ابن ماخوخ بتلمسان وظاهره ابن يغمر صاحب تلمسان على أمره وأجلبوا على الجزائر فنازلوها يومين مات عقيبها محمد بن يغمر صاحب تلمسان. وولي يوسف بن تاشفين مكان أخيه تاشفين بن يغمر فنهض إلى أشير وافتتحها فقام المنصور في ركائبه ومعه كافة صنهاجة. ومن العرب أحياء الأثبج وزغبة وربيعة وهم المعقل من زناتة أمماً كثيرة ونهض إلى غزو تلمسان سنة ست وسبعين في نحو عشرين ألفاً. ولقي أسطقسيف وبعث العسكر في مقدمته وجاء على أثرهم. وكان تاشفين قد أفرج عن تلمسان وخرج إلى تسالة ولقيته عساكر المنصور فهزموه ولجأ إلى جبل الصخرة. وعاثت عساكر المنصور في تلمسان فخرجت إليه حوا زوجة تاشفين أميرهم متذممة راغبة في الإبقاء متوسلة بوشائج الصنهاجية فأكبر قصدها إليه وأكرم موصلها وأفرج عنهم صبيحة يومه. وانكفأ راجعاً إلى حضرته بالقلعة. وأثخن بعدها في زناتة وشردهم بنواحي الزاب والمغرب الأوسط. ورجع إلى بجاية وأثخن في نواحيها ودوخت عساكره قبائلها فساروا في جبالها المنيعة مثل بني عمران وبني تازروت والمنصورية والصهريج والناظور وحجر المغز وقد كان أسلافه يرومون كثيراً عنها فتمتنع عليهم فاستقام أمره واستفحل ملكه. وقدم عليه معز الدولة بن صمادح من المرية فاراً أمام المرابطين لما ملكوا الأندلس فنزل على المنصور وأقطعه تدلس وأنزله بها. وهلك سنة ثمان وتسعين فولي من بعده ابنه باديس فكان شديد البأس عظيم النظر فنكب عبد الكريم بن سليمان وزير أبيه لأول ولايته وخرج من القلعة إلى بجاية فنكب سهاماً عامل بجاية. وهلك قبل أن يستكمل سنة وولي من بعده أخوه العزيز. وقد كان عزله عن الجزائر وغربه إلى جيجل فبعث عنه القائد علي بن حمدون فوصل وبايعوه وصالح زناتة وأصهر إلى ماخوخ فأنكحه ابنته. وطال أمر ملكه وكانت أيامه هدنة وأمناً. وكان العلماء يتناظرون في مجلسه. ونازلت أساطيله جربة فنزلوا على حكمه وأخذوا بطاعته. ونازل تونس وصالحه صاحبها أحمد بن عبد العزيز وأخذ بطاعته وكبس العرب في أيامه القلعة وهم غازون فاكتسحوا جميع ما وجدوه بظواهرها وعظم عيثهم وقاتلتهم الحامية فغلبوهم وأخرجوهم من البلد. ثم ارتحل العرب وبلغ الخبر إلى العزيز فبعث ابنه يحيى وقائده علي بن حمدون من بجاية في عسكر وتعبية فوصل إلى القلعة وسكن الأحوال. وقد أمن العرب واستعتبوا فأعتبوا وانكفأ يحيى راجعاً إلى بجاية في عسكره. وعلى عهد العزيز هذا كان وصول مهدي الموحدين إلى بجاية قافلاً من المشرق سنة اثتتي عشرة وغير بها المنكر فسعى به عند العزيز وائتمر به فخرج إلى بني ورياكل من صنهاجة كانوا ساكنين بوادي بجاية فأجاروه. ونزل عليهم بملالة وأقام بها يدرس العلم. وطلبه العزيز فمنعوه وقاتلوه دونه إلى أن رحل عنهم إلى المغرب. وهلك العزيز سنة خمس عشرة وأربعمائة فولي من بعده ابنه يحيى وطالت أيامه مستضعفاً مغلباً للنساء مولعاً بالصيد على حين انقراض الدولة وذهاب الأيام بقبائل صنهاجة واستحدث السكة ولم يحدثها أحد من قومه أدباً مع خلفائهم العبيديين ونقل ابن حماد أن سكته في الدينار كانت ثلاثة سطور ودائرة في كل وجه فدائرة الوجه الواحد: " واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " والسطور: لا إله إلا الله محمد رسول الله يعتصم بحبل الله يحيى بن العزيز بالله الأمير المنصور. ودائرة الوجه الآخر: بسم الله الرحمن الرحيم ضرب هذا الدينار بالناصرية سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. وفي سطوره: الإمام أبو عبد الله المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين العباسي. ووصل سنة ثلاث وأربعين إلى القلعة لافتقادها ونقل ما بقي بها وانتقض عليه بتوزر ابن مروان فجهز إليه الفقيه مطرف بن علي بن حمدون في العساكر فافتتحها عنوة وتقبض على ابن مروان وأوصله إليه فسجنه بالجزائر إلى أن هلك في معتقله وقيل قتله. وبعث مطرف بابنه إلى تونس فافتتحها ونازل في وجهته هذه المهدية فامتنعت عليه ورجع إلى بجاية. وتغلب النصارى على المهدية وقصده الحسن صاحبها فأجازه إلى الجزائر وأنزله بها مع أخيه القائد حتى إذا زحف الموحدون إلى بجاية وفر القائد من الجزائر وأسلمها قدموا الحسن على أنفسهم. ولقي عبد المؤمن فأمنهم وأخرج يحيى بن عبد العزيز أخاه سبع للقاء الموحدين فانهزم وملك الموحدون بجاية. وركب يحيى البحر إلى صقلية يروم الإجازة منها إلى بغداد. ثم عدل إلى بونة فنزل على أخيه الحارث. ونكر عليه سوء صنيعه وإخراجه عن البلاد فارتحل عنه إلى قسطنطينة فنزل على أخيه الحسن فتخلى له عن الأمر. وفي خلال ذلك دخل الموحدون لقلعة عنوة. وقتل حوشن بن العزيز وابن الدحامس من الأثبج معه وخربت القلعة. ثم بايع يحيى لعبد المؤمن سنة سبع وأرببعين. ونزل عن قسطنطينة واشترط لنفسه فوفى له ونقله إلى مراكش فسكنها. ثم انتقل إلى سلا سنة ثمان وخمسين فسكن قصر بني عشيرة إلى أن هلك في سنته. وأما الحارث بن عبد العزيز صاحب بونة ففر إلى صقلية واستصرخ صاحبها فصارخه على أمره ورجع إلى بونة وملكها. ثم غلب عليها الموحدون وقتلوه صبراً. وانقرض ملك بني حماد والبقاء لله وحده ولم يبق من قبائل ماكسن إلا أوزاع بوادي بجاية ينسبون إليهم وهم لهذا العهد في عداد الجند ولهم اقطاع بنواحي البلد على العسكرة في جملة السلطنة مع قواده والله وارث الأرض ومن عليها.
الخبر عن ملوك بني حبوس في ماكسن من بني زيري من صنهاجة
بغرناطة من عدوة الأندلس وأولية ذلك ومصايره لما استبد باديس بن المنصور بن بلكين بن زيري بن مناد بن هاد بولاية إفريقية سنة خمس وثمانين ولى عمومته وقرابته ثغور عمله فأنزل حماداً بأشير وأخاه يطوفت بتاهرت وزحف زيري بن عطية صاحب فاس من مغراوة بدعوة المؤيد هشام خليفة قرطبة إلى عمل صنهاجة في جموع زناتة ونزل تاهرت وسرح باديس عساكره لنظر محمد بن أبي العون فالتقوا على تاهرت وانهزم صنهاجة فزحف باديس بنفسه للقائهم وخالف عليه فلفول بن سعيد بن خزرون صاحب طبنة. ثم أجفل زيري بن عطية امامه ورجع به إلى المغرب فرجع باديس إلى القيروان وترك عمومته أولاد زيري بأشير مع حماد وأخيه يطوفت وهم: زاوى وجلال وعمرم ومعنين وأجمعوا على الخلاف والخروج على باديس سنة سبع وثمانين فأسلموا حماداً برمته واستولوا على جميع ما معه واتصل الخبر بأبي البهار بن زيري وهم مع باديس فخشيه على نفسه ولحق بهم واجتمعوا في الخلاف واشتغل باديس عنهم بحرب فلفول بن يانس مولى الحاكم القادم على طرابلس من قبله وانفسح مجالهم في الفساد والعبث ووصلوا أيديهم بفلفول وعاقدوه. ثم رجع أبو البهار عنهم إلى باديس فتقبله وصالح له ثم رجعوا إلى حماد سنة إحدى وتسعين ولقيهم فهزمهم وقتل مساكن وابنه ولحق زاوي بجبل شنوق من ساحل مليانة وأجاز البحر إلى الأندلس في بنيه وبني أخيه وحاشيته ونزل على المنصور بن أبي عامر صاحب الدولة وكافل الخلافة الأموية فأحسن نزلهم وأكرم وفادتهم واصطنعهم لنفسه واتخذهم بطانة لدولته وأوليائه على ما يرومه من قهر الدولة والتغلب على الخلافة ونظمهم في طبقات زناتة وسائر رجالات البربر الذين أدال بجموعهم من جنود السلطان وعساكر الأموية وقبائل العرب واستغلظ أمر صنهاجة بالأندلس واستفحلت أمارتهم وحملوا دولة المنصور بن أبي عامر وولديه المظفر والناصر من بعده على كاهلهم. ولما انقرض أمرهم واضمحلت دولتهم ونشأت الفتنة بالأندلس بين البرابرة وأهلها فكان زاوي كبش تلك الوقائع ومحش حروبها. وتمرس بقرطبة هو وقومه صنهاجة وكافة زناتة والبربر حتى أثبتوا قدم خليفتهم المستعين سليمان بن الحكم بن سليمان بن الناصر الذي أتوه ببيعتهم وأعطوه على الطاعة صفقتهم كما ذكرناه في أخبارهم ثم اقتحموا به قرطبة عنوة واصطلموا عامة أهلها وأنزلوا المعرات بذوي الصون منها وبيوتات الستر من خراصها فحدث الناس في ذلك بأخبارها. وتوصل زاوي عند استباحة قرطبة إلى رأس أبيه زيرى بن مناد المنصور بجدران قصر قرطبة فأزاله وأصاره إلى قومه ليدفن في جدثه. ثم كان شأن أبي حمود من العلوية وافترق أمر البرابرة واضطرمت الأندلس ناراً وامتلأت جوانبها فتنة وأسرى الرؤساء من البرابرة ورجالات الدولة على النواحي والأمصار فملكوها وتحيزت صنهاجة إلى ناحية ألبيرة فكانت ضواحيها لهم وحصل عليها استلاؤهم وزاوي يومئذ عضد البرابرة فنزل غرناطة واتخذها داراً لملكته ومعتصماً لقومه. ثم وقع في نفسه سوء أثر البربر بالأندلس أيام الفتنة وحذر مغبة الفعلة واستعاضت الدولة فاعتزم على الرطة وآوى إلى سلطان قومه بالقيروان سنة عشر وأربعمائة بعد غيبة عشرين سنة وأنزل على المعز بن باديس حافد أخيه بلكين أجل ما كانت دولتهم بأمر إفريقية وأترف وأوسع ملكاً وأوفر عدداً. فلقيه المعز بأحسن أحوال البر والتجلة وأنزله أرفع المنازل من الدولة وقدمه على الأعمام والقرابة وأسكنه بقصره وأبرز الحرم للقائه فيقال إنه لقيه من ذوات محارمه ألف امرأة لا تحل له واحدة منهن ووارى إبراهيم مع شلوه بجدثه وكان استخلف على عمله ابنه ونا فظعن لأهل غرناطة فانتقضوا عليه وبعثوا عن حبوس ابن عمه ماكسن بن زيري مكانه ببعض حصون عمله فبادر إليهم ونزل بغرناطة فانتقضوا عليه وبايعوه واستحدث بها ملكاً وكان من أعظم ملوك الطوائف بالأندلس إلى أن هلك سنة تسع وعشرين. وولي من بعده ابنه باديس بن حبوس ويلقب بالمظفر ولم يزل مقيماً لدعوة آل حمود أمراء مالقة بعد تخلفهم عن قرطبة سائر أيامه وزحف إليها العامري صاحب المرية سنة تسع وعشرين فلقيه باديس بظاهر غرناطة فهزمه وقتله وطالت أيامه ومد ملوك الطوائف أيديهم جميعاً إلى مدده فكان ممن استمده محمد بن عبد الله البرزالي لما حاصره إسمعيل بن القاضي بن عباد بعساكر أبيه فأمده باديس بنفسه وقومه وصار إلى صريخه مع ابن بقية قائد إدريس بن حمود صاحب المالقة سنة إحدى وثلاثين ورجعوا من طريقهم وطمع إسمعيل بن القاضي بن عباد مع صريخه فيهم فاتبعهم ولحق بباديس في قومه فاقتتلوا وفر عسكر إسمعيل وأسلموه فقتله صنهاجة وحمل رأسه إلى ابن حمود. وكان القادر بن ذي النون صاحب طليلة أيضاً يستدفع به وبقومه استطالة ابن عباد وأعوانه. وباديس هذا هو الذي مصر غرناطة واختط قصبتها وشاد قصورها وشيد حصونها وآثاره في مبانيها ومصانعها باقية لهذا العهد. واستولى على مالقة عند انقراض بني حمود سنة تسع وأربعين وأضافها إلى عمله وهلك سنة سبع وستين. وظهرأمر المرابطين بالمغرب واستفحل ملك يوسف بن تاشفين فولي من بعده حافده عبد الله بن بلكين بن باديس. وتغلب المظفر وعقد لأخيه تميم على مالقة فاستقام أمرها إلى أن أجاز يوسف بن تاشفين إلى العدوة إجازته المعروفة كما نذكره في أخباره ونزل بغرناطة سنة ثلاث وثمانين فتقبض على عبد الله بن بلكين واستصفى أمواله وذخيرته وألحق به أخاه تميماً من مالقة واستصحبها إلى العدوة. فأنزل عبد الله وتميماً بالسوس الأقصى وأقطع لهما إلى أن هلكوا في إيالته. ويزعم بنو الماكسن من بيوتات طنجة لهذا العهد أنهم من أعقابهم فاضمحل ملك بلكانة من صنهاجة ومن إفريقية والأندلس أجمع والبقاء لله وحده.
الطبقة الثانية من صنهاجة
وهم الملثمون وما كان لهم بالمغرب من الملك والدولة هنه الطبقة من صنهاجة هم الملثمون الموطنون بالقفر وراء الرمال الصحراوية بالجنوب أبعدوا في المجالات هنالك منذ دهور قبل الفتح لا يعرف أولها فأصحروا عن الأرياف ووجدوا بها المراد وهجروا التلول وجفوها واعتاضوا منها بألبان الأنعام ولحومها انتباذاً عن العمران واستئناساً بالانفراد وتوحشاً بالعز عن الغلبة والقهر. فنزلوا من ريف الحبشة جواراً وصاروا ما بين بلاد البربر وبلاد السودان حجزاً واتخذوا اللثام خطاماً تميزوا بشعاره بين الأمم وعفوا في تلك البلاد وكثروا. وتعددت قبائلهم من كذالة فلمتونة فمسوفة فوتريكة فناوكا فزغاوة ثم لمطة إخوة صنهاجة كلهم ما بين البحر المحيط بالمغرب إلى غدامس من قبلة طرابلس وبرقة. وللمتونة فيهم بطون كثيرة منهم: بنو ورتنطق وبنو زمال وبنو صولان وبنو ناسجة وكان موطنهم من بلاد الصحراء يعرف كاكدم وكان دينهم جميعاً المجوسية شأن برابرة المغرب. ولم يزالوا مستقرين بتلك المجالات حتى كان إسلامهم بعد فتح الأندلس وكانت الرياسة فيهم للمتونة. واستوسق لهم ملك ضخم منذ دولة عبد الرحمن بن معاوية الداخل توارتة ملوك منهم. تلاكاكين وورتكا وأوراكن بن ورتنطق جد أبي بكر بن عمر أمير لمتونة في مبتدأ دولتهم وطالت أعمارهم فيها إلى الثمانين ونحوها ودوخوا تلك البلاد الصحراوية وجاهدوا من بها من أمم السودان وحملوهم على الإسلام فدان به كثيرهم. واتقاهم آخرون بالجزية فقبلوها منهم وملك عليهم بعد تلاكاكين المذكور تيولوتان. قال ابن أبي زرع: أول من ملك الصحراء من لمتونة تيولوتان فدوخ بلاد الصحراء واقتضى مغارم السودان. وكان يركب في مائة ألف نجيب. وتوفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين وملك بعده يلتان وقام بأمرهم وتوفي سنة سبع وثمانين ومائتين وقام بأمرهم بعده ابنه تميم إلى سنة ست وثلثمائة وقتله صنهاجة وافترق أمرهم. انتهى كلام ابن أبي زرع. وقال غيره: كان من أشهرهم تينزوا بن وانشيق بن بيزا وقيل برويان بن واشنق بن يزار ملك الصحراء بأسرها على عهد عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم المستنصر في المائة الرابعة. وفي عهد عبيد الله وابنه أبي القاسم من خلفاء الشيعة كان يركب في مائة ألف نجيب وعمله مسيرة شهرين في مثلها. ودان له عشرون ملكاً من ملوك السودان يعطونه الجزى وملك من بعده بنوه ثم افترق أمرهم من بعد ذلك وصار ملكهم طوائف ورياستهم شيعاً. قال ابن أبي زرع: افترق أمرهم بعد تميم بن يلتان مائة وعشرون سنة إلى أن قام فيهم أبوعبيد الله بن تيفاوت المعروف بناشرت اللمتوني فاجتمعوا عليه وأحبوه وكان من أهل الدين والصلاح وحج وهلك لثلاثة أعوام من رياسته في بعض غزواته. وقام بأمرهم صهره يحيى بن إبراهيم الكندالي. وبعده يحيى بن عمر بن تلاكاكين. وكان لهذه الطبقة ملك ضخم بالمغرب والأندلس أولاً وبإفريقية بعده فنذكره الآن على نسقه.