فرعون موسى كان من قوم موسى .. والفرعونية أُكذوبة تاريخية !
Pharaoh Moses was one of the people of Moses .. And the Pharaohs are a historical lie!
نجح أصحاب التوراة “السبعينية – اليونانية” في جعل حكايتهم مرجعا للتاريخ، لدرجة أنه إذا ما واجهتنا أي حادثة في ماضي التاريخ نعرضها أولا على حكايتهم لنرى ماذا قالوا، ويكون هذا هو الحق المبدئي، بعد هذا نلوي عنق كل شيء ليتماشى مع ما قالوه، لدرجة أصبحت كثير من الأحداث والمفاهيم بتأثيرهم مسلمات غير قابلة للنقاش، رغم ظهور أخطاء فاضحة تاريخيا أو منطقيا أو جغرافيا، وبدلا من التوقف وإعادة التفكير ظل كثير من الباحثين يدورون حولها أو يعالجونها بخجل، أما رجال الأديان السماوية فقد شكلوا سياجا متينا يحمي تلك المفاهيم بإدخالها في صلب عقيدتهم وظل همهم وشاغلهم ترديد تلك الأساطير وبذل الجهد في الدفاع عنها وتبريرها .. وبحسن نية أصبح المسلمون تورايين أكثر من أهل التوراة أنفسهم.
منذ ما يقرب من مائتي عام نعيش كذبة كبيرة اسمها “الفراعنة” .. ألصقها المؤرخون والأثريون الغربيون بالحضارة المصرية القديمة وملوكها ونسعى الأن لإثبات أن فرعون وقومه كانوا من أعراب الهكسوس الذين دخلوا مصر في أحد الأزمنة، وأن جزء كبيرا من الهكسوس كان من بني إسرائيل.
وأن أحداث قصة موسى وفرعون فد تمت على جزء من أرض مصر وليس كلها، وهو الذي يبدأ من الشرقية أو العاصمة (هواريس) إلى خليج العقبة، وهذا الجزء هو الذي سيطر عليه فرعون وملأه ومعه مجموعة أخرى من القبائل التي تؤازره وتعاضده
كتاب “فرعون موسى من قوم موسى” للمهندس عاطف عزت يقدم دراسة شديدة الجرأة والقوة عن فرعون، بأدلة قرآنية وتوراتية تهدم تماما ما عرفناه عن التاريخ الفرعوني، يرى الكاتب أن فرعون ليس مصريا، إنما هو ملكا من بني اسرائيل أنفسهم، دخل مصر مع الاحتلال الهكسوسي لها، ثم تربع على عرش الجزء المُحتل، فلم يكن للهكسوس سيادة إلا على ما يقرب من خُمس مساحة مصر، ثم حدثت القصة كما وردت في القرآن غير أنه لم يتم تفسيرها بالشكل الدقيق.
ورغم أني مختلف مع بعض ما طُرح إلا أن ما قُدم في كتابه رؤيا جريئة تستحق التقدير ..
المقال طويل لأنه كان عبارة عن 3 مقالات في مدونة أخرى لي .. أدمجتها في مقالة واحدة طويلة وذلك لأهميتها في موضوع الحضارة المصرية القديمة.
فرعون .. هذا هو اللغز الأول الواجب حله .. هل هو لقب من ألقاب ملوك وادي النيل ؟ أم اسم علم لشخص ؟!
يؤكد معجم الحضارة المصرية : ” أن المؤرخين الغربيين وكل من تصدى لدراسة الحضارة المصرية قد نقلوا كلمة فرعون عن لفظ حقيقي رسمي في التوراة “.
بعد فك رموز حجر شامبليون تزايد الضغط على علماء الأثار من اليهود مطالبين بضرورة تعيين فرعون موسى من بين ملوك وادي النيل، فكان من بين هؤلاء العالم جيمس هنريبرستيد الذي رأى أن كلمة فرعون إنما هي اشتقاق من “بر-عا” ومعناها الحرفي “البيت الكبير” أو “البيت العظيم” ويشار بها إلى الديوان الملكي، كما هو الوضع في العصر الحديث “للبيت الأبيض” مثلا أو “قصر الإيليزيه”
لكن سير آلن جاردنر يستنكر لذلك في كتابه “مصر الفراعنة” قائلا : إن استخدامنا لمصطلح فرعون بالنسبة لأي ملك قبل الأسرة 18 يُعد بمثابة خطأ في تسلسل تاريخ الأحداث.
كذلك أقر ذلك مجموعة من ثقات علماء الآثار مثل سير آرثر إيفانز وآلن شورتر وغيرهم حيث أجمعوا أن “بر-عا” معناها البيت الكبير، وليس لها أي علاقة بشخص الملك أو اسمه
لكن رغم ذلك فاللوبي اليهودي له الصوت الأعلى وتمسك الكثيرون بأن “بر-عا” هي “فرعون” وحاولوا به التوفيق بين الشائع المبهم والواقع المحسوس .. إراحة للدماغ
فعندما قالت التوراة أن حاكم مصر اسمه فرعون .قام الجميع بإطلاق اسم فرعون على كل حاكم لمصر- أجنبي أو مصري -وتم تفصيل كل شئ ليتمشى مع ما قاله كتبة التوراة ، فهم الأساس والمرجع .
ووصل الأمر إلى أن سجلات مصر والعراق قد حرفت على ضوء النصوص التوراتية والتي أجبرت على إعطاء مؤشرات جغرافية وتاريخية تتوافق مع الأحكام المسبقة لدى الباحثين التوراتيين*
ولا شك أن كثير من المقولات والمفاهيم أصبحت بتأثير التوراة مسلمات لفترة زمنية طويلة ، رغم وضوح الخطأ، سواء أكان هذا الخطأ تاريخياَ أو منطقياَ أو جغرافياَ وظل كثيراَ من الباحثين يدورون حولها أو يعالجونها بخجل إذا لم يجندوا أنفسهم لتبريرها **
هذا الموقف الغريب اتخذه الكثير من رجال الدين الإسلامي حيث تم ليّ عنق الآيات الواضحة لتتمشى مع ما يقوله كتبة التوراة . حتى رجال الآثار المصرية خضعوا ” لمسلمات النصوص التوراتية الخاطئة ” وأقنعونا أن كلمة – فرعون – مشتقة من اللفظ المصري ( بر – عا) والتي تعني البيت الكبير، ولما كان هذا اللفظ هو أقرب الألفاظ لاسم فرعون فقد ثبت وتقنن وأصبح هو التفسير التقليدي. وأراه تخريج بعيد القبول وفيه تقليد لرجال الآثار الأوربيين الذين جعلوا من التوراة مرجعهم الأول .
والحقيقة أن ” كلمة ( فرعون ) اسم علم لرجل من الرعاة الأعراب الهكسوس الذين احتلوا مصر وحكموها ، واسم هذا الرجل ( فرعون ) لا يمت بصله لأسماء أو ألقاب ملوك مصر من المصريين “، والأدلة على ذلك هي :
أولاً : لم تأتي كلمة فرعون في القرآن الكريم معرفة مثل ( الملك أو الأمير أو الإمبراطور.. ) بل دائماً تأتي نكرة على صورة مجردة هكذا ( فرعون ) مما يدل على انه اسم علم وليس صفة أو منصب .
ثانياً : جاء اسم فرعون ملازماً لاسمين لشخصين من الأعلام مرة قبلهما ومرة أخرى بينهما ، فلا بد لغوياً أن تكون كلمة فرعون اسماً لشخص مثل ما قبلها وما بعدها .
{ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون } 23 غافر
{وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات} 39 العنكبوت
ثالثاً : لم يأتي هذا الاسم جمعاً أبداً ، فلم ترد أبداً كلمة الفراعين على غرار الأمراء والملوك ، ذلك لأن أسماء الأعلام لا تجمع.
إن فرعون كان شخصا فردا واحدا .. وليس مجموعة
يقول الله في سورة القصص : {نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون} – 3 القصص
إذا فهو شخص واحد فقط ..فرعون واحد فقط من أول القصة إلى آخرها
رابعا : الحاكم الذي عاصر يوسف أطلق عليه الملك في خمسة مواضع ، وهناك أيضاً العزيز .بينما الحاكم الذي عاصر موسى أطلق عليه فرعون( بدون -أل- التعريف ) في أربع وسبعين موضعاً .
خامسا : جاء مصحوباً بياء النداء ، وهي تأتي مع أسماء الأعلام مثل يا أحمد ويا مصطفى … الخ .ففي القرآن الكريم :
{ وقال موسى يا فرعون … } 104 الأعراف
ففرعون اسم علم للرجل وليس لقباً وإلا كانت قد جاءت يا أيها الفرعون على غرار الآية
{ قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر } 88 يوسف
بل إننا نقرأ حوارا بين موسى وفرعون يتحدث فيه كل منهما مع الأخر باسمه المجرد
قال فرعــــــــون :…{ إنى لأظنك يا موسى مسحورا } ً101 الإسراء
ورد عليه موسى:…{ وإنى لأظنك يا فرعون مثبورا } 102الإسراء
سادسا : من الاستحالة أن تكون كلمة فرعون لقباً لحاكم لأن الألقاب تقرن بأسماء الملوك بغرض التفخيم والتعظيم . وتطلق مجردة زيادة في التفخيم ، هذا ولما كان النص القرآني قد أفاد فى كثير من الوجوه إجرام هذا الملك ووصفه بكل عيب ونقيصة ، فليس من المعقول أن يأتي النص بعد ذلك معظماً له فيناديه بلقبه ( تعظيماً ) وليس باسمه ( تقليلاً ) .
فمثلا في قول الله : {إن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين } – يونس 83
فهل معناها : وإن البيت العظيم لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين ؟ ، هل يكون هذا منطقيا، أو كقول موسى عليه السلام له : وإنة لأظنك يا أيها البيت العظيم مثبورا ؟ .. لا يستقيم الأمر بهذه الصورة
لقد ذكره الله تعالى باسمه في 74 كاملة دون لقب، بل باسمه مجردا تحقيرا له، وكذلك ما حدث مع هامان وقارون
سابعا : جاء اسم فرعون كاسم علم خالص في مصدر من أهم مصادر التاريخ القديم ، فقد أتى عشرات المرات في التوراة على هذا النحو :
” فرعـون ملك مصـر ” 11 إصحاح 6 الخروج
” فاشتد قلب فرعـون ” 13 إصحاح 7 خروج
هل تجاهل التوراة اسم هذا الملك الجبار ؟!
لا بل أتت به مجردا هكذا “فرعون”
“ادخل قل لفرعون ملك مصر أن يطلق بني إسرائيل “سفر الخروج 11 – 6
وشدد الرب قلب فرعون ملك مصر سفر الخروج 8 – 14
هما اللذان كلما فرعون ملك مصر في إخراج بني إسرائيل … خروج 27 – 6
وسوف نلاحظ وجود الاسم والصفة معا، فالاسم “فرعون” وصفته “ملك مصر”
وكان لابد أن تذكره التوراة باسمه ، وإلا كان سيعد من الغرائب أن لا تذكر التوراة اسم الملك الذي سامهم سوء العذاب. أم ترى أن هذا الملك لم يكن مهماَ ؟!
هذا في حين أن التوراة نفسها لم تتردد فى ذكر ملكين مصريين آخرين أقل أهمية هما ” شيشنق” و” نخاو” بإسميهما. بل وفي ذكر أسماء أقل قيمة وتأثيرا مثل قابلتي بني إسرائيل
هل تجاهل القرآن الكريم اسم هذا الملك الجبار ؟!
وكيف يتجاهله ولا يأتى به وقصته مع بنى إسرائيل من أهم وأطول قصص القرآن الكريم وأكثرها جدلاَ ؟
عرض الأستاذ سعيد أبو العينين *** على خمسة من رجال الدين الأفاضل هذا السؤال:
لماذا لم يذكر القرآن الكريم اسم فرعون ؟
فأجابوا: ” أن الله قد أخفى اسمه لأنه لا فائدة من ذكره ، لأن القرآن يستهدف العبرة من التاريخ ولا يستهدف الأشخاص “.
ومع احترامي لإجاباتهم – التي جاءت بعبارات معتادة مكرره رغم وضوح الخطأ – إلا إنها ليست منطقية ذلك لأن القرآن قد أتى وفى نفس القصة بأسماء مثل قارون وهامان وكلاهما كان جباراَ ومعاصراَ لفرعون وكلاهما أقل شأنا وتأثيراَ ومع ذلك أتى الله بأسمائهم.
الآن … نستطيع الإجابة عن السؤال ونقول :
لا …لم يتجاهل القرآن الكريم اسم هذا الملك الجبار الذي عذب بنى إسرائيل ، بل أورده أربع وسبعين مرة ، باسمه ” فرعون “.
كذلك لم تتجاهل التوراة اسمه بل أتت به مجرداً هكذا ” فرعون ” رغم محاولات تعميمه على كل ملوك مصر.
يقول المقريزى: ( فرعون ) صار اسماً لكل من تجبر وعلا أمره .
من هنا أطلق المؤرخون هذا الاسم على كل ملوك العماليق حتى الذين سبقوا فرعون نفسه ، وأصبح قاصراً عليهم فقط ، وهو على كل حال أمر شائع فكثير من أسماء الأعلام تحولت مع مرور الوقت إلى ألقاب مثال :
– كسرى …كان حاكماَ للفرس ولكنه تحول مع الوقت الى لقب لكل من ملك الفرس وتسموا بالأكاسره.
– يوليوس قيصر …كان حاكماَ للرومان ، ولكن اسمه تحول للقب لكل من حكم بعدة وتسموا بالقياصره.
منذ أن أسس لمصريين حضارتهم يطلقون على الحاكم اسم الملك ، ورغم ظهور كلمة فرعون واستعمالها للدلالة على الحاكم بعد طرد الهكسوس ، إلا انه لا يوجد ملك مصري واحد نقش هذا اللقب فى الخرطوش الخاص به – فمن المتعارف عليه أن أسماء الملوك تكتب فى مستطيل يسمى بالخرطوش الملكي يحتوى الاسم والألقاب – ولم يحدث أن وجدت كلمة فرعون داخل أي خرطوش ، فلم نكن نكتب إلا الألقاب الملكية المصرية
نخرج من هذا بأنه كان هناك أقوام بدو جبارين من الأعراب والعبرانيين استولوا على حكم مصر أُطلق عليهم اسم الهكسوس ، وفى آخر أيامهم ملكهم رجل طاغية اسمه فرعون ، فأرسل الله إليهم من أنفسهم رسولاَ كريماَ هو موسى عليه السلام ، الذي طالب بإخراج قبيلته بنى إسرائيل من وسط قبائل الهكسوس الهمجية ( والتي تم طردها على يد أحمس ملك مصر العظيم أثناء خروج موسى مع قومه) ولجبروت هذا الملك ” فرعون ” تحول اسمه إلى لقب لكل ملوكهم المحتلين لمصر ، ولكن اليهود نجحوا في جعله لقباَ لملوكنا نحن المصريين بهدف الإدانة. وتقنن الوضع الكاذب ، لسيطرة الإسرائيليات على القصص الدينية التي أصبحت مرجعنا الوحيد من جهة ، وعدم إجادتنا لقراءة تاريخنا بل وكتابنا المقدس الكريم من جهة أخرى ، ومع التكرار ، تقرر الوضع الكاذب وأصبح هو الحقيقة.
لم يحدث أن وجدت كلمة فرعون داخل أي خرطوشة ملكية طوال التاريخ المصري لأنه ببساطة لم يكن رجلا مصريا
حكاية ولادة ومعيشة موسى علية السلام
من المعلوم أن فرعون رأي رؤيا فسرها كهنته أن سقوط مُلكه سيكون على يد طفل يولد من بني إسرائيل، ولذلك فقد أمعن السيف في أطفال طائفة مُعينة فيهم .. كما قال القرآن (.. يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) – القصص 4
ثم تتابعت الأحداث وأنجبت السيدة أم موسى ابنها .. وألقت به في اليم ثم التقطه آل فرعون .. وهنا لنا وقفات مع بعض آيات القرآن الكريم
{ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} – سورة القصص (11)
من الآيات الكريمة سنلاحظ أن الأم طلبت من ابنتها أن تراقبه الطفل وهو بين يدي امرأة فرعون ، أي أنها كانت تتخفى فى مكان ما بالقرب من موقع الأحداث وكانت ترى وتسمع كل شئ وتعرف أنه نجى ..ثم نفاجأ جميعاً بوجود الفتاة أخت موسى عليه السلام (المفترض أنها عدوة لدودة لفرعون ) في وسط بيت فرعون، بل في نفس المكان مع آل فرعون وتسمع عن قرب كل ما يدور، فلقد رأت امرأة فرعون قد أخذت الوليد وضمته لصدرها، وسمعته يبكي من الجوع ، أي أنها ظلت مدة بجانبه من لحظة إلقائه في اليم بجانب بيت فرعون ( بعد إرضاعه مباشرة ) حتى لحظة شعوره بالجوع ، بل إنها رأتهم في حيرة من أمرهم والطفل يصرخ ويأبى المرضعات اللائى أحضرن ، كل هذه المدة وهي واقفة عند إحدى الجوانب .ثم حين ترى ما تملك أخاها من جوع تعرض على آل فرعون عرضا لإشباع الطفل وهو:
{ …. هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } – القصص 12
ثم إن آل فرعون العُتاة الجبارين قد وافقوا على رأيها وعملوا به فوراً !وهنا لا بد أن يثير انتباهنا سهولة حركة أخت موسى وتتبعها لموسى وسيرها ورائه ورؤيتها لكل ما حدث ثم دخولها بيت فرعون بكل سهولة ووصولها لآل فرعون رأساً وتحدثها معهم مباشرة بلا وسيطويهذا هو ما نريد إثباته … انهم كانوا يعيشون مع فرعون في مناطق مجاورة، فهم أهل وعشيرة واحدة بلغة واحدة، فالطبيعي أن يفتك الحرس المصري للملك بأي دخيل، فضلا على أنه دخيل من طائفة عدوة ! لكن العكس هو الذي حدث فقد استمعوا لكلامها وعملوا بمشورتها، وهذا يُوحي أن أخت موسى كان لها منزلة ما عند آل فرعون وأنها ربما كانت على درجة من القرابة مما يعطيها حقا في الدخول والخروج من القصر ومراقبة موسى عن قرب والتحدث مع زوجة فرعون وآله وإسداء النصح له .. ثم إن آل فرعون قد أعطوا الطفل الى المرضعة التي رشحتها هي ، وهى أم موسى ؛ وعاد موسى إلى أمه التي قامت بتربيته.
لكن هل يُعقل أن يترك آل فرعون الطفل الذي قرروا تبنيه (عسى أن ينفعهم أو يتخذوه ولدا ) يتربى في بيوت بنى إسرائيل التي بالتأكيد كانت على درجة من البؤس خارج االقصر ؟!
طائفة مُستضعفة يُقتل أبناؤها ويستحيي نساؤها ويُقهر أفرادها من الطاغية فرعون، ثم يُرسل ابنه بالتبني ليتربى في أحيائها الفقيرة البائسة .. هذا غير منطقي بالتأكيد والراجح أنه تم إحضار اُم موسى لقصر فرعون نفسه لترعى إبنها.
والذي يثبت أن الطفل موسى قد ولد وتربى ببيت فرعون وليس خارجه تلك الآية { ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين } 18 الشعراء
وسوف نلاحظ أن القرآن استخدم اسم الفعل من الولادة، وهذا يدل على أنه منذ نعومة أظافره نشأ ببيت فرعون وقاموا بتربيته داخله منذ الولادة فالرضاعة فالطفولة فالفتوة فالرجولة ( من عمرك سنين ).
لكن كيف حازت عائلة موسى على ثقة فرعون ؟
في كتاب المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار للمقريزي يقول:
” وفرعون كان ممن صحبه من بنى إسرائيل رجل يقال له إمرى وهو الذى يقال له بالعبرانية عمرام وبالعربية عمران بن قاهت بن لاوى (والد موسى عليه السلام) وكان قدم مصر مع يعقوب عليه السلام ، فجعله حارساً لقصره يتولى حفظه وعنده مفاتيحه وإغلاقه بالليل ، وكان فرعون قد رأى في كهانته ونجومه إنه يجرى هلاكه على يد مولود من الإسرائيليين فمنعهم من المنا كحة ثلاث سنين التي رأى أن ذلك المولود يولد فيها ، فأتت امرأة أمري إليه فى بعض الليالي بشيء قد أصلحته له فواقعها فاشتملت منه على هارون .. ثم أتته مرة أخرى فحملت بموسى ….”
نفهم من كلام المقريزى أن عمران أبو موسى كان يعمل حارساً لبيت فرعون الكبير – فهل منطفي أن يتخذ حارسا له من أعدائه ؟ لكن هو عمل لا يعطيه أي حاكم إلا لمن يثق به من أهلة وعشيرته – وهذا له أكثر من دلاله ، من جهة يثبت لنا قرابة فرعون لبنى إسرائيل ، ومن جهة أخرى يفسر لنا كيف دخلت أم موسى وأخته بيت فرعون دون أي استغراب أو أن يمنعها أحد لأنه وفى كل الأحوال يعطى صاحب البيت الكبير غرفة أو أكثر لحارسه ، وعادة يعمل أهل الحارس في خدمة أهل البيت .
ثم تقول التوراة على زوجة فرعون
” ودعت اسمه موسى وقالت إنني انتشلته من الماء ” – (سفر الخروج 2: 10)
إن موسى فعلاً اسم عبري مشتق من كلمة عبرية ( العبرية مشتقة من اللغة الآرامية ) بمعنى المنتشل ، لأنه انتشل من الماء ولكن أليس غريبا أن زوجة ملك مصري اسماً عبرياً على الطفل الذي انتشلته من الماء ؟!
إن إطلاق إسما عبرانيا ليدل على حقيقة أن فرعون وزوجته وملأه من نفس قوم موسى أحد أقوام العبرانيين .
ادعى البعض – من باب معالجة نقاط الضعف – أن الملكة تعلمت وأتقنت لغة العبيد ” العبرانية ” وتحدثت بها وأطلقت على الطفل اسماَ عبرياَ ، وهذا لا يُعقل .. فما حاجة الملكة للغة العبيد ؟! وإن كان لابد فعلى العبيد أنفسهم معرفة وتعلم لغة السادة ليتملقونهم وليس العكس.
حتى جدلاَ إذا عدنا للقصة التي تقول أن موسى عليه السلام اُنتشل من الماء بواسطة آل فرعون ( ملك بلاد وادى النيل حسب القصة المعتادة ) سنجد تناقضاً. فقد أُلقى موسى في النهر ولأن التيار يمشي من الجنوب للشمال فيكون سكن بنو إسرائيل في الجنوب وسكن فرعون في الشمال وفي نفس الوقت قريب لأن أخته مشت على قدميها وبعد مدة قصيرة كانت داخل القصر ، وهذا مخالف تماماً لمكان معيشة ملوك بلاد وادي النيل فى هذه الفترة ، فقد كانوا بعيداً جداً فى مدينة طيبة ( الأقصر ) فى الجنوب ، بينما الأعراب والعبرانيين ( الهكسوس ) فى سيناء.
كما أن أبسط منطق يقول أن منطقة القصر الملكي منطقة محرمة على أهل البلاد فما بالك بالعبرانيين وهم أشد أعداء الملك وكان يعذبهم ويقتل أولادهم
أيضا عندما انتشل آل فرعون موسى من الماء قالت زوجته:
{.. قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا } القصص 9
تقول امرأة فرعون التى وجدت الطفل : { عســــى أن ينفعنا ….. }
ما المقصود أن تشير لطفل انتشلوه من الماء وتقول: عسى أن ينفعنا ؟
ينفع من و بأي شيء ؟
فقد كان موسى عليه السلام في تلك اللحظة طفلا، لا هي ولا غيرها يرى أو يدرى غير هذا في هذه اللحظة، فكيف سينفعهم إذا كانت الجملة صادرة من زوجة ملك ؟
قابلتي بنى إسـرائيـل
تقول التوراة : “وكلم ملك مصر قابلتي العبرانيات اللتين اسم إحداهما شفرة والأخرى فوعه ، وقال حينما تولدان العبرانيات وتنتظرانهن على الكراسي ، إن كان أبنا فاقتلاه وإن كان بنتاً فتحيا ولكن القابلتين خافتا الله ولم تفعلا ” – إصحاح 1 خروج 15
دعونا نذهب للمنطق .. إذا كان هذا الملك فرعون ملكا من ملوك وادي النيل.. فلماذا عين قابلتين ليقتلا الأولاد من بني إسرائيل ؟
أكان من الصعب عليه وهو أن يأتي بعساكره وجنده المصريين أثناء ولادة العبرانيات وينتظروهن على الكراسي ليذبح أطفالهن الذكور ؟
ولماذا لم يأمر من الأساس بإبادة هؤلاء العبيد المنا كيد ؟!
ولماذا ترك الملك المعظم كل أساليب المُلك والسلطة والوزراء ورجال الدولة ونزل بنفسه ليتفق أو بمعنى آخر ليتآمر مع قابلتين من بني إسرائيل ليقتلا أولادهم ؟!
ألا ترى معي أن هناك غموض في القصة وأنها تبدوا منطقية أكثر إذا كانت تدور داخل قبائل وأمم بني إسرائيل بعضهم البعض ؟ وأحداثها تجري هناك في [ مدينة ] على الحدود يعيش فيها طائفة مستضعفة صغيرة العدد ( لهما قابلتان فقط ) مع طوائف أخرى مستبدة وللجميع زعيم اسمه فرعون يفكر ويتحدث ويتآمر.
عراك في المدينة
أتى موسى ذات يوم من مكان ما
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (القصص – 15)
اكتفى القرآن الكريم بتصنيف الرجلين على أن أحدهما من شيعة موسى والآخر من عدوه
نام موسى ليلته وخرج في صباح اليوم التالي ليجد مشاجرة بين اثنين أحدهما الذي استنصره بالأمس
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ۚ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ (القصص 18)
ولا يذكر القرآن نسب العدو أيضا
نذهب للتوراة فنجدها تقول
ثم خرج موسى في اليوم التالي وإذا رجلان عبرانيان يتخاصمان – سفر الخروج 2-13
الآن عرفنا أن كلا الرجلين عبريان، الذي من شيعة موسى عبري، والذي من عدوه أيضا عبري
إذا تدور القصة كلها في داخل مجتمعا عبريا خالصا حيث فيه عدة طوائف وشيع متناحرة، يتزعم أقواها فرعون ويفتك بأضعفها
هامان و قارون
لمن أرسل موسى علي السلام ؟ جاءت إجابة المولى تبارك وتعالى في القرآن:
{ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين * إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب} غافر 24
دون إفراط فى التفكير… لابد أن يكون فرعون وهامان وقارون وموسى وهارون عليهم السلام فى زمن واحد وبلسان واحد
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ – إبراهيم 4
نبدأ بهامــــــــان … أجمع كل المؤرخين وكل رجال الآثار المصرية على شئ واحد اختصره الأستاذ / رؤوف أبو سعده في كتابه ( من إعجاز القرآن ) في العبارة الآتية :-
” لا تجد في التاريخ المصري القديم ، ولا في أعلام هؤلاء المصريين أيضاً ، شخصاً باسم ” هامان” استوزر لفراعنة مصر ، أو كان قائد جندهم ، أو كبيراً في بلاطهم ، أو عظيماً من عظماء كهنوتهم ،ليس البتة فيما عرف من التاريخ المصري القديم هامان “.
وهو اسم يهودى مشهور فقد ذكر في قصة أخرى بعد خروج موسى من مصر بعشرات السنيين إذ تحكى لنا التوراة في سفر استير:
” كان هناك رجلاً اسمه هامان بن همداثا الاجاجي ( لاحظ الاسم) وكان هامان هذا مقرباً من الملك أحشو بروش وكان كل العبيد الذين بباب الملك يجثون ويسجدون لهامان ”
وكان هامان هذا أيضاً عدواً لليهود.
ثانياً قـــــارون … { إن قارون كان من قوم موسى } 76 القصص
إنه قارون بن يصهر بن قاهت بن لاوى بن يعقوب – ابن عم موسى مباشرة – ولقد اتفق على هذا كل المؤرخين وإن قال بعضهم إنه عم وهذا خلاف لا يغير من جوهر الموضوع شيئاً .
قارون هذا من أهم شيوخ بني إسرائيل وأهم شخصية في ملأ فرعون بل كان سوط في يده على بني إسرائيل، وجمع ثروته وكنوزه من عرقهم ودمائهم ، لهذا كان أول المحاربين والرافضين لخروجهم مع ابن عمه موسى الرسول المرسل إليهم.
ليس من المنطقي أن يتخذ يكون فرعون مصريا ثم يتخذ من قوم موسى رجلا سندا له بينما هو يقتلهم ويقمعهم
ملوك بني إسرائيل
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ – المائدة 20
الأنبياء هم بالتأكيد يعقوب ويوسف وموسى وهارون وربما غيرهم لم تعرفها .. لكن الآية أيضا ذكرت أن هناك ملوكا .. فمن ملوك بني إسرائيل ؟
على الراجح أن المقصود هم ملوك الهكسوس .. نفسر المصادر العديدة التي تحدثت عن الهكسوس أنها تتكون من مقطعين (هك – سوس) .. هك معناها ملك .. سوس معناها الرعاة .. فيكون معناها الملوك الرعاة .. وحتى هذه اللحظة يتم تجاهل تلك النقطة في المناهج الدراسية ولا يتم ذكرها في المحافل الأثرية الرسمية .. يتم إغفال أن الهكسوس هم قبائل بني إسرائيل
لوحة تمثل الخروج من مصر
عددنا الدلائل لدحض الإفتراءات التي عشناها طويلا، والتي تقول أن فرعون موسى هو أحد ملوك وادي النيل، وأن الفرعونية هي لقبا ملكيا وما يستتبعه ذلك نسب الحضارة المصرية إلى جذور فرعونية ، وإبراز دور بني إسرائيل في بناء صروح فرعون والتي يزعمون أنها الكرنك وأبي سمبل والرامسيوم وغيره ومن ثم السطو على الإرث الحضاري المصري
كتصور عام لقصة موسى وفرعون نقول في أوائل الألف الأولى ق.م. وفي تاريخ لم يحدد بالضبط، جاءت إحدى الموجات البشرية مهاجرة إلى مصر من شرقها، واستطاعت أن تسيطر على جزء من الوادي وسيناء متخذة من الدلتا مركزا لها مدة طويلة من الزمن، وعُرفوا في كتب التاريخ باسم الهكسوس ..وهم خلطا من الأعراق .. فمنهم العماليق والعبرانيين وبني إسرائيل وبعض العرب من أهل شمال الجزيرة العربية.. واتخذوا على حدود الشرقية حاليا عاصمة حصينة سُميت “هوارة” بلغة الهكسوس أو “هواريس” باليونانية (2)
عاش الهكسوس وملوكهم حتى جاء يعقوب عليه السلام بجميع أبناءه إلى مصر وبدأ تناسل وتكاثر بني إسرائيل على جزء من أرض مصر .. ثم بعد موت يوسف عليه السلام . بأعوام طويلة جاء نبي الله موسى.. فهو موسى بن عمران بن قاهت بن لاوى بن يعقوب .. وكان مولده في عصر الهكسوس خامس وآخر ملوكهم “فرعون” (3)
لكن حدثت معارك بين “الهكسوس” بقيادة آخر حكامهم “فرعون” ومعه حُلفاءه “هامان” و”قارون” وبعض الملأ من بني إسرائيل ضد بني إسرائيل أنفسهم … يقول القرآن :
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ – القصص 76 والقوم في اللغة هم عشيرة الأب
فمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ – يونس 83 .. يظهر من الآية أن كان تواطئا بين فرعون وملأ بني إسرائيل أنفسهم، إذ تحالف الإثنان عليها لفتنهم وإخضاعهم بالترغيب والترهيب
وقام مع حلف السوء الذي يقوده بإضطهادهم وتسخيرهم لخدمته .. ثم طغى وتجبر وقام بتعذيبهم عذابا منكرا وتقتيل أبنائهم وإستعباد ونسائهم ..
فأرسل الله موسى الذي كان مشمولا برعاية فرعون، أرسله لإخراج جماعة بني إسرائيل من ذلك الصراع وتلك المحنة .. ولذلك فإننا نرى في عدة مواضع أن الله كلم موسى بأن يُخاطب فرعون أولا بإطلاق سراح بني إسرائيل
فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ – طه 47
فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ – الشعراء 17
وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ * أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ – الدخان 17
فلم يكن إيمان فرعون من عدمه هو محور القضية، إنما كان إطلاق سراح بني إسرائيل هو الغاية الأولى، وقد حاججهم موسى بالأدلة والبراهين على وجود الله الواحد .. وطلب منهم إذ لم يؤمنوا له، أن يتركوه وبني إسرائيل ليرحلوا في سلام ولا يتعرضون له بأذى …. وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ – الدخان 21
لكن رغم الآيات والبينات، إستكبر فرعون وقومه ، بل وأمعنوا في إيذاء بني إسرائيل وبالغوا في تعذيبهم عذابا مُضاعفا، فتتابعت عليه آيات العذاب الإلهي تضربه، السنين والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ثم خُتمت بوقوع الرجز والذي حين وقع اضطر فرعون للقبول بخروج بني إسرائيل، والرجز حسب ما ذكر في بعض التفاسير أنه الطاعون وتفاسير أخرى والتوراة أيضا تقول أنه سقوط حجارة وشُهب حارقة من السماء .. وسواء كان الرجز هو طاعون فتاك أو شُهب حارقة أو عذاب آخر .. إلا أنه كان واضحا أن فرعون لم يطيق تحمله فرضخ مُرغما بقبول خروج بني إسرائيل .. وإلا فكيف سيخرج موسى بآلاف من بني إسرائيل وسط جيش فرعون ؟! .. لا ريب أنه كان هناك اتفاق بين موسى وفرعون على الخروج بأموالهم وذراريهم سالمين دون أن يتعرضون بأذى
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ۖ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ (135) – الأعراف
ويبدو أن فرعون ترك بني إسرائيل ظاهرا لكن كان بتكبره وعناده يضمر خفيةالغدر ببني إسرائيل … وقد أوحى الله إلي موسى عليه السلام أن فرعون سينكث بوعده وسيتبعه بجيشه
وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ – الشعراء 52
فكلمة “وأوحينا.. إنكم متبعون” تُشير إلى ذلك لم يكن في حسبان موسى عليه السلام وأن الله تعالى أنبأه بغدر فرعون
في طريق إثبات أن فرعون كان من الأعراب الهكسوس .. سنمر على ثلاث نقاط هامة الصرح والمدينة واليم
بين الصرح والهرم
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)
وهنا يبرز سؤالا ..
لقد أمر فرعون هامان بأن يبني له صرحا من الطين المحروق، والذي لن يزيد ارتفاعه بأي حال عن 4 إلى 5 طوابق .. أو 15 متر بالمقاييس الحالية .. فلماذا ترك فرعون هرم سقارة المدرج على سبيل المثال والذي يبلغ ارتفاعه 60 مترا أو هرم خوفو ويبلغ 146 مترا أو غيره من أهرامات الجيزة ودهشور شاهقة الإرتفاع ولم يقف عليها بدلا من بناء صرح خاص لتلك المهمة ؟!
ما من إجابة إلا أن فرعون لا يعلم بوجودها أو أنه في مكان آخر .. فالأهرامات كُلها غرب وادي النيل .. بينما الإحتلال الهكسوسي استقر شرق وادي النيل .. وأن هذا دليلا عقليا أخر أن فرعون لم يكن قط من ملوك وادي النيل ولا يعرف الأهرامات ولا رءاها من قبل
المدينة
إنها مكان جميع الأحداث .. دارت أحداث موسى وفرعون كُلها في مدينة ما.. مدينة واحدة .. أنظر إلى قول القرآن
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا – القصص 15
وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ – القصص 20
قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا – الأعراف 123
فما هي هذه المدينة ؟ وأن توجد ؟ لعل الكشف عنها يكشف جزءً آخر من اللغز
ذهب الباحثون في تلك النقطة بقولهم أن المدينة لا ريب هي “طيبة” الأقصر حاليا .. لأن طيبة هي عاصمة الدولة الحديثة .. ولأن “فرعون” الملك المصري في رأيهم .. كان على أغلب الظن ينتمى لملوك الدولة الحديثة
ولقد ذكرنا في المقال الثاني أنها من المستحيل أن تكون طيبة .. ذلك أن طيبة في أقصى جنوب البلاد، ونهر النيل يتحرك من الجنوب للشمال، فهل من المنطقي أن ألقت أم موسى ابنها في مكان كأسوان مثلا، ثم حمله النهر شمالا إلى الأقصر ؟ لم أقرأ في أي من المصادر أن بنو اسرائيل كانوا يوما في جنوب مصر، بل إن كل أنشطتهم كانت بين سيناء وشرق وادي النيل
وبما أننا رفضنا منذ البداية الرواية الشائعة عن مصرية فرعون .. فلنبحث عن إحتمالات أخرى
نتحدث الآن عن مدينة شهيرة بناها الهكسوس وكانت عاصمة لهم وهي “هوارة”.. ويكتب اسمها بأسماء مختلفة في المصادر وإن تشابهت..(4)
في المصرية القديمة : حت . وعر.ت
في اليونانية : أوارين
في الإنجليزية نقلت عن اليونانية وحُرفت إلى : أواريس
“هوارة” .. هو إسم عروبي جاء به الهكسوس من بلادهم … في اللغة العربية تأتي “حور” بفتح الحاء بمعنى الإحاطة والإلتفاف .. فأي تجمع مُحاطا بسور يُصبح “مدينة” (5)
إذا فـ”حور” أو “هور” تعني المدينة .. إن “المدينة” التي ذكرت في سورة القصص هي نفسها عاصمة الهكسوس “هوارة” تماما مثلما نقول مكة والقاهرة وبغداد ودمشق .. الإسم العلم لتلك المدينة كان “المدينة”
ولا غرابة في أن تكون لنفس البقعة عدة أسماء ..ففرنسا تُمسى باللغة الأوروبية “فرانس” وفي العربية قديما كانت تُسمى بلاد الفرنجة
كذلك فإن نبي الله يحيى تنطق بالعربية “يحيى” وفي اللاتينية تكتب “John” وينطقه المسيحيون العرب “يوحنا” .. فلا عجب من أن “أواريس” هي نفسها “هوارة” هي نفسها “المدينة”.
وقد كان العجب كيف يُذكر “فرعون” 74 مرة في القرآن دون تحديد اسمه، ولماذا لم تذكر “المدينة” التي هي موقع الأحداث .. والحقيقة أن القرآن ككتاب إلهى معجز ذكر الإثنين بأسمائهم العلم الملك اسمه “فرعون” والمدينة اسمها “المدينة”
وحين حرر أحمس الأراضي المصرية كلها اتجه من تبقى من الهكسوس إلى فلسطين مرة أخرى وأسسوا “هور” أخر .. أي مدينة أخرى وأسموها هورشليم والتي حُرفت نُطقت فيما بعد إلى أورشليم .. “مدينة السلام”..فأور أو هور معناها “مدينة”
بين اليم والبحر والنهر
ذُكر اليم 8 مرات في القرآن الكريم .. كُلها في قصة موسى عليه السلام
إلقاء موسى فيه
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ – طه 39
فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي – طه 39
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ – القصص 7
وغرق فرعون وجنده
فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ – الأعراف 136
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ – القصص 40
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ – الذاريات 40
فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ – طه 78
ومع عجل السامري
وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا – طه 97
السؤال الآن .. ما هو اليم ؟ وهل هناك فارق بين اليم والبحر والنهر ؟
ذهبت غالبية المفسرين إلى أن اليم أتى في بعض المواضع بمعنى “نهر النيل” وهي الآيات التي ذكر فيها إلقاء موسى في اليم، وذهبوا في مواضع أخرى أنه “البحر” في غرق فرعون .. أي أن كلمة اليم أحيانا أتت بمعنى النهر وأحيانا أخرى بمعنى “البحر” .. وهذا التفسير يثير الحيرة .. لأن النهر ذكر في 53 موضعا في القرآن ، والبحر ذُكر في 40 موضعا، وقد تحدث القرآن الكريم عن البحار وعن الأنهار بالمعنى والمصطلح المتعارف عليه لغة عند الناس للبحار والأنهار، وكلمتا البحر والنهر واضحتان من هذه الناحية في كافة المواضع القرآنية، وليس هناك اختلاف حول المفاهيم المتعلقة بهما. (6)
فلماذا في تلك المواضع بالذات تم استعمال “اليم” كنهر وبحر ؟!
اليم في اللغة هو متسع من الماء المالح أو العذب (7) .. لو فكرنا فيما ذُكر حول المدينة لوجدنا أن القصة كلها تدور في بقعة محددة من الأرض المصرية .. إذا فاليم أيضا عبارة عن تجمع مائي في منطقة محددة اسمها “اليم”
في منطقة الشرقية كان يوجد في القديم خليج ماء كبير باسم “خليج البوص” (يم سوف) .. وهو بنفس المعنى والنطق بالعربية والعبرية
لقد كان نهر النيل مُتصل بالبحر الأحمر عن طريق قناة “سيزوستريس” التي حُفرت في الغالب على عهد “سنوسرت الثالث” وأعاد اللاحقون حفرها حتى جاء الخليفة العباسي جعفر المنصور فردمها تماما منعا لوصول أي إمدادات إلى الثائرين على الحُكم العباسي (
تقول التوراة : “إن موسى خرج من لدن فرعون وصلى إلى الرب، فرد الرب ريحا غربية شديدة جدا، فحملت الجراد وطرحته إلى بحر سوف” – (سفر الخروج 10 : 13)
إذا فقد كانت معيشة فرعون حول مكان يُسمى أو “خليج سوف” أو “يم سوف” .. أو مجازا لملوحة مائه “بحر سوف”
من الملاحظ أيضا في قوله تعالى فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ .. أن شاطئ النهر يُسمى ضفة، بينما الساحل ُيطلق على شاطئ البحر أو البحيرات أو الخلجان
التوراة أطلقت على تلك المنطقة “بحر سوف” أو “يم سوف”
“سوف” في اللغة العبرانية هو البوص، وربما سُمي كذلك لنمو الغاب والبوص حوله .. وبالإنجليزية Reed
وحدث خطأ أن بعضها اعتبر بحر البوص Reed Sea هو نفسه Red Sea .. وذلك الخطأ خرج من علماء التوارة أنفسهم .. وذلك بسبب اختفاء بحر البوص من على الخريطة بعد ردم القناة على يد جعفر المنصور كما ذكرنا من قبل، فاعتبروا أن المقصود هنا هو البحر الأحمر ! (9)
سنجد الآن أن الرواية قد استقامت بعد غرق فرعون
بعد أن غرق فرعون وجيش وملآيه وحاشيته الفاسدة، دخل أحمس بجيشه واستطاع تحرير كامل الأرض، وأعطى الأمان كاملا لبني إسرائيل وموسى عليه السلام في الإستقرار أو العودة، أنظر ماذا قال القرآن في ذلك :
فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ (60) – سورة الشعراء
ما معنى كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ؟ .. إذا أخذنا بالرواية الشهيرة أن بني إسرائيل كانوا يعيشون في كنف وادي النيل، فإن الآية لن تكون منطقية لأنهم لم يعودوا أبدا .. لكن ما حدث بعد غرق فرعون ان استقر موسى وبنو إسرائيل على الشاطئ الآخر من اليم وكان لهم الأمان والحق في العودة والتمتع بالخيرات والثمرات والجنات والعيون
كما يظهر لي أن القيادة المصرية في ذلك الوقت كانت مؤمنة موحدة بموسى وبالكتاب وبالرسل، ويظهر أيضا أن المصريين قد عادت لهم الأرض بعد هلاك فرعون وقومه الجبابرة، فنقرأ ماذا قالت سورة الدخان في ذلك الجزء
وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ۖ إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَٰلِكَ ۖ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) – الدخان
إذا فقد ورث الأرض قومان، أو مجموعتان .. ذكرت الشعراء أن الأولى هي بني إسرائيل، وسورة الدخان قالت “قوما آخرين” لم تسمهم .. إذا أخذنا بالرواية أن فرعون كان مصريا، فلن نستطيع العثور على هؤلاء “القوم الأخرين” أبدا ..وهذا مما ذكره الشيخ “صالح المغماسي” مثلا .. أن الآية السابقة من الأيات التي لم يفهمها في القرآن، لكن الآن نقول أن “القوم الآخرين” هم المصريين الذي عادت لهم أرضهم مرة أخرى .. وبهذا تتحقق الأيتان .. فقد ورث خيرات الأرض بني إسرائيل والمصريين معا، ويؤكد ذلك قول الحق في سورة الأعراف
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)
كذلك في قصة السامري .. أن موسى عليه السلام قد نسف العجل الذهبي في اليم، وهذا يُعد دليلا آخر أنهم قد أقاموا في سيناء بعد أن عبروا اليم واستقروا في الناحية الأخرى منه
***********************
ضغوط اللوبي الصهيوني
أرجوا أن يكون ما سبق قد أزال اللبس والغموض في قضية فرعون وموسى، ومن المؤسف أن حتى اللحظة ما زالت المدرسة الأثرية والدينية الرسمية في مصر تعتبر أن فرعون كان ملكا مصريا دون أدنى جُهد في مواجهة الضغوط الأوروبية والصهيونية، فبسبب ضعف المؤسسات المعنية في مصر عن تبني أي نظرية تقول أن فرعون من الهكسوس، رغم قوة أدلة هذا الإفتراض علميا وتاريخيا وأثريا ودينيا، إلا أن هذا الضعف شجع المنظمات العالمية واليهودية خاصة للضغط على مصر وابتزازها.
ولنذكر معا تمثال رمسيس الشهير في ميدان رمسيس أشهر ميادين مصر، والذي تم نقله عام 2005 تحت رعاية هيئة الآثار، واٌشيع أن السبب هو حفظه من العوادم والتلوث بسبب زحام الميدان ولا توجد أي ضغوم من أي كيان محلي أو عالمي في هذا الموضوع، وكأن التمثال الجرانيت أهم من البشر الذي يروحون ويجيؤون كل لحظة في الميدان، وتم نقله بالفعل إلى المتحف المصري الجديد في منطقة أبو رواش
نقتبس من كتاب “بُناة الأهرام” للدكتور زاهي حواس رئيس المجلس الأعلى للآثار – فصل اليهود والأهرام صادر عن دار الشروق عام 2002 وقدمته سوزان مبارك حرم الرئيس الأسبق حسني مبارك، لنر ماذا كتب الدكتور حواس ؟
بالإستجابة لمطالب العديد من كبار الكتاب بضرورة الرد على مزاعم اليهود وأكاذيبهم ودعواهم المضللة بأنهم بناة الأهرام، بل وطالبوا دون استحياء بنقل تمثال رمسيس الثاني من ميدان رمسيس بدعوى أنه فرعون “الخروج” أو “فرعون” العذاب، في حين ليس هناك دليل أثري يؤكد أو يشير من قريب أو بعيد إلى أن “رمسيس الثاني” هو فرعون “موسى” الذي خرج في عهده اليهود من مصر
وفي موضع آخر في نفس الفصل قال
أما موضوع نقل تمثال رمسيس الثاني فهذا موضوع لا يستحق الرد لأنهم سوف يجدون نسخة مُقلدة على طريق المطار وتماثيل عديدة في ميت رهينة والأقصر وأبو سمبل، إنها محاولة لكسب عطف العالم تجاه اليهود، كما فعل ستيفن سبيلبرج في فيلم “أمير من مصر”
ما معنى ما سبق ؟ كلام زاهي حواس صدر عام 2002، وتم نقل التمثال عام 2005، معنى ذلك أن التمثال قُد نُقل بسبب ضغوط اللوبي الصهيوني والدولة المصرية أنكرت هذه وادعت نقل التمثال بسبب حمايته من التلوث. مع عميق الأسف فإن مصر تُضيع تاريخها وتتسب في تزييف الوعي والتاريخ بسبب الخضوع لمثل تلك الممارسات !
إن ذلك الضعف قد جعل يوما مناحم بيجن في إتفاقية كامب ديفيد في بث على الهواء مباشرة وأمام الصحف والعالم كله يخاطب “جيمي كارتر” قائلا : لقد قمت بعمل عظيم في تلك الإتفاقية يماثل ما فعله أجدادنا اليهود منذ آلاف السنين في بناء الأهرام (10)
تبا لكم سائر الدهر!
المصادر:
(أ) خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل – كمال الصليبي – دار الساقي
(ب) أوهام التاريخ اليهودي – جودت السعد
(ج) الفرعون الذي يطارده اليهود – سعيد أبو العينين
(1) مقدمة كتاب آلهة مصر العربية – الدكتور على فهمي خشيم أستاذ الفلسفة والحضارة جامعة الفاتح – طاربلس – ليبيا
(2) المصدر السابق
(3) فرعون موسى – عاطف عزت ومصادر أخرى
(4) مقدمة كتاب آلهة مصر العربية
(5) فرعون موسى – عاطف عزت
(6) مقال عن الفارق بين اليم والبحر والنهر لمنذر أبو هواش – باحث في اللغات العربية والتركية
(7) المعجم الوسيط والوجيز في كلمة “يم”
(
موسوعة ويكيبيديا