صعاليك العرب (9)
#أَقيموا_بَني_أُمّي_صُدورَ_مَطِيَّكُم
-----------------------------------------------
أبو خراش الهذلى
--------------------------------------------
و إنِّي لأَثوي الجوع حتى يملَّني
فيذهبَ لم تدنس ثيابي ولا جِرمي
صعلوك فى الجاهلية أدرك الاسلام شيخا وحسن إسلامه.
أكرم عمر رضي الله عنه وفادته و أقعد له ولده من الغزوات ليرعاه.
وأبره بعد مماته وعاقب ضيوفه الذين تكاسلوا عن خدمة أنفسهم فكانوا سببا فى وفاته بلدغة حية وهو يحضر لهم الماء ويخدمهم ليلا ..... رضي الله عنك ياعمر !
----------------------------
كان أبو خراش من مشاهير الصعاليك، وكان مظفراً في غزواته، والمشهور أنه ترك الصعلكة بعد إسلامه.
وأبو خراش لم يكن صعلوكاً عاديًّا فلم يمتهن الصعلكة حبًّا في السرقة، بل أجبرته ظروف الحياة على الصعلكة، ..
وكان أهم تلك الظروف مقتل عدد من إخوته على أيدي قبيلة كنانة وقبيلة فهم وثمالة؛
فانبعث يغزو هذه القبائل ؛ تارةً وحيدًا ، وتارةً مع عدد من أبناء قبيلته.
كان أبو خراش شجاعًا، كريمًا، عفيف النفس لا يرضى الهوان، صبورًا. وله قصة جميلة تدُلُّ على عفة نفسه وشدة صبره؛
وفيها أنه "أقفر من الزاد يومًا، ثم مرَّ بامرأة من هذيل جزلة شريفة، فأمرت له بشاة ذُبحت وشويت،
فلما وجد بطنه رائحة الطعام قرقر، فضرب على بطنه وقال: إنك لتقرقر لرائحة الطعام فوالله لا طعمت منه.!!
ثم طلب من صاحبة البيت شيئا من مُر ، فاقتحمه، ثم نهض وركب بعيره ، فانزعجت المرأة وخافت أن يكون بدر منها خطأ، فسألته أن يجلس فأبى،
ثم سألته : هل رأيت بأسًا ؟ قال: لا ! ثم مضى .
وأنشد قصيدة جميلة في ذلك أوردها كتاب الاختيارين في 24 بيتًا ، ذكر فيها قوته وصبره ، ويخاطب فيها زوجته التي قالت له: لولا أنني تزوجتك لخطبني سيّد غني فيقول:
فلا و أبيكِ الخير لا تجدينه
جميل الغِنى ولا صبورًا على العُدم
ِولا بطلًأ إذا الكُـماةُ تزيَّنوا
لدى غمرات الموت بالحالِكِ الفَدْم
ِأبعد بلائِي ضلَّت البيت مِن عَمى
تُحِب ُّ فِراقي أو يَحِلُّ لها شَتمي
وإنِّي لأَثوي الجوع حتى يملَّني
فيذهبَ لم تدنس ثيابي ولا جِرمي
أَرُد ُّشُجاع البطن قد تعلمينه
وأُوثر غيري من عيالك بالطـُّعمِ
مخافة أن أَحيا بِرُغْـمٍ وذِلَّةٍ
وللموت خيـرٌ من حياةٍ على رَغمِ
رأَت رجلاً قد لوَّحته مخامصٌ
فطافت برنَّان المَـعَدَّيْن ذي شحمِ
تقول فلولا أنت أُنكِحتُ سيِّداً
أُزَف ُّ إِلَيه أَو حُمِلتُ على قَرْم
لَعَمري لقَد مُلِّكْتِ أَمركِ حِقْبَـةً
زمانا فَهَلَّا مِسْتِ في العقمِ والرَّقْمِ
خرج أبو خراش الهذلي من أرض هذيل يريد مكة ، فقال لزوجته أم خراش :
ويحك إني أريد مكة لبعض الحاجة ، ...
وإنك من أفك النساء ، وإن بني الديل يطلبونني بترات ، فإياك وأن تذكريني لأحد من أهل مكة حتى نصدر منها ،
قالت : معاذ الله أن أذكرك لأهل مكة وأنا أعرف السبب ،
قال : فخرج بأم خراش وكمن لحاجته وخرجت إلى السوق لتشتري عطرا أو بعض ما تشتريه النساء من حوائجهن ،
فجلست إلى عطار ، ..
فمر بها فتيان من بني الديل ، فقال أحدهما لصاحبه : أم خراش ورب الكعبة ، وإنها لمن أفك النساء ، وإن كان أبو خراش معها فستدلنا عليه ، ..
(*أفك النساء : لا تخفي حديثا ولا تكتم سرا )
قال : فوقفا عليها فسلما وأحفيا المسألة والسلام ، فقالت : من أنتما بأبي أنتما ؟
فقالا : رجلان من أهلك من هذيل ، قالت : بأبي أنتما ، فإن أبا خراش معي ولا تذكراه لأحد ، ونحن رائحون العشية ،
فخرج الرجلان فجمعا جماعة من فتيانهم وأخذوا مولى لهم ، يقال له : مخلد ، وكان من أجود الرجال عدوا !!
فكمنوا في عقبة على طريقه فلما رآهم قد لاقوه في عين الشمس ، قال لها :
قتلتني ورب الكعبة لمن ذكرتني ، فقالت : والله ما ذكرتك لأحد إلا لفتيين من هذيل ،
فقال لها : والله ما هما من هذيل ، ولكنهما من بني الديل ، وقد جلسا لي وجمعا علي جماعة من قومهم !!
فاذهبي أنت ، فإذا جزت عليهم فإنهم لن يعرضوا لك لئلا أستوحش فأفوتهم ؛
فاركضي بعيرك ، وضعي عليه العصا والنجاء النجاء ، .
قال : فانطلقت وهي على قعود عقيلي يسابق الريح ،..
فلما دنا منهم وقد تلثموا ووضعوا تمرا على طريقه على كساء ، فوقف قليلا كأنه يصلح شيئا ،
وجازت بهم أم خراش فلم يعرضوا لها لئلا ينفر منهم ، ووضعت العصا على قعودها ،
وتواثبوا إليه ووثب يعدو ؛
قال فزاحمه على المحجة التي يسلك فيها على العقبة ظبي فسبقه أبو خراش ،
وتصايح القوم : يا مخلد أخذا أخذا ،
قال : ففات الأخذ ، فقالوا : ضربا ضربا فسبق الضرب !
فصاحوا : رميا رميا ، فسبق الرمي !
وسبقت أم خراش إلى الحي فنادت ألا إن أبا خراش قد قتل !
فقام أهل الحي إليها وقام أبوه ، وقال : ويحك ما كانت قصته ؟
فقالت : إن بني الديل عرضوا له الساعة في العقبة ، قال : فما رأيت ، أو ما سمعت ؟
قالت : سمعتهم يقولون : يا مخلد أخذا أخذا ،
قال : ثم سمعت ماذا ؟
قالت : ثم سمعتهم يقولون : ضربا ضربا ،
قال : ثم سمعت ماذا ؟
قالت : سمعتهم يقولون : رميا رميا ،
قال : فإن كنت سمعت رميا رميا ، فقد أفلت وهو منا قريب!
ثم صاح : يا أبا خراش !!! ،
فقال : أبو خراش يا لبيك ،
وإذا هو قد وافاهم على أثرها ، وقال أبو خراش في ذلك :
رَفَوني وَقالوا يا خُوَيلِدُ لا تُرَع
فَقُلتُ وَأَنكَرتُ الوُجوهَ هُمُ هُمُ
فَعَدَّيتُ شَيئاً وَالدَريسُ كَأَنَّما
يُزَعزِعُهُ وِردٌ مِنَ المومِ مُردِمُ
تَذَكُّرَ ما أَينَ المَفَرُّ وَإِنَّني
بِغَرزِ الَّذي يُنجي مِنَ المَوتِ مُعصِمُ
تَراهُ وَقَد فاتَ الرُماةَ كَأَنَّهُ
أَمامَ الكِلابِ مُصغِيَ الخَدِّ أَصلَمُ
بِأَجوَدَ مِنّي يَومَ كَفَّتُّ عادِياً
وَأَخطَأَني خَلفَ الثَنِيَّةِ أَسهُمُ
أُوائِلُ بِالشَدِّ الذَليقِ وَحَثَّني
لَدى المَتنِ مَشبوحُ الذِراعَينِ خَلجَمُ
️ يسابق الخيل فيسبقها :
أخبرني هاشم بن محمد الخراعي ومحمد بن الحسين الكندي خطيب المسجد الجامع بالقادسية قالا : حدثنا الرياشي قال: حدثنا الأصمعي قال : حدثني رجل من هذيل قال :
دخل أبو خراش الهذلي مكة وللوليد بن المغيرة المخزومي فرسان يريد أن يرسلهما في الحلبة، فقال للوليد: ما تجعل لي إن سبقتهما؟ قال: إن فعلت، فهما لك، فأرسلا، وعدا بينهما فسبقهما فأخذهما.
قال الأصمعي: إذا فاتك الهذلي أن يكون شاعراً أو ساعياً أو رامياً فلا خير فيه.
يمدح دبية حياً ويرثيه ميتا ً:
وأخبرني ببعضه محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثنا الرياشي، عن الأصمعي، وقد ذكرت ما رواه في أشعار هذيل وأخبارها كل واحد منهم عن أصحابه في مواضعه، قال السكري: فيما رواه عن ابن حبيب عن أبي عمرو قال:
نزل أبو خراش الهذلي على دبية السلمي – وكان صاحب العزى التي في غطفان وكان يسدنها، وهي التي هدمها خالد بن الوليد لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها فهدمها وكسرها وقتل دببة السلمي –
قال: فلما نزل عليه أبو خراش أحسن ضيافته ؛ ورأى في رجله نعلين قد أخلقتا، فأعطاه نعلين من حذاء السبت فقال أبو خراش يمدحه:
حذاني بعد ما خذمت نعـالـي
دبية إنـه نـعـم الـخـلـيل
مقابلتين من صلـوي مـشـب
من الثيران وصلهما جـمـيل
بمثلهما يروح المـرء لـهـواً
ويقضي الهم ذو الأرب الرجيل
فنعم معرس الأضياف تذحـي
رحالـهـم شـآمـية بـلـيل
يقاتل جوعهـم بـمـكـلـلات
من الفرني يرعبها الجـمـيل
وقال أبو عمرو: ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فهدم عزى غطفان، وكانت ببطن نخلة، نصبها ظالم بن أسعد بن عامر بن مرة وقتل دبية فقال أبو خراش الهذلي يرثيه:
ما لـدبـية مـنـذ الـيوم لــم أره
وسط الشروب ولم يلمم ولـم يطـف
لو كان حياً لغـاداهـم بـمـتـرعة
فيها الرواويق من شيزى بني الهطف
بنو الهطف: قوم من بني أسد يعملون الجفان.
كابي الرماد عظيم القدر جفنـتـه
حين الشتاء كحوض المنهل اللقف
المنهل: الذي إبله عطاش. واللقف: الذي يضرب الماء أسفله فيتساقط وهو ملآن ؛ أمسى سقام خلاء لا أنيس بـه .
------------------------------------------------------------------
كيف أسلم أبو خراش ؟
قصته مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
لقد أهلكت حية بـطـن أنـف
على الأصحاب ساقاً ذات فضل
️ يشكو إلى عمر فراق ابنه :
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي، قال: حدثني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي قال: حدثني عمي قال:
هاجر خراش بن أبي خراش الهذلي في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وغزا مع المسلمين، فأوغل في أرض العدو، فقدم أبو خراش المدينة، فجلس بين يدي عمر، وشكا إليه شوقه إلى ابنه، وأنه رجل قد انقرض أهله، وقتل إخوته، ولم يبق له ناصر ولا معين غير ابنه خراش، وقد غزا وتركه، وأنشأ يقول:
ألا من مبلغ عني خراشاً
وقد يأتيك بالنبأ البعـيد
وقد يأتيك بالأخبار من
لا تجهز بالحذاء ولا تزيد
يناديه لـيغـبـقـه كـلـيب
ولا يأتي ، لقد سفه الـولـيد
فرد إنـاءه لا شـيء فــيه
كأن دموع عينـيه الـفـريد
وأصبح دون عابقه وأمسـى
جبال من حرار الشام سـود
ألا فاعلم خراش بأن خبر
المهاجر بعد هجـرتـه زهـيد
رأيتك وابتغاء الـبـر دونـي
كمحصور اللبان ولا يصـيد
قال: فكتب عمر رضي الله عنه بأن يقبل خراش إلى أبيه، وألا يغزو من كان له أب شيخ إلا بعد أن يأذن له.
****
تزيد وتزود واحد، من الزاد
-------------------------
أبوخراش مسلما :
في رواية الأخفش عنه عن أصحابه، قالوا جميعاً:
أسلم أبو خراش فحسن إسلامه، ثم أتاه نفر من أهل اليمن قدموا حجاجاً، فنزلوا بأبي خراش والماء منهم غير بعيد، فقال: يا بني عمي، ما أمسى عندنا ماء، ولكن هذه شاة وبرمة وقربة، فردوا الماء، وكلوا شاتكم، ثم دعوا برمتنا وقربتنا على الماء، حتى نأخذها،
قالوا: والله ما نحن بسائرين في ليلتنا هذه، وما نحن ببارحين حيث أمسينا، فلما رأى ذلك أبو خراش أخذ قربته، وسعى نحو الماء تحت الليل حتى استقى، ثم أقبل صادراً، فنهشته حية قبل أن يصل إليهم،
فأقبل مسرعاً حتى أعطاهم الماء، وقال: ابطخوا شاتكم وكلوا ولم يعلمهم بما أصابه، فباتوا على شاتهم يأكلون حتى أصبحوا، وأصبح أبو خراش في الموت، فلم يبرحوا حتى دفنوه، وقال وهو يعالج الموت:
لعمرك والمنايا غـالـبـات
على الإنسان تطلع كل نجـد
لقد أهلكت حية بطـن أنـف
على الأصحاب ساقاً ذات فقد
وقال أيضاً:
لقد أهلكت حية بـطـن أنـف
على الأصحاب ساقاً ذات فضل
فما تركت عدواً بين بـصـرى
إلى صنعاء يطلـبـه بـذحـل
قال: فبلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه خبره، فغضب غضباً شديداً، وقال:
لولا أن تكون سبة لأمرت ألا يضاف يمان أبداً، ولكتبت بذلك إلى الآفاق.
إن الرجل ليضيف أحدهم، فيبذل مجهوده فيسخطه ولا يقبله منه، ويطالبه بما لا يقدر عليه، كأنه يطالبه بدين، أو يتعنته ليفضحه، فهو يكلفه التكاليف، حتى أهلك ذلك من فعلهم رجلاً مسلماً، وقتله، ثم كتب إلى عامله باليمن بأن يأخذ النفر الذين نزلوا بأبي خراش فيغرمهم ديته، ويؤدبهم بعد ذلك بعقوبة تمسهم جزاءً لأعمالهم.
------------------------
من جميل شعر أبى خراش الهذلى :
حَمِدتُ إِلهي بَعدَ عُروَةَ إِذ نَجا
خِراشٌ وَبَعضُ الشَرِّ أَهوَنُ مِن بَعضِ
فَوَاللَهِ لا أَنسى قَتيلاً رُزِئتُهُ
بِجانِبِ قَوسِيَ ما مَشيتُ عَلى الأَرضِ
بَلى إِنَّها تَعفو الكُلومُ وَإِنَّما
نُوَكَّلُ بِالأَدنى وَإِن جَلَّ ما يَمضي
وَلَم أَدرِ مِن أَلقى عَلَيهِ رِداءَهُ
وَلكِنَّهُ قَد سُلَّ مِن ماجِدٍ مَحضِ
وَلَم يَكُ مَثلوجَ الفُؤادِ مُهَبَّجاً
أَضاعَ الشَبابَ في الرَبيلَةِ وَالخَفضِ
وَلكِنَّهُ قَد نازَعَتهُ مَخامِصٌ
عَلى أَنَّهُ ذو مِرَّةٍ صادِقُ النَهضِ
*من رثاء أخيه عروة وكان قتل في الأسر ونجا ابنه خراش وكان أسيرا معه فأطلق سراحه .
--------------------------------------------------------------------
في الفقرة القادمة ان شاء الله : عروة بن الورد زعيم و أمير الصعاليك تابعونا
#أَقيموا_بَني_أُمّي_صُدورَ_مَطِيَّكُم
-----------------------------------------------
أبو خراش الهذلى
--------------------------------------------
و إنِّي لأَثوي الجوع حتى يملَّني
فيذهبَ لم تدنس ثيابي ولا جِرمي
صعلوك فى الجاهلية أدرك الاسلام شيخا وحسن إسلامه.
أكرم عمر رضي الله عنه وفادته و أقعد له ولده من الغزوات ليرعاه.
وأبره بعد مماته وعاقب ضيوفه الذين تكاسلوا عن خدمة أنفسهم فكانوا سببا فى وفاته بلدغة حية وهو يحضر لهم الماء ويخدمهم ليلا ..... رضي الله عنك ياعمر !
----------------------------
كان أبو خراش من مشاهير الصعاليك، وكان مظفراً في غزواته، والمشهور أنه ترك الصعلكة بعد إسلامه.
وأبو خراش لم يكن صعلوكاً عاديًّا فلم يمتهن الصعلكة حبًّا في السرقة، بل أجبرته ظروف الحياة على الصعلكة، ..
وكان أهم تلك الظروف مقتل عدد من إخوته على أيدي قبيلة كنانة وقبيلة فهم وثمالة؛
فانبعث يغزو هذه القبائل ؛ تارةً وحيدًا ، وتارةً مع عدد من أبناء قبيلته.
كان أبو خراش شجاعًا، كريمًا، عفيف النفس لا يرضى الهوان، صبورًا. وله قصة جميلة تدُلُّ على عفة نفسه وشدة صبره؛
وفيها أنه "أقفر من الزاد يومًا، ثم مرَّ بامرأة من هذيل جزلة شريفة، فأمرت له بشاة ذُبحت وشويت،
فلما وجد بطنه رائحة الطعام قرقر، فضرب على بطنه وقال: إنك لتقرقر لرائحة الطعام فوالله لا طعمت منه.!!
ثم طلب من صاحبة البيت شيئا من مُر ، فاقتحمه، ثم نهض وركب بعيره ، فانزعجت المرأة وخافت أن يكون بدر منها خطأ، فسألته أن يجلس فأبى،
ثم سألته : هل رأيت بأسًا ؟ قال: لا ! ثم مضى .
وأنشد قصيدة جميلة في ذلك أوردها كتاب الاختيارين في 24 بيتًا ، ذكر فيها قوته وصبره ، ويخاطب فيها زوجته التي قالت له: لولا أنني تزوجتك لخطبني سيّد غني فيقول:
فلا و أبيكِ الخير لا تجدينه
جميل الغِنى ولا صبورًا على العُدم
ِولا بطلًأ إذا الكُـماةُ تزيَّنوا
لدى غمرات الموت بالحالِكِ الفَدْم
ِأبعد بلائِي ضلَّت البيت مِن عَمى
تُحِب ُّ فِراقي أو يَحِلُّ لها شَتمي
وإنِّي لأَثوي الجوع حتى يملَّني
فيذهبَ لم تدنس ثيابي ولا جِرمي
أَرُد ُّشُجاع البطن قد تعلمينه
وأُوثر غيري من عيالك بالطـُّعمِ
مخافة أن أَحيا بِرُغْـمٍ وذِلَّةٍ
وللموت خيـرٌ من حياةٍ على رَغمِ
رأَت رجلاً قد لوَّحته مخامصٌ
فطافت برنَّان المَـعَدَّيْن ذي شحمِ
تقول فلولا أنت أُنكِحتُ سيِّداً
أُزَف ُّ إِلَيه أَو حُمِلتُ على قَرْم
لَعَمري لقَد مُلِّكْتِ أَمركِ حِقْبَـةً
زمانا فَهَلَّا مِسْتِ في العقمِ والرَّقْمِ
خرج أبو خراش الهذلي من أرض هذيل يريد مكة ، فقال لزوجته أم خراش :
ويحك إني أريد مكة لبعض الحاجة ، ...
وإنك من أفك النساء ، وإن بني الديل يطلبونني بترات ، فإياك وأن تذكريني لأحد من أهل مكة حتى نصدر منها ،
قالت : معاذ الله أن أذكرك لأهل مكة وأنا أعرف السبب ،
قال : فخرج بأم خراش وكمن لحاجته وخرجت إلى السوق لتشتري عطرا أو بعض ما تشتريه النساء من حوائجهن ،
فجلست إلى عطار ، ..
فمر بها فتيان من بني الديل ، فقال أحدهما لصاحبه : أم خراش ورب الكعبة ، وإنها لمن أفك النساء ، وإن كان أبو خراش معها فستدلنا عليه ، ..
(*أفك النساء : لا تخفي حديثا ولا تكتم سرا )
قال : فوقفا عليها فسلما وأحفيا المسألة والسلام ، فقالت : من أنتما بأبي أنتما ؟
فقالا : رجلان من أهلك من هذيل ، قالت : بأبي أنتما ، فإن أبا خراش معي ولا تذكراه لأحد ، ونحن رائحون العشية ،
فخرج الرجلان فجمعا جماعة من فتيانهم وأخذوا مولى لهم ، يقال له : مخلد ، وكان من أجود الرجال عدوا !!
فكمنوا في عقبة على طريقه فلما رآهم قد لاقوه في عين الشمس ، قال لها :
قتلتني ورب الكعبة لمن ذكرتني ، فقالت : والله ما ذكرتك لأحد إلا لفتيين من هذيل ،
فقال لها : والله ما هما من هذيل ، ولكنهما من بني الديل ، وقد جلسا لي وجمعا علي جماعة من قومهم !!
فاذهبي أنت ، فإذا جزت عليهم فإنهم لن يعرضوا لك لئلا أستوحش فأفوتهم ؛
فاركضي بعيرك ، وضعي عليه العصا والنجاء النجاء ، .
قال : فانطلقت وهي على قعود عقيلي يسابق الريح ،..
فلما دنا منهم وقد تلثموا ووضعوا تمرا على طريقه على كساء ، فوقف قليلا كأنه يصلح شيئا ،
وجازت بهم أم خراش فلم يعرضوا لها لئلا ينفر منهم ، ووضعت العصا على قعودها ،
وتواثبوا إليه ووثب يعدو ؛
قال فزاحمه على المحجة التي يسلك فيها على العقبة ظبي فسبقه أبو خراش ،
وتصايح القوم : يا مخلد أخذا أخذا ،
قال : ففات الأخذ ، فقالوا : ضربا ضربا فسبق الضرب !
فصاحوا : رميا رميا ، فسبق الرمي !
وسبقت أم خراش إلى الحي فنادت ألا إن أبا خراش قد قتل !
فقام أهل الحي إليها وقام أبوه ، وقال : ويحك ما كانت قصته ؟
فقالت : إن بني الديل عرضوا له الساعة في العقبة ، قال : فما رأيت ، أو ما سمعت ؟
قالت : سمعتهم يقولون : يا مخلد أخذا أخذا ،
قال : ثم سمعت ماذا ؟
قالت : ثم سمعتهم يقولون : ضربا ضربا ،
قال : ثم سمعت ماذا ؟
قالت : سمعتهم يقولون : رميا رميا ،
قال : فإن كنت سمعت رميا رميا ، فقد أفلت وهو منا قريب!
ثم صاح : يا أبا خراش !!! ،
فقال : أبو خراش يا لبيك ،
وإذا هو قد وافاهم على أثرها ، وقال أبو خراش في ذلك :
رَفَوني وَقالوا يا خُوَيلِدُ لا تُرَع
فَقُلتُ وَأَنكَرتُ الوُجوهَ هُمُ هُمُ
فَعَدَّيتُ شَيئاً وَالدَريسُ كَأَنَّما
يُزَعزِعُهُ وِردٌ مِنَ المومِ مُردِمُ
تَذَكُّرَ ما أَينَ المَفَرُّ وَإِنَّني
بِغَرزِ الَّذي يُنجي مِنَ المَوتِ مُعصِمُ
تَراهُ وَقَد فاتَ الرُماةَ كَأَنَّهُ
أَمامَ الكِلابِ مُصغِيَ الخَدِّ أَصلَمُ
بِأَجوَدَ مِنّي يَومَ كَفَّتُّ عادِياً
وَأَخطَأَني خَلفَ الثَنِيَّةِ أَسهُمُ
أُوائِلُ بِالشَدِّ الذَليقِ وَحَثَّني
لَدى المَتنِ مَشبوحُ الذِراعَينِ خَلجَمُ
️ يسابق الخيل فيسبقها :
أخبرني هاشم بن محمد الخراعي ومحمد بن الحسين الكندي خطيب المسجد الجامع بالقادسية قالا : حدثنا الرياشي قال: حدثنا الأصمعي قال : حدثني رجل من هذيل قال :
دخل أبو خراش الهذلي مكة وللوليد بن المغيرة المخزومي فرسان يريد أن يرسلهما في الحلبة، فقال للوليد: ما تجعل لي إن سبقتهما؟ قال: إن فعلت، فهما لك، فأرسلا، وعدا بينهما فسبقهما فأخذهما.
قال الأصمعي: إذا فاتك الهذلي أن يكون شاعراً أو ساعياً أو رامياً فلا خير فيه.
يمدح دبية حياً ويرثيه ميتا ً:
وأخبرني ببعضه محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثنا الرياشي، عن الأصمعي، وقد ذكرت ما رواه في أشعار هذيل وأخبارها كل واحد منهم عن أصحابه في مواضعه، قال السكري: فيما رواه عن ابن حبيب عن أبي عمرو قال:
نزل أبو خراش الهذلي على دبية السلمي – وكان صاحب العزى التي في غطفان وكان يسدنها، وهي التي هدمها خالد بن الوليد لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها فهدمها وكسرها وقتل دببة السلمي –
قال: فلما نزل عليه أبو خراش أحسن ضيافته ؛ ورأى في رجله نعلين قد أخلقتا، فأعطاه نعلين من حذاء السبت فقال أبو خراش يمدحه:
حذاني بعد ما خذمت نعـالـي
دبية إنـه نـعـم الـخـلـيل
مقابلتين من صلـوي مـشـب
من الثيران وصلهما جـمـيل
بمثلهما يروح المـرء لـهـواً
ويقضي الهم ذو الأرب الرجيل
فنعم معرس الأضياف تذحـي
رحالـهـم شـآمـية بـلـيل
يقاتل جوعهـم بـمـكـلـلات
من الفرني يرعبها الجـمـيل
وقال أبو عمرو: ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فهدم عزى غطفان، وكانت ببطن نخلة، نصبها ظالم بن أسعد بن عامر بن مرة وقتل دبية فقال أبو خراش الهذلي يرثيه:
ما لـدبـية مـنـذ الـيوم لــم أره
وسط الشروب ولم يلمم ولـم يطـف
لو كان حياً لغـاداهـم بـمـتـرعة
فيها الرواويق من شيزى بني الهطف
بنو الهطف: قوم من بني أسد يعملون الجفان.
كابي الرماد عظيم القدر جفنـتـه
حين الشتاء كحوض المنهل اللقف
المنهل: الذي إبله عطاش. واللقف: الذي يضرب الماء أسفله فيتساقط وهو ملآن ؛ أمسى سقام خلاء لا أنيس بـه .
------------------------------------------------------------------
كيف أسلم أبو خراش ؟
قصته مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
لقد أهلكت حية بـطـن أنـف
على الأصحاب ساقاً ذات فضل
️ يشكو إلى عمر فراق ابنه :
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي، قال: حدثني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي قال: حدثني عمي قال:
هاجر خراش بن أبي خراش الهذلي في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وغزا مع المسلمين، فأوغل في أرض العدو، فقدم أبو خراش المدينة، فجلس بين يدي عمر، وشكا إليه شوقه إلى ابنه، وأنه رجل قد انقرض أهله، وقتل إخوته، ولم يبق له ناصر ولا معين غير ابنه خراش، وقد غزا وتركه، وأنشأ يقول:
ألا من مبلغ عني خراشاً
وقد يأتيك بالنبأ البعـيد
وقد يأتيك بالأخبار من
لا تجهز بالحذاء ولا تزيد
يناديه لـيغـبـقـه كـلـيب
ولا يأتي ، لقد سفه الـولـيد
فرد إنـاءه لا شـيء فــيه
كأن دموع عينـيه الـفـريد
وأصبح دون عابقه وأمسـى
جبال من حرار الشام سـود
ألا فاعلم خراش بأن خبر
المهاجر بعد هجـرتـه زهـيد
رأيتك وابتغاء الـبـر دونـي
كمحصور اللبان ولا يصـيد
قال: فكتب عمر رضي الله عنه بأن يقبل خراش إلى أبيه، وألا يغزو من كان له أب شيخ إلا بعد أن يأذن له.
****
تزيد وتزود واحد، من الزاد
-------------------------
أبوخراش مسلما :
في رواية الأخفش عنه عن أصحابه، قالوا جميعاً:
أسلم أبو خراش فحسن إسلامه، ثم أتاه نفر من أهل اليمن قدموا حجاجاً، فنزلوا بأبي خراش والماء منهم غير بعيد، فقال: يا بني عمي، ما أمسى عندنا ماء، ولكن هذه شاة وبرمة وقربة، فردوا الماء، وكلوا شاتكم، ثم دعوا برمتنا وقربتنا على الماء، حتى نأخذها،
قالوا: والله ما نحن بسائرين في ليلتنا هذه، وما نحن ببارحين حيث أمسينا، فلما رأى ذلك أبو خراش أخذ قربته، وسعى نحو الماء تحت الليل حتى استقى، ثم أقبل صادراً، فنهشته حية قبل أن يصل إليهم،
فأقبل مسرعاً حتى أعطاهم الماء، وقال: ابطخوا شاتكم وكلوا ولم يعلمهم بما أصابه، فباتوا على شاتهم يأكلون حتى أصبحوا، وأصبح أبو خراش في الموت، فلم يبرحوا حتى دفنوه، وقال وهو يعالج الموت:
لعمرك والمنايا غـالـبـات
على الإنسان تطلع كل نجـد
لقد أهلكت حية بطـن أنـف
على الأصحاب ساقاً ذات فقد
وقال أيضاً:
لقد أهلكت حية بـطـن أنـف
على الأصحاب ساقاً ذات فضل
فما تركت عدواً بين بـصـرى
إلى صنعاء يطلـبـه بـذحـل
قال: فبلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه خبره، فغضب غضباً شديداً، وقال:
لولا أن تكون سبة لأمرت ألا يضاف يمان أبداً، ولكتبت بذلك إلى الآفاق.
إن الرجل ليضيف أحدهم، فيبذل مجهوده فيسخطه ولا يقبله منه، ويطالبه بما لا يقدر عليه، كأنه يطالبه بدين، أو يتعنته ليفضحه، فهو يكلفه التكاليف، حتى أهلك ذلك من فعلهم رجلاً مسلماً، وقتله، ثم كتب إلى عامله باليمن بأن يأخذ النفر الذين نزلوا بأبي خراش فيغرمهم ديته، ويؤدبهم بعد ذلك بعقوبة تمسهم جزاءً لأعمالهم.
------------------------
من جميل شعر أبى خراش الهذلى :
حَمِدتُ إِلهي بَعدَ عُروَةَ إِذ نَجا
خِراشٌ وَبَعضُ الشَرِّ أَهوَنُ مِن بَعضِ
فَوَاللَهِ لا أَنسى قَتيلاً رُزِئتُهُ
بِجانِبِ قَوسِيَ ما مَشيتُ عَلى الأَرضِ
بَلى إِنَّها تَعفو الكُلومُ وَإِنَّما
نُوَكَّلُ بِالأَدنى وَإِن جَلَّ ما يَمضي
وَلَم أَدرِ مِن أَلقى عَلَيهِ رِداءَهُ
وَلكِنَّهُ قَد سُلَّ مِن ماجِدٍ مَحضِ
وَلَم يَكُ مَثلوجَ الفُؤادِ مُهَبَّجاً
أَضاعَ الشَبابَ في الرَبيلَةِ وَالخَفضِ
وَلكِنَّهُ قَد نازَعَتهُ مَخامِصٌ
عَلى أَنَّهُ ذو مِرَّةٍ صادِقُ النَهضِ
*من رثاء أخيه عروة وكان قتل في الأسر ونجا ابنه خراش وكان أسيرا معه فأطلق سراحه .
--------------------------------------------------------------------
في الفقرة القادمة ان شاء الله : عروة بن الورد زعيم و أمير الصعاليك تابعونا