من تاريخ دوله المناذرة
تاريخ ابن خالدون رقم ٣
هشام بن الكلبي : ثم جاء الحرث بن عمرو بن حجر الكندي في جيش إلى بلاد معد و الحيرة وقد ولاه تبع بن حسان بن تبع فسار إليه النعمان بن امرئ القيس بن الشقيقة و قاتله فقتل النعمان و عدة من أهل بيته و انهزم أصحابه و أفلت المنذر بن النعمان الأكبر و أمه ماء السماء امرأة من اليمن و تشتت ملك آل النعمان و ملك الحرث بن عمرو ما كانوا يملكونه و قال غير هشام بن الكلبي : إن النعمان الذي قتله الحرث هو ابن المنذر بن النعمان و أمه هند بنت زيد مناة بن زيد الله بن عمرو بن ربيعة بن ذهل بن شيبان و هو الذي أسرته فارس ملك عشرين سنة منها في أيام فيروز بن يزدجرد عشر سنين و أيام يلاوش بن يزدجرد أربع سنين و في أيام قباذ بن فيروز ست سنين
قال هشام بن محمد الكلبي : و لما ملك الحرث بن عمرو ملك آل النعمان بعث إليه قباذ يطلب لقاءه و كان مضعفا فجاءه الحرث و صالحه على أن لا يتجاوز بالعرب الفرات ثم استضعفه فأطلق العرب للغارة في نواحي السواد وراء الفرات فسأله اللقاء بابنه و اعتذر إليه أشظاظ العرب و أنه لا يضبطهم إلا المال فأقطعه جانبا من السواد فبعث الحرث إلى ملك اليمن تبع يستنهضه بغزو فارس في بلادهم و يخبره بضعف ملكهم فجمع و سار حتى نزل الحيرة و بعث ابن أخيه شمرا ذا الجناح إلى قباذ فقاتله و اتبع إلى الري فقتله ثم سار شمر إلى خراسان و بعث تبع ابنه حسان إلى الصغد و أمرهما معا أن يدوخا أرض الصين و بعث ابن أخيه يعفر إلى الروم فحاصر القسطنطينية حتى أعطوا الطاعة و الأتاوة و تقدم إلى رومة فحاصرها ثم أصابهم الطاعون و وهنوا له فوثب عليهم فقتلوهم جميعا و تقدم شمر إلى سمرقند فحاصرها و استعمل الحيلة فيها فملكها ثم سار إلى الصين و هزم الترك و وجد أخاه حسان قد سبقه إلى الصين منذ ثلاث سنين فأقاما هنالك إحدى و عشرين سنة إلى أن هلك قال : و الصحيح المتفق عليه أنهما رجعا إلى بلادهما بما غنماه من الأموال و الذخائر و صنوف الجواهر و الطيوب و سار تبع حتى قدم مكة و نزل شعب حجاز و كانت وفاته باليمن بعد أن ملك مائة و عشرين سنة و لم يخرج أحد بعده من ملوك اليمن غازيا و يقال : إنه دخل في دين اليهود للأحبار الذين خرجوا معه من يثرب و أما ابن إسحق فعنده أن الذي سار إلى المشرق من التبابعة تبع الأخير و هو تبان أسعد أبو كرب
قال هشام بن محمد : و و لى أنوشروان بعد الحرث بن عمرو المنذر بن النعمان الذي أفلت يوم قتل أبوه و نزل الحيرة و أبوه النعمان الأكبر فلما قوي سلطان أنوشروان و اشتد أمره بعث إلى المنذر فملكه الحيرة و ما كان يليه الحرث بن عمرو آكل المرار فلم يزل كذلك حتى هلك قال : و ملك العرب من قبل الفرس بعد الأسود بن المنذر أخوه المنذر بن المنذر و أمه ماوية بنت النعمان سبع سنين ثم ملك بعده النعمان بن الأسود ابن المنذر و أمه أم الملك أخت الحرث بن عمرو أربع سنين ثم استخلف أبو يعفر بن علقمة بن مالك بن عدي بن الذميل بن ثور بن أسد بن أربى بن نمارة بن لخم ثلاث سنين ثم ملك المنذر بن امرئ القيس و هو ذو القرنين لضفيرتين كانتا له من شعره و أمه ماء السماء بنت عوف بن جثم بن هلال بن ربيعة بن زيد مناة بن عامر بن الضبيب بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط فملك تسعا و أربعين سنة ثم ملك ابنه عمرو بن المنذر و أمه هند بنت الحرث بن عمرو بن حجر آكل المرار ست عشرة سنة و لثمان سنين من ملكه كان عام الفيل الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم ولى عمرو بن هند شقيقه قابوس أربع سنين : سنة منها أيام أنوشروان و ثلاثة أيام ابنه هرمز
ثم ولى بعده أخوهما المنذر أربع سنين ثم بعده النعمان بن المنذر و هو أبو قابوس اثنتين و عشرين سنة منها ثمان سنين أيام هرمز و أربع عشرة أيام أبروبز و في أيام النعمان هذا اضحمل ملك آل نصر بالجزيرة و عليه انقرض و هو الذي قتله كسرى أبرويز و أبدل منه في الولاية على الحيرة و العرب باياس بن قبيصة الطائي ثم رد رياسة الحيرة لمرازبة فارس إلى أن جاء الإسلام و ذهب ملك فارس و كان الذي دعا أبروبز إلى قتله سعاية زيد بن عدي العبادي فيه عند أبرويز بسبب أن النعمان قتل أباه عدي بن زيد و سياقه الخبر عن ذلك ان عدي بن زيد كان من تراجمة أبرويز و كان سبب قتل النعمان أن أباه و هو زيد بن حماد بن أيوب بن محروب بن عامر بن قبيصة بن امرئ القيس بن زيد مناة والد عدي هذا كان جميلا شاعرا خطيبا و قارئا كتاب العرب و الفرس و كانوا أهل بيت يكونون مع الأكاسرة و يقطعونهم القطائع على أن يترجموا عندهم عن العرب و كان المنذر بن المنذر لما ملك جعل ابنه النعمان في حجر عدي فأرضعه أهل بيته و رباه قوم من أشراف الحيرة ينسبون إلى لخم و يقال لهم بنو مرسي و كان للمنذر بن المنذر عشرة سوى النعمان يقال لهم الأشاهب لجمالهم و كان النعمان من بينهم أحمر أبرش قصيرا أمه سلمى بنت وائل بن عطية من أهل فدك كانت أمة للحرث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب بن كلب و كان قابوس بن المنذر الأكبر عم النعمان بعث إلى أنوشروان بعدي بن زيد و إخوته فكانوا في كتابه يترجمون له فلما مات المنذر أوصى على ولده إياس بن قبيصة الطائي و جعل أمره كله بيده فأقام على ذلك شهرا و نظر أنوشروان فيمن يملكه على العرب و شاور عدي بن زيد و استنصحه في بني المنذر فقال بقيتهم في بني المنذر بن المنذر فاستقدمهم كسرى و أنزلهم على عدي و كان هواه مع النعمان فجعل يرعى إخوته تفضيلهم عليه و يقول لهم : إن أشار عليكم كسرى بالملك و بمن يكفوه أمر العرب تكفلوا بشأن ابن أخيكم النعمان و يسر للنعمان إن سأله كسرى عن شأن إخوته أن يتكفله و يقول : إن عجزت عنهم فأنا عن سواهم أعجز و كان مع أخيه الأسود بن المنذر رجل من بني مرسي الذين ربوهم اسمه عدي بن أوس بن مرسي فنصحه في عدي و أعلمه أنه يغشه فلم يقبل و وقف كسرى على مقالاتهم فمال إلى النعمان و ملكه و توجه بقيمة ستين ألف دينار و رجع إلى الحيرة ملكا على العرب و عدي بن أوس في خدمته وقد أضمر السعاية بعدي بن زيد فكان يظهر الثناء عليه و يتواصى به مع أصحابه و أن يقولوا مثل قوله إلا أنه يستصغر النعمان و يزعم أنه ملكه و أنه عامله حتى آسفوه بذلك و بعث في الزيارة فأتاه و حبسه ثم ندم و خشي عاقبة إطلاقه فجعل يمنيه ثم خرج النعمان إلى البحرين و خالفه جفنة ملك غسان إلى الحيرة و غار عليها و نال منها و كان عدي بن زيد كتب إلى أخيه عند كسرى يشعره بطلب الشفاعة من كسرى إلى النعمان فجاء الشفيع إلى الحيرة و بها خليفة النعمان و جاء إلى عدي فقال له : أعطني الكتاب أبعثه أنا و لازمني أنت هنا لئلا أقتل و بعث أعداؤه من بني بقيلة إلى النعمان بأن رسول كسرى دخل عنده فبعث من قتله فلما وفد وافد كسرى في الشفاعة أظهر له الإجابة و أحسن له بأربعة آلاف دينار و جارية و أذن له أن يخرجه من محبسه فوجده قد مات منذ ليال فجاء إلى النعمان مثربا فقال : و الله لقد تركته حيا فقال : و كيف تدخل إليه و أنت رسول إلي ؟ فطرده فرجع إلى كسرى و أخبره بموته و طوى عنه ما كان من دخوله إليه
ثم ندم النعمان على قتله و لقي يوما و هو يتصيد ابنه زيدا فاعتذر إليه من أمر أبيه و جهزه إلى كسرى ليكون خليفة أبيه على ترجمة العرب فأعجب به كسرى و قربه و كان أثيرا عنده ثم إن كسرى أراد خطبة بنات العرب فأشار عليه عدي بالخطبة في بني منذر فقال له كسرى : اذهب إليهم في ذلك فقال : إنهم لا ينكحون العجم و يستريبون في ذلك فابعث معي من يفقه العربية فلعلي آتيك بغرضك فلما جاء إلى النعمان قال لزيد : أما في عير السواد و فارس ما يغنيكم عن بناتنا ؟ و سأل الرسول عن العير فقال له زيد : هي البقر ثم رجعا إلى كسرى بالخيبة و أغراه زيد فغضب كسرى و حقد على النعمان ثم استقدمه بعد حين لبعض حاجاته و قال له : لا بد من المشافهة لأن الكتاب لا يسعها ففطن فذهب إلى طيء و غيرهم من قبائل العرب ليمنعوه فأبوا و فرقوا من معاداة كسرى إلا بني رواحة بن سعد من بني عبس فإنهم أجابوه لو كانوا يغنون عنه فعذرهم و انصرف عنهم إلى بني شيبان بذي قار و الرياسة فيهم لهانئ بن مسعود بن عامر بن الخطيب بن عمرو المزدلف ابن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان و لقيس بن خالد بن ذي الخدين و علم أن هانئا يمنعه و كان كسرى قد أقطعه فرجع إليه النعمان ماله و نعمه و حلقته و هي سلاح ألف فارس شاكة و سار إلى كسرى فلقيه زيد بن عدي بساباط و تبين الغدر فلما بلغ إلى كسرى قيده و أودعه السجن إلى أن هلك فيه بالطاعون و دعا ذلك إلى واقعة ذي قار بين العرب و فارس
و ذلك أن كسرى لما قتل النعمان استعمل إياس بن قبيصة الطائي على الحيرة مكان النعمان ليده التي أسلفها طيء عند كسرى يوم واقعة بهرام على أبرويز و طلب من النعمان فرسه ينجو عليها فأبى و اعترضه حسان بن حنظلة بن جنة الطائي و هو ابن عم إياس بن قبيصة فأركبه فرسه و نجا عليه و مر في طريقه بإياس فأهدى له فرسا و جزورا فرعى له أبرويز هذه الوسائل و قدم إياسا مكان النعمان و هو إياس بن قبيصة بن أبي عفر بن النعمان بن جنة فلما هلك النعمان بعث إياس إلى هانيء بن مسعود في حلقة النعمان و يقال كانت أربعمائة درع و قيل ثمانمائة فمنعها هانيء و غضب كسرى و أراد استئصال بكر بن وائل و أشار عليه النعمان بن زرعة من بني تغلب أن يمهل إلى فصل القيظ عند ورودهم مياه ذي قار فلما قاظوا و نزلوا تلك المياه جاءهم النعمان بن زرعة يخيرهم في الحرب و إعطاء اليد فاختاروا الحرب اختاره حنظلة بن سنان العجلي و كانوا قد ولوه أمرهم و قال لهم إنما هو الموت قتلا إن أعطيتم باليد أو عطشا إن هربتم و ربما لقيكم بنو تميم فقتلوكم ثم بعث كسرى إلى إياس بن قبيصة أن يسير إلى حربهم و يأخذه معه مسالح فارس و هم الجند الذين كانوا معه بالقطقطانية و بارق و تغلب و بعث إلى قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الخدين و كان على طيف شقران أن يوافي إياسا فجاءت الفرس معها الجنود و الأفيال عليها الأساورة و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ بالمدينة فقال : [ اليوم انتصف العرب من العجم و نصروا ] و حفظ ذلك اليوم فإذا يوم الوقعة
و لما توافق الفريقان جاء قيس بن مسعود إلى هانيء و أشار عليه أن يفرق سلاح النعمان على أصحابه ففعل و اختلف هانيء بن مسعود و حنظلة بن ثعلبة بن سنان فأشار هانيء بركوب الفلاة و قطع حنظلة حزم الرجال و ضرب على نفسه و آلى أن لا يفر ثم استقوا الماء لنصف شهر و اقتتلوا و هرب العجم من العطش و اتبعهم بكر و عجل فاصطف العجم و قاتلوا و صبروا و راسلت إياد بكر بن وائل إنا نفر عند اللقاء فصحبوهم و اشتد القتال و قطعوا الآمال حتى سقطت الرجال إلى الأرض ثم حملوا عليهم و اعترضهم يزيد بن حماد السكوني في قومه كان كمينا أمامهم فشدوا على إياس بن قبيصة و من معه من العرب فولت إياد منهزمة و انهزمت الفرس و جاوزوا الماء في حر الظهيرة في يوم قائظ فهلكوا أجمعين قتلا و عطشا و أقام إياس في ولاية الحيرة مكان النعمان و معه الهمرجان من مرازبة فارس تسع سنين و في الثامنة منها كانت البعثة و ولي بعده على الحيرة آخر من المرازبة اسمه زاذويه بن ماهان الهمذاني سبع عشرة سنة إلى أيام بوران بنت كسرى ثم ولي المنذر بن النعمان بن المنذر و تسميه العرب الغرور الذي قتل بالبحرين يوم أجداث
إعداد
د ممصطفى سليمان ابوالطيب الهوارى
و لما
تاريخ ابن خالدون رقم ٣
هشام بن الكلبي : ثم جاء الحرث بن عمرو بن حجر الكندي في جيش إلى بلاد معد و الحيرة وقد ولاه تبع بن حسان بن تبع فسار إليه النعمان بن امرئ القيس بن الشقيقة و قاتله فقتل النعمان و عدة من أهل بيته و انهزم أصحابه و أفلت المنذر بن النعمان الأكبر و أمه ماء السماء امرأة من اليمن و تشتت ملك آل النعمان و ملك الحرث بن عمرو ما كانوا يملكونه و قال غير هشام بن الكلبي : إن النعمان الذي قتله الحرث هو ابن المنذر بن النعمان و أمه هند بنت زيد مناة بن زيد الله بن عمرو بن ربيعة بن ذهل بن شيبان و هو الذي أسرته فارس ملك عشرين سنة منها في أيام فيروز بن يزدجرد عشر سنين و أيام يلاوش بن يزدجرد أربع سنين و في أيام قباذ بن فيروز ست سنين
قال هشام بن محمد الكلبي : و لما ملك الحرث بن عمرو ملك آل النعمان بعث إليه قباذ يطلب لقاءه و كان مضعفا فجاءه الحرث و صالحه على أن لا يتجاوز بالعرب الفرات ثم استضعفه فأطلق العرب للغارة في نواحي السواد وراء الفرات فسأله اللقاء بابنه و اعتذر إليه أشظاظ العرب و أنه لا يضبطهم إلا المال فأقطعه جانبا من السواد فبعث الحرث إلى ملك اليمن تبع يستنهضه بغزو فارس في بلادهم و يخبره بضعف ملكهم فجمع و سار حتى نزل الحيرة و بعث ابن أخيه شمرا ذا الجناح إلى قباذ فقاتله و اتبع إلى الري فقتله ثم سار شمر إلى خراسان و بعث تبع ابنه حسان إلى الصغد و أمرهما معا أن يدوخا أرض الصين و بعث ابن أخيه يعفر إلى الروم فحاصر القسطنطينية حتى أعطوا الطاعة و الأتاوة و تقدم إلى رومة فحاصرها ثم أصابهم الطاعون و وهنوا له فوثب عليهم فقتلوهم جميعا و تقدم شمر إلى سمرقند فحاصرها و استعمل الحيلة فيها فملكها ثم سار إلى الصين و هزم الترك و وجد أخاه حسان قد سبقه إلى الصين منذ ثلاث سنين فأقاما هنالك إحدى و عشرين سنة إلى أن هلك قال : و الصحيح المتفق عليه أنهما رجعا إلى بلادهما بما غنماه من الأموال و الذخائر و صنوف الجواهر و الطيوب و سار تبع حتى قدم مكة و نزل شعب حجاز و كانت وفاته باليمن بعد أن ملك مائة و عشرين سنة و لم يخرج أحد بعده من ملوك اليمن غازيا و يقال : إنه دخل في دين اليهود للأحبار الذين خرجوا معه من يثرب و أما ابن إسحق فعنده أن الذي سار إلى المشرق من التبابعة تبع الأخير و هو تبان أسعد أبو كرب
قال هشام بن محمد : و و لى أنوشروان بعد الحرث بن عمرو المنذر بن النعمان الذي أفلت يوم قتل أبوه و نزل الحيرة و أبوه النعمان الأكبر فلما قوي سلطان أنوشروان و اشتد أمره بعث إلى المنذر فملكه الحيرة و ما كان يليه الحرث بن عمرو آكل المرار فلم يزل كذلك حتى هلك قال : و ملك العرب من قبل الفرس بعد الأسود بن المنذر أخوه المنذر بن المنذر و أمه ماوية بنت النعمان سبع سنين ثم ملك بعده النعمان بن الأسود ابن المنذر و أمه أم الملك أخت الحرث بن عمرو أربع سنين ثم استخلف أبو يعفر بن علقمة بن مالك بن عدي بن الذميل بن ثور بن أسد بن أربى بن نمارة بن لخم ثلاث سنين ثم ملك المنذر بن امرئ القيس و هو ذو القرنين لضفيرتين كانتا له من شعره و أمه ماء السماء بنت عوف بن جثم بن هلال بن ربيعة بن زيد مناة بن عامر بن الضبيب بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط فملك تسعا و أربعين سنة ثم ملك ابنه عمرو بن المنذر و أمه هند بنت الحرث بن عمرو بن حجر آكل المرار ست عشرة سنة و لثمان سنين من ملكه كان عام الفيل الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم ولى عمرو بن هند شقيقه قابوس أربع سنين : سنة منها أيام أنوشروان و ثلاثة أيام ابنه هرمز
ثم ولى بعده أخوهما المنذر أربع سنين ثم بعده النعمان بن المنذر و هو أبو قابوس اثنتين و عشرين سنة منها ثمان سنين أيام هرمز و أربع عشرة أيام أبروبز و في أيام النعمان هذا اضحمل ملك آل نصر بالجزيرة و عليه انقرض و هو الذي قتله كسرى أبرويز و أبدل منه في الولاية على الحيرة و العرب باياس بن قبيصة الطائي ثم رد رياسة الحيرة لمرازبة فارس إلى أن جاء الإسلام و ذهب ملك فارس و كان الذي دعا أبروبز إلى قتله سعاية زيد بن عدي العبادي فيه عند أبرويز بسبب أن النعمان قتل أباه عدي بن زيد و سياقه الخبر عن ذلك ان عدي بن زيد كان من تراجمة أبرويز و كان سبب قتل النعمان أن أباه و هو زيد بن حماد بن أيوب بن محروب بن عامر بن قبيصة بن امرئ القيس بن زيد مناة والد عدي هذا كان جميلا شاعرا خطيبا و قارئا كتاب العرب و الفرس و كانوا أهل بيت يكونون مع الأكاسرة و يقطعونهم القطائع على أن يترجموا عندهم عن العرب و كان المنذر بن المنذر لما ملك جعل ابنه النعمان في حجر عدي فأرضعه أهل بيته و رباه قوم من أشراف الحيرة ينسبون إلى لخم و يقال لهم بنو مرسي و كان للمنذر بن المنذر عشرة سوى النعمان يقال لهم الأشاهب لجمالهم و كان النعمان من بينهم أحمر أبرش قصيرا أمه سلمى بنت وائل بن عطية من أهل فدك كانت أمة للحرث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب بن كلب و كان قابوس بن المنذر الأكبر عم النعمان بعث إلى أنوشروان بعدي بن زيد و إخوته فكانوا في كتابه يترجمون له فلما مات المنذر أوصى على ولده إياس بن قبيصة الطائي و جعل أمره كله بيده فأقام على ذلك شهرا و نظر أنوشروان فيمن يملكه على العرب و شاور عدي بن زيد و استنصحه في بني المنذر فقال بقيتهم في بني المنذر بن المنذر فاستقدمهم كسرى و أنزلهم على عدي و كان هواه مع النعمان فجعل يرعى إخوته تفضيلهم عليه و يقول لهم : إن أشار عليكم كسرى بالملك و بمن يكفوه أمر العرب تكفلوا بشأن ابن أخيكم النعمان و يسر للنعمان إن سأله كسرى عن شأن إخوته أن يتكفله و يقول : إن عجزت عنهم فأنا عن سواهم أعجز و كان مع أخيه الأسود بن المنذر رجل من بني مرسي الذين ربوهم اسمه عدي بن أوس بن مرسي فنصحه في عدي و أعلمه أنه يغشه فلم يقبل و وقف كسرى على مقالاتهم فمال إلى النعمان و ملكه و توجه بقيمة ستين ألف دينار و رجع إلى الحيرة ملكا على العرب و عدي بن أوس في خدمته وقد أضمر السعاية بعدي بن زيد فكان يظهر الثناء عليه و يتواصى به مع أصحابه و أن يقولوا مثل قوله إلا أنه يستصغر النعمان و يزعم أنه ملكه و أنه عامله حتى آسفوه بذلك و بعث في الزيارة فأتاه و حبسه ثم ندم و خشي عاقبة إطلاقه فجعل يمنيه ثم خرج النعمان إلى البحرين و خالفه جفنة ملك غسان إلى الحيرة و غار عليها و نال منها و كان عدي بن زيد كتب إلى أخيه عند كسرى يشعره بطلب الشفاعة من كسرى إلى النعمان فجاء الشفيع إلى الحيرة و بها خليفة النعمان و جاء إلى عدي فقال له : أعطني الكتاب أبعثه أنا و لازمني أنت هنا لئلا أقتل و بعث أعداؤه من بني بقيلة إلى النعمان بأن رسول كسرى دخل عنده فبعث من قتله فلما وفد وافد كسرى في الشفاعة أظهر له الإجابة و أحسن له بأربعة آلاف دينار و جارية و أذن له أن يخرجه من محبسه فوجده قد مات منذ ليال فجاء إلى النعمان مثربا فقال : و الله لقد تركته حيا فقال : و كيف تدخل إليه و أنت رسول إلي ؟ فطرده فرجع إلى كسرى و أخبره بموته و طوى عنه ما كان من دخوله إليه
ثم ندم النعمان على قتله و لقي يوما و هو يتصيد ابنه زيدا فاعتذر إليه من أمر أبيه و جهزه إلى كسرى ليكون خليفة أبيه على ترجمة العرب فأعجب به كسرى و قربه و كان أثيرا عنده ثم إن كسرى أراد خطبة بنات العرب فأشار عليه عدي بالخطبة في بني منذر فقال له كسرى : اذهب إليهم في ذلك فقال : إنهم لا ينكحون العجم و يستريبون في ذلك فابعث معي من يفقه العربية فلعلي آتيك بغرضك فلما جاء إلى النعمان قال لزيد : أما في عير السواد و فارس ما يغنيكم عن بناتنا ؟ و سأل الرسول عن العير فقال له زيد : هي البقر ثم رجعا إلى كسرى بالخيبة و أغراه زيد فغضب كسرى و حقد على النعمان ثم استقدمه بعد حين لبعض حاجاته و قال له : لا بد من المشافهة لأن الكتاب لا يسعها ففطن فذهب إلى طيء و غيرهم من قبائل العرب ليمنعوه فأبوا و فرقوا من معاداة كسرى إلا بني رواحة بن سعد من بني عبس فإنهم أجابوه لو كانوا يغنون عنه فعذرهم و انصرف عنهم إلى بني شيبان بذي قار و الرياسة فيهم لهانئ بن مسعود بن عامر بن الخطيب بن عمرو المزدلف ابن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان و لقيس بن خالد بن ذي الخدين و علم أن هانئا يمنعه و كان كسرى قد أقطعه فرجع إليه النعمان ماله و نعمه و حلقته و هي سلاح ألف فارس شاكة و سار إلى كسرى فلقيه زيد بن عدي بساباط و تبين الغدر فلما بلغ إلى كسرى قيده و أودعه السجن إلى أن هلك فيه بالطاعون و دعا ذلك إلى واقعة ذي قار بين العرب و فارس
و ذلك أن كسرى لما قتل النعمان استعمل إياس بن قبيصة الطائي على الحيرة مكان النعمان ليده التي أسلفها طيء عند كسرى يوم واقعة بهرام على أبرويز و طلب من النعمان فرسه ينجو عليها فأبى و اعترضه حسان بن حنظلة بن جنة الطائي و هو ابن عم إياس بن قبيصة فأركبه فرسه و نجا عليه و مر في طريقه بإياس فأهدى له فرسا و جزورا فرعى له أبرويز هذه الوسائل و قدم إياسا مكان النعمان و هو إياس بن قبيصة بن أبي عفر بن النعمان بن جنة فلما هلك النعمان بعث إياس إلى هانيء بن مسعود في حلقة النعمان و يقال كانت أربعمائة درع و قيل ثمانمائة فمنعها هانيء و غضب كسرى و أراد استئصال بكر بن وائل و أشار عليه النعمان بن زرعة من بني تغلب أن يمهل إلى فصل القيظ عند ورودهم مياه ذي قار فلما قاظوا و نزلوا تلك المياه جاءهم النعمان بن زرعة يخيرهم في الحرب و إعطاء اليد فاختاروا الحرب اختاره حنظلة بن سنان العجلي و كانوا قد ولوه أمرهم و قال لهم إنما هو الموت قتلا إن أعطيتم باليد أو عطشا إن هربتم و ربما لقيكم بنو تميم فقتلوكم ثم بعث كسرى إلى إياس بن قبيصة أن يسير إلى حربهم و يأخذه معه مسالح فارس و هم الجند الذين كانوا معه بالقطقطانية و بارق و تغلب و بعث إلى قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الخدين و كان على طيف شقران أن يوافي إياسا فجاءت الفرس معها الجنود و الأفيال عليها الأساورة و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ بالمدينة فقال : [ اليوم انتصف العرب من العجم و نصروا ] و حفظ ذلك اليوم فإذا يوم الوقعة
و لما توافق الفريقان جاء قيس بن مسعود إلى هانيء و أشار عليه أن يفرق سلاح النعمان على أصحابه ففعل و اختلف هانيء بن مسعود و حنظلة بن ثعلبة بن سنان فأشار هانيء بركوب الفلاة و قطع حنظلة حزم الرجال و ضرب على نفسه و آلى أن لا يفر ثم استقوا الماء لنصف شهر و اقتتلوا و هرب العجم من العطش و اتبعهم بكر و عجل فاصطف العجم و قاتلوا و صبروا و راسلت إياد بكر بن وائل إنا نفر عند اللقاء فصحبوهم و اشتد القتال و قطعوا الآمال حتى سقطت الرجال إلى الأرض ثم حملوا عليهم و اعترضهم يزيد بن حماد السكوني في قومه كان كمينا أمامهم فشدوا على إياس بن قبيصة و من معه من العرب فولت إياد منهزمة و انهزمت الفرس و جاوزوا الماء في حر الظهيرة في يوم قائظ فهلكوا أجمعين قتلا و عطشا و أقام إياس في ولاية الحيرة مكان النعمان و معه الهمرجان من مرازبة فارس تسع سنين و في الثامنة منها كانت البعثة و ولي بعده على الحيرة آخر من المرازبة اسمه زاذويه بن ماهان الهمذاني سبع عشرة سنة إلى أيام بوران بنت كسرى ثم ولي المنذر بن النعمان بن المنذر و تسميه العرب الغرور الذي قتل بالبحرين يوم أجداث
إعداد
د ممصطفى سليمان ابوالطيب الهوارى
و لما