" عالم اسمه العقرب"
"الحلقة التانية من عقرب كرم مارية"
في الحديث الشريف قصة عن لدغ عقرب للنبي صلى الله عليه وسلم فقد ورد أنه "بيْنَا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ ليلةٍ يُصلِّي، فوضَعَ يدَه على الأرضِ، فلدَغَتْه عقربٌ، فتناولَها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بنَعلِه فقتَلَها، فلمَّا انصرَفَ قال: «لعَنَ اللهُ العقربَ، لا تدَعُ مُصلِّيًا ولا غيرَه، أو نبيًّا ولا غيرَه إلَّا لدَغَتْهم، ثمَّ دعا بمِلحٍ وماءٍ، فجعَلَه في إناءٍ، ثمَّ جعَلَ يصُبُّه على إصبعِه حيثُ لدَغَتْه، ويمسَحُها ويُعَوِّذُها بالمُعَوِّذَتَينِ".
ولاحظ هنا أن السائل الكثيف يجذب السائل الأقل كثافة وهو المعروف في النبات بعملية "الضغط الأسموزي" فمحلول الملح جذب سم العقرب من إصبع رسول الله صلى الله عليه وسلم!.
ويقال إن مادة سم العقرب غير قاتلة ولا مؤذية لو تناولتها بالفم ولكن خطورتها في الحقن بالدم والعقارب أنواع بالمئات وأخطرها الجرارات التى تجر ذيلها طويلا ورائها ومنها الطائر ولكننا في بلدنا نعرف منها ثلاث نميزها بالألوان: الأخضر والأصفر والأسود، أما الأنواع الخطيرة الأخرى فلم نعرفها ويمكنك أن تقرأ عنها وأخطرها العقرب الأخضر في صحارى الجزائر والذي يقال أنه من أخطر قواتل الأرض ويتوقع إذا قامت حرب نووية فلن يتأثر بها العقرب إلا في الناطق التى يتم ضربها مباشرة بالقنابل النووية أما الإشعاع النووي الذي يتسع مداه فهو الذي سيهلك الحرث والنسل لكن العقرب من المخلوقات القليلة التى لن تتأثر بالإشعاع وستظل تمرح في جنبات الأرض لأن الإشعاعات النووية لا تؤثر فيها.
ولكن العقرب الأخضر عندنا يكون صغير الحجم ولونه من البيئة الزراعية أما الأصفر والأسود من الجبل ويقال أشدها سمية هو الأسود والثلاثة بشعة المنظر وخاصة اللونين الأخيرين وإذا قتلتها بزقت سائلا أصفر شديد الزوجة يشعرك بالجفاف وجسمها قريب للقشري وهي ترسل ذيلها منبسطا خلفها فإذا ما شعرت بالخطر أشهرته وهي تلدغ كل شيء في طريقها ولو لم يكن حيا فعداوتها لكل من حولها وإذا قطع ذنبها ذهبت خطورتها ولا ينبت لها غيره والعجيب أنها تنتشر بعد هبوب الريح خاصة المتربة في الصيف.
وتكاد تختفى في الشتاء لبياتها لكنها كما ذكرت لى أمي، ربما لتخيفنى من الخروج بصندل أو شبشب في ليالي الشتاء: "يا ود إلبس جزمتك.. العقارب تتنشق بالتراب وتطلع في عز البرد" ولا أدرى من أين جاءت أمي بخاصية استنشاق العقرب بالتراب والتى لم يذكرها الجاحظ ولا الدميري ولا حتى تشارلز داروين؟!.
والغريب أن الصرصار يقتل العقرب وكذلك البرص والسحالي وبعض أنواع العنكبوت وطالما رددت أمي حكايتها عن العنكبوت الذي رأته يقتل عقربا أمام عينيها في صحن بيت أبيها والقطط كذلك من أعداء العقارب وقد رأيت قطة صغيرة تهاجم عقربا وتنزع ذيلها في حركة رائعة وتأكلها أما الصرصار فيفرد جناحيه عليها فتلدغه فتخترق إبرتها الجناح الشبيه بالشاش فلا تؤذيه ولكنها تلدغ نفسها لتصبح مائدة مفضلة للصراصير!.
وكنا نسمى الخنفساء "خدامة العقرب" لأننا نجدها دائما تعيش معها في الشقوق، مع أن الخنفساء تقتل صغار الثعابين.
وإذا أردنا أن نفتش عن عقارب أو نجبرها على الخروج، نسلط خرطوم المياه على مخبئها فتخرج مذعورة شاهرة ذنبها وعلى خطورتها فإنها تصبح صيدا سهلا إذا ما فقدت ذنبها وتصبح النملة أخطر منها وكما يقولون العقرب تخرج يا قاتل يا مقتول!.
وهناك عداء عنيف بينها وبين الثعابين وفي ديوان الأطفال لأمير الشعراء قصيدة تصف معركة بين أفعى وعقرب تنتهي بانتصار الأخرى.
ولكن ما هى الكلمات التى يتمتم بها الرجل الحلبي أو السيدة النصرانية على موضع اللسعة في الرقية
ممكن تعتبر هذا تخريف وأساطير ولكنا شاهدناه بأعيننا وكان الملدوغين من أقاربنا وأصدقائنا يقصون علينا ما يحدث لهم عندما يسلمون أنفسهم للراقي سواء كان الحلبي أو النصرانية.
بالنسبة للرجل الحلبي فلا أذكر عنه شيئا سوى أنه كان طويل القامة يرتدى عمامة بيضاء مكونة من جزأين أساسيين "شقة يلفها حول طاقية" وهو الزي الرسمي للرجال في الصعيد ولم يخلعها الصعايدة إلا مع انتشار التعليم وظهور القمصان والبنطلونات، كان الرجل يبدو عليه الثقة في النفس مع التواضع الذي يميز الحلبة حتى الانكسار وكان يتلو الرقية بصوت منخفض ولكن الكلمات معتادة تبدأ بسم الله الرحمن الرحيم لكنه يبدو فيها وكأنما يخاطب السم الذي لا يملك إلا أن يمتثل لأمره ويتجمع في بقعة معينة ثم يقوم بتشريط المكان فيخرج دم أسود زي الطين، ثم يهدئ من روع الملدوغ.
السر إذن في الرجل وطريقة تلاوته للرقية ليس مجرد حفظها وترديدها وكما قيل في المثل "هذه الفاتحة ولكن أين كف عمر؟!".
والرقية وردت بها أحاديث نبوية قد يطعن فيها المدعين للعلم والتقدم وا وا وا
اركن هذا كله على جنب واسمع السيدة النصرانية التى كنت كثيرا ما أقف بجوارها مباشرة وهي ترقي ملدوغين، فأول ما نسمع فلان لسعته عقرب نجرى لشق النصارى إلى فهيمة أم بكير وعزازي، امرأة قصيرة القامة تحمل وجها موغلا في القدم ورداؤها الأسود وطرحتها الصوف ذات الخروق الصغيرة وتتعلق بها قطع دقيقة من القش ولها رائحة مثل الغبار الخفيف، انظر لوجهها ستجده كأي وجه فلاحة مصرية عليها آثار صلابة مائة قرن من الزمان، تهرع للديغ وتضع يدها وتبدأ باسم المسيح .... "ويهي".
وكتاب الله المجيد هذا ما رأيته وسمعته ثم تتمتم فهيمة بكلمات لا تفسر فيها حرفا
وتسأل الملوغ عن مكان الصليل الذي يشعر به ثم تضع يدها وتكمل الرقية فيذهب الصليل تحت يدها وهي تتمتم بالطريقة نفسها حتى تنهى الأمر بإخراج السم.
ويخرج أوزوريس الحلبي وإيزيس النصرانية لا يطلب أي أحد منهما مقابلا رغم ضيق عيش كل منهما، لكن يقبلا أي شيء بدون مراجعة عن طيب خاطر ولو كان الملدوغ فقيرا أو ذا مكانة لديهما فلا مقابل
وذات يوم وقع موقف عجيب في بيت المأزري الذي كنت أقضي فيه غالب اليوم في الطفولة والصبا، فقد لدغت عقرب "سعدية" ابنته الكبرى فهرعوا لاستدعاء الرجل الحلبي وفهيمة وجاء كلاهما معا فأمسك الحلبي بيد وفهيمة باليد الأخرى، هو يقول بسم الله وهي تقول باسم الصليب، ففوجئ المتحلقون حولهم بانهيار الملدوغة من الضحك وكأنها تكرر موقف سيدة كرم حامد وتحول الموقف من ترقب وخوف إلى ضحك وتريقة.
ولكن يبقى السر: من علمهما؟!
إنه ميراث إيزيس ذات نفسها سرى عبر القرون كما يسري السم في دم الملدوغ!.
فعلم فهيمة أم بكير والرجل الحلبي متوارث كابرا عن كابر منذ إيزيس وأوزوريس
لو قلت سحرا، سأقول عليك إنك رجل جاهل فالسحر يضر ولا ينفع ولكنه واحد من علوم القرون الأولى حفظها ربي "في كتاب لا يضل ربى ولا ينسى".
وكلمات لو قالها أي شخص آخر فلن تغنى عن الملدوغ شيئا فالسر في طريقة التعلم الاستعداد للرقية وهو أمر يبدو أنه مختص بفئات معينة من البشر
وندر ما ندر أن خلا بيت في بلدنا وربما في الصعيد كله من لدغ العقرب، فقد كانت تتسلل إلى كل مكان ولا أحصى ما قتلت من عقارب وكانت أول تجربة لى مع العقرب في صغرى، حيث مر عقرب أصفر كريه بين حافة صندلي وبين ضلفة الباب فقفزت بعيد ليقتلوا العقرب فورا وأول عقرب قتلتها كانت في الحديقة الملحقة بمنزلنا فرحت أستغيث لأن يأتي أحد لقتلها ولما لم يسمعنى أحد تجرأت وقتلتها بعصا غليظة.
ولا تصرف آخر مع العقرب فإما تلدغك أو تقتلها ولدغة العقرب تحدث اضطرابا هائلا في الجسم فترتعد من البرد لو وضعوا عليك عشر بطاطين وتتعرق وإذا تمكنت منك بكلابيها البشعين من الأمام لتغرس إبرتها من طرف ذيلها، فأنت في خطر وقد تموت لو لم يلحقوا بك ويأتوا بأم بكير من شق النصارى، لتتلو عليك رقيتها التى توارثتها عن أمها عن جداتها في سلسلة عجيبة موغلة في الزمان ربما تعود إلى عصور الفراعنة عندما رقت إيرزيس ابن سيدة مصرية ثرية في الدلتا من لدغ عقرب في حكاية طريفة من عيون القصص الفرعونية، حيث أساءت سيدة ثرية استقبال إيزيس وابنها حورس عند هروبهما في أحراش الدلتا خوفا من "ست" الشرير، فقد خصص لها الإله تحوت سبعة عقارب ضخمة، لكي يصطحبوها في رحلتها وسط الأحراش فكان يمشي أمام إيزيس ثلاثة عقارب هم: "بتيت وتتيت ومانتيت" على الجانبين "مستيت ومستتيف" وفي الخلف "تيفن وبيفن" وقد استضافت زوجة صياد فقيرة إيزيس وولدها رغم توجسها من العقارب الضخمة وأحسنت وفادتها بعد رحلة مرهقة ولكن العقارب السبعة قررت أن تلقن المرأة الثرية درسا قاسيا، فرفع العقرب تيفن ذنبه اللاذع وأفرغت الستة عقارب الأخرى سمهم فيه، ليحمل سم السبع عقارب معا، ويتجه إلى غرفة نوم ابن السيدة الثرية ويلدغه ثم تكاد اللم تجن لولا تدخل إيزيس لإنقاذ ابنها بالرقية.
والعقرب لها مكانة في العقيدة الدينية الفرعونية تمثلت في الربة "سيليكت" أ "سرقت" التى تحمل عقربا على رأسها وهناك الملك العقرب في عصر ما قبل الأسرات وعثر نقش العقرب على هراوته أو "دبوس قتاله" في قرية جرزة جنوب العياط والتى كانت إحدى حواضر عصر ما قبل الأسرات ولا ندرى ما اسم هذا الملك.
لكن آمثال الشيخ الحلبي أو السيدة فهيمة رحلوا مثل كثيرين مثلهم ذابوا وذابت معهم أسرار عجيبة متوارثة من قبل عهد الأسرات وارتفع معهم علم عجيب يسميه الناس من جهلهم بالسحر والخرافة ولكننا شاهدنا بأعيننا كيف يخرجون السم من جسم اللديغ وكيف أنقذوا بعلومهم ملايين الأرواح على مر العصور.
والآن باقي منهم شيوخ الطرق الصوفية ما زالوا يحفظون رقى وأدعية لإخراج السم وخاصة أهل الطريقة الرفاعية الذين لهم أسرار عجيبة مع العقارب والثعابين.
ولهؤلاء ومثلهم حديث يطول سنعود إليه حتما قريبا في حديث من أعجب الأحاديث كان له أثره العظيم عندى.
.
ونصيحة أخيرة إذا سألك أحد هل لدغتك عقرب فلا تجبه بالنفي لو لم تكن تعرضت للتجربة المؤلمة لأنك لو قلت لا.. فسوف تلدغ حتما، تماما مثلما يسألك أحد هل طلع لك عفريت فلو قلت لا فأنت الجانى على روحك لأن العقرب تحت تلبد قدميك الآن والعفريت يتراقص وراءك ودي حاجات بتيجى ع السيرة.
مدد يا رفاعى مدد
"الحلقة التانية من عقرب كرم مارية"
في الحديث الشريف قصة عن لدغ عقرب للنبي صلى الله عليه وسلم فقد ورد أنه "بيْنَا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ ليلةٍ يُصلِّي، فوضَعَ يدَه على الأرضِ، فلدَغَتْه عقربٌ، فتناولَها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بنَعلِه فقتَلَها، فلمَّا انصرَفَ قال: «لعَنَ اللهُ العقربَ، لا تدَعُ مُصلِّيًا ولا غيرَه، أو نبيًّا ولا غيرَه إلَّا لدَغَتْهم، ثمَّ دعا بمِلحٍ وماءٍ، فجعَلَه في إناءٍ، ثمَّ جعَلَ يصُبُّه على إصبعِه حيثُ لدَغَتْه، ويمسَحُها ويُعَوِّذُها بالمُعَوِّذَتَينِ".
ولاحظ هنا أن السائل الكثيف يجذب السائل الأقل كثافة وهو المعروف في النبات بعملية "الضغط الأسموزي" فمحلول الملح جذب سم العقرب من إصبع رسول الله صلى الله عليه وسلم!.
ويقال إن مادة سم العقرب غير قاتلة ولا مؤذية لو تناولتها بالفم ولكن خطورتها في الحقن بالدم والعقارب أنواع بالمئات وأخطرها الجرارات التى تجر ذيلها طويلا ورائها ومنها الطائر ولكننا في بلدنا نعرف منها ثلاث نميزها بالألوان: الأخضر والأصفر والأسود، أما الأنواع الخطيرة الأخرى فلم نعرفها ويمكنك أن تقرأ عنها وأخطرها العقرب الأخضر في صحارى الجزائر والذي يقال أنه من أخطر قواتل الأرض ويتوقع إذا قامت حرب نووية فلن يتأثر بها العقرب إلا في الناطق التى يتم ضربها مباشرة بالقنابل النووية أما الإشعاع النووي الذي يتسع مداه فهو الذي سيهلك الحرث والنسل لكن العقرب من المخلوقات القليلة التى لن تتأثر بالإشعاع وستظل تمرح في جنبات الأرض لأن الإشعاعات النووية لا تؤثر فيها.
ولكن العقرب الأخضر عندنا يكون صغير الحجم ولونه من البيئة الزراعية أما الأصفر والأسود من الجبل ويقال أشدها سمية هو الأسود والثلاثة بشعة المنظر وخاصة اللونين الأخيرين وإذا قتلتها بزقت سائلا أصفر شديد الزوجة يشعرك بالجفاف وجسمها قريب للقشري وهي ترسل ذيلها منبسطا خلفها فإذا ما شعرت بالخطر أشهرته وهي تلدغ كل شيء في طريقها ولو لم يكن حيا فعداوتها لكل من حولها وإذا قطع ذنبها ذهبت خطورتها ولا ينبت لها غيره والعجيب أنها تنتشر بعد هبوب الريح خاصة المتربة في الصيف.
وتكاد تختفى في الشتاء لبياتها لكنها كما ذكرت لى أمي، ربما لتخيفنى من الخروج بصندل أو شبشب في ليالي الشتاء: "يا ود إلبس جزمتك.. العقارب تتنشق بالتراب وتطلع في عز البرد" ولا أدرى من أين جاءت أمي بخاصية استنشاق العقرب بالتراب والتى لم يذكرها الجاحظ ولا الدميري ولا حتى تشارلز داروين؟!.
والغريب أن الصرصار يقتل العقرب وكذلك البرص والسحالي وبعض أنواع العنكبوت وطالما رددت أمي حكايتها عن العنكبوت الذي رأته يقتل عقربا أمام عينيها في صحن بيت أبيها والقطط كذلك من أعداء العقارب وقد رأيت قطة صغيرة تهاجم عقربا وتنزع ذيلها في حركة رائعة وتأكلها أما الصرصار فيفرد جناحيه عليها فتلدغه فتخترق إبرتها الجناح الشبيه بالشاش فلا تؤذيه ولكنها تلدغ نفسها لتصبح مائدة مفضلة للصراصير!.
وكنا نسمى الخنفساء "خدامة العقرب" لأننا نجدها دائما تعيش معها في الشقوق، مع أن الخنفساء تقتل صغار الثعابين.
وإذا أردنا أن نفتش عن عقارب أو نجبرها على الخروج، نسلط خرطوم المياه على مخبئها فتخرج مذعورة شاهرة ذنبها وعلى خطورتها فإنها تصبح صيدا سهلا إذا ما فقدت ذنبها وتصبح النملة أخطر منها وكما يقولون العقرب تخرج يا قاتل يا مقتول!.
وهناك عداء عنيف بينها وبين الثعابين وفي ديوان الأطفال لأمير الشعراء قصيدة تصف معركة بين أفعى وعقرب تنتهي بانتصار الأخرى.
ولكن ما هى الكلمات التى يتمتم بها الرجل الحلبي أو السيدة النصرانية على موضع اللسعة في الرقية
ممكن تعتبر هذا تخريف وأساطير ولكنا شاهدناه بأعيننا وكان الملدوغين من أقاربنا وأصدقائنا يقصون علينا ما يحدث لهم عندما يسلمون أنفسهم للراقي سواء كان الحلبي أو النصرانية.
بالنسبة للرجل الحلبي فلا أذكر عنه شيئا سوى أنه كان طويل القامة يرتدى عمامة بيضاء مكونة من جزأين أساسيين "شقة يلفها حول طاقية" وهو الزي الرسمي للرجال في الصعيد ولم يخلعها الصعايدة إلا مع انتشار التعليم وظهور القمصان والبنطلونات، كان الرجل يبدو عليه الثقة في النفس مع التواضع الذي يميز الحلبة حتى الانكسار وكان يتلو الرقية بصوت منخفض ولكن الكلمات معتادة تبدأ بسم الله الرحمن الرحيم لكنه يبدو فيها وكأنما يخاطب السم الذي لا يملك إلا أن يمتثل لأمره ويتجمع في بقعة معينة ثم يقوم بتشريط المكان فيخرج دم أسود زي الطين، ثم يهدئ من روع الملدوغ.
السر إذن في الرجل وطريقة تلاوته للرقية ليس مجرد حفظها وترديدها وكما قيل في المثل "هذه الفاتحة ولكن أين كف عمر؟!".
والرقية وردت بها أحاديث نبوية قد يطعن فيها المدعين للعلم والتقدم وا وا وا
اركن هذا كله على جنب واسمع السيدة النصرانية التى كنت كثيرا ما أقف بجوارها مباشرة وهي ترقي ملدوغين، فأول ما نسمع فلان لسعته عقرب نجرى لشق النصارى إلى فهيمة أم بكير وعزازي، امرأة قصيرة القامة تحمل وجها موغلا في القدم ورداؤها الأسود وطرحتها الصوف ذات الخروق الصغيرة وتتعلق بها قطع دقيقة من القش ولها رائحة مثل الغبار الخفيف، انظر لوجهها ستجده كأي وجه فلاحة مصرية عليها آثار صلابة مائة قرن من الزمان، تهرع للديغ وتضع يدها وتبدأ باسم المسيح .... "ويهي".
وكتاب الله المجيد هذا ما رأيته وسمعته ثم تتمتم فهيمة بكلمات لا تفسر فيها حرفا
وتسأل الملوغ عن مكان الصليل الذي يشعر به ثم تضع يدها وتكمل الرقية فيذهب الصليل تحت يدها وهي تتمتم بالطريقة نفسها حتى تنهى الأمر بإخراج السم.
ويخرج أوزوريس الحلبي وإيزيس النصرانية لا يطلب أي أحد منهما مقابلا رغم ضيق عيش كل منهما، لكن يقبلا أي شيء بدون مراجعة عن طيب خاطر ولو كان الملدوغ فقيرا أو ذا مكانة لديهما فلا مقابل
وذات يوم وقع موقف عجيب في بيت المأزري الذي كنت أقضي فيه غالب اليوم في الطفولة والصبا، فقد لدغت عقرب "سعدية" ابنته الكبرى فهرعوا لاستدعاء الرجل الحلبي وفهيمة وجاء كلاهما معا فأمسك الحلبي بيد وفهيمة باليد الأخرى، هو يقول بسم الله وهي تقول باسم الصليب، ففوجئ المتحلقون حولهم بانهيار الملدوغة من الضحك وكأنها تكرر موقف سيدة كرم حامد وتحول الموقف من ترقب وخوف إلى ضحك وتريقة.
ولكن يبقى السر: من علمهما؟!
إنه ميراث إيزيس ذات نفسها سرى عبر القرون كما يسري السم في دم الملدوغ!.
فعلم فهيمة أم بكير والرجل الحلبي متوارث كابرا عن كابر منذ إيزيس وأوزوريس
لو قلت سحرا، سأقول عليك إنك رجل جاهل فالسحر يضر ولا ينفع ولكنه واحد من علوم القرون الأولى حفظها ربي "في كتاب لا يضل ربى ولا ينسى".
وكلمات لو قالها أي شخص آخر فلن تغنى عن الملدوغ شيئا فالسر في طريقة التعلم الاستعداد للرقية وهو أمر يبدو أنه مختص بفئات معينة من البشر
وندر ما ندر أن خلا بيت في بلدنا وربما في الصعيد كله من لدغ العقرب، فقد كانت تتسلل إلى كل مكان ولا أحصى ما قتلت من عقارب وكانت أول تجربة لى مع العقرب في صغرى، حيث مر عقرب أصفر كريه بين حافة صندلي وبين ضلفة الباب فقفزت بعيد ليقتلوا العقرب فورا وأول عقرب قتلتها كانت في الحديقة الملحقة بمنزلنا فرحت أستغيث لأن يأتي أحد لقتلها ولما لم يسمعنى أحد تجرأت وقتلتها بعصا غليظة.
ولا تصرف آخر مع العقرب فإما تلدغك أو تقتلها ولدغة العقرب تحدث اضطرابا هائلا في الجسم فترتعد من البرد لو وضعوا عليك عشر بطاطين وتتعرق وإذا تمكنت منك بكلابيها البشعين من الأمام لتغرس إبرتها من طرف ذيلها، فأنت في خطر وقد تموت لو لم يلحقوا بك ويأتوا بأم بكير من شق النصارى، لتتلو عليك رقيتها التى توارثتها عن أمها عن جداتها في سلسلة عجيبة موغلة في الزمان ربما تعود إلى عصور الفراعنة عندما رقت إيرزيس ابن سيدة مصرية ثرية في الدلتا من لدغ عقرب في حكاية طريفة من عيون القصص الفرعونية، حيث أساءت سيدة ثرية استقبال إيزيس وابنها حورس عند هروبهما في أحراش الدلتا خوفا من "ست" الشرير، فقد خصص لها الإله تحوت سبعة عقارب ضخمة، لكي يصطحبوها في رحلتها وسط الأحراش فكان يمشي أمام إيزيس ثلاثة عقارب هم: "بتيت وتتيت ومانتيت" على الجانبين "مستيت ومستتيف" وفي الخلف "تيفن وبيفن" وقد استضافت زوجة صياد فقيرة إيزيس وولدها رغم توجسها من العقارب الضخمة وأحسنت وفادتها بعد رحلة مرهقة ولكن العقارب السبعة قررت أن تلقن المرأة الثرية درسا قاسيا، فرفع العقرب تيفن ذنبه اللاذع وأفرغت الستة عقارب الأخرى سمهم فيه، ليحمل سم السبع عقارب معا، ويتجه إلى غرفة نوم ابن السيدة الثرية ويلدغه ثم تكاد اللم تجن لولا تدخل إيزيس لإنقاذ ابنها بالرقية.
والعقرب لها مكانة في العقيدة الدينية الفرعونية تمثلت في الربة "سيليكت" أ "سرقت" التى تحمل عقربا على رأسها وهناك الملك العقرب في عصر ما قبل الأسرات وعثر نقش العقرب على هراوته أو "دبوس قتاله" في قرية جرزة جنوب العياط والتى كانت إحدى حواضر عصر ما قبل الأسرات ولا ندرى ما اسم هذا الملك.
لكن آمثال الشيخ الحلبي أو السيدة فهيمة رحلوا مثل كثيرين مثلهم ذابوا وذابت معهم أسرار عجيبة متوارثة من قبل عهد الأسرات وارتفع معهم علم عجيب يسميه الناس من جهلهم بالسحر والخرافة ولكننا شاهدنا بأعيننا كيف يخرجون السم من جسم اللديغ وكيف أنقذوا بعلومهم ملايين الأرواح على مر العصور.
والآن باقي منهم شيوخ الطرق الصوفية ما زالوا يحفظون رقى وأدعية لإخراج السم وخاصة أهل الطريقة الرفاعية الذين لهم أسرار عجيبة مع العقارب والثعابين.
ولهؤلاء ومثلهم حديث يطول سنعود إليه حتما قريبا في حديث من أعجب الأحاديث كان له أثره العظيم عندى.
.
ونصيحة أخيرة إذا سألك أحد هل لدغتك عقرب فلا تجبه بالنفي لو لم تكن تعرضت للتجربة المؤلمة لأنك لو قلت لا.. فسوف تلدغ حتما، تماما مثلما يسألك أحد هل طلع لك عفريت فلو قلت لا فأنت الجانى على روحك لأن العقرب تحت تلبد قدميك الآن والعفريت يتراقص وراءك ودي حاجات بتيجى ع السيرة.
مدد يا رفاعى مدد