بحث-كتاب هام جدّا للأكاديمي العربي عڨون
الأمازيغ عبر التاريخ : نظرة موجزة في الأصول والهوية
2 يونيو، 2015 ثامزغا
تثير مسألة الهوية في أفريقيا الشمالية (Berbérie) إشكالا عميقا، فقد تمّ التعامل مع التاريخ في هذه المنطقة بطريقة انتقائية [التركيز على فترات وحذف أخرى] وكان يفترض أن تتوجّه البحوث التاريخية والعلوم المتّصلة بالتاريخ إلى هذا المجال، عوض تكريس حالة الاستلاب(Aliénation) التي جعلت بعض الشمال أفريقيين يتنكّرون لذاتهم، وينافحون من أجل انتماءات مصطنعة.
د.العربي عقونلعلّ البعض معذور في هذا السياق، بسبب غياب شبه تامّ للبحوث والدراسات في هذا الموضوع، والأخطر هو تحرّك الآلة الإيديولوجية بالمسخ والترهيب وجميع التهويمات (Fantaisies)، فهل يمكن أن تكون هوية شعب مصدر رعب له بهذه الصيغة المفتعلة وإذا كانت الهوية في كلّ بلاد الدنيا عامل استقرار وتضامن واتّحاد فكيف تكون في شمال أفريقيا عامل قلق واضطراب؟.
يمتلئ التاريخ المدرسي والجامعي بالكثير من المغالطات، بعضها مقصود وبعضها ساذج وسطحي، مثل تقديم الشعب الأمازيغي المستعرب على أنّه شعب عربي[بالمعنى العرقي] مستوطن في هذه البلاد، وبذلك تحذف أهمّ حلقات التاريخ الأمازيغي وهي حلقة الاستعراب أي تحوّل الأمازيغ إلى التعبير بعربية متميّزة، هي التي أسمّيها : العربية كما تكلّمها الأمازيغ، وهذه هي العربية الشعبية التي نتكلّمها يوميا في مدننا وأريافنا، بلكنة أمازيغية لا تخفى على المتخصّصين في الألسنية، وقد انجرّ عن هذه المغالطة توهّم وجود شعبين في أفريقيا الشمالية، ليسهل فيما بعد إذكاء روح العداوة والفتنة بينهما.
إذن، لقد وقعت مغالطة كبيرة عندما توهّم بعض المستعربين أنفسهم عربا (بالمعنى العرقي)، وسلك البعض منهم مسلك التناقض إزاء إخوانهم من المحافظين بإيحاء من بعض نشطاء السياسة البائسين، الذين يقفون خلف مثل هذه الأعمال المشبوهة، والواقع أنّ الشعب واحد في أصوله وتقاليده وعاداته وإيجابياته وحتّى في سلبياته، أمّا العربية فهي لغة رسّخها الإسلام، وتعلّق بها الأمازيغ مستعربون ومحافظون على السواء، ولعلّ هذه الدراسة الموجزة تفيد في إلقاء الضوء على هذا الموضوع الذي لا نبالغ إن اعتبرناه موضوع الساعة في عموم الشمال الأفريقي.
مدخل:
تعود الإشارات الأولى إلى السكّان الذين يُسمَّوْن منذ الفتح العربي بربر(1)، إلى العهود الفرعونية، منذ الإمبراطورية القديمة، فقد كان المصريون على علاقات مباشرة، أحيانا حربية وأحيانا أخرى سلمية، بجيرانهم من جهة الغرب؛ أولئك الليبو (LEBOU) أو الليبيون، التحنو أو التمحو، أو المشوَش (Tehenu, Temehu, Mashwash) .
كان أولئك الليبيون(2) متفرّعين إلى عدد هامّ من القبائل،وتذكر النصوص الفرعونية عنهم أحداثا تاريخية هامّة وعلى الخصوص محاولة غزوهم الدلتا بقيادة مرياي (Meryey) في السنة الخامسة من حكم مينيبتاح (Mineptah) في 1227 ق.م.وقد حملت إلينا النقوش التصويرية الهيروغليفية أسماء شخصيات ليبية ، ومعلومات دقيقة ذات أهمّية تاريخية وإثنوغرافية فضلا عن ملامح وأدوات وملابس وأسلحة أولئك الليبو ، نقلت كلّ ذلك إلينا بدقّة الصور الشمسية اليوم بما في ذلك الوشم .
لقد مرّت آلاف السنين، واجه فيها الشعب الأمازيغي تقلّبات التاريخ المتميّز خاصّة بالفتوحات والغزو،ومحاولات الدمج لهذا الشعب الموزّع في هذه البلاد الشاسعة التي تبدأ من غربي مصر إلى المحيط الأطلنطي، وتمتدّ إلى أعماق الصحراء في النيجر ومالي،هذه المنطقة التي تمثّل ربع القارّة الأفريقية ليست كلّها اليوم ناطقة بالأمازيغية،وأكثر من ذلك فإنّ عربية شمال أفريقيا اليوم هي لغة العلاقات الاجتماعية في التجارة والدين والدولة ، ما عدا الهامش الجنوبي من الصحراء الممتدّ من السنغال إلى تشاد،ومع ذلك تظلّ المجموعات الناطقة بالأمازيغية معزولة مقطوعا بعضها عن بعض تتّجه إلى التطوّر داخليا بطرق مختلفة ذات أبعاد وأهمّية مختلفة جدّا .
تمثّل المجموعة القبايلية (Groupe Kabyle) في الجزائر ومجموعتا آيت زيان والشلوح (3) (Braber et Chleuh) في المغرب بضعة ملايين من الأفراد ولكن في أقاليم محدودة (Ilots)،على عكس الواحات الصحراوية التي تمثّل أقاليم شاسعة ولكن عدد الناطقين باللهجات الأمازيغية فيها قد لا يتعدّى أحيانا بضعة آلاف وهذا ما يجعل خرائط امتداد اللغة الأمازيغية غير ذات دلالة كبيرة ، فالإقليم الصحراوي الذي تغطّيه اللهجات التارقية في الجزائر وليبيا والمالي والنيجر إقليم واسع، ولكن الرحّل الذين يجوبونه والمزارعون القلائل من ذوي نفس اللغة لايكادون يتجاوزون بضعة مئات الآلاف، وهم مساوون تقريبا لسكّان المزاب الذين يتمركزون في الصحراء الشمالية في إقليم أقلّ ألف مرّة من الإقليم التارقي، أمّا الكتلة القبايلية فهي آهلة 10 مرّات أكثر من المنطقة الأوراسية الأوسع منها، حيث يتكلّم السكّان هناك لهجات أمازيغية متعدّدة، وهذه استنتاجات عميقة خرج بها باحثون في الألسنية امتدّت على عقود وأخذت منهم جهدا ووقتا كبيرين(4).
اللغة الليبية (الأمازيغية القديمة):
لا يوجد اليوم – في واقع الحال – لغة أمازيغية بالشكل الذي يجعلها انعكاسا لمجموعة واعية بوحدتها في شكل شعب أو جنس أمازيغي ورغم هذه الوضعية السلبية التي يتّفق حولها كلّ المختصّين إلاّ أنّ استمرار وجود الأمازيغ كشعب وثقافة على نطاق أوسع وكلغة على نطاق أضيَق لا نقاش فيه.
إنّ اللغة الأمازيغية، أو الليبية (Le Libyque) المشتركة القديمة جدّا، لا توجد إلاّ في أذهان علماء الألسنية، ولا ريب أنّها تتميّز عن لهجات اليوم، وكانت منتشرة في عموم الشمال الأفريقي من النيل إلى الأطلنطي، ما عدا جبال تبستي التي هي معقل لغة تيدا (Téda).
في هذا الشمال الأفريقي استعمل الأفريقيون القدامى (أو قدماء البربر) منظومة كتابية هي الخطّ الليبي (Le Libyque) الذي انبثق منه تيفناغ التوارق، والدليل على ذلك هو أنّ النقوش الليبية والتيفناغ القديم عثر عليهما في مناطق هي اليوم مستعربة تماما (في تونس وفي شمال شرقي الجزائر وفي منطقة الغرب وطنجة في المغرب وفي الصحراء الشمالية…) وكانت هذه الكتابة في المناطق الشمالية من بلاد البربر وعلى الخصوص الساحلية منها،قد واجهت منذ وصول الفنيقيين منافسة كبرى من طرف الكتابة البونية ثمّ اللاّتينية فيما بعد، إلى الحدّ الذي يجعلنا نقبل بالاستنتاج الذي مفاده أنّ الكتابة الليبية في تلك المناطق طواها النسيان عند أهلها وعلى الخصوص عند حلول الألفباء العربية مع انتشار الإسلام في القرن السابع. أمّا في المناطق الصحراوية البعيدة عن المنافسة فقد ظلّت محفوظة بل امتدّت حتّى جزر الكناري التي كان شعبها القديم (القونش Guanches) أمازيغيا والخلاصة أنّه يمكن التأكيد بأنّه في فترة تاريخية معيّنة كان لأسلاف الأمازيغ منظومة كتابية أصيلة منتشرة مثل انتشارهم من البحر المتوسّط إلى النيجر (5).
إنّ الحجّة الأخرى التي يمكن تقديمها لأولئك الذين– رغم كلّ الوضوح القائم – ينفون قدم توسّع انتشار اللغة الأمازيغية هي توبونيميا(Toponymie) باقية إلى اليوم وعلى الخصوص في المناطق المستعربة،وهي أسماء أمازيغية تماما. ومنه نؤكّد أنّ اللغة الأمازيغية كانت كاملة الحضور عبر القرون السابقة،وإذا تراجعت اليوم أمام حركة استعراب يدعمها الدين والمدرسة والإدارة، فإنّ الأمازيغي حتّى إذا كان مستعربا يظلّ على الدوام متميّزا عن عرب الجزيرة العربية، أو المشرق المستعرب قبله، والواقع أنّه يوجد ضمن المجتمع الإسلامي الشمال–أفريقي والصحراوي أمازيغ مستعربون وهم في أحيان قليلة خليط أمازيغي عربي، ويوجد أيضا أمازيغ محافظون على اللغة الأمازيغية، هؤلاء الأخيرون هم الذين يشار إليهم اليوم باسم البربر (Berbères)، وهو اسم روّجت له المصادر العربية .
من بين الخليط الأمازيغي المستعرب الذي لا يكوّن بذاته كيانا مجتمعيا إلاّ في الإطار الأمازيغي، نميّز مجموعة قديمة من الحضر ذوي أصول مختلطة في أغلب الحالات لأنّ المدن – وهو ما لا يمكن إغفاله – ظلّت على الدوام الملجأ الأخير لعناصر من هنا وهناك مثل مسلمي الأندلس، والوافدين الجدد الذين انضووا تحت اسم الأتراك مع أنّ أغلبهم من أصول بلقانية ومن الجزر اليونانية، وكذلك مجموعات المزارعين المستعربين وكذلك الرحّل الذين تقترب لغتهم من لغة الأعراب إذ نجد فيها بعض المنحدرين من أعراب سليم ومعقل.
إلى جانب هذا الخليط، تعيش المجموعات الأمازيغية المحافظة. ولا يزال التنوّع سمة بلاد البربر الشاسعة، فإلى جانب الأخلاط(6) وأغلبهم من الأمازيغ المستعربين توجد المجموعات المحافظة على اللغة الأمازيغية والتي توصف جميعها بالأمازيغية ومع هذا التنوّع (تعدّد اللهجات الأمازيغية والعربية على السواء) يلتقي الجميع في منظومة موحّدة من التقاليد والعادات كما هو الحال في كلّ البلاد المتوسّطية، فهناك المشتغلون في زراعة البساتين، وهم فلاّحون حقيقيون شديدو التمسّك بأرضهم مثل الجبليين القبايليين والريفيين (Les Rifains de Maroc et les Kabyles de l Algérie) زرّاع التين والزيتون، وكذلك الحال بالنسبة لفلاّحي الواحات المتمسّكين بنخيلهم وبفدادين الخضر التي يعيشون منها، مثلهم مثل زرّاع الحبوب في الجبال الجافّة مثل مطماطة في الجنوب التونسي والشلوح بالأطلس الصغير (Anti-Atlas) المغربي الذين برعوا في زراعة المصاطب على السفوح، وهناك مناطق تجمع بين زراعة الأشجار المثمرة وتربية الحيوان في شكل أنصاف رحّل مثل الشاوية(7) في الكتلة الأوراسية والسهول العليا الشرقية، والإختلاف واضح بين هؤلاء الجبليين القساة وذلك المجتمع الحضري الصحراوي الذي تخصّص في التجارة عبر الصحراء وتجارة صغيرة في المنطقة التلّية الجزائرية: أولئك الميزابيون الذين تفسَّر عزلتهم بخصوصيتهم المذهبية، وفي الأخير لابدّ من الإشارة إلى بعض الجبليين الأشدّاء الذين يزاولون التنقّل بقطعانهم مثل آيت عتّـا(Ait-Atta) في جبال سارغو في الجنوب المغربي وبني مجيلد في الأطلس الأوسط،ثمّ رحّل الصحراء الذين يربّون قطعانا عائلية من الجمال والماعز،وهؤلاء ظلّ الغزو بالنسبة لبعضهم(التوارق)إلى بداية القرن العشرين مكمّلالمواردهم الضعيفة في بيئة قاسية.
هناك سؤال يطرح نفسه وهو ما القاسم المشترك بين مربّي الجمال الملثّم والقاسي،والعطّار الميزابي الطيّب والحسّيب وبين المزراع القبايلي،ومربّي الحيوان من آيت زيان أكثر ممّا أشرنا إليه ، ولعلّ الجواب يكمن في المقام الأوّل في اللغة التي تنتمي إليها كلّ اللهجات الإقليمية لهؤلاء، فوحدة المفردات أمر لا جدال فيه من جزر كناري إلى واحات سيوة في مصر، ومن المتوسّط إلى النيجر،كما أنّ الأسس الرئيسية للغة من نحو وأصوات ظلّت تقاوم عزلة هذه اللهجات عن بعضها منذ قرون كما قاومت اختلاف أنماط المعيشة لأنّ الوحدة اللغوية تقوم أساسا على منظومة من الأفكار متقاربة حتّى ولو اختلف المسلك الظاهري .
ليست القرابة العميقة في اللغة فقط بل نجدها أيضا في التنظيم الاجتماعي وفي الأشكال الفنّية وفي القواعد العامّة، والحقيقة أنّه من الخطأ الفادح الحديث عن فنّ أمازيغي يقصد به الأمازيغ المحافظون(، لأنّ الفنون الموجودة عند الناطقين بالأمازيغية هي نفسها الموجودة عند المستعربين وما يوجد يمكن أن نسمّيه فنّا ريفيا مغاربيا صحراويا ذي أشكال هندسية يوثر الأشكال المستطيلة عن المنحنية،متعدّد الأساليب خاضع لنفس القواعد الهندسية الصارمة، في فنون الخزف والنسيج على الخصوص، وهذه الفنون قديمة جدّا، وهي عند المستعربين ذات استمرارية ملفتة للانتباه، فهؤلاء عرفوا ديانات متعاقبة واندمجوا في سلسلة من الثقافات تباعا عبر قرون كالنهر، قويّ أحيانا وأحيانا ينضب وتغوص مياهه تحت الأرض، ولكنّه دائم الحضور في لاشعور الأمازيغي عامّة، وأحيانا يختنق بسبب انتصار أجنبي في الحواضر ذات الثقافة الأجنبية، ولكنّه سرعان ما يعاود الظهور بطريقة عجيبة ودائمة،بمجرّد ضعف المورد الخارجي للأشكال الفنّية الأكثر تطوّرا،إنّه فنّ لا يحدّه التاريخ .
يبدو من جميع مراحل تاريخ الأمازيغ إذا استثنيا فترة الملوك النوميد قديما والعهد الموحّدي خلال العصر الوسيط أنّ تعرّض البلاد للسيطرة الأجنبية وزوال النخبة أدّى إلى ضعف الوعي بأهمّية الوحدة الإثنية و اللغوية(9)، إلى حدّ أنّ هذه الوحدة لا نكاد نجدها إلاّ في الصيغة السلبية، فالأمازيغي هو كلّ من ليس ذا أصول أجنبية، أي الذي ليس بونيا ولا لاتينيا ولا ونداليا ولا بيزنطيا ولا عربيا ولا تركيا ولا أوربيا، وإذا تجاوزنا هذا التدرّج الثقافي فإنّ بعضه غير ذي دلالة ، والبعض الآخر ذو قوّة ووزن معتبرين، وسنجد بأنّ الجيتولي والنوميدي ينحدر منه أحفاد بأسماء أخرى وبعقائد أخرى ولكن يمارسون نفس نمط الحياة، ويحتفظون في استغلال الأرض الشحيحة بنفس الطرائق في استمرارية عجيبة ، هذه الاستمرارية يرى البعض أنّها تعود إلى أنّ المزارعين والرحّل الأمازيغ لم يعرفوا الدورة الصناعية التي مسحت التقاليد والعادات، إلاّ في نطاق ضيّق من بلادهم وحياتهم،ومنذ بضع عشرات من السنين توسّعت هذه الدورة لتمتدّ إلى الأرياف والصحاري النائية وبنفس الطريقة امّحت الخصوصيات واختفت التقاليد الأقدم قدم التاريخ ذاته.
يمكن اعتبار تاريخ أفريقيا الشمالية والصحراء تاريخ فتوحات واحتلالات أجنبية تحمّلها الأمازيغ بصبر كبير، ولذلك انحصر دورهم في التاريخ في المقاومة، وكان الإبقاء على استمرار اللغة والعرف والأشكال القديمة للتنظيم الاجتماعي أهمّ نجاح لتلك المقاومة وما تجدر الإشارة إليه هو أنّه لا ينبغي تبسيط التاريخ ، خاصّة في حال المبالغة في إسقاط الحاضر على الماضي .
في الواقع يمكن أن نعكس مقدّمتي القياس ونسائل التاريخ كيف أن شعبا يمتاز بالمرونة ، طيّعا للثقافات الأجنبية إلى درجة أنّ بعضه أصبح تدريجيا بونيا، رومانيا، إغريقيا فعربيا يمكنه أن يـحتفظ بتقاليده ولغته وفنونه أي في كلمة واحدة يبقى هو هو أي يبقى أمازيغيا (10).
أن يُحصَر الأمازيغ في دور تاريخي سلبي، وألاّ يُرى فيهم سوى مشاة وخيرة فرسان في خدمة المحتلّ، وحتّى إذا اعترف لفرقهم بأنّها الفاتح الحقيقي لأسبانيا في القرن الثامن ولمصر في القرن العاشر، فإنّ ذلك –عند البعض- لا يعدو أن يكون زيغا أو حالة استثنائية، وهو البعض الذي لا يتورّع عن إصدار أحكام قاسية في حقّ البربر أقلّها وصمهم بالعدمية.
لا تشكّل القرون الطويلة من التاريخ عصورا أمازيغية مجهولة فقط، فقد كان هناك دون ريب رجال ونساء متميّزون طبعوا عصرهم بأعمال بارزة، ولكن التاريخ الذي كتبه الأجانب لايحتفظ دائما بالذكرى التي هم أجدر بها، وهذا هو الغرض الذي أنشئت من أجله دائرة المعارف البربرية (Encyclopédie Berbère) التي تنوي الكشف عن ذلك الزمن وإلقاء الضوء على تلك الشخصيات الأمازيغية المتميّزة(11).
الأمازيغ عبر التاريخ : نظرة موجزة في الأصول والهوية
2 يونيو، 2015 ثامزغا
تثير مسألة الهوية في أفريقيا الشمالية (Berbérie) إشكالا عميقا، فقد تمّ التعامل مع التاريخ في هذه المنطقة بطريقة انتقائية [التركيز على فترات وحذف أخرى] وكان يفترض أن تتوجّه البحوث التاريخية والعلوم المتّصلة بالتاريخ إلى هذا المجال، عوض تكريس حالة الاستلاب(Aliénation) التي جعلت بعض الشمال أفريقيين يتنكّرون لذاتهم، وينافحون من أجل انتماءات مصطنعة.
د.العربي عقونلعلّ البعض معذور في هذا السياق، بسبب غياب شبه تامّ للبحوث والدراسات في هذا الموضوع، والأخطر هو تحرّك الآلة الإيديولوجية بالمسخ والترهيب وجميع التهويمات (Fantaisies)، فهل يمكن أن تكون هوية شعب مصدر رعب له بهذه الصيغة المفتعلة وإذا كانت الهوية في كلّ بلاد الدنيا عامل استقرار وتضامن واتّحاد فكيف تكون في شمال أفريقيا عامل قلق واضطراب؟.
يمتلئ التاريخ المدرسي والجامعي بالكثير من المغالطات، بعضها مقصود وبعضها ساذج وسطحي، مثل تقديم الشعب الأمازيغي المستعرب على أنّه شعب عربي[بالمعنى العرقي] مستوطن في هذه البلاد، وبذلك تحذف أهمّ حلقات التاريخ الأمازيغي وهي حلقة الاستعراب أي تحوّل الأمازيغ إلى التعبير بعربية متميّزة، هي التي أسمّيها : العربية كما تكلّمها الأمازيغ، وهذه هي العربية الشعبية التي نتكلّمها يوميا في مدننا وأريافنا، بلكنة أمازيغية لا تخفى على المتخصّصين في الألسنية، وقد انجرّ عن هذه المغالطة توهّم وجود شعبين في أفريقيا الشمالية، ليسهل فيما بعد إذكاء روح العداوة والفتنة بينهما.
إذن، لقد وقعت مغالطة كبيرة عندما توهّم بعض المستعربين أنفسهم عربا (بالمعنى العرقي)، وسلك البعض منهم مسلك التناقض إزاء إخوانهم من المحافظين بإيحاء من بعض نشطاء السياسة البائسين، الذين يقفون خلف مثل هذه الأعمال المشبوهة، والواقع أنّ الشعب واحد في أصوله وتقاليده وعاداته وإيجابياته وحتّى في سلبياته، أمّا العربية فهي لغة رسّخها الإسلام، وتعلّق بها الأمازيغ مستعربون ومحافظون على السواء، ولعلّ هذه الدراسة الموجزة تفيد في إلقاء الضوء على هذا الموضوع الذي لا نبالغ إن اعتبرناه موضوع الساعة في عموم الشمال الأفريقي.
مدخل:
تعود الإشارات الأولى إلى السكّان الذين يُسمَّوْن منذ الفتح العربي بربر(1)، إلى العهود الفرعونية، منذ الإمبراطورية القديمة، فقد كان المصريون على علاقات مباشرة، أحيانا حربية وأحيانا أخرى سلمية، بجيرانهم من جهة الغرب؛ أولئك الليبو (LEBOU) أو الليبيون، التحنو أو التمحو، أو المشوَش (Tehenu, Temehu, Mashwash) .
كان أولئك الليبيون(2) متفرّعين إلى عدد هامّ من القبائل،وتذكر النصوص الفرعونية عنهم أحداثا تاريخية هامّة وعلى الخصوص محاولة غزوهم الدلتا بقيادة مرياي (Meryey) في السنة الخامسة من حكم مينيبتاح (Mineptah) في 1227 ق.م.وقد حملت إلينا النقوش التصويرية الهيروغليفية أسماء شخصيات ليبية ، ومعلومات دقيقة ذات أهمّية تاريخية وإثنوغرافية فضلا عن ملامح وأدوات وملابس وأسلحة أولئك الليبو ، نقلت كلّ ذلك إلينا بدقّة الصور الشمسية اليوم بما في ذلك الوشم .
لقد مرّت آلاف السنين، واجه فيها الشعب الأمازيغي تقلّبات التاريخ المتميّز خاصّة بالفتوحات والغزو،ومحاولات الدمج لهذا الشعب الموزّع في هذه البلاد الشاسعة التي تبدأ من غربي مصر إلى المحيط الأطلنطي، وتمتدّ إلى أعماق الصحراء في النيجر ومالي،هذه المنطقة التي تمثّل ربع القارّة الأفريقية ليست كلّها اليوم ناطقة بالأمازيغية،وأكثر من ذلك فإنّ عربية شمال أفريقيا اليوم هي لغة العلاقات الاجتماعية في التجارة والدين والدولة ، ما عدا الهامش الجنوبي من الصحراء الممتدّ من السنغال إلى تشاد،ومع ذلك تظلّ المجموعات الناطقة بالأمازيغية معزولة مقطوعا بعضها عن بعض تتّجه إلى التطوّر داخليا بطرق مختلفة ذات أبعاد وأهمّية مختلفة جدّا .
تمثّل المجموعة القبايلية (Groupe Kabyle) في الجزائر ومجموعتا آيت زيان والشلوح (3) (Braber et Chleuh) في المغرب بضعة ملايين من الأفراد ولكن في أقاليم محدودة (Ilots)،على عكس الواحات الصحراوية التي تمثّل أقاليم شاسعة ولكن عدد الناطقين باللهجات الأمازيغية فيها قد لا يتعدّى أحيانا بضعة آلاف وهذا ما يجعل خرائط امتداد اللغة الأمازيغية غير ذات دلالة كبيرة ، فالإقليم الصحراوي الذي تغطّيه اللهجات التارقية في الجزائر وليبيا والمالي والنيجر إقليم واسع، ولكن الرحّل الذين يجوبونه والمزارعون القلائل من ذوي نفس اللغة لايكادون يتجاوزون بضعة مئات الآلاف، وهم مساوون تقريبا لسكّان المزاب الذين يتمركزون في الصحراء الشمالية في إقليم أقلّ ألف مرّة من الإقليم التارقي، أمّا الكتلة القبايلية فهي آهلة 10 مرّات أكثر من المنطقة الأوراسية الأوسع منها، حيث يتكلّم السكّان هناك لهجات أمازيغية متعدّدة، وهذه استنتاجات عميقة خرج بها باحثون في الألسنية امتدّت على عقود وأخذت منهم جهدا ووقتا كبيرين(4).
اللغة الليبية (الأمازيغية القديمة):
لا يوجد اليوم – في واقع الحال – لغة أمازيغية بالشكل الذي يجعلها انعكاسا لمجموعة واعية بوحدتها في شكل شعب أو جنس أمازيغي ورغم هذه الوضعية السلبية التي يتّفق حولها كلّ المختصّين إلاّ أنّ استمرار وجود الأمازيغ كشعب وثقافة على نطاق أوسع وكلغة على نطاق أضيَق لا نقاش فيه.
إنّ اللغة الأمازيغية، أو الليبية (Le Libyque) المشتركة القديمة جدّا، لا توجد إلاّ في أذهان علماء الألسنية، ولا ريب أنّها تتميّز عن لهجات اليوم، وكانت منتشرة في عموم الشمال الأفريقي من النيل إلى الأطلنطي، ما عدا جبال تبستي التي هي معقل لغة تيدا (Téda).
في هذا الشمال الأفريقي استعمل الأفريقيون القدامى (أو قدماء البربر) منظومة كتابية هي الخطّ الليبي (Le Libyque) الذي انبثق منه تيفناغ التوارق، والدليل على ذلك هو أنّ النقوش الليبية والتيفناغ القديم عثر عليهما في مناطق هي اليوم مستعربة تماما (في تونس وفي شمال شرقي الجزائر وفي منطقة الغرب وطنجة في المغرب وفي الصحراء الشمالية…) وكانت هذه الكتابة في المناطق الشمالية من بلاد البربر وعلى الخصوص الساحلية منها،قد واجهت منذ وصول الفنيقيين منافسة كبرى من طرف الكتابة البونية ثمّ اللاّتينية فيما بعد، إلى الحدّ الذي يجعلنا نقبل بالاستنتاج الذي مفاده أنّ الكتابة الليبية في تلك المناطق طواها النسيان عند أهلها وعلى الخصوص عند حلول الألفباء العربية مع انتشار الإسلام في القرن السابع. أمّا في المناطق الصحراوية البعيدة عن المنافسة فقد ظلّت محفوظة بل امتدّت حتّى جزر الكناري التي كان شعبها القديم (القونش Guanches) أمازيغيا والخلاصة أنّه يمكن التأكيد بأنّه في فترة تاريخية معيّنة كان لأسلاف الأمازيغ منظومة كتابية أصيلة منتشرة مثل انتشارهم من البحر المتوسّط إلى النيجر (5).
إنّ الحجّة الأخرى التي يمكن تقديمها لأولئك الذين– رغم كلّ الوضوح القائم – ينفون قدم توسّع انتشار اللغة الأمازيغية هي توبونيميا(Toponymie) باقية إلى اليوم وعلى الخصوص في المناطق المستعربة،وهي أسماء أمازيغية تماما. ومنه نؤكّد أنّ اللغة الأمازيغية كانت كاملة الحضور عبر القرون السابقة،وإذا تراجعت اليوم أمام حركة استعراب يدعمها الدين والمدرسة والإدارة، فإنّ الأمازيغي حتّى إذا كان مستعربا يظلّ على الدوام متميّزا عن عرب الجزيرة العربية، أو المشرق المستعرب قبله، والواقع أنّه يوجد ضمن المجتمع الإسلامي الشمال–أفريقي والصحراوي أمازيغ مستعربون وهم في أحيان قليلة خليط أمازيغي عربي، ويوجد أيضا أمازيغ محافظون على اللغة الأمازيغية، هؤلاء الأخيرون هم الذين يشار إليهم اليوم باسم البربر (Berbères)، وهو اسم روّجت له المصادر العربية .
من بين الخليط الأمازيغي المستعرب الذي لا يكوّن بذاته كيانا مجتمعيا إلاّ في الإطار الأمازيغي، نميّز مجموعة قديمة من الحضر ذوي أصول مختلطة في أغلب الحالات لأنّ المدن – وهو ما لا يمكن إغفاله – ظلّت على الدوام الملجأ الأخير لعناصر من هنا وهناك مثل مسلمي الأندلس، والوافدين الجدد الذين انضووا تحت اسم الأتراك مع أنّ أغلبهم من أصول بلقانية ومن الجزر اليونانية، وكذلك مجموعات المزارعين المستعربين وكذلك الرحّل الذين تقترب لغتهم من لغة الأعراب إذ نجد فيها بعض المنحدرين من أعراب سليم ومعقل.
إلى جانب هذا الخليط، تعيش المجموعات الأمازيغية المحافظة. ولا يزال التنوّع سمة بلاد البربر الشاسعة، فإلى جانب الأخلاط(6) وأغلبهم من الأمازيغ المستعربين توجد المجموعات المحافظة على اللغة الأمازيغية والتي توصف جميعها بالأمازيغية ومع هذا التنوّع (تعدّد اللهجات الأمازيغية والعربية على السواء) يلتقي الجميع في منظومة موحّدة من التقاليد والعادات كما هو الحال في كلّ البلاد المتوسّطية، فهناك المشتغلون في زراعة البساتين، وهم فلاّحون حقيقيون شديدو التمسّك بأرضهم مثل الجبليين القبايليين والريفيين (Les Rifains de Maroc et les Kabyles de l Algérie) زرّاع التين والزيتون، وكذلك الحال بالنسبة لفلاّحي الواحات المتمسّكين بنخيلهم وبفدادين الخضر التي يعيشون منها، مثلهم مثل زرّاع الحبوب في الجبال الجافّة مثل مطماطة في الجنوب التونسي والشلوح بالأطلس الصغير (Anti-Atlas) المغربي الذين برعوا في زراعة المصاطب على السفوح، وهناك مناطق تجمع بين زراعة الأشجار المثمرة وتربية الحيوان في شكل أنصاف رحّل مثل الشاوية(7) في الكتلة الأوراسية والسهول العليا الشرقية، والإختلاف واضح بين هؤلاء الجبليين القساة وذلك المجتمع الحضري الصحراوي الذي تخصّص في التجارة عبر الصحراء وتجارة صغيرة في المنطقة التلّية الجزائرية: أولئك الميزابيون الذين تفسَّر عزلتهم بخصوصيتهم المذهبية، وفي الأخير لابدّ من الإشارة إلى بعض الجبليين الأشدّاء الذين يزاولون التنقّل بقطعانهم مثل آيت عتّـا(Ait-Atta) في جبال سارغو في الجنوب المغربي وبني مجيلد في الأطلس الأوسط،ثمّ رحّل الصحراء الذين يربّون قطعانا عائلية من الجمال والماعز،وهؤلاء ظلّ الغزو بالنسبة لبعضهم(التوارق)إلى بداية القرن العشرين مكمّلالمواردهم الضعيفة في بيئة قاسية.
هناك سؤال يطرح نفسه وهو ما القاسم المشترك بين مربّي الجمال الملثّم والقاسي،والعطّار الميزابي الطيّب والحسّيب وبين المزراع القبايلي،ومربّي الحيوان من آيت زيان أكثر ممّا أشرنا إليه ، ولعلّ الجواب يكمن في المقام الأوّل في اللغة التي تنتمي إليها كلّ اللهجات الإقليمية لهؤلاء، فوحدة المفردات أمر لا جدال فيه من جزر كناري إلى واحات سيوة في مصر، ومن المتوسّط إلى النيجر،كما أنّ الأسس الرئيسية للغة من نحو وأصوات ظلّت تقاوم عزلة هذه اللهجات عن بعضها منذ قرون كما قاومت اختلاف أنماط المعيشة لأنّ الوحدة اللغوية تقوم أساسا على منظومة من الأفكار متقاربة حتّى ولو اختلف المسلك الظاهري .
ليست القرابة العميقة في اللغة فقط بل نجدها أيضا في التنظيم الاجتماعي وفي الأشكال الفنّية وفي القواعد العامّة، والحقيقة أنّه من الخطأ الفادح الحديث عن فنّ أمازيغي يقصد به الأمازيغ المحافظون(، لأنّ الفنون الموجودة عند الناطقين بالأمازيغية هي نفسها الموجودة عند المستعربين وما يوجد يمكن أن نسمّيه فنّا ريفيا مغاربيا صحراويا ذي أشكال هندسية يوثر الأشكال المستطيلة عن المنحنية،متعدّد الأساليب خاضع لنفس القواعد الهندسية الصارمة، في فنون الخزف والنسيج على الخصوص، وهذه الفنون قديمة جدّا، وهي عند المستعربين ذات استمرارية ملفتة للانتباه، فهؤلاء عرفوا ديانات متعاقبة واندمجوا في سلسلة من الثقافات تباعا عبر قرون كالنهر، قويّ أحيانا وأحيانا ينضب وتغوص مياهه تحت الأرض، ولكنّه دائم الحضور في لاشعور الأمازيغي عامّة، وأحيانا يختنق بسبب انتصار أجنبي في الحواضر ذات الثقافة الأجنبية، ولكنّه سرعان ما يعاود الظهور بطريقة عجيبة ودائمة،بمجرّد ضعف المورد الخارجي للأشكال الفنّية الأكثر تطوّرا،إنّه فنّ لا يحدّه التاريخ .
يبدو من جميع مراحل تاريخ الأمازيغ إذا استثنيا فترة الملوك النوميد قديما والعهد الموحّدي خلال العصر الوسيط أنّ تعرّض البلاد للسيطرة الأجنبية وزوال النخبة أدّى إلى ضعف الوعي بأهمّية الوحدة الإثنية و اللغوية(9)، إلى حدّ أنّ هذه الوحدة لا نكاد نجدها إلاّ في الصيغة السلبية، فالأمازيغي هو كلّ من ليس ذا أصول أجنبية، أي الذي ليس بونيا ولا لاتينيا ولا ونداليا ولا بيزنطيا ولا عربيا ولا تركيا ولا أوربيا، وإذا تجاوزنا هذا التدرّج الثقافي فإنّ بعضه غير ذي دلالة ، والبعض الآخر ذو قوّة ووزن معتبرين، وسنجد بأنّ الجيتولي والنوميدي ينحدر منه أحفاد بأسماء أخرى وبعقائد أخرى ولكن يمارسون نفس نمط الحياة، ويحتفظون في استغلال الأرض الشحيحة بنفس الطرائق في استمرارية عجيبة ، هذه الاستمرارية يرى البعض أنّها تعود إلى أنّ المزارعين والرحّل الأمازيغ لم يعرفوا الدورة الصناعية التي مسحت التقاليد والعادات، إلاّ في نطاق ضيّق من بلادهم وحياتهم،ومنذ بضع عشرات من السنين توسّعت هذه الدورة لتمتدّ إلى الأرياف والصحاري النائية وبنفس الطريقة امّحت الخصوصيات واختفت التقاليد الأقدم قدم التاريخ ذاته.
يمكن اعتبار تاريخ أفريقيا الشمالية والصحراء تاريخ فتوحات واحتلالات أجنبية تحمّلها الأمازيغ بصبر كبير، ولذلك انحصر دورهم في التاريخ في المقاومة، وكان الإبقاء على استمرار اللغة والعرف والأشكال القديمة للتنظيم الاجتماعي أهمّ نجاح لتلك المقاومة وما تجدر الإشارة إليه هو أنّه لا ينبغي تبسيط التاريخ ، خاصّة في حال المبالغة في إسقاط الحاضر على الماضي .
في الواقع يمكن أن نعكس مقدّمتي القياس ونسائل التاريخ كيف أن شعبا يمتاز بالمرونة ، طيّعا للثقافات الأجنبية إلى درجة أنّ بعضه أصبح تدريجيا بونيا، رومانيا، إغريقيا فعربيا يمكنه أن يـحتفظ بتقاليده ولغته وفنونه أي في كلمة واحدة يبقى هو هو أي يبقى أمازيغيا (10).
أن يُحصَر الأمازيغ في دور تاريخي سلبي، وألاّ يُرى فيهم سوى مشاة وخيرة فرسان في خدمة المحتلّ، وحتّى إذا اعترف لفرقهم بأنّها الفاتح الحقيقي لأسبانيا في القرن الثامن ولمصر في القرن العاشر، فإنّ ذلك –عند البعض- لا يعدو أن يكون زيغا أو حالة استثنائية، وهو البعض الذي لا يتورّع عن إصدار أحكام قاسية في حقّ البربر أقلّها وصمهم بالعدمية.
لا تشكّل القرون الطويلة من التاريخ عصورا أمازيغية مجهولة فقط، فقد كان هناك دون ريب رجال ونساء متميّزون طبعوا عصرهم بأعمال بارزة، ولكن التاريخ الذي كتبه الأجانب لايحتفظ دائما بالذكرى التي هم أجدر بها، وهذا هو الغرض الذي أنشئت من أجله دائرة المعارف البربرية (Encyclopédie Berbère) التي تنوي الكشف عن ذلك الزمن وإلقاء الضوء على تلك الشخصيات الأمازيغية المتميّزة(11).