بسم الله الرحمن الرحيم ـ و صلى الله على سيدنا و مولانا محمد و على آله و صحبه و سلم ـ الكتاب الثالث في أخبار البربر و الامة الثانية من أهل المغرب و ذكر أوليتهم و أجيالهم و دولتهم منذ بدء الخليقة لهذا العهد و نقل الخلاف الواقع بين الناس في أنسابهم
هذا الجيل من الآدميين هم سكان المغرب القديم ملؤا البسائط و الجبال من تلوله و أريافه و ضواحيه و أمصاره يتخذون البيوت من الحجارة و الطين و من الخوص و الشجر و من الشعر و الوبر و يظعن أهل العز منهم و الغلبة لانتجاع المراعي فيما قرب من الرحلة لا يجاوزون فيها الريف إلى الصحراء و القفار الأملس و مكاسبهم الشاء و البقر و الخيل في الغالب للركوب و النتاج و ربما كانت الإبل من مكاسب أهل النجعة منهم شأن العرب و معاش المستضعفين منهم بالفلح و دواجن السائمة و معاش المعتزين أهل الانتجاع و الأظعان في نتاج الإبل و ظلال الرماح و قطع السابلة و لباسهم و أكثر أثاثهم من الصوف يشتملون الصماء و بالأكسية المعلمة و يفرغون عليه البرانس الكحل و رؤسهم في الغالب حاسرة و ربما يتعاهدونها بالحلق و لغتهم من الرطانة الأعجمية متميزة بنوعها و هي التي اختصوا من أجلها بهذا الإسم
يقال : إن أفريقش بن قيس بن صيفي من ملوك التبابعة لما غزا المغرب و أفريقية و قتل الملك جرجيس و بنى المدن و الأمصار و باسمه زعموا سميت أفريقية لما رأى هذا الجيل من الأعاجم و سمع رطانتهم و وعى اختلافها و تنوعها تعجب من ذلك و قال : ما أكثر بربرتكم فسموا بالبربر و البربرة بلسان العرب هي اختلاط الأصوات غير مفهومة و منه يقال بربر الأسد إذا زأر بأصوات غير مفهومة
و أما شعوب هذا الجيل و بطونهم فإن علماء النسب متفقون على أنهم يجمعهم جذمان عظيمان و هما برنس و ماذغيس و يلقب ماذغيس بالأبتر فلذلك يقال لشعوبه البتر و يقال لشعوب برنس البرانس و هما معا إبنا برنس و بين النسابين خلاف هل هما لأب و احد ؟ فذكر ابن حزم عن أيوب بن أبي يزيد صاحب الحمار أنهما لأب واحد على ما حدثه عنه يوسف الوراق و قال سالم بن سليم المطماطي و صابى بن مسرور الكومي و كهلان بن أبي لوا و هم نسابة البربر : إن البرانس بتر و هم من نسل مازيغ بن كنعان و البتر بنو بر بن قيس بن عيلان و ربما نقل ذلك عن أيوب بن أبي يزيد إلا أن رواية ابن حزم أصح لأنه أوثق
( و أما ) شعوب البرانس فعند النسابين أنهم يجمعهم سبعة أجذام و هي ازداجة و مصمودة و أوربة و عجيسة و كتامة و صنهاجة و أوريغة و زاد سابق بن سليم و أصحابه : لمطة و هسكورة و كزولة و قال أبو محمد بن حزم : يقال إن صنهاج و لمط إنما هما إبنا امرأة يقال لها بصكي و لا يعرف لهما أب تزوجها أوريغ فولدت له هوار فلا يعرف لهما أكثر من أنهما أخوان لهوار من أمه قال : و زعم قوم من أوريغ أنه ابن خبوز بن المثنى بن السكاسك من كندة و ذلك باطل
و قال الكلبي : إن كتامة و صنهاجة ليستا من قبائل البربر و إنما هما من شعوب اليمانية تركهما أفريقش بن صيفي بأفريقية مع من نزل بها من الحامية هذه جماع مذاهب أهل التحقيق في شأنهم فمن ازداجة مسطاطه ومن مصمودة غمارة بنو غمار بن مصطاف بن مليل بن مصمود ومن أوريغة هوارة و ملك و مغد و قلدن فمن هوار بن أوريغ مليلة و بنو كهلان و من ملك بن أوريغ صطط و ورفل واسيل و مسراتة و يقال لجميعهم لهانة بنو لهان بن ملك و يقال إن مليلة منهم و من مغد بن أوريغ ماواس و زمور و كبا و مصراي ومن قلدن بن أوريغ ممصاتة و ورسطيف و بيانة و فل مليلة
( و أما شعوب البتر ) و هم بنو مادغيس الأبتر فيجمعهم أربعة أجذام أداسة و نفوسة و ضرية وبنو لوا الأكبر و كلهم بنو زحيك بن مادغيس فأما أداسة بنو أداس بن زحيك فبطونهم كلها في هوارة لأن أم أداس تزوجها بعد زحيك أوريغ ابن عمه برنس والد هوارة فكان أداس أخا لهوارة و دخل نسب بنيه كلهم في هوارة و هم سفارة و اندارة و هنزولة و ضرية و هداغة و أوطيطة و ترهتة هؤلاء كلهم بنو أداس بن زحيك بن باذغيس و هم اليوم في هوارة
و أما لو الأكبر فمنه بطنان عظيمان و هما نفزاوة بنو نفزا و ابن الأكبر و لواتة بنو لو الأصغر ابن لوا الأكبر فخلفه أبوه حملا فسمي به فمن لواته أكوزة و عتروزة و بنو فاصلة ابن لوا الأصغر و منهم مزاته بنو زاير بن لوا الأصغر و مغانة و جدانة بنو كطوف بن لوا الأصغر
و من لواتة سرداتة بنو نيطط بن لوا الأصفر و دخل نسب سرداتة في مغراوة قال أبو محمد بن حزم :
كان مغراوة تزوج أم سرداتة فسار سرداته أخا بني مغراوة لأمهم و اختلط نسبه بهم و من نفزاوة أيضا بطون كثيرة و هم و لهاصة و غساسة و زهلة و سوماتة و ورسيف و مرنيزة و زاتيمة و وركول و مرسينة و وردغروس و وردن كلهم بنو تطوفت من نفزاوة
و زاد ابن سابق و أصحابه مجر و مكلاتة و قال : و يقال إن مكلاتة ليس من البربر و أنه من حمير وقع إلى تطوفت صغيرا فتبناه و هو مكلا بن ريمان بن كلاع حاتم بن سعد بن حمير و لو لهاصة من نفزاوة بطون كثيرة من بيزغاش و دحية إبني ولهاص فمن بيزغاش بطون و رمجوسة و هم : رجال و طو وبورغيش و وانجذ و كرطيط و ما أنجول و سينتت بنو رفجوم بن بيزغاش بن ولهاص ابن تطوفت بن نغزاو
قال ابن سابق و أصحابه : و بنو بيزغاش من لواتة كلهم بجبال أوراس و من دحية و رترين و تريرو و رتبونت و مكرا و لقوس بنو دحية بن ولهاص بن تطوفت بن نغزاو و أما ضرية و هم بنو ضري بن زحيك بن مادغيس الأبتر فيجمعهم جذمان عظيمان : بنو تمصيت بن ضري و بنو يحيى بن ضري
و قال سابق و أصحابه أن بطون تمصيت كلها من فاتن بن تمصيت و أنهم اختصوا بنسب ضرية دون بطون يحيى فمن بطون تمصيت مطماطة و صطفورة و هم لحومية و للماية و مطغرة و مرينة و مغيلة و معزوزة و كشاتة و دونة و مديونة كلهم بنو فاتن بن تمصيت بن ضري و من بطون يحيى : زناتة كلهم و سمكان و ورصطف
فمن ورصطف : مكناسة و أوكتة و ورتناج بنو ورصطف بن يحيى فمن مكناسة و رثيفة و وربر و من معليت قنصارة و موالات و حرات و رفلابس و من ملزلولاين و لرتر و يصلتن و جرير و فرغان و من روتناج مكنسة و مطاسة و كرسطة و سردجة و هناطة و فولان بنو ورتناج بن صطف و من سمكان زواغة و زواوة بنو سمكان بن يحيى و عن ابن حزم بعد زواوة التي بالواو في كتامة و هو أظهر و يشهد له الوطن
فالغالب أن زواوة بنو سمكان بن يحيى و عن ابن حزم : بعد زواوة التي بالواو في بطون كتامة و التي تعد في سمكان هي التي بالزاي و هي قبيلة معروفة و من زواغة بنو ماجر و بنو واطيل و سمكين و سيأتي الكلام فيهم مستوفي عند ذكرهم إن شاء الله تعالى
هذا آخر الكلام في شعوب هذا الجيل مجملا و لا بد من تفصيل فيه عند تفصيل أخبارهم
و أما إلى من يرجع نسبهم من الأمم الماضية فقد اختلف النسابون في ذلك اختلافا كثيرا و بحثوا فيه طويلا فقال بعضهم : أنهم من ولد إبراهيم عليه السلام من نقشان إبنه و قد تقدم ذكره عند ذكر إبراهيم عليه السلام و قال آخرون :
البربر يمنيون و قالوا أوزاع من اليمن و قال المسعودي : من غسان و غيرهم تفرقوا عندما كان من سيل العرم و قيل : تخلفهم أبرهة ذو المنار بالمغرب و قيل من لخم و جذام كانت منازلهم بفلسطين و أخرجهم منها بعض ملوك فارس فلما وصلوا إلى مصر منعتهم ملوك مصر النزول فعبروا النيل و انتشروا في البلاد و قال أبو عمر بن عبد البر : ادعت طوائف من البربر أنهم من ولد النعمان بن حمير بن سبأ قال :
و رأيت في كتاب الاسفنداد الحكيم : أن النعمان بن حمير بن سبأ كان ملك زمانه في الفترة و أنه استدعى أبناءه و قال لهم : أريد أن أبعث منكم للمغرب من يعمره فراجعوه في ذلك و زعم عليهم و أنه بعث منهم لمت أبا لمتونة و مسفو أبا مسوفة و مرطا أبا هسكورة و أصناك أبا صنهاجة و لمط أبا لمطة و إيلان أبا هيلانه فنزل بعضهم بجبل درن و بعضهم بالسوس و بعضهم بدرعه
و نزل لمط عند كزول و تزوج إبنته و نزل جانا و هو أبو زناتة بوادي شلف و نزل بنو ورتجين و مغراو بأطراف أفريقية من جهة المغرب و نزل مقرونك بمقربة من طنجة
و الحكاية أنكرها أبو عمرو بن عبد البر و أبو محمد بن حزم و قال آخرون إنهم كلهم من قوم جالوت و قال علي بن عبد العزيز الجرجاني النسابة في كتاب الأنساب له : لا أعلم قولا يؤدي إلى الصحة إلا قول من قال إنهم من ولد جالوت و لم ينسب جالوت ممن هو و عند ابن قتيبة أنه و نور بن هربيل بن حديلان بن جالود بن رديلان بن حظي بن زياد بن زحيك بن مادغيس الأبتر و نقل عنه أيضا أنه جالوت بن هريال بن جالود بن دنيال بن قحطان بن فارس قال : و فارس مشهور و سفك أبو البربر كلهم قالوا : و البربر قبائل كثيرة و شعوب جمة و هي هوارة و زناتة و ضرية و مغيلة و زيحوحة و نفزة و كتامة و لواتة و غمارة و مصمودة و صدينه و يزدران و دنجين و صنهاجة و مجكسة و واركلان و غيرهم و ذكر آخرون منهم الطبري و غيره أن البربر أخلاط من كنعان و العماليق فلما قتل جالوت تفرقوا في البلاد و أغزى أفريقش المغرب و نقلهم من سواحل الشام و أسكنهم أفريقية و سماهم بربر و قيل إن البربر من ولد حام بن نوح بن بربر بن تملا بن مازيغ بن كنعان بن حام و قال الصولي : هم من ولد بربر من كسلاجيم بن مسراييم بن حام و قيل من العمالقة من بربر بن تملا بن مارب بن قاران بن عمر بن عملاق بن لاود بن إرم بن سام و على هذا القول فهم عمالقة و قال مالك بن المرحل : البربر قبائل شتى من حمير و مضر و القبط و العمالقة و كنعان و قريش تلاقوا بالشام و لغطوا فسماهم أفريقش البربر لكثرة كلامهم و سبب خروجهم عند المسعودي و الطبري و السهيلي :
أن أفريقش استجاشهم لفتح أفريقية و سماهم البربر و ينشدون من شعره :
( بربرت كنعان لما سقتها ... من أراضي الضنك للعيش الخصيب )
و قال ابن الكلبي : اختلف الناس فيمن أخرج البربر من الشام فقيل داود بالوحي قيل : يا داود أخرج البربر من الشآم فانهم جذام الأرض و قيل يوشع بن نون و قيل أفريقش و قيل بعض الملوك التبابعة و عند البكري أن بني إسرائيل أخرجوهم عند قتل جالوت و للمسعودي و البكري أنهم فروا بعد موت جالوت إلى المغرب و أرادوا مصر فأجلتهم القبط فسكنوا برقة و أفريقية و المغرب على حرب الإفرنج و الأفارقة و أجازوهم على صقلية و سردانية و ميورقة و الأندلس ثم اصطلحوا على أن المدن للإفرنجة و سكنوا القفار عصورا في الخيام و انتجاع الأمصار من الإسكندرية إلى البحر و إلى طنجة و السوس حتى جاء الاسلام و كان منهم من تهود و من تنصر و آخرون مجوسا يعبدون الشمس و القمر و الأصنام و لهم ملوك و رؤساء و كان بينهم و بين المسلمين حروب مذكورة و قال الصولي البكري أن الشيطان نزغ بين بني حام و بني سام فانجلى بنو حام إلى المغرب و نسلوا به و قال أيضا إن حام لما اسود بدعوة أبيه فر إلى المغرب حياء و اتبعه بنوه و هلك عن أربعمائة سنة و كان من ولده بربر بن كسلاجيم فنسل بنوه بالمغرب قال : و انضاف إلى البربر حيان من المغرب يمنيان عند خروجهم من مأرب كتامة و صنهاجة قال : و هوارة و لمطة و لواتة بنو حمير بن سبأ و قال هانىء بن بكور الضريسي و سابق بن سليمان المطماطي و كهلان بن أبي لؤي و أيوب بن أبي يزيد و غيرهم من نسابة البربر أن البربر فرقتان كما قدمناه و هما :
البرانس و البتر فالبتر من ولد بر بن قيس بن عيلان و البرانس بنو بربر سحو بن أبزج بن جمواح بن ويل بن شراط بن ناح بن دويم بن داح بن ماريغ بن كنعان بن حام و هذا هو الذي يعتمده نسابة البربر قال الطبري : خرج بربر بن قيس ينشد ضالة بأحياء البربر و هي جارية و تزوجها فولدت و عند غيره من نسابة البربر أنه خرج فارا من أخيه عمر بن قيس و في ذلك تقول تماضر و هي أخته :
( لتبكي كل باكية أخاها ... كما أبكي على بر بن قيس )
( تحمل عن عشيرته فأضحى ... و دون لقائه أنضاء عيس )
و مما ينسب إلى تماضر أيضا
( و شطت ببر داره عن بلادنا ... و طوح بر نفسه حيث يمما )
( و ازرت ببر لكنة أعجمية ... و ما كان بر في الحجاز بأعجما )
( كأنا وبرا لم نقف بجيادنا ... بنجد و لم نقسم نهابا و مغنما )
و أنشد علماء البربر لعبيدة بن قيس العقيلي :
( ألا أيها الساعي لفرقة بيتنا ... توقف هداك الله سبل الأطايب )
( فاقسم أنا و البرابر إخوة ... نمانا و هم جد كريم المناضب )
( أبونا أبوهم قيس عيلان في الورى ... و في حومة يشفى غليل المحارب )
( فنحن و هم ركن منيع و إخوة ... على رغم أعداء لئام المغاقب )
( فإن لبر ما بقي الناس ناصرا ... و بر لنا ركن منيع المناكب )
( تعد لمن عادى شواذق حمرا ... و بيضا تقص الهام يوم التضارب )
( و بر بن قيس عصبة مضرية ... و في الفرع من أحسابها و الذوائب )
( و قيس قوام الدين في كل بلدة ... و خير معد عند حفظ المناسب )
( و قيس لها المجد الذي يقتدي به ... و قيس لها سيف حديد المضارب )
و ينشد أيضا أبيات ليزيد بن خالد يمدح البربر :
( أيها السائل عنا أصلنا ... قيس عيلان بنو العز الأول )
( نحن ما نحن بنو بر القوى ... عرف المجد و في المجد دخل )
( و ابتنى المجد فاورى زنده ... و كفانا كل خطب ذي جلل )
( إن قيسا يعتزي بر لها ... و لبر يعتزي قيس الأجل )
( و لنا الفخر بقيس أنه ... جدنا الأكبر فكاك الكبل )
( إن قيسا قيس عيلان هم ... معدن الحق على الخير دلل )
( حسبك البربر قومي أنهم ... ملكوا الأرض بأطراف الأسل )
( و ببيض نضرب الهام بها ... هام من كان عن الحق نكل )
( أبلغوا البربر عني مدحا ... حيك من جوهر شعر منتحل )
و عند نسابة البربر و حكاه البكري و غيره أنه كان لمضر ولدان إلياس و عيلان أمهما الرباب بنت جبده بن عمر بن معد بن عدنان فولد عيلان بن مضر قيسا و دهمان أما دهمان فولده قليل و هم أهل بيت من قيس يقال لهم بنو أمامة و كانت لهم بنت تسمى البهاء بنت دهمان و أما قيس بن عيلان فولد له أربعة بنين و هم سعد و عمر و أمهما مزنة بنت أسد بن ربيعة بن نزار و بر و تماضر و أمهما تمريغ بنت مجدل و مجدل بن عمار بن مصمود و كانت قبائل البربر يومئذ يسكنون الشام و يجاورون العرب في المساكن و يشاركونهم في المياه و المراعي و يصهرون إليهم فتزوج بر من قيس بنت عمه و هي البهاء بنت دهمان و حسده إخوته في ذلك و كانت أمه تمريغ من دهاة النساء فخشيت منهم عليه و بعثت بذلك إلى أخوالها سرا و رحلت معهم بولدها و زوجته إلى أرض البربر و هم إذ ذاك ساكنون بفلسطين وأكناف الشام فولدت البهاء لبر بن قيس ولدين : علوان و مادغيس فمات علوان صغيرا و بقي مادغيس فكان يلقب الأبتر و هو أبو البتر من البربر و من ولده جميع زناتة
قالوا و تزوج مادغيس من بر و هو الأبتر باحال بنت واطاس بن محمد بن مجدل بن عمار فولدت له زحيك بن مادغيس و قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد في الأنساب : اختلف الناس في أنساب البربر اختلافا كثيرا و أنسب ما قيل فيهم أنهم من ولد قبط بن حام لما نزل مصر خرج ابنه يريد المغرب فسكنوا عند آخر عمالة مصر و ذلك ما وراء برقة إلى البحر الأخضر مع بحر الأندلس إلى منقطع الرمل متصلين بالسودان فمنهم لواتة بأرض طرابلس و نزل قوم بقربها و هم نفزة ثم امتدت بهم الطرق إلى القيروان و ما وراءها إلى تاهرت إلى طنجة و سجلماسة إلى السوس الأقصى و هم طوائف صنهاجة و كتامة و زكالة و ركلاوة و فطواكة من هسكورة و مزطاوة و ذكر بعض أهل الآثار أن الشيطان نزغ بين بني حام و بني سام فوقعت بينهم مناوشات كانت الدبرة فيها لسام و بنيه و خرج سام إلى المغرب و قدم مصر و تفرق بنوه و مضى على وجهه يؤم المغرب حتى بلغ السوس الأقصى و خرج بنوه في إثره يطلبونه فكل طائفة من ولده بلغت موضعا و انقطع عنهم خبره فأقاموا بذلك الموضع و تناسلوا فيه و وصلت إليهم طائفة فأقاموا معهم و تناسلوا هنالك
و كان عمر حام أربعمائة و ثلاثا و أربعين سنة فيما ذكره البكري و قال آخرون : كان عمره خمسمائة و إحدى و ثلاثين سنة و قال السهيلي فيمن هو يعرب بن قحطان
قال : و هو الذي أجلى سام إلى المغرب بعد أن كان الجرمي من ولد قرط بن يافث هذا آخر الخلاف في أنساب البربر
و أعلم الله هذه المذاهب كلها مرجوحة و بعيدة من الصواب فأما القول بأنهم من ولد إبراهيم فبعيد لأن داود الذي قتل جالوت و كان البربر معاصرين له ليس بينه و بين إسحق بن إبراهيم أخي نعشان الذي زعموا أنه أبو البربر إلا نحو عشرة آباء ذكرناهم أول الكتاب
و يبعد أن تشعب النسل فيهم هذا التشعب و أما القول بأنهم من ولد جالوت أو العماليق و أنهم نقلوا من ديار الشام و انتقلوا فقول ساقط
يكاد يكون من أحاديث خرافة إذ مثل هذه الأمة المشتملة على أمم و عوالم ملأت جانب الأرض لا تكون منتقلة من جانب آخر و قطر محصور و البربر معروفون في بلادهم و أقاليمهم متحيزون بشعارهم من الأمم منذ الأحقاب المتطاولة قبل الإسلام
فما الذي يحوجنا إلى التعليق بهذه الترهات في شأن أوليتهم و يحتاج إلى مثله في كل جيل و أمة من العجم و العرب و أفريقش الذي يزعمون أنه نقلهم قد ذكروا أنه وجدهم بها و أنه تعجب من كثرتهم و عجمتهم و قال : ما أكثر بربرتكم فكيف يكون هذا الذي نقلهم ؟ و ليس بينه و بين ذي المغار من يتشعبون فيه إلى مثل ذلك إن قالوا أنه الذي نقلهم ؟ و أما القول أيضا بأنهم من حمير من ولد النعمان أو من مضر من ولد قيس بن عيلان فمنكر من القول و قد أبطله إمام النسابين و العلماء أبو محمد بن حزم و قال في كتاب الجمهرة ادعت طوائف من البربر أنهم من اليمن و من حمير و بعضهم ينسب إلى بربر بن قيس و هذا كله باطل لا شك فيه
و ما علم النسابون لقيس بن عيلان إبنا إسمه بر أصلا و ما كان لحمير طريق إلى بلاد البربر إلا في تكاذيب مؤرخي اليمن
و أما ما ذهب إليه ابن قتيبة أنهم من ولد جالوت و أن جالوت من ولد قيس بن عيلان فأبعد عن الصواب فإن قيس عيلان من ولد معد
و قد قدمنا أن معدا كان معاصرا لبختنصر و أن أرمياء النبي خلص به إلى الشام حذرا عليه من بختنصر حين سلط على العرب و بختنصر هو الذي خرب بيت المقدس بعد بناء داود و سليمان إياه بأربعمائة و خمسين سنة و نحوها فيكون معد بعد داود بمثل هذا الأمد فكيف يكون ابنه قيس أبا لجالوت المعاصر لداود ؟ هذا في غاية البعد و أظنها غفلة من ابن قتيبة و وهما
و الحق الذي لا ينبغي التعديل إلا على غيره في شأنهم أنهم من ولد كنعان بن حام بن نوح كما تقدم في أنساب الخليفة و أن اسم أبيهم مازيغ و إخوتهم أركيش و فلسطين إخوانهم بنو كسلوحيم بن مصرايم بن حام و ملكهم جالوت سمة معروفة له
و كانت بين فلسطين هؤلاء و بين بني إسرائيل بالشام حروب مذكورة و كان بنو كنعان و واكريكيش شيعا لفلسطين فلا يقعن في وهمك غير هذا فهو الصحيح الذي لا يعدل عنه و لا خلاف بين نسابة العرب أن شعوب البربر الذي قدمنا ذكرهم كلهم من البربر إلا صنهاجة و كتامة فإن بين نسابة العرب خلافا و المشهور أنهم من اليمنية و أن أفريقش لما غزا أفريقية أنزلهم بها و أما نسابة البربر فيزعمون في بعض شعوبهم أنهم من العرب مثل لواتة يزعمون أنهم من حمير و مثل هوارة يزعمون أنهم من كندة من السكاسك و مثل زناتة تزعم نسابتهم أنهم من العمالقة فروا أمام بني إسرائيل و ربما يزعمون فيهم أنهم من بقايا التبابعة و مثل عمارة أيضا و زواوة و مكلاتة يزعم في هؤلاء كلهم نسابتهم أنهم من حمير حسبما نذكره عند تفصيل شعوبهم في كل فرقة منهم و هذه كلها مزاعم و الحق الذي شهد به المواطن و العجمة أنهم بمعزل عن العرب إلا ما تزعمه نسابة العرب في صنهاجة و كتامة
و عندي أنهم من إخوانهم و الله أعلم
و قد انتهى بنا الكلام إلى أنسابهم و أوليتهم فلنرجع إلى تفصيل شعوبهم و ذكرهم أمة بعد أمة و نقتصر على ذكره من كانت له منهم دولة ملك أو سالف شهرة أو تشعب نسل في العالم و عدد لهذا العهد و ما قبله من صنفي البرانس و البتر منهم و ترتيبهم شعبا
هذا الجيل من الآدميين هم سكان المغرب القديم ملؤا البسائط و الجبال من تلوله و أريافه و ضواحيه و أمصاره يتخذون البيوت من الحجارة و الطين و من الخوص و الشجر و من الشعر و الوبر و يظعن أهل العز منهم و الغلبة لانتجاع المراعي فيما قرب من الرحلة لا يجاوزون فيها الريف إلى الصحراء و القفار الأملس و مكاسبهم الشاء و البقر و الخيل في الغالب للركوب و النتاج و ربما كانت الإبل من مكاسب أهل النجعة منهم شأن العرب و معاش المستضعفين منهم بالفلح و دواجن السائمة و معاش المعتزين أهل الانتجاع و الأظعان في نتاج الإبل و ظلال الرماح و قطع السابلة و لباسهم و أكثر أثاثهم من الصوف يشتملون الصماء و بالأكسية المعلمة و يفرغون عليه البرانس الكحل و رؤسهم في الغالب حاسرة و ربما يتعاهدونها بالحلق و لغتهم من الرطانة الأعجمية متميزة بنوعها و هي التي اختصوا من أجلها بهذا الإسم
يقال : إن أفريقش بن قيس بن صيفي من ملوك التبابعة لما غزا المغرب و أفريقية و قتل الملك جرجيس و بنى المدن و الأمصار و باسمه زعموا سميت أفريقية لما رأى هذا الجيل من الأعاجم و سمع رطانتهم و وعى اختلافها و تنوعها تعجب من ذلك و قال : ما أكثر بربرتكم فسموا بالبربر و البربرة بلسان العرب هي اختلاط الأصوات غير مفهومة و منه يقال بربر الأسد إذا زأر بأصوات غير مفهومة
و أما شعوب هذا الجيل و بطونهم فإن علماء النسب متفقون على أنهم يجمعهم جذمان عظيمان و هما برنس و ماذغيس و يلقب ماذغيس بالأبتر فلذلك يقال لشعوبه البتر و يقال لشعوب برنس البرانس و هما معا إبنا برنس و بين النسابين خلاف هل هما لأب و احد ؟ فذكر ابن حزم عن أيوب بن أبي يزيد صاحب الحمار أنهما لأب واحد على ما حدثه عنه يوسف الوراق و قال سالم بن سليم المطماطي و صابى بن مسرور الكومي و كهلان بن أبي لوا و هم نسابة البربر : إن البرانس بتر و هم من نسل مازيغ بن كنعان و البتر بنو بر بن قيس بن عيلان و ربما نقل ذلك عن أيوب بن أبي يزيد إلا أن رواية ابن حزم أصح لأنه أوثق
( و أما ) شعوب البرانس فعند النسابين أنهم يجمعهم سبعة أجذام و هي ازداجة و مصمودة و أوربة و عجيسة و كتامة و صنهاجة و أوريغة و زاد سابق بن سليم و أصحابه : لمطة و هسكورة و كزولة و قال أبو محمد بن حزم : يقال إن صنهاج و لمط إنما هما إبنا امرأة يقال لها بصكي و لا يعرف لهما أب تزوجها أوريغ فولدت له هوار فلا يعرف لهما أكثر من أنهما أخوان لهوار من أمه قال : و زعم قوم من أوريغ أنه ابن خبوز بن المثنى بن السكاسك من كندة و ذلك باطل
و قال الكلبي : إن كتامة و صنهاجة ليستا من قبائل البربر و إنما هما من شعوب اليمانية تركهما أفريقش بن صيفي بأفريقية مع من نزل بها من الحامية هذه جماع مذاهب أهل التحقيق في شأنهم فمن ازداجة مسطاطه ومن مصمودة غمارة بنو غمار بن مصطاف بن مليل بن مصمود ومن أوريغة هوارة و ملك و مغد و قلدن فمن هوار بن أوريغ مليلة و بنو كهلان و من ملك بن أوريغ صطط و ورفل واسيل و مسراتة و يقال لجميعهم لهانة بنو لهان بن ملك و يقال إن مليلة منهم و من مغد بن أوريغ ماواس و زمور و كبا و مصراي ومن قلدن بن أوريغ ممصاتة و ورسطيف و بيانة و فل مليلة
( و أما شعوب البتر ) و هم بنو مادغيس الأبتر فيجمعهم أربعة أجذام أداسة و نفوسة و ضرية وبنو لوا الأكبر و كلهم بنو زحيك بن مادغيس فأما أداسة بنو أداس بن زحيك فبطونهم كلها في هوارة لأن أم أداس تزوجها بعد زحيك أوريغ ابن عمه برنس والد هوارة فكان أداس أخا لهوارة و دخل نسب بنيه كلهم في هوارة و هم سفارة و اندارة و هنزولة و ضرية و هداغة و أوطيطة و ترهتة هؤلاء كلهم بنو أداس بن زحيك بن باذغيس و هم اليوم في هوارة
و أما لو الأكبر فمنه بطنان عظيمان و هما نفزاوة بنو نفزا و ابن الأكبر و لواتة بنو لو الأصغر ابن لوا الأكبر فخلفه أبوه حملا فسمي به فمن لواته أكوزة و عتروزة و بنو فاصلة ابن لوا الأصغر و منهم مزاته بنو زاير بن لوا الأصغر و مغانة و جدانة بنو كطوف بن لوا الأصغر
و من لواتة سرداتة بنو نيطط بن لوا الأصفر و دخل نسب سرداتة في مغراوة قال أبو محمد بن حزم :
كان مغراوة تزوج أم سرداتة فسار سرداته أخا بني مغراوة لأمهم و اختلط نسبه بهم و من نفزاوة أيضا بطون كثيرة و هم و لهاصة و غساسة و زهلة و سوماتة و ورسيف و مرنيزة و زاتيمة و وركول و مرسينة و وردغروس و وردن كلهم بنو تطوفت من نفزاوة
و زاد ابن سابق و أصحابه مجر و مكلاتة و قال : و يقال إن مكلاتة ليس من البربر و أنه من حمير وقع إلى تطوفت صغيرا فتبناه و هو مكلا بن ريمان بن كلاع حاتم بن سعد بن حمير و لو لهاصة من نفزاوة بطون كثيرة من بيزغاش و دحية إبني ولهاص فمن بيزغاش بطون و رمجوسة و هم : رجال و طو وبورغيش و وانجذ و كرطيط و ما أنجول و سينتت بنو رفجوم بن بيزغاش بن ولهاص ابن تطوفت بن نغزاو
قال ابن سابق و أصحابه : و بنو بيزغاش من لواتة كلهم بجبال أوراس و من دحية و رترين و تريرو و رتبونت و مكرا و لقوس بنو دحية بن ولهاص بن تطوفت بن نغزاو و أما ضرية و هم بنو ضري بن زحيك بن مادغيس الأبتر فيجمعهم جذمان عظيمان : بنو تمصيت بن ضري و بنو يحيى بن ضري
و قال سابق و أصحابه أن بطون تمصيت كلها من فاتن بن تمصيت و أنهم اختصوا بنسب ضرية دون بطون يحيى فمن بطون تمصيت مطماطة و صطفورة و هم لحومية و للماية و مطغرة و مرينة و مغيلة و معزوزة و كشاتة و دونة و مديونة كلهم بنو فاتن بن تمصيت بن ضري و من بطون يحيى : زناتة كلهم و سمكان و ورصطف
فمن ورصطف : مكناسة و أوكتة و ورتناج بنو ورصطف بن يحيى فمن مكناسة و رثيفة و وربر و من معليت قنصارة و موالات و حرات و رفلابس و من ملزلولاين و لرتر و يصلتن و جرير و فرغان و من روتناج مكنسة و مطاسة و كرسطة و سردجة و هناطة و فولان بنو ورتناج بن صطف و من سمكان زواغة و زواوة بنو سمكان بن يحيى و عن ابن حزم بعد زواوة التي بالواو في كتامة و هو أظهر و يشهد له الوطن
فالغالب أن زواوة بنو سمكان بن يحيى و عن ابن حزم : بعد زواوة التي بالواو في بطون كتامة و التي تعد في سمكان هي التي بالزاي و هي قبيلة معروفة و من زواغة بنو ماجر و بنو واطيل و سمكين و سيأتي الكلام فيهم مستوفي عند ذكرهم إن شاء الله تعالى
هذا آخر الكلام في شعوب هذا الجيل مجملا و لا بد من تفصيل فيه عند تفصيل أخبارهم
و أما إلى من يرجع نسبهم من الأمم الماضية فقد اختلف النسابون في ذلك اختلافا كثيرا و بحثوا فيه طويلا فقال بعضهم : أنهم من ولد إبراهيم عليه السلام من نقشان إبنه و قد تقدم ذكره عند ذكر إبراهيم عليه السلام و قال آخرون :
البربر يمنيون و قالوا أوزاع من اليمن و قال المسعودي : من غسان و غيرهم تفرقوا عندما كان من سيل العرم و قيل : تخلفهم أبرهة ذو المنار بالمغرب و قيل من لخم و جذام كانت منازلهم بفلسطين و أخرجهم منها بعض ملوك فارس فلما وصلوا إلى مصر منعتهم ملوك مصر النزول فعبروا النيل و انتشروا في البلاد و قال أبو عمر بن عبد البر : ادعت طوائف من البربر أنهم من ولد النعمان بن حمير بن سبأ قال :
و رأيت في كتاب الاسفنداد الحكيم : أن النعمان بن حمير بن سبأ كان ملك زمانه في الفترة و أنه استدعى أبناءه و قال لهم : أريد أن أبعث منكم للمغرب من يعمره فراجعوه في ذلك و زعم عليهم و أنه بعث منهم لمت أبا لمتونة و مسفو أبا مسوفة و مرطا أبا هسكورة و أصناك أبا صنهاجة و لمط أبا لمطة و إيلان أبا هيلانه فنزل بعضهم بجبل درن و بعضهم بالسوس و بعضهم بدرعه
و نزل لمط عند كزول و تزوج إبنته و نزل جانا و هو أبو زناتة بوادي شلف و نزل بنو ورتجين و مغراو بأطراف أفريقية من جهة المغرب و نزل مقرونك بمقربة من طنجة
و الحكاية أنكرها أبو عمرو بن عبد البر و أبو محمد بن حزم و قال آخرون إنهم كلهم من قوم جالوت و قال علي بن عبد العزيز الجرجاني النسابة في كتاب الأنساب له : لا أعلم قولا يؤدي إلى الصحة إلا قول من قال إنهم من ولد جالوت و لم ينسب جالوت ممن هو و عند ابن قتيبة أنه و نور بن هربيل بن حديلان بن جالود بن رديلان بن حظي بن زياد بن زحيك بن مادغيس الأبتر و نقل عنه أيضا أنه جالوت بن هريال بن جالود بن دنيال بن قحطان بن فارس قال : و فارس مشهور و سفك أبو البربر كلهم قالوا : و البربر قبائل كثيرة و شعوب جمة و هي هوارة و زناتة و ضرية و مغيلة و زيحوحة و نفزة و كتامة و لواتة و غمارة و مصمودة و صدينه و يزدران و دنجين و صنهاجة و مجكسة و واركلان و غيرهم و ذكر آخرون منهم الطبري و غيره أن البربر أخلاط من كنعان و العماليق فلما قتل جالوت تفرقوا في البلاد و أغزى أفريقش المغرب و نقلهم من سواحل الشام و أسكنهم أفريقية و سماهم بربر و قيل إن البربر من ولد حام بن نوح بن بربر بن تملا بن مازيغ بن كنعان بن حام و قال الصولي : هم من ولد بربر من كسلاجيم بن مسراييم بن حام و قيل من العمالقة من بربر بن تملا بن مارب بن قاران بن عمر بن عملاق بن لاود بن إرم بن سام و على هذا القول فهم عمالقة و قال مالك بن المرحل : البربر قبائل شتى من حمير و مضر و القبط و العمالقة و كنعان و قريش تلاقوا بالشام و لغطوا فسماهم أفريقش البربر لكثرة كلامهم و سبب خروجهم عند المسعودي و الطبري و السهيلي :
أن أفريقش استجاشهم لفتح أفريقية و سماهم البربر و ينشدون من شعره :
( بربرت كنعان لما سقتها ... من أراضي الضنك للعيش الخصيب )
و قال ابن الكلبي : اختلف الناس فيمن أخرج البربر من الشام فقيل داود بالوحي قيل : يا داود أخرج البربر من الشآم فانهم جذام الأرض و قيل يوشع بن نون و قيل أفريقش و قيل بعض الملوك التبابعة و عند البكري أن بني إسرائيل أخرجوهم عند قتل جالوت و للمسعودي و البكري أنهم فروا بعد موت جالوت إلى المغرب و أرادوا مصر فأجلتهم القبط فسكنوا برقة و أفريقية و المغرب على حرب الإفرنج و الأفارقة و أجازوهم على صقلية و سردانية و ميورقة و الأندلس ثم اصطلحوا على أن المدن للإفرنجة و سكنوا القفار عصورا في الخيام و انتجاع الأمصار من الإسكندرية إلى البحر و إلى طنجة و السوس حتى جاء الاسلام و كان منهم من تهود و من تنصر و آخرون مجوسا يعبدون الشمس و القمر و الأصنام و لهم ملوك و رؤساء و كان بينهم و بين المسلمين حروب مذكورة و قال الصولي البكري أن الشيطان نزغ بين بني حام و بني سام فانجلى بنو حام إلى المغرب و نسلوا به و قال أيضا إن حام لما اسود بدعوة أبيه فر إلى المغرب حياء و اتبعه بنوه و هلك عن أربعمائة سنة و كان من ولده بربر بن كسلاجيم فنسل بنوه بالمغرب قال : و انضاف إلى البربر حيان من المغرب يمنيان عند خروجهم من مأرب كتامة و صنهاجة قال : و هوارة و لمطة و لواتة بنو حمير بن سبأ و قال هانىء بن بكور الضريسي و سابق بن سليمان المطماطي و كهلان بن أبي لؤي و أيوب بن أبي يزيد و غيرهم من نسابة البربر أن البربر فرقتان كما قدمناه و هما :
البرانس و البتر فالبتر من ولد بر بن قيس بن عيلان و البرانس بنو بربر سحو بن أبزج بن جمواح بن ويل بن شراط بن ناح بن دويم بن داح بن ماريغ بن كنعان بن حام و هذا هو الذي يعتمده نسابة البربر قال الطبري : خرج بربر بن قيس ينشد ضالة بأحياء البربر و هي جارية و تزوجها فولدت و عند غيره من نسابة البربر أنه خرج فارا من أخيه عمر بن قيس و في ذلك تقول تماضر و هي أخته :
( لتبكي كل باكية أخاها ... كما أبكي على بر بن قيس )
( تحمل عن عشيرته فأضحى ... و دون لقائه أنضاء عيس )
و مما ينسب إلى تماضر أيضا
( و شطت ببر داره عن بلادنا ... و طوح بر نفسه حيث يمما )
( و ازرت ببر لكنة أعجمية ... و ما كان بر في الحجاز بأعجما )
( كأنا وبرا لم نقف بجيادنا ... بنجد و لم نقسم نهابا و مغنما )
و أنشد علماء البربر لعبيدة بن قيس العقيلي :
( ألا أيها الساعي لفرقة بيتنا ... توقف هداك الله سبل الأطايب )
( فاقسم أنا و البرابر إخوة ... نمانا و هم جد كريم المناضب )
( أبونا أبوهم قيس عيلان في الورى ... و في حومة يشفى غليل المحارب )
( فنحن و هم ركن منيع و إخوة ... على رغم أعداء لئام المغاقب )
( فإن لبر ما بقي الناس ناصرا ... و بر لنا ركن منيع المناكب )
( تعد لمن عادى شواذق حمرا ... و بيضا تقص الهام يوم التضارب )
( و بر بن قيس عصبة مضرية ... و في الفرع من أحسابها و الذوائب )
( و قيس قوام الدين في كل بلدة ... و خير معد عند حفظ المناسب )
( و قيس لها المجد الذي يقتدي به ... و قيس لها سيف حديد المضارب )
و ينشد أيضا أبيات ليزيد بن خالد يمدح البربر :
( أيها السائل عنا أصلنا ... قيس عيلان بنو العز الأول )
( نحن ما نحن بنو بر القوى ... عرف المجد و في المجد دخل )
( و ابتنى المجد فاورى زنده ... و كفانا كل خطب ذي جلل )
( إن قيسا يعتزي بر لها ... و لبر يعتزي قيس الأجل )
( و لنا الفخر بقيس أنه ... جدنا الأكبر فكاك الكبل )
( إن قيسا قيس عيلان هم ... معدن الحق على الخير دلل )
( حسبك البربر قومي أنهم ... ملكوا الأرض بأطراف الأسل )
( و ببيض نضرب الهام بها ... هام من كان عن الحق نكل )
( أبلغوا البربر عني مدحا ... حيك من جوهر شعر منتحل )
و عند نسابة البربر و حكاه البكري و غيره أنه كان لمضر ولدان إلياس و عيلان أمهما الرباب بنت جبده بن عمر بن معد بن عدنان فولد عيلان بن مضر قيسا و دهمان أما دهمان فولده قليل و هم أهل بيت من قيس يقال لهم بنو أمامة و كانت لهم بنت تسمى البهاء بنت دهمان و أما قيس بن عيلان فولد له أربعة بنين و هم سعد و عمر و أمهما مزنة بنت أسد بن ربيعة بن نزار و بر و تماضر و أمهما تمريغ بنت مجدل و مجدل بن عمار بن مصمود و كانت قبائل البربر يومئذ يسكنون الشام و يجاورون العرب في المساكن و يشاركونهم في المياه و المراعي و يصهرون إليهم فتزوج بر من قيس بنت عمه و هي البهاء بنت دهمان و حسده إخوته في ذلك و كانت أمه تمريغ من دهاة النساء فخشيت منهم عليه و بعثت بذلك إلى أخوالها سرا و رحلت معهم بولدها و زوجته إلى أرض البربر و هم إذ ذاك ساكنون بفلسطين وأكناف الشام فولدت البهاء لبر بن قيس ولدين : علوان و مادغيس فمات علوان صغيرا و بقي مادغيس فكان يلقب الأبتر و هو أبو البتر من البربر و من ولده جميع زناتة
قالوا و تزوج مادغيس من بر و هو الأبتر باحال بنت واطاس بن محمد بن مجدل بن عمار فولدت له زحيك بن مادغيس و قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد في الأنساب : اختلف الناس في أنساب البربر اختلافا كثيرا و أنسب ما قيل فيهم أنهم من ولد قبط بن حام لما نزل مصر خرج ابنه يريد المغرب فسكنوا عند آخر عمالة مصر و ذلك ما وراء برقة إلى البحر الأخضر مع بحر الأندلس إلى منقطع الرمل متصلين بالسودان فمنهم لواتة بأرض طرابلس و نزل قوم بقربها و هم نفزة ثم امتدت بهم الطرق إلى القيروان و ما وراءها إلى تاهرت إلى طنجة و سجلماسة إلى السوس الأقصى و هم طوائف صنهاجة و كتامة و زكالة و ركلاوة و فطواكة من هسكورة و مزطاوة و ذكر بعض أهل الآثار أن الشيطان نزغ بين بني حام و بني سام فوقعت بينهم مناوشات كانت الدبرة فيها لسام و بنيه و خرج سام إلى المغرب و قدم مصر و تفرق بنوه و مضى على وجهه يؤم المغرب حتى بلغ السوس الأقصى و خرج بنوه في إثره يطلبونه فكل طائفة من ولده بلغت موضعا و انقطع عنهم خبره فأقاموا بذلك الموضع و تناسلوا فيه و وصلت إليهم طائفة فأقاموا معهم و تناسلوا هنالك
و كان عمر حام أربعمائة و ثلاثا و أربعين سنة فيما ذكره البكري و قال آخرون : كان عمره خمسمائة و إحدى و ثلاثين سنة و قال السهيلي فيمن هو يعرب بن قحطان
قال : و هو الذي أجلى سام إلى المغرب بعد أن كان الجرمي من ولد قرط بن يافث هذا آخر الخلاف في أنساب البربر
و أعلم الله هذه المذاهب كلها مرجوحة و بعيدة من الصواب فأما القول بأنهم من ولد إبراهيم فبعيد لأن داود الذي قتل جالوت و كان البربر معاصرين له ليس بينه و بين إسحق بن إبراهيم أخي نعشان الذي زعموا أنه أبو البربر إلا نحو عشرة آباء ذكرناهم أول الكتاب
و يبعد أن تشعب النسل فيهم هذا التشعب و أما القول بأنهم من ولد جالوت أو العماليق و أنهم نقلوا من ديار الشام و انتقلوا فقول ساقط
يكاد يكون من أحاديث خرافة إذ مثل هذه الأمة المشتملة على أمم و عوالم ملأت جانب الأرض لا تكون منتقلة من جانب آخر و قطر محصور و البربر معروفون في بلادهم و أقاليمهم متحيزون بشعارهم من الأمم منذ الأحقاب المتطاولة قبل الإسلام
فما الذي يحوجنا إلى التعليق بهذه الترهات في شأن أوليتهم و يحتاج إلى مثله في كل جيل و أمة من العجم و العرب و أفريقش الذي يزعمون أنه نقلهم قد ذكروا أنه وجدهم بها و أنه تعجب من كثرتهم و عجمتهم و قال : ما أكثر بربرتكم فكيف يكون هذا الذي نقلهم ؟ و ليس بينه و بين ذي المغار من يتشعبون فيه إلى مثل ذلك إن قالوا أنه الذي نقلهم ؟ و أما القول أيضا بأنهم من حمير من ولد النعمان أو من مضر من ولد قيس بن عيلان فمنكر من القول و قد أبطله إمام النسابين و العلماء أبو محمد بن حزم و قال في كتاب الجمهرة ادعت طوائف من البربر أنهم من اليمن و من حمير و بعضهم ينسب إلى بربر بن قيس و هذا كله باطل لا شك فيه
و ما علم النسابون لقيس بن عيلان إبنا إسمه بر أصلا و ما كان لحمير طريق إلى بلاد البربر إلا في تكاذيب مؤرخي اليمن
و أما ما ذهب إليه ابن قتيبة أنهم من ولد جالوت و أن جالوت من ولد قيس بن عيلان فأبعد عن الصواب فإن قيس عيلان من ولد معد
و قد قدمنا أن معدا كان معاصرا لبختنصر و أن أرمياء النبي خلص به إلى الشام حذرا عليه من بختنصر حين سلط على العرب و بختنصر هو الذي خرب بيت المقدس بعد بناء داود و سليمان إياه بأربعمائة و خمسين سنة و نحوها فيكون معد بعد داود بمثل هذا الأمد فكيف يكون ابنه قيس أبا لجالوت المعاصر لداود ؟ هذا في غاية البعد و أظنها غفلة من ابن قتيبة و وهما
و الحق الذي لا ينبغي التعديل إلا على غيره في شأنهم أنهم من ولد كنعان بن حام بن نوح كما تقدم في أنساب الخليفة و أن اسم أبيهم مازيغ و إخوتهم أركيش و فلسطين إخوانهم بنو كسلوحيم بن مصرايم بن حام و ملكهم جالوت سمة معروفة له
و كانت بين فلسطين هؤلاء و بين بني إسرائيل بالشام حروب مذكورة و كان بنو كنعان و واكريكيش شيعا لفلسطين فلا يقعن في وهمك غير هذا فهو الصحيح الذي لا يعدل عنه و لا خلاف بين نسابة العرب أن شعوب البربر الذي قدمنا ذكرهم كلهم من البربر إلا صنهاجة و كتامة فإن بين نسابة العرب خلافا و المشهور أنهم من اليمنية و أن أفريقش لما غزا أفريقية أنزلهم بها و أما نسابة البربر فيزعمون في بعض شعوبهم أنهم من العرب مثل لواتة يزعمون أنهم من حمير و مثل هوارة يزعمون أنهم من كندة من السكاسك و مثل زناتة تزعم نسابتهم أنهم من العمالقة فروا أمام بني إسرائيل و ربما يزعمون فيهم أنهم من بقايا التبابعة و مثل عمارة أيضا و زواوة و مكلاتة يزعم في هؤلاء كلهم نسابتهم أنهم من حمير حسبما نذكره عند تفصيل شعوبهم في كل فرقة منهم و هذه كلها مزاعم و الحق الذي شهد به المواطن و العجمة أنهم بمعزل عن العرب إلا ما تزعمه نسابة العرب في صنهاجة و كتامة
و عندي أنهم من إخوانهم و الله أعلم
و قد انتهى بنا الكلام إلى أنسابهم و أوليتهم فلنرجع إلى تفصيل شعوبهم و ذكرهم أمة بعد أمة و نقتصر على ذكره من كانت له منهم دولة ملك أو سالف شهرة أو تشعب نسل في العالم و عدد لهذا العهد و ما قبله من صنفي البرانس و البتر منهم و ترتيبهم شعبا