منقول عرب عاربة وعرب مستعرب
يشتهر القول بأن العرب الباقية قسمان عرب عاربة وعرب مستعربة, وهذا خطأ شائع وإن كان إصطلاحي ومن أوائل من قال به ابن الكلبي ودرج عليه من صنف بعد في التاريخ والأنساب والسيرة, وهوخطأ وذلك لعدة أمور منها:- 1-قد دلت الأدلة الصريحة الواضحة نقلياً وعقلياً على إبطال هذاالقول على إطلاقه, منها ما أخرج الطبراني في المعجم الأوسط عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله حين خلق الخلق بعث جبريل،فقسم الناس قسمين،فقسم العرب قسما، وقسم العجم قسما، وكانت خيرة الله في العرب، ثم قسم العرب قسمين، فقسم اليمن قسما، وقسم مضر قسما، وقسم قريشا قسما، وكانت خيرة الله في قريش، ثم أخرجني من خير ما أنا منه). قال الهيتمي في مبلغ الأرب : سنده حسن. فكيف يكون خير العرب من ليس منهم حقيقة! وكيف تكون عاصمة العرب الدينية ومركز سيادتهم شرفها الله مكة المكرمة وشؤونها والسيادة في الحجاز لقريش وإجازةالناس في الحج والتحكيم في أكبر وأشهر أسواقهم عكاظ في تميم وغيرها من الأمور, ويعترف لهم العرب بالسيادة ويتحاكمون إليهم ولايقبلون الإنضواء إلا تحت رايتهم كماقيل كمثال في سقيفة بني ساعده حين ذكر أبوبكر أن: (العرب لايدينون إلا لهذا الحي من قريش) فكيف يصنفون بهذا التصنيف! ولوكان هذاالكلام موجوداً لذكر ذلك في أشعارالعرب في الجاهلية وأخبارهم مع كثرة ما وقع من المعارك والأيام بينهم وسيادةالنعرات الجاهلية. 2- ينتمي لهذا الفرع أشرف قبائل العرب كقريش وتميم وكنانة وغيرهم وهذا التقسيم إذا أخذ على ظاهره يتعذر ويتنافى مع الأدلة الشرعية والعقليه والتاريخية. ومعلوم بالأدلة وعند العلماء وأهل السنة أن العرب بالجنس والجملة أفضل ثم تتسلسل الفضيلة كما ورد في الحديث الذي ذكرته آنفاً وغيره من الأدلة الشرعية فضلاً غير الأدلة العقلية والتاريخية, ومن فهم التقسيم على ظاهره كيف يكون أهل اليمن هم العرب الأصليون ثم يكون بنو عدنان الذين حصل فيهم اصطفاء الله تعالى لهم على العرب والخليقة وجعل النبوة والإمامة فيهم وإنزال الكتاب بلسانهم وجعل بيت الله الحرام بأيديهم وغير ذلك من الأمور, فهل يعقل من بيدهم كل هذا من سيادة وقيادة دينية وثقافية واقتصادية ويسلم لهم العرب بذلك وهم ليسوا بعرب أصلاً! هذا لايعقل فضلاً عن ما ذكرنا وغيره. وهذه القبائل أوالتفريعات التي فضلت بالجنس وبما فضلت به كما وردت الأحاديث في قريش وكنانة وتميم وغيرها, ولايعني هذا التفضيل أن يستغرق الأفراد فيكون كل فرد من أفرادها مفضل على كل فرد من أفراد غيرها, فالأفراد يتفاضلون بالإيمان والعمل الصالح والأخلاق الفاضلة, وإن كان للوراثة شيء من التأثير على الطباع والسجايا وهذا مثبت بأبحاث علمية محكمة تصدرعلى مستوى العالم وهو أمر مشاهد, مع غيرها من العوامل والظروف البيئية والإجتماعية وغيرها. ثم إن النسب ليس من كسب الإنسان ولم يحصل عليه بجهده وعرقه, بل هوعطية من الله واختيار كاللون والمظهر والثراء وغير ذلك, وهو من جنس تفضيل الرجال على النساء والإنس على الجن, فلا ينفعه في الآخره بلا إيمان وعمل صالح ولايعني ذلك الأشر والبطر والبغي على الناس والتكبر عليهم واحتقارهم بل على العكس, كما قال العلماء لاتشريف بلا تكليف قال تعالى: (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون) [الزخرف : 44] والرسول صلى الله عليه وسلم وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهو أشرف الخلق وسيد ولد آدم يقوم الليل حتى تتفطر قدماه, ويقول أفلا أكون عبداً شكورا وغيرها من الأدلة على ذلك. 3-وهو الأهم والأخطر إذا فهم التقسيم على ظاهره, أن يترتب على هذا القول أن نقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأدعياء على العرب! روى الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (رحم الله لوطًا كان يأوي إلى ركن شديد وما بعث الله بعده نبيا إلا في ذروة من قومه)) . وكما جاء في الحديث الصحيح قصة هرقل مع أبي سفيان رضي الله عنه وفيه حين قول هرقل وهو يعرف البشارات المبشرة برسول الله عليه الصلاة والسلام في كتبهم( كذلك الرسل تبعث في أحساب أقوامها ) ورسول الله عليه الصلاة والسلام شرف للعرب وبه سادوا على الناس والرسول عليه الصلاة والسلام بعث للبشر جميعاً فبعث من خير الأجناس العرب ثم من خير العرب عدنان ثم من مضر ثم من قريش ثم من خير قريش بني هاشم فهو خيار من خيارمن خيار من خيار. والإنتماء لإسماعيل ابن إبراهيم الخليل عليهما السلام مزية بل والعرب يسقط قدرهم إذا لم ينتسبوا لهذين النببين الكريمين عليهما السلام, ثم الأمم تدعي إبراهيم لنفسها كما جاء في كتاب الله قال تعالى : (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون)[آل عمران :65] وقد قال الله تعالى على لسان خليله عليه الصلاة والسلام: (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) [الشعراء:84]. قوله تعالى : واجعل لي لسان صدق في الآخرين قال ابن عباس : هو اجتماع الأمم عليه . وقال مجاهد : هوالثناء الحسن . قال ابن عطية : هو الثناء وخلد المكانة بإجماع المفسرين ; وكذلك أجاب الله دعوته ، وكل أمة تتمسك به وتعظمه ، وهو على الحنيفية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم . وقال مكي : وقيل معناه سؤاله: (( أن يكون من ذريته في آخر الزمان من يقوم الحق)) [ص : 106] فأجيبت الدعوة في محمد صلى الله عليه وسلم ، قال ابن عطية : وهذا معنى حسنإ لا أن لفظ الآية لا يعطيه إلا بتحكم على اللفظ . وقال القشيري : أراد الدعاء الحسن إلى قيام الساعة ; فأن زيادة الثواب مطلوبة في حق كل أحد . تفسيرالقرطبي لسورةالشعراء. وجاء في تفسير أحكام القرآن لابن عربي الأندلسي المسألة الثانية : قوله : { واجعل لي لسان صدق في الآخرين (يعني أن يجعل من ولده من يقوم بالحق من بعده إلى يوم الدين ; فقبلت الدعوة ولم تزل النبوة فيهم إلى محمد،ثم إلى يوم القيامة). وفي الحديث: ذكرت القبائل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن بني عامر فقال جمل أزهر يأكل من أطراف الشجر وسألوه عن هوازن فقال زهرة تنبع ماء وسألوه عن بني تميم فقال ثبت الأقدام رجح الأحلام عظماء الهام أشد الناس على الدجال في آخر الزمان هضبة حمراء لايضرها من ناوأها. الراوي: أبوهريرة المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحةأو الرقم: 10/46 خلاصةالدرجة: فيه سلام بن صبيح وثقه ابن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح. كما جاء في الأحاديث الصحيحة التي فيها الثناء على بني تميم أنهم من ولد إسماعيل وأشهرهاالحديث الصحيح الذي رواه البخاري من حديث أبي هريرة المشهور وغيره من الأحاديث, بل إنع روبة بني إسماعيل أوضح وأظهر من غيرهم وهو ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الخليقة حتى أهل الكتاب يعلمون ذلك ومتقرر في كتبهم, وإذا شككنا بهالشككنا بعروبة جذم العرب الآخر بطريق الأولى مع ما فيها من مخالفة للأدلة الشرعية والتاريخية والعقلية, بل قد يؤدي بصاحبه إلى الهلاك من حيث لايعلم لاسيما إذا ذكرت له الأدلة, وذلك إذا قلنا بنفي نسبتهم إلى إسماعيل كما هو المشهور. والمتقرر عندالعلماء وجميع المسلمين أن رسول الله عليه الصلاة والسلام خير الناس نفساً ونسباً وداراً ومعلوم عند العلماء أنه لم يفترق فرعين إلا كان عليه الصلاة والسلام من خيرها بالجملة. وبعض العلماء يرى أن القحطانيون من بني إسماعيل كما قال بذلك البخاري رحمه الله وغيره من أهل العلم ووردت بذلك بعض الأدلة يرجع إليها في مظانها, ولوقلنا بذلك لما كان التقسيم على خطئه له معنى كما هو ظاهر. ويرد إشكال إذا قلنا أن كل العرب من بني إسماعيل فبماذا يوجه الحديث الصحيح الذي جاء فيه سبي من خولان وسبي من بني العنبر وغيره من الأحاديث الثابتة, وماهي المزية لبني تميم إذاً في الإنتماءلإسماعيل عليه السلام إذا كان كل العرب من إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهماالسلام, وعلى كل حال لا يمنع أن يكون العرب من قسمين مختلفين. ومن قال أن العرب القحطانيون هم العرب الحقيقيون بحكم التقدم الزمني فهل كان كل أجدادهم إلى نوح عليه السلام عرباً !! أم أن الأمة العربية نشأت بعد, بغض النظر عن اللغة العربية لأن هناك خلاف بين العلماء والمؤرخون متى بدأ اللسان العربي. جاء في كتاب تاريخ العرب السياسي قبل الإسلام للدكتور علي معطي ما نصه ( ص: 96) : [ وإذا جاز لنا أن نقبل تقسيم العرب, إلى عرب بائدة وعرب باقية, على إعتبار أن ذلك واقع ملموس, ومعروف لدى جميع الخبراء والعلماء, ولدى العامة أيضاً. إلا أنه لا نجد مبرراً في إطلاق وصف عرب خلص على قسم من العرب, وعرب غير خلص على قسم آخر, خصوصاً وأن جميع المصادر ترجع أصل جميع العرب بشقيهم البائدة والباقية, إلى سام بن نوح] وقال في صفحة (170): [ وبعد قحطان جاء ابنه يعرب الذي كان أول من نطق باللغة العربية, التي تعلمها من العرب البائدة. ويقال إن أبا يعرب قحطان بن عابر هو أول من تكلم باللغة العربية التي تعلمها من العرب العاربة. وكان بنو قحطان معاصرين لإخوانهم من العرب العاربة] . [ويروي المؤرخون أن يعرب بن قحطان وجماعته تعربوا, عندما نزلوا اليمن واختلطوا بالناس هناك, أي أنهم اقتبسوا اللغة العربية من العرب العاربة التي بادت] ( تاريخ الطبري ج1 صفحة:203 – 205) ( تاريخ ابن الأثير ج1 ص: 87- 79) [ ويقال بأن يعرب كان يتكلم السريانية, فانعدل لسانه إلى العربية, فتعرب] ( تاريخ الطبري ج1صفحة : 205 -207) ويتحجج بعضهم بما ورد في المناهج القديمة والتي أشرف عليها > ويقولون كيف تأتي أنت لتنقض هذا الكلام, وأقول إنه ذكر في نفس المناهج التي تتحججون بها في نسب رسول الله عليه الصلاة والسلام مانصه : (وقريش من العرب والعرب من ذرية إسماعيل ابن إبراهيم عليهما السلام) والمشهور أن أهل اليمن ليسوا من إسماعيل فماذا يكونون؟ هذا إذا أغفلنا ما بينته فهي عليه لاله. وفي الحديث: أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل ، و هو ابن أربع عشرة سنة الراوي: علي بن أبي طالب المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 2581 خلاصةالدرجة: صحيح. وقد إتفق العلماء على أن عربية إسماعيل كانت أفصح من عربية العرب البائدة وعرب اليمن. وقال الشرفي بن قطامي" عربية إسماعيل كانت أفصح من عربية يعرب بن قحطان وبقايا حمير وجرهم". وقال العلامة أبو عمرو بن العلاء التميمي - وهو أحدالقراء السبعة - في ذلك"ما لسان حمير وأقاصي اليمن اليوم بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا". وقال النحاس رحمهالله تعالى "عربية إسماعيل هي التي نزل بها القرآن، وأما عربية حمير وبقايا جرهم فغير هذه العربية وليست فصيحة". وتتعدد تقسيمات العلماء للعرب وذهب ابن إسحاق والطبري إلى أن العاربة هم عاد وثمود وطسم وجديس وأميم وعبيل والعمالقة وعبد صنم وجرهم وحضرموت وحضوراء وبنو ثابر والسلف ومن في معناهم. والمستعربة بنو قحطان بن عابر، وبنو إسماعيل عليه السلام لأن لغةعابر وإسماعيل عليه السلام كانت عجمية. هذا والله أعلم.
الصور المرفقة الصور المرفقة
* نوع الملف: jpg imagesCA2M3RFG.jpg (13.8 كيلوبايت, 0 مشاهدات)