خطاب مفتوح إلى مرشحى الرئاسة.. وإلى الدكتور البرادعى
بقلم جمال البنا ٢٢/ ٦/ ٢٠١١
كان بودى أن أواصل الكتابة فى موضوع «الانفلات الأمنى»، لكن مجموعة من أصدقائى ممن أثق فى وطنيتهم وإخلاصهم ــ ألحوا علىَّ إلحاحًا شديدًا بأن أكتب مقالاً أقول فيه رأيًا صريحًا عن موضوع الرئاسة، ويكون بمناسبة صوتى فى معركة انتخابات الرئاسة، خاصة أننى لم أطأ بقدمى باب اللجان الانتخابية منذ عام ١٩٥٤ عند انتخاب جمال عبدالناصر رئيسًا للجمهورية، وقد دخلتها لأقول «لا»، وبعد هذا لم أطأ بقدمى أى لجنة انتخابية.
أريد أولاً أن أقول إن ثورة ٢٥ يناير التى خلّصتنا من عهد مبارك قد كشفت عن مدى الفساد واللصوصية اللذين كانت تُحكم بهما البلاد، وإن هؤلاء المجرمين استحوذوا على ثروات البلاد ولم يدعوا للثمانين مليوناً من سكانها شيئاً إلا ما يحول دون الموت جوعًا، وأن هذا - فيما أعتقد - سيحول دون أن يظهر مبارك آخر، فلن يجرؤ كائناً من كان - ولن يقبل الشعب كائناً من كان - على تكرار «المباركية».
ولكنه فى الوقت نفسه كشف عن جانب مهم، هو أنه ترك لمن سيرثه تركة ثقيلة، وقد استُنفدت الموارد وأوهن الإيمان بالقيم، واستتبع أو حل كل الهيئات، وأعاد اقتصاد البلاد إلى ما قبل طلعت حرب.
وإن هذه التركة الثقيلة تتطلب مقدرة غير عادية ليمكن التعامل معها والتغلب عليها والخلاص من آثارها السيئة.
وهذا هو أول مؤشر فى قضية مرشحى الرئاسة لأن معظم الذين رشحوا أنفسهم أشخاص لا تشوب أحدهم شائبة، ولكن القضية أننا لسنا بصدد انتخاب مجالس نيابية، وإنما نحن بصدد انتخاب رئيس واحد للجمهورية لينهض بها من أسوأ حالاتها ليصل بها إلى أفضل ما يمكن.
وأنا أقدر كل الذين تقدموا للترشح، ولكن ــ ليسمحوا لى.. إننى لم أجد فيهم من يمكن أن يملأ المنصب وينهض به، ففى المرشحين من يصلح نائبًا أو وزيرًا أو حتى رئيس وزراء ذلك أن المؤهلات المطلوبة لهذا المنصب تضم:
(١) أن يكون رجل دولة.. بمعنى أن يكون مثقفاً ثقافة موسوعية تمكّنه من أن يأخذ رؤية عامة، فعندما يصدر قرار فإنه يصدر عن أفق واسع وله معرفة بالتاريخ والجغرافيا والعالم المحيط به إحاطة لها أولوياتها، فمن يحيط أو تلتصق حدوده بحدود كمن يفصل بين المحيطات، وأن يلحظ أيضًا الماضى والمستقبل، وعادة ما يستكمل هذا المقوم بدراسة التاريخ وظهور وسقوط الدول والحضارات.
(٢) أن يكون شخصية دولية.. وهذا شرط قلما يتحقق فى معظم المرشحين، وقد اكتسب أهمية فى هذا العصر الذى تشابكت أجزاؤه وترابطت هيئاته، وهل كان يمكن لمبارك وهيلمانه أن يتلاعب مع البرادعى؟!
(٣) أن يكون مستعصيًا على الاستسلام لإغراء السلطة.. وأعظم إغراءات السلطة المال (وقد رأينا كيف كان نهب الأموال من أهم سوءات الحكم المباركى ومن أسباب سقوطه)، وكذلك الضعف أمام الجنس الآخر، كالذى يروى عن رئيسى فرنسا وإيطاليا، وألا يتملكه الزهو والغرور. إن الحصانة من هذه الإغراءات قد تكون مرتبطة بالتربية الأسرية والاجتماعية، كما قد تكون موهبة من الله.
(٤) أن يكون ذا خلق متين وشخصية مستقيمة راسخة.. وهو شرط قد لا يتطلب من هو أقل من رئاسة الجمهورية، ولكنه لازم لمن يريد أن يكون رئيسًا.
(٥) أن تكون ثقافته شاملة.. بمعنى ألا يكون فنيًا أو أيديولوجيًا، فمن الصعب ترشيح شيوعى محترف لرئاسـة الجمهورية، كما أنه من الصعب ترشيح شـيخ سـلفى لذلك، بل لا يصلح أن يكون أستاذ ذرة أو طبيعة.
وعندما نستعرض التاريخ فإننا نرى رجل الدولة فى «بسمارك»، الذى ضم الولايات الألمانية المفتتة ليقيم منها دولة ألمانيا التى نافست إنجلترا وفرنسا، ونجده فى «كافور» الذى وحد إيطاليا، ونجده فى محمد على الذى نهض بمصر من العدم.
وليست هذه كل الصفات التى يجب أن تتوفر فيمن يرشح رئيسًا للجمهورية، ولكن المجال لم يسمح بأكثر من ذلك.
وقد استعرضت معظم المرشحين، ففيهم قضاة على أعظم درجة من الاحترام، ولكن منصب رئاسة الجمهورية يختلف عن منصب القاضى، وفيهم رجال سياسة وأحزاب، والسياسة والحزبية لهما مهاتراتهما مما يؤثر على أشخاص قياداتهما، وهناك معسكر إسلامى كامل يضم الإخوان المسلمين والسلفية والصوفية والجماعة الإسلامية، وهؤلاء أقول لهم جميعًا بأعلى صوت «الإسلام رسالة هداية بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس ممارسة سياسية بذهب المعز وسيفه»، والله تعالى يقول «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» ولم يقل الذين آمنوا وعملوا أحزاباً، فلماذا لا تعكفون على الصالحات؟ ومؤكد أن العالم العربى لن يتقبل رئيسًا للجمهورية من الإخوان المسلمين، وقد يقال هذا لا يهمنا، ونحن لا نسمح لأحد بالتدخل... إلخ، ولكن هذا لا يمنع من أن انتخابه لن يكون عاملاً على تسيير العلاقات الدولية بنعومة وفهم، وإذا كان المعسكر الغربى قد قام قومة رجل واحد لانتصار حماس فى قطاع غزة الصغير، فهل يتقبل رئيسًا إخوانيًا أو إسلاميًا لمصر العظيمة.
إن أقرب المرشحين اكتسابًا للمؤهلات التى ذكرناها لمن يرشح نفسه رئيسًا لجمهورية مصر قد يكون هو السيد عمرو موسى، ولكن عمرو موسى سياسى مصرى محترف، أمضى حياته كلها فى كرّها وفرّها وتحايلاتها وكيف يخرج من مآزقها، ومثل هذا يصلح رئيسًا لوزارة، وربما رئيسًا لجمهورية فى دولة صغيرة مستقرة، أما أن ينهض بدولة خربها طاغية وأفسدها مجموعة من المجرمين ومطلوب إنهاضها باستلهام روح الإيمان والخدمة والولاء وبالقدرات والكفاءات البناءة، فهذه صفات لا تتوفر بالذات فى السيد عمرو موسى.
وقيل لى إن مما يؤخذ على الدكتور البرادعى أنه عاش فترة طويلة فى الغرب بعيدًا عن مصر، لكنى أرى أن هذه ميزة، لأن من يعش فترة طويلة فى الغرب يألف المجتمع الغربى وما به من نظام، والتزام بالقانون والواجب، واحترام لكرامة الإنسان، رجلاً أو امرأة.. غنيًا أو فقيرًا، ويتطبع بطباعهم من الدأب والعمل، وأهم من هذا لا يقبل ذرة من انتهاك لكرامة مواطن مهما كان، ولابد أن الدكتور البرادعى يحفظ بين برديه هذه الخلائق، ولا يخطر فى باله إذلال أناس، وهو بالطبع أفضل ممن عاش فى جو القهر وألفه وتقبله، والدكتور البرادعى يرفض من أعماقه، وبحكم إقامته الطويلة فى بلاد يسودها الاحترام، هذه الصور الصارخة من الفجاجة والوقاحة وسوء الأدب وانتهاك الكرامة، وهذا من أفضل ما يشفع له ويفضله على غيره.
وبعد كل هذا، فإذا كان إسقاط النظام والقضاء على «المباركية» هما ما مكننا من الترشيح، فهذا كله يعود إلى ثورة ٢٥ يناير، وإذا تساءلنا عن أى واحد قاوم التوريث ورفض عهد مبارك، وأصر على المبادئ السبعة، ولم يقبل أى محاولة لمهادنة ومساومة فإنه هو البرادعى، وقبل أن يأتى كانت قضية التوريث قد «استوت» وبدأت مراحلها الأخيرة، فما إن ظهر على المسرح حتى تهاوى كل ما أقاموه، وما كانت أى قوة أخرى يمكن أن تحقق هذا. لقد كان البرادعى - كما ذكرنا فى مقال سابق ــ «لقيّة من السماء»، وعاملاً من أهم عوامل نجاح ثورة ٢٥ يناير، وقد بدأها مع الشباب وسار معهم مسيرتهم كاملة، وكان نعم الوسيط بينهم وبين المجلس العسكرى، باختصار قدم أكثر مما قدمه أى واحد من المرشحين.
والله إنى لأعجب من السلفيين الذين يعيشون فى الماضى البعيد، ولا تتعدى وسيلتهم للتجديد هدم الضرائح، وتربية اللحى، والدعوة للنقاب، والذين رفضوا ثورة ٢٥ يناير.. كيف يتمسحون بها؟ وكيف يكوّنون حزبًا ويعينون مرشحًا؟ وهل يظنون أن مرشحًا سلفيًا يمكن أن يعادل برئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذى يفاوض كل ممثلى العالم ويظفر منهم بالاحترام.
إننى أدعو كل المرشحين إلى أن ينسوا أنفسهم ويذكروا المصلحة العليا، أن يؤخروا الذات ويقدموا الموضوع.. إنه لا يمسهم فى شىء أن يدعموا البرادعى وأن يضعوا أيديهم فى يده، لا أن يمضوا فى «اللعبة» إلى آخرها، ويحمّلوا أنفسهم والبلاد تكلفتها الثقيلة.
اختصروا الطريق، وأعطوا المحق حقه، وليضرب المرشحون مثلاً جديدًا فى إيثار المصلحة العليا على المصلحة الشخصية، ليبايعوا البرادعى، وليقولوا كما قال حافظ لشوقى: أمير القوافى قد أتيتُ مبايعًا.. وهذى وفود الشرق قد بايعت معى
بقلم جمال البنا ٢٢/ ٦/ ٢٠١١
كان بودى أن أواصل الكتابة فى موضوع «الانفلات الأمنى»، لكن مجموعة من أصدقائى ممن أثق فى وطنيتهم وإخلاصهم ــ ألحوا علىَّ إلحاحًا شديدًا بأن أكتب مقالاً أقول فيه رأيًا صريحًا عن موضوع الرئاسة، ويكون بمناسبة صوتى فى معركة انتخابات الرئاسة، خاصة أننى لم أطأ بقدمى باب اللجان الانتخابية منذ عام ١٩٥٤ عند انتخاب جمال عبدالناصر رئيسًا للجمهورية، وقد دخلتها لأقول «لا»، وبعد هذا لم أطأ بقدمى أى لجنة انتخابية.
أريد أولاً أن أقول إن ثورة ٢٥ يناير التى خلّصتنا من عهد مبارك قد كشفت عن مدى الفساد واللصوصية اللذين كانت تُحكم بهما البلاد، وإن هؤلاء المجرمين استحوذوا على ثروات البلاد ولم يدعوا للثمانين مليوناً من سكانها شيئاً إلا ما يحول دون الموت جوعًا، وأن هذا - فيما أعتقد - سيحول دون أن يظهر مبارك آخر، فلن يجرؤ كائناً من كان - ولن يقبل الشعب كائناً من كان - على تكرار «المباركية».
ولكنه فى الوقت نفسه كشف عن جانب مهم، هو أنه ترك لمن سيرثه تركة ثقيلة، وقد استُنفدت الموارد وأوهن الإيمان بالقيم، واستتبع أو حل كل الهيئات، وأعاد اقتصاد البلاد إلى ما قبل طلعت حرب.
وإن هذه التركة الثقيلة تتطلب مقدرة غير عادية ليمكن التعامل معها والتغلب عليها والخلاص من آثارها السيئة.
وهذا هو أول مؤشر فى قضية مرشحى الرئاسة لأن معظم الذين رشحوا أنفسهم أشخاص لا تشوب أحدهم شائبة، ولكن القضية أننا لسنا بصدد انتخاب مجالس نيابية، وإنما نحن بصدد انتخاب رئيس واحد للجمهورية لينهض بها من أسوأ حالاتها ليصل بها إلى أفضل ما يمكن.
وأنا أقدر كل الذين تقدموا للترشح، ولكن ــ ليسمحوا لى.. إننى لم أجد فيهم من يمكن أن يملأ المنصب وينهض به، ففى المرشحين من يصلح نائبًا أو وزيرًا أو حتى رئيس وزراء ذلك أن المؤهلات المطلوبة لهذا المنصب تضم:
(١) أن يكون رجل دولة.. بمعنى أن يكون مثقفاً ثقافة موسوعية تمكّنه من أن يأخذ رؤية عامة، فعندما يصدر قرار فإنه يصدر عن أفق واسع وله معرفة بالتاريخ والجغرافيا والعالم المحيط به إحاطة لها أولوياتها، فمن يحيط أو تلتصق حدوده بحدود كمن يفصل بين المحيطات، وأن يلحظ أيضًا الماضى والمستقبل، وعادة ما يستكمل هذا المقوم بدراسة التاريخ وظهور وسقوط الدول والحضارات.
(٢) أن يكون شخصية دولية.. وهذا شرط قلما يتحقق فى معظم المرشحين، وقد اكتسب أهمية فى هذا العصر الذى تشابكت أجزاؤه وترابطت هيئاته، وهل كان يمكن لمبارك وهيلمانه أن يتلاعب مع البرادعى؟!
(٣) أن يكون مستعصيًا على الاستسلام لإغراء السلطة.. وأعظم إغراءات السلطة المال (وقد رأينا كيف كان نهب الأموال من أهم سوءات الحكم المباركى ومن أسباب سقوطه)، وكذلك الضعف أمام الجنس الآخر، كالذى يروى عن رئيسى فرنسا وإيطاليا، وألا يتملكه الزهو والغرور. إن الحصانة من هذه الإغراءات قد تكون مرتبطة بالتربية الأسرية والاجتماعية، كما قد تكون موهبة من الله.
(٤) أن يكون ذا خلق متين وشخصية مستقيمة راسخة.. وهو شرط قد لا يتطلب من هو أقل من رئاسة الجمهورية، ولكنه لازم لمن يريد أن يكون رئيسًا.
(٥) أن تكون ثقافته شاملة.. بمعنى ألا يكون فنيًا أو أيديولوجيًا، فمن الصعب ترشيح شيوعى محترف لرئاسـة الجمهورية، كما أنه من الصعب ترشيح شـيخ سـلفى لذلك، بل لا يصلح أن يكون أستاذ ذرة أو طبيعة.
وعندما نستعرض التاريخ فإننا نرى رجل الدولة فى «بسمارك»، الذى ضم الولايات الألمانية المفتتة ليقيم منها دولة ألمانيا التى نافست إنجلترا وفرنسا، ونجده فى «كافور» الذى وحد إيطاليا، ونجده فى محمد على الذى نهض بمصر من العدم.
وليست هذه كل الصفات التى يجب أن تتوفر فيمن يرشح رئيسًا للجمهورية، ولكن المجال لم يسمح بأكثر من ذلك.
وقد استعرضت معظم المرشحين، ففيهم قضاة على أعظم درجة من الاحترام، ولكن منصب رئاسة الجمهورية يختلف عن منصب القاضى، وفيهم رجال سياسة وأحزاب، والسياسة والحزبية لهما مهاتراتهما مما يؤثر على أشخاص قياداتهما، وهناك معسكر إسلامى كامل يضم الإخوان المسلمين والسلفية والصوفية والجماعة الإسلامية، وهؤلاء أقول لهم جميعًا بأعلى صوت «الإسلام رسالة هداية بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس ممارسة سياسية بذهب المعز وسيفه»، والله تعالى يقول «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» ولم يقل الذين آمنوا وعملوا أحزاباً، فلماذا لا تعكفون على الصالحات؟ ومؤكد أن العالم العربى لن يتقبل رئيسًا للجمهورية من الإخوان المسلمين، وقد يقال هذا لا يهمنا، ونحن لا نسمح لأحد بالتدخل... إلخ، ولكن هذا لا يمنع من أن انتخابه لن يكون عاملاً على تسيير العلاقات الدولية بنعومة وفهم، وإذا كان المعسكر الغربى قد قام قومة رجل واحد لانتصار حماس فى قطاع غزة الصغير، فهل يتقبل رئيسًا إخوانيًا أو إسلاميًا لمصر العظيمة.
إن أقرب المرشحين اكتسابًا للمؤهلات التى ذكرناها لمن يرشح نفسه رئيسًا لجمهورية مصر قد يكون هو السيد عمرو موسى، ولكن عمرو موسى سياسى مصرى محترف، أمضى حياته كلها فى كرّها وفرّها وتحايلاتها وكيف يخرج من مآزقها، ومثل هذا يصلح رئيسًا لوزارة، وربما رئيسًا لجمهورية فى دولة صغيرة مستقرة، أما أن ينهض بدولة خربها طاغية وأفسدها مجموعة من المجرمين ومطلوب إنهاضها باستلهام روح الإيمان والخدمة والولاء وبالقدرات والكفاءات البناءة، فهذه صفات لا تتوفر بالذات فى السيد عمرو موسى.
وقيل لى إن مما يؤخذ على الدكتور البرادعى أنه عاش فترة طويلة فى الغرب بعيدًا عن مصر، لكنى أرى أن هذه ميزة، لأن من يعش فترة طويلة فى الغرب يألف المجتمع الغربى وما به من نظام، والتزام بالقانون والواجب، واحترام لكرامة الإنسان، رجلاً أو امرأة.. غنيًا أو فقيرًا، ويتطبع بطباعهم من الدأب والعمل، وأهم من هذا لا يقبل ذرة من انتهاك لكرامة مواطن مهما كان، ولابد أن الدكتور البرادعى يحفظ بين برديه هذه الخلائق، ولا يخطر فى باله إذلال أناس، وهو بالطبع أفضل ممن عاش فى جو القهر وألفه وتقبله، والدكتور البرادعى يرفض من أعماقه، وبحكم إقامته الطويلة فى بلاد يسودها الاحترام، هذه الصور الصارخة من الفجاجة والوقاحة وسوء الأدب وانتهاك الكرامة، وهذا من أفضل ما يشفع له ويفضله على غيره.
وبعد كل هذا، فإذا كان إسقاط النظام والقضاء على «المباركية» هما ما مكننا من الترشيح، فهذا كله يعود إلى ثورة ٢٥ يناير، وإذا تساءلنا عن أى واحد قاوم التوريث ورفض عهد مبارك، وأصر على المبادئ السبعة، ولم يقبل أى محاولة لمهادنة ومساومة فإنه هو البرادعى، وقبل أن يأتى كانت قضية التوريث قد «استوت» وبدأت مراحلها الأخيرة، فما إن ظهر على المسرح حتى تهاوى كل ما أقاموه، وما كانت أى قوة أخرى يمكن أن تحقق هذا. لقد كان البرادعى - كما ذكرنا فى مقال سابق ــ «لقيّة من السماء»، وعاملاً من أهم عوامل نجاح ثورة ٢٥ يناير، وقد بدأها مع الشباب وسار معهم مسيرتهم كاملة، وكان نعم الوسيط بينهم وبين المجلس العسكرى، باختصار قدم أكثر مما قدمه أى واحد من المرشحين.
والله إنى لأعجب من السلفيين الذين يعيشون فى الماضى البعيد، ولا تتعدى وسيلتهم للتجديد هدم الضرائح، وتربية اللحى، والدعوة للنقاب، والذين رفضوا ثورة ٢٥ يناير.. كيف يتمسحون بها؟ وكيف يكوّنون حزبًا ويعينون مرشحًا؟ وهل يظنون أن مرشحًا سلفيًا يمكن أن يعادل برئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذى يفاوض كل ممثلى العالم ويظفر منهم بالاحترام.
إننى أدعو كل المرشحين إلى أن ينسوا أنفسهم ويذكروا المصلحة العليا، أن يؤخروا الذات ويقدموا الموضوع.. إنه لا يمسهم فى شىء أن يدعموا البرادعى وأن يضعوا أيديهم فى يده، لا أن يمضوا فى «اللعبة» إلى آخرها، ويحمّلوا أنفسهم والبلاد تكلفتها الثقيلة.
اختصروا الطريق، وأعطوا المحق حقه، وليضرب المرشحون مثلاً جديدًا فى إيثار المصلحة العليا على المصلحة الشخصية، ليبايعوا البرادعى، وليقولوا كما قال حافظ لشوقى: أمير القوافى قد أتيتُ مبايعًا.. وهذى وفود الشرق قد بايعت معى