زي النهاردا كدا من 786 سنة، أنقذت مصر كل البشر من الإبادة الجماعية، في سهل عين جالوت؛ في وسط المسافة بين مدينة بيسان شمال ومدينة نابلس جنوب، هناك، في أرض فلسطين الحبيبة، من بعد صلاة فجر يوم الجمعة 25 رمضان 658 هـ، وقف "ركن الدين بيبرس البندقداري" على مقدمة الجيش المصري ظاهرة، حسب الخطة اللي وضعها "سيف الدين قطز" قبلها بيوم، يوم 24 رمضان، يستغل تضاريس المكان لمصلحته، فهو سهل واسع منبسط بتحاوطه التلال المتوسطة من كل جوانبه؛ إلا الجانب الشمالي منه المفتوح بممر ضيق، وتعلوه التلال الصخرية الحادة والأشجار والأحراش، دا يوفر مخبأً مناسب لجيشه تمكنه من عمل الكمائن على جوانبه، وتم ترتيب الجيش، وقام بوضع المقدمة ناحية السهل الشمالي، وعلى رأسها "بيبرس"، في مكان ظاهر عشان يغري جيش التتار بهجوم مش محسوب، اعتقادًا منهم إن المقدمة دي هي كل الجيش، في الوقت اللي كانت باقي القوات مختبئة وراء التلال، وبالفعل، ما إن أشرقت الشمس إلا وكانت جحافل التتار تملأ سهل عين جالوت، جاءت من الشمال كأنها أسراب من الجراد، يضربوا الدفوف وينفخون في المزامير والأبواق، تتزلزل الأرض تحت سنابك خيولهم، صطدموا بمقدمة الجيش بقيادة "بيبرس"، وأكلوا الطُعم، جواسيس التتار انخدعت واعتقدوا إن المقدمة القليلة دي هى كل الجيش، وبدأت تحركات الجيش المصري، الكتائب نزلت من فوق التلال للسهل على مراحل، أول كتيبة نزلت لمواجهة التتار كانت فرسان متوشحين باللون الأحمر والأبيض، بقيادة القائد "سنقر الرومي"، وبعدين كتيبة باللون الأصفر بقيادة "بلبان الرشيدي"، انتظر "ركن الدين بيبرس" بقواته على المدخل الشمالي لسهل عين جالوت، ووقف "سيف الدين قطز" يدير المعركة من قلب الجيش، وفي دماغه آلاف الذكريات اللي قادته للحظة دي..
بُص حضرتك، السلطان الخوارزمي "محمد بن خوارزمشاه تكش" صاحب مملكة قوية متاخمة لحدود السلاجقة والعباسيين، وكان على عداء مع الخليفة العباسي "أبو العباس أحمد الناصر"، وجهز جيش جرار لمهاجمة العاصمة بغداد، وقتها كان "جنكيز خان" خاقان المغول بيسعى لفتح علاقات تجارية معاه، بس "تكش" رفض، وسنة 1218م عبرت مجموعة صغيرة من المغول حدود الخوارزميين، كانوا بيطاردوا قائد عسكري هارب وبدأ التوتر يزيد على الحدود، في نفس الوقت وصل وفد تجار من المغول المسلمين لمدينة أوترار، لكن تم القبض عليهم بتهمة التجسس وصادروا بضاعتهم وتم اعتقال معظمهم واتقتل شوية وهرب الباقي، في نفس الوقت وصلت بغداد أخبار تحرك "تكش" ضد "أبو العباس"، فقام الخليفة بأكبر تصرف أحمق في تاريخ الخلافة، كلفها كتير، لما بعت رسايل ل"جنكيز خان"، بيقوله فيها إذا هاجم المغول الدولة الخوارزمية من الغرب هيقوم العباسيين بمهاجمتها من الغرب، "ابن الأثير" في "الكامل في التاريخ" ج9: "وَكَانَ سَبَبُ مَا يَنسُبَهُ العَجَمُ إِلَيْهِ صَحِيحًا مِن أَنَّهُ هُوَ مَن أَطْمَعَ التَّتَرَ فِي البِلَادِ وَرَاسَلَهُم فِي ذَلِك، فَهُوَ الطَّامَّةُ الكُبرَى الذِي يَصْغَرُ عِندَهَا كُلَّ ذنبٍ عَظِيمٍ"..
"جنكيز خان" عرف حكاية قتل التجار، فطلب تسليم حاكم المدينة له لكن "تكش" رفض، هنا ثار غضب "جنكيز خان" وقرر الانتقام منه، واجتاح الدولة الخوارزمية وسقطت خلال كم شهر من سنة 1220م، سيطر على إقليم ما وراء النهر واستولى على مدن بخارى وسمرقند العريقة ودخل إيران، وحاصر العاصمة "أورجاندا" لحد ما انهارت، وبعدين أرسل "جنكيز خان" 20,000 من فرسانه بيطلبوا رأس "تكش"، هرب الشاه، واتنقل من مدينة لمدينة ومن أرض لأرض ومن دولة لدولة، بتتساقط قواته وبتقل وهو مطارد مش لاقي مكان يتسع له، وكأن الكون كله بيرفضه، وراه آلاف القتلة بينفذوا اللي قاله لهم "جنكيز خان": "أطلبوا خوارزم شاه أينما كان ولو تعلق بالسماء".. ونجحت خطة "تكش" في فراره المخذي، اتفرقت عنه كله قواته وبقى نفر وحيد نائي، على جزيرة في وسط بحر قزوين، مجهولة، وهناك رضي بالبقاء في قلعة قديمة كانت مهجورة على شاطئ الجزيرة، عاش في فقر شديد وحياة صعبة، وها هو "محمد بن خوارزمشاه تكش"، يهرب من الموت للموت ذاته، لأنه بعد أيام مات في قلعة الجزيرة النائية المهجورة، والمؤرخين اختلفوا في مصير جثته، بعضهم قالوا إنه ما اتدفنش وبعضهم قال إنهم لقيوه على حاله فكفنوه في فراشه اللي كان نايم عليه ودفنوه مكانه، وانطوت صفحته، وتم التأكيد على إن وفاته كانت سنة 1220م..
مفيش حد يعرف مصير أسرة الشاه بشكل دقيق، معظم الرواه أكدت إن نساء بيته اتقتلوا وسط الهروب، وفيه قال إنهم اتقبض عليهم، ولكن فيه معلومات مؤكدة عن نجاة 3 من ولاده بالإضافة لابن أخوه، وصى الشاه للمقربين منه طول مدة الهروب إن ملكه يبقى لولي عهده، ابنه "جلال الدين"، وريث عرشه اللي شال المسؤولية في ظروف قاسية جدًا، اللي كانت دولته عبارة عن مدن متفرقة، ولكن المغول أكملوا اجتياحهم للدولة، وارتكبوا الفظائع في الشعب المسالم وأبادوا منه مئات الآلاف، وبعد كدا حاصروا مدينة خوارزم لمدة 5 شهور لحد ما سقطت هي كمان، فقتلوا كل شعبها وفتحوا سدود نهر جيحون وأغرقوا المدينة، وكان في الوقت دا "جلال الدين" في مدينة غزنة اللي كان والي عليها أثناء حكم أبوه، فبدأ منها القتال لتحرير أرضه.. لما حاول المغول يهاجموها فاجأهم "جلال الدين بهجوم خاطف سنة 1221م، هزمهم وفرق شملهم وكسر شوكتهم وشتتهم، كان انتصار عزيز زاد من ثقته في استعادة ملكه، وفعلًا هاجم البلاد واستردها، كان عضد السلطان "جلال الدين" خلال المعارك دي هو زوج أخته وابن عمه الأمير "ممدود بن خوارزمشاه"، كانت زوجة السلطان وأخته الاتنين حوامل، في يوم ضرب السلطان الودع عند واحدة عرّافة قالت له أنه هيغلب المغول وهيغلبوه، وإنه هيتولد في البيت بتاعه ولد هيهزم المغول هزيمة ساحقة، اتولدوا مع بعض، الأمير "محمود" والأميرة "جهاد"، الشاه "خوازمشاه تكش" يبقى جدهم، الأميرة "جهاد" تبقى بنت الملك "جلال الدين بن خوارزمشاه"، والأمير "محمود" يبقى ابن الأمير "ممدود".. اقرأ المقال دا: https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=698194974503041&id=100029376351171&mibextid=Nif5oz
الدكتور "قاسم عبده قاسم" قال في كتابه "السلطان المظفر سيف الدين قطز بطل معركة عين جالوت" إنه مولود في الأسرة الحاكمة بمملكة خوارزمشاه، هو يبقى ابن الأمير "ممدود" ابن عم وزوج أخت السلطان "جلال الدين الخوارزمي"، لكن شخصية الأميرة "جهاد" دي عليها خلاف، أيوة، عندك مثلًا المقريزي في السلوك وابن تغري في النجوم الزاهرة، مفيش لهم أي ذكر لواحدة اسمها "جهاد" أصلًا، ومعظم المؤرخين قالوا إن شخصية "جلنار حب الرمان" كانت من خيال "علي أحمد باكثير"، اللي لازم تعرفه إن الأمير "ممدود الخوارزمي" شارك "جلال الدين" في قتاله للمغول، انتصروا في مواقع كتيرة لحد ما نال الشهادة وقتل في بداية الحروب الخوارزمية المغولية، ورجع محمول على درعه ومكفن بثياب الحرب، وترك الأمير ممدود قبل وفاته ابنه الصغير "محمود" في رعاية وتربية خاله السلطان "جلال الدين"، قال "علي أحمد باكثير" في "وا إسلاماه": "مات الأمير ممدود شهيدًا في سبيل الله، ولم يتجاوز الثلاثين من عمره، تاركًا وراءه زوجته البارة، وصبيًا في المهد لما يدُر عليه الحول، ولم يتمتع برؤيته إلا أياماً قلائل، إذ شغله عنه خروجه مع جلال الدين لجهاد التتار، ولم يكن له وهو يودع هذه الحياة ونعيمها من عزاء إلا رجاؤه فيما أعد الله للشهداء المجاهدين في سبيله من النعيم المقيم والرضوان الأكبر".. بعد وفاة "جنكيز" تولى العرش ابنه "أوقطاي"، وكان المفروض إن الابن الصغير "تولي" يبقى في منصب "خان"، لكنه اتقتل..
المصادر أجمعت إن "تولي" اتقتل بالسم، لما كان الحاكم الوصي لعرش الامبراطورية المنغولية، ولكن "علي أحمد باكثير" قال إن "تولي" دا تم أسره في معركة من معارك الحرب الخوارزمية مع السلطان "جلال الدين"، فقرر قطع رقبة "تولي بن جنكيز خان"، واللي قتله هو ابن أخته الأمير الصغير "محمود بن ممدود"، اللي هو بقى "السلطان قطز" بعد كدا.. بعد هزيمة "جلال الدين" اتفرقت من حوله قواته لحد ما اتقتل في كبل للأكراد، وكان مصيره مشابه لمصير أبوه، قادت الظروف "قطز" إنه يبقى عبد يُباع ويُشترى في أسواق الرقيق، أخد لفة طويلة في الشام واتعرف على شيخ الإسلام "العز بن عبد السلام"، وبعدين اتباع للملك "الصالح نجم الدين أيوب" صاحب مصر، عشان يندرج تحت سلك مماليكه، وعهد بيه للأمير "عز الدين أيبك"، الأحداث هنا كتيرة أوي ومتشابكة ومتطورة بشكل متسارع جدًا، مات السلطان "الصالح نجم الدين أيوب" سنة 647 هـ هو خَارج لقتال ملك فرنسا "لويس التاسع" قائد الحملة الصليبية السابعة، فتولى قيادة الجيش أكتر من قائد منهم "بيبرس" و"قطز" وأقطاي" و"أيبك"، وكانت ملحمة قوية، أدارتها الملكة "شجر الدر" لحد ما اتحقق النصر في معركة المنصورة، وتولى الأمير "توران شاه" الحكم خلف أبوه، ولكنه اقتل بعد 4 شهور بس من توليه الحكم، حصل فراغ سياسي كبير بعد مقتله، لأن مفيش "أيوبي" مؤهل لقيادة الدولة، وقتها أعلنت شجرة الدر بالتعاون مع المماليك حاكمةً لمصر، ولكن الرفض عم أرجاء العالم الإسلامي بعد سماعه الخبر، اتجوزت "عز الدين أيبك" واتنازلت له عن الحكم وبقى أول سلاطين مماليك مصر، اقرأ المقال دا: https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=709038230085382&id=100029376351171&mibextid=Nif5oz
وفي يوم 10 فبراير سنة 1258م حصلت الفاجعة الكبرى، "سُقُوطُ بَغْدَادَ أو حِصارُ بَغْدَادَ أو الغَزْوُ المَغُولِيُّ لِبَغْدَادَ أو الاجتِيَاحُ المَغُولِيُّ لِبَغْدَادَ"، هي كدا اتعرفت في كتب التاريخ، المصطلح الأعم هو "نكبة بغداد"، الاصطلاح اللي بيشير لاجتياح المغول بقيادة "هولاكو خان" حاكم إلخانية فارس لمدينة بغداد، عاصمة الخلافة الإسلامية، بتكليف من الخاقان الأكبر "منكو خان" اللي طلب من أخوه "هولاكو" استكمال توسعات المغول في جنوب غرب آسيا، التوسعات اللي كان بدأها جدهم الخاقان الأعظم "جنكيز خان"، وهو ما قام بيه "هولاكو"، اتمكن جيشه من اقتحام بغداد بعد أن حاصرها 12 يوم، فدمرها وأباد مُعظم سكانها، اجتياح هو الأبشع في تاريخ الإنسانية، استباحوا دار الخلافة العباسية وارتكبوا أشنع المذابح وقتلوا الخليفة العباسي "المستعصم بالله"، زي النهاردا كدا من 765 سنة، الخليفة المغفل اللي هادنهم ومنحهم النقود والهدايا، وكان طمعان إنه يجوز ابنه لبنت "هولاكو"، وخرج له هو وأولاده التلاتة، "ابن تغري بردي" قال في ج7 من "النجوم الزاهرة" إن المغول ارتكبوا ما يُعرف بالمذبحة الكبرى..
في يوم 14 فبراير 1258م، اجتاح المغول طُرقات بغداد، واستباحوها وقتلوا كل صادفتهم ونهبوا وحرقوا كل ما صادفوه، استباح المغول بغداد 40 يوم، مالوا على البلد وقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان،، كانوا يذبحوا الرجل ويسبوا من يختاروه من بناته وجواريه، ويغتصبوهم في الشوارع ويقتلوهم ويمثلوا بجثثهم، القليل بس اللي نجي، وأغلبهم كان ممن اختبأ في الآبار وأقنية المجارير والأوساخ، وأقدم بعض الناس على الاختباء في الحانات والدكاكين وأقفلوا الأبواب على أنفسهم، فكان عسكر المغول يكسروا الأبواب ويهدموا الحيطان أو يحرقوها، ويقتحموا تلك الأماكن ويقتلوا من فيها، وقام بعض هؤلاء بمحاولة الاحتماء على السُطوح، فكان المغولين يصعدوا ورائهم ويذبحونهم، فتسيل دمائهم في المزاريب لحد ما تغرق الأزقة والحواري وتصبغ الطرقات بلون الأحمر القاني،. يقول "ابن كثير" في "البداية والنهاية": "وَدَخَلَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي الْآبَارِ وَأَمَاكِنِ الْحُشُوشِ، وَقُنِيِّ الْوَسَخِ، وَكَمَنُوا كَذَلِكَ أَيَّامًا لَا يَظْهَرُونَ، وَكَانَ الْفِئَامُ مِنَ النَّاسِ يَجْتَمِعُونَ فِي الْخَانَاتِ، وَيُغْلِقُونَ عَلَيْهِمُ الْأَبْوَابَ، فَتَفْتَحُهَا التَّتَارُ إِمَّا بِالْكَسْرِ أَوْ بِالنَّارِ، ثُمَّ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ فَيَهْرُبُونَ مِنْهُمْ إِلَى أَعَالِي الْمَكَانِ، فَيَقْتُلُونَهُمْ فِي الْأَسْطِحَةِ، حَتَّى تَجْرِيَ الْمَيَازِيبُ مِنَ الدِّمَاءِ فِي الْأَزِقَّةِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ" وحرق المغول كُتب العلم والأدب، وقيل أنهم استخدموها جسرًا لِعُبور النهر.. وأنا كتبت عن الأحداث دي بالتفصيل في مقال منفصل جمد قلبك واقرأه من هنا: https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=713083293014209&id=100029376351171&mibextid=Nif5oz
بعد ما حل اللي حل في حاضرة الخلافة، أصبح المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لأول مرة بدون خليفة، بدون حاكم ولو حتى صوري بس كدا، كانت مأساة، أصاب المسلمين إحساس بقرب يوم القيامة، مليون قتيل من المسلمين بتسبح في دمائهم خيول المغول في شوارع بغداد، في الوقت دا أرسل "الناصر يوسف" بابنه "العزيز" للقاء "هولاكو"، محمل بالهداية ورسالة ترجو منه مساعدته في الاستيلاء على مصر، "المقريزي" بيقول إن "هولاكو" طلب منه إمداده بعشرين ألف فارس، ولما عرف المماليك المقيمين في الكرك باللي بيجري طلبوا من "المغيث" ملك الكرك تكرار مهاجمة مصر للاستيلاء عليها، فوافق، وبعت جيش على الحدود المصرية وهناك هزمته قوات "قطز" رغم إن معظم المماليك تخلوا عنه، وبعد هروب المغيث على الكرك رجع "قطز" على قلعة الجبل وأمر بإعدام بعض المماليك والأمراء اللي تنكروا له أثناء المعركة، وكانت نتيجة الاضطرابات محاولة المماليك الصالحية تنصيب الأتابك "سنجر الحلبي" سلطان على مصر لكن "قطز" سارع باعتقاله في سجن القلعة، ودخلت سنة 1259م، راح المغول يحاصروا "ميافارقين" في شمال ديار بكر بين دجلة والفرات، وحاول الملك "المغيث" الاستيلاء على دمشق ولكنه انهزم وعقد صلح مع "الناصر يوسف"، واتفقوا على ترحيل المماليك المقيمين في الكرك لدمشق، وبمجرد وصولهم قبض عليهم "الناصر يوسف" ورماهم في السجن..
أكمل المغول زحفهم على بلاد الشام، وبدأت الأهالي الشاميين في الارتحال للجنوب، قاصدين الاحتماء بمصر، دار الأمن والأمان، وأقبلت جيوش المغول على بلاد الشام، ووصل للسلطان "الناصر يوسف" رسالة من "هولاكو"، كان فيها: "إذا وقفت على كتابي هذا فسارع برجالك وأموالك وفرسانك إلى طاعة سلطان الأرض شاهنشاه روي زمين، تأمن شره وتنل خيره... ولا تعوق رسلنا عندك كما عوقت رسلنا من قبل، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وقد بلغنا أن تجار الشام وغيرهم انهزموا بأموالهم وحريمهم إلى مصر، فإن كانوا في الجبال نسفناها، وإن كانوا في الأرض خسفناها"، الرسالة المرعبة دي خلعت قلب السلطان، فزع "الناصر يوسف" من الكلام وبعت حريمه على الكرك عند الملك "المغيث عمر"، ولما عرف السوريين في دمشق الأخبار أصابهم الرعب، وأسرعوا بالهرب على مصر ومات كتير من الناس بسبب قساوة البرد ومنهم من مات بسبب بطش قطاع الطرق، ولما عرف "الناصر يوسف" إن المغول قرروا الهجوم على سوريا بعث "كمال الدين بن العديم" على مصر بجواب يستنجد فيه بجيشها، في الوقت دا طلع "هولاكو" من بغداد واجتاح ديار بكر ومنها على آمد في طريقه لحلب، وفي السكة حاصر حران بالمجانيق واستولى عليها، وراح جنود من جيشه نهر الفرات ونهبوا القرى، لما عرف أهل حلب أن الجيش المغولي جاي ليهم قرروا تركها فهربت أعداد منهم على مصر..
فضل المغول الاقتراب من حلب ودخلوا في معارك مع الجنود الشاميين اللي خرجوا يحاربوهم، وأباد المغول كل من حاربهم، استشهد عشرات الآلاف في معارك منفصلة متصلة، "ابن تغري بردي" قال في ج7 من "النجوم الزاهرة" مع تقدم الجيش المغولي زاد فزع "الناصر يوسف" وقرر أنه يقابل "هولاكو" بنفسه وراح برزه، وفي نفس الوقت بعث جواب للملك "المغيث" في الكرك ولنائب السلطنة المصرية "سيف الدين قطز" يستنجد بهم، وصل "هولاكو" لحلب وبعت لصاحبها الملك العجوز المعظم "تورانشاه الأيوبي" يطلب منه تسليم المدينة، فلما رفض حاصر المغول الأسوار ودخلوها بخدعة، أعطى المغول الأمان لأهلها إذا فتحوا الأبواب دون مقاومة، ولكن زعيمهم "توران شاه" قال لهم: "إن هذه خدعة، وإن التتار لا أمان لهم ولا عهد"، لكن شعب المدينة كانوا أحبطوا من سقوط "ميافارقين"، وعدم مساعدة أميرهم "الناصر يوسف" لهم، وبقائه فى دمشق، تخلى عنهم تحت حصار المغول لهم.. الإحباط قاد الشعب للرغبة فى التسليم، واقتحم المغول المدينة بعد 7 أيام وقتلوا أعداد لا تُحصى من الحلبيين، وأعطوا الحريم لزوجاتهم وسجنوا أولادهم ونهبوا أموالهم وممتلكاتهم، استمرت المجزرة 5 أيام وملئت الأرض بجثتهم فبقوا المغول يمشوا فوق الجثث من كترها..
في موسوعة "تاريخ الإسلام" بيقول الدكتور "راغب السرجانى" إن المذابح البشعة ارتكبت رجال ونساء وأطفال حلب، وتم تدمير المدينة تمامًا، وخرب المغول أسوار المدينة عشان تفقد المقاومة فاعليتها، لكن قلعة حلب ما استسلمتش، ضربها "هولاكو" بالقوة لغاية ما استولى عليها في 25 يناير 1260م، وخربها هي وكل أسوار حلب وجوامعها وبساتينها لدرجة أن المؤرخ بدر الدين العيني وصفها بأن شكلها صار بقى زي "الحمار الأجوف"، وسمح "هولاكو" للملك "تورانشاه" بالخروج من حلب من غير ما يتعرض له عشان كان كبير في السن، ويمكن الإفراج عنه كان بغرض سياسي أو بروباجاندا لحملته العسكرية مش أكتر، على كل حال مات "توران شاه" بعد سقوط حلب بأيام، بعد قرابة 3 سنين من حكم نور الدين علي بن أيبك مصر، بدأ صدى طبول الحروب التتارية يتردد على حدود مصر، واقتربت رياح الغزو التتري لبلاد الشام ومصر، ولم يكن بوسع السلطان الصبي نور الدين علي أن يفعل شيءًا إزاء خطر التتار الداهم والقريب، السلطان الصغير كان صبي طايش، كان بيقضي وقته في ركوب الحمير والتنزه في القلعة، واللعب بالحمام مع الخدم ومعاكسة الجواري في الحرملك، واللي كان بيحكم البلد فعليًا هو نائب السلطنة "سيف الدين قطز"، ومع كل خبر جديد بيوصل عن وحشية المغول كانت الأحوال في مصر بتزداد اضطراب، ومع اقتراب جحافل جيوش العدو من الشام وصلت استغاثات "الملك الناصر" لمصر..
في كتاب "السلطان المظفر سيف الدين قطز بطل معركة عين جالوت"، قال الدكتور "قاسم عبده قاسم" إن الملك أرسل كتاب حمله المؤرخ والفقيه "كمال بن العديم" لمصر، بيستنجد بعساكرها، واجتمع الأمراء في قلعة الجبل عند بلاط الملك "المنصور نور الدين علي"، وفي قلعة الجبل كان واضح إن العيل الصغير اللي على تخت الملك مفيش عنده حل ولا ربط، وكان "قطز" ساخط على لا مبالاة السلطان "المنصور علي" وتحكم أمه بيه وتدخلها في شئون السلطنة، وقال للأمراء: "الموقف يحتاج إلى سلطان قوي قادر على التصدي للعدو المغولي، وأن الملك المنصور علي صبي صغير غير قادر على حكم المملكة"، وتابع إن المقال دا بتاع "أحمد الكراني"، واللي هيسرقه مش هياخد باله من السطر دا، الاجتماع حضره كبار أهل الرأي من العلماء والقضاة زي قاضي القضاة "بدر الدين حسن السنجاري"، والشيخ "العز بن عبد السلام"، وكان الاجتماع آخر خطوات قطز نحو وصوله لعرش مصر وقتال المغول، ورغم إن حكم وسلطنة "علي" كانت على عاتق "قطز" من البداية، ولكن الخطر المحدق بالأمة دفع "قطز" لاستغلال اجتماع القلعة لخلع السلطان الصبي، وأخد في الاجتماع يتحدث عن مساويء "المنصور علي" وقا: "لابد من سلطان قاهر يقاتل هذا العدو"..
وبتاريخ 1 مارس 1260م سقطت دمشق بأيدي المغول بقيادة "كتبغا خان"، اللي عينه "هولاكو" نائب له عن الشام وكان حاكم دمشق الملك "الناصر يوسف الأيوبي" هرب من المدينة لاجئ في غزة، آثر أهل دمشق الاستسلام خوفًا من مصير مماثل لحلب اللي ارتكب فيها المغول مجازر مروعة، فدخل المغول المدينة بدون قتال فيما عدا القلعة اللي استمرت بالمقاومة، كانت معركة مش متكافئة بأي حال، سقطت تحت ضربات المجانيق وتهدمت أبراجها وحصونها، وتم إعدام كل حاميتها ورغم أن المغول عاثوا فساد في دمشق ولكنها ما اتعرضتش للدمار اللي تعرضت له بغداد وحلب بعد سقوطهم في إيد "هولاكو"، آذن سقوط دمشق بنهاية الحكم الأيوبي في الشام، وهكذا، ما بقاش صامد في العالم الإسلامي كله إلا مصر، وفي مصر كان العرش في مهب الريح والسلطان الصغير بيطمع أي حد في البلد، فما بالك بقى إن العدو هم المغول، ولكن، زي ما قال الكاتب "علي أحمد باكثير" على لسان "قطز" في روايته الخالدة "وا إسلاماه": "أشعر أن جبار السماوات قد أعدني لمواجهة جبار الأرض"، بس العقبة لسة على العرش، رتب لخلع السلطان "المنصور علي"، واستشار مولانا شيخ الإسلام "العز بن عبد السلام"، وأفتاه بجواز عزله خوفًا على مصالح الأمة.. واخد بالك..
ساعد "قطز" في الوصول لهدفه أن مساويء السلطان المنصور كانت لا تحتمل، انفض الجميع من حوله، واستهتر في اللعب وتحكمت أمه في أمره فاضطربت الأمور، وانتهز "قطز" الفرصة المناسبة لما خرج أمراء المماليك البحرية والمعزية في رحلة صيد في منطقة العباسية في الشرقية، وعلى رأسهم الأمير "سيف الدين بهادر" والأمير "علم الدين سنجر الغتمي"، وكان دا في يوم السبت 24 ذو القعدة 657 هـ 1259م، في ج1 من "السلوك" قال "تقي الدين المقريزي" إن "قطز" قبض على السلطان "المنصور علي" وعلى أخوه "قاقان" وعلى أمهم، واعتقلهم في أحد أبراج القلعة، وفي اليوم دا انتهت مدة حكم السلطان "المنصور علي" واللي استمرت سنتين و8 شهور، ولما رجع المماليك من رحلة الصيد دخل "سيف الدين بهادر" و"علم الدين سنجر" على "قطز" وأنكروا عليه ما فعله، فأخبرهم بخطر التتار القادم على بلاد الشام ومصر، وقال لهم: "إني ماقصدت إلا أن نجتمع على قتال التتار، ولا يأتي ذلك بغير ملك، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو، فالأمر لكم في السلطنة ماشئتم" ارتضى المماليك بالأمر الواقع، وبالفعل تم تنصيب "قطز" سلطان بعد ما وعد الأمراء بالاستقالة بعد النصر على المغول.. اقرأ المقال دا: https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=959220698400466&id=100029376351171&mibextid=Nif5oz
بقى طريق التتار ممهد لغزو مصر وإسقاطها، في ج17 من "البداية والنهاية" بيقول "ابن كثير" إن التتار فعلوا بالشام الأفاعيل، نهبوا البلاد كلها بعد اجتياحها وإبادة أهبها لحد ما وصلوا لحد غزة، وعزموا على دخول الديار المصرية، لكن، تدخلت أقدار الله وألطافه لحماية عباده وإبقاء كلمة التوحيد في أرضه، لأن خلال تجهيز الحملة اضطر "هولاكو" لسحب معظم جيشه ورجع إلخانية فارس، بسبب الاضطرابات في العاصمة، أخوه الخان الأكبر "مونكو خان" نفق في الصين سنة 1257م، واتنازع أخواه الآخرين قوبلاي وأريق بوكا على ولاية العرش، "هولاكو" راح العاصمة لترشيح "قوبلاي" كخان أعظم، خصوصًا مع التهديد اللي كان بيمثله ابن عمه "بركة خان"، اللي حكم القبيلة الذهبية بالقبجاق وتوعد "هولاكو" بالانتقام بسبب كل مدابح المسلمين على إيديه، وتجرئه على مقام الخلافة وقتل الخليفة "المستعصم بالله"، وبعد انسحاب الغالبية العظمى من حشود الجيوش التترية، بقى قائده "كتبغا" وتحت إمرته 2 دومين يعني حوالي 20 ل30 ألف مقاتل، وبقى "كتبغا" خان أمير جيش المغول الموجود في الشام، حاول "كتبغا" باعتباره مسيحي التحالف مع مملكة بيت المقدس الصليبية، لكن جت تقديرات إلهية تانية واتقتل ابن أخوه في مدينة "صيدا"، على إيد مجموعة فرسان الهيكل، فقام بمهاجمة الصليبيين في المدينة ودمرها، وقعد يكرر كلامه بإن المقال دا بتاع "أحمد الكراني"، واللي هيسرقه مش هياخد باله من السطر دا، اللي عمله "كتبغا" كان أكبر غلطة في حياته كلها، لأنه بدل ما يكسب صداقة الصليبيين كسب عداء بدون داعي..
كان الوضع في مصر عند اقتراب التتار منها متأزم جدًا، يموج بالاضطرابات والأزمات الشديدة، والفتن الناتجة عن الصراع على كرسي الحكم، وإن كان "قطز" استقر على كرسي الحكم، إلا إن الطامعين في الكرسي كتير والحاقدين عليه شخصيًا أكتر، والفتنة دايرة بين المماليك البحرية وبين المماليك المعزية، دا غير إن العلاقات كانت ممزقة تمامًا بين مصر وجيرانها، وفيه أزمة اقتصادية بتمر بيها البلد لأنها مستنزفة من تكاليف مواجهة الحملات الصليبية المتتالية، وحاجة نيلة يعني، وفي الوقت اللي كان فيه "سيف الدين قطز" مشغول بإعداد الجيش، جاءت رسالة من "هولاكو" شايلها أربع رسل من التتار، كانت الرسالة إعلان صريح بالحرب أو تسليم مصر للتتار، هاكتب لكم نصها في كومنت، وبسببها عقد قطز مجلس ضمّ كبار الأمراء والقادة والوزراء، لمناقشة أمر الرد، كان "قطز" مصمم على خوض الحرب ورافض لمبدأ التسليم، في الوقت اللي اتردد بعض الأمراء في قبول رأي "قطز"، فقال "قطز" مقولته المشهورة: "أنا ألقى التتار بنفسي"، وثبت في معظم مصادر التاريخ إنه قال أكتر من جملة أيقونية، زي مثلًا لما قال: "يا أمراء المسلمين لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المسلمين"، ولكن أنا عاجبني جدًا جملة الختام اللي أنهى بيها كلامة بقوله: "من للإسلام إن لم نكن نحن؟!" وبعدها أمر بعمل عرض عسكري لفرق الجيش المصري، ومشي في طريق الصحراء وانتهى عند بوابة زويلة، وقتل رسل التتار وعلق رؤوسهم على الباب اللي موجود لحد النهاردا شاهد على التاريخ العظيم دا..
- "إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم كله قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وتبيعوا مالكم من الحوائص - وهي حزام الرجل وحزام الدابة- المذَهَّبة والآلات النفيسة، ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه، ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة، مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا"
دا نص الفتوى اللي أفتاها شيخ الإسلام "العز بن عبد السلام"، لحل أزمة التمويل لتسليح الجيش، وفعلًا بدأ "قطز" بنفسه وتنازل عن كل أملاكه لصالح الجيش، وأحضر الأمراء كافة ممتلكاتهم من أموالهم وحلي نسائهم وأقسم كل واحد منهم أنه لا يملك شييء في الباطن، ولما جمعت الأموال ضربت سكاً ونقداً وأنفقت في تجهيز الجيش، ولكنها ما كفتش في تغطية نفقة القوات، فقرر "قطز" إقرار ضريبة على كل رأس من أهل مصر والقاهرة من كبير وصغير، وعمل صكوك على أصحاب الأملاك، وبدأ خطباء الجوامع في تجهيز نفوس الشعب للحرب، وامتلأت المنابر بالخطباء اللي حافظين سورة الأنفال والأعراف، وجرت على الألسنة آيات الحرب والجهاد، ووصلت الحالة المعنوية لحدود السماء، وكل الناس تحمست للقاء ربها عن طريق الاستشهاد في سبيله، وهم بيلاقوا عدوه، واجتمع "قطز" مع مجلسه العسكري لبحث أفضل طريقة لحرب التتار، الدكتور "راغب السرجاني" في كتابه "قصة التتار من البداية حتى عين جالوت"، قال إن "قطز" عبر عن عزمه الخروج بجيش مصر لملاقاة التتار في فلسطين بدل من انتظارهم في مصر، واعترض أغلب القادة على رأيه وفضلوا الانتظار في مصر ليدافعوا عنها، ولكن رأي "قطز" مشي لأنه أفضل عسكريًا ونفسيًا، ومن الأفضل إنهم يمتلكوا عنصر المفاجأة ويختاروا ميعاد المعركة ومكانها، وكان شيخ الإسلام "العز بن عبد السلام" ومن معه من علماء الأمة بيقوموا بعملهم على أكمل وجه، صعدوا منابر المساجد وخطبوا في الناس وشحنو النفوس بالحث على الجهاد، وترغيب كل واحد بالجنة وتزهيده في أمر الدنيا، وبقت نفوس الناس متعلقة بأجر الشهادة في سبيل الله..
بدأ جيش المسلمين في مصر بالتجمع في منطقة صحراء الصالحية اللي في محافظة الشرقية دلوقت، توافدت عليها الفرق العسكرية من معسكراتتدريب المتطوعين المنتشرة في القاهرة والمدن المصرية الكبرى، وهنا لازم التطرق لوصف تكوين الجيش المصري وقتها، دا للرد على أكذوبة جيش المماليك، لا حضرتك هو كان جيش مصري أصلي، بُص يا سيدي، في ج14 من كتاب "صبح الأعشى في صناعة الإنشا" بيقول صاحب ديوان الإنشا "أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي" عن وصف لفيف الجيش في العصر المملوكي، لازم تعرف إن متوسط تعداد سكان مصر فى العصر المملوكى كان حوالى 3 مليون شخ، في القاهرة بس حوالي 600 ألف، وطبقة المماليك أول عن آخر بتتكون من 6 آلاف ل 10 آلاف، ومنهم السلطان اللي هو أكبر راس في الدولة وقائدها، وكان تحته "نائب السلطان" و"أتابك العسكر"، ويعتبر نايب السلطان هو اهم شخص بعد السلطان، ولو السلطان كان ضعيف أو عيل صغير بيكون هو محله، ولقبه "كافل الممالك الشريفة الإسلامية الأمير الأمرى"، وله صلاحيات كاملة وهو الحاكم الفعلي لمصر، وكان أتابك العسكر بمثابة وزير الدفاع كدا، قائد عام للجيوش، وفي حالة خروج السلطان ونائبه والأتابك من مصر لخوض حروب، كان بيتعين في القاهرة نايب مؤقت للسلطان، اسمه "نائب الغيبة"، بيحكم لحين رجوعهم، وبعدين طبقة الأمراء، وبيترأسهم أمرا المئين مقدمي الألوف، أكبر رتب في البلد، كل أمير منهم تحت بيقود حوالى 100 فارس، ومن صلاحيات كل واحد قيادة ألف عسكري، بعدهم أمراء الطبلخاناه، وتحت إيد كل واحد منهم حوالى 40 فارس، وبعدين أمرا العشرات اللى كان تحت ايد كل واحد منهم مابين 10 و 20 فارس، دا غير أمراء الخمسات..
بطبيعة الحال مش كل المماليك كانوا عسكر، كان فيه منهم موظفين بيشتغلوا فى الدواوين الحكومية والبيمارستان وأماكن مدنية مختلفة، وكان العسكر النظامي بينقسم لطبقتين، "طبقة المماليك السلطانية" اللي تابعين للسلطان ومنهم خاصكيته من الحرس، ومش بيزيدوا عن 1000 في المتوسط بيقودهم واحد برتبة "رأس نوبة"، وهم خلاصة الخلاصة من العسكر وبيقوموا بدور الحرس الجمهوري دلوقت، اللي فات دول من المماليك وبس، نيجي بقى للمصريين في الجيش المملوكي، وهم الطبقة التانية "طبقة أجناد الحلقة"، وهم المكون الرئيسي للجيش المصري، الجنود والعساكر كانوا مصريين، عشان كدا الجيش المصرى اتكون من فئات كتيرة من العسكر المصريين، مثلًا أجناد الحلقة وهم بأعداد ضخمة من مصريين بيخدموا في مختلف الفروع في الجيش، بيتكون منهم قلب الجيش المصري وعموده الفقري وهم مش من المماليك خالص، وكمان كان فيه عساكر الاستدعاء اللي هم الرديف زى عساكر الاحتياط دلوقت، وبرضو هم مصريين بيتم استدعائهم للقتال وقت الحرب وغالبًا بينضموا لفئة أجناد الحلقة، وكمان وقت المعارك الكبيرة زي معركة عين جالوت أو وقت فتح عكا أو وقت الحملة الصليبية، كانت فيه فئة أجناد المتطوعة، ودول مصريين من عامة الشعب بينضموا للجيش، متطوعين، استجابة لنداء الجهاد فى سبيل الله، ولازم حضرتك تستوعب الحروب اللى خاضتها مصر فى عصر المماليك، كانت حروب مهولة، شرسة، عنيفة، ضارية، ضد جيوش ضخمة، وساحات المعارك كانت شاسعة زي سهل عين جالوت كدا، مش معقول بأي حال إن مصر خاضت الحروب ب10 آلاف مملوك بس، معظمهم من الفرسان، طب باقي الجيش فين؟ الفروع المختلفه من سلاح المشاة والرماحين والعربات من أسلحة الحصار كالمناجيق وعسكر الخدمات والبيمارستان والمهندسين والزراقي، كل دا كانوا عسكر مصري من أجناد الحلقة والمتطوعة والاستدعاء..
وبعد 5 شهور من التجهيز والإعداد والتدريب اتوجه "قطز" بجيشه على سيناء، اتحرك في أوائل شعبان سنة 658 هـ، خرج من منطقة الصالحية، بزفة من المصريين اللي انطلقوا للشوارع يهتفوا ويهللوا ويكبروا، قواتهم المسلحة درعهم وسيفهم، خرجت للدفاع عنهم وعن دينهم وعن الأمة والتاريخ والمستقبل، خرجت للزود عن الهوية اللي طمسها العدوان على حاضرة الخلافة، وأصبح الإسلام في مهب الريح، وفي أثناء تجهيز الجيش قام "قطز" بجهود حثيثة لتمهيد الطريق للقاء التتار، سلك طريق الساحل الشمالي لسيناء بحذاء البحر الأبيض المتوسط، كانت فيه أجزاء من فلسطين وساحل البحر المتوسط محتلة من الإمارات الصليبية، ومنها إمارات عكا وحيفا وصور وصيدا واللاذقية وأنطاكية، وكانت أقوى الإمارات الصليبية هي إمارة عكا في فلسطين، الإمارة دي بقى موجودة على طريق "قطز" وجيشه، إذا أراد مواجهة التتار في فلسطين لازم يمر عليهم ويواجههم الأول، ودا كان أكبر تحدي هيقابله، فهل يقدر إنه يخوض حربين في اتجاهين مختلفين ويعرض جيشه للهلاك؟ وعشان كدا كان قراره عقد معاهدة صلح مع الصليبيين لتحييدهم عن الخوض في القتال لصالح أي من الطرفين، وبسبب اللي عمله فيهم "كتبغا" كانوا مستعدين لعدم الدخول في صدام مع المسلمين يخدمه، وحط "قطز" في مقدمة الجيش فرقة كبيرة نسبيًا بقيادة "بيبرس"، اتقدمت عن بقية الجيش بشكل واضح للبصاصين، واتخفى بقية الجيش في تحركاته، ومن وراه "قطز" على رأس الجيش الأساسي..
وفي يوم حر وصهد من أيام أغسطس سنة 1260م، خرج "قطز" يسبقه قائد قواته "بيبرس البندقداري" ليكشف أخبار المغول، فواجهت سرية "بيبرس" طلائع جنود المغول في منطقة قرب غزة، كان قائد المغول في غزة هو "بايدر" أخو "كتبغا"، حصلت شوية مناوشات وقتال بدون منتصر حقيقي إلا إن الغلبة مالت لناحية المسلمين، اتجه بعدها "قطز" لمدينة غزة ومنها عن طريق الساحل لشمال فلسطين، واختار "كتبغا" إنه يتجه لقتالهم فجمع جيشه وانطلق باتجاه جيش المسلمين، وبينما "قطز" بيفكر في أمر اللقاء المرتقب إذ دخل خيمته أحد الحراس وبيقوله إن فيه واحد طالب مقابلته لأمر ضروري جدًا، كان قبل يوم من المعركة، فدخل الراجل على السلطان وأبلغه إنه رسول من الأمير "صارم الدين أيبك"، وهو من أمراء المسلمين اللي أسرهم "هولاكو" عند اجتياح الشام، وبعدين قبل الخدمة في صفوف جيش التتار واشترك معهم في مواقع مختلفة، وبقى تحت قيادة "كتبغا" لحد ما وصلوا عند سهل عين جالوت، ونقل الرسول للسلطان "سيف الدين قطز" كذا نقطة مهمة غيرت وجهة نظره في المواجهة، أولًا عرف إن جيش التتار مش بقوته المعهودة، بعد ما "هولاكو" أخد معاه معظم القادة والجند، والجيش المتبقي مش بنفس القوة والجسارة اللي اجتاح بيها بغداد وبلاد الشام..
ثانيًا حط إيده على نقاط قوة وضعف جيش التتر، الميمنة بتاعتهم أقوى من ميسرتهم، وعشان كدا رتب "قطز" إن جيش المسلمين يكون مركز قوته على ميسرته للصمود في قتال ميمنة التتر، وكانت الثغرة الأهم في الجيش التتري هي القلب، اللي فيه أمير حمص "الأشرف الأيوبي" بالإضافة للأمير "صارم الدين"، اللي عقدوا العزم على الانهزام وقت اشتداد القتال في المعركة، ومرت الليلة، الله أعلم ازاي مرت على أمراء الجهاد المسلمين في الجيش المصري، ولك أن تتخيل المشهد، المماليكوالجنود والمتطوعة من العوام وهم يقرأوا القرآن في ليلة رمضانية مهيبة، وحتى مطلع الفجر بين ركع سجد في صلاة خاشعة، وأذن المؤذن لصلاة الفجر، فجر الجمعة 25 رمضان 658 هـ، وقف الشيخ "العز بن عبد السلام" إمام لصلاة الفجر، وارتفعت ألسنة اللهب من المشاعل وأضاءت سهل "عين جالوت"، واصطف وراه جيش المسلمين بقيادة الملك المظفر "سيف الدين قطز"، بعد ما اتمركزت قواته بين تلال سهل "عين جالوت"، ومع أول خيوط شمس الصباح وصلت جحافل جيش التتار تحت قيادة "كتبغا"، النائب الأول لملك المغول "هوﻻكو" حفيد الملك الأسطوري "جنكيز خان" المرعب، وتحت وهج الشمس، تتابع نزول الكتائب المملوكية بألوانها المختلفة، كان واقف "كتبغا" ومعاه "صارم الدين أيبك"، وكل ما نزلت كتيبة سأل "كتبغا": "يا صارم رنك من هذا؟" رنك كلمة فارسية بمعنى لون، وهو بيقصد كتيبة مين دي، وكان "صارم" بيقول: "رنك فلان أحد أمراء المماليك"..
وهكذا، أحمد_الكراني
بُص حضرتك، السلطان الخوارزمي "محمد بن خوارزمشاه تكش" صاحب مملكة قوية متاخمة لحدود السلاجقة والعباسيين، وكان على عداء مع الخليفة العباسي "أبو العباس أحمد الناصر"، وجهز جيش جرار لمهاجمة العاصمة بغداد، وقتها كان "جنكيز خان" خاقان المغول بيسعى لفتح علاقات تجارية معاه، بس "تكش" رفض، وسنة 1218م عبرت مجموعة صغيرة من المغول حدود الخوارزميين، كانوا بيطاردوا قائد عسكري هارب وبدأ التوتر يزيد على الحدود، في نفس الوقت وصل وفد تجار من المغول المسلمين لمدينة أوترار، لكن تم القبض عليهم بتهمة التجسس وصادروا بضاعتهم وتم اعتقال معظمهم واتقتل شوية وهرب الباقي، في نفس الوقت وصلت بغداد أخبار تحرك "تكش" ضد "أبو العباس"، فقام الخليفة بأكبر تصرف أحمق في تاريخ الخلافة، كلفها كتير، لما بعت رسايل ل"جنكيز خان"، بيقوله فيها إذا هاجم المغول الدولة الخوارزمية من الغرب هيقوم العباسيين بمهاجمتها من الغرب، "ابن الأثير" في "الكامل في التاريخ" ج9: "وَكَانَ سَبَبُ مَا يَنسُبَهُ العَجَمُ إِلَيْهِ صَحِيحًا مِن أَنَّهُ هُوَ مَن أَطْمَعَ التَّتَرَ فِي البِلَادِ وَرَاسَلَهُم فِي ذَلِك، فَهُوَ الطَّامَّةُ الكُبرَى الذِي يَصْغَرُ عِندَهَا كُلَّ ذنبٍ عَظِيمٍ"..
"جنكيز خان" عرف حكاية قتل التجار، فطلب تسليم حاكم المدينة له لكن "تكش" رفض، هنا ثار غضب "جنكيز خان" وقرر الانتقام منه، واجتاح الدولة الخوارزمية وسقطت خلال كم شهر من سنة 1220م، سيطر على إقليم ما وراء النهر واستولى على مدن بخارى وسمرقند العريقة ودخل إيران، وحاصر العاصمة "أورجاندا" لحد ما انهارت، وبعدين أرسل "جنكيز خان" 20,000 من فرسانه بيطلبوا رأس "تكش"، هرب الشاه، واتنقل من مدينة لمدينة ومن أرض لأرض ومن دولة لدولة، بتتساقط قواته وبتقل وهو مطارد مش لاقي مكان يتسع له، وكأن الكون كله بيرفضه، وراه آلاف القتلة بينفذوا اللي قاله لهم "جنكيز خان": "أطلبوا خوارزم شاه أينما كان ولو تعلق بالسماء".. ونجحت خطة "تكش" في فراره المخذي، اتفرقت عنه كله قواته وبقى نفر وحيد نائي، على جزيرة في وسط بحر قزوين، مجهولة، وهناك رضي بالبقاء في قلعة قديمة كانت مهجورة على شاطئ الجزيرة، عاش في فقر شديد وحياة صعبة، وها هو "محمد بن خوارزمشاه تكش"، يهرب من الموت للموت ذاته، لأنه بعد أيام مات في قلعة الجزيرة النائية المهجورة، والمؤرخين اختلفوا في مصير جثته، بعضهم قالوا إنه ما اتدفنش وبعضهم قال إنهم لقيوه على حاله فكفنوه في فراشه اللي كان نايم عليه ودفنوه مكانه، وانطوت صفحته، وتم التأكيد على إن وفاته كانت سنة 1220م..
مفيش حد يعرف مصير أسرة الشاه بشكل دقيق، معظم الرواه أكدت إن نساء بيته اتقتلوا وسط الهروب، وفيه قال إنهم اتقبض عليهم، ولكن فيه معلومات مؤكدة عن نجاة 3 من ولاده بالإضافة لابن أخوه، وصى الشاه للمقربين منه طول مدة الهروب إن ملكه يبقى لولي عهده، ابنه "جلال الدين"، وريث عرشه اللي شال المسؤولية في ظروف قاسية جدًا، اللي كانت دولته عبارة عن مدن متفرقة، ولكن المغول أكملوا اجتياحهم للدولة، وارتكبوا الفظائع في الشعب المسالم وأبادوا منه مئات الآلاف، وبعد كدا حاصروا مدينة خوارزم لمدة 5 شهور لحد ما سقطت هي كمان، فقتلوا كل شعبها وفتحوا سدود نهر جيحون وأغرقوا المدينة، وكان في الوقت دا "جلال الدين" في مدينة غزنة اللي كان والي عليها أثناء حكم أبوه، فبدأ منها القتال لتحرير أرضه.. لما حاول المغول يهاجموها فاجأهم "جلال الدين بهجوم خاطف سنة 1221م، هزمهم وفرق شملهم وكسر شوكتهم وشتتهم، كان انتصار عزيز زاد من ثقته في استعادة ملكه، وفعلًا هاجم البلاد واستردها، كان عضد السلطان "جلال الدين" خلال المعارك دي هو زوج أخته وابن عمه الأمير "ممدود بن خوارزمشاه"، كانت زوجة السلطان وأخته الاتنين حوامل، في يوم ضرب السلطان الودع عند واحدة عرّافة قالت له أنه هيغلب المغول وهيغلبوه، وإنه هيتولد في البيت بتاعه ولد هيهزم المغول هزيمة ساحقة، اتولدوا مع بعض، الأمير "محمود" والأميرة "جهاد"، الشاه "خوازمشاه تكش" يبقى جدهم، الأميرة "جهاد" تبقى بنت الملك "جلال الدين بن خوارزمشاه"، والأمير "محمود" يبقى ابن الأمير "ممدود".. اقرأ المقال دا: https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=698194974503041&id=100029376351171&mibextid=Nif5oz
الدكتور "قاسم عبده قاسم" قال في كتابه "السلطان المظفر سيف الدين قطز بطل معركة عين جالوت" إنه مولود في الأسرة الحاكمة بمملكة خوارزمشاه، هو يبقى ابن الأمير "ممدود" ابن عم وزوج أخت السلطان "جلال الدين الخوارزمي"، لكن شخصية الأميرة "جهاد" دي عليها خلاف، أيوة، عندك مثلًا المقريزي في السلوك وابن تغري في النجوم الزاهرة، مفيش لهم أي ذكر لواحدة اسمها "جهاد" أصلًا، ومعظم المؤرخين قالوا إن شخصية "جلنار حب الرمان" كانت من خيال "علي أحمد باكثير"، اللي لازم تعرفه إن الأمير "ممدود الخوارزمي" شارك "جلال الدين" في قتاله للمغول، انتصروا في مواقع كتيرة لحد ما نال الشهادة وقتل في بداية الحروب الخوارزمية المغولية، ورجع محمول على درعه ومكفن بثياب الحرب، وترك الأمير ممدود قبل وفاته ابنه الصغير "محمود" في رعاية وتربية خاله السلطان "جلال الدين"، قال "علي أحمد باكثير" في "وا إسلاماه": "مات الأمير ممدود شهيدًا في سبيل الله، ولم يتجاوز الثلاثين من عمره، تاركًا وراءه زوجته البارة، وصبيًا في المهد لما يدُر عليه الحول، ولم يتمتع برؤيته إلا أياماً قلائل، إذ شغله عنه خروجه مع جلال الدين لجهاد التتار، ولم يكن له وهو يودع هذه الحياة ونعيمها من عزاء إلا رجاؤه فيما أعد الله للشهداء المجاهدين في سبيله من النعيم المقيم والرضوان الأكبر".. بعد وفاة "جنكيز" تولى العرش ابنه "أوقطاي"، وكان المفروض إن الابن الصغير "تولي" يبقى في منصب "خان"، لكنه اتقتل..
المصادر أجمعت إن "تولي" اتقتل بالسم، لما كان الحاكم الوصي لعرش الامبراطورية المنغولية، ولكن "علي أحمد باكثير" قال إن "تولي" دا تم أسره في معركة من معارك الحرب الخوارزمية مع السلطان "جلال الدين"، فقرر قطع رقبة "تولي بن جنكيز خان"، واللي قتله هو ابن أخته الأمير الصغير "محمود بن ممدود"، اللي هو بقى "السلطان قطز" بعد كدا.. بعد هزيمة "جلال الدين" اتفرقت من حوله قواته لحد ما اتقتل في كبل للأكراد، وكان مصيره مشابه لمصير أبوه، قادت الظروف "قطز" إنه يبقى عبد يُباع ويُشترى في أسواق الرقيق، أخد لفة طويلة في الشام واتعرف على شيخ الإسلام "العز بن عبد السلام"، وبعدين اتباع للملك "الصالح نجم الدين أيوب" صاحب مصر، عشان يندرج تحت سلك مماليكه، وعهد بيه للأمير "عز الدين أيبك"، الأحداث هنا كتيرة أوي ومتشابكة ومتطورة بشكل متسارع جدًا، مات السلطان "الصالح نجم الدين أيوب" سنة 647 هـ هو خَارج لقتال ملك فرنسا "لويس التاسع" قائد الحملة الصليبية السابعة، فتولى قيادة الجيش أكتر من قائد منهم "بيبرس" و"قطز" وأقطاي" و"أيبك"، وكانت ملحمة قوية، أدارتها الملكة "شجر الدر" لحد ما اتحقق النصر في معركة المنصورة، وتولى الأمير "توران شاه" الحكم خلف أبوه، ولكنه اقتل بعد 4 شهور بس من توليه الحكم، حصل فراغ سياسي كبير بعد مقتله، لأن مفيش "أيوبي" مؤهل لقيادة الدولة، وقتها أعلنت شجرة الدر بالتعاون مع المماليك حاكمةً لمصر، ولكن الرفض عم أرجاء العالم الإسلامي بعد سماعه الخبر، اتجوزت "عز الدين أيبك" واتنازلت له عن الحكم وبقى أول سلاطين مماليك مصر، اقرأ المقال دا: https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=709038230085382&id=100029376351171&mibextid=Nif5oz
وفي يوم 10 فبراير سنة 1258م حصلت الفاجعة الكبرى، "سُقُوطُ بَغْدَادَ أو حِصارُ بَغْدَادَ أو الغَزْوُ المَغُولِيُّ لِبَغْدَادَ أو الاجتِيَاحُ المَغُولِيُّ لِبَغْدَادَ"، هي كدا اتعرفت في كتب التاريخ، المصطلح الأعم هو "نكبة بغداد"، الاصطلاح اللي بيشير لاجتياح المغول بقيادة "هولاكو خان" حاكم إلخانية فارس لمدينة بغداد، عاصمة الخلافة الإسلامية، بتكليف من الخاقان الأكبر "منكو خان" اللي طلب من أخوه "هولاكو" استكمال توسعات المغول في جنوب غرب آسيا، التوسعات اللي كان بدأها جدهم الخاقان الأعظم "جنكيز خان"، وهو ما قام بيه "هولاكو"، اتمكن جيشه من اقتحام بغداد بعد أن حاصرها 12 يوم، فدمرها وأباد مُعظم سكانها، اجتياح هو الأبشع في تاريخ الإنسانية، استباحوا دار الخلافة العباسية وارتكبوا أشنع المذابح وقتلوا الخليفة العباسي "المستعصم بالله"، زي النهاردا كدا من 765 سنة، الخليفة المغفل اللي هادنهم ومنحهم النقود والهدايا، وكان طمعان إنه يجوز ابنه لبنت "هولاكو"، وخرج له هو وأولاده التلاتة، "ابن تغري بردي" قال في ج7 من "النجوم الزاهرة" إن المغول ارتكبوا ما يُعرف بالمذبحة الكبرى..
في يوم 14 فبراير 1258م، اجتاح المغول طُرقات بغداد، واستباحوها وقتلوا كل صادفتهم ونهبوا وحرقوا كل ما صادفوه، استباح المغول بغداد 40 يوم، مالوا على البلد وقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان،، كانوا يذبحوا الرجل ويسبوا من يختاروه من بناته وجواريه، ويغتصبوهم في الشوارع ويقتلوهم ويمثلوا بجثثهم، القليل بس اللي نجي، وأغلبهم كان ممن اختبأ في الآبار وأقنية المجارير والأوساخ، وأقدم بعض الناس على الاختباء في الحانات والدكاكين وأقفلوا الأبواب على أنفسهم، فكان عسكر المغول يكسروا الأبواب ويهدموا الحيطان أو يحرقوها، ويقتحموا تلك الأماكن ويقتلوا من فيها، وقام بعض هؤلاء بمحاولة الاحتماء على السُطوح، فكان المغولين يصعدوا ورائهم ويذبحونهم، فتسيل دمائهم في المزاريب لحد ما تغرق الأزقة والحواري وتصبغ الطرقات بلون الأحمر القاني،. يقول "ابن كثير" في "البداية والنهاية": "وَدَخَلَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي الْآبَارِ وَأَمَاكِنِ الْحُشُوشِ، وَقُنِيِّ الْوَسَخِ، وَكَمَنُوا كَذَلِكَ أَيَّامًا لَا يَظْهَرُونَ، وَكَانَ الْفِئَامُ مِنَ النَّاسِ يَجْتَمِعُونَ فِي الْخَانَاتِ، وَيُغْلِقُونَ عَلَيْهِمُ الْأَبْوَابَ، فَتَفْتَحُهَا التَّتَارُ إِمَّا بِالْكَسْرِ أَوْ بِالنَّارِ، ثُمَّ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ فَيَهْرُبُونَ مِنْهُمْ إِلَى أَعَالِي الْمَكَانِ، فَيَقْتُلُونَهُمْ فِي الْأَسْطِحَةِ، حَتَّى تَجْرِيَ الْمَيَازِيبُ مِنَ الدِّمَاءِ فِي الْأَزِقَّةِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ" وحرق المغول كُتب العلم والأدب، وقيل أنهم استخدموها جسرًا لِعُبور النهر.. وأنا كتبت عن الأحداث دي بالتفصيل في مقال منفصل جمد قلبك واقرأه من هنا: https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=713083293014209&id=100029376351171&mibextid=Nif5oz
بعد ما حل اللي حل في حاضرة الخلافة، أصبح المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لأول مرة بدون خليفة، بدون حاكم ولو حتى صوري بس كدا، كانت مأساة، أصاب المسلمين إحساس بقرب يوم القيامة، مليون قتيل من المسلمين بتسبح في دمائهم خيول المغول في شوارع بغداد، في الوقت دا أرسل "الناصر يوسف" بابنه "العزيز" للقاء "هولاكو"، محمل بالهداية ورسالة ترجو منه مساعدته في الاستيلاء على مصر، "المقريزي" بيقول إن "هولاكو" طلب منه إمداده بعشرين ألف فارس، ولما عرف المماليك المقيمين في الكرك باللي بيجري طلبوا من "المغيث" ملك الكرك تكرار مهاجمة مصر للاستيلاء عليها، فوافق، وبعت جيش على الحدود المصرية وهناك هزمته قوات "قطز" رغم إن معظم المماليك تخلوا عنه، وبعد هروب المغيث على الكرك رجع "قطز" على قلعة الجبل وأمر بإعدام بعض المماليك والأمراء اللي تنكروا له أثناء المعركة، وكانت نتيجة الاضطرابات محاولة المماليك الصالحية تنصيب الأتابك "سنجر الحلبي" سلطان على مصر لكن "قطز" سارع باعتقاله في سجن القلعة، ودخلت سنة 1259م، راح المغول يحاصروا "ميافارقين" في شمال ديار بكر بين دجلة والفرات، وحاول الملك "المغيث" الاستيلاء على دمشق ولكنه انهزم وعقد صلح مع "الناصر يوسف"، واتفقوا على ترحيل المماليك المقيمين في الكرك لدمشق، وبمجرد وصولهم قبض عليهم "الناصر يوسف" ورماهم في السجن..
أكمل المغول زحفهم على بلاد الشام، وبدأت الأهالي الشاميين في الارتحال للجنوب، قاصدين الاحتماء بمصر، دار الأمن والأمان، وأقبلت جيوش المغول على بلاد الشام، ووصل للسلطان "الناصر يوسف" رسالة من "هولاكو"، كان فيها: "إذا وقفت على كتابي هذا فسارع برجالك وأموالك وفرسانك إلى طاعة سلطان الأرض شاهنشاه روي زمين، تأمن شره وتنل خيره... ولا تعوق رسلنا عندك كما عوقت رسلنا من قبل، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وقد بلغنا أن تجار الشام وغيرهم انهزموا بأموالهم وحريمهم إلى مصر، فإن كانوا في الجبال نسفناها، وإن كانوا في الأرض خسفناها"، الرسالة المرعبة دي خلعت قلب السلطان، فزع "الناصر يوسف" من الكلام وبعت حريمه على الكرك عند الملك "المغيث عمر"، ولما عرف السوريين في دمشق الأخبار أصابهم الرعب، وأسرعوا بالهرب على مصر ومات كتير من الناس بسبب قساوة البرد ومنهم من مات بسبب بطش قطاع الطرق، ولما عرف "الناصر يوسف" إن المغول قرروا الهجوم على سوريا بعث "كمال الدين بن العديم" على مصر بجواب يستنجد فيه بجيشها، في الوقت دا طلع "هولاكو" من بغداد واجتاح ديار بكر ومنها على آمد في طريقه لحلب، وفي السكة حاصر حران بالمجانيق واستولى عليها، وراح جنود من جيشه نهر الفرات ونهبوا القرى، لما عرف أهل حلب أن الجيش المغولي جاي ليهم قرروا تركها فهربت أعداد منهم على مصر..
فضل المغول الاقتراب من حلب ودخلوا في معارك مع الجنود الشاميين اللي خرجوا يحاربوهم، وأباد المغول كل من حاربهم، استشهد عشرات الآلاف في معارك منفصلة متصلة، "ابن تغري بردي" قال في ج7 من "النجوم الزاهرة" مع تقدم الجيش المغولي زاد فزع "الناصر يوسف" وقرر أنه يقابل "هولاكو" بنفسه وراح برزه، وفي نفس الوقت بعث جواب للملك "المغيث" في الكرك ولنائب السلطنة المصرية "سيف الدين قطز" يستنجد بهم، وصل "هولاكو" لحلب وبعت لصاحبها الملك العجوز المعظم "تورانشاه الأيوبي" يطلب منه تسليم المدينة، فلما رفض حاصر المغول الأسوار ودخلوها بخدعة، أعطى المغول الأمان لأهلها إذا فتحوا الأبواب دون مقاومة، ولكن زعيمهم "توران شاه" قال لهم: "إن هذه خدعة، وإن التتار لا أمان لهم ولا عهد"، لكن شعب المدينة كانوا أحبطوا من سقوط "ميافارقين"، وعدم مساعدة أميرهم "الناصر يوسف" لهم، وبقائه فى دمشق، تخلى عنهم تحت حصار المغول لهم.. الإحباط قاد الشعب للرغبة فى التسليم، واقتحم المغول المدينة بعد 7 أيام وقتلوا أعداد لا تُحصى من الحلبيين، وأعطوا الحريم لزوجاتهم وسجنوا أولادهم ونهبوا أموالهم وممتلكاتهم، استمرت المجزرة 5 أيام وملئت الأرض بجثتهم فبقوا المغول يمشوا فوق الجثث من كترها..
في موسوعة "تاريخ الإسلام" بيقول الدكتور "راغب السرجانى" إن المذابح البشعة ارتكبت رجال ونساء وأطفال حلب، وتم تدمير المدينة تمامًا، وخرب المغول أسوار المدينة عشان تفقد المقاومة فاعليتها، لكن قلعة حلب ما استسلمتش، ضربها "هولاكو" بالقوة لغاية ما استولى عليها في 25 يناير 1260م، وخربها هي وكل أسوار حلب وجوامعها وبساتينها لدرجة أن المؤرخ بدر الدين العيني وصفها بأن شكلها صار بقى زي "الحمار الأجوف"، وسمح "هولاكو" للملك "تورانشاه" بالخروج من حلب من غير ما يتعرض له عشان كان كبير في السن، ويمكن الإفراج عنه كان بغرض سياسي أو بروباجاندا لحملته العسكرية مش أكتر، على كل حال مات "توران شاه" بعد سقوط حلب بأيام، بعد قرابة 3 سنين من حكم نور الدين علي بن أيبك مصر، بدأ صدى طبول الحروب التتارية يتردد على حدود مصر، واقتربت رياح الغزو التتري لبلاد الشام ومصر، ولم يكن بوسع السلطان الصبي نور الدين علي أن يفعل شيءًا إزاء خطر التتار الداهم والقريب، السلطان الصغير كان صبي طايش، كان بيقضي وقته في ركوب الحمير والتنزه في القلعة، واللعب بالحمام مع الخدم ومعاكسة الجواري في الحرملك، واللي كان بيحكم البلد فعليًا هو نائب السلطنة "سيف الدين قطز"، ومع كل خبر جديد بيوصل عن وحشية المغول كانت الأحوال في مصر بتزداد اضطراب، ومع اقتراب جحافل جيوش العدو من الشام وصلت استغاثات "الملك الناصر" لمصر..
في كتاب "السلطان المظفر سيف الدين قطز بطل معركة عين جالوت"، قال الدكتور "قاسم عبده قاسم" إن الملك أرسل كتاب حمله المؤرخ والفقيه "كمال بن العديم" لمصر، بيستنجد بعساكرها، واجتمع الأمراء في قلعة الجبل عند بلاط الملك "المنصور نور الدين علي"، وفي قلعة الجبل كان واضح إن العيل الصغير اللي على تخت الملك مفيش عنده حل ولا ربط، وكان "قطز" ساخط على لا مبالاة السلطان "المنصور علي" وتحكم أمه بيه وتدخلها في شئون السلطنة، وقال للأمراء: "الموقف يحتاج إلى سلطان قوي قادر على التصدي للعدو المغولي، وأن الملك المنصور علي صبي صغير غير قادر على حكم المملكة"، وتابع إن المقال دا بتاع "أحمد الكراني"، واللي هيسرقه مش هياخد باله من السطر دا، الاجتماع حضره كبار أهل الرأي من العلماء والقضاة زي قاضي القضاة "بدر الدين حسن السنجاري"، والشيخ "العز بن عبد السلام"، وكان الاجتماع آخر خطوات قطز نحو وصوله لعرش مصر وقتال المغول، ورغم إن حكم وسلطنة "علي" كانت على عاتق "قطز" من البداية، ولكن الخطر المحدق بالأمة دفع "قطز" لاستغلال اجتماع القلعة لخلع السلطان الصبي، وأخد في الاجتماع يتحدث عن مساويء "المنصور علي" وقا: "لابد من سلطان قاهر يقاتل هذا العدو"..
وبتاريخ 1 مارس 1260م سقطت دمشق بأيدي المغول بقيادة "كتبغا خان"، اللي عينه "هولاكو" نائب له عن الشام وكان حاكم دمشق الملك "الناصر يوسف الأيوبي" هرب من المدينة لاجئ في غزة، آثر أهل دمشق الاستسلام خوفًا من مصير مماثل لحلب اللي ارتكب فيها المغول مجازر مروعة، فدخل المغول المدينة بدون قتال فيما عدا القلعة اللي استمرت بالمقاومة، كانت معركة مش متكافئة بأي حال، سقطت تحت ضربات المجانيق وتهدمت أبراجها وحصونها، وتم إعدام كل حاميتها ورغم أن المغول عاثوا فساد في دمشق ولكنها ما اتعرضتش للدمار اللي تعرضت له بغداد وحلب بعد سقوطهم في إيد "هولاكو"، آذن سقوط دمشق بنهاية الحكم الأيوبي في الشام، وهكذا، ما بقاش صامد في العالم الإسلامي كله إلا مصر، وفي مصر كان العرش في مهب الريح والسلطان الصغير بيطمع أي حد في البلد، فما بالك بقى إن العدو هم المغول، ولكن، زي ما قال الكاتب "علي أحمد باكثير" على لسان "قطز" في روايته الخالدة "وا إسلاماه": "أشعر أن جبار السماوات قد أعدني لمواجهة جبار الأرض"، بس العقبة لسة على العرش، رتب لخلع السلطان "المنصور علي"، واستشار مولانا شيخ الإسلام "العز بن عبد السلام"، وأفتاه بجواز عزله خوفًا على مصالح الأمة.. واخد بالك..
ساعد "قطز" في الوصول لهدفه أن مساويء السلطان المنصور كانت لا تحتمل، انفض الجميع من حوله، واستهتر في اللعب وتحكمت أمه في أمره فاضطربت الأمور، وانتهز "قطز" الفرصة المناسبة لما خرج أمراء المماليك البحرية والمعزية في رحلة صيد في منطقة العباسية في الشرقية، وعلى رأسهم الأمير "سيف الدين بهادر" والأمير "علم الدين سنجر الغتمي"، وكان دا في يوم السبت 24 ذو القعدة 657 هـ 1259م، في ج1 من "السلوك" قال "تقي الدين المقريزي" إن "قطز" قبض على السلطان "المنصور علي" وعلى أخوه "قاقان" وعلى أمهم، واعتقلهم في أحد أبراج القلعة، وفي اليوم دا انتهت مدة حكم السلطان "المنصور علي" واللي استمرت سنتين و8 شهور، ولما رجع المماليك من رحلة الصيد دخل "سيف الدين بهادر" و"علم الدين سنجر" على "قطز" وأنكروا عليه ما فعله، فأخبرهم بخطر التتار القادم على بلاد الشام ومصر، وقال لهم: "إني ماقصدت إلا أن نجتمع على قتال التتار، ولا يأتي ذلك بغير ملك، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو، فالأمر لكم في السلطنة ماشئتم" ارتضى المماليك بالأمر الواقع، وبالفعل تم تنصيب "قطز" سلطان بعد ما وعد الأمراء بالاستقالة بعد النصر على المغول.. اقرأ المقال دا: https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=959220698400466&id=100029376351171&mibextid=Nif5oz
بقى طريق التتار ممهد لغزو مصر وإسقاطها، في ج17 من "البداية والنهاية" بيقول "ابن كثير" إن التتار فعلوا بالشام الأفاعيل، نهبوا البلاد كلها بعد اجتياحها وإبادة أهبها لحد ما وصلوا لحد غزة، وعزموا على دخول الديار المصرية، لكن، تدخلت أقدار الله وألطافه لحماية عباده وإبقاء كلمة التوحيد في أرضه، لأن خلال تجهيز الحملة اضطر "هولاكو" لسحب معظم جيشه ورجع إلخانية فارس، بسبب الاضطرابات في العاصمة، أخوه الخان الأكبر "مونكو خان" نفق في الصين سنة 1257م، واتنازع أخواه الآخرين قوبلاي وأريق بوكا على ولاية العرش، "هولاكو" راح العاصمة لترشيح "قوبلاي" كخان أعظم، خصوصًا مع التهديد اللي كان بيمثله ابن عمه "بركة خان"، اللي حكم القبيلة الذهبية بالقبجاق وتوعد "هولاكو" بالانتقام بسبب كل مدابح المسلمين على إيديه، وتجرئه على مقام الخلافة وقتل الخليفة "المستعصم بالله"، وبعد انسحاب الغالبية العظمى من حشود الجيوش التترية، بقى قائده "كتبغا" وتحت إمرته 2 دومين يعني حوالي 20 ل30 ألف مقاتل، وبقى "كتبغا" خان أمير جيش المغول الموجود في الشام، حاول "كتبغا" باعتباره مسيحي التحالف مع مملكة بيت المقدس الصليبية، لكن جت تقديرات إلهية تانية واتقتل ابن أخوه في مدينة "صيدا"، على إيد مجموعة فرسان الهيكل، فقام بمهاجمة الصليبيين في المدينة ودمرها، وقعد يكرر كلامه بإن المقال دا بتاع "أحمد الكراني"، واللي هيسرقه مش هياخد باله من السطر دا، اللي عمله "كتبغا" كان أكبر غلطة في حياته كلها، لأنه بدل ما يكسب صداقة الصليبيين كسب عداء بدون داعي..
كان الوضع في مصر عند اقتراب التتار منها متأزم جدًا، يموج بالاضطرابات والأزمات الشديدة، والفتن الناتجة عن الصراع على كرسي الحكم، وإن كان "قطز" استقر على كرسي الحكم، إلا إن الطامعين في الكرسي كتير والحاقدين عليه شخصيًا أكتر، والفتنة دايرة بين المماليك البحرية وبين المماليك المعزية، دا غير إن العلاقات كانت ممزقة تمامًا بين مصر وجيرانها، وفيه أزمة اقتصادية بتمر بيها البلد لأنها مستنزفة من تكاليف مواجهة الحملات الصليبية المتتالية، وحاجة نيلة يعني، وفي الوقت اللي كان فيه "سيف الدين قطز" مشغول بإعداد الجيش، جاءت رسالة من "هولاكو" شايلها أربع رسل من التتار، كانت الرسالة إعلان صريح بالحرب أو تسليم مصر للتتار، هاكتب لكم نصها في كومنت، وبسببها عقد قطز مجلس ضمّ كبار الأمراء والقادة والوزراء، لمناقشة أمر الرد، كان "قطز" مصمم على خوض الحرب ورافض لمبدأ التسليم، في الوقت اللي اتردد بعض الأمراء في قبول رأي "قطز"، فقال "قطز" مقولته المشهورة: "أنا ألقى التتار بنفسي"، وثبت في معظم مصادر التاريخ إنه قال أكتر من جملة أيقونية، زي مثلًا لما قال: "يا أمراء المسلمين لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المسلمين"، ولكن أنا عاجبني جدًا جملة الختام اللي أنهى بيها كلامة بقوله: "من للإسلام إن لم نكن نحن؟!" وبعدها أمر بعمل عرض عسكري لفرق الجيش المصري، ومشي في طريق الصحراء وانتهى عند بوابة زويلة، وقتل رسل التتار وعلق رؤوسهم على الباب اللي موجود لحد النهاردا شاهد على التاريخ العظيم دا..
- "إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم كله قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وتبيعوا مالكم من الحوائص - وهي حزام الرجل وحزام الدابة- المذَهَّبة والآلات النفيسة، ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه، ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة، مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا"
دا نص الفتوى اللي أفتاها شيخ الإسلام "العز بن عبد السلام"، لحل أزمة التمويل لتسليح الجيش، وفعلًا بدأ "قطز" بنفسه وتنازل عن كل أملاكه لصالح الجيش، وأحضر الأمراء كافة ممتلكاتهم من أموالهم وحلي نسائهم وأقسم كل واحد منهم أنه لا يملك شييء في الباطن، ولما جمعت الأموال ضربت سكاً ونقداً وأنفقت في تجهيز الجيش، ولكنها ما كفتش في تغطية نفقة القوات، فقرر "قطز" إقرار ضريبة على كل رأس من أهل مصر والقاهرة من كبير وصغير، وعمل صكوك على أصحاب الأملاك، وبدأ خطباء الجوامع في تجهيز نفوس الشعب للحرب، وامتلأت المنابر بالخطباء اللي حافظين سورة الأنفال والأعراف، وجرت على الألسنة آيات الحرب والجهاد، ووصلت الحالة المعنوية لحدود السماء، وكل الناس تحمست للقاء ربها عن طريق الاستشهاد في سبيله، وهم بيلاقوا عدوه، واجتمع "قطز" مع مجلسه العسكري لبحث أفضل طريقة لحرب التتار، الدكتور "راغب السرجاني" في كتابه "قصة التتار من البداية حتى عين جالوت"، قال إن "قطز" عبر عن عزمه الخروج بجيش مصر لملاقاة التتار في فلسطين بدل من انتظارهم في مصر، واعترض أغلب القادة على رأيه وفضلوا الانتظار في مصر ليدافعوا عنها، ولكن رأي "قطز" مشي لأنه أفضل عسكريًا ونفسيًا، ومن الأفضل إنهم يمتلكوا عنصر المفاجأة ويختاروا ميعاد المعركة ومكانها، وكان شيخ الإسلام "العز بن عبد السلام" ومن معه من علماء الأمة بيقوموا بعملهم على أكمل وجه، صعدوا منابر المساجد وخطبوا في الناس وشحنو النفوس بالحث على الجهاد، وترغيب كل واحد بالجنة وتزهيده في أمر الدنيا، وبقت نفوس الناس متعلقة بأجر الشهادة في سبيل الله..
بدأ جيش المسلمين في مصر بالتجمع في منطقة صحراء الصالحية اللي في محافظة الشرقية دلوقت، توافدت عليها الفرق العسكرية من معسكراتتدريب المتطوعين المنتشرة في القاهرة والمدن المصرية الكبرى، وهنا لازم التطرق لوصف تكوين الجيش المصري وقتها، دا للرد على أكذوبة جيش المماليك، لا حضرتك هو كان جيش مصري أصلي، بُص يا سيدي، في ج14 من كتاب "صبح الأعشى في صناعة الإنشا" بيقول صاحب ديوان الإنشا "أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي" عن وصف لفيف الجيش في العصر المملوكي، لازم تعرف إن متوسط تعداد سكان مصر فى العصر المملوكى كان حوالى 3 مليون شخ، في القاهرة بس حوالي 600 ألف، وطبقة المماليك أول عن آخر بتتكون من 6 آلاف ل 10 آلاف، ومنهم السلطان اللي هو أكبر راس في الدولة وقائدها، وكان تحته "نائب السلطان" و"أتابك العسكر"، ويعتبر نايب السلطان هو اهم شخص بعد السلطان، ولو السلطان كان ضعيف أو عيل صغير بيكون هو محله، ولقبه "كافل الممالك الشريفة الإسلامية الأمير الأمرى"، وله صلاحيات كاملة وهو الحاكم الفعلي لمصر، وكان أتابك العسكر بمثابة وزير الدفاع كدا، قائد عام للجيوش، وفي حالة خروج السلطان ونائبه والأتابك من مصر لخوض حروب، كان بيتعين في القاهرة نايب مؤقت للسلطان، اسمه "نائب الغيبة"، بيحكم لحين رجوعهم، وبعدين طبقة الأمراء، وبيترأسهم أمرا المئين مقدمي الألوف، أكبر رتب في البلد، كل أمير منهم تحت بيقود حوالى 100 فارس، ومن صلاحيات كل واحد قيادة ألف عسكري، بعدهم أمراء الطبلخاناه، وتحت إيد كل واحد منهم حوالى 40 فارس، وبعدين أمرا العشرات اللى كان تحت ايد كل واحد منهم مابين 10 و 20 فارس، دا غير أمراء الخمسات..
بطبيعة الحال مش كل المماليك كانوا عسكر، كان فيه منهم موظفين بيشتغلوا فى الدواوين الحكومية والبيمارستان وأماكن مدنية مختلفة، وكان العسكر النظامي بينقسم لطبقتين، "طبقة المماليك السلطانية" اللي تابعين للسلطان ومنهم خاصكيته من الحرس، ومش بيزيدوا عن 1000 في المتوسط بيقودهم واحد برتبة "رأس نوبة"، وهم خلاصة الخلاصة من العسكر وبيقوموا بدور الحرس الجمهوري دلوقت، اللي فات دول من المماليك وبس، نيجي بقى للمصريين في الجيش المملوكي، وهم الطبقة التانية "طبقة أجناد الحلقة"، وهم المكون الرئيسي للجيش المصري، الجنود والعساكر كانوا مصريين، عشان كدا الجيش المصرى اتكون من فئات كتيرة من العسكر المصريين، مثلًا أجناد الحلقة وهم بأعداد ضخمة من مصريين بيخدموا في مختلف الفروع في الجيش، بيتكون منهم قلب الجيش المصري وعموده الفقري وهم مش من المماليك خالص، وكمان كان فيه عساكر الاستدعاء اللي هم الرديف زى عساكر الاحتياط دلوقت، وبرضو هم مصريين بيتم استدعائهم للقتال وقت الحرب وغالبًا بينضموا لفئة أجناد الحلقة، وكمان وقت المعارك الكبيرة زي معركة عين جالوت أو وقت فتح عكا أو وقت الحملة الصليبية، كانت فيه فئة أجناد المتطوعة، ودول مصريين من عامة الشعب بينضموا للجيش، متطوعين، استجابة لنداء الجهاد فى سبيل الله، ولازم حضرتك تستوعب الحروب اللى خاضتها مصر فى عصر المماليك، كانت حروب مهولة، شرسة، عنيفة، ضارية، ضد جيوش ضخمة، وساحات المعارك كانت شاسعة زي سهل عين جالوت كدا، مش معقول بأي حال إن مصر خاضت الحروب ب10 آلاف مملوك بس، معظمهم من الفرسان، طب باقي الجيش فين؟ الفروع المختلفه من سلاح المشاة والرماحين والعربات من أسلحة الحصار كالمناجيق وعسكر الخدمات والبيمارستان والمهندسين والزراقي، كل دا كانوا عسكر مصري من أجناد الحلقة والمتطوعة والاستدعاء..
وبعد 5 شهور من التجهيز والإعداد والتدريب اتوجه "قطز" بجيشه على سيناء، اتحرك في أوائل شعبان سنة 658 هـ، خرج من منطقة الصالحية، بزفة من المصريين اللي انطلقوا للشوارع يهتفوا ويهللوا ويكبروا، قواتهم المسلحة درعهم وسيفهم، خرجت للدفاع عنهم وعن دينهم وعن الأمة والتاريخ والمستقبل، خرجت للزود عن الهوية اللي طمسها العدوان على حاضرة الخلافة، وأصبح الإسلام في مهب الريح، وفي أثناء تجهيز الجيش قام "قطز" بجهود حثيثة لتمهيد الطريق للقاء التتار، سلك طريق الساحل الشمالي لسيناء بحذاء البحر الأبيض المتوسط، كانت فيه أجزاء من فلسطين وساحل البحر المتوسط محتلة من الإمارات الصليبية، ومنها إمارات عكا وحيفا وصور وصيدا واللاذقية وأنطاكية، وكانت أقوى الإمارات الصليبية هي إمارة عكا في فلسطين، الإمارة دي بقى موجودة على طريق "قطز" وجيشه، إذا أراد مواجهة التتار في فلسطين لازم يمر عليهم ويواجههم الأول، ودا كان أكبر تحدي هيقابله، فهل يقدر إنه يخوض حربين في اتجاهين مختلفين ويعرض جيشه للهلاك؟ وعشان كدا كان قراره عقد معاهدة صلح مع الصليبيين لتحييدهم عن الخوض في القتال لصالح أي من الطرفين، وبسبب اللي عمله فيهم "كتبغا" كانوا مستعدين لعدم الدخول في صدام مع المسلمين يخدمه، وحط "قطز" في مقدمة الجيش فرقة كبيرة نسبيًا بقيادة "بيبرس"، اتقدمت عن بقية الجيش بشكل واضح للبصاصين، واتخفى بقية الجيش في تحركاته، ومن وراه "قطز" على رأس الجيش الأساسي..
وفي يوم حر وصهد من أيام أغسطس سنة 1260م، خرج "قطز" يسبقه قائد قواته "بيبرس البندقداري" ليكشف أخبار المغول، فواجهت سرية "بيبرس" طلائع جنود المغول في منطقة قرب غزة، كان قائد المغول في غزة هو "بايدر" أخو "كتبغا"، حصلت شوية مناوشات وقتال بدون منتصر حقيقي إلا إن الغلبة مالت لناحية المسلمين، اتجه بعدها "قطز" لمدينة غزة ومنها عن طريق الساحل لشمال فلسطين، واختار "كتبغا" إنه يتجه لقتالهم فجمع جيشه وانطلق باتجاه جيش المسلمين، وبينما "قطز" بيفكر في أمر اللقاء المرتقب إذ دخل خيمته أحد الحراس وبيقوله إن فيه واحد طالب مقابلته لأمر ضروري جدًا، كان قبل يوم من المعركة، فدخل الراجل على السلطان وأبلغه إنه رسول من الأمير "صارم الدين أيبك"، وهو من أمراء المسلمين اللي أسرهم "هولاكو" عند اجتياح الشام، وبعدين قبل الخدمة في صفوف جيش التتار واشترك معهم في مواقع مختلفة، وبقى تحت قيادة "كتبغا" لحد ما وصلوا عند سهل عين جالوت، ونقل الرسول للسلطان "سيف الدين قطز" كذا نقطة مهمة غيرت وجهة نظره في المواجهة، أولًا عرف إن جيش التتار مش بقوته المعهودة، بعد ما "هولاكو" أخد معاه معظم القادة والجند، والجيش المتبقي مش بنفس القوة والجسارة اللي اجتاح بيها بغداد وبلاد الشام..
ثانيًا حط إيده على نقاط قوة وضعف جيش التتر، الميمنة بتاعتهم أقوى من ميسرتهم، وعشان كدا رتب "قطز" إن جيش المسلمين يكون مركز قوته على ميسرته للصمود في قتال ميمنة التتر، وكانت الثغرة الأهم في الجيش التتري هي القلب، اللي فيه أمير حمص "الأشرف الأيوبي" بالإضافة للأمير "صارم الدين"، اللي عقدوا العزم على الانهزام وقت اشتداد القتال في المعركة، ومرت الليلة، الله أعلم ازاي مرت على أمراء الجهاد المسلمين في الجيش المصري، ولك أن تتخيل المشهد، المماليكوالجنود والمتطوعة من العوام وهم يقرأوا القرآن في ليلة رمضانية مهيبة، وحتى مطلع الفجر بين ركع سجد في صلاة خاشعة، وأذن المؤذن لصلاة الفجر، فجر الجمعة 25 رمضان 658 هـ، وقف الشيخ "العز بن عبد السلام" إمام لصلاة الفجر، وارتفعت ألسنة اللهب من المشاعل وأضاءت سهل "عين جالوت"، واصطف وراه جيش المسلمين بقيادة الملك المظفر "سيف الدين قطز"، بعد ما اتمركزت قواته بين تلال سهل "عين جالوت"، ومع أول خيوط شمس الصباح وصلت جحافل جيش التتار تحت قيادة "كتبغا"، النائب الأول لملك المغول "هوﻻكو" حفيد الملك الأسطوري "جنكيز خان" المرعب، وتحت وهج الشمس، تتابع نزول الكتائب المملوكية بألوانها المختلفة، كان واقف "كتبغا" ومعاه "صارم الدين أيبك"، وكل ما نزلت كتيبة سأل "كتبغا": "يا صارم رنك من هذا؟" رنك كلمة فارسية بمعنى لون، وهو بيقصد كتيبة مين دي، وكان "صارم" بيقول: "رنك فلان أحد أمراء المماليك"..
وهكذا، أحمد_الكراني