إقرأ وتمعن . .
سلسلة حلقات العرب الفلسطينيون
الجزء الأول/ فلسطين الأرض المباركة:
فلسطين: فلسطين هي أرض الرسالات والرسل, وهي جزء من الأرض المباركة التي باركها الرحمن في عٌلاه, وهي الأرض التي أنجى الله سيدنا إبراهيم عليه السلام إليها كما أنجى ابن أخيه لوط عليه السلام لقوله تعالى: { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} . وهي الأرض المقدسة التي دخلها موسى عليه السلام والمؤمنين : { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ } . وخصها الله بالتقديس {أن الله تعالى بارك ما بين العريش والفرات , وخص فلسطين بالتقديس} . كما أنها أولى القبلتين, وثالث الحرمين, وأرض المحشر والمنشر, لحديث أبي ذر عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وليس زوجه سألتْهُ فقالت: أَفْتِنا في بيتِ المَقدِسِ، فقال: {أرضُ المَحشَرِ، والمَنشَرِ، وائْتوهُ فصلُّوا فيه، فإنَّ صلاةً فيه كألْفِ صلاةٍ في غيْرِه} . وهي أرض معراج رسول الله صلى الله عايه وسلم: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} . والقول الكريم والأحاديث النبوية كثيرة؛ فهي جزء من عقيدتنا الإسلامية التي نُدين بها لرب العزة لقوله تعالى: { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} . وقال ابن عباس رضي الله عنه في تفسيرها: "التين بلاد الشام, والزيتون بلاد فلسطين وطور سنين الجبل الذي كلم الله عليه موسى موسى عليه , والبلد الأمين مكة", فهذا ارتباط ديني واضح بأرض مقدسة وطاهرة ومباركة يرثها القوم الصالحون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الصالحة. ولقد أبدع واجتهد من سبقنا من علمائنا ومشايخنا في التعريف بأرض الشام وفضائلها فجزاهم الله عنا كل الجزاء, {وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَٰرِقَ ٱلْأَرْضِ وَمَغَٰرِبَهَا ٱلَّتِى بَٰرَكْنَا فِيهَا} . والتي قال أغلب المفسرين ومنهم قتادة : "أن مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها هي بلاد الشام", فيما قال أبو الشيخ عن عبد الله بن شوذب أنها فلسطين؛ فالشام هي البلاد المباركة, وصفوة بلاد الله التي بها صفوة خلقه, لقوله صلى الله عيه وسلم: {الشَّامُ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ بِلادِهِ، يَجْتَبِي صَفْوَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَمَنْ خَرَجَ مِنَ الشَّامِ إِلَى غَيْرِهَا، فَبِسَخْطَةٍ، وَمَنْ دَخَلَهَا فَبِرَحْمَةٍ} .
اسم فلسطين:
فلسطين ذلك الاسم الكبير والموقع المميز الذي جعلها الجسر الذي ربط حضارات العالم القديمة بها, فهي حضارة الأنسان الأقدم في عصور التاريخ وعصور ما قبل التاريخ, والذي قسمه المؤرخون والباحثون في فلسطين في عصور ما قبل التاريخ إلى ثلاثة أقسام هي: ( العصر الحجري القديم 500000 ق.م- 14000 ق.م , العصر الحجري الوسيط 14000 ق.م – 8000 ق.م , العصر الحجري الحديث 8000 ق.م – 4500 ق.م). أما في العصور الحديثة فقد قسمها الباحثون والمؤرخون إلى: (العصر البرونزي 3200 ق.م -2000 ق.م, العصر الحديدي 1200 ق.م -330 ق.م) وهذا العصر الحديدي هو عصر الفلسطينيين .
اسم فلسطين في العهد القديم:
لقد دلت السجلات الرافدية والسورية الشمالية وفي التاريخ القديم على أن أسماء المناطق الواقعة جنوب الشام عُرفت باسم (أمورو)، حيث كان هذا الإسم يُطلق على منطقة الشام عموماً، والأراضي الواقعة غرب الفرات خصوصاً, وذلك في الألف الثالثة قبل الميلاد حيث كانت تُعرف به "الأرض الغربية". أما اسم فلسطين "بالستين" الذي عَرَبَهُ العرب فنطقوه "فلسطين, فهو مشتق من اسم الشعب الذي سكن السهول الشمالية والجنوبية من البلاد الشامية, ويُسمى "الفلسطينيين". ولعل أول إشارة إلى هذا الإسم هي بلاستو الذي أطلقه الملك الآشوري أداد نيراري الثالث في القرن الثامن قبل الميلاد, حين أشار بذلك الإسم إلى ساحل فلستيا, (أي ساحل الشام الجنوبي) الذي كان يسكنه الفلسطينيون, ثم أطلقه اليونان والإغريق في عهدهم على هذا الجزء منذ وجودهم. أما أول من أطلق اسم فلسطين ورسَّمَهُ على العملة فهو الإمبراطور الروماني فسباسيان سنة 70م, وبذلك أعطاها الصفة الرسمية للبلاد وسكان القسم الجنوبي من الشام عامة, رغم أن هذه الكلمة كانت وظلت تُطلق في العهد القديم على أقوام الفلسطينيين بالمنطقة الساحلية جنوبي فينيقية .
كما أن فلسطين قد عًرفت منذ القرن الثامن عشر قبل الميلاد بأرض كنعان (الشام الجنوبية), كما دلت عليها مسألة " أدريمي" والمصادر المسمارية, والتسمية الفرعونية المصرية لهذه الأرض التي سكنتها القبائل العربية. فاسم فلسطين قد ذكره البعض على أنه غالباً ما يكون أصل كلمة (فلستيا), وهي فلستي تحريفاً لفلسطين في السجلات الآشورية والبابلية التي دلت عليها, كما ورد أنه يُستدل علي تسمية فلسطين "بلستيا" على أساس الأرض الساحلية التي سكنها الكنعانيون الأموريون, واختلطت بهم قبائل العماليق بعربة, أي الجزء الجنوبي من سوريا, والممتدة بين سيناء جنوباً وغور الأردن شرقاً, والبحر المتوسط غرباً, (وهذا الإستدلال ليس على فلسطين بل الإستدلال على أرض كنعان أو الشام الجنوبية, أو القبائل الفلسطينية التي سكنتها). فيما أن توراة يهود المحرفة لا تذكر اسم فلسطين قبل داوود موسى عليه , ولا الفلسطينيين, وأن التلاعب تم في ترجمة كلمة فلستيم على أنها فلسطين, للدلالة على أنهم جاءوا متسللين من جزيرة كريت البحرية , كما قالوا أن الرومان هم الذين أطلقوا كلمة فلاستو على شعوب بحر إيجة, في حين أن الفلسطينيين أقدم من الرومان واليونان .
لقد اختلف الباحثون والمؤرخون في تحديد اسم فلسطين حتى أن البعض منهم سايروا الأسفار والكتب المحرفة, ونقلوا التزييف عنها مع أنها مزيفة, ومنها مدسوس, ونقل البعض عنها بقصد النية أو النقل, فمنهم من قال بأنها نسبة إلى فلسطين بن كوسجين بن إبطن بن يونان بن يافث بن نوح موسى عليه , كما في الأنس الجليل المقتبس من كتاب ابن الفقيه الهمداني, وقيل فلسطين بن سام بن أرم بن سام بن نوح موسى عليه , وقيل فلسطين بن كلثوم من ولد نوح موسى عليه , وقيل فلسطين بن كسلوخيم من بني يافث بن نوح, ويٌقال ابن صدقيا بن عيفا بن حام بن نوح موسى عليه , (كلها مرويات غريبة مأخوذة من تكهنان وكتب اليهود والنصارى) .
فيما يذكر ما يُسمى بالكتاب المقدس, ومرويات أسفار يهود, وسفرهم التكوين: أن معنى كلمة فلسطين جاءت من كلمة فلستي, (أي المهاجر), وأن الفلسطينيين هم من أبناء فلشتيم الذين هم أبناء فتروسيم وكسلوحيم أبناء مصرايم الذين عاشوا في كفتور وهي جزيرة كريت وليس فلسطين, علماً أن مصرايم وَلِدَ لوديم وعناميم ولهابيم ونفتوحيم, أما فتروسيم وكسلوحيم فهما الذان خرج منهما فلشتيم وكفتوريم .*.
فيما يذكر سفر التكوين هذا: أنه عندما جاء إبراهيم موسى عليه إلى أرض كنعان (فلسطين), كان الكنعانيون حينئذٍ في الأرض, ولم يكن الفلسطينيون". كما يذكر في موقع آخر أن الفلسطينيين الذين عاشوا في كريت (يقصد بلاد اليونان), قد غزوا أرض العويين الكنعانيين وأبادوا العويين, واحتلوا أرضهم (كأنهم غرباء), وعُرفت الأرض باسم فلسطين من بعد هذا . كذلك يذكر نفس سفر التكوين أنه أيام خروج بني إسرائيل من مصر, "أن الفلسطينيين كانوا شعباً عظيماً ذا بأس, وكانت مدنهم الحصينة غزة وأشقلون وأشدود وعقرون تتاخم الطرق الساحلية المؤدية من مصر إلى كنعان, وأن بني إسرائل لم يكونوا مستعدين لأعمال حربية ضدهم, لذا أرشدوا إلى إتخاذ طريق أُخرى, (تناقض في أسفارهم الموضوعة, ودليل على وجود الأقوام الفلسطينية في الساحل). أما سفر الخروج فيقول لبني إسرائيل: (إجعل تخومك من بحر سُوفٍ إلى بحر فلسطين, ومن البرية إلى النهر, فإني أدفع إلى أيديكم فتطردهم من أمامك) .
كما يروي سفر يشوع فيقول: "أن الفلسطينيين في الساحل احتكروا صناعة الآلات والأسلحة الحديدية, وأنهم بعد موت داوود وسليمان عليهما السلام, عادوا واستردوا مدن الساحل, وأنهم تسلطوا على العبرانيين وأذلوهم, ثم هزموا العبرانيين, وهم الذين أخذوا تابوت العهد, كما أنهم هم الذين هزمهم صمؤيل بعد عشرين عاماً على ثخوم الأرض المقدسة , وأنهم لم يرد لهم ذكر زمن داوود وسليمان عليهما السلام, بل أنهم كانوا بعد موت سليمان موسى عليه يغيرون وينهبون بني إسرائيل, كما ذكرهم سفر أشعياء: (ينقضان على أكتاف الفلسطينيين غرباً, وينهبون بني المشرق معاً, يكون على لآدوم ومؤاب امتداد يدهما, وبنو عمون في طاعتهما) .
ومن إختلاف آراء الباحثين حول الفترة التاريخية التي أُطلق فيها اسم فلسطين على المنطقة الجنوبية من سوريا, قول معاوية إبراهيم في دراسته: "لا نملك حتى الآن وثائق تاريخية توضح اسم فلسطين قبل الأف الثاني قبل الميلاد, أما بلاد الشام بلاد أمورو فقد عُرفت في النصوص الأكادية في الأف الثالث ومستهل الأف الثاني قبل الميلاد على أنها بلاد أمورو, وقد عُرفت فلسطين منذ القرن الثامن عشر قبل الميلاد بأنها أرض كنعان, وهي البلاد التي ذكرها البعض أنها أصل كلمة فلسطين, والذي هو فلستا (فلستي) التي وردت في السجلات الأشورية أيام الملك الأشوري أدد نيراري الثالث أي حوالي 800 ق.م باسم أرض فلستا أو فلستو (هي فلستي) أرض الفلسطينيين, كما هو في العهد القديم وعاصمتها أشدود, والمقصود بها كامل الأرض الفلسطينية الممتدة من سيناء حتى غور الأردن شرقاً, والذي أصبح اسم فلسطين في العهد الروماني مصطلحاً رسمياً لها منذ عهد هدريان, وهذا الإسم يعود تلك القبائل التي استقرت بالمنطقة, والتي دلت الأبحاث على أن الفلسطينيين ورثوا ثقافة الكنعانيين الشاميين بسرعة, وخاصة الأشدوديين لوحدة الأصل العربي, حيث استعملوا لغتهم مع إختلاط اللهجات, وعبدوا آلهه فلسطينية لهم مثل (داجون, بعل, عشتار) .
أما الباحث الماجدي فيقول: أن الرأي القائل بأن فلسطين سُميت أرض كنعان قبل مجيء العبرانيين هو رأي خاطئ, فقد كان اسم فلسطين هو: (مريام أو مريم), وهو ما يرد في ملحمة اللالي (الملك الكبير) حيث نقرأ (وفي مريام الشمالية تصاعد القمع والإستبداد, ومن كان سبب سعادته طرده ليحصل على تاج مليكه, وكذلك أصبح بعل الذي هو ابن الإله إيل يسأل من قبل شعب مريام). فكلمة مريام مكونة من مقطعين هما (مر) و (يام), وهي تجمع بين اسمي إله الأموريين (مر) والآلهة الأم للأموريين الكنعانيين (يم), وهذا يعني أن هذه الأرض كانت مسكناً للأموريين والكنعانيين القدماء, والتي قادتنا الإستنتاجات أن اسم كنعان هو اسم لاحق, لا يدل على حقيقة هذا الشعب, وأن الاسم الأرجح هو (شام), وهو ما يدل على الأرض والشعب , وأن اسم أرض (مريام) التي هي أرض فلسطين .
والذي أكده المؤرخ العربي زمن اليونان هيرودوت, أنه في القرون القديمة وخاصة الألف الثاني قبل الميلاد, لم تُذكر فلسطين بل كانت أرض كنعان ( أرض القبائل الكنعانية), حتى ظهر اسم فلسطين في العهد اليوناني, وأصبح اسم فلسطين في العهد الروماني ينطبق على كل الأراضي المقدسة , كَاسم علم .
كما يتحدث هيرودوت عن أقوام عربية شاركت الفرس في حروبهم وكانوا ضمن جيوشهم, وأن هذه الأقوام من سوريي فلسطين, وقد كانوا في العصور القديمة يعيشون على ساحل البحر الأريتوري (الأحمر), ولكنهم قاموا لاحقاً بالإنتقال عبر سورية إلى الساحل الشريطي الذي يقطنونه حالياً, ولكن هذا القسم من سورية وكافة الأراضي الممتدة حتى مصر تسمى فلسطين. كما لم يذكر المؤرخ اللإغريقي هيرودوت بني إسرائيل أو يهودا أو الهيكل في زمنه, بل لم يشر إليهم ككيان أو قوم باسمهم الإقليم, ولا لأي قوم من الأقوام التي تشير إليهم التوراة على أنهم سكنوا جوار بني إسرائيل, بل أنه يشير إلى الإقليم باسم فلسطين, كما لم يُشِرْ إلى غزو نبوخذ نصر للإقليم وسبي اليهود, بل دلالة على نقلهم (لا عملية سبي), في حين أنه سبقه بسنوات قليلة, حتى الإحتلال البطليسي والسلوقي أطلقوا على الإقليم اسم فلسطين, كما جاء بعدهم الرومان وأطلقوا على الإقليم اسم فلسطين بعد أربعة قرون من زمن هيرودوت. كذلك الأمر ينطبق على الفيلسوف الإغريقي ثيوفراستوس (372-288 ق.م) الذي أشار في إحدى مؤلفاته إلى اليهود دون الأشارة إلى مقاطعة يهودية أو علمه بمدينة إسمها أورشليم. وكذلك الفليلسوف اليوناني أرسطو (384-322 ق.م) الذي اشار إلى بحيرة في فلسطين دون ذكر أي وجود لليهود أو اسم يهوذا, وأيضاً كتابات هيرونيموس الكاردي (في النصف الثاني من القرن الرابع والنصف الأول من القرن الثاني قبل الميلاد) الذي أشار إلى البحر الميت (بحيرة لوط) في بلاد النبطيين العرب, ولم يعرف إقليماً اسمه يهوذا أو أرض إسرائيل, وكذلك المؤرخ كزنوفيلوس (في القرن الثالث قبل الميلاد) الذي أشار إلى البحر الميت قرب يافا, ولم ينقل علمه بوجود مدينة اسمها أورشليم, وكذلك العالم الإغريقي غراتوسثنيس (275-194 ق.م) وباليمو الإيلومي (في النصف الأول من القرن الثاني قبل الميلاد), الذين لم يذكروا أرض أسرائيل ولم تكن لهم معرفة بها في كتبهم, ولو عرفوا ذلك لكتبوه في كتبهم, بل كان حديثهم عن البلاد المسماة سورية - فلسطين .
أما ما ذكره المؤرخ اليهودي القديم يوسفوس (37-100م)*. عن اسم فلسطين: (بأنه كان لمرصيوص ثمانية أبناء قطنوا جميعاً المنطقة الممتدة من غزة إلى مصر, ولكن فلسطينيوس هو الإبن الوحيد له الذي حافظت البلاد على اسم مؤسسها, لذا كان السبب أن الإغريق يطلقون على هذا القسم اسم فلسطين) . فهذا واضح اقتباسه من سفر التكوين , وتحويل اسم مصريموس وفق الإسم اليوناني إلى مرصيوس, حيث أن العهد القديم لا يشير إطلاقاً لإبن مزعوم لمصريم باسم فلسطين؛ كما أن يوسفوس يوظف الإسم الجغرافي فلسطين للدلالة على كامل البلاد, حتي حين حدد موقع مدينة دمشق واللجة اللتان تقعان وسط المنطقة بين فلسطين وسورية .
أما كتابات وأسفار يهود ومنها التلمود فتذكر فلسطين بالإسم (فلسطينة) الذي استبدلونه بمصطلح أرض إسرائيل كمصطلح سياسي لاهوتي ديني, لذا نجد أن اسم فلسطين ( فلسطيني) الوارد في سفر التكوين لا يدل على إسرائيل, بل يدل المصطلح على ثلاثة بلدان هي فينيقيا والعرب الإسماعيليون وفلسطيني .
إن فترة الإحتلال الفارسي لفلسطين وما تلاه من اليونان الإغريق ثم الرومان لم نجد فيه إشارة صريحة في مراجع مؤرخيهم وجغرافيهم القدماء تبين شيء اسمه أرض إسرائيل, أو يهوذا, أو أورشليم, أو هيكل سليمان, أو سبي بابلي لليهود, فكلها ترهلات وتلفيقات يهودية منكرة لأسباب لاهوتية وتاريخية دينية وسياسية, وأن اسم الإقليم الوارد في كل ما ذٌكر منذ القِدم هو اسم فلسطين.
فالفلسطينيون . . قبائل عربية تحركت من مواطنها الأصلية بشمال غرب نجد والحجاز وجنوب الشام ووادي رم وحسمى على دفعات وتحركات وتنقلات, كان آخرها من خرج من جبلي طيء (آجا وسلمى), واستقر بالشام, فكانت قبيلته (طيء) هي القبيلة السائدة, ومعبودها الفلس هو المعبود الذي عبدوه, فساد إسمهم على تلك البلاد, فدانت لهم, وحملت اسمهم فلس طيء ( فلسطين), ودخلت معهم القبائل العربية الإسماعيلية والثمودية الأخرى حاملين ذلك الإسم وثقافته مع ثقافة الأقوام السابقة بالمنطقة, والذي أصبح اسم علم لتلك البلاد.
حتى أن ياقوت الحموي ذكر اسم ذلك المكان بأنه (جش إرم), الذي خرج منه أيضاً الأخلامكو الأحلاف ( الذين أُطلق عليهم الأراميين), واستقروا شمالاً, فقال: (أنه اسم جبل عند أجأ وسلمى جبلي طيء, وهو أحد جبالها, وفيه صور منحوته بالصخر, وهو مساكن قوم عاد وإرم) وهي الأماكن القديمة التي غادرتها تلك الأقوام قديماً, ولم يعد لهم ذكر فيها, واستقرت بها أقوام من طيء, ثم تلا ذلك الأقوام القضاعية بتلك المنطقة, حتى جاء الإسلام وهم بها .
لذا غدت فلسطين في العهد الإسلامي (منذ الفتوحات الإسلامية) جزءً عربياً إسلامياً من بلاد الشام, (ليس عربياً كما كانت, بل عربياً إسلامياً من ديار الإسلام) وهي آخر كور الشام من ناحية مصر, قصبتها بيت المقدس, وأقوامها سلائل العرب وجذوتهم, ومن أشهر مدنها بيت المقدس, عسقلان, الرملة, غزة, قيسارية, بيت جبريل (الخليل), نابلس, عكا, يافا, وغيرهم من البلدات, وقد عُرِفت فلسطين طيلة العهد الإسلامي الأول خاصة باسم " جند فلسطين", ومنذ تلك اللحظة وهي تعرف باسم فلسطين مكانً وحضوراً .
كما ذكرها المؤرخون والجغرافيون بهذا الاسم، ومن أشهرهم ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان، إضافة إلى جغرافيين ورحالة مسلمين كثيرين منهم الاصطخري، والبلاذري، والمقدسي، وابن حوقل في كتابه صورة الأرض, والكثير من الراسات والأبحاث الخاصة بتاريخ فلسطين القديم*. { إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَارَكَ مَا بَيْنَ الْعَرِيشِ وَالْفُرَاتِ ، وَخَصَّ فِلَسْطِينَ بِالتَّقْدِيسِ} .
فالصحيح والحق ما ذكره بعض المؤرخين بأن الفلسطينيين شعب عربي أصيل, ومخطئ من ظن غير ذلك, وجاهل من حاد عن هذا القول, ودجال من سار خلف كواليس يهود واستشراق أتباعهم, ولكن الإختلاف في سلائل أنسابهم العربية, وأزمان وجودهم في تلك البقعة المباركة من الأرض, فلا توافق مع الرأي القائل بأنهم أتوا من شمال سوريا من العموريين الكنعانيين نحو الجنوب المصري, كما لا توافق مع الآخرين الذين قالوا أن الفلسطينين من الكنعانيين الأصليين بالشام, والذين لم يهاجروا من الجزيرة العربية, بل هم مواطنون أصليون في بلادهم دون تحديد سبب تسميتهم. أو ما ذكره بعض الكُتاب والمؤرخين من ذلك, أو من إعتقادهم بأنهم عروبيو الأصل من قبائل العماليق الذين تكاثروا بالجزيرة واليمن وانتشروا في الحجاز ونجد والبحرين والشام ومصر, ثم نزحت طائفة منهم إلى فلسطين, وهم القوم الجبارون, واستقروا بها وبجنوبها, والذين منهم الفلسطينيون القدماء التي تُنسب لهم أرض فلسطين, دون تحديد سبب تسميتهم بالفلسطينيين .
***
الفلسطينيون ليسوا بالجبابرة:
إن الفلسطينيين ليسوا هم القوم الجبارين, من العمالقة الجبابرة الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم:{ِإنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} . قد كانوا قوماً وثنيين من أقوام العمالقة التي استقرت بالشام (أرض كنعان), ومنهم اليبوسيون ببيت المقدس, والذين ليس لهم أي صلة تاريخية بالفسطينيين, فهما شعبان تاريخيان منفصلان في أزمانهما, لا صلة بينهما, سوى إرتباطهما بالعروبة الأولى, فالأول أقوام عربية من سلائل عربية قديمة فانية في أزمانها التي تختلف عن الثانية, والثاني من الأقوام العربية من سلائل إسماعيلية باقية في أزمانها, وارثة من حضارة الأول من ذلك الأزمان.
فالجبابرة الكنعانيون الشاميون من الأقوام التي كانت في الأرض المباركة والمقدسة, والذين استبدلهم الله لكفرهم بأقوام مؤمنة, فهلكت تلك الأقوام الجبارة, ومن بقيَّ منها ذاب في الأقوام التي تلتها, {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} . فاستبدل الله تلك الأقوام العربية الكنعانية البائدة بقوم ليسوا مثلهم ولا من جنسهم, وهم بنو إسرائيل: {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرائيلَ} . والتي أيضاً بطرت بني إسرائيل وكفرت بنعم الله في الأرض المباركة, بعد سليمان موسى عليه , فاستبدلهم الله أيضاً في فترة زمنية قصيرة بأقوام عربية ليسوا من جنسهم ولا مثلهم أيضاً, وهم العرب السبئين الإسماعيليين, فجعلوهم قوماً أذلة صاغرين بين الأمم,{وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} . وأصبحت الأقوام العربية السبئية هي السائدة في تلك المرحلة, والتي تختلف في سلائلها عن الأقوام السابقة لها, ثم جاء من تلك الأقوام العربية ومن جنسهم الطيئيون (الفلس طيء), واندمجوا بعروبتهم مع جنسهم, وحملت الأرض اسمهم (فلسطين), وتمازجت وذابت فيهم القبائل الأخري, وأصبحت كلها تحمل اسم بلاد فلسطين, محتفظة بسلائل أنسابها العربية الخاصة, إلى أن جاءت رسالة الإسلام ونبي الرحمة موسى عليه وهم في بلادهم, وباسم أقوامهم وقبائلهم, فدخلوا في دين الله, وبقيت الأرض أرضهم باسم فلسطين إلى يومنا هذا, فيما أمست الأقوام القديمة الأُخرى التي قبلهم في عداد البائدة, {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} .
موسوعة الرحالة الفلسطينية: الجزء الثالث, صفحة 93.
سلسلة حلقات العرب الفلسطينيون
الجزء الأول/ فلسطين الأرض المباركة:
فلسطين: فلسطين هي أرض الرسالات والرسل, وهي جزء من الأرض المباركة التي باركها الرحمن في عٌلاه, وهي الأرض التي أنجى الله سيدنا إبراهيم عليه السلام إليها كما أنجى ابن أخيه لوط عليه السلام لقوله تعالى: { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} . وهي الأرض المقدسة التي دخلها موسى عليه السلام والمؤمنين : { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ } . وخصها الله بالتقديس {أن الله تعالى بارك ما بين العريش والفرات , وخص فلسطين بالتقديس} . كما أنها أولى القبلتين, وثالث الحرمين, وأرض المحشر والمنشر, لحديث أبي ذر عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وليس زوجه سألتْهُ فقالت: أَفْتِنا في بيتِ المَقدِسِ، فقال: {أرضُ المَحشَرِ، والمَنشَرِ، وائْتوهُ فصلُّوا فيه، فإنَّ صلاةً فيه كألْفِ صلاةٍ في غيْرِه} . وهي أرض معراج رسول الله صلى الله عايه وسلم: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} . والقول الكريم والأحاديث النبوية كثيرة؛ فهي جزء من عقيدتنا الإسلامية التي نُدين بها لرب العزة لقوله تعالى: { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} . وقال ابن عباس رضي الله عنه في تفسيرها: "التين بلاد الشام, والزيتون بلاد فلسطين وطور سنين الجبل الذي كلم الله عليه موسى موسى عليه , والبلد الأمين مكة", فهذا ارتباط ديني واضح بأرض مقدسة وطاهرة ومباركة يرثها القوم الصالحون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الصالحة. ولقد أبدع واجتهد من سبقنا من علمائنا ومشايخنا في التعريف بأرض الشام وفضائلها فجزاهم الله عنا كل الجزاء, {وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَٰرِقَ ٱلْأَرْضِ وَمَغَٰرِبَهَا ٱلَّتِى بَٰرَكْنَا فِيهَا} . والتي قال أغلب المفسرين ومنهم قتادة : "أن مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها هي بلاد الشام", فيما قال أبو الشيخ عن عبد الله بن شوذب أنها فلسطين؛ فالشام هي البلاد المباركة, وصفوة بلاد الله التي بها صفوة خلقه, لقوله صلى الله عيه وسلم: {الشَّامُ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ بِلادِهِ، يَجْتَبِي صَفْوَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَمَنْ خَرَجَ مِنَ الشَّامِ إِلَى غَيْرِهَا، فَبِسَخْطَةٍ، وَمَنْ دَخَلَهَا فَبِرَحْمَةٍ} .
اسم فلسطين:
فلسطين ذلك الاسم الكبير والموقع المميز الذي جعلها الجسر الذي ربط حضارات العالم القديمة بها, فهي حضارة الأنسان الأقدم في عصور التاريخ وعصور ما قبل التاريخ, والذي قسمه المؤرخون والباحثون في فلسطين في عصور ما قبل التاريخ إلى ثلاثة أقسام هي: ( العصر الحجري القديم 500000 ق.م- 14000 ق.م , العصر الحجري الوسيط 14000 ق.م – 8000 ق.م , العصر الحجري الحديث 8000 ق.م – 4500 ق.م). أما في العصور الحديثة فقد قسمها الباحثون والمؤرخون إلى: (العصر البرونزي 3200 ق.م -2000 ق.م, العصر الحديدي 1200 ق.م -330 ق.م) وهذا العصر الحديدي هو عصر الفلسطينيين .
اسم فلسطين في العهد القديم:
لقد دلت السجلات الرافدية والسورية الشمالية وفي التاريخ القديم على أن أسماء المناطق الواقعة جنوب الشام عُرفت باسم (أمورو)، حيث كان هذا الإسم يُطلق على منطقة الشام عموماً، والأراضي الواقعة غرب الفرات خصوصاً, وذلك في الألف الثالثة قبل الميلاد حيث كانت تُعرف به "الأرض الغربية". أما اسم فلسطين "بالستين" الذي عَرَبَهُ العرب فنطقوه "فلسطين, فهو مشتق من اسم الشعب الذي سكن السهول الشمالية والجنوبية من البلاد الشامية, ويُسمى "الفلسطينيين". ولعل أول إشارة إلى هذا الإسم هي بلاستو الذي أطلقه الملك الآشوري أداد نيراري الثالث في القرن الثامن قبل الميلاد, حين أشار بذلك الإسم إلى ساحل فلستيا, (أي ساحل الشام الجنوبي) الذي كان يسكنه الفلسطينيون, ثم أطلقه اليونان والإغريق في عهدهم على هذا الجزء منذ وجودهم. أما أول من أطلق اسم فلسطين ورسَّمَهُ على العملة فهو الإمبراطور الروماني فسباسيان سنة 70م, وبذلك أعطاها الصفة الرسمية للبلاد وسكان القسم الجنوبي من الشام عامة, رغم أن هذه الكلمة كانت وظلت تُطلق في العهد القديم على أقوام الفلسطينيين بالمنطقة الساحلية جنوبي فينيقية .
كما أن فلسطين قد عًرفت منذ القرن الثامن عشر قبل الميلاد بأرض كنعان (الشام الجنوبية), كما دلت عليها مسألة " أدريمي" والمصادر المسمارية, والتسمية الفرعونية المصرية لهذه الأرض التي سكنتها القبائل العربية. فاسم فلسطين قد ذكره البعض على أنه غالباً ما يكون أصل كلمة (فلستيا), وهي فلستي تحريفاً لفلسطين في السجلات الآشورية والبابلية التي دلت عليها, كما ورد أنه يُستدل علي تسمية فلسطين "بلستيا" على أساس الأرض الساحلية التي سكنها الكنعانيون الأموريون, واختلطت بهم قبائل العماليق بعربة, أي الجزء الجنوبي من سوريا, والممتدة بين سيناء جنوباً وغور الأردن شرقاً, والبحر المتوسط غرباً, (وهذا الإستدلال ليس على فلسطين بل الإستدلال على أرض كنعان أو الشام الجنوبية, أو القبائل الفلسطينية التي سكنتها). فيما أن توراة يهود المحرفة لا تذكر اسم فلسطين قبل داوود موسى عليه , ولا الفلسطينيين, وأن التلاعب تم في ترجمة كلمة فلستيم على أنها فلسطين, للدلالة على أنهم جاءوا متسللين من جزيرة كريت البحرية , كما قالوا أن الرومان هم الذين أطلقوا كلمة فلاستو على شعوب بحر إيجة, في حين أن الفلسطينيين أقدم من الرومان واليونان .
لقد اختلف الباحثون والمؤرخون في تحديد اسم فلسطين حتى أن البعض منهم سايروا الأسفار والكتب المحرفة, ونقلوا التزييف عنها مع أنها مزيفة, ومنها مدسوس, ونقل البعض عنها بقصد النية أو النقل, فمنهم من قال بأنها نسبة إلى فلسطين بن كوسجين بن إبطن بن يونان بن يافث بن نوح موسى عليه , كما في الأنس الجليل المقتبس من كتاب ابن الفقيه الهمداني, وقيل فلسطين بن سام بن أرم بن سام بن نوح موسى عليه , وقيل فلسطين بن كلثوم من ولد نوح موسى عليه , وقيل فلسطين بن كسلوخيم من بني يافث بن نوح, ويٌقال ابن صدقيا بن عيفا بن حام بن نوح موسى عليه , (كلها مرويات غريبة مأخوذة من تكهنان وكتب اليهود والنصارى) .
فيما يذكر ما يُسمى بالكتاب المقدس, ومرويات أسفار يهود, وسفرهم التكوين: أن معنى كلمة فلسطين جاءت من كلمة فلستي, (أي المهاجر), وأن الفلسطينيين هم من أبناء فلشتيم الذين هم أبناء فتروسيم وكسلوحيم أبناء مصرايم الذين عاشوا في كفتور وهي جزيرة كريت وليس فلسطين, علماً أن مصرايم وَلِدَ لوديم وعناميم ولهابيم ونفتوحيم, أما فتروسيم وكسلوحيم فهما الذان خرج منهما فلشتيم وكفتوريم .*.
فيما يذكر سفر التكوين هذا: أنه عندما جاء إبراهيم موسى عليه إلى أرض كنعان (فلسطين), كان الكنعانيون حينئذٍ في الأرض, ولم يكن الفلسطينيون". كما يذكر في موقع آخر أن الفلسطينيين الذين عاشوا في كريت (يقصد بلاد اليونان), قد غزوا أرض العويين الكنعانيين وأبادوا العويين, واحتلوا أرضهم (كأنهم غرباء), وعُرفت الأرض باسم فلسطين من بعد هذا . كذلك يذكر نفس سفر التكوين أنه أيام خروج بني إسرائيل من مصر, "أن الفلسطينيين كانوا شعباً عظيماً ذا بأس, وكانت مدنهم الحصينة غزة وأشقلون وأشدود وعقرون تتاخم الطرق الساحلية المؤدية من مصر إلى كنعان, وأن بني إسرائل لم يكونوا مستعدين لأعمال حربية ضدهم, لذا أرشدوا إلى إتخاذ طريق أُخرى, (تناقض في أسفارهم الموضوعة, ودليل على وجود الأقوام الفلسطينية في الساحل). أما سفر الخروج فيقول لبني إسرائيل: (إجعل تخومك من بحر سُوفٍ إلى بحر فلسطين, ومن البرية إلى النهر, فإني أدفع إلى أيديكم فتطردهم من أمامك) .
كما يروي سفر يشوع فيقول: "أن الفلسطينيين في الساحل احتكروا صناعة الآلات والأسلحة الحديدية, وأنهم بعد موت داوود وسليمان عليهما السلام, عادوا واستردوا مدن الساحل, وأنهم تسلطوا على العبرانيين وأذلوهم, ثم هزموا العبرانيين, وهم الذين أخذوا تابوت العهد, كما أنهم هم الذين هزمهم صمؤيل بعد عشرين عاماً على ثخوم الأرض المقدسة , وأنهم لم يرد لهم ذكر زمن داوود وسليمان عليهما السلام, بل أنهم كانوا بعد موت سليمان موسى عليه يغيرون وينهبون بني إسرائيل, كما ذكرهم سفر أشعياء: (ينقضان على أكتاف الفلسطينيين غرباً, وينهبون بني المشرق معاً, يكون على لآدوم ومؤاب امتداد يدهما, وبنو عمون في طاعتهما) .
ومن إختلاف آراء الباحثين حول الفترة التاريخية التي أُطلق فيها اسم فلسطين على المنطقة الجنوبية من سوريا, قول معاوية إبراهيم في دراسته: "لا نملك حتى الآن وثائق تاريخية توضح اسم فلسطين قبل الأف الثاني قبل الميلاد, أما بلاد الشام بلاد أمورو فقد عُرفت في النصوص الأكادية في الأف الثالث ومستهل الأف الثاني قبل الميلاد على أنها بلاد أمورو, وقد عُرفت فلسطين منذ القرن الثامن عشر قبل الميلاد بأنها أرض كنعان, وهي البلاد التي ذكرها البعض أنها أصل كلمة فلسطين, والذي هو فلستا (فلستي) التي وردت في السجلات الأشورية أيام الملك الأشوري أدد نيراري الثالث أي حوالي 800 ق.م باسم أرض فلستا أو فلستو (هي فلستي) أرض الفلسطينيين, كما هو في العهد القديم وعاصمتها أشدود, والمقصود بها كامل الأرض الفلسطينية الممتدة من سيناء حتى غور الأردن شرقاً, والذي أصبح اسم فلسطين في العهد الروماني مصطلحاً رسمياً لها منذ عهد هدريان, وهذا الإسم يعود تلك القبائل التي استقرت بالمنطقة, والتي دلت الأبحاث على أن الفلسطينيين ورثوا ثقافة الكنعانيين الشاميين بسرعة, وخاصة الأشدوديين لوحدة الأصل العربي, حيث استعملوا لغتهم مع إختلاط اللهجات, وعبدوا آلهه فلسطينية لهم مثل (داجون, بعل, عشتار) .
أما الباحث الماجدي فيقول: أن الرأي القائل بأن فلسطين سُميت أرض كنعان قبل مجيء العبرانيين هو رأي خاطئ, فقد كان اسم فلسطين هو: (مريام أو مريم), وهو ما يرد في ملحمة اللالي (الملك الكبير) حيث نقرأ (وفي مريام الشمالية تصاعد القمع والإستبداد, ومن كان سبب سعادته طرده ليحصل على تاج مليكه, وكذلك أصبح بعل الذي هو ابن الإله إيل يسأل من قبل شعب مريام). فكلمة مريام مكونة من مقطعين هما (مر) و (يام), وهي تجمع بين اسمي إله الأموريين (مر) والآلهة الأم للأموريين الكنعانيين (يم), وهذا يعني أن هذه الأرض كانت مسكناً للأموريين والكنعانيين القدماء, والتي قادتنا الإستنتاجات أن اسم كنعان هو اسم لاحق, لا يدل على حقيقة هذا الشعب, وأن الاسم الأرجح هو (شام), وهو ما يدل على الأرض والشعب , وأن اسم أرض (مريام) التي هي أرض فلسطين .
والذي أكده المؤرخ العربي زمن اليونان هيرودوت, أنه في القرون القديمة وخاصة الألف الثاني قبل الميلاد, لم تُذكر فلسطين بل كانت أرض كنعان ( أرض القبائل الكنعانية), حتى ظهر اسم فلسطين في العهد اليوناني, وأصبح اسم فلسطين في العهد الروماني ينطبق على كل الأراضي المقدسة , كَاسم علم .
كما يتحدث هيرودوت عن أقوام عربية شاركت الفرس في حروبهم وكانوا ضمن جيوشهم, وأن هذه الأقوام من سوريي فلسطين, وقد كانوا في العصور القديمة يعيشون على ساحل البحر الأريتوري (الأحمر), ولكنهم قاموا لاحقاً بالإنتقال عبر سورية إلى الساحل الشريطي الذي يقطنونه حالياً, ولكن هذا القسم من سورية وكافة الأراضي الممتدة حتى مصر تسمى فلسطين. كما لم يذكر المؤرخ اللإغريقي هيرودوت بني إسرائيل أو يهودا أو الهيكل في زمنه, بل لم يشر إليهم ككيان أو قوم باسمهم الإقليم, ولا لأي قوم من الأقوام التي تشير إليهم التوراة على أنهم سكنوا جوار بني إسرائيل, بل أنه يشير إلى الإقليم باسم فلسطين, كما لم يُشِرْ إلى غزو نبوخذ نصر للإقليم وسبي اليهود, بل دلالة على نقلهم (لا عملية سبي), في حين أنه سبقه بسنوات قليلة, حتى الإحتلال البطليسي والسلوقي أطلقوا على الإقليم اسم فلسطين, كما جاء بعدهم الرومان وأطلقوا على الإقليم اسم فلسطين بعد أربعة قرون من زمن هيرودوت. كذلك الأمر ينطبق على الفيلسوف الإغريقي ثيوفراستوس (372-288 ق.م) الذي أشار في إحدى مؤلفاته إلى اليهود دون الأشارة إلى مقاطعة يهودية أو علمه بمدينة إسمها أورشليم. وكذلك الفليلسوف اليوناني أرسطو (384-322 ق.م) الذي اشار إلى بحيرة في فلسطين دون ذكر أي وجود لليهود أو اسم يهوذا, وأيضاً كتابات هيرونيموس الكاردي (في النصف الثاني من القرن الرابع والنصف الأول من القرن الثاني قبل الميلاد) الذي أشار إلى البحر الميت (بحيرة لوط) في بلاد النبطيين العرب, ولم يعرف إقليماً اسمه يهوذا أو أرض إسرائيل, وكذلك المؤرخ كزنوفيلوس (في القرن الثالث قبل الميلاد) الذي أشار إلى البحر الميت قرب يافا, ولم ينقل علمه بوجود مدينة اسمها أورشليم, وكذلك العالم الإغريقي غراتوسثنيس (275-194 ق.م) وباليمو الإيلومي (في النصف الأول من القرن الثاني قبل الميلاد), الذين لم يذكروا أرض أسرائيل ولم تكن لهم معرفة بها في كتبهم, ولو عرفوا ذلك لكتبوه في كتبهم, بل كان حديثهم عن البلاد المسماة سورية - فلسطين .
أما ما ذكره المؤرخ اليهودي القديم يوسفوس (37-100م)*. عن اسم فلسطين: (بأنه كان لمرصيوص ثمانية أبناء قطنوا جميعاً المنطقة الممتدة من غزة إلى مصر, ولكن فلسطينيوس هو الإبن الوحيد له الذي حافظت البلاد على اسم مؤسسها, لذا كان السبب أن الإغريق يطلقون على هذا القسم اسم فلسطين) . فهذا واضح اقتباسه من سفر التكوين , وتحويل اسم مصريموس وفق الإسم اليوناني إلى مرصيوس, حيث أن العهد القديم لا يشير إطلاقاً لإبن مزعوم لمصريم باسم فلسطين؛ كما أن يوسفوس يوظف الإسم الجغرافي فلسطين للدلالة على كامل البلاد, حتي حين حدد موقع مدينة دمشق واللجة اللتان تقعان وسط المنطقة بين فلسطين وسورية .
أما كتابات وأسفار يهود ومنها التلمود فتذكر فلسطين بالإسم (فلسطينة) الذي استبدلونه بمصطلح أرض إسرائيل كمصطلح سياسي لاهوتي ديني, لذا نجد أن اسم فلسطين ( فلسطيني) الوارد في سفر التكوين لا يدل على إسرائيل, بل يدل المصطلح على ثلاثة بلدان هي فينيقيا والعرب الإسماعيليون وفلسطيني .
إن فترة الإحتلال الفارسي لفلسطين وما تلاه من اليونان الإغريق ثم الرومان لم نجد فيه إشارة صريحة في مراجع مؤرخيهم وجغرافيهم القدماء تبين شيء اسمه أرض إسرائيل, أو يهوذا, أو أورشليم, أو هيكل سليمان, أو سبي بابلي لليهود, فكلها ترهلات وتلفيقات يهودية منكرة لأسباب لاهوتية وتاريخية دينية وسياسية, وأن اسم الإقليم الوارد في كل ما ذٌكر منذ القِدم هو اسم فلسطين.
فالفلسطينيون . . قبائل عربية تحركت من مواطنها الأصلية بشمال غرب نجد والحجاز وجنوب الشام ووادي رم وحسمى على دفعات وتحركات وتنقلات, كان آخرها من خرج من جبلي طيء (آجا وسلمى), واستقر بالشام, فكانت قبيلته (طيء) هي القبيلة السائدة, ومعبودها الفلس هو المعبود الذي عبدوه, فساد إسمهم على تلك البلاد, فدانت لهم, وحملت اسمهم فلس طيء ( فلسطين), ودخلت معهم القبائل العربية الإسماعيلية والثمودية الأخرى حاملين ذلك الإسم وثقافته مع ثقافة الأقوام السابقة بالمنطقة, والذي أصبح اسم علم لتلك البلاد.
حتى أن ياقوت الحموي ذكر اسم ذلك المكان بأنه (جش إرم), الذي خرج منه أيضاً الأخلامكو الأحلاف ( الذين أُطلق عليهم الأراميين), واستقروا شمالاً, فقال: (أنه اسم جبل عند أجأ وسلمى جبلي طيء, وهو أحد جبالها, وفيه صور منحوته بالصخر, وهو مساكن قوم عاد وإرم) وهي الأماكن القديمة التي غادرتها تلك الأقوام قديماً, ولم يعد لهم ذكر فيها, واستقرت بها أقوام من طيء, ثم تلا ذلك الأقوام القضاعية بتلك المنطقة, حتى جاء الإسلام وهم بها .
لذا غدت فلسطين في العهد الإسلامي (منذ الفتوحات الإسلامية) جزءً عربياً إسلامياً من بلاد الشام, (ليس عربياً كما كانت, بل عربياً إسلامياً من ديار الإسلام) وهي آخر كور الشام من ناحية مصر, قصبتها بيت المقدس, وأقوامها سلائل العرب وجذوتهم, ومن أشهر مدنها بيت المقدس, عسقلان, الرملة, غزة, قيسارية, بيت جبريل (الخليل), نابلس, عكا, يافا, وغيرهم من البلدات, وقد عُرِفت فلسطين طيلة العهد الإسلامي الأول خاصة باسم " جند فلسطين", ومنذ تلك اللحظة وهي تعرف باسم فلسطين مكانً وحضوراً .
كما ذكرها المؤرخون والجغرافيون بهذا الاسم، ومن أشهرهم ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان، إضافة إلى جغرافيين ورحالة مسلمين كثيرين منهم الاصطخري، والبلاذري، والمقدسي، وابن حوقل في كتابه صورة الأرض, والكثير من الراسات والأبحاث الخاصة بتاريخ فلسطين القديم*. { إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَارَكَ مَا بَيْنَ الْعَرِيشِ وَالْفُرَاتِ ، وَخَصَّ فِلَسْطِينَ بِالتَّقْدِيسِ} .
فالصحيح والحق ما ذكره بعض المؤرخين بأن الفلسطينيين شعب عربي أصيل, ومخطئ من ظن غير ذلك, وجاهل من حاد عن هذا القول, ودجال من سار خلف كواليس يهود واستشراق أتباعهم, ولكن الإختلاف في سلائل أنسابهم العربية, وأزمان وجودهم في تلك البقعة المباركة من الأرض, فلا توافق مع الرأي القائل بأنهم أتوا من شمال سوريا من العموريين الكنعانيين نحو الجنوب المصري, كما لا توافق مع الآخرين الذين قالوا أن الفلسطينين من الكنعانيين الأصليين بالشام, والذين لم يهاجروا من الجزيرة العربية, بل هم مواطنون أصليون في بلادهم دون تحديد سبب تسميتهم. أو ما ذكره بعض الكُتاب والمؤرخين من ذلك, أو من إعتقادهم بأنهم عروبيو الأصل من قبائل العماليق الذين تكاثروا بالجزيرة واليمن وانتشروا في الحجاز ونجد والبحرين والشام ومصر, ثم نزحت طائفة منهم إلى فلسطين, وهم القوم الجبارون, واستقروا بها وبجنوبها, والذين منهم الفلسطينيون القدماء التي تُنسب لهم أرض فلسطين, دون تحديد سبب تسميتهم بالفلسطينيين .
***
الفلسطينيون ليسوا بالجبابرة:
إن الفلسطينيين ليسوا هم القوم الجبارين, من العمالقة الجبابرة الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم:{ِإنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} . قد كانوا قوماً وثنيين من أقوام العمالقة التي استقرت بالشام (أرض كنعان), ومنهم اليبوسيون ببيت المقدس, والذين ليس لهم أي صلة تاريخية بالفسطينيين, فهما شعبان تاريخيان منفصلان في أزمانهما, لا صلة بينهما, سوى إرتباطهما بالعروبة الأولى, فالأول أقوام عربية من سلائل عربية قديمة فانية في أزمانها التي تختلف عن الثانية, والثاني من الأقوام العربية من سلائل إسماعيلية باقية في أزمانها, وارثة من حضارة الأول من ذلك الأزمان.
فالجبابرة الكنعانيون الشاميون من الأقوام التي كانت في الأرض المباركة والمقدسة, والذين استبدلهم الله لكفرهم بأقوام مؤمنة, فهلكت تلك الأقوام الجبارة, ومن بقيَّ منها ذاب في الأقوام التي تلتها, {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} . فاستبدل الله تلك الأقوام العربية الكنعانية البائدة بقوم ليسوا مثلهم ولا من جنسهم, وهم بنو إسرائيل: {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرائيلَ} . والتي أيضاً بطرت بني إسرائيل وكفرت بنعم الله في الأرض المباركة, بعد سليمان موسى عليه , فاستبدلهم الله أيضاً في فترة زمنية قصيرة بأقوام عربية ليسوا من جنسهم ولا مثلهم أيضاً, وهم العرب السبئين الإسماعيليين, فجعلوهم قوماً أذلة صاغرين بين الأمم,{وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} . وأصبحت الأقوام العربية السبئية هي السائدة في تلك المرحلة, والتي تختلف في سلائلها عن الأقوام السابقة لها, ثم جاء من تلك الأقوام العربية ومن جنسهم الطيئيون (الفلس طيء), واندمجوا بعروبتهم مع جنسهم, وحملت الأرض اسمهم (فلسطين), وتمازجت وذابت فيهم القبائل الأخري, وأصبحت كلها تحمل اسم بلاد فلسطين, محتفظة بسلائل أنسابها العربية الخاصة, إلى أن جاءت رسالة الإسلام ونبي الرحمة موسى عليه وهم في بلادهم, وباسم أقوامهم وقبائلهم, فدخلوا في دين الله, وبقيت الأرض أرضهم باسم فلسطين إلى يومنا هذا, فيما أمست الأقوام القديمة الأُخرى التي قبلهم في عداد البائدة, {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} .
موسوعة الرحالة الفلسطينية: الجزء الثالث, صفحة 93.