بسم الله الرحمن الرحيم
القهوة العربية
عروبة القهوة:
القهوة ليست مجرد مشروب يحتسيه البعض ثم يفارقه، بل هي ثقافة كاملة وتقاليد متوارثة تأصل بها العرب, فهي تاريخ حافل بالعادات والتقاليد والقيم الاجتماعية والثقافية والقبلية التي تَحًلق حولها شيوخ القبائل وساداتها وفرسانها وشعرائها أدباءها ورساميها وجميع دواوينها، فألهمتهم بطقوسها ومعالمها, حتى غدت النافذة التي يطل بها العربي بفراسته وكرم ضيافته ليعبر عن تراثه وقيمه العربية الأصيلة, فرسخت في الوجدان كرسوخ الأوطان، فقاومت طمس هويتها ومازالت تقاوم طمس معالمها وتغريب عروبيتها إلى اليوم؛ وستبقى حين لا يبقى أحد, وحين يشتد الحزن, ويضيق الكون, ويموج اليأس, للتسع لكل الصعاب وكل الأحلام في فنجان يحفظ الكرامة بديوان عربي أصيل, لتُعبر بيدين وشفتين وعيون عن أسارير تبعد الكرب والظنون, فيلملم بها الفرسان والشعراء والأدباء إلهاماتهم ليطلقوا خيالاتهم في فضاء الحكمة وآفاق الكلمة, لتبقي عربية القهوة .
القهوة لُغَةً:
القهوة في اللغة من أقهي لأنها تُقْهِي شاربها عن الطعام أَي تذهب بشهوته”. وأتى تفسيرها في قاموس اللغة العربية، بأنها «الخمر» في تراث العرب قبل الإسلام، كما فُسّرت بأنها الشراب المغلي واللبن المحض، وأيضاً فُسرت بالخِصْب.
أما الموسوعة البريطانية فهي تُشير إلى أن كلمة (coffee) مشتقة من الكلمة العربية "قهوة" , والتي بدورها مشتقة من الإقهاء , لأنها تقهى "أي تقليل شهوة شاربها للطعام" , أو تذهب بها .
أما اليوم فاللفظ أخذ منحى اللقاء، بوصفها مقهى ومحفلاً للتلاقي، ليتطور إلى مناخ يومي وضروري، وعند البعض طقس شرب ومزاج لا يمكن الاستغناء عنه, حتى ابتعدت كلمة القهوة عن مفهومها ودلالاتها العربية الأصلية, رغم التغيير الذي أحدثته في نظام السلوك الاجتماعي, والثورة التاريخية التي امتدّت إلى كلّ أصقاع الأرض بكل اللغات والثقافات بمنتهى الشغف والتأييد والحبّ.
القهوة اصطلاحاً :
بمجرد العودة إلى دواوين الشعر العربي وقواميس اللغة، سنُطالع كلمة “قهوة” بعدة معانٍ، ومع العودة بشريط البحث والتقصّي إلى الوراء، سنجد أن كلمة “قهوة” كانت موجودة عند العرب قديمًا، فقد تم استخدام هذا المصطلح عند الكثير من الشعراء ومنهم بعض الشعراء الجاهليين الأوائل بمعنى “الخمر”،, ولكن وإذا أردنا التحديد أكثر فيمكن أن نقول إن أول استخدامٍ لكلمة “قهوة” كان عام 430م، عندما استخدمها الشاعر أحيحة بن الجُلاح الأوسي بمعنى “الخمر”، فقال:
لِتَبكِني قَينَةٌ وَمَزهَرُها **** وَلتَبكِني “قَهوَةٌ” وَشارِبُها
وَلتَبكِني ناقَةٌ إِذا رَحَلَت **** وَغابَ في سَردَحٍ مَناكِبُها.
فالقَهْوَةُ: "هي من أقهى ودامَ على شُرْبِها وإن أذهبت شهوة بطنه”. وقد عرفها جمال الدين القاسمي بأنها “مشروب الكتّاب والمدرسين، والمطالعين للكتب، والمعلمين للعلوم الأدبية والصناعية، والشعراء وأهل الأدب”, بعد أن كان تعريفها قديماً متداولاً بين دواوين العرب وشعرائهم.
القهوة: وإشكالية النشأة:
تعدّدت القصص والحكايات حول مكان اكتشاف القهوة وتضاربت المعلومات عن بداياتها، منها ما ارتبط بالأسطورة، ومنها ما امتزج بالخرافة، وقد ظلّ الناس يتناقلونها ردحاً من الزمن، لكن الوقائع والشهادات التاريخية تقول أن القهوة يمانية عربية المنشأ والأصل، ولكن البعض أثار الكثير من التساؤلات والتفسيرات، حول تاريخ اكتشافها كمشروب ومكان وجودها، وطريقة انتقالها والتعرّف إلى خصائصها ، ومن بين هذه القصص ترى إحداها أنّ الشيخ العارف بالله أبا بكر بن عبدالله الشاذلي المعروف بـ”العيدروس” الذي عاش جلّ عمره في اليمن، هو مبتكر القهوة المتخذة من البنّ. ومن هنا نلاحظ أنّ انتشار القهوة حسب هذه الرواية أو تلك، قد جرى في وقت متقارب نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر بواسطة الصوفيين. أما الغرب وخاصة الكاتب “ستوارث لي آلن”، فلا يريد ارجاعها للعرب فيزعم أن مكتشفها راعٍ إثيوبي تناولتها معزاته فتراقصت بصورة هستيرية، وعندما راقبها لاحظ أن الأمر يتكرر كلما تناولت المعزاة ثمرة معينة، وهنا جرّب الراعي نفس الثمرة، فشعر بنشاطٍ عند تناوله لها، فقدمها إلى متصوّفٍ كان يقوم الليل، كي تساعده على القيام.
تاريخ القهوة والخلاف الفقهي حولها:
القهوة مشروب غارق في التاريخ بدأ في بلاد اليمن والحبشة، وخصوصاً منطقة مخا، والتي سميت قهوة الموكا باسمها "Mocha"، وللقبائل العربية القادمة من اليمن والحجاز نحو الشام والعراق ومصر دور كبير في نقل القهوة ودمجها في تراثهم ومجتمعاتهم, كذلك للعثمانيين دور كبير أيضاً في تاريخ القهوة إذ يرجع الفضل لهم في تقديم هذا المشروب إلى أوروبا.
لقد نقلت القبائل العربية القهوة كمشروب أثناء قدوم بعض منها نحو الحجاز والشام ومصر, ومنها عبر جماعات من المشايخ وأصحاب الطرق الصوفية الذين بدأوا يتعاطونها مع طلابهم وجماعاتهم, حتى ظهرت تُشرب في مكة وبجوار الحرم عام 1511م, ثم أصبحت توفر لها أماكن للتسلية والمناسبات كالمولد النبوي الشريف, فجعلت بعض الفقهاء يحددون الحكم الشرعي منها نتيجة تعاطي الطلاب لها وخوفاً من إذهاب العقل لأنها كانت تسمى "الخمر" التي تطيل السهر وتقتل الشهية, والتي كان يشربها أغلب الصوفية, فقالوا بتحريم الهيئة التي كانت تُصاحب شُرْبَ القهوة، وأقروا بأن المادة التي تصنع منها القهوة (البن) حلال، لأن حكمها كحكم النبات، أما تحديد الضرر الصحي فتركوا القرار فيه للأطباء، وقد شهد حينها طبيبان بأن مشروب (قشر البن) “بارد يابس مفسد للبدن المعتدل”. ورغم ذلك؛ احتدم الخلاف حول القهوة مجددًا، فانقسم الفقهاء إلى فريقين؛ مَالَ الأول إلى تحريمها، بينما فضّل الثاني تحليلها، وقد كان من المعارضين للقهوة: القاضي ابن الشحنة الحنبلي، والشيخ الحكمي الكازرومي، أما المؤيدون للقهوة فمنهم: الشيخ محمد البكري الصديقي.
أما في مصر فكان الخلاف حول القهوة حادًا أيضًا، ما أدى إلى اندلاع فتنة 1534م. وسعيًا إلى إنهاء هذه الفتنة، تمت إحالة أمر القهوة إلى قاضي القضاة محمد بن إلياس الحنفي، فأمر بطبخ القهوة، وسقى جماعات كؤوسًا منها، ليختبر مدى تأثيرها عليهم، فلم يلاحظ شيئًا، فأقرها على حالها، وهكذا رجحت كفة المؤيدين للقهوة،
أما في بلاد الشام والعراق ومع سقوط الدولة المملوكية وبزوغ فجر الدولة العثمانية، كانت الشام على موعدٍ مع دخول القهوة إلى أراضيها، ما أدى إلى نشوب جدالٍ واسعٍ بين الفقهاء؛ استمر مدة قرن تقريبًا، تكرارًا لسيناريو الحجاز ومصر، بيد أن قضية القهوة في الشام تميّزتْ بأنها أصبحت “قضية عثمانية إسلامية، وليست قضية محلية فقط”.
نهاية الخلاف الفقهي حول القهوة:
في بداية الأمر، أخذ الخلافُ الفقهي يصبُّ في مصلحة المعارضين للقهوة، إذ قام الشيخ محمد بن عبد الأول الحسيني عام 1554م بتحريم “القهوة البُنية”، باتفاقٍ مع مجموعةٍ من العلماء، ثم سعى إلى توسيع دائرة التحريم، فعرض على السلطان العثماني أمر إبطال القهوة، فقام السلطان بإبطالها عام 1546م. وعندما كانت السفن المحمّلة بحبوب البن تضبط عند وصولها الميناء، كانت الشحنة تصادر وتلقى في البحر. ولكن يبدو أن الفريق المؤيد للقهوة ساهم في ترجيح كفة أنصار القهوة, ومع ذلك تم تجاهل الفتوى إلى حد كبير، واستمر الناس في تحضير وشرب القهوة كالمعتاد، حتى نهاية القرن عندما تم رفع الحظر الرسمي وأجازتها الدولة لتصبح مشروبها الرسمي والمفضل أسوة بأشقائهم العرب, فأصبحت رمزاً للاحتفاء بالضيف, مما ساعد في نشرها في البوسنة وألبانيا وسائر مقاطعات الدولة العثمانية .
انتشار القهوة في أوروبا:
دخلت كلمة “قهوة” إلى اللغة الإنجليزية في عام 1582م, فقد استعارت من بلاد التركية العثمانية معنى كلمة قهوة "كهفي «kahve»" أي مشروب, ثم تلقفتها البابوية بروما التي أعجبت بها حين قام العثمانيون بتصدير مشروبهم المفضل لجميع أنحاء أوروبا. وفي عام 1669م قدم السفير التركي القهوة إلى البلاط الباريسي للويس الـ14. وفي عام 1683م حاصر الجيش العثماني فيينا للمرة الثانية ولم يتمكن من الاستيلاء عليها وعندما بدأ النمساويون بالهجوم المضاد، هرب العثمانيون تاركين وراءهم كل شيء - بما في ذلك 500 كيس من حبوب البن الخضراء. لم يعرف أحد ماذا يفعل بها - باستثناء البولندي فرانز كولشيتسكي، الذي نشأ في إسطنبول وكان يعرف القهوة والذي قام فيما بعد بافتتاح أول مقهى في فيينا، مضيفاً الكريمة والعسل إلى القهوة المرّة لتلبية أذواق أهل فيينا، العاصمة النمساوية. دخلت القهوة إلى فيينا بالاسم العثماني «kahve»، وهو أصل الكلمة التي تستخدمها شعوب الغرب اليوم, التي تحولت في بريطانيا والغرب باسم «koffie»، بعد أن نقل الاحتلال الهولندي زراعتها الى أوروبا والبرازيل والعالم عام 1690م.وظلت هكذا إلى أن استغلتها الحركة الاستعمارية تجارياً والتنويرية ثقافياً أواخر القرن الـ18.
أسماء القهوة عربياً وقديماً:
الاسم العلمي لشجيرة البن هو شجرة البن العربي, وهي نبتة ذات أزهار بيضاء ذاتية التلقيح يتراوح ارتفاعها بين 4.3 – 6.1 متر, إلا أن المزارعين يقلمونها حتى لا يتجاوز طولها 3.7 متر, وتُزرع عادةً على ارتفاع 1000 إلى 2000 متر, وتنتج الشجرة المتوسطة من الثمار في العام الواحد ما يكفي لصنع 0.7 كجم من البن المحمص؛ والموطن الأصلي لشجيرة البن هي بلاد اليمن فهي من أوائل الدول التي زرعتها, وصدرت ثمارها, بديل أنه يطلق على البن (Arbika) أي قهوة عربية , ومن اشهر أنواعه "الموكا" وهو مسمى مشتق من ميناء "مخا" اليمني , على بحر الأحمر الذي اشتهر قديماُ كميناء لتصدير البن, ويمثل حوالي 60-70 ٪ من صناعة القهوة في العالم في اليمن التي نشأت بها ثم انتشرت إلى مكة (الحجاز) ومصر والشام ، ثم في منتصف القرن السادس عشر أصبحت القهوة العربية جزء من عادات وتقاليد وتاريخ العرب, وأحد الطقوس الاجتماعية التي أحدثت تغييراً في نظام السلوك الاجتماعي لتحقّق بذلك ثورة تاريخية امتدّت إلى كلّ أصقاع الأرض بمنتهى الشغف والتأييد والحبّ، حتى استطاعت خلال خمسة قرون أن تبني لها أمجاداً في كلّ اللغات والحضارات والثقافات.
إلا أن القهوة العربية ظلت عند العرب بأسمائها العربية المتعارف عليها حالياً, رغم وجود بعض المسميات لها نسبة لأماكن وجود الأقوام العربية وتنقلاتها واختلاطهم ببعضهم, والتي منها:
• البن: تسمى نسبة إلى المادة الأساسية في صنع القهوة.
• المر: هذا الاسم نسبة إلى الطعم الذي يميل إلى المرارة.
• الكيف: نسبة إلى التلذذ بشرب القهوة والكيف يعني راحة البال، مع انشراح الصدر.
• البرية: ينسب هذا الاسم إلى نوع من البن اليمني الذي يتميز بجودته العالية.
• الشاذلية: اختلفوا في سبب التسمية فمنهم من يقول إنها نسبه إلى نوع من أنواع البن اليمني الجيد ومنهم من يقول إنها نسبه إلى عمر الشاذلي وهو أول من شرب القهوة .
• الطبخة: تسمى نسبة إلى طبخ القهوة على النار.
أنواع حبوب القهوة العربية :
بعد قطف ثمار القهوة ذات اللون الأحمر الغامق والتي تسمى بالكرز, والتي يتم تجفيفها في الشمس من الأنسجة, ثم تُقشر وتفرز الحبيبات لتهيئتها للتصدير, ومن هذه الحبيبات أنواع القهوة العربية التي منها:
• الأرابيكا والروبوستا: وهما النوعان الرئيسيان من حبوب القهوة، وتنتشر زراعتهما في العديد من دول العالم، ويختلف مذاق كل نوع منهما، فيما يلعب التحميص دورًا كبيرًا في طعم القهوة ولونها, وفي تبخير الماء من حبوب البن، وبالتالي كلما زادت مدة التحميص كلما زادت نسبة الماء المتبخر وقلت كثافة حبة البن وأصبح لونها أغمق، وللتحميص درجات فكلما زاد التحميص زادت نسبة المرارة في القهوة نظرًا لقلة حمض الكلوروجينيك (Chlorogenic Acid) وزيادة نسبة الكافيين في حبوب البن، ولكل شخص مزاجه في القهوة وتفضيله لدرجة التحميص.
• القهوة الخضراء: وهي حبوب قهوة تم تجفيفها فقط دون تحميصها، لذا ترتفع فيها نسبة أحماض الكلوروجينيك، وهي أحماض تقل في حبوب القهوة بعد التحميص، بينما تظل في أعلى مستوياتها بالقهوة الخضراء.
• القهوة الشقراء: وهي حبوب قهوة يتم تحميصها تحميص خفيف، ليصبح لونها بني فاتح ولها مذاق يفضله الكثيرون.
• القهوة المتوسطة: وهي حبوب بن لا تحتوي على سطح دهني ولا زال بها بعض الحموضة، كما أن المواد العطرية لا زال يمكنك الشعور بوجودها في ذلك النوع من القهوة.
• القهوة المرة (السوداء): وسميت بهذا الاسم لأنها تحمص لفترات أطول، وتظل على النار حتى يصبح لونها داكن ويصبح لها مذاقًا يعرف بمرارته، إذ تكون حموضتها قد تلاشت تقريبًا مما يمنحك مذاق مُر يفضله الكثيرون.
كما يوجد في العالم الكثير من أصناف وحبيبات البن التي تختلف في المظهر والجوهر نظراً لاختلاف بيئاتها ومناخها, فمنها التي بها نسبة عالية من الكافيين مثل قهوة ليبيريكا وإكسيليسا التي تُزرع بجنوب شرق آىسيا, وهي أقل جودة من حبوب الأربيكا, رغم ميزة رائحتها وقوة نكهتها, حيث تستخدم غالباً في القهوة الحديثة كقهوة الإسبرسو وقهوة الذوبان السريع.
معدات وأدوات القهوة:
يطلق على الأدوات التي تُستَخدم في صنع القهوة وتقديمها اسم " المعاميل " وتشمل على الموقد, والدلال بأنواعها المختلفة كالمحماس, والفناجين, والنجر, والمبرد, النقيرة, والملقاط, والمبخرة, والبيز, والمركا, والمنفاخ, والتاوة, ومن بين هذه الأدوات :
• التاوة: صحن دائري مصنوع من الحديد لتحميس حبات البن, وهي متنوعة الأحجام, فمنها الكبير والعميق الصغير وذو العمق المتوسط، حسب كميات البن المراد تحميسها فيها, إذ يتراوح قطرها بين 15-75 سم. والتاوة مزودة بيد طولها 45 سم تقريباً للإمساك بها بعيداً عن النار.
• المحامس : أو ما يعرف بـ«المحماس» والذي هو عبارة عن قطعة طويلة من الحديد أو النحاس بطول 40 سم تقريباً , تنتهي بقطعة مستديرة الشكل ورقيقة قطرها من 5 الى 7 سم , وتستخدم في تقليب حبوب البن الموضوعة في التاوة على النار لتحميسها, كما يمكن استخدامها في رفع الخبز عن التاوة.
• المنحاز: أو ما يعرف بـ«الهاون» فقد كان يستخدم في طحن القهوة, وهو وعاء اسطواني غالباً ما كان يصنع من الخشب أو الحديد، ويمتاز بتعدد أشكاله إلا أن الهاون المخروطي العميق في الجزء السفلي والضيق في الأعلى هو الاوسع انتشاراً، أما الرشاد أو الهاشمي فهو عبارة عن أداة تستخدم في دق حبوب القهوة وتنعيمها بالمنحاز ويصنع من الخشب أو الحديد أو النحاس, وله "يد" أو "رشاد" وهي مغزلية الشكل يصل طولها إلى 80 سم. يمسك في منتصفها بيد أثناء عملية الدق أو التنعيم تُسمى لدي الشاميين "مهباش", ويمسك المنحاز باليد الأُخرى.
• الموقد: هو عبارة عن شكل أو صندوق مستطيل من الحديد, او وعاء معدني يوضع بداخله الأخشاب لتوقد النار به تجهيزاً لعمل القهوة, ثم تصبح جمراً, ويطلق عليه في دول الخليج «الكوار» أو «المنكلة»، وقد يكون «الكوار», للاحتفاظ بحرارة القهوة .
• الملقاط: أداة من الحديد على شكل قضيب يستخدم للإمساك بالجمر وإخراجه خارج الموقد, ولتحريك الجمر داخل الموقد وتوزيعه توزيعاً مناسباً يستخدم عود من السمر.
• الدلال: تعتبر من أهم الأدوات التي تستخدم في تحضير القهوة وتقديمها.
لذا يبذل في تصميمها وصقلها وزخرفتها جهد خاص, حيث أصبحت تحفاً فنية, وهي نوع من أنواع الأوعية التي كانت تُصنع من الفخار, ومع انتشار المواد المعدنية صنعت الدلة من النحاس الأصفر والأبيض وزُينت بحزوز وزخارف هندسية, ومن أهم أنواع الدلال المعروفة في الجزيرة العربية الدلة «القشرية» والتي تصنع من الفخار أو النحاس، أما دلة «رسلان» فهي من أجود الدلال التي تجلب من بلاد الشام وهي باهظة الثمن، ومنها ما كان يُصنع بشمال فلسطين وكانت تُعرف من شكلها الخارجي أو من الختم الذي عادة ما يكون على البدن ويحمل اسم صانعها أو من خلال العلامات والزخارف الموضوعة على المقبض, وتتكون الدلال عادة من ثلاث أنواع هي:
1- دلة الخمرة: أو «المطباخة»، أو«البكرج» وهي أكبر حجماً, وتوضع عادة فوق الجمر, وفيها بقايا القهوة والهيل, حيث تغلي أكثر من مرة , ومنها يؤخذ ماء القهوة الذي يغلي ويُصب في دلة الملقمة.
2- دلة الملقمة: ويُطلق عليها «الملكمة» أو«المصفاية»، وهي دلة متوسطة الحجم مقارنة بالنوعين الآخرين, توضع بجانب النار وفيها يتم تلقيم القهوة بعد نقل جزء من الماء الساخن من الدلة الكبيرة فيرتفع البن من قاعها، ليتم بعدها تصفية القهوة, ومن ثم نقلها "زلها" إلى الدلة الثالثة "المزلة" أو "الصباب".
3- دلة المزلة: أو«المبهارة»، أو«الصباب»، وهي أصغر الدلال المستخدمة في عمل القهوة وأزينها, وتستخدم بعد طبخ القهوة في الدلة المتوسطة، إذ يوضع بها صافي القهوة. ومنها تصب القهوة لشاربها.
الظروف الخاصة بصناعة القهوة العربية وتحضيرها:
طورت معظم الدول العربية في جميع أنحاء البلاد العربية أساليب فريدة لصنع القهوة وإعدادها, فتختلف طريقة تحضير القهوة العربية من بلد إلى بلد، ولكل منهم طريقته في إعدادها، كما أنهم قد يستخدمون أشكالًا وأنواعًا مختلفة من البن لتحضير القهوة ومنها:
• القهوة العربية اليمنية: وتختلف عن القهوة السعودية الحجازية والإماراتية الخليجية في أنه يمكن تحضيرها بإضافة بعض السكر حسب الرغبة، كما يمكن إضافة الزنجبيل.
• قهوة علان (يمنية): يتم تحضيرها في أول موسم حصاد البن، ويستخدم في تحضيرها حبوب البن الحمراء، وغالبًا يفضلها كبار السن لما لها من فوائد.
• قهوة القشر اليمنية: وهي القهوة التي نستخدم فيها قِشر البن، والقشر هو الغلاف المحيط بحبوب البن، ونستخدمه في صناعة قهوة القشر وله العديد من الفوائد، وتنتشر خاصة في الريف ونادرًا ما يتم إضافة التوابل إليها.
• القهوة اليمنية البيضانية: سميت بذلك الاسم نسبة إلى مدينة بيضاء باليمن, وكذلك للونها الأبيض، ولها طريقة تحضير دقيقة يتوجب الالتزام بها.
• القهوة الحضرمية الحلوة (يمنية): يتم تقديمها في الأفراح والمآتم والمناسبات المختلفة، ويكثر إعدادها في فصل الشتاء لما تشتهر به من مقاومة البرد والتهاب اللوزتين، ويتم إضافة السكر إليها.
• القهوة العربية الحجازية: وهي القهوة العربية التي يتم إعدادها في الجزيرة العربية وخاصة الحجاز "السعودية"، وتشتهر بالتوابل التي يتم إضافتها للقهوة مثل الهيل والقرنفل والزعفران، ويتم إعدادها من خلال مزج البن المحمص مع الماء البارد وإضافة التوابل، واشتهرت بتقديمها في الدلة مع التمر.
• القهوة العربية الخليجية: وطريقتها تشبه كثيرًا طريقة تحضير القهوة العربية السعودية الحجازية والشقراء, ولكنها تتميز باستخدام كمية أكبر من الهيل في تحضيرها.
• القهوة العراقية: وكثيراً ما يكون إعداد القهوة العراقية على هيئة كمية كبيرة من القهوة الفاتحة أو المتوسطة حيث توضع في الدلة ثم يقوم مقدم القهوة بربط حزام سميك حول خصره به العديد من الجيوب الفارغة التي توضع بداخلها الفناجين بحيث يقوم المضيف بالمرور على الضيوف الجالسين ويقوم بأخذ فنجان من الحزام وملئه بالقهوة وتقديمه للضيف، كما تنص العادات العراقية الأصيلة على أن يتم تقديم الفنجان الأول للضيف كشرط أساسي والفنجان الثاني بناء على طلب الضيف نفسه وأخيراً الفنجان الثالث الذي يقدم كنوع من التعبير على شدة الترحيب بالضيف.
• القهوة الشامية: تعتبر القهوة الشامية الجنوبية أو كما يسميها أهل الأردن وفلسطين بالقهوة السوداء, وهي نوع خاص من القهوة يختلف عن غيره من الأنواع في درجة تحميص البن، حيث أن القهوة الشامية تعتمد على تحميص البن على النار لأقصى درجة ممكنة حتى يصبح لونه داكناً للغاية ثم تقوم بطحنه في مطحنة القهوة مع الحبهان والزعفران والقرنفل ولكن بكميات محدودة. أما طريقة تحضير القهوة ذاتها فلا تختلف كثيراً عن القهوة العربية من حيث وضع الماء على النار وتركه حتى يصل للغليان ثم إضافة القهوة وتركها قليلاً وبعد ذلك توضع في الدلة وتوزع على الضيوف أقل من ثلث الفنجان أو حسب الرغبة, ومن القهوة الشامية القهوة الحلبية السوداء التي يستخدمها أهل سوريا ولبنان, والتي يتم إضافة السكر إليها وطبخها على نار هادئة.
• القهوة المصرية: بشكل عام لا يوجد نوع خاص للقهوة تختص به مصر دون غيرها، لكن إعداد القهوة في مصر يعتمد بشكل أساسي على المحافظة على وجه القهوة وهو الطبقة السميكة من الرغوة التي تتكون على قمة القهوة ؛ حيث ستقوم بترك القهوة على النار الهادئة بدون أن تصل إلى درجة الغليان وذلك عبر رفعها من الموقد بين الحين والآخر لثوان معدودة, أما أهل سيناء فقهوتهم قهوة شامية سوداء.
• القهوة الليبية: يشتهر الليبيون وخاصة أهل طرابلس عاصمة ليبيا بتقديم القهوة البيضاء، وتقدم في فصل الشتاء أكثر وفي شهر رمضان المبارك وفي المساء لعدم احتواءها على المنبهات, وهي مثلها مثل القهوة العربية البيضاء في تحضيرها, وأحياناً تقوم القبائل الصحراوية بعمل القهوة السوداء أو الشقراء كالحجازية.
• القهوة المغربية: هي في الغالب قهوة عربية أفريقية بيضاء تمزج مع التوابل ويحتفظ بها في علبة معدنية محكمة الإغلاق. توضع كمية ملعقتين كبيرتين (30 غ) من خليط القهوة في كسرولة، تضاف إليها كمية 30 سل من الماء. توضع الكسرولة على نار هادئة. عند الغليان تخفض النار إلى أدنى حد وتترك القهوة تغلي لمدة دقيقة ثم تهدأ للتقديم.
• القهوة الصحراوية: هي نوعان منها القهوة السوداء التي اشتهرت بها القبائل الشامية والسيناوية الضاربة في الصحراء, وهي قهوة شامية بالهيل حافظت عليها وعلى طباعها تلك القبائل العربية, أما الثانية فهي قهوة عربية أفريقية بيضاء تمزج مع التوابل حافظت عليها القبائل الضاربة بالصحراء الكبرى والمغاربية.
• القهوة التركية: هي قهوة عربية تقليدية سوداء , لونها داكن وطحنها ناعم وقوامها كثيف, يتم غلُيها وتقديمها مع الماء, تستخدمها شعوب كثيرة لتقديمها مع المُحليات.
أما في الوقت الحالي على الرغم من وجود القهوة العربية واحتفاظها بمكانتها في الموائد والمجالس العربية، فإن كثيراً من أنواع القهوة وجد طريقه إلى أيادي خارجية, وقد تكون ابتكارية أو تطويرية لاسيما في وجود النكهات التي أدخلت حديثاً على القهوة، منها الكاكاو والكراميل والحليب وغيره، وتطورت بمفهومها التركي الحديث, وأصبحت الأكثر شهرة بكونها ثقيلة غامقة اللون وتقدم مع السكر بحسب الحاجة, كذلك هناك قهوة الكابوتشينو الإيطالية والتي تتألف من الإسبرسو بمقدار الثلث والحليب والكريمة المخفوقة، ويرش على سطح رغوة الكريمة بودرة الكاكاو أو بودرة الدارسين، أما الموكا اليمانية الأصيلة فقد أصبحت قهوة فرنسية أو إيطالية، تتألف من القهوة السادة الثقيلة بمقدار الثلث، يضاف إليها الشوكولاتة الساخنة غير المحلاة والحليب, ولم تحتفظ كثيراً بمرارتها التي تميزها عن غيرها من أنواع القهوة.
فنجان »فنجال« القهوة:
الفنجان أو الفنجال كلمة مفردة عامية محرَّفة من أصل عربي وهو «فلجان»، والمأخوذة من السريانية. والتي تعني «القفيز» وهو مكيال معروف، ثمَّ تطوَّر فأصبح يقال للكوب الذي توضع فيه القهوة «فلجان» ثمَّ حرَّفته العامة فقالت «فنجان» بإبدال اللام نوناً ثمَّ أبدلت النون الأخيرة لاماً، ومن عادة العرب الإبدال بين النون واللام؛ فمثلاً تقول: إسماعيل وإسماعين.
ومن هنا يُؤْخَذ قولهم للظَّرْف المُعَدِّ لشُرْبِ القَهْوَةِ وغيرِهَا «فِلْجَان» والعَامَّة تقول: فِنْجَان، وفِنْجَال ولا »يصحّانِ« كما قال الزبيدي. إلا أنه قيل لا مانع من إقرار هاتين المفردتين؛ إذ لا ضرر فيهما للتخفيف على الناس في لغتهم.
رمزية فنجال القهوة:
كما أن فنجان القهوة عند العرب رمزاً للجود والكرم والتفاخر والضيافة، وتلبية الضيف وعنواناً للشهامة والنخوة العربية، فمع ارتشاف فنجان القهوة، تتآلف النفوس، وتستيقظ المشاعر، وترق الأحاسيس، وعلى رائحتها الطيبة تطيب الأحاديث، وتحلو الأشعار. وبها كانت تحلّ أي قضية مهما عظمت واستعصت على الحل، فكانت العرب تُعْرِض عن تناول فنجان القهوة إلا بعد أن يلبى طلبها أو تقضى لها حاجتها، بعد مبادرة شيخ العشيرة أو القبيلة بالسؤال: ما حاجتك؟ فإذا قضاها له، أَمَره بشرب قهوته اعتزازًا بنفسه. كذلك طلب يد عروس، او إسقاط حق من الحقوق، او فضّ المنازعات وحل المشاكل والخصومات، ولوجه الله تعالى.
كان ذلك حقاً رمزاً من رموزنا البسيطة المضيئة الشفافة النقية، لكن هذه المفاهيم والقيم العربية التي قامت عليها حضارتنا، نراها اليوم تتعرض للتشويه والتأويل والتحريف والتسويف، فانقلبت معانيها، وانحطت قيمها، وافرغت من مضامينها السامية، وأصبح فنجان القهوة رمزاً للرشوة والفساد، ورمزاً للظلم وهضم الحقوق. فإذا أراد أن يقضي احدهم حاجة لآخر، اشترط عليه مسبقا "بدل فنجان قهوة"، أي سأقضي لك حاجتك، مقابل مبلغا من المال، وتتحدد تسعيرة فنجان القهوة حسب أهمية الحاجة التي ستُقضى. ويبخَّسْ المُرتشي هنا قيمة الرشوة المطلوب دفعها، باعتبار أنها تكاد توازي ثمن فنجان قهوة، اي لا تساوي شيئاً، مقابل المنافع الكبيرة التي سيحصل عليه الراشي، جرّاء قضاء حاجته!
أسماء فناجيل القهوة العربية قديماً:
• فنجال الهيف: والمقصود به فنجان القهوة الأول الذي يقوم صاحب الديوان أو المكان بتناوله أولًا قبل أن يعطي الضيف الفنجان الخاص به ؛ وكان هذا العرف متبعًا حتى يكون الضيف في مأمن وواثقًا من أن هذه القهوة امنة تمامًا وخالية من السموم أو المواد الضارة.
• فنجال الضيف: والمقصود به هو الفنجان الذي يقوم صاحب الديوان أو المكان بتقديمه إلى الضيف بعد أن ينتهي من الفنجان الخاص به مباشرةً ، وكان العرف السائد هو أن الضيف مُجبر على شرب هذا الفنجان ، إلا في حالات قليلة خاصة مثل وجود عداوة بين الطرفين أو في حالة طلب المساعدة من المضيف ، وهنا يُمكنه أن لا يشرب الفنجان إلا بعد أن يتأكد من أن صاحبه المضيف سوف يُقدم له يد العون .
• فنجال الكيف :أما فنجان الكيف ؛ فالمقصود به فنجان القهوة الثاني الذي يقوم صاحب الديوان أو المكان بتقديمه مرة ثانية إلى نفس الضيف ؛ وهنا لا يكون الضيف مُجبرًا على تناول هذا الفنجان ، حيث يُمكنه أن يشربه أو لا يشربه دون أن يُسبب ذلك له أو لصاحب المكان أي حرج.
• فنجال السيف :فنجان السيف له مقصد خاص ؛ حيث أن الضيف إذا أقدم على شرب هذا الفنجان الثالث ؛ فهو بذلك يكون مدين للمضيف بمساعدة وحمايته والذود عنه ومشاركته في أي أعمال حربية أو عسكرية، ونظرًا إلى أن العرب كانوا يُعرفون بالرأي النافذ والكلمة الواحدة دون زيغ أو عزوف عن الوعد ؛ فإن الكثير من الضيوف كانوا يتحاشون تناول فنجان القهوة الثالث ؛ ولا سيما أن هذا الفنجان قد نتج عنه تعرض الكثير من العرب إلى المخاطر نتيجة وعدهم للمضيف بالدفاع عنه دائمًا وأبداً.
• فنجال الفارس :ويُعد فنجان الفارس من أخطر فناجين القهوة أيضًا لدى العرب في العصر الجاهلي ؛ حيث أنه إذا أراد شخص الانتقام من آخر ؛ فإنه يتوجه إلى قبيلته ويقوم بملء فنجان من القهوة ووضعه فوق رأسه ويقول هذا فنجان فلان بن فلان ( يعني الشخص المراد الانتقام منه ) ، وهنا من يُقدم على شرب هذا الفنجان يكون عليه أن يخرج ولا يعود إلا بعد أن يكون قد أتم المطلوب على أكمل وجه ؛ وإذا لم يتمكن من التنفيذ والانتقام من الشخص المقصود ؛ فلا يُمكنه أن يعود إلى قومه أو قبيلته مرة أخرى ، وإذا عاد إليهم ؛ فإنه يكون طوال الوقت موصومًا بالخزي والعار .
مكانة القهوة عند العرب:
لقد استمدت القهوة العربية مكانتها الرفيعة من تقاليد وأعراف متوارثة، فأصبحت جزءا من تاريخ وحضارة المجتمع العربي، بمختلف مستوياته وشرائحه الاجتماعية، ولها معنىً خاصاً في المجتمع العربي، وتحتل مكاناً بارزاً في مجالسهم، بل أنّها شكّلت رمزاً ومنبتاً للضيافة والكرم والخشوع والتفاؤل والأمل، وتحظى بأفضلية معنوية لا يضاهيها أي مشروب آخر سواها. فقد ارتبطت القهوة العربية بمختلف شؤون الحياة الاجتماعية للناس، وأصبح شربها عادة اجتماعية تنطوي على رموز ومعانٍ بالغة في الأهمية في حياتهم، فهي مرآة تعكس طبيعة العلاقات الاجتماعية بينهم، وهي التي تكشف عن القيم السائدة عندهم بطريقة عفوية وتلقائية، وهي أداة للتعبير عن مشاعرهم في مناسبات عديدة، وهي المحور الذي تدور عليه حياتهم اليومية، وهي مفتاح خير لحل كل الخلافات، وفض المنازعات والخصومات بين الناس.
أصول تقديم القهوة:
ومن قواعد وأصول تقديم وشرب القهوة أن يقوم المضيف قبل تقديم القهوة لضيوفه، بشرب الفنجان الأول ليرى إذا كانت جاهزة للتقديم. ويمسك بالدلة بيده اليسرى والفناجين بيده اليمنى، وأن يقف احتراماً وتقديراً للضيف، ثم ينحني قليلاً أمام الضيف عند صبّ القهوة، ثم يمد الفنجان للضيف بيده اليمنى، مع مراعاة مسك الفنجان من الوسط والأسفل لإتاحة المكان الأعلى من الفنجان، لكي يمسك به الضيف، ويقول لمن يقدم له: تفضل. وعلى الضيف أن يصحح جلسته، اذا كان متكئاً وأن يتناول فنجان القهوة بيده اليمنى لا باليسرى. ويبدأ المُضيف بصب القهوة وتقديمها للضّيوف بالدور من اليمين عملاً بالسّنة الشريفة. وقد يقدم القهوة لأكبر الناس سناً وأكثرهم قدراً ووجاهة احتراماً، ثم إلى من هم أصغر منهم سناً ووجاهةً، حتّى ينتهي جميع الحاضرين من شرب القهوة. وإذا أراد شخصاً أن يُكرم رجلاً مسناً أو وجيهاً بأن يطلب من المضيف أن يقدم له القهوة قبله، فيقوم بالتقديم له، إلا اذا اعترض ذلك الرجل قائلاً "دور غانمين"، أي أن تقدم القهوة بالدور من اليمين. وتقدم القهوة أولً للرجال ثم للنساء اذا كانت جلسة عائلية بيتية.
كما أن تقديم مشروب القهوة حال قدوم الضيوف إلى البيت مباشرة دلالة على أن الضيوف غير مرغوب فيهم أن يطيلوا مدة الزيارة. واذا اضطر أهل البيت إلى تقديم القهوة للضيوف في الحال فيبادروا إلى القول وهم يقدمون القهوة: "هذه قهوة أهلا وسهلاً"، لإزالة الحرج عن الضيف، وأنه ضيف مرغوب فيه. ويجب أن لا يصب القهوة أحد الضيوف، أو الأب والابن موجود، أو الأخ الأكبر في وجود أصغر منه من أخوته، وأن لا يصب القهوة الكبير في وجود من هو أصغر منه سناً, وهذا بخلاف المجالس العشائرية والدواوين جاهزة تقديم القهوة.
ومن مهارةُ صبّ القهوة أيضًا أن تحدِثَ صوتًا خفيفًا نتيجة ملامسة الفنجان للدلّة، ويُقصَد بهذه الحركة تنبيه الضّيف إذا كان سارحًا.. ويجب صب القليل من القهوة، وأن لا تتجاوز ثلث الفنجان. وملء الفنجان كاملاً أو وضع قدر ضئيل لا يُرشف في اشارة إلى عدم الترحيب بالضيف.
كما أن من مهارة شرب القهوة أن يحرّك الشّارب الفنجان يميناً وشمالاً حتّى تبرّد القهوة، ثم ارتشافها بسرعة. ويُستحسن أحيانا إضافة فنجانٍ آخرٍ للضّيف في حال انتهائه من شرب الأول، وفنجان ثالث بعد شربه الثاني، ما لم يرفع الضيف كفه اليمنى، إشارة الى الاكتفاء، أو يضع أصابع يده اليمنى فوق فوهة الفنجان، أو يهَزّ الفنجان بعد شربه هزة خفيفة يميناً وشمالاً عدة مرات، وهو بين السبابة والإبهام، إشارة إلى اكتفائه منها. ولا يجوز وضع الفنجان على الأرض قبل الشرب ولا بعده وخاصة في المجالس العشائرية والقضائية.
المراجع:
• تاريخ القهوة العربية لمحمد غبرييس.
• القهوة العربية لمحمد أرنؤط.
• مجلة البيان الإماراتية في 25 نوفمبر 2018م.
• مقتطفات من مقالات متعددة.
منشورات مركز الرحالة الثقافي للأبحاث وعلوم الأنساب
11/05/2022م
