منازل الفرزدق وجرير ومساكنهما في التاريخ
فرحان الفرحان - جريدة القبس - 24/12/2010
لا يختلف اثنان على أن جرير والفرزدق شاعران لهما مكانتهما في عالم الشعر والأدب على مر العصور. وقد برز هذان الشاعران في العصر الاسلامي الأول، وكانت لهما مواقف وهجاء وتحد ومبارزة أثرت الأدب العربي حتى أن علماء التاريخ والأدب في العالم العربي لم يهملوا هذين الشاعرين بل كانا محطة متابعة واهتمام من لدن علمائنا الأقدمين.
كان المرحوم الامام الحسن الصاغاني من أول من أشار الى مسكن ومنزل الشاعر جرير في كتابه الكبير «العباب»، وقد قال في باب «الفاء» أثيفة قرية لبني كليب بن يربوع بالوشم من أرض اليمامة، واكثرها لأولاد جرير بن الخطفي الشاعر وهو الذي يقول:
«أجدّك ما تذكر أهل نجد
وحيا طال ما انتظروا الايابا
شتان المجاور دير أروى
ومن سكن السليلة والجنابا
أسيلة معقد السمطين منها
وريا حيث تعتقد الحقابا»
هنا يتحدث جرير عن منازل ومسكن أسرته وأهله في بلاد نجد الواسعة الكبيرة. والصاغاني هو من اوائل من حدد منازل الشاعر جرير في أثيفة. ولو قلت لشخص من غير ابناء نجد اين اثيفة لم يحددها. لكن الفاضل عبدالله محمد بن خميس في كتابه «المجاز بين اليمامة والحجاز» حدد لنا اثيفة حيث أن غالبية الكتاب والباحثين يقولون عن منازل جرير هي اليمامة ويسكتون بعد ذلك. يقول الخميس في كتابه الآنف الذكر عن اثيفة التالي:
ومن ثرمداء، وعلى مسافة قصيرة منها يواجهنا وادي السليم بعده، قريبا منه وادي اثيفية، وأعلاه ينقسم الى واديين، وادي القلت، ووادي الخليف، ويلتقيان قبل اثيفية، ومصب وادي اثيفية في قصور الحمض، ومنها في روضة ابي سمري، وهو واد ينصب من الغرب الى الشرق من الجبال المكتنفة اثيفية، ومن قمة صفراء الوشم، فيجتاز اثيفية، وينصب نحو ما ذكرنا.
والطريق يقطع هذا الوادي ويترك اثيفية عن يساره من مسافة قصيرة يرى المارة نخيل ومزارع القرية.. ولاثيفية هذه نصيب من اسمها، فهي واقعة بين ثلاث اكيمات متناوحات تشبه اثافي القدر تماما، وهي بلدة قديمة، قال في معجم البلدان: «اثيفية» بضم اوله وفتح ثانيه وياء ساكنة وفاء مكسورة وياء مخففة تصغير اثفية القدر قرية لبني كليب بن يربوع بن تميم بالوشم من ارض اليمامة، اكثرها لولد جرير الخطفي الشاعر.
قال محمد بن ادريس بن ابي حفصة: اثيفية قرية واكيمات وانما شبهت باثافي القدر، لانها ثلاث اكيمات وبها كان جرير، وله بها مال، وبها منزل عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير.. قال عمارة في بني نمير:
وان تحضروا ذات الاثافي فإنكم
بها أحد الأيام عظم المصائب
وقال نصر: اثيفية حصن من منازل تميم، قال راعي الابل:
دعون قلوبنا باثيفيات
وألحقنا قلائص يعتلينا
انتهى ما جاء في المعجم، وذكر ابن بليهد رحمه الله في كتابه «صحيح الاخبار عما في بلاد العرب من الآثار» ان هذه القرية لا تزال تحتفظ بشيء من لهجة تميم، فهم يبدلون السين شينا.
وعندما نستعرض خريطة الجزيرة العربية ونلقي نظرة على وجود قبيلة بني تميم، امتداداً من وسط الجزيرة العربية حتى ساحل الخليج العربي فسنجد أن فروع هذه القبيلة قد وجدت في أماكن عدة، منها: الوفراء ووالدي الباطن وحفر أبي موسى الأشعري «الحفر اليوم» وكاظمة «الكويت اليوم»، التي وجد فيها بنو دارم أهل الشاعر الفرزدق، ولما كانت الصلة بين القبيلة الواحدة وهم في جزيرتهم الجزيرة العربية فلابد من اللقاء والتنافس والتباين، وكل واحد يظهر ويبرز عضلاته، ولما كانت كل قبيلة أو فرع من القبيلة يكون له ناطق رسمي، كأنه إذاعة أو محطة فضائية أو صحيفة يومية، ينطق باسمهم، فإن جرير الشاعر كان الناطق الرسمي لبني كليب التميمي، وكان الشاعر الفرزدق الناطق الرسمي لبني دارم، وأخذ كل من الشاعرين يبرز عضلاته وبطولات قوية ويحاول أن يرفع بهم ويسفه الآخر.
وهنا نسمع قول جرير حينما يقول:
اذا مات الفرزدق فارجموه
كما ترجمون قبر أبي رغال
ويقول الفرزدق:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم
إذا جمعتنا يا جرير المجامع
وحين يفتخر الفرزدق بقوله:
أفي أورة عالجتها وحفرتها
تميم حواليها وعندي كتابها
لنا منبت الضمران يا آل مالك
وعرفج سلمى لنا وصعابها
إذن، كان هناك «نحاسة» بين الاثنين الشاعرين لهذه القبيلة الكبيرة تميم وكل واحد يريد أن يثبت وجوده وبروزه على أنه الأقوى والأجدر في الدفاع عن قبيلة تميم، ومن ثم الفرع الذي ينتسب إليه، وكان الفرزدق وآل دارم أجداده إبان وجودهم في كاظمة يصول ويجول في هذه المنطقة، وفي البئر الأورة التي حفرها في منبت الصخران قرب عرفج سلمى «ميناء عبدالله اليوم».
القصيبة في القديم، حيث هرب من حاكم البصرة والتجأ إلى القصيبة، والقصيبة هي أم قصبة التي أصبحت جزءا من ميناء عبدالله اليوم.
وعندما ضل الطريق من كاظم الجهرة، متجها إلى السالمي اليوم وهو يريد طريق الفصلين الحفر / وادي الباطن وقد تاه في «ذي الأرطي» قرب السالمي اليوم، وهو يقول:
«ونحن بذي الأرطى يقيس ظماءنا
لنا بالحص شربا صحيح المقاسم»
كان المرحوم أحمد البشر قبل سنين قد نشر في مجلة «البعثة» الكويتية التي كانت تصدر من القاهرة في تلك الحقبة، عدة أبحاث عن الأمراض في الكويت وعن المقروغي وعن تواجد أدارم أهل الفرزدق وكذلك نشر بحثا قال فيه: «الفرزدق كويتي».
ولما لهذا البحث من الطرافة والأهمية فيسرني أن أقتطف منه فقرات للقراء الكرام بالتالي: «نعم إنه كويتي قبل الكويتيين}.
الفرزدق همام بن غالب بن صعصعة من مشاهير الشعراء، وهو علم من أعلام الأدب العربي، ويقال إن شعر الفرزدق حفظ ثلث اللغة العربية. إذ لولا شعره لضاع الشيء الكثير من اللغة، وقل من لم يقرأ منا للفرزدق شيئاً من الشعر قل أو كثر، وأمر مهاجاته مع جرير ــ وكلاهما من تميم ــ مشهور. إذ دامت هذه المهاجاة قرابة الأربعين عاماً شغلت قصائدهم خلالها جميع أندية الأدب وحلقات دراسته في جميع البلاد العربية.
وكانت الركبان تحمل هذه القصائد إلى جميع أنحاء الجزيرة العربية. والرواة تتهافت على رواية هذه القصائد، واعتنى علماء اللغة العربية بها أيما اعتناء، فألفوا فيها الكتب المشهورة، تلك الكتب التي أفادت الأدب العربي أيما إفادة، ككتاب النقائص لأبي عبيدة.
إن كاظمة القريبة منا هي الموضع الذي اختاره الفرزدق محلا لسكناه - وربما ولد فيها - ففيها نظم أكثر قصائده الخالدة، وفيها كانت ترده قصائد جرير، فيها الهجاء الفاحش، فيرد الفرزدق عليها بما هو أفحش منها. فحلان يتصاولان والعرب قاطبة تستصيخ لسحر بلاغتهما.
كاظمة موطن الفرزدق الأول لا يبارحها إلا في أيام الربيع، حيث يرتاد العشب في المناطق القريبة من كاظمة مثل «الفريدة» و«السادة» و«الرحية» وهي مواقع تقع في الغرب من الجهرة. وهي قريبة من الكويت وداخل حدودها.
فبنو تميم وهم قوم الفرزدق يقطنون المنطقة التي يحدها من الشمال كاظمة ومن الجنوب «إنطاع» ومن الغرب الدو (الدبدبة) ومن الشرق العدان، وكانت مجاشع وهي فخذ من تميم، وعلى الاخص بنو دارم، وهم قوم الفرزدق يقطنون المنطقة الواقعة بين كاظمة والبرقان.(1)
وكان الفرزدق بالذات يسكن كاظمة وما جاورها، ومن يدري لعله نزل في يوم من الايام على احد المياه الواقعة في منطقة مدينة الكويت بالذات، كأبي دوارة، او الدمنة (2)، او الرأس، وانا اعتقد ان هذه المياه لم تكن مجهولة لدى العرب القدماء، وربما عرفوا عنها اكثر مما نعرفه نحن اليوم.
وقد غزت شيبان، وهي من اشهر القبائل العربية، بني تميم على ماء كاظمة، تريد الاستيلاء عليه، فهزمهم بنو تميم، وصدوهم عنه. وفي هذه الوقعة يقول الفرزدق مفتخرا:
«لقد رجعت شيبان وهي اذلة
خزايا ففاضت في الوثاق وفي الازل»
اخيرا، فهذه منازل ومساكن الشاعرين الكبيرين جرير والفرزدق اللذين كان لهما صولة وجولة في تلك الحقبة من الزمن، وتركا لنا ذخيرة من اشعارهما واهاجيهما، منها ديوان جرير وديوان الفرزدق والنقائض بين جرير والفرزدق.
=============
الهوامش:
1 - منطقة غنية بالبترول تقع في جنوب الكويت.
2 - تسمى حاليا السالمية.
فرحان الفرحان - جريدة القبس - 24/12/2010
لا يختلف اثنان على أن جرير والفرزدق شاعران لهما مكانتهما في عالم الشعر والأدب على مر العصور. وقد برز هذان الشاعران في العصر الاسلامي الأول، وكانت لهما مواقف وهجاء وتحد ومبارزة أثرت الأدب العربي حتى أن علماء التاريخ والأدب في العالم العربي لم يهملوا هذين الشاعرين بل كانا محطة متابعة واهتمام من لدن علمائنا الأقدمين.
كان المرحوم الامام الحسن الصاغاني من أول من أشار الى مسكن ومنزل الشاعر جرير في كتابه الكبير «العباب»، وقد قال في باب «الفاء» أثيفة قرية لبني كليب بن يربوع بالوشم من أرض اليمامة، واكثرها لأولاد جرير بن الخطفي الشاعر وهو الذي يقول:
«أجدّك ما تذكر أهل نجد
وحيا طال ما انتظروا الايابا
شتان المجاور دير أروى
ومن سكن السليلة والجنابا
أسيلة معقد السمطين منها
وريا حيث تعتقد الحقابا»
هنا يتحدث جرير عن منازل ومسكن أسرته وأهله في بلاد نجد الواسعة الكبيرة. والصاغاني هو من اوائل من حدد منازل الشاعر جرير في أثيفة. ولو قلت لشخص من غير ابناء نجد اين اثيفة لم يحددها. لكن الفاضل عبدالله محمد بن خميس في كتابه «المجاز بين اليمامة والحجاز» حدد لنا اثيفة حيث أن غالبية الكتاب والباحثين يقولون عن منازل جرير هي اليمامة ويسكتون بعد ذلك. يقول الخميس في كتابه الآنف الذكر عن اثيفة التالي:
ومن ثرمداء، وعلى مسافة قصيرة منها يواجهنا وادي السليم بعده، قريبا منه وادي اثيفية، وأعلاه ينقسم الى واديين، وادي القلت، ووادي الخليف، ويلتقيان قبل اثيفية، ومصب وادي اثيفية في قصور الحمض، ومنها في روضة ابي سمري، وهو واد ينصب من الغرب الى الشرق من الجبال المكتنفة اثيفية، ومن قمة صفراء الوشم، فيجتاز اثيفية، وينصب نحو ما ذكرنا.
والطريق يقطع هذا الوادي ويترك اثيفية عن يساره من مسافة قصيرة يرى المارة نخيل ومزارع القرية.. ولاثيفية هذه نصيب من اسمها، فهي واقعة بين ثلاث اكيمات متناوحات تشبه اثافي القدر تماما، وهي بلدة قديمة، قال في معجم البلدان: «اثيفية» بضم اوله وفتح ثانيه وياء ساكنة وفاء مكسورة وياء مخففة تصغير اثفية القدر قرية لبني كليب بن يربوع بن تميم بالوشم من ارض اليمامة، اكثرها لولد جرير الخطفي الشاعر.
قال محمد بن ادريس بن ابي حفصة: اثيفية قرية واكيمات وانما شبهت باثافي القدر، لانها ثلاث اكيمات وبها كان جرير، وله بها مال، وبها منزل عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير.. قال عمارة في بني نمير:
وان تحضروا ذات الاثافي فإنكم
بها أحد الأيام عظم المصائب
وقال نصر: اثيفية حصن من منازل تميم، قال راعي الابل:
دعون قلوبنا باثيفيات
وألحقنا قلائص يعتلينا
انتهى ما جاء في المعجم، وذكر ابن بليهد رحمه الله في كتابه «صحيح الاخبار عما في بلاد العرب من الآثار» ان هذه القرية لا تزال تحتفظ بشيء من لهجة تميم، فهم يبدلون السين شينا.
وعندما نستعرض خريطة الجزيرة العربية ونلقي نظرة على وجود قبيلة بني تميم، امتداداً من وسط الجزيرة العربية حتى ساحل الخليج العربي فسنجد أن فروع هذه القبيلة قد وجدت في أماكن عدة، منها: الوفراء ووالدي الباطن وحفر أبي موسى الأشعري «الحفر اليوم» وكاظمة «الكويت اليوم»، التي وجد فيها بنو دارم أهل الشاعر الفرزدق، ولما كانت الصلة بين القبيلة الواحدة وهم في جزيرتهم الجزيرة العربية فلابد من اللقاء والتنافس والتباين، وكل واحد يظهر ويبرز عضلاته، ولما كانت كل قبيلة أو فرع من القبيلة يكون له ناطق رسمي، كأنه إذاعة أو محطة فضائية أو صحيفة يومية، ينطق باسمهم، فإن جرير الشاعر كان الناطق الرسمي لبني كليب التميمي، وكان الشاعر الفرزدق الناطق الرسمي لبني دارم، وأخذ كل من الشاعرين يبرز عضلاته وبطولات قوية ويحاول أن يرفع بهم ويسفه الآخر.
وهنا نسمع قول جرير حينما يقول:
اذا مات الفرزدق فارجموه
كما ترجمون قبر أبي رغال
ويقول الفرزدق:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم
إذا جمعتنا يا جرير المجامع
وحين يفتخر الفرزدق بقوله:
أفي أورة عالجتها وحفرتها
تميم حواليها وعندي كتابها
لنا منبت الضمران يا آل مالك
وعرفج سلمى لنا وصعابها
إذن، كان هناك «نحاسة» بين الاثنين الشاعرين لهذه القبيلة الكبيرة تميم وكل واحد يريد أن يثبت وجوده وبروزه على أنه الأقوى والأجدر في الدفاع عن قبيلة تميم، ومن ثم الفرع الذي ينتسب إليه، وكان الفرزدق وآل دارم أجداده إبان وجودهم في كاظمة يصول ويجول في هذه المنطقة، وفي البئر الأورة التي حفرها في منبت الصخران قرب عرفج سلمى «ميناء عبدالله اليوم».
القصيبة في القديم، حيث هرب من حاكم البصرة والتجأ إلى القصيبة، والقصيبة هي أم قصبة التي أصبحت جزءا من ميناء عبدالله اليوم.
وعندما ضل الطريق من كاظم الجهرة، متجها إلى السالمي اليوم وهو يريد طريق الفصلين الحفر / وادي الباطن وقد تاه في «ذي الأرطي» قرب السالمي اليوم، وهو يقول:
«ونحن بذي الأرطى يقيس ظماءنا
لنا بالحص شربا صحيح المقاسم»
كان المرحوم أحمد البشر قبل سنين قد نشر في مجلة «البعثة» الكويتية التي كانت تصدر من القاهرة في تلك الحقبة، عدة أبحاث عن الأمراض في الكويت وعن المقروغي وعن تواجد أدارم أهل الفرزدق وكذلك نشر بحثا قال فيه: «الفرزدق كويتي».
ولما لهذا البحث من الطرافة والأهمية فيسرني أن أقتطف منه فقرات للقراء الكرام بالتالي: «نعم إنه كويتي قبل الكويتيين}.
الفرزدق همام بن غالب بن صعصعة من مشاهير الشعراء، وهو علم من أعلام الأدب العربي، ويقال إن شعر الفرزدق حفظ ثلث اللغة العربية. إذ لولا شعره لضاع الشيء الكثير من اللغة، وقل من لم يقرأ منا للفرزدق شيئاً من الشعر قل أو كثر، وأمر مهاجاته مع جرير ــ وكلاهما من تميم ــ مشهور. إذ دامت هذه المهاجاة قرابة الأربعين عاماً شغلت قصائدهم خلالها جميع أندية الأدب وحلقات دراسته في جميع البلاد العربية.
وكانت الركبان تحمل هذه القصائد إلى جميع أنحاء الجزيرة العربية. والرواة تتهافت على رواية هذه القصائد، واعتنى علماء اللغة العربية بها أيما اعتناء، فألفوا فيها الكتب المشهورة، تلك الكتب التي أفادت الأدب العربي أيما إفادة، ككتاب النقائص لأبي عبيدة.
إن كاظمة القريبة منا هي الموضع الذي اختاره الفرزدق محلا لسكناه - وربما ولد فيها - ففيها نظم أكثر قصائده الخالدة، وفيها كانت ترده قصائد جرير، فيها الهجاء الفاحش، فيرد الفرزدق عليها بما هو أفحش منها. فحلان يتصاولان والعرب قاطبة تستصيخ لسحر بلاغتهما.
كاظمة موطن الفرزدق الأول لا يبارحها إلا في أيام الربيع، حيث يرتاد العشب في المناطق القريبة من كاظمة مثل «الفريدة» و«السادة» و«الرحية» وهي مواقع تقع في الغرب من الجهرة. وهي قريبة من الكويت وداخل حدودها.
فبنو تميم وهم قوم الفرزدق يقطنون المنطقة التي يحدها من الشمال كاظمة ومن الجنوب «إنطاع» ومن الغرب الدو (الدبدبة) ومن الشرق العدان، وكانت مجاشع وهي فخذ من تميم، وعلى الاخص بنو دارم، وهم قوم الفرزدق يقطنون المنطقة الواقعة بين كاظمة والبرقان.(1)
وكان الفرزدق بالذات يسكن كاظمة وما جاورها، ومن يدري لعله نزل في يوم من الايام على احد المياه الواقعة في منطقة مدينة الكويت بالذات، كأبي دوارة، او الدمنة (2)، او الرأس، وانا اعتقد ان هذه المياه لم تكن مجهولة لدى العرب القدماء، وربما عرفوا عنها اكثر مما نعرفه نحن اليوم.
وقد غزت شيبان، وهي من اشهر القبائل العربية، بني تميم على ماء كاظمة، تريد الاستيلاء عليه، فهزمهم بنو تميم، وصدوهم عنه. وفي هذه الوقعة يقول الفرزدق مفتخرا:
«لقد رجعت شيبان وهي اذلة
خزايا ففاضت في الوثاق وفي الازل»
اخيرا، فهذه منازل ومساكن الشاعرين الكبيرين جرير والفرزدق اللذين كان لهما صولة وجولة في تلك الحقبة من الزمن، وتركا لنا ذخيرة من اشعارهما واهاجيهما، منها ديوان جرير وديوان الفرزدق والنقائض بين جرير والفرزدق.
=============
الهوامش:
1 - منطقة غنية بالبترول تقع في جنوب الكويت.
2 - تسمى حاليا السالمية.