هجرة القبائل العربية الى وادي النيل والسودان
لمؤلفه ضرار صالح ضرار
والذي نقل من كتاب المقريزي
البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب
القبائل العربية في السودان وأثر مرحلة الأحلاف
أ- يقتصر كلامنا في هذا الفصل على ملاحظات عامة، نحاول فيها متابعة الهجرات، ما أمكن من مصر إلى سودان وادي النيل، ولا سيما في مرحلة الأحلاف، ومن المهم أن نذكر أن الباحثين إلى اليوم قد جروا في دراستهم للقبائل العربية في السودان، على تقسيمها إلى مجموعتين كبيرتين هما:
1. المجموعة الجَعْلية "أو الجعلية الدنقلاوية".
2. المجموعة الجهنية "نسبة إلى جهينة".
ولا مانع لدينا من أن نعترف بهذا التقسيم إذا أردنا تيسير البحث في تفاصيل هذه القبائل الكثيرة المتنوعة، كما صنع الباحثون المعاصرون. ولكن هذا التقسيم لن يفيدنا كثيراً في متابعة الموجات العربية المهاجرة إلى السودان من مواطنها الأولى. أضف إلى ذلك أن هذا التقسيم قد يوحي بأنه منبعث عن وجود عصبية قبلية بين قيس ويمن أي بين عدنان وقحطان، في زمن هجرة هذه القبائل إلى السودان. ومصدر هذا الإيحاء آتٍ من أن جهينة تمثل قحطان، والجعليين يمثلون عدنان.ونحن نستبعد أن تكون هناك عصبية كهذه قد حدثت بين عرب السودان، أو بعبارة أدق بين الهجرات التي نزحت إلى السودان في مرحلة الأحلاف. وسنرى أن هذه المرحلة هي التي أمدت السودان بكثير من الموجات العربية -إن لم يكن أكثرها- وكانت نواة للتشكيلات العربية الحديثة في السودان. وفي هذه المرحلة، كما ذكرنا فيما سبق، كانت الجماعات العربية قد خفت فيما بينها صوت العصبية بين عدنان وقحطان، إلا في القليل النادر. زد على ذلك أن الروايات التي توارثها السودانيون في نسب المجموعة الجهنية لا تؤكد دائما أنهم جميعاً من قحطان. مرت العروبة في السودان، بمراحل تشبه من بعض النواحي نظائرها في مصر. فهناك مرحلة إعدادية، حدثت فيها هجرات عربية إلى السودان، في عصور الجاهلية. غير أن تاريخ هذا الشطر الجنوبي من الوادي، في تلك المرحلة لم يكن من الوضوح بحيث نستطيع أن نذكر شيئاً مفصلا عنها. ومن المعلوم أن جماعات من السبئين -منذ القرن الخامس قبل الميلاد- قد نزحوا من جنوب بلاد العرب إلى السواحل الغربية للبحر الأحمر، واستقروا في بادئ الأمر في جزر هذا البحر، في سقطرة ودهلك وغيرهما، ثم انتشروا على امتداد شواطئ إفريقية الشرقية. ومن هناك أنشأوا طرق قوافل لتسيير الإبل إلى المناطق الداخلية، وربما كان هدفهم من ذلك مزدوجاً: توسيع نشاطهم التجاري، والتخلص من مناخ الساحل القاسي، ولا تزال أسماء أمكنة تقع بجوار مصوع وعصب، شاهدا على تقدم السبئين نحو المناطق الإفريقية. ويقال إن جماعات من بلىّ نزحت إلى بلاد البجة قبل الإسلام، ولقد أشرنا فيما سبق إلى أن الحضارمة، قد هاجروا إلى بلاد البجة كذلك في القرن السادس الميلادي، ولعلهم امتزجوا ببلىّ، ثم كانوا في زمن المسعودي المؤرخ هم المسلمون دون سائر البجة. والبجة إلى يومنا هذا يسمون اللغة العربية "بَلَويت" أي اللغة البَلَوية نسبة إلى بلىّ، التي حملت العربية إليهم، فتمثلتها لغة البجة "وهي لغة حامية" ولم تستطع العربية أن تتغلب على لغة البجة حينئذ. نظراً لقلة العرب النازحين بالقياس إلى قبائل البجة الكثيرة المتشعبة. ومهما يكن من أمر، فإن السبئين وأعقابهم كانوا فيما يظهرهم العنصر الغالب على عرب السودان في أزمان الجاهلية، ولا سيما إذا عرفنا أن الرابطة بين ساحلي البحر الأحمر، منذ أقدم العصور، لم تكن ضعيفة يوماً ما، وأن العبور من الساحل إلى الساحل ولا سيما من طريق باب المندب، كان أمراً سهلا ميسوراً. ومن السهل أن ندرك أن مضيق باب المندب كان للسبئيين معبرا رئيسياً إلى السودان، في تلك العصور الجاهلية؛ فقد كان المضيق متأخما لبلادهم في اليمن، وكانت بلادهم، حينئذ، مكتظة بأهلها، يلم شتاتهم دول ذوات نفوذ وقوة وازدهار، أعني دولة سبأ ثم حمير من بعدها. ولكن عندما انهارت هذه الدول، وزال نفوذها، اتجه السبئيون وأعقابهم إلى شمالي بلاد العرب، كما رأينا من قبل؛ ثم جاءت الفتوح الإسلامية، فنقلت جموعاً هائلة منهم إلى أخصب بقاع الأرض في مصر والشام والمغرب والأندلس والعراق وفارس وغيرها. ومن المتوقع بعد هذا أن يصبح طريق باب المندب معبراً ثانوياً للهجرة إلى السودان. فقد تفتحت منافذ أخرى أمام هجرة العرب إلى السودان، وكان المنفذ الرئيسي فيها هو: طريق وادي النيل.وفي مقدور القارئ أن يجد الدليل على هذا فيما سنورده في الفقرات التالية. أما تلك الروايات السودانية التي كثيراً ما تردد أن القبائل العربية، أو عدداً منها، قد نزحت إلى السودان من شبه جزيرة العرب من طريق البحر الأحمر مباشرةً، في عصور الإسلام، فلعلها أرادت بذلك أن تعبر عن نقاء الأصول العربية التي هاجرت إلى السودان، فجاءت بها من مهدها الأول مباشرة. ولا خلاف بيننا في أن هذه القبائل العربية التي ملأت الأقطار العربية
على اتساع رقعتها قد انبعثت كلها بطبيعة الحال من مهدها الأول وهو شبه الجزيرة العربية، ولكننا نختلف مع هذه الروايات في تحديد طريق الهجرة الرئيسي في العصور الإسلامية. فليس لدينا دليل كاف على نزوح هجرات واسعة، في عصور الإسلام، من بلاد العرب مباشرة إلى السودان. ومع هذا فمن المحتمل جداً أن تكون جماعات قد اتخذت طريق باب المندب معبراً لها، ولكنها،فيما نرجح، لم تكن بالكثرة والضخامة التي تصورها أصحاب هذه الروايات. ولنا من الشواهد التالية ما يؤيد هذا القول. اتساع رقعتها قد انبعثت كلها بطبيعة الحال من مهدها الأول وهو شبه الجزيرة العربية، ولكننا نختلف مع هذه الروايات في تحديد طريق الهجرة الرئيسي في العصور الإسلامية. فليس لدينا دليل كاف على نزوح هجرات واسعة، في عصور الإسلام، من بلاد العرب مباشرة إلى السودان. ومع هذا فمن المحتمل جداً أن تكون جماعات قد اتخذت طريق باب المندب معبراً لها، ولكنها،فيما نرجح، لم تكن بالكثرة والضخامة التي تصورها أصحاب هذه الروايات. ولنا من الشواهد التالية ما يؤيد هذا القول.
ب- غزا عبد الله بن سعد بن أبي السرح بلاد النوبة، وبلغ دنقلة في عام 31هـ 651م، وكتب عهداً لأهل النوبة، اشترط فيه صيانة المسجد الذي بناه المسلمون في دنقلة، ولا ندري أكان بناؤه في أثناء الغزوة أو قبلها، واشترط كذلك حماية التجار وغيرهم الذين يطرقون بلادهم. وبذلك وضع عبد الله بن سعد الأساس الذي مهد الطريق لما حدث فيما بعد من تغلغل العرب المسلمين في هذه البلاد.ومنذ عهد بني أمية أخذ العرب الساكنون في أسوان يشترون من أهل النوبة أراضي يستثمرونها، حتى تملكوا ضياعا كثيرة داخلة بأرض النوبة، في المنطقة التي تسمى بلاد مريس، وتنتهي عند الشلال الثاني تقريباً. وعندما زحف العباسيون على مصر، للقضاء على حكم بني أمية فيها، التقى جيش العباسيين بجيش مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، عند قرية بوصير في الصعيد الأدنى بالقرب من الجيزة أو بالفيوم، وأسفرت المعركة عن قتل مروان، وهرب عبد الله وعبيد الله ابنا مروان في جماعة من أتباعهما إلى بلاد النوبة، وتلاحق بهم جماعة من أصحاب مروان؛ فصاروا-في رواية- زهاء أربعة آلاف، أو ألفين في رواية أخرى وأرض النوبة كانت في ذلك الحين تنقسم إلى مملكتين مسيحيتين رئيستين: الشمالية تسمى مملكة المَقُرَّة، والجنوبية مملكة علوة. فإذا صح أن المروانين الهاربين قد نزلوا أول مملكة صادفتهم بعد مفارقة حدود مصر، فهي مملكة المقرة، وتحدثنا الأخبار أنهم وافوا ملك النوبة وأقاموا في بلدة فترة من الزمن. ولم تذكر الروايات اسم ملك النوبة هذا، ولكننا بمقارنة التواريخ نفترض أنه كان زكريا بن مرقوريوس الذي تولى عرش المقرة حوالي 744م"127ه" واستمر على العرش عدة سنوات لانعرف تحديدها على وجه الدقة. وترك المروانيون بلاد النوبة واتجهوا إلى الشرق حتى صاروا في بلاد البجة، ولقوا مقاومة شديدة من البجة، فتفرقوا يريدون ساحل البحر، ولقوا عنتاً شديدا وضل بعضهم الطريق، وبلغ بعضهم ميناء الباضع بعد جهد وإعياء ومن المحتمل أن عدداً منهم قد عبروا إلى الحجاز، وبقي عدد منهم في ميناء الباضع. ومن الجائز أيضاً أن عدداً من بني أمية قد هرب من الحجاز، في أثناء هذه الفترة أو بعدها بقليل، فعبر البحر إلى بعض الموانئ على الساحل الغربي. وقد ذكر احد الباحثين الفرنجة أنه شاهد مقابر جماعة من الأمويين على طول الطريق الذي سلكوه متجهين إلى الباضع. وفي هذا الطريق، في منطقة خور"نبت" الواقعة على مسافة 70ميلا غربي سواكن، عثر الباحثون على شاهد من شواهد القبور مؤرخ في عام149هـ "766م"وقد أبدى الباحث الإنجليزي "بول" دهشه لوجود شاهد قديم لفرد أو لجماعة من العرب عاشوا في منطقة منعزلة كتلك المنطقة، وفي زمن مبكر كهذا،وليس في هذه المنطقة أية علامة تدل على أنها كانت موطنا لاستخراج المعدن، ولم يجد هذا الباحث دليلا يهديه إلى الجهة التي جاءوا منها. أضف إلى ذلك ما أشرنا إليه من قبل وهو تكاثر العرب من ربيعة ومضر وأعقاب سبأ، في أرض المعدن ولاسيما منذ عهد المتوكل العباسي"232-247هـ" .
ج- ثم تبدأ مرحلة الأحلاف في مصر، وتبدأ معها ألمع فترة في تاريخ الهجرات العربية إلى جنوب وادي النيل، ولسنا نذهب بعيداً إذا قلنا إن بقايا الأحلاف التي لجأت إلى السودان، كانت هي العمود الفقري الذي التفت حوله المجموعات العربية التي نراها اليوم في السودان.ولا ننتظر -بطبيعة الحال- أن نجد الأحلاف العربية التي تألفت في مصر، قد ظلت بعد هجرتها إلى السودان محتفظة دائماً بشكلها وتنظيمها الذي كانت عليه في مصر. فهذا يتوقف -إلى حد كبير- على العوامل التي دفعتهم إلى الهجرة، والظروف التي أحاطت بها، ومدى استقرارهم في مهاجرهم الجديدة في السودان. فالجماعات التي أتيح لها أن تهاجر إلى السودان في فترات السلم والهدوء، فلم يصبهم من قسوة المعارك ما أعجلهم عن ديارهم وأفزعهم إلى مهاجر جديدة، هؤلاء قد احتفظوا في السودان. -فترة من الزمن على الأقل- بتنظيمهم الذي كانوا عليه في مصر. والجماعات التي استقرت في بلاد "مريس" وفي أرض المعدن ببلاد البجة، منذ بداية المرحلة أو قبلها بقليل، لم يطرأ عليها من عوامل التشتت والتفرق ما طرأ على الأحلاف التي وقفت تقاوم الأتراك وجهاً لوجه، فلم تستطع الصمود، ولم يكن لديها الوقت الكافي لتنظيم هجرتها إلى السودان، فولت هائمة على وجهها تلتمس للهرب كل سبيل. فهؤلاء قد بلغوا السودان، على دفعات غالباً، وتفرقوا في أنحائه، واندمجوا في جماعات أخرى، وكونوا أحلافاً جديدة، وكان من المتعذر عليهم، بطبيعة الحال، أن يلتقوا في السودان على نفس التنظيم الذي كانوا عليه في مصر. كذلك هذه الجماعات التي لقيت في مهاجرها الجديدة عوائق طبيعية أو اجتماعية، فاضطرتهم إلى التفرق على بقاع شتى من السودان.
هذه المعلومات مأخوذة من كتاب
هجرة القبائل العربية الى وادي النيل والسودان
لمؤلفه ضرار صالح ضرار
والذي نقل من كتاب المقريزي
البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب
amin_bushari
02-06-2009, 08:15 PM
جـذام
:لدينا وثيقة تاريخية أوردها القلقشندي في صبح الأعشى، وهي مكاتبة بعث بها سلطان البرنو "في السودان الغربي" إلى سلطان المماليك في مصر، يشكو فيها اجتياح أعراب "جذام وغيرهم" بلاده، وإفسادهم فيها، ويطلب إلى السلطان المملوكي أن يتعقبهم في مصر، وأن يقبض عليهم، ويوقع بهم أشد العقاب. ويظهر أن هذه الجماعات -أو بعضها- قد تدفقوا شرقا، حوالي سنة 794ه -1391م حتى بلغوا شمالي دارفور وقضوا على حكم الزغاوة هناك. وقد ذكرنا فيما سبق أن طوائف من الجذاميين وقرنائهم اللخميين، قد أبعدوا عن مساكنهم في عهود الفاطميين والأيوبيين، ولعلهم اتخذوا أطراف مصر موطناً لهم، ولا سيما الأطراف الغربية، فترة من الزمان، وكانت هذه الأطراف منذ القرن السادس الهجري، مسرحاً لحركات الهلالين وأحلافهم عقب الغزوات التي شنوها على شمالي إفريقية، وربما أنضم الجذاميون وجماعتهم إلى الهلالين هؤلاء، ثم تدفقوا على السودان الغربي، ومنه إلى دارفور، وأحدثوا من القلاقل ما دعا سلطان البرنو إلى أن يفزع إلى سلطان المماليك في مصر. على أننا لا نحد أسم جذام، في القبائل التي تعيش اليوم في السودان. ومن الجائز أن جذاما وأحلافهم من لخم وغيرهم قد اندمجوا في قبائل البقارة والكبابيش الذين يمثلون الغالبية من العرب في غرب السودان في الوقت الحاضر. والبقارة والكبابيش ينتسبون اليوم إلى جهينة، ولكنهم في واقع الأمر أحلاف تجمعت على فترات، وتألفت من بطون عدة، لعل أهمها جذام وجهينة والهوارة وبنو هلال وأحلاف هؤلاء وأولئك من فزارة وسليم ولخم وبلى وغيرهم. ومن الجائز أن بعض هذه البطون قد نزحت من بلاد المغرب، من الطريق الليبي، عقب الغزوات الهلالية لشمال إفريقية، ولكن مما لا شك فيه أن أكثر هذه الجماعات المتحالفة، قد سلكت في هجرتها إلى السودان طريق وادي النيل. وهذا هو ما رجحه ما كما يكل. والبقارة ليس في الأصل اسم علم على قبيلة عربية قديمة، ولكنه وصف يدل على المهنة، فمعناه رعاة البقر، ولعلهم وصفوا بذلك لتمييزهم -في المهنة- عن جيرانهم في الشمال من رعاة الإبل "الكبابيش". والبقارة يسكنون دارفور وكردفان، والكبابيش معظمهم في كردفان. وينتسب البقارة إلى جنيد بن أحمد الأجدم -في رواية- أو ابن حمد الأجزم في رواية أخرى. ومن فروع البقارة والكبابيش التي نظن أن لها صلة ما بجذام ولخم: أ- بنو هلبة وهم من البقارة، وتمتد بطونهم إلى ما وراء حدود السودان الغربي، ويذكرنا اسمهم ببني هلبة الجذاميين الذين سكنوا الحوف الشرقي في مصر.
ب- الهبانية، من البقارة، ومعظمهم في دارفور، ونجد في مصر الحبانية أو بني حبان بطن من لخم كانت مساكنهم بالبر الشرقي من صعيد مصر فيما بين مسجد موسى وأسكر من أعمال إطفيح.
ج- أولاد عقبى ويروي أهل كردفان أن أولاد عقبة هم النواة الأولى من الكبابيش، وبنو عقبة في مصر، كانوا يسكنون الجزء الجنوبي من شبه جزيرة سيناء، وهم فرع من جذام. وكان منهم قسم كبير نزح إلى طرابلس ثم أندفع جنوباً إلى غرب إفريقية.
د- أولاد سليمان. فرع من الكبابيش ، وفي مصر نجد بني سليمان فرعاً من بني عقبة وكان في سيناء أيضاً.
ه- بنو واصل: فرع من الكبابيش، وفي مصر نجد بني واصل فرعاً من بني عقبة جاءوا إلى سيناء من شمالي بلاد العرب.
و- العطوية "بنو عطية": فرع من الكبابيش، وهم في مصر ينسبون إلى بني عقبة، نزلوا حول خليج العقبة في القرن الرابع عشر الميلادي.
جهينة والعركيون
: يخبرنا ابن خلدون أن جهينة انتشروا ما بين صعيد مصر وبلاد الحبشة وكاثروا هناك سائر الأمم، وغلبوا على بلاد النوبة. ولتفصيل هذه العبارة المجملة، نود أن نذكر أن دخول جهينة في السودان كان على دفعات غالباً، وفي أزمان مختلفة، فقد رأيناهم في جيش العمري في أيام ابن طولون يغزون النوبة الشمالية وبلاد البجة، ورأيناهم في أرض المعدن يعملون مع ربيعة في زمن مبكر، منذ القرن الثالث الهجري. وفي عام 680ه -1281م تنازعت جهينة ورفاعة في صحراء عيذاب، ورفاعة من جهينة غالباً. وفي عام 717ه -1317م، طارد المماليك "عرب برية عيذاب" حتى بلغوا سواكن. وإذا عرفنا أن جهينة انتشروا منذ عهد الفاطميين شرقي الصعيد الأعلى إلى عيذاب، أدركنا أن جهينة كانوا يتمثلون في عرب برية عيذاب هؤلاء بنصيب غير قليل. ثم جاءت معارك المماليك مع جهينة والعركيين وأحلافهم في الفترة التي بين 749، 754ه، وأدت إلى لجوء كثير منهم إلى أطراف بلاد الزنج -كما يقول ابن إياس- وبلاد الزنج هي بلاد الصومال في اصطلاح العرب القديم. ومن هذا ندرك أن جهينة قد دخلت السودان في موجات متعددة، واتجه معظمها من طريق وادي النيل إلى الشرق حيث بلاد البجة وساحل البحر الأحمر. واكتظت بهم المنطقة الواسعة التي تأخذ من حلفا الحالية إلى شمال غربي الحبشة، وكان لهم أثر قوي في الضغط على مملكة النوبة المسيحية الشمالية، مملكة المقرة، حتى أزالوها، ثم تدفقوا إلى الغرب ثم إلى الجنوب. فشغلوا بقاعاً مترامية من السودان تمتد من الشرق إلى الغرب.
أما العركيون، فهم يدخلون في التقسيم الحالي في مجموعة جهينة، وهم جماعات يسكنون قرى الجزيرة بين النيلين الأبيض والأزرق، ومنهم فئات ما زالوا بغرب السودان؛ وأقدم من عرف منهم في تاريخ السودان، كانوا في أوائل القرن العاشر الهجري "السادس عشر الميلادي"، وأول من حمل لواء الزعامة الروحية في السودان منهم ثلاثة: أحدهم الشيخ دفع الله بن مقبل بن نافع العركي "عاش حوالي 1550م" وهو جد جماعة أبي حراز بالجزيرة،يقول عنه ودضيف الله مؤلف كتاب الطبقات "ونسبه مشهور بالعركي نسبة عرك قبيلة معروفة"، ولأولاده الخمسة، حمد النيل، عبد الله، محمد، أبي بكر، المجذوب، شأن في نشر الثقافة الإسلامية في السودان، وفي منطقة الجزيرة بنوع خاص. أما الثاني فهو الشيخ محمود بن محمد العركي "عاش حوالي 1520م" ولد بالنيل الأبيض، وسافر إلى مصر، وتلقى العلم بالأزهر الشريف على الشيخين الناصر اللقاني، وشمس الدين اللقاني. والظاهر أنه أقام بمصر فترة طويلة، حتى عده بعض المؤرخين عالماً مصرياً، ثم أرسل سلطان الفونج في طلبه، ولما قدم بنى له قصراً يعرف الآن بقصير محمود بالقرب من النيل الأبيض، ووفد عليه 40 ألف طالب، وانتشرت العلوم على يديه، وعلم الناس مسائل الفقه على مذهب مالك. أما الثالث فهو الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن نافع النويري العركي "عاش حوالي 1570"، وكان أحد أجداده من الأشراف الذين تصاهروا إلى العركيين، وقد أنشأ الشيخ "بلدة الفقراء" في الجزيرة بالسودان، وتوارث أحفاده تعليم الدين في هذه البلدة إلى اليوم..
amin_bushari
02-07-2009, 09:45 AM
الهلاليون
سكن بنو هلال وحلفاؤهم صعيد مصر الأعلى منذ عهد الفاطميين، كما أشرنا من قبل، وإن مجاورة هذه المنطقة لبلاد السودان هي مما يقوي الاحتمال بأن جماعات منهم قد نزحت إلى السودان في أزمان مختلفة. ولكن يبدو أن هذه الجماعات كانت قليلة متفرقة، ولا سيما في شرق السودان، بحيث لم تستطع أن تحتفظ بكيانها زمناً طويلاً، فاندمج معظمها في مجموعات أخرى. وصار الانتساب إليهم قليلا محدود الأثر. أما في غرب السودان فإن التأثير السلالي يظهر بصورة أقوى وأوضح، لسبب سنذكره بعد قليل. ومع هذا فإن ذيوع سيرة الهلالين، وتردد أصداء قصة أبي زيد وتغريبه بني هلال، في المجتمعات العربية في السودان، شرقاً وغرباً، كان له أثر بالغ في حياة عرب السودان الاجتماعية والثقافية. والراجح أن السودان عرف الهلالين بعد أن ذاع صيتهم، على أثر الغزوات التي قاموا بها في شمالي إفريقية، واشتهار أبي زيد الهلالي في البوادي والقرى العربية. ومن هذا ندرك أن تأثير الهلالين في السودان لم يكن وليد تغلغل النسب الهلالي وحده، بل كان كذلك نتيجة تعلق عرب السودان بسيرة أبي زيد الهلالي والشخصيات التي لعبت دوراً فيها، فالتأثير له جانبان: جانب سلالي وجانب قصصي. ومن الطريف أن معظم روايات غرب السودان، تكاد تتفق على أن الهلالين وفدوا على السودان من طريق الشرق، من بلاد العرب، إلى كسلا، ثم عبروا النيل الأبيض واتجهوا إلى غرب السودان، ثم واصلوا رحلتهم إلى بلاد تونس لمحاربة المغاربة. ومن الواضح أن هذه الروايات هي "محاكاة محلية" لقصة تغريبة بني هلال، أو قل هي تحوير نسجته الروايات لتجعل السودان طريقاً لتغريبة بني هلال. وعلى هذا لا نستطيع أن نعتمد على هذه الروايات من الناحية التاريخية، ومن الملاحظ أن معظم الجماعات التي تنتسب إلى الهلالين، أو إلى أبي زيد الهلالي، يعيشون الآن في غرب السودان، فإذا اتجهنا إلى الشرق، وجدنا التأثير القصصي أقوى من التأثير السلالي. ولو أن الهلالين قد دخلوا حقاً بجموعهم من طريق الشرق إلى الغرب، وسلكوا هذا الطريق الذي وصفته الروايات، لكان من المنتظر أن نجد لهذه الجموع بقايا في شرق السودان، ينتسبون إلى بني هلال أو إلى أبي زيد. وهذا ما لا نجده إلا في القليل النادر. ومن الراجح لدينا أن الهلالين دخلوا السودان بعد التغريبة بزمن غير قصير، وأنهم اتخذوا طريق وادي النيل، ثم انحرفوا غرباً على امتداد وادي الملك إلى كردفان ثم دارفور. ويحدثنا المقريزي أن بني هلال كانوا من جملة عربان الصعيد الذين اشتركوا في حملة السلطان قلاوون في عام 686ه1287م على بلاد النوبة، وأن الحملة انقسمت فرقتين،فرقة منها اتبعت البر الغربي من النيل، والأخرى سارت من البر الشرقي. وليس ببعيد أن يكون بني هلال قد اتخذوا طريق البر الغربي مع الفرقة الأولى ، ثم استقروا في غرب السودان.
وفي غرب السودان، نجد عدداً من الجماعات تنتسب إلى الهلالين أو إلى أبي زيد، منهم التنجور، والفور، والرزيقات، وهلالية البرقد، والزيادية. بالإضافة إلى التأثير السلالي في هذه الجماعات، نجد التأثير القصصي يتمثل في رواياتهم، وفي بعض الأحيان يمتزج اللونان من التأثير بحيث يصعب على الباحث أن يميز بينهما. ومع هذا فليس هناك ما يدعوا إلى الشك في نسبتهم إلى الهلالية، كما صنع ما كما يكل، إذ أن اختلاط الجانبين من التأثير -أحياناً- لا يعني بحال الشك في صحة انتساب هذه الجماعات أو أصولها الأولى، إلى الهلالين، جملة وتفصيلا. وإلى جانب هذه الجماعات التي انتسبت إلى بني هلال أو إلى أبي زيد، نجد وحدات من الحلف الهلالي القديم، تنتقل إلى السودان، وتحمل كل وحدة منها اسمها الخاص، مثل بني سليم وبني فزارة الذين كانوا من حلفاء هلال منذ البداية. وفي السودان اليوم قبيلة تعرف باسم بني سليم، تنتمي إلى مجموعة البقارة، وتعيش على النيل الأبيض، من جهة الغرب، في أرض كردفان. أما بني فزارة فقد أطلق النسابون اسمهم على مجموعة تعيش في الجهات الشرقية والوسطى من كردفان، وهي تتألف من العشائر الآتية: دار حامد -بني جرار -الزيادية -البزعة -الشنابلة -المعاليا.وقد عرفت هذه المجموعة باسم فزارة في القرنين الماضيين. أما اليوم فقد انتثر عقدها فصارت وحدات منفصلة كل وحدة تسمى باسمها الخاص. وفزارة قبيلة قيسية، كان منهم بطون في صعيد مصر والوجه البحري، ولا تزال قرى تحمل اسمهم في مصر. ففي الصعيد فزارة التابعة لمديرية جرجا، والفزارية التابعة لمنفلوط. ويبدو من دراسة المجموعة الفزارية في السودان أن لبعضها -على الأقل- صلة ببني هلال. ففي روايات دار حامد، أن جدهم حامداً حين قدم إلى غرب السودان، لقي أبا زيد الهلالي، فاستشاره في المكان الذي يتخذه مقاما له، فأشار عليه بسكنى بقعة معينة في كردفان. والزيادية ينتسبون إلى اليوم إلى أبي زيد الهلالي. والبزعة يزعمون أنهم جاءوا أصلا من شمال إفريقية، ولا نعرف إن كانوا من الحلف الهلالي الذي جنح إلى المغرب أو كانوا من غيره، وبنو جرار يربطون نسبهم بالبزعة. أما التأثير القصصي للهلالية في السودان، فهو عام في الشرق والغرب، كما قلنا. ويتمثل فيه أبو زيد مغامراً طوافا، خبيرا بمسالك السودان ومجاهله، بطلا شجاعا يضرب به المثل فيقال "فارس هلاله" ويتمثل به الشعراء في مدح أبطالهم. وله قصص في الحب جعلوا مسرحها في السودان. وربط رواة السودان بين "أحمد سفيان" مؤسس أول سلطنة إسلامية في دارفور، وبين أبي زيد، فزعموا أن أحمد هو أخو أبي زيد، وأن أباهما هو الأمير رزق الذي لعب دورا في قصة أبي زيد الهلالي، وأن رزقا هذا في بعض الروايات هو جد قبائل الرزيقات، في غرب السودان. وإلى جانب هذا الطابع المحلي في التاثير القصصي، نجد الرواة يعرفون القصة الشائعة في سائر الأقطار العربية، ويقصونها في المجالس. بطون في صعيد مصر والوجه البحري، ولا تزال قرى تحمل اسمهم في مصر. ففي الصعيد فزارة التابعة لمديرية جرجا، والفزارية التابعة لمنفلوط. ويبدو من دراسة المجموعة الفزارية في السودان أن لبعضها -على الأقل- صلة ببني هلال. ففي روايات دار حامد، أن جدهم حامداً حين قدم إلى غرب السودان، لقي أبا زيد الهلالي، فاستشاره في المكان الذي يتخذه مقاما له، فأشار عليه بسكنى بقعة معينة في كردفان. والزيادية ينتسبون إلى اليوم إلى أبي زيد الهلالي. والبزعة يزعمون أنهم جاءوا أصلا من شمال إفريقية، ولا نعرف إن كانوا من الحلف الهلالي الذي جنح إلى المغرب أو كانوا من غيره، وبنو جرار يربطون نسبهم بالبزعة. أما التأثير القصصي للهلالية في السودان، فهو عام في الشرق والغرب، كما قلنا. ويتمثل فيه أبو زيد مغامراً طوافا، خبيرا بمسالك السودان ومجاهله، بطلا شجاعا يضرب به المثل فيقال "فارس هلاله" ويتمثل به الشعراء في مدح أبطالهم. وله قصص في الحب جعلوا مسرحها في السودان. وربط رواة السودان بين "أحمد سفيان" مؤسس أول سلطنة إسلامية في دارفور، وبين أبي زيد، فزعموا أن أحمد هو أخو أبي زيد، وأن أباهما هو الأمير رزق الذي لعب دورا في قصة أبي زيد الهلالي، وأن رزقا هذا في بعض الروايات هو جد قبائل الرزيقات، في غرب السودان. وإلى جانب هذا الطابع المحلي في التاثير القصصي، نجد الرواة يعرفون القصة الشائعة في سائر الأقطار العربية، ويقصونها في المجالس.
الهوارة:
تدفقت قبائل الهوارة على صعيد مصر الأعلى في نهاية مرحلة الأحلاف، ودخلت منهم موجات في السودان منذ ذلك الحين إلى عهد قريب. والهوارة الذين يعيشون الآن في شمال السودان هم بقايا هوارة مصر. والشواهد على ذلك ناطقة، ذكر بعضها ما كما يكل. ويروي هوارة السودان أنهم نزحوا من صعيد مصر، من منطقة إسنا. وهم في معظمهم بدو رحل، وقليل منهم يستقرون على ضفاف النيل في دنقلة. وفي فصل الأمطار ينتقل الهواوير الرحل بقطعانهم إلى الغرب، ويرعون مع الكبابيش من وادي الكلب إلى حدود دارفور، ثم يعودون إلى الشرق في فصل الجفاف. وهناك قسم آخر من الهوارة، يقيمون الآن بالقرب من الأبيض، في كردفان، حول خمى وأم دليكة وغيرهما. ويروون "أنهم بطن من قبيلة الهواوير، وأن أجدادهم عاشوا في صعيد مصر، وأنهم كانوا بيض الألوان، وأول من قدم منهم إلى الجنوب ونزل كردفان، رجل اسمه الحاج عيسى ود محمد ود منصور، كان تاجرا جوالا، من منفلوط، بالقرب من أسيوط، فرحل إلى كردفان، وتبعه آخرون من تجار هوارة، وتجمعت منهم طائفة ممن هاجروا من مصر، فسموا "جلابة هوارة"" ولقى الجيل الأول من هؤلاء بعد الحاج عيسى بعض المتاعب في كردفان، فعزموا على الرحيل إلى مصر بزعامة ابن الحاج عيسى واسمه "الحاج محمد أبو مِنانة". وبعد أن قطعوا شوطاً في رحلتهم، استغرق يوماً كاملا، بلغوا قرية "دوم الخاتراب" بالقرب من "شريم" حيث لقيهم أهل المنطقة وأقنعوهم بالبقاء معهم، وولوا الشيخ محمد فقيهاً "بلغتهم:فكي" لقريتهم. وبعد وفاة الحاج محمد، رجع قومه إلى خُمى وبقوا فيها. وقد ظهرت بعض الفوارق في السحنة بين بدو الهوارة وجلابة الهوارة، على مر الزمن، فقد كان جلابة الهوارة أكثر امتزاجاً بالعناصر الزنجية من أقربائهم البدو.
القرشيون:
تتمثل قريش، بمختلف فروعها، في عرب السودان، ففيهم البكريون والعمريون والزبيريون والطالبيون والعباسيون والأمويون. ويرى أحد نسابة السودان المعاصرين تقسيم العرب في السودان إلى ثلاثة أقسام هم: جهينة والطالبيون والعباسيون. فالطالبيون أكثرهم في السودان يجتمعون في ركاب ابن غلام الله بن عائذ. والعباسيون تجمعهم قبائل جعل أي الجعليين.ويذكر نعوم شقير "أن أهم الأصول التي يرجع عرب السودان إليها في أنسابهم هي: بنو أمية وبنو العباس وجهينة والزبير بن العوام وجعفر الطيار "ابن أبي طالب"، وأن معظمهم ينتسب إلى جهينة وبني العباس إلا أن المنتسبين إلى جهينة أكثر". ولا شك أن فئات من القرشيين في السودان قد اندمجت في مجموعات أخرى بالحلف أو المصاهرة. وربما كان هذا من أسباب اختلاف النسابين في نسب المجموعة الواحدة أحياناً، فبعضهم ينسبهم إلى قريش، وبعضهم ينسبها إلى جهينة أو ربيعة أو مضر "من غير قريش". وليس الاختلاف في رواية هذه الأنساب، هو دائما وليد جهل أو خطأ، ولسنا ممن يذهبون إلى الشك في هذه الأنساب جملة وتفصيلا، بل نعدها -إلى حد ما- مادة قد تهدينا إلى "نوع الحلف" الذي تألفت منه القبيلة أو المجموعة. فالشكرية -مثلا- ينسبون في روايات مختلفة إلى جهينة وفزارة أو جعفر بن أبي طالب. وهذا لا يعني أن هذه الروايات غير صحيحة جملة وتفصيلا، وإنما هي في نظرنا علامة قد تفيدنا في احتمال أن يكون هناك جماعات من هذه الأصول الثلاثة قد اندمجت في زمن ما، أو أزمان مختلفة في مجموعة الشكرية. وقد نزحت جماعات من قريش إلى السودان في فترات مختلفة في مرحلة الأحلاف وربما جاء معظمهم من وادي النيل، وقليل منهم جاء من طرق أخرى كالطريق الليبي وطريق البحر الأحمر. ويحدثنا القريزي أن أولاد أبي بكر رضي الله عنه كانوا من جملة العرب الذين اشتركوا في غزو بلاد النوبة أيام السلطان قلاوون وفي السودان "نجد المسلمية" هي القبيلة الوحيدة التي تنتسب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكثير منهم يسمون أنفسهم البكرية مبتعدين بنسبهم عن كل من الجعليين والجهنيين، وهم يعيشون في الجزيرة حيث سمي أحد المراكز باسمهم، وعلى ضفتي النيل الأبيض، وأكثرهم مستقرون يمارسون الزراعة، ولهم في "البطانة" شعبة صغيرة تعيش عيشة البداوة. كذلك العمريون أو أولاد عمر، لعلهم دخلوا السودان على فترات، ومنهم طائفة كانت في حملة قلاوون التي أشرنا إليها. وربما دخل فريق منهم في أيام الظاهر بيبرس. فقد ورد في مخطوط قديم لأحد نسابة السودان كلام عن جماعة العواصم قال "وهم آل عاصم بن عامر بن نصير العمري من بني عمر بن الخطاب، وكان أول سكونهم بمصر، ففروا إلى أرض السودان في أيام الظاهر بيبرس". أما العباسيون، فكانوا أكثر عدداً في السودان.
واشتهر الجعليون في السودان بأنهم عباسيون. والظاهر أن هذا اللفظ لم يكن يراد به اتجاه سياسي معين لهذه القبائل المهاجرة، فلعله أريد به مجرد النسب الشريف الذي يميزهم عن الطالبيين خاصة. ففي تلك المرحلة التي غذت السودان بمعظم الهجرات العربية، كان اللفظ في أوساط العرب ولا سيما أهل البادية، أدل وأكثر اشتهارا على إحدى الطائفتين الشريفتين في بني هاشم، ونحن نعلم أنه كانت هنالك نقابة لهما، ثم أصبح لكل فريق منهما نقيب خاص في بغداد. وليس من اليسير أن نرجع المجموعة الجعلية إلى بطونها الأولى في مصر. ولكن موقعها الجغرافي على نهر النيل ما بين الخرطوم وبلاد النوبة، وانتشارها من هذا المركز في شعب وفروع نحو البطانة والنيل الأزرق، ونحو النيل الأبيض جنوب الخرطوم، ونحو الغرب إلى كردفان -كل ذلك يحمل الدليل على أن هذه المجموعة قد دخلت السودان من الشمال من طريق وادي النيل. وليس في أقوال الرواة عن أصل تسمية "جعل" ما يرشدنا إلى معرفة نواة القبيلة أو المجموعة في شمال الوادي. ويختلف النسابة في أصل التسمية على قولين: القول الشائع أن إبراهيم الهاشم، جد الجعليين كان جواداً كريماً، وأنه كان يقول للجماعات التي تنضوي تحت لوائه: جعلناكم منا، فسمي لذلك جعلا. وفي مخطوط سوداني يرجع إلى 1277ه 1860م أنه لقب جعلا "بضم الجيم" لسمرته الشديدة ومنظره. والواقع أنه لم يرد لفظ جعل ومشتقاته في أسماء قبائل العرب القديمة إلا في قبيلتين: إحداهما جعال بن ربيعة، حي
الرسول ) أرض إرم من ديار جذام. والأخرى بنو حرام بن جعل، بطن من بلا من قضاعة وهم بنو حرام بن عمرو بن جشم . فاللفظ إذن معروف في الجزء الشمالي الغربي من شبه جزيرة العرب، أي في المستودع الأول الذي أمد مصر بموجاته العربية المتلاحقة. بل إن المصادر تحدثنا أن من بين الصحابة الذين نزلوا مصر حزام بن عوف البلوي، وكان من بني جعل من بلى، وهو ممن بايع رسول الله ) تحت الشجرة في رهط من قومه بني جعل، فقال لهم الرسول): "لا صخر ولا جعل. أنتم بنو عبد الله". على أننا لا نستطيع أن نجد صلة ما بين هؤلاء والجعليين في السودان، ولا سيما إذا واجهنا اتفاق جمهور النسابة على أن الجعليين عباسيون، وأن جعلا ليس إلا لقباً لإبراهيم؛ وفي روايات أخرى أن الذي سمى جعلا هو "عبد الله جعل" حفيد إبراهيم جعل أو الجعلي "وقد يخلط بعض الناس فيقول عبد الله جعل، أو إبراهيم جعل، فإن عبد الله حفيد إبراهيم فلا غرابة ولا داعي للجدل". ويلاحظ أن نسب الجعليين المتفق عليه يشتمل على بعض أجداد من أعقاب سبأ مثل يمن الخزرجي وذي الكلاِع الحميري وهو ابن سعد الأنصاري نسبة إلى أمه الأنصارية. إلا أنه يستمر بعد ذلك إلى العباس:"سعد الأنصاري بن الفضل بن عبد الله بن عباس".
أما الطالبيون فمركزهم الرئيسي في وادي الكنوز ووادي النوبة إلى حدود دنقلة، ونحن نعلم أن جيرانهم "الكنوز" من بقايا بني كنز الدولة "ربيعة" الذين كانوا سندا قوياً للدولة الفاطمية.ولا يبعد أن يكون الطالبيون قد اختاروا هذه المنطقة لصلة تربطهم بالكنوز. ويبدو أن هذه المنطقة ظلت طالبية حتى وفد إليهم جماعات أخرى مثل الجوابرة والغربية فسكنوا إلى جوارهم. فالركابية يسكنون أواسط بلاد المحس، ومواطنها الرئيسية في مركز دنقلة وهم ينتسبون إلى جد من نسل الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو ركاب بن غلام الله بن عائذ. وإن صحت الروايات المتواترة لديهم، تكون هجرتهم من الناحية الشرقية من طريق البحر الأحمر. وقد هاجر منهم كثير إلى غرب السودان وقبيلة الجعافرة نسبة إلى جعفر بن أبي طالب، كانت منهم جماعات تنزل الصعيد الأعلى ومازالت بقاياهم إلى اليوم، بين قوص وأسوان. ثم انتشرت طوائف منهم جنوباً إلى بلاد المحس. ومع ذلك فإن لهم شعبة الآن تعيش في كردفان، وتتصل بالجوامعة. والعليقات عشيرة كانت من جملة العشائر التي تعمل في وادي العلاقي في أرض المعدن، وبعد أن أصاب الوادي الخراب، نزحوا شمالا إلى بلاد الصعيد وإلى سيناء، والظاهر أن تسميتهم نسبة إلى العلاقي، ومنهم فروع سكنت بين المضيق وكرسكو وهم ينتمون إلى عقيل بن أبى طالب. ومن ذرية عقيل أيضاً جماعة الصوادرة في بلاد المحس وفي دنقلة، عاشت أسرة سوار الذهب، وهو الشيخ ساتي محمد ولد عيسى، وفي روايتهم أنه يرجع في نسبه-من جهة أبيه- إلى العباس، ومن جهة أمه إلى الحسين ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وفي بوهين سكنت جماعة من الفادنية ويتصل نسبهم بمحمد بن الحنفية، وأول من ذكر منهم الشريف محمود بن محمد بن سليمان بن جعفر بن عبد الله وفي أنحاء السودان تفرقت جماعات أخرى كثيرة تنسب إلى قريش، وليس من اليسير إحصاؤها، وحسبنا أن نذكر منهم العبابدة، وهم يروون أنهم من نسل الزبير بن العوام، ويربطون نسبهم بالكواهلة. وسنرى أن العبابدة والكواهلة كانوا من قبائل أرض المعدن، ومنها تفرقوا في أنحاء وادي النيل. ومن قريش"البطاحين" وهم يقولون إن اسمهم مشتق من بطحاء مكة، ويلتقون في نسبهم مع أجداد الجعليين. وقد روى لي أحد رواتهم أن هجرتهم كانت من طريق مصر إلى غرب السودان، ولهم في كردفان آثار يعرفونها، "وصاروا ينتجعون المراعي ومعهم أبناء عمهم القنن، فنزلوا بالضفة الشرقية للنيل في المكان الواقع شرقي الجريفات اليوم إلى ما بعد شرقي الحلفاية شمالا" .
ومن قريش أيضاً ملوك سنار الذين عرفوا باسم الفونج، وهم الذين أسسوا أول سلطنة إسلامية واسعة النفوذ في السودان، وحكموا أكثر من ثلاثمائة سنة، منذ اول القرن العاشر الهجري "السادس عشر الميلادي". وهؤلاء الفونج ينتسبون إلى بني أمية. ومسألة موطنهم السابق الذي خرجوا منه إلى قلب السودان حيث أسسوا عاصمتهم سنار، هي مثار خلاف واسع بين الباحثين، ففريق يرى أنهم جاءوا من الحبشة، وفريق يرى أنهم من منطقة بحيرة شاد حيث الكانم والبرنو، وآخرون يزعمون أن لهم أصلا زنجياً. ولم يعد للرأي الأخير ما يؤيده في الوقت الحاضر. أما عن الرأيين السابقين، فلا ينبغي أن يؤدي أحدهما إلى الخلط بين الموطن الأصلي والأصل العربي، وسواء أكان موطنهم السابق بلاد الحبشة أم بلاد البرنو، فإن هذا لا يمنع من أن يكونوا ذوى صلة بأعقاب بني أمية الذين استوطنوا هذه الجهة أو تلك. والجدير بالذكر أن أعقاب بني أمية، قبل قيام سلطنة الفونج، كانت منهم طوائف أموية تحدثنا المصادر أنهم سكنوا بلاد الحبشة والبرنو. ففي الحبشة "كان بنو أحمر، وهم قبيلة من بني أمية انقرض أكثرهم ولم يبق منهم إلا القليل". وفي منطقة البرنو يحدثنا أبو عبيد البكري، أن الكانم والبرنو يزعمون أن قوماً من بني أمية صاروا إليها عند محنتهم ببني العباس، ويؤيد ر. بالمر هذه الرواية بمصادر أهل البرنو أنفسهم. ومن القبائل التي تمت بصلة القربى إلى قريش، قبيلة كنانة بن خزيمة، وكان منها طوائف في صعيد مصر وفي الوجه البحري. وفي سنة 647ه 1249م ألفت كنانة قوة من حرس دمياط واشتهروا بالتفوق في الدفاع عن هذه المدينة ضد هجمات لويس التاسع وجيشه من الصليبيين.
ثم نزح قسم من كنانة إلى صعيد مصر، ونزح قسم آخر منهم غرباً إلى مراكش،ويحدثنا المقريزي أن كثيراً من كنانة كانوا في إخميم في زمانه. ولعل أول من قدم منهم إلى السودان جماعة بزعامة "منصور"، عبروا طريق النيل من مصر إلى السودان، حوالي سنة 720ه 1320م. ومن منصور تشعبت بطون كنانة الستة ومنهم أول أولاد سوار. وفي زمن ابن بطوطة الرحالة كانت كنانة ممن سكنوا سواكن "في الفترة التي بين 1330-1340م" وربما كان كمال بن سوار الذي أشار إليه القلقشندي وذكر أنه أحد زعماء القبائل الذين يكاتبون سلطان مصر في سنة 763ه 1361م -هو شيخ كنانة في ذلك الحين. ويظهر أن كنانة هاجرت بعد ذلك إلى دنقلة، واستقروا هناك زمناً، ثم تفرقوا فذهبت طائفة إلى كُرُن، جنوبي تقلى في كردفان، ولحق قسم منهم بالكبابيش؛ وبقي قسم كبير شرقي النيل الأبيض إلى اليوم.أن لهم أصلا زنجياً. ولم يعد للرأي الأخير ما يؤيده في الوقت الحاضر. أما عن الرأيين السابقين، فلا ينبغي أن يؤدي أحدهما إلى الخلط بين الموطن الأصلي والأصل العربي، وسواء أكان موطنهم السابق بلاد الحبشة أم بلاد البرنو، فإن هذا لا يمنع من أن يكونوا ذوى صلة بأعقاب بني أمية الذين استوطنوا هذه الجهة أو تلك.
والجدير بالذكر أن أعقاب بني أمية، قبل قيام سلطنة الفونج، كانت منهم طوائف أموية تحدثنا المصادر أنهم سكنوا بلاد الحبشة والبرنو. ففي الحبشة "كان بنو أحمر، وهم قبيلة من بني أمية انقرض أكثرهم ولم يبق منهم إلا القليل". وفي منطقة البرنو يحدثنا أبو عبيد البكري، أن الكانم والبرنو يزعمون أن قوماً من بني أمية صاروا إليها عند محنتهم ببني العباس، ويؤيد ر. بالمر هذه الرواية بمصادر أهل البرنو أنفسهم. ومن القبائل التي تمت بصلة القربى إلى قريش، قبيلة كنانة بن خزيمة، وكان منها طوائف في صعيد مصر وفي الوجه البحري. وفي سنة 647ه 1249م ألفت كنانة قوة من حرس دمياط واشتهروا بالتفوق في الدفاع عن هذه المدينة ضد هجمات لويس التاسع وجيشه من الصليبيين. ثم نزح قسم من كنانة إلى صعيد مصر، ونزح قسم آخر منهم غرباً إلى مراكش،ويحدثنا المقريزي أن كثيراً من كنانة كانوا في إخميم في زمانه. ولعل أول من قدم منهم إلى السودان جماعة بزعامة "منصور"، عبروا طريق النيل من مصر إلى السودان، حوالي سنة 720ه 1320م. ومن منصور تشعبت بطون كنانة الستة ومنهم أول أولاد سوار.
وفي زمن ابن بطوطة الرحالة كانت كنانة ممن سكنوا سواكن "في الفترة التي بين 1330-1340م" وربما كان كمال بن سوار الذي أشار إليه القلقشندي وذكر أنه أحد زعماء القبائل الذين يكاتبون سلطان مصر في سنة 763ه 1361م -هو شيخ كنانة في ذلك الحين. ويظهر أن كنانة هاجرت بعد ذلك إلى دنقلة، واستقروا هناك زمناً، ثم تفرقوا فذهبت طائفة إلى كُرُن، جنوبي تقلى في كردفان، ولحق قسم منهم بالكبابيش؛ وبقي قسم كبير شرقي النيل الأبيض إلى اليوم.
0صديقنالكم الشكر وانتم تخبرون اهلكم العرب باصولهم. اتمني ان يستفيد الصديق احمد ابنعوف من هذا الكتاب وان تفسر لنا هذا التصنيف هل له علاق بالدناقله النوبيين;1. المجموعة الجَعْلية "أو الجعلية الدنقلاوية".
2. المجموعة الجهنية "نسبة إلى جهينة".
ونريد معلومات عن;المقريزي
أحمد ابن عوف الامين
لكم الشكر وانتم تخبرون اهلكم العرب باصولهم. اتمني ان يستفيد الصديق احمد ابنعوف من هذا الكتاب وان تفسر لنا هذا التصنيف هل له علاق بالدناقله النوبيين;1. المجموعة الجَعْلية "أو الجعلية الدنقلاوية"
تناثرت معادن التبر والزمرد على مراحل في شرقي النيل من صعيد مصر ومن بلاد البجة في شرق السودان. وكانت كل منطقة معدنية منها بمثابة مركز للعرب والأجراء الذين يعملون في المعادن، وقد ذكر اليعقوبي في القرن الثالث الهجري "التاسع ميلادي" حوالي ثلاثين موقعاً من هذه المراكز، ومعظم أسمائها ما زال بحاجة إلى تعريف ودراسة. فمن هذه المواضع في معادن التبر بصعيد مصر: موضع يقال له "الشكري" وموضع يقال له "الكلبي" وموضع يقال له "العجلي". ومن المحتمل أن تكون هذه المواضع نسبة إلى بعض رؤساء جماعات عربية سكنت هذه المواضع. ولا ندري ماذا كان هنالك صلة ما بين موضع "الشكري" هذا وقبيلة الشكرية التي تسكن البطانة بين النيل الأزرق ونهر العطبرة، ومهما يكن فمن المؤكد أن أرض المعدن بجموعها الهائلة كانت مستودعاً أمد السودان بعدد من قبائله. وقد أخذت هذه الجموع في الانتشار على بقاع السودان شرقا وغربا وجنوباً، بعد أن خربت مناطق المعدن أو معظمها في الشطر الأخير من مرحلة الأحلاف.
ومن قبائل أرض المعدن خرج الكواهلة، وأغلب الظن أن نواتهم الأولى -على الأقل- كانت من بقايا أحلاف ربيعة الذين هاجروا إلى ارض المعدن بنسائهم وذرياتهم في آلاف كثيرة. واشق من ربيعة وأحلافها فرع بني كنز الدولة الذي آثر السكنى بشمالي بلاد النوبة كما أشرنا من قبل. والكواهلة ينتسبون في أصولهم، إلى كاهل بن أسد بن خزيمة، ولهؤلاء صلة قرابة وثيقة ببني ربيعة. ذلك أن بني ربيعة من نسل بني حنيفة بن لُجَيم الذين كانوا باليمامة شرقي الجزيرة العربية، ثم نزحوا منها إلى صعيد مصر.
وإخوة بني حنيفة هم بنو عِجْل بن لجيم الذين كان موضع "العجلي" في أرض المعدن منسوباً إليهم.وأم حنيفة-كما يقول المقريزي وسائر المؤرخين- هي صفية بنت كاهل بن أسد ابن خزيمة. والقرائن الدالة على أن الكواهلة كانوا من قبائل أهل أرض المعدن لا تحتمل الشك. فهم أهم قبيلة في السودان اتصلت بالبجة اتصالاً وثيقاً من ناحيتي الجوار والنسب، وتعلمت لسانهم، واندمج قسم كبير منهم في قبائل البجة حتى أصبحت كل مجموعة بجاوية تنتسب إلى بني كاهل ثم ترك بقية الكواهلة أوطانهم في أرض البجة واتجهوا إلى وسط السودان وغربيه. ويقول الدكتور محمد عوض: ويكاد أن يكون من المؤكد أن الكواهلة-أو معظمهم-قد دخلوا السودان من الشرق، ووصلوا إليه من الجزيرة العربية مباشرة. وبدأوا حياتهم فيه باحتلال الإقليم الساحلي أو جزء عظيم منه من سواكن إلى عيذاب، حيث اختلطوا بالبجة وتعلموا لسانهم وصاهروهم، وربما كان لهم الأثر الأكبر في نشر الإسلام والثقافة العربية فيهم. ولكن ليس من اليسير أن نؤكد هجرتهم من الشرق مباشرة على نحو ما ورد في هذا
لمؤلفه ضرار صالح ضرار
والذي نقل من كتاب المقريزي
البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب
القبائل العربية في السودان وأثر مرحلة الأحلاف
أ- يقتصر كلامنا في هذا الفصل على ملاحظات عامة، نحاول فيها متابعة الهجرات، ما أمكن من مصر إلى سودان وادي النيل، ولا سيما في مرحلة الأحلاف، ومن المهم أن نذكر أن الباحثين إلى اليوم قد جروا في دراستهم للقبائل العربية في السودان، على تقسيمها إلى مجموعتين كبيرتين هما:
1. المجموعة الجَعْلية "أو الجعلية الدنقلاوية".
2. المجموعة الجهنية "نسبة إلى جهينة".
ولا مانع لدينا من أن نعترف بهذا التقسيم إذا أردنا تيسير البحث في تفاصيل هذه القبائل الكثيرة المتنوعة، كما صنع الباحثون المعاصرون. ولكن هذا التقسيم لن يفيدنا كثيراً في متابعة الموجات العربية المهاجرة إلى السودان من مواطنها الأولى. أضف إلى ذلك أن هذا التقسيم قد يوحي بأنه منبعث عن وجود عصبية قبلية بين قيس ويمن أي بين عدنان وقحطان، في زمن هجرة هذه القبائل إلى السودان. ومصدر هذا الإيحاء آتٍ من أن جهينة تمثل قحطان، والجعليين يمثلون عدنان.ونحن نستبعد أن تكون هناك عصبية كهذه قد حدثت بين عرب السودان، أو بعبارة أدق بين الهجرات التي نزحت إلى السودان في مرحلة الأحلاف. وسنرى أن هذه المرحلة هي التي أمدت السودان بكثير من الموجات العربية -إن لم يكن أكثرها- وكانت نواة للتشكيلات العربية الحديثة في السودان. وفي هذه المرحلة، كما ذكرنا فيما سبق، كانت الجماعات العربية قد خفت فيما بينها صوت العصبية بين عدنان وقحطان، إلا في القليل النادر. زد على ذلك أن الروايات التي توارثها السودانيون في نسب المجموعة الجهنية لا تؤكد دائما أنهم جميعاً من قحطان. مرت العروبة في السودان، بمراحل تشبه من بعض النواحي نظائرها في مصر. فهناك مرحلة إعدادية، حدثت فيها هجرات عربية إلى السودان، في عصور الجاهلية. غير أن تاريخ هذا الشطر الجنوبي من الوادي، في تلك المرحلة لم يكن من الوضوح بحيث نستطيع أن نذكر شيئاً مفصلا عنها. ومن المعلوم أن جماعات من السبئين -منذ القرن الخامس قبل الميلاد- قد نزحوا من جنوب بلاد العرب إلى السواحل الغربية للبحر الأحمر، واستقروا في بادئ الأمر في جزر هذا البحر، في سقطرة ودهلك وغيرهما، ثم انتشروا على امتداد شواطئ إفريقية الشرقية. ومن هناك أنشأوا طرق قوافل لتسيير الإبل إلى المناطق الداخلية، وربما كان هدفهم من ذلك مزدوجاً: توسيع نشاطهم التجاري، والتخلص من مناخ الساحل القاسي، ولا تزال أسماء أمكنة تقع بجوار مصوع وعصب، شاهدا على تقدم السبئين نحو المناطق الإفريقية. ويقال إن جماعات من بلىّ نزحت إلى بلاد البجة قبل الإسلام، ولقد أشرنا فيما سبق إلى أن الحضارمة، قد هاجروا إلى بلاد البجة كذلك في القرن السادس الميلادي، ولعلهم امتزجوا ببلىّ، ثم كانوا في زمن المسعودي المؤرخ هم المسلمون دون سائر البجة. والبجة إلى يومنا هذا يسمون اللغة العربية "بَلَويت" أي اللغة البَلَوية نسبة إلى بلىّ، التي حملت العربية إليهم، فتمثلتها لغة البجة "وهي لغة حامية" ولم تستطع العربية أن تتغلب على لغة البجة حينئذ. نظراً لقلة العرب النازحين بالقياس إلى قبائل البجة الكثيرة المتشعبة. ومهما يكن من أمر، فإن السبئين وأعقابهم كانوا فيما يظهرهم العنصر الغالب على عرب السودان في أزمان الجاهلية، ولا سيما إذا عرفنا أن الرابطة بين ساحلي البحر الأحمر، منذ أقدم العصور، لم تكن ضعيفة يوماً ما، وأن العبور من الساحل إلى الساحل ولا سيما من طريق باب المندب، كان أمراً سهلا ميسوراً. ومن السهل أن ندرك أن مضيق باب المندب كان للسبئيين معبرا رئيسياً إلى السودان، في تلك العصور الجاهلية؛ فقد كان المضيق متأخما لبلادهم في اليمن، وكانت بلادهم، حينئذ، مكتظة بأهلها، يلم شتاتهم دول ذوات نفوذ وقوة وازدهار، أعني دولة سبأ ثم حمير من بعدها. ولكن عندما انهارت هذه الدول، وزال نفوذها، اتجه السبئيون وأعقابهم إلى شمالي بلاد العرب، كما رأينا من قبل؛ ثم جاءت الفتوح الإسلامية، فنقلت جموعاً هائلة منهم إلى أخصب بقاع الأرض في مصر والشام والمغرب والأندلس والعراق وفارس وغيرها. ومن المتوقع بعد هذا أن يصبح طريق باب المندب معبراً ثانوياً للهجرة إلى السودان. فقد تفتحت منافذ أخرى أمام هجرة العرب إلى السودان، وكان المنفذ الرئيسي فيها هو: طريق وادي النيل.وفي مقدور القارئ أن يجد الدليل على هذا فيما سنورده في الفقرات التالية. أما تلك الروايات السودانية التي كثيراً ما تردد أن القبائل العربية، أو عدداً منها، قد نزحت إلى السودان من شبه جزيرة العرب من طريق البحر الأحمر مباشرةً، في عصور الإسلام، فلعلها أرادت بذلك أن تعبر عن نقاء الأصول العربية التي هاجرت إلى السودان، فجاءت بها من مهدها الأول مباشرة. ولا خلاف بيننا في أن هذه القبائل العربية التي ملأت الأقطار العربية
على اتساع رقعتها قد انبعثت كلها بطبيعة الحال من مهدها الأول وهو شبه الجزيرة العربية، ولكننا نختلف مع هذه الروايات في تحديد طريق الهجرة الرئيسي في العصور الإسلامية. فليس لدينا دليل كاف على نزوح هجرات واسعة، في عصور الإسلام، من بلاد العرب مباشرة إلى السودان. ومع هذا فمن المحتمل جداً أن تكون جماعات قد اتخذت طريق باب المندب معبراً لها، ولكنها،فيما نرجح، لم تكن بالكثرة والضخامة التي تصورها أصحاب هذه الروايات. ولنا من الشواهد التالية ما يؤيد هذا القول. اتساع رقعتها قد انبعثت كلها بطبيعة الحال من مهدها الأول وهو شبه الجزيرة العربية، ولكننا نختلف مع هذه الروايات في تحديد طريق الهجرة الرئيسي في العصور الإسلامية. فليس لدينا دليل كاف على نزوح هجرات واسعة، في عصور الإسلام، من بلاد العرب مباشرة إلى السودان. ومع هذا فمن المحتمل جداً أن تكون جماعات قد اتخذت طريق باب المندب معبراً لها، ولكنها،فيما نرجح، لم تكن بالكثرة والضخامة التي تصورها أصحاب هذه الروايات. ولنا من الشواهد التالية ما يؤيد هذا القول.
ب- غزا عبد الله بن سعد بن أبي السرح بلاد النوبة، وبلغ دنقلة في عام 31هـ 651م، وكتب عهداً لأهل النوبة، اشترط فيه صيانة المسجد الذي بناه المسلمون في دنقلة، ولا ندري أكان بناؤه في أثناء الغزوة أو قبلها، واشترط كذلك حماية التجار وغيرهم الذين يطرقون بلادهم. وبذلك وضع عبد الله بن سعد الأساس الذي مهد الطريق لما حدث فيما بعد من تغلغل العرب المسلمين في هذه البلاد.ومنذ عهد بني أمية أخذ العرب الساكنون في أسوان يشترون من أهل النوبة أراضي يستثمرونها، حتى تملكوا ضياعا كثيرة داخلة بأرض النوبة، في المنطقة التي تسمى بلاد مريس، وتنتهي عند الشلال الثاني تقريباً. وعندما زحف العباسيون على مصر، للقضاء على حكم بني أمية فيها، التقى جيش العباسيين بجيش مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، عند قرية بوصير في الصعيد الأدنى بالقرب من الجيزة أو بالفيوم، وأسفرت المعركة عن قتل مروان، وهرب عبد الله وعبيد الله ابنا مروان في جماعة من أتباعهما إلى بلاد النوبة، وتلاحق بهم جماعة من أصحاب مروان؛ فصاروا-في رواية- زهاء أربعة آلاف، أو ألفين في رواية أخرى وأرض النوبة كانت في ذلك الحين تنقسم إلى مملكتين مسيحيتين رئيستين: الشمالية تسمى مملكة المَقُرَّة، والجنوبية مملكة علوة. فإذا صح أن المروانين الهاربين قد نزلوا أول مملكة صادفتهم بعد مفارقة حدود مصر، فهي مملكة المقرة، وتحدثنا الأخبار أنهم وافوا ملك النوبة وأقاموا في بلدة فترة من الزمن. ولم تذكر الروايات اسم ملك النوبة هذا، ولكننا بمقارنة التواريخ نفترض أنه كان زكريا بن مرقوريوس الذي تولى عرش المقرة حوالي 744م"127ه" واستمر على العرش عدة سنوات لانعرف تحديدها على وجه الدقة. وترك المروانيون بلاد النوبة واتجهوا إلى الشرق حتى صاروا في بلاد البجة، ولقوا مقاومة شديدة من البجة، فتفرقوا يريدون ساحل البحر، ولقوا عنتاً شديدا وضل بعضهم الطريق، وبلغ بعضهم ميناء الباضع بعد جهد وإعياء ومن المحتمل أن عدداً منهم قد عبروا إلى الحجاز، وبقي عدد منهم في ميناء الباضع. ومن الجائز أيضاً أن عدداً من بني أمية قد هرب من الحجاز، في أثناء هذه الفترة أو بعدها بقليل، فعبر البحر إلى بعض الموانئ على الساحل الغربي. وقد ذكر احد الباحثين الفرنجة أنه شاهد مقابر جماعة من الأمويين على طول الطريق الذي سلكوه متجهين إلى الباضع. وفي هذا الطريق، في منطقة خور"نبت" الواقعة على مسافة 70ميلا غربي سواكن، عثر الباحثون على شاهد من شواهد القبور مؤرخ في عام149هـ "766م"وقد أبدى الباحث الإنجليزي "بول" دهشه لوجود شاهد قديم لفرد أو لجماعة من العرب عاشوا في منطقة منعزلة كتلك المنطقة، وفي زمن مبكر كهذا،وليس في هذه المنطقة أية علامة تدل على أنها كانت موطنا لاستخراج المعدن، ولم يجد هذا الباحث دليلا يهديه إلى الجهة التي جاءوا منها. أضف إلى ذلك ما أشرنا إليه من قبل وهو تكاثر العرب من ربيعة ومضر وأعقاب سبأ، في أرض المعدن ولاسيما منذ عهد المتوكل العباسي"232-247هـ" .
ج- ثم تبدأ مرحلة الأحلاف في مصر، وتبدأ معها ألمع فترة في تاريخ الهجرات العربية إلى جنوب وادي النيل، ولسنا نذهب بعيداً إذا قلنا إن بقايا الأحلاف التي لجأت إلى السودان، كانت هي العمود الفقري الذي التفت حوله المجموعات العربية التي نراها اليوم في السودان.ولا ننتظر -بطبيعة الحال- أن نجد الأحلاف العربية التي تألفت في مصر، قد ظلت بعد هجرتها إلى السودان محتفظة دائماً بشكلها وتنظيمها الذي كانت عليه في مصر. فهذا يتوقف -إلى حد كبير- على العوامل التي دفعتهم إلى الهجرة، والظروف التي أحاطت بها، ومدى استقرارهم في مهاجرهم الجديدة في السودان. فالجماعات التي أتيح لها أن تهاجر إلى السودان في فترات السلم والهدوء، فلم يصبهم من قسوة المعارك ما أعجلهم عن ديارهم وأفزعهم إلى مهاجر جديدة، هؤلاء قد احتفظوا في السودان. -فترة من الزمن على الأقل- بتنظيمهم الذي كانوا عليه في مصر. والجماعات التي استقرت في بلاد "مريس" وفي أرض المعدن ببلاد البجة، منذ بداية المرحلة أو قبلها بقليل، لم يطرأ عليها من عوامل التشتت والتفرق ما طرأ على الأحلاف التي وقفت تقاوم الأتراك وجهاً لوجه، فلم تستطع الصمود، ولم يكن لديها الوقت الكافي لتنظيم هجرتها إلى السودان، فولت هائمة على وجهها تلتمس للهرب كل سبيل. فهؤلاء قد بلغوا السودان، على دفعات غالباً، وتفرقوا في أنحائه، واندمجوا في جماعات أخرى، وكونوا أحلافاً جديدة، وكان من المتعذر عليهم، بطبيعة الحال، أن يلتقوا في السودان على نفس التنظيم الذي كانوا عليه في مصر. كذلك هذه الجماعات التي لقيت في مهاجرها الجديدة عوائق طبيعية أو اجتماعية، فاضطرتهم إلى التفرق على بقاع شتى من السودان.
هذه المعلومات مأخوذة من كتاب
هجرة القبائل العربية الى وادي النيل والسودان
لمؤلفه ضرار صالح ضرار
والذي نقل من كتاب المقريزي
البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب
amin_bushari
02-06-2009, 08:15 PM
جـذام
:لدينا وثيقة تاريخية أوردها القلقشندي في صبح الأعشى، وهي مكاتبة بعث بها سلطان البرنو "في السودان الغربي" إلى سلطان المماليك في مصر، يشكو فيها اجتياح أعراب "جذام وغيرهم" بلاده، وإفسادهم فيها، ويطلب إلى السلطان المملوكي أن يتعقبهم في مصر، وأن يقبض عليهم، ويوقع بهم أشد العقاب. ويظهر أن هذه الجماعات -أو بعضها- قد تدفقوا شرقا، حوالي سنة 794ه -1391م حتى بلغوا شمالي دارفور وقضوا على حكم الزغاوة هناك. وقد ذكرنا فيما سبق أن طوائف من الجذاميين وقرنائهم اللخميين، قد أبعدوا عن مساكنهم في عهود الفاطميين والأيوبيين، ولعلهم اتخذوا أطراف مصر موطناً لهم، ولا سيما الأطراف الغربية، فترة من الزمان، وكانت هذه الأطراف منذ القرن السادس الهجري، مسرحاً لحركات الهلالين وأحلافهم عقب الغزوات التي شنوها على شمالي إفريقية، وربما أنضم الجذاميون وجماعتهم إلى الهلالين هؤلاء، ثم تدفقوا على السودان الغربي، ومنه إلى دارفور، وأحدثوا من القلاقل ما دعا سلطان البرنو إلى أن يفزع إلى سلطان المماليك في مصر. على أننا لا نحد أسم جذام، في القبائل التي تعيش اليوم في السودان. ومن الجائز أن جذاما وأحلافهم من لخم وغيرهم قد اندمجوا في قبائل البقارة والكبابيش الذين يمثلون الغالبية من العرب في غرب السودان في الوقت الحاضر. والبقارة والكبابيش ينتسبون اليوم إلى جهينة، ولكنهم في واقع الأمر أحلاف تجمعت على فترات، وتألفت من بطون عدة، لعل أهمها جذام وجهينة والهوارة وبنو هلال وأحلاف هؤلاء وأولئك من فزارة وسليم ولخم وبلى وغيرهم. ومن الجائز أن بعض هذه البطون قد نزحت من بلاد المغرب، من الطريق الليبي، عقب الغزوات الهلالية لشمال إفريقية، ولكن مما لا شك فيه أن أكثر هذه الجماعات المتحالفة، قد سلكت في هجرتها إلى السودان طريق وادي النيل. وهذا هو ما رجحه ما كما يكل. والبقارة ليس في الأصل اسم علم على قبيلة عربية قديمة، ولكنه وصف يدل على المهنة، فمعناه رعاة البقر، ولعلهم وصفوا بذلك لتمييزهم -في المهنة- عن جيرانهم في الشمال من رعاة الإبل "الكبابيش". والبقارة يسكنون دارفور وكردفان، والكبابيش معظمهم في كردفان. وينتسب البقارة إلى جنيد بن أحمد الأجدم -في رواية- أو ابن حمد الأجزم في رواية أخرى. ومن فروع البقارة والكبابيش التي نظن أن لها صلة ما بجذام ولخم: أ- بنو هلبة وهم من البقارة، وتمتد بطونهم إلى ما وراء حدود السودان الغربي، ويذكرنا اسمهم ببني هلبة الجذاميين الذين سكنوا الحوف الشرقي في مصر.
ب- الهبانية، من البقارة، ومعظمهم في دارفور، ونجد في مصر الحبانية أو بني حبان بطن من لخم كانت مساكنهم بالبر الشرقي من صعيد مصر فيما بين مسجد موسى وأسكر من أعمال إطفيح.
ج- أولاد عقبى ويروي أهل كردفان أن أولاد عقبة هم النواة الأولى من الكبابيش، وبنو عقبة في مصر، كانوا يسكنون الجزء الجنوبي من شبه جزيرة سيناء، وهم فرع من جذام. وكان منهم قسم كبير نزح إلى طرابلس ثم أندفع جنوباً إلى غرب إفريقية.
د- أولاد سليمان. فرع من الكبابيش ، وفي مصر نجد بني سليمان فرعاً من بني عقبة وكان في سيناء أيضاً.
ه- بنو واصل: فرع من الكبابيش، وفي مصر نجد بني واصل فرعاً من بني عقبة جاءوا إلى سيناء من شمالي بلاد العرب.
و- العطوية "بنو عطية": فرع من الكبابيش، وهم في مصر ينسبون إلى بني عقبة، نزلوا حول خليج العقبة في القرن الرابع عشر الميلادي.
جهينة والعركيون
: يخبرنا ابن خلدون أن جهينة انتشروا ما بين صعيد مصر وبلاد الحبشة وكاثروا هناك سائر الأمم، وغلبوا على بلاد النوبة. ولتفصيل هذه العبارة المجملة، نود أن نذكر أن دخول جهينة في السودان كان على دفعات غالباً، وفي أزمان مختلفة، فقد رأيناهم في جيش العمري في أيام ابن طولون يغزون النوبة الشمالية وبلاد البجة، ورأيناهم في أرض المعدن يعملون مع ربيعة في زمن مبكر، منذ القرن الثالث الهجري. وفي عام 680ه -1281م تنازعت جهينة ورفاعة في صحراء عيذاب، ورفاعة من جهينة غالباً. وفي عام 717ه -1317م، طارد المماليك "عرب برية عيذاب" حتى بلغوا سواكن. وإذا عرفنا أن جهينة انتشروا منذ عهد الفاطميين شرقي الصعيد الأعلى إلى عيذاب، أدركنا أن جهينة كانوا يتمثلون في عرب برية عيذاب هؤلاء بنصيب غير قليل. ثم جاءت معارك المماليك مع جهينة والعركيين وأحلافهم في الفترة التي بين 749، 754ه، وأدت إلى لجوء كثير منهم إلى أطراف بلاد الزنج -كما يقول ابن إياس- وبلاد الزنج هي بلاد الصومال في اصطلاح العرب القديم. ومن هذا ندرك أن جهينة قد دخلت السودان في موجات متعددة، واتجه معظمها من طريق وادي النيل إلى الشرق حيث بلاد البجة وساحل البحر الأحمر. واكتظت بهم المنطقة الواسعة التي تأخذ من حلفا الحالية إلى شمال غربي الحبشة، وكان لهم أثر قوي في الضغط على مملكة النوبة المسيحية الشمالية، مملكة المقرة، حتى أزالوها، ثم تدفقوا إلى الغرب ثم إلى الجنوب. فشغلوا بقاعاً مترامية من السودان تمتد من الشرق إلى الغرب.
أما العركيون، فهم يدخلون في التقسيم الحالي في مجموعة جهينة، وهم جماعات يسكنون قرى الجزيرة بين النيلين الأبيض والأزرق، ومنهم فئات ما زالوا بغرب السودان؛ وأقدم من عرف منهم في تاريخ السودان، كانوا في أوائل القرن العاشر الهجري "السادس عشر الميلادي"، وأول من حمل لواء الزعامة الروحية في السودان منهم ثلاثة: أحدهم الشيخ دفع الله بن مقبل بن نافع العركي "عاش حوالي 1550م" وهو جد جماعة أبي حراز بالجزيرة،يقول عنه ودضيف الله مؤلف كتاب الطبقات "ونسبه مشهور بالعركي نسبة عرك قبيلة معروفة"، ولأولاده الخمسة، حمد النيل، عبد الله، محمد، أبي بكر، المجذوب، شأن في نشر الثقافة الإسلامية في السودان، وفي منطقة الجزيرة بنوع خاص. أما الثاني فهو الشيخ محمود بن محمد العركي "عاش حوالي 1520م" ولد بالنيل الأبيض، وسافر إلى مصر، وتلقى العلم بالأزهر الشريف على الشيخين الناصر اللقاني، وشمس الدين اللقاني. والظاهر أنه أقام بمصر فترة طويلة، حتى عده بعض المؤرخين عالماً مصرياً، ثم أرسل سلطان الفونج في طلبه، ولما قدم بنى له قصراً يعرف الآن بقصير محمود بالقرب من النيل الأبيض، ووفد عليه 40 ألف طالب، وانتشرت العلوم على يديه، وعلم الناس مسائل الفقه على مذهب مالك. أما الثالث فهو الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن نافع النويري العركي "عاش حوالي 1570"، وكان أحد أجداده من الأشراف الذين تصاهروا إلى العركيين، وقد أنشأ الشيخ "بلدة الفقراء" في الجزيرة بالسودان، وتوارث أحفاده تعليم الدين في هذه البلدة إلى اليوم..
amin_bushari
02-07-2009, 09:45 AM
الهلاليون
سكن بنو هلال وحلفاؤهم صعيد مصر الأعلى منذ عهد الفاطميين، كما أشرنا من قبل، وإن مجاورة هذه المنطقة لبلاد السودان هي مما يقوي الاحتمال بأن جماعات منهم قد نزحت إلى السودان في أزمان مختلفة. ولكن يبدو أن هذه الجماعات كانت قليلة متفرقة، ولا سيما في شرق السودان، بحيث لم تستطع أن تحتفظ بكيانها زمناً طويلاً، فاندمج معظمها في مجموعات أخرى. وصار الانتساب إليهم قليلا محدود الأثر. أما في غرب السودان فإن التأثير السلالي يظهر بصورة أقوى وأوضح، لسبب سنذكره بعد قليل. ومع هذا فإن ذيوع سيرة الهلالين، وتردد أصداء قصة أبي زيد وتغريبه بني هلال، في المجتمعات العربية في السودان، شرقاً وغرباً، كان له أثر بالغ في حياة عرب السودان الاجتماعية والثقافية. والراجح أن السودان عرف الهلالين بعد أن ذاع صيتهم، على أثر الغزوات التي قاموا بها في شمالي إفريقية، واشتهار أبي زيد الهلالي في البوادي والقرى العربية. ومن هذا ندرك أن تأثير الهلالين في السودان لم يكن وليد تغلغل النسب الهلالي وحده، بل كان كذلك نتيجة تعلق عرب السودان بسيرة أبي زيد الهلالي والشخصيات التي لعبت دوراً فيها، فالتأثير له جانبان: جانب سلالي وجانب قصصي. ومن الطريف أن معظم روايات غرب السودان، تكاد تتفق على أن الهلالين وفدوا على السودان من طريق الشرق، من بلاد العرب، إلى كسلا، ثم عبروا النيل الأبيض واتجهوا إلى غرب السودان، ثم واصلوا رحلتهم إلى بلاد تونس لمحاربة المغاربة. ومن الواضح أن هذه الروايات هي "محاكاة محلية" لقصة تغريبة بني هلال، أو قل هي تحوير نسجته الروايات لتجعل السودان طريقاً لتغريبة بني هلال. وعلى هذا لا نستطيع أن نعتمد على هذه الروايات من الناحية التاريخية، ومن الملاحظ أن معظم الجماعات التي تنتسب إلى الهلالين، أو إلى أبي زيد الهلالي، يعيشون الآن في غرب السودان، فإذا اتجهنا إلى الشرق، وجدنا التأثير القصصي أقوى من التأثير السلالي. ولو أن الهلالين قد دخلوا حقاً بجموعهم من طريق الشرق إلى الغرب، وسلكوا هذا الطريق الذي وصفته الروايات، لكان من المنتظر أن نجد لهذه الجموع بقايا في شرق السودان، ينتسبون إلى بني هلال أو إلى أبي زيد. وهذا ما لا نجده إلا في القليل النادر. ومن الراجح لدينا أن الهلالين دخلوا السودان بعد التغريبة بزمن غير قصير، وأنهم اتخذوا طريق وادي النيل، ثم انحرفوا غرباً على امتداد وادي الملك إلى كردفان ثم دارفور. ويحدثنا المقريزي أن بني هلال كانوا من جملة عربان الصعيد الذين اشتركوا في حملة السلطان قلاوون في عام 686ه1287م على بلاد النوبة، وأن الحملة انقسمت فرقتين،فرقة منها اتبعت البر الغربي من النيل، والأخرى سارت من البر الشرقي. وليس ببعيد أن يكون بني هلال قد اتخذوا طريق البر الغربي مع الفرقة الأولى ، ثم استقروا في غرب السودان.
وفي غرب السودان، نجد عدداً من الجماعات تنتسب إلى الهلالين أو إلى أبي زيد، منهم التنجور، والفور، والرزيقات، وهلالية البرقد، والزيادية. بالإضافة إلى التأثير السلالي في هذه الجماعات، نجد التأثير القصصي يتمثل في رواياتهم، وفي بعض الأحيان يمتزج اللونان من التأثير بحيث يصعب على الباحث أن يميز بينهما. ومع هذا فليس هناك ما يدعوا إلى الشك في نسبتهم إلى الهلالية، كما صنع ما كما يكل، إذ أن اختلاط الجانبين من التأثير -أحياناً- لا يعني بحال الشك في صحة انتساب هذه الجماعات أو أصولها الأولى، إلى الهلالين، جملة وتفصيلا. وإلى جانب هذه الجماعات التي انتسبت إلى بني هلال أو إلى أبي زيد، نجد وحدات من الحلف الهلالي القديم، تنتقل إلى السودان، وتحمل كل وحدة منها اسمها الخاص، مثل بني سليم وبني فزارة الذين كانوا من حلفاء هلال منذ البداية. وفي السودان اليوم قبيلة تعرف باسم بني سليم، تنتمي إلى مجموعة البقارة، وتعيش على النيل الأبيض، من جهة الغرب، في أرض كردفان. أما بني فزارة فقد أطلق النسابون اسمهم على مجموعة تعيش في الجهات الشرقية والوسطى من كردفان، وهي تتألف من العشائر الآتية: دار حامد -بني جرار -الزيادية -البزعة -الشنابلة -المعاليا.وقد عرفت هذه المجموعة باسم فزارة في القرنين الماضيين. أما اليوم فقد انتثر عقدها فصارت وحدات منفصلة كل وحدة تسمى باسمها الخاص. وفزارة قبيلة قيسية، كان منهم بطون في صعيد مصر والوجه البحري، ولا تزال قرى تحمل اسمهم في مصر. ففي الصعيد فزارة التابعة لمديرية جرجا، والفزارية التابعة لمنفلوط. ويبدو من دراسة المجموعة الفزارية في السودان أن لبعضها -على الأقل- صلة ببني هلال. ففي روايات دار حامد، أن جدهم حامداً حين قدم إلى غرب السودان، لقي أبا زيد الهلالي، فاستشاره في المكان الذي يتخذه مقاما له، فأشار عليه بسكنى بقعة معينة في كردفان. والزيادية ينتسبون إلى اليوم إلى أبي زيد الهلالي. والبزعة يزعمون أنهم جاءوا أصلا من شمال إفريقية، ولا نعرف إن كانوا من الحلف الهلالي الذي جنح إلى المغرب أو كانوا من غيره، وبنو جرار يربطون نسبهم بالبزعة. أما التأثير القصصي للهلالية في السودان، فهو عام في الشرق والغرب، كما قلنا. ويتمثل فيه أبو زيد مغامراً طوافا، خبيرا بمسالك السودان ومجاهله، بطلا شجاعا يضرب به المثل فيقال "فارس هلاله" ويتمثل به الشعراء في مدح أبطالهم. وله قصص في الحب جعلوا مسرحها في السودان. وربط رواة السودان بين "أحمد سفيان" مؤسس أول سلطنة إسلامية في دارفور، وبين أبي زيد، فزعموا أن أحمد هو أخو أبي زيد، وأن أباهما هو الأمير رزق الذي لعب دورا في قصة أبي زيد الهلالي، وأن رزقا هذا في بعض الروايات هو جد قبائل الرزيقات، في غرب السودان. وإلى جانب هذا الطابع المحلي في التاثير القصصي، نجد الرواة يعرفون القصة الشائعة في سائر الأقطار العربية، ويقصونها في المجالس. بطون في صعيد مصر والوجه البحري، ولا تزال قرى تحمل اسمهم في مصر. ففي الصعيد فزارة التابعة لمديرية جرجا، والفزارية التابعة لمنفلوط. ويبدو من دراسة المجموعة الفزارية في السودان أن لبعضها -على الأقل- صلة ببني هلال. ففي روايات دار حامد، أن جدهم حامداً حين قدم إلى غرب السودان، لقي أبا زيد الهلالي، فاستشاره في المكان الذي يتخذه مقاما له، فأشار عليه بسكنى بقعة معينة في كردفان. والزيادية ينتسبون إلى اليوم إلى أبي زيد الهلالي. والبزعة يزعمون أنهم جاءوا أصلا من شمال إفريقية، ولا نعرف إن كانوا من الحلف الهلالي الذي جنح إلى المغرب أو كانوا من غيره، وبنو جرار يربطون نسبهم بالبزعة. أما التأثير القصصي للهلالية في السودان، فهو عام في الشرق والغرب، كما قلنا. ويتمثل فيه أبو زيد مغامراً طوافا، خبيرا بمسالك السودان ومجاهله، بطلا شجاعا يضرب به المثل فيقال "فارس هلاله" ويتمثل به الشعراء في مدح أبطالهم. وله قصص في الحب جعلوا مسرحها في السودان. وربط رواة السودان بين "أحمد سفيان" مؤسس أول سلطنة إسلامية في دارفور، وبين أبي زيد، فزعموا أن أحمد هو أخو أبي زيد، وأن أباهما هو الأمير رزق الذي لعب دورا في قصة أبي زيد الهلالي، وأن رزقا هذا في بعض الروايات هو جد قبائل الرزيقات، في غرب السودان. وإلى جانب هذا الطابع المحلي في التاثير القصصي، نجد الرواة يعرفون القصة الشائعة في سائر الأقطار العربية، ويقصونها في المجالس.
الهوارة:
تدفقت قبائل الهوارة على صعيد مصر الأعلى في نهاية مرحلة الأحلاف، ودخلت منهم موجات في السودان منذ ذلك الحين إلى عهد قريب. والهوارة الذين يعيشون الآن في شمال السودان هم بقايا هوارة مصر. والشواهد على ذلك ناطقة، ذكر بعضها ما كما يكل. ويروي هوارة السودان أنهم نزحوا من صعيد مصر، من منطقة إسنا. وهم في معظمهم بدو رحل، وقليل منهم يستقرون على ضفاف النيل في دنقلة. وفي فصل الأمطار ينتقل الهواوير الرحل بقطعانهم إلى الغرب، ويرعون مع الكبابيش من وادي الكلب إلى حدود دارفور، ثم يعودون إلى الشرق في فصل الجفاف. وهناك قسم آخر من الهوارة، يقيمون الآن بالقرب من الأبيض، في كردفان، حول خمى وأم دليكة وغيرهما. ويروون "أنهم بطن من قبيلة الهواوير، وأن أجدادهم عاشوا في صعيد مصر، وأنهم كانوا بيض الألوان، وأول من قدم منهم إلى الجنوب ونزل كردفان، رجل اسمه الحاج عيسى ود محمد ود منصور، كان تاجرا جوالا، من منفلوط، بالقرب من أسيوط، فرحل إلى كردفان، وتبعه آخرون من تجار هوارة، وتجمعت منهم طائفة ممن هاجروا من مصر، فسموا "جلابة هوارة"" ولقى الجيل الأول من هؤلاء بعد الحاج عيسى بعض المتاعب في كردفان، فعزموا على الرحيل إلى مصر بزعامة ابن الحاج عيسى واسمه "الحاج محمد أبو مِنانة". وبعد أن قطعوا شوطاً في رحلتهم، استغرق يوماً كاملا، بلغوا قرية "دوم الخاتراب" بالقرب من "شريم" حيث لقيهم أهل المنطقة وأقنعوهم بالبقاء معهم، وولوا الشيخ محمد فقيهاً "بلغتهم:فكي" لقريتهم. وبعد وفاة الحاج محمد، رجع قومه إلى خُمى وبقوا فيها. وقد ظهرت بعض الفوارق في السحنة بين بدو الهوارة وجلابة الهوارة، على مر الزمن، فقد كان جلابة الهوارة أكثر امتزاجاً بالعناصر الزنجية من أقربائهم البدو.
القرشيون:
تتمثل قريش، بمختلف فروعها، في عرب السودان، ففيهم البكريون والعمريون والزبيريون والطالبيون والعباسيون والأمويون. ويرى أحد نسابة السودان المعاصرين تقسيم العرب في السودان إلى ثلاثة أقسام هم: جهينة والطالبيون والعباسيون. فالطالبيون أكثرهم في السودان يجتمعون في ركاب ابن غلام الله بن عائذ. والعباسيون تجمعهم قبائل جعل أي الجعليين.ويذكر نعوم شقير "أن أهم الأصول التي يرجع عرب السودان إليها في أنسابهم هي: بنو أمية وبنو العباس وجهينة والزبير بن العوام وجعفر الطيار "ابن أبي طالب"، وأن معظمهم ينتسب إلى جهينة وبني العباس إلا أن المنتسبين إلى جهينة أكثر". ولا شك أن فئات من القرشيين في السودان قد اندمجت في مجموعات أخرى بالحلف أو المصاهرة. وربما كان هذا من أسباب اختلاف النسابين في نسب المجموعة الواحدة أحياناً، فبعضهم ينسبهم إلى قريش، وبعضهم ينسبها إلى جهينة أو ربيعة أو مضر "من غير قريش". وليس الاختلاف في رواية هذه الأنساب، هو دائما وليد جهل أو خطأ، ولسنا ممن يذهبون إلى الشك في هذه الأنساب جملة وتفصيلا، بل نعدها -إلى حد ما- مادة قد تهدينا إلى "نوع الحلف" الذي تألفت منه القبيلة أو المجموعة. فالشكرية -مثلا- ينسبون في روايات مختلفة إلى جهينة وفزارة أو جعفر بن أبي طالب. وهذا لا يعني أن هذه الروايات غير صحيحة جملة وتفصيلا، وإنما هي في نظرنا علامة قد تفيدنا في احتمال أن يكون هناك جماعات من هذه الأصول الثلاثة قد اندمجت في زمن ما، أو أزمان مختلفة في مجموعة الشكرية. وقد نزحت جماعات من قريش إلى السودان في فترات مختلفة في مرحلة الأحلاف وربما جاء معظمهم من وادي النيل، وقليل منهم جاء من طرق أخرى كالطريق الليبي وطريق البحر الأحمر. ويحدثنا القريزي أن أولاد أبي بكر رضي الله عنه كانوا من جملة العرب الذين اشتركوا في غزو بلاد النوبة أيام السلطان قلاوون وفي السودان "نجد المسلمية" هي القبيلة الوحيدة التي تنتسب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكثير منهم يسمون أنفسهم البكرية مبتعدين بنسبهم عن كل من الجعليين والجهنيين، وهم يعيشون في الجزيرة حيث سمي أحد المراكز باسمهم، وعلى ضفتي النيل الأبيض، وأكثرهم مستقرون يمارسون الزراعة، ولهم في "البطانة" شعبة صغيرة تعيش عيشة البداوة. كذلك العمريون أو أولاد عمر، لعلهم دخلوا السودان على فترات، ومنهم طائفة كانت في حملة قلاوون التي أشرنا إليها. وربما دخل فريق منهم في أيام الظاهر بيبرس. فقد ورد في مخطوط قديم لأحد نسابة السودان كلام عن جماعة العواصم قال "وهم آل عاصم بن عامر بن نصير العمري من بني عمر بن الخطاب، وكان أول سكونهم بمصر، ففروا إلى أرض السودان في أيام الظاهر بيبرس". أما العباسيون، فكانوا أكثر عدداً في السودان.
واشتهر الجعليون في السودان بأنهم عباسيون. والظاهر أن هذا اللفظ لم يكن يراد به اتجاه سياسي معين لهذه القبائل المهاجرة، فلعله أريد به مجرد النسب الشريف الذي يميزهم عن الطالبيين خاصة. ففي تلك المرحلة التي غذت السودان بمعظم الهجرات العربية، كان اللفظ في أوساط العرب ولا سيما أهل البادية، أدل وأكثر اشتهارا على إحدى الطائفتين الشريفتين في بني هاشم، ونحن نعلم أنه كانت هنالك نقابة لهما، ثم أصبح لكل فريق منهما نقيب خاص في بغداد. وليس من اليسير أن نرجع المجموعة الجعلية إلى بطونها الأولى في مصر. ولكن موقعها الجغرافي على نهر النيل ما بين الخرطوم وبلاد النوبة، وانتشارها من هذا المركز في شعب وفروع نحو البطانة والنيل الأزرق، ونحو النيل الأبيض جنوب الخرطوم، ونحو الغرب إلى كردفان -كل ذلك يحمل الدليل على أن هذه المجموعة قد دخلت السودان من الشمال من طريق وادي النيل. وليس في أقوال الرواة عن أصل تسمية "جعل" ما يرشدنا إلى معرفة نواة القبيلة أو المجموعة في شمال الوادي. ويختلف النسابة في أصل التسمية على قولين: القول الشائع أن إبراهيم الهاشم، جد الجعليين كان جواداً كريماً، وأنه كان يقول للجماعات التي تنضوي تحت لوائه: جعلناكم منا، فسمي لذلك جعلا. وفي مخطوط سوداني يرجع إلى 1277ه 1860م أنه لقب جعلا "بضم الجيم" لسمرته الشديدة ومنظره. والواقع أنه لم يرد لفظ جعل ومشتقاته في أسماء قبائل العرب القديمة إلا في قبيلتين: إحداهما جعال بن ربيعة، حي
الرسول ) أرض إرم من ديار جذام. والأخرى بنو حرام بن جعل، بطن من بلا من قضاعة وهم بنو حرام بن عمرو بن جشم . فاللفظ إذن معروف في الجزء الشمالي الغربي من شبه جزيرة العرب، أي في المستودع الأول الذي أمد مصر بموجاته العربية المتلاحقة. بل إن المصادر تحدثنا أن من بين الصحابة الذين نزلوا مصر حزام بن عوف البلوي، وكان من بني جعل من بلى، وهو ممن بايع رسول الله ) تحت الشجرة في رهط من قومه بني جعل، فقال لهم الرسول): "لا صخر ولا جعل. أنتم بنو عبد الله". على أننا لا نستطيع أن نجد صلة ما بين هؤلاء والجعليين في السودان، ولا سيما إذا واجهنا اتفاق جمهور النسابة على أن الجعليين عباسيون، وأن جعلا ليس إلا لقباً لإبراهيم؛ وفي روايات أخرى أن الذي سمى جعلا هو "عبد الله جعل" حفيد إبراهيم جعل أو الجعلي "وقد يخلط بعض الناس فيقول عبد الله جعل، أو إبراهيم جعل، فإن عبد الله حفيد إبراهيم فلا غرابة ولا داعي للجدل". ويلاحظ أن نسب الجعليين المتفق عليه يشتمل على بعض أجداد من أعقاب سبأ مثل يمن الخزرجي وذي الكلاِع الحميري وهو ابن سعد الأنصاري نسبة إلى أمه الأنصارية. إلا أنه يستمر بعد ذلك إلى العباس:"سعد الأنصاري بن الفضل بن عبد الله بن عباس".
أما الطالبيون فمركزهم الرئيسي في وادي الكنوز ووادي النوبة إلى حدود دنقلة، ونحن نعلم أن جيرانهم "الكنوز" من بقايا بني كنز الدولة "ربيعة" الذين كانوا سندا قوياً للدولة الفاطمية.ولا يبعد أن يكون الطالبيون قد اختاروا هذه المنطقة لصلة تربطهم بالكنوز. ويبدو أن هذه المنطقة ظلت طالبية حتى وفد إليهم جماعات أخرى مثل الجوابرة والغربية فسكنوا إلى جوارهم. فالركابية يسكنون أواسط بلاد المحس، ومواطنها الرئيسية في مركز دنقلة وهم ينتسبون إلى جد من نسل الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو ركاب بن غلام الله بن عائذ. وإن صحت الروايات المتواترة لديهم، تكون هجرتهم من الناحية الشرقية من طريق البحر الأحمر. وقد هاجر منهم كثير إلى غرب السودان وقبيلة الجعافرة نسبة إلى جعفر بن أبي طالب، كانت منهم جماعات تنزل الصعيد الأعلى ومازالت بقاياهم إلى اليوم، بين قوص وأسوان. ثم انتشرت طوائف منهم جنوباً إلى بلاد المحس. ومع ذلك فإن لهم شعبة الآن تعيش في كردفان، وتتصل بالجوامعة. والعليقات عشيرة كانت من جملة العشائر التي تعمل في وادي العلاقي في أرض المعدن، وبعد أن أصاب الوادي الخراب، نزحوا شمالا إلى بلاد الصعيد وإلى سيناء، والظاهر أن تسميتهم نسبة إلى العلاقي، ومنهم فروع سكنت بين المضيق وكرسكو وهم ينتمون إلى عقيل بن أبى طالب. ومن ذرية عقيل أيضاً جماعة الصوادرة في بلاد المحس وفي دنقلة، عاشت أسرة سوار الذهب، وهو الشيخ ساتي محمد ولد عيسى، وفي روايتهم أنه يرجع في نسبه-من جهة أبيه- إلى العباس، ومن جهة أمه إلى الحسين ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وفي بوهين سكنت جماعة من الفادنية ويتصل نسبهم بمحمد بن الحنفية، وأول من ذكر منهم الشريف محمود بن محمد بن سليمان بن جعفر بن عبد الله وفي أنحاء السودان تفرقت جماعات أخرى كثيرة تنسب إلى قريش، وليس من اليسير إحصاؤها، وحسبنا أن نذكر منهم العبابدة، وهم يروون أنهم من نسل الزبير بن العوام، ويربطون نسبهم بالكواهلة. وسنرى أن العبابدة والكواهلة كانوا من قبائل أرض المعدن، ومنها تفرقوا في أنحاء وادي النيل. ومن قريش"البطاحين" وهم يقولون إن اسمهم مشتق من بطحاء مكة، ويلتقون في نسبهم مع أجداد الجعليين. وقد روى لي أحد رواتهم أن هجرتهم كانت من طريق مصر إلى غرب السودان، ولهم في كردفان آثار يعرفونها، "وصاروا ينتجعون المراعي ومعهم أبناء عمهم القنن، فنزلوا بالضفة الشرقية للنيل في المكان الواقع شرقي الجريفات اليوم إلى ما بعد شرقي الحلفاية شمالا" .
ومن قريش أيضاً ملوك سنار الذين عرفوا باسم الفونج، وهم الذين أسسوا أول سلطنة إسلامية واسعة النفوذ في السودان، وحكموا أكثر من ثلاثمائة سنة، منذ اول القرن العاشر الهجري "السادس عشر الميلادي". وهؤلاء الفونج ينتسبون إلى بني أمية. ومسألة موطنهم السابق الذي خرجوا منه إلى قلب السودان حيث أسسوا عاصمتهم سنار، هي مثار خلاف واسع بين الباحثين، ففريق يرى أنهم جاءوا من الحبشة، وفريق يرى أنهم من منطقة بحيرة شاد حيث الكانم والبرنو، وآخرون يزعمون أن لهم أصلا زنجياً. ولم يعد للرأي الأخير ما يؤيده في الوقت الحاضر. أما عن الرأيين السابقين، فلا ينبغي أن يؤدي أحدهما إلى الخلط بين الموطن الأصلي والأصل العربي، وسواء أكان موطنهم السابق بلاد الحبشة أم بلاد البرنو، فإن هذا لا يمنع من أن يكونوا ذوى صلة بأعقاب بني أمية الذين استوطنوا هذه الجهة أو تلك. والجدير بالذكر أن أعقاب بني أمية، قبل قيام سلطنة الفونج، كانت منهم طوائف أموية تحدثنا المصادر أنهم سكنوا بلاد الحبشة والبرنو. ففي الحبشة "كان بنو أحمر، وهم قبيلة من بني أمية انقرض أكثرهم ولم يبق منهم إلا القليل". وفي منطقة البرنو يحدثنا أبو عبيد البكري، أن الكانم والبرنو يزعمون أن قوماً من بني أمية صاروا إليها عند محنتهم ببني العباس، ويؤيد ر. بالمر هذه الرواية بمصادر أهل البرنو أنفسهم. ومن القبائل التي تمت بصلة القربى إلى قريش، قبيلة كنانة بن خزيمة، وكان منها طوائف في صعيد مصر وفي الوجه البحري. وفي سنة 647ه 1249م ألفت كنانة قوة من حرس دمياط واشتهروا بالتفوق في الدفاع عن هذه المدينة ضد هجمات لويس التاسع وجيشه من الصليبيين.
ثم نزح قسم من كنانة إلى صعيد مصر، ونزح قسم آخر منهم غرباً إلى مراكش،ويحدثنا المقريزي أن كثيراً من كنانة كانوا في إخميم في زمانه. ولعل أول من قدم منهم إلى السودان جماعة بزعامة "منصور"، عبروا طريق النيل من مصر إلى السودان، حوالي سنة 720ه 1320م. ومن منصور تشعبت بطون كنانة الستة ومنهم أول أولاد سوار. وفي زمن ابن بطوطة الرحالة كانت كنانة ممن سكنوا سواكن "في الفترة التي بين 1330-1340م" وربما كان كمال بن سوار الذي أشار إليه القلقشندي وذكر أنه أحد زعماء القبائل الذين يكاتبون سلطان مصر في سنة 763ه 1361م -هو شيخ كنانة في ذلك الحين. ويظهر أن كنانة هاجرت بعد ذلك إلى دنقلة، واستقروا هناك زمناً، ثم تفرقوا فذهبت طائفة إلى كُرُن، جنوبي تقلى في كردفان، ولحق قسم منهم بالكبابيش؛ وبقي قسم كبير شرقي النيل الأبيض إلى اليوم.أن لهم أصلا زنجياً. ولم يعد للرأي الأخير ما يؤيده في الوقت الحاضر. أما عن الرأيين السابقين، فلا ينبغي أن يؤدي أحدهما إلى الخلط بين الموطن الأصلي والأصل العربي، وسواء أكان موطنهم السابق بلاد الحبشة أم بلاد البرنو، فإن هذا لا يمنع من أن يكونوا ذوى صلة بأعقاب بني أمية الذين استوطنوا هذه الجهة أو تلك.
والجدير بالذكر أن أعقاب بني أمية، قبل قيام سلطنة الفونج، كانت منهم طوائف أموية تحدثنا المصادر أنهم سكنوا بلاد الحبشة والبرنو. ففي الحبشة "كان بنو أحمر، وهم قبيلة من بني أمية انقرض أكثرهم ولم يبق منهم إلا القليل". وفي منطقة البرنو يحدثنا أبو عبيد البكري، أن الكانم والبرنو يزعمون أن قوماً من بني أمية صاروا إليها عند محنتهم ببني العباس، ويؤيد ر. بالمر هذه الرواية بمصادر أهل البرنو أنفسهم. ومن القبائل التي تمت بصلة القربى إلى قريش، قبيلة كنانة بن خزيمة، وكان منها طوائف في صعيد مصر وفي الوجه البحري. وفي سنة 647ه 1249م ألفت كنانة قوة من حرس دمياط واشتهروا بالتفوق في الدفاع عن هذه المدينة ضد هجمات لويس التاسع وجيشه من الصليبيين. ثم نزح قسم من كنانة إلى صعيد مصر، ونزح قسم آخر منهم غرباً إلى مراكش،ويحدثنا المقريزي أن كثيراً من كنانة كانوا في إخميم في زمانه. ولعل أول من قدم منهم إلى السودان جماعة بزعامة "منصور"، عبروا طريق النيل من مصر إلى السودان، حوالي سنة 720ه 1320م. ومن منصور تشعبت بطون كنانة الستة ومنهم أول أولاد سوار.
وفي زمن ابن بطوطة الرحالة كانت كنانة ممن سكنوا سواكن "في الفترة التي بين 1330-1340م" وربما كان كمال بن سوار الذي أشار إليه القلقشندي وذكر أنه أحد زعماء القبائل الذين يكاتبون سلطان مصر في سنة 763ه 1361م -هو شيخ كنانة في ذلك الحين. ويظهر أن كنانة هاجرت بعد ذلك إلى دنقلة، واستقروا هناك زمناً، ثم تفرقوا فذهبت طائفة إلى كُرُن، جنوبي تقلى في كردفان، ولحق قسم منهم بالكبابيش؛ وبقي قسم كبير شرقي النيل الأبيض إلى اليوم.
0صديقنالكم الشكر وانتم تخبرون اهلكم العرب باصولهم. اتمني ان يستفيد الصديق احمد ابنعوف من هذا الكتاب وان تفسر لنا هذا التصنيف هل له علاق بالدناقله النوبيين;1. المجموعة الجَعْلية "أو الجعلية الدنقلاوية".
2. المجموعة الجهنية "نسبة إلى جهينة".
ونريد معلومات عن;المقريزي
أحمد ابن عوف الامين
لكم الشكر وانتم تخبرون اهلكم العرب باصولهم. اتمني ان يستفيد الصديق احمد ابنعوف من هذا الكتاب وان تفسر لنا هذا التصنيف هل له علاق بالدناقله النوبيين;1. المجموعة الجَعْلية "أو الجعلية الدنقلاوية"
تناثرت معادن التبر والزمرد على مراحل في شرقي النيل من صعيد مصر ومن بلاد البجة في شرق السودان. وكانت كل منطقة معدنية منها بمثابة مركز للعرب والأجراء الذين يعملون في المعادن، وقد ذكر اليعقوبي في القرن الثالث الهجري "التاسع ميلادي" حوالي ثلاثين موقعاً من هذه المراكز، ومعظم أسمائها ما زال بحاجة إلى تعريف ودراسة. فمن هذه المواضع في معادن التبر بصعيد مصر: موضع يقال له "الشكري" وموضع يقال له "الكلبي" وموضع يقال له "العجلي". ومن المحتمل أن تكون هذه المواضع نسبة إلى بعض رؤساء جماعات عربية سكنت هذه المواضع. ولا ندري ماذا كان هنالك صلة ما بين موضع "الشكري" هذا وقبيلة الشكرية التي تسكن البطانة بين النيل الأزرق ونهر العطبرة، ومهما يكن فمن المؤكد أن أرض المعدن بجموعها الهائلة كانت مستودعاً أمد السودان بعدد من قبائله. وقد أخذت هذه الجموع في الانتشار على بقاع السودان شرقا وغربا وجنوباً، بعد أن خربت مناطق المعدن أو معظمها في الشطر الأخير من مرحلة الأحلاف.
ومن قبائل أرض المعدن خرج الكواهلة، وأغلب الظن أن نواتهم الأولى -على الأقل- كانت من بقايا أحلاف ربيعة الذين هاجروا إلى ارض المعدن بنسائهم وذرياتهم في آلاف كثيرة. واشق من ربيعة وأحلافها فرع بني كنز الدولة الذي آثر السكنى بشمالي بلاد النوبة كما أشرنا من قبل. والكواهلة ينتسبون في أصولهم، إلى كاهل بن أسد بن خزيمة، ولهؤلاء صلة قرابة وثيقة ببني ربيعة. ذلك أن بني ربيعة من نسل بني حنيفة بن لُجَيم الذين كانوا باليمامة شرقي الجزيرة العربية، ثم نزحوا منها إلى صعيد مصر.
وإخوة بني حنيفة هم بنو عِجْل بن لجيم الذين كان موضع "العجلي" في أرض المعدن منسوباً إليهم.وأم حنيفة-كما يقول المقريزي وسائر المؤرخين- هي صفية بنت كاهل بن أسد ابن خزيمة. والقرائن الدالة على أن الكواهلة كانوا من قبائل أهل أرض المعدن لا تحتمل الشك. فهم أهم قبيلة في السودان اتصلت بالبجة اتصالاً وثيقاً من ناحيتي الجوار والنسب، وتعلمت لسانهم، واندمج قسم كبير منهم في قبائل البجة حتى أصبحت كل مجموعة بجاوية تنتسب إلى بني كاهل ثم ترك بقية الكواهلة أوطانهم في أرض البجة واتجهوا إلى وسط السودان وغربيه. ويقول الدكتور محمد عوض: ويكاد أن يكون من المؤكد أن الكواهلة-أو معظمهم-قد دخلوا السودان من الشرق، ووصلوا إليه من الجزيرة العربية مباشرة. وبدأوا حياتهم فيه باحتلال الإقليم الساحلي أو جزء عظيم منه من سواكن إلى عيذاب، حيث اختلطوا بالبجة وتعلموا لسانهم وصاهروهم، وربما كان لهم الأثر الأكبر في نشر الإسلام والثقافة العربية فيهم. ولكن ليس من اليسير أن نؤكد هجرتهم من الشرق مباشرة على نحو ما ورد في هذا