من تاريخ ابن خالدون
ملوك المناذرة منشور رقم ٤
ولما زحف المسلمون إلى العراق و نزل خالد بن الوليد الحيرة حاصرهم بقصورها فلما أشرفوا على الهلكة خرج إليهم إياس بن قبيصة في أشراف أهل الحيرة و أتقى من خالد و المسلمين بالجزية فقبلوا منه و صالحهم على مائة و ستين ألف درهم و كتب لهم خالد بالعهد و الأمان و كانت أول جزية بالعراق و كان فيهم هانيء بن قبيصة أخو إياس بن قبيصة بالقصر الأبيض و عدي بن عدي العبادي ابن عبد القيس و زيد بن عدي بقصر العدسيين و أهل نصر بن عدس من قصور الحيرة و هو بنو عوان بن عبد المسيح بن كلب بن وبرة و أهل قصر بني بقيلة لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين فقالوا : يا حارث ما أنت إلا بقيلة خضراء و عبد المسيح هذا هو المعمر و هو الذي بعثه كسرى أبرويز إلى سطيح في شأن رؤيا المرزبان
و لما صالح إياس بن قبيصة المسلمين و عقد لهم الجزية سخطت عليه الأكاسرة و عزلوه فكان ملكه تسع سنين و لسنة منها و ثمانية أشهر كانت البعوث و ولي حينئذ الخلافة عمر بن الخطاب و عقد لسعد بن أبي وقاص على حرب فارس فكان من أول عمل يزدجرد أن أمر مرزبان الحيرة أن يبعث قابوس بن قابوس بن المنذر و أغراه بالعرب و وعده بملك آبائه و قال له : ادع العرب و أنت على من أجابك منهم كما كان آباؤك فنهض قابوس إلى القادسية و نزلها و كاتب بكر بن وائل بمثل ما كان للنعمان فكاتبهم مقاربة و وعدا و انتهى الخبر إلى المثنى بن حارثة الشيباني عقب مهلك أخيه المثنى و قبل وصول سعد فأسرى من ذي قار و بيت قابوس بالقادسية ففض جمعه و قتله و كان آخر من بقي من ملوك آل نصر بن ربيعة و انقرض أمرهم مع زوال ملك فارس أهـ كلام الطبري و ما نقله عن هشام بن الكلبي
وقد كان المغيرة بن شعبة تزوج هندا بنت النعمان و سعد بن أبي وقاص تزوج صدقة بنت النعمان و خبرهما معروف ذكره المسعودي و غيره و عدة ملوك آل نصر عند هشام بن الكلبي عشرون ملكا و مدتهم خمسمائة و عشرون سنة و عند المسعودي ثلاث و عشرون ملكا و مدتهم ستمائة و عشرون سنة قال : وقد قيل إن مدة عمران الحيرة إلى أن خربت عند بناء الكوفة خمسمائة سنة قال : و لم يزل عمرانها يتناقص إلى أيام المعتضد ثم أقفرت و فيما نقله بعض الإخباريين أن خالد بن الوليد قال لعبد المسيح : أخبرني بما رأيت من الأيام ؟ قال : نعم قال : رأيت المرأة من الحيرة تضيع مكتلها على رأسها ثم تخرج حتى تأتي الشام في قرى متصلة و بساتين ملتفة وقد أصبحت اليوم خرابا و الله يرث الأرض و من عليها و هو خير الوارثين
هذا ترتيب الملوك من ولد نصر بن ربيعة بن كعب بن عمرو بن عدي الأول منهم و هو الترتيب الذي ذكره الطبري عن ابن الكلبي و غيره و بين الناس فيه خلاف في ترتيب ملوكهم بعد اتفاقهم على أن الذي ملك بعد عمرو بن عدي ابنه امرؤ القيس ثم ابنه عمرو بن امرئ القيس و هو الثالث منهم قال علي بن عبد العزيز الجرجاني في أنسابه بعد ذكر عمرو هذا : ثم ثار أوس بن قلام العملقي و ملك فثار به جحجب بن عتيك اللخمي فقتله و ملك ثم ملك من بعده امرؤ القيس البدء بن عمرو الثالث ثم ملك من بعده ابنه النعمان الأكبر ابن امرئ القيس بن الشقيقة و هو الذي ترك الملك و ساح ثم ملك من بعده ابنه المنذر ثم ابنه الأسود بن المنذر ثم أخوه المنذر بن المنذر ثم النعمان بن الأسود بن المنذر ثم أبو يعفر بن علقمة بن مالك بن عدي بن الذميل بن ثور بن أسنش بن زبى بن نمارة بن لخم ثم ملك من بعده امرؤ القيس بن النعمان الأكبر ثم ابنه امرؤ القيس ثم كان أمر الحرث بن عدي الكندي حتى تصالحها و تزوج المنذر ابنته هندا فولدت له عمرا ثم ملك بعد المنذر عمرو بن هند ثم قابوس بن المنذر أخوه ثم المنذر بن المنذر أخوه الآخر ثم ابنه النعمان بن المنذر هكذا نسبه الجرجاني و هو موافق لترتيب الطبري إلا في الحرث بن عمرو الكندي فإن الطبري جعله بعد النعمان الأكبر بن امرئ القيس و ابنه المنذر و الجرجاني جعله بعد المنذر بن امرئ القيس بن النعمان و بين هذا المنذر و المنذر بن النعمان الأكبر خمسة من ملوكهم فيهم أبو يعفر بن الذميل فالله أعلم بالصحيح من ذلك
و أما المسعودي فخالف تربيتهم فقال : بعد النعمان الأكبر ابن امرئ القيس و سماه قائد الفرس ملك خمسا و ستين سنة ثم ملك ابنه المنذر خمسا و عشرين سنة و هذا مثل ترتيب الطبري و الجرجاني ثم خالفهما و قال : و ملك النعمان بن المنذر الحيرة و هو الذي بنى الخورنق خمسا و ثلاثين سنة و ملك الأسود بن النعمان عشرين سنة و ملك ابنه المنذر أربعين سنة و أمه ماء السماء من النمر قاسط من ربيعة و بها عرف وملك ابنه عمرو بن المنذر أربعا و عشرين سنة ثم ملك بعده أخوه النعمان و أمه مامة و قتله كسرى و هو آخرهم هكذا ساق المسعودي نسق ملوكهم و نسبهم و هو مخالف لما ذكره الطبري و الجرجاني
و قال السهيلي : كان للمنذر بن ماء السماء من الولد المملكين عمرو و النعمان و كان عمرو لهند بنت الحرث آكل المرار قال : و كان عمرو هذا من أعاظم ملوك الحيرة و يعرف بمحرق لأنه حرق مدينة الملهم عند اليمامة وكان يملك من قبل كسرى أنوشروان و من بعده ملك أخوه النعمان بن المنذر و أمه مامة و قتله كسرى ابرويز بن هرمز بن أنوشروان لموجدة وجدها بسعاية زيد بن عدي بن زيد العبادي و ساق قصة مقتله و ولاية إياس بن قبيصة الطائي من بعده و ما وقع بعد ذلك من حرب ذي قار و غلب العرب فيها على العجم إلى آخرها فالله أعلم بالصحيح في ترتيب ملوكهم و قال ابن سعيد : أول حديثهم في الملك أن بني نمارة كانوا جندا للعمالقة بأطراف الشام و الجزيرة و كانوا مع الزباء و لما قتلت جذيمة قام عمرو بن عدي منهم بثأره و كان ابن أخته حتى أدركه و قتلها و بنى الحيرة على فرع من الفرات في أرض العراق و قال صاحب تواريخ الأمم : ملك مائة و ثمانية و عشرين سنة أيام ملوك الطوائف و بعده امرؤ القيس بن عمرو و لما مات ولي أردشير بن سابور على الحيرة أوس بن قلام من العمالقة ثم كان ملك الحيرة فوليها امرؤ القيس بن عمرو بن امرئ القيس المعروف بمحرق قال و هو المذكور في قصيدة الأسود بن يعفر التي على روي الدال و بعده ابنه النعمان بن شقيقه و هي من بني شيبان و جعل معه كسرى واليا للفرس و هو باني الخورنق و السرير على مياه الفرات و ملك إلى أن ساح و تزهد ثلاثين سنة و ذكره عدي بن زيد في شعره و ملك بعده إبنه المنذر و هو الذي سعى لبهرام جور في الملك حتى تم له و ملك أربعا و أربعين سنة و ملك بعده ابنه الأسود ثم أخوه المنذر بن المنذر ثم النعمان بن الأسود و غضب عليه كسرى و ولى مكانه الذميل بن لخم من غير بيت الملك ثم عاد الملك إليهم فولي امرؤ القيس بن النعمان الأكبر و هو ابن الشقيقة و هو الذي غزا بكر بن وائل و ملك بعده إبنه المنذر بن ماء السماء و هي أمه أخت كليب سيد وائل و طالبه قباذ بإتباع مزدك على الزندقة فأبى و ولى مكانه الحرث بن عمرو ابن حجر الكندي ثم رده أنوشروان إلى ملك الحيرة و قتله الحرث الأعراج الغساني يوم حليمة كما يأتي و ملك بعده ابنه عمرو بن هند و هي مامة عمة امرئ القيس بن حجر المعروف بمضرط الحجارة لشدة بأسه و هو محرق الثاني حرق بني دارم من
تميم لأنهم قتلوا أخاه و حلف ليحرقن منهم مائة فحرقهم و ملك ستة عشرة سنة أيام أنوشروان فتك به في رواق بين الحيرة و الفرات عمرو بن كلثوم سيد تغلب و نهبوا حياءه و ملك بعده أخوه قابوس بن هند و كان أعرج و قتله بعض بني يشكر فولى أنوشروان على الحيرة بعض مرازبة الفرس فلم تستقم له طاعة العرب فولى عليهم المنذر بن المنذر بن ماء السماء فخرج إلى جهة الشام طالبا ثأر أبيه من الحرث الأعرج الغساني فقتله الحرث أيضا يوم أباغ و ملك بعده ابنه النعمان بن المنذر و كان ذميما أشقر أبرش و هو أشهر ملوك الحيرة و عليه كثرت وفود العرب و طلبه بثأر أبيه و حرد من بني جفنة حتى أسر خلقا كثيرا من أشرافهم و حمله عدي بن زيد على أن تنصر و ترك دين آبائه و حبس عديا فشفع كسرى فيه بسعاية أخ له كان عنده فقتله النعمان في محبسه ثم نشا ابنه زيد بن عدي و صار ترجمانا لكسرى فأغراه بالنعمان و حضر مع كسرى أبروبز في وقعة بين الفرس و الروم و انهزمت الفرس و نجا النعمان على فرسه التخوم بعد أن طلبه منه كسرى ينجو عليه فأعرض عنه و نزل له إياس بن قبيصة الطائي عن فرسه فنجا عليه و وفد عليه النعمان بعد ذلك فقتله و ولى على الحيرة إياس بن قبيصة فلم تستقم له طاعة العرب و غضبوا لقتل النعمان و كان لهم على الفرس يوم ذي قار سنة ثلاث من البعثة و مات إياس و صارت الفرس يولون على الحيرة منهم إلى أن ملكها المسلمون
و ذكر البيهقي : أن دين بني نصر كان عبادة الأوثان و أول من تنصر منهم النعمان بن الشقيقة و قيل بل النعمان الأخير و ملكت العرب بتلك الجهات ابنه المنذر فقتله جيش أبي بكر رضي الله عنه و في تواريخ الأمم أن جميع ملوك الحيرة من بني نصر و غيرهم خمسة و عشرون ملكا في نحو ستمائة سنة و الله أعلم و هذا الترتيب مساو لترتيب الطبري و الجرجاني و الله وارث الأرض و من عليها و هو خير الوارثين
إعداد
د ممصطفى سليمان ابوالطيب الهوارى
ملوك المناذرة منشور رقم ٤
ولما زحف المسلمون إلى العراق و نزل خالد بن الوليد الحيرة حاصرهم بقصورها فلما أشرفوا على الهلكة خرج إليهم إياس بن قبيصة في أشراف أهل الحيرة و أتقى من خالد و المسلمين بالجزية فقبلوا منه و صالحهم على مائة و ستين ألف درهم و كتب لهم خالد بالعهد و الأمان و كانت أول جزية بالعراق و كان فيهم هانيء بن قبيصة أخو إياس بن قبيصة بالقصر الأبيض و عدي بن عدي العبادي ابن عبد القيس و زيد بن عدي بقصر العدسيين و أهل نصر بن عدس من قصور الحيرة و هو بنو عوان بن عبد المسيح بن كلب بن وبرة و أهل قصر بني بقيلة لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين فقالوا : يا حارث ما أنت إلا بقيلة خضراء و عبد المسيح هذا هو المعمر و هو الذي بعثه كسرى أبرويز إلى سطيح في شأن رؤيا المرزبان
و لما صالح إياس بن قبيصة المسلمين و عقد لهم الجزية سخطت عليه الأكاسرة و عزلوه فكان ملكه تسع سنين و لسنة منها و ثمانية أشهر كانت البعوث و ولي حينئذ الخلافة عمر بن الخطاب و عقد لسعد بن أبي وقاص على حرب فارس فكان من أول عمل يزدجرد أن أمر مرزبان الحيرة أن يبعث قابوس بن قابوس بن المنذر و أغراه بالعرب و وعده بملك آبائه و قال له : ادع العرب و أنت على من أجابك منهم كما كان آباؤك فنهض قابوس إلى القادسية و نزلها و كاتب بكر بن وائل بمثل ما كان للنعمان فكاتبهم مقاربة و وعدا و انتهى الخبر إلى المثنى بن حارثة الشيباني عقب مهلك أخيه المثنى و قبل وصول سعد فأسرى من ذي قار و بيت قابوس بالقادسية ففض جمعه و قتله و كان آخر من بقي من ملوك آل نصر بن ربيعة و انقرض أمرهم مع زوال ملك فارس أهـ كلام الطبري و ما نقله عن هشام بن الكلبي
وقد كان المغيرة بن شعبة تزوج هندا بنت النعمان و سعد بن أبي وقاص تزوج صدقة بنت النعمان و خبرهما معروف ذكره المسعودي و غيره و عدة ملوك آل نصر عند هشام بن الكلبي عشرون ملكا و مدتهم خمسمائة و عشرون سنة و عند المسعودي ثلاث و عشرون ملكا و مدتهم ستمائة و عشرون سنة قال : وقد قيل إن مدة عمران الحيرة إلى أن خربت عند بناء الكوفة خمسمائة سنة قال : و لم يزل عمرانها يتناقص إلى أيام المعتضد ثم أقفرت و فيما نقله بعض الإخباريين أن خالد بن الوليد قال لعبد المسيح : أخبرني بما رأيت من الأيام ؟ قال : نعم قال : رأيت المرأة من الحيرة تضيع مكتلها على رأسها ثم تخرج حتى تأتي الشام في قرى متصلة و بساتين ملتفة وقد أصبحت اليوم خرابا و الله يرث الأرض و من عليها و هو خير الوارثين
هذا ترتيب الملوك من ولد نصر بن ربيعة بن كعب بن عمرو بن عدي الأول منهم و هو الترتيب الذي ذكره الطبري عن ابن الكلبي و غيره و بين الناس فيه خلاف في ترتيب ملوكهم بعد اتفاقهم على أن الذي ملك بعد عمرو بن عدي ابنه امرؤ القيس ثم ابنه عمرو بن امرئ القيس و هو الثالث منهم قال علي بن عبد العزيز الجرجاني في أنسابه بعد ذكر عمرو هذا : ثم ثار أوس بن قلام العملقي و ملك فثار به جحجب بن عتيك اللخمي فقتله و ملك ثم ملك من بعده امرؤ القيس البدء بن عمرو الثالث ثم ملك من بعده ابنه النعمان الأكبر ابن امرئ القيس بن الشقيقة و هو الذي ترك الملك و ساح ثم ملك من بعده ابنه المنذر ثم ابنه الأسود بن المنذر ثم أخوه المنذر بن المنذر ثم النعمان بن الأسود بن المنذر ثم أبو يعفر بن علقمة بن مالك بن عدي بن الذميل بن ثور بن أسنش بن زبى بن نمارة بن لخم ثم ملك من بعده امرؤ القيس بن النعمان الأكبر ثم ابنه امرؤ القيس ثم كان أمر الحرث بن عدي الكندي حتى تصالحها و تزوج المنذر ابنته هندا فولدت له عمرا ثم ملك بعد المنذر عمرو بن هند ثم قابوس بن المنذر أخوه ثم المنذر بن المنذر أخوه الآخر ثم ابنه النعمان بن المنذر هكذا نسبه الجرجاني و هو موافق لترتيب الطبري إلا في الحرث بن عمرو الكندي فإن الطبري جعله بعد النعمان الأكبر بن امرئ القيس و ابنه المنذر و الجرجاني جعله بعد المنذر بن امرئ القيس بن النعمان و بين هذا المنذر و المنذر بن النعمان الأكبر خمسة من ملوكهم فيهم أبو يعفر بن الذميل فالله أعلم بالصحيح من ذلك
و أما المسعودي فخالف تربيتهم فقال : بعد النعمان الأكبر ابن امرئ القيس و سماه قائد الفرس ملك خمسا و ستين سنة ثم ملك ابنه المنذر خمسا و عشرين سنة و هذا مثل ترتيب الطبري و الجرجاني ثم خالفهما و قال : و ملك النعمان بن المنذر الحيرة و هو الذي بنى الخورنق خمسا و ثلاثين سنة و ملك الأسود بن النعمان عشرين سنة و ملك ابنه المنذر أربعين سنة و أمه ماء السماء من النمر قاسط من ربيعة و بها عرف وملك ابنه عمرو بن المنذر أربعا و عشرين سنة ثم ملك بعده أخوه النعمان و أمه مامة و قتله كسرى و هو آخرهم هكذا ساق المسعودي نسق ملوكهم و نسبهم و هو مخالف لما ذكره الطبري و الجرجاني
و قال السهيلي : كان للمنذر بن ماء السماء من الولد المملكين عمرو و النعمان و كان عمرو لهند بنت الحرث آكل المرار قال : و كان عمرو هذا من أعاظم ملوك الحيرة و يعرف بمحرق لأنه حرق مدينة الملهم عند اليمامة وكان يملك من قبل كسرى أنوشروان و من بعده ملك أخوه النعمان بن المنذر و أمه مامة و قتله كسرى ابرويز بن هرمز بن أنوشروان لموجدة وجدها بسعاية زيد بن عدي بن زيد العبادي و ساق قصة مقتله و ولاية إياس بن قبيصة الطائي من بعده و ما وقع بعد ذلك من حرب ذي قار و غلب العرب فيها على العجم إلى آخرها فالله أعلم بالصحيح في ترتيب ملوكهم و قال ابن سعيد : أول حديثهم في الملك أن بني نمارة كانوا جندا للعمالقة بأطراف الشام و الجزيرة و كانوا مع الزباء و لما قتلت جذيمة قام عمرو بن عدي منهم بثأره و كان ابن أخته حتى أدركه و قتلها و بنى الحيرة على فرع من الفرات في أرض العراق و قال صاحب تواريخ الأمم : ملك مائة و ثمانية و عشرين سنة أيام ملوك الطوائف و بعده امرؤ القيس بن عمرو و لما مات ولي أردشير بن سابور على الحيرة أوس بن قلام من العمالقة ثم كان ملك الحيرة فوليها امرؤ القيس بن عمرو بن امرئ القيس المعروف بمحرق قال و هو المذكور في قصيدة الأسود بن يعفر التي على روي الدال و بعده ابنه النعمان بن شقيقه و هي من بني شيبان و جعل معه كسرى واليا للفرس و هو باني الخورنق و السرير على مياه الفرات و ملك إلى أن ساح و تزهد ثلاثين سنة و ذكره عدي بن زيد في شعره و ملك بعده إبنه المنذر و هو الذي سعى لبهرام جور في الملك حتى تم له و ملك أربعا و أربعين سنة و ملك بعده ابنه الأسود ثم أخوه المنذر بن المنذر ثم النعمان بن الأسود و غضب عليه كسرى و ولى مكانه الذميل بن لخم من غير بيت الملك ثم عاد الملك إليهم فولي امرؤ القيس بن النعمان الأكبر و هو ابن الشقيقة و هو الذي غزا بكر بن وائل و ملك بعده إبنه المنذر بن ماء السماء و هي أمه أخت كليب سيد وائل و طالبه قباذ بإتباع مزدك على الزندقة فأبى و ولى مكانه الحرث بن عمرو ابن حجر الكندي ثم رده أنوشروان إلى ملك الحيرة و قتله الحرث الأعراج الغساني يوم حليمة كما يأتي و ملك بعده ابنه عمرو بن هند و هي مامة عمة امرئ القيس بن حجر المعروف بمضرط الحجارة لشدة بأسه و هو محرق الثاني حرق بني دارم من
تميم لأنهم قتلوا أخاه و حلف ليحرقن منهم مائة فحرقهم و ملك ستة عشرة سنة أيام أنوشروان فتك به في رواق بين الحيرة و الفرات عمرو بن كلثوم سيد تغلب و نهبوا حياءه و ملك بعده أخوه قابوس بن هند و كان أعرج و قتله بعض بني يشكر فولى أنوشروان على الحيرة بعض مرازبة الفرس فلم تستقم له طاعة العرب فولى عليهم المنذر بن المنذر بن ماء السماء فخرج إلى جهة الشام طالبا ثأر أبيه من الحرث الأعرج الغساني فقتله الحرث أيضا يوم أباغ و ملك بعده ابنه النعمان بن المنذر و كان ذميما أشقر أبرش و هو أشهر ملوك الحيرة و عليه كثرت وفود العرب و طلبه بثأر أبيه و حرد من بني جفنة حتى أسر خلقا كثيرا من أشرافهم و حمله عدي بن زيد على أن تنصر و ترك دين آبائه و حبس عديا فشفع كسرى فيه بسعاية أخ له كان عنده فقتله النعمان في محبسه ثم نشا ابنه زيد بن عدي و صار ترجمانا لكسرى فأغراه بالنعمان و حضر مع كسرى أبروبز في وقعة بين الفرس و الروم و انهزمت الفرس و نجا النعمان على فرسه التخوم بعد أن طلبه منه كسرى ينجو عليه فأعرض عنه و نزل له إياس بن قبيصة الطائي عن فرسه فنجا عليه و وفد عليه النعمان بعد ذلك فقتله و ولى على الحيرة إياس بن قبيصة فلم تستقم له طاعة العرب و غضبوا لقتل النعمان و كان لهم على الفرس يوم ذي قار سنة ثلاث من البعثة و مات إياس و صارت الفرس يولون على الحيرة منهم إلى أن ملكها المسلمون
و ذكر البيهقي : أن دين بني نصر كان عبادة الأوثان و أول من تنصر منهم النعمان بن الشقيقة و قيل بل النعمان الأخير و ملكت العرب بتلك الجهات ابنه المنذر فقتله جيش أبي بكر رضي الله عنه و في تواريخ الأمم أن جميع ملوك الحيرة من بني نصر و غيرهم خمسة و عشرون ملكا في نحو ستمائة سنة و الله أعلم و هذا الترتيب مساو لترتيب الطبري و الجرجاني و الله وارث الأرض و من عليها و هو خير الوارثين
إعداد
د ممصطفى سليمان ابوالطيب الهوارى