افتح القائمة الرئيسية
بحث
[أغلق]
مشروع المعرفة.svg
تُجرى الآن «الدورة الأولى من مسابقة مشروع المعرفة» بهدف إثراء وتطوير
الهكسوس
حكام آسيويين حكموا مصر
الهكسوس (تُنطق باللغة المصرية القديمة: HqA(w)-xAswt، "حاكم (حكام) الأراضي الأجنبية") هم شعب ذو أصول متعددة، ربما جائوا من غرب أسيا[1] وإستقروا في شرق الدلتا في وقتِ ما قبل عام 1560 قبل الميلاد. وأدى وصول الهكسوس إلى نهاية الأسرة الثالثة عشر، وبدأت المرحلة الإنتقالية الثانية في مصر.
مصر خلال الأسرة الخامسة عشر
لقد سبق الهكسوس هجرة السكان الكنعانيين. فظهر الكنعانييون لأول مرة في مصر في نهاية الأسرة الثانية عشر حوالي 1800 أو 1720 قبل الميلاد وأنشأوا مملكة مستقلة في شرق دلتا وادي النيل.[3] حيث قام حكام الدلتا الكنعانيين بتجميع أنفسهم وأسسوا الأسرة الرابعة عشر، التي عاصرتها الأسرة المصرية الثالثة عشر وكان مقرها "إيثت-تاوي".[4] وربما تضائلت تدريجياً سلطة الأسرتين الثالثة عشر والرابعة عشر نتيجة المجاعة والطاعون.[5]
غزا الهكسوس أراضي كلتا الأسرتين حوالي 1650 قبل الميلاد، وأسسوا الأسرة الخامسة عشر. فلقد تسبب إنهيار الأسرة الثالثة عشر إلى فراغ السلطة في الجنوب، وربما قد أدى ذلك إلى صعود الأسرة السادسة عشر من أبيدوس، التي إتخذت من طيبة مقراً لحكمها. فغزا الهكسوس كليهما في نهاية الأمر، ويستثنى من ذلك طيبة التي لم يستمر الغزو فيها إلا لفترة قصيرة. ومنذ ذلك الوقت سيطرت الأسرة السابعة عشر على طيبة وحكمت لبعض الوقت في تعايش سلمي، ربما على شكل حكام إقطاعيين للملوك الهكسوس. وفي نهاية المطاف شن سقنن-رع تاو، وكاموس، وأحمس حرباً ضد الهكسوس، وطردوا آخر ملوكهم "خامودي" من مصر 1550 قبل الميلاد.
لقد إعتاد الهكسوس دفن الخيول، وربطوا معبودهم الرئيسي "حدد" – إله العواصف – بإله العواصف المصري "ست".[6] فالهكسوس شعب مُهجن، أصوله ناطقة على اللأغلب باللغات السامية.[7] ويُعتقد بشكل عام أن جماعة الهكسوس أحتوت العناصر الحورية والهندو-أوربية، وخصوصاً بين القيادات.[8][9] إلا أن هذا الرأي قد لاقى معارضة شديدة في بعض الأوساط، غالباً لأسباب سياسية.[10][11]
لوحة تمثل أحمس الأول يقاتل الهكسوس في معركة.
الهكسوس هم شعوب بدوية دخلت مصر من سيناء في فترة ضعف خلال نهاية حكم الدولة الوسطى تقريباً في نهاية حكم الأسرة الرابعة عشر. لم يتفق خبراء التاريخ على أصلهم. ولكن الراجح أنهم أصحاب أصول آسيوية متعددة[12][13]، ومنهم من كان سامي الأصل[14][15]، بحيث كانت أسماء ملوكهم سامية عمورية مثل صقير حار وخيان وابوفيس وخامودي وأصنام ومعبودات الهكسوس سامية مثل بعل وعناة[16]، وانتقلوا من صحراء النقب إلى شبه جزيرة سيناء ثم إلى مصر.
استمر احتلال الهكسوس لمصر حوالي مائة عام،[17] أدخلوا فيها إلى مصر العديد من الصادرات الثقافية كبعض الآلات الموسيقية الجديدة والكلمات الأجنبية.[18] وتضمنت هذه الصادرات وسائل جديدة في صهر البرونز وصناعة الفخار، ومحاصيل زراعية جديدة لم تكن معروفة سابقاً.[18] قدم أيضاً الهكسوس لمصر بعض من التكنولوجيا الحربية التي كانت تستعملها الشعوب السامية من عربات تجرها الخيول والأقواس المركبة والفؤوس الخارقة والسيوف المنحنية، [19][20][21][22] وخرج الهكسوس من مصر نهائياً على يد الملك أحمس الأول في عصر الأسرة الحديثة. وكانت هذه الإضافات عاملاً حاسماً لنجاح المملكة المصرية الحديثة لاحقاً في بناء إمبراطورية في الشرق الأوسط.
علم أصول الكلمات
إن مصطلح "هكسوس" مشتق من العبارة المصرية HqA(w) xAst وتعني (حكام الأراضي الأجنبية)، وقد تم إستخدامها في نصوص مصرية مثل قائمة ملوك تورين لوصف حكام الأراضي المجاورة لمصر. والبدايات الأولى لظهور هذا المصطلح تعود إلى أواخر المملكة المصرية القديمة للإشارة إلى شيوخ قبائل نوبية متعددة، وفي المملكة المصرية الوسطى للإشارة إلى شيوخ مناطق سوريا وكنعان الناطقة باللغة السامية. وكلمة هكسوس هي كلمة فريدة في اللغة اليونانية القديمة ὑκσώς(فهي تنطق مع علامة توقف ولهجة نهائية رزينة على الأوميجا)، يُقال أنها مشتقة من المصرية. وإستخدمها مانيتون في تاريخه[23] للتعبير عن المعنى الفريد "الملك الراعي". ومانيتون هو كاهن ومؤرخ يعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وهو الذي عرف وكتب باللغة اليونانية وثائق تعود إلى ما قبل العصر البطلمي. فمانيتون كان هو المصدر الوحيد المتاح لمعرفة قامة الملوك المصريين قبل فك رموز الخط الهيروغليفي. والدليل على أن كلمة ὑκσώς (هكسوس) ليست يونانية الأصل هو أنها لا تراعي قواعد لهجة اللغة اليونانية القديمة، فهي من إحدى الكلمات اليونانية القليلة التي يتبع فيها حرف κ (الكابا) حرف σ (السجما) بدلاً من الاستخدام الأكثر شيوعا لحرف xi
حكا-خاست / حكا-خاسوت
الأسرة الخامسة عشر
قد جرت العادة على تسمية الأسرة الخامسة عشر حصرياً بالهكسوس. و مانيتون هو أول من صاغ هذه التسمية اليونانية لتعريف الحكام الأسيويين في شمال مصر من الأسرة الخامسة عشر. و معنى الهكسوس في اللغة المصرية القديمة هو "حكام البلاد الأجنبية"، التي قد أساء ترجمتها المؤرخ يوسيفوس بمعنى "الحكام الرعاة".[60]
كانت مصر في حوالي عام 1700 قبل الميلاد مُفتتة سياسياً، وذلك بظهور ممالك محلية في منطقة الدلتا الشمالية. وكان نحسي أحد ملوك هذه الممالك التي كانت عاصمتها تقع في أفاريس؛ فقد كان يحكم شعب غالبيته تتكون من عناصر سريو-كنعانية قد إستقرت في هذه المنطقة خلال الأسرة الثانية عشر، وكانوا على الأرجح جنود وبحارة وبناة سفن وعمال. و ربما قد حلت أسرة سريو-كنعانية ناطقة باللغة السامية الغربية مكان أسرته، وكونت أسس المملكة الهكسوسية اللاحقة، وإستطاعت الإنتشار جنوباً نظراً لحالة عدم الإستقرار السياسي، وكانت في نفس الوقت مدعومة "بجيش وسفن وعلاقات أجنبية."[61]
لقد كانت الأسرة المصرية الرابعة عشر السابقة من غرب آسيا الناطقة باللغة السامية ؛ إلا أن ملوكهم لم يصفوا أنفسهم "بالهكسوس"، و يبدوا أنهم كانوا إقطاعيين الأسرة الثالثة عشر الذين أشرفوا على مجتمع من التجار الأسيويين والرعاة الذين قد تم منحهم أراضي في منطقة الدلتا. و على النقيض نجد أن الهكسوس كانوا بشكل أساسي غزاة عموريين إستثمروا لحظة ضعف في التاريخ المصري، ونجحوا في غزو البلاد بإكملها في فترة وجيزة حتى وصلوا جنوباً إلى طيبة (تحت حكم خيان 1582 قبل الميلاد).
إن الهكسوس كانوا يحملون أسماء كنعانية كالتي تمت مشاهدتها في الديانات السامية القديمة مثل عنات و بعل. و بالفعل إتخذ العديد من فراعينهم اللقب المصري "حقاو-خاسوت" (الحاكم الأجنبي)، إلى جانب ألقاب التتويج المصرية. و قاموا بإدخال أدوات حربية جديدة إلى مصر، أبرزها القوس المُركب، و العجلة الحربية التي تجرها الخيول.
إن أسماء، وترتيب، وحتى العدد الكلي لحكام الأسرة الخامسة عشر غير معروف على وجه اليقين. و تظهر أسمائهم بالهيروغليفي على المعالم الأثرية و القطع الصغيرة مثل أغطية الجرار و الجعارين. و في تلك الحالات التي لا يجتمع فيها إسم التتويج و إسم الميلاد على نفس القطعة، فلا يوجد يقين على أن هذه الأسماء تعود إلى نفس الشخص. و يلخص العالم الدنماركي Kim Ryholt الوضع المعقد في دراسته التي أجراها عام 1997 على الفترة الإنتقالية الثانية بقوله "لا توجد إلا مؤشرات غامضة على أصل الأسرة الخامسة عشر" و يضيف أن العدد القليل من أسماء الأسرة الخامسة عشر الباقية هي "قليلة للغاية بحيث لا تعطي إستنتاج عام" عن خلفية أصول الهكسوس.[62] و علاوة على ذلك يؤكد Ryholt على أن:
كما نفتقر إلى أي مؤشرات إيجابية تفيد بصلات نسب دموية بين أياً من حكام الأسرة الخامسة عشر، وبالتالي فيمكننا التعامل مع أسرة ذات أصول عرقية مختلطة.[63]
إن الحكام الذين يُشتبه في إنتمائهم إلى الأسرة الخامسة عشر هم كالتالي:
الإسم الفترة
صقر-حار تمت تسميته على حلق باب تم العثور عليه في أفاريس كأول ملك هكسوسي. لا يوجد يقين حول ترتيب توليه المُلك
خيان 1620 قبل الميلاد
أبوفيس الأول 1595 إلى 1555 قبل الميلاد
خامودي 1555 إلى 1545 قبل الميلاد
إن تاريخ مانيتون عن مصر لا يُعرف إلا من خلال أعمال الآخرين، مثل "ضد أبيون" للمؤرخ فلافيوس يوسيفوس. و هذه المصادر لا تذكر قائمة أسماء الحكام الستة بنفس الترتيب. و زيادة في تعقيد الأمور فإن تهجئة هذه الأسماء مشوهة للغاية بحيث أنها لا تفيد إحتياجات التسلسل الزمني؛ فلا يوجد ترابط أو تقارب واضح بين معظم هذه الأسماء – ساليتس، بيون أو بنون، أبخنان، أو بخنان، أناس أو ستان، أبوفيس أو أسيس أو أرخليس – و الأسماء المصرية التي تظهر على الجعارين والأشياء الأخري. و تؤكد قائمة تورين للملوك وجود ستة حاكم هكسوس، إلا أنه لم يتم توثيق سوى أربعة منهم كملوك هكسوس من السجلات الأثرية أو النصية المتبقية: 1) صقر-حار، 2) خيان، 3) أبوفيس الأول، 4) خامودي.
إن خيان وأبوفيس من أفضل الملوك الذين تم توثيقهم من هذه الأسرة، بينما صقر-حار لم يتم توثيقه إلا من خلال حلق باب وحيد قد تم العثور عليه في أفاريس يحمل لقبه الملكي. و قد تم ذكر حامودي كآخر ملك هكسوسي على فتاتة من لائحة تورين. و توجد الأسماء الهيروغليفية لحكام الأسرة الخامسة عشر على المعالم الأثرية، والجعارين، وغيرها من الأشياء الأخرى.
ما يزال عدد إثنين من الفراعنة الهكسوس غير معروفين. و يفترض العديد من العلماء أنهم معيبر ششي، و عبرعناة، و سمقنو، و سخينر يكبم أو مر-وسر يعقوب-حار (الذين قد تم توثيقهم على أختام أو جعارين في منطقة الدلتا) إلا أنه من المؤكد حتى الآن أنهم ملوك أسيويين في منطقة دلتا مصر. فهم من الممكن أن يكونوا أما الملكين الهكسوسيين الباقيين، أو أفراد من الأسرة الرابعة عشر السابقة في سخا.
نطاق الإنتشار
لقد تمركزت مملكة الهكسوس في شرق الدلتا و مصر الوسطى و كانت حدودها محدودة، فلم تتوسع أبداً إلى داخل مصر العليا التي كانت تحت سيطرة حكام البيت الطيبي بإستثناء فترة وجيزة تُقدر بحوالي ثلاثة أعوام في نهاية فترة ولاية خيان وبداية أبوفيس. و أقام هكسوس الأسرة الخامسة عشر عاصمتهم ومقر حكومتهم في أفاريس.
تتداخل فترة حكم هؤلاء الفراعنة مع ملوك الأسرة السادسة عشر و السابعة عشر المصرية الوطنية المعروفة بإسم المرحلة الإنتقالية الثانية. و في نهاية الأمر قام أحمس الأول أول ملوك الأسرة الثامنة عشر بطرد الهكسوس من آخر معاقلهم بشاروهين غزة في السنة السادسة عشر من ولايته.[12][13]
على الرغم من ذلك يبدوا أن حاكم طيبة الوطنيين الذين كان حكمهم حكماً مستقلاً قد توصلوا عملياً إلى تسوية مؤقتة مع آخر حكام الهكسوس. و تتضمن هذه التسوية حقوق التنقل خلال مناطق سيطرة الهكسوس في مصر الوسطى و السفلى، و حقوق الرعي في مناطق الدلتا الخصبة. و لوحة كارنارفون الأولى هي إحدى النصوص المتعلقة بهواجس المجلس الإستشاري لحكام طيبة عندما إقترح كاموس التحرك ضد الهكسوس الذين إعتبرهم وصمة عار في جبين أرض مصر المقدسة. و من الواضح أن أعضاء المجلس لم يرغبوا في الإخلال بالوضع الراهن:
نحن مرتاحون في منطقتنا بمصر. و الفنتين (أول شلال) قوي، ونفوذنا بالاراضي الوسطى يصل إلى قوص (بالقرب من أسيوط الحالية). و يتم حرث أنعم حقولهم من أجلنا، وأبقارنا ترعى في الدلتا. و يتم إرسال الشعير إلى خنازيرنا ... و لم يتم إنتزاع ماشيتنا ... هو يسيطر على أراضي الأسيويين ونحن نسيطر على مصر.[64]
يبدوا الأمر كما لو أن إدارة الهكسوس كانت تلقى قبولاً في معظم الدوائر، إن لم تكن مدعومة فعلياً بالعديد من رعاياهم من المصريين الشماليين.
لم يتم العثور على سلع طيبية مرة أخرى في الفيوم قبل بداية حروب التحرير الطيبية خلال الأسرة السابعة عشر. و تشير بعض النصوص إلى أن الهكسوس بينما كانوا يسيطرون على منطقة الدلتا إدارياً، فإن الطيبيين كانوا مشغولين للغاية بالبحث عن الذهب وجني الأموال من تجارة البحر الأحمر. فمصر السفلى وطيبة قد إشتغلوا بإستقلالية، وتقاسموا اتصالات محدودة فيما بينهم.[65]
علاقتهم بالمصريين
لقد إعتبر العلماء أن استخدام ملوك الأسرة الخامسة عشر المتزايد للجعارين، وإتباعهم بعض أشكال الفنون المصرية، وإنتشار ذلك على نطاق واسع، مؤشراً على أنهم أصبحوا مصريين بشكل تدريجي.[66] و استخدم الهكسوس الألقاب المصرية المرتبطة تقليدياً بالملكية المصرية، وإتخذوا المعبود المصري ست ليمثل معبودهم الخاص.[67] أما المصريين فنظروا إلى الهكسوس على أنهم "غزاة" ليسوا مصريين. و عندما تم طردهم في نهاية المطاف من مصر، قد تم محو كل أثار إحتلالهم. لم يتبقى روايات تسجل تاريخ هذه الفترة من وجهة نظر الهكسوس، وما تبقى فقط هي روايات المصريين الأصليين الذين طردوا المحتلين، وفي هذه الحالة فإن حكام الأسرة الثامنة عشر كانوا هم الخلف المباشر للأسرة الطيبية السابعة عشر.[68] فالأسرة السابعة عشر هي من بدأت وقادت حرباً مستمرة ضد الهكسوس. و يرى البعض أن ملوك طيبة الوطنيين كان لديهم حافزا لشيطنة الحكام الأسيويين في الشمال، وذلك يعلل تدمير آثارهم. فعالم مثل John A. Wilson وجد أن وصف الهكسوس بالحكام الأجانب الزنادقة المتغلبين له ما يدعمه من مصادر أخرى.[69]
الهجوم الطيبي
تحت قيادة سقنن-رع تاو
رأس سقنن-رع تاو المحنطة تحمل جروح قطعية بالبلطة الحربية. و النظرية المشهورة هي أنه توفي في معركة ضد الهكسوس.
لقد بدأت الثورة التي طردت الهكسوس من مصر العليا في أواخر سنوات الأسرة السابعة عشر في طيبة. و نقل لنا الموروث الأدبي للمملكة الحديثة اللاحقة أن أحد هؤلاء الملوك الطيبين – سقنن رع تاو – تواصل مع نظيره الهكسوسي المعاصر في الشمال – أبيبي (و يعرف أيضاً بإسم أبوفيس). و أخذ هذا الموروث شكل حكاية أرسل من خلالها ملك الهكسوس أبيبي رسول إلى سقنن-رع في طيبة مطالباً بإنهاء رياضة صيد فرس النهر بالحراب؛ وكان عذره في ذلك هو أن ضجيج هذه الوحوش يصل إلى درجة أنه لم يستطيع النوم في أفاريس البعيدة. و ربما كان السبب الحقيقي في هذا أن معبودهم الرئيسي كان ست، الذي كان يتم تمثيله جزئياً برجل وجزئياً بفرس النهر. و يعلل Jan Assmann ذلك نظراً لأن قدماء المصريين لا يمكنهم تصور أي معبود من المعبودات يفتقر إلى شخصية مميزة، فست إله الصحراء الذي كان يتم عبادة حصرياً وفقاً للحكاية يمثل مظهراً للشر.[70] ربما المعلومة التاريخية الوحيدة التي يمكن إستلهامها من الحكاية أن أرض مصر كانت مُقسمة، المنطقة الشمالية تحت حكم الهكسوس المباشر، أما بقية أراضي مصر فربما كانت تدفع الجزية إلى ملوك الهكسوس.
ساهم سقنن-رع في مواقف دبلوماسية نشطة، ربما كانت تتألف أكثر من مجرد تبادل الإهانات مع الحاكم الأسيوي في الشمال. و يبدوا أنه قاد مناوشات ضد الهكسوس، وبالرجوع إلى جروح الراس الضارية من على موميائه الموجودة في المتحف المصري بالقاهرة، يتبين لنا أنه ربما يكون قد توفى أثناء إحدى هذه المناوشات. و يرجع فضل أول إنتصار مهم في الحرب التي يقودها الطيبيين ضد الهكسوس إلى إبنه وخليفته كاموس أخر حكام الأسرة السابعة عشر في طيبة.
تحت قيادة كاموس
خاتم الفرعون الهكسوسي أبيبي
أبحر كاموس شمالا من طيبة على راس جيشه في السنة الثالثة من حكمه. ففاجئ وتغلب على حامية الهكسوس في أقصى الجنوب عند نفرسي شمال القوصية (بالقرب من مدينة أسيوط الحالية)، و من ثم قاد كاموس جيشه شمالاً حتى وصل إلى منطقة مجاورة إلى أفاريس نفسها. و على الرغم من أن المدينة لم يتم تسقط في يد البيت الطيبي إلا أنهم قاموا بتخريب الحقول المحيطة بها. و تستمر لوحة أخرى تم إكتشافها بالقرب من طيبة في سرد رواية الحرب التي إندلعت في لوحة كارنرفون الأولى، وتذكر إعتراض وأسر جاسوس يحمل رسالة من أبيبي المقيم في افاريس إلى حليفه حاكم مملكة كوش (السودان الحالية) يطالبه فيها بالدعم العاجل في مواجهة التهديدات التي تشكلها فعاليات كاموس ضد كلتا المملكتين. فأمر كاموس على الفور كتيبة من قواته بإحتلال الواحات البحرية في الصحراء الليبية ليتحكم في الطرق الصحراوية ويغلقها من الجنوب. أبحر كاموس عائداً أعلى النهر إلى طيبة للإحتفال بالنصر المظفر، بعدما ما كان ربما ليس أكثر من غارة عسكرية مفاجئة على حاميات الهكسوس. لم يتم توثيق سنين حكم لكاموس أكثر من السنة الثالثة، فربما قد توفي بعد وقت قصير من المعركة متأثراً بجروحها.
لقد تم طرد الهكسوس من وسط مصر وإنسحبوا شمالاً وأعادوا تمركزهم بالقرب من مدخل الفيوم عند أطفيح وذلك في نهاية ولاية أبيبي الملك الهكسوسي قبل الأخير من الأسرة الخامسة عشر. فهذا الفرعون قد صمد في وجه نظيره المصري الأول (سقنن-رع تاو) و ما زال يتربع على العرش (و إن كان على مملكة صغيرة) في نهاية ولاية كاموس. و بلا أدني شك فإن فترة ولاية خامودي – أخر حكام الأسرة الخامسة عشر الهكسوسية – كانت قصيرة نسبياً، وتقع في النصف الأول من ولاية أحمس الأول خليفة كاموس ومؤسس الأسرة الثامنة عشر.
تحت قيادة أحمس
صورة مكبرة لرسومات من على شفرة بلطة تصور أحمس الأول يضرب محارباً هكسوسياً، جزءً من معدات دفن الأميرة أياح-حتب الأولى.
يُعتبر أحمس الأول هو أول ملوك الأسرة المصرية الثامنة عشر الذي أعتلى عرش طيبة لبعضاً من الوقت قبل أن يستأنف حربه ضد الهكسوس.
تم أخذ تفاصيل حملته العسكرية من الرواية الموجودة على جدران مقبرة أحمس ابن أبانا. و أحمس كان عسكري من مدينة الكاب التي تقع جنوب مصر العليا، كما أن أبوه قد خدم تحت قيادة سقنن-رع تاو، وعائلته ظلوا حكاماً لمقاطعات مصرية لفترة طويلة. و يبدوا أن الأمر تطلب العديد من الحملات العسكرية ضد حصون أفاريس قبل أن يتم إزاحة الهكسوس وطردهم من مصر السفلى في نهاية المطاف. و غير معروف على وجه اليقين متى حدث ذلك. فتضع بعض المراجع إقصاء الهكسوس عن مصر في وقت مبكر من ولاية عهد أحمس تصل إلى العام الرابع، بينما يضعها Donald B. Redford في وقت متأخر تصل إلى العام الخامس عشر. و Donald B. Redford هو صاحب الهيكل الزمني المعتمد في هذه المقالة. و يذكر أحمس الذي ترك لنا هذه النقوش أنه تتبع سيراً على الأقدام مليكه أحمس ممتطياً عجلته الحربية إلى الحرب (أول ذكر لإستخدام المصريين الخيول والعجلات الحربية)؛ و أنه قام بإحتجاز أسيرين وحمل العديد من الأيادي المقطوعة (كدليل على قتل الأعداء)، و ترتب على ذلك حصوله على نوط "الشجاعة الذهبي" في ثلاثة مناسبات منفصلة عندما وصل هذا الخبر إلى القصر الملكي. و لم يتم ذكر السقوط الفعلي لأفاريس إلا بشكل موجز: "و من ثم تم إغتنام أفاريس. فحملت من الغنائم هناك: رجل، وثلاثة نساء، بمجموع أربعة أسرى. فأعطاهم جلالته لي كعبيد."[71]
بعد سقوط أفاريس طارد الجيش المصري الهكسوس عبر شمال شبه جزيرة سيناء وصولاً إلى جنوب بلاد الشام. و في ذلك الموقع – صحراء النقب بين رفح و غزة – تم تقليص دور بلدة شاروهين المحصنة بعد ثلاثة سنوات من الحصار وفقاً لرواية العسكري أحمس ابن أبانا. أما الفترة الزمنية بين سقوط أفاريس وتنفيذ هذه الحملة الأسيوية فغير معروفة على وجه اليقين. فيمكن للمرء إستنتاج أن التوجه إلى جنوب كنعان ربما رافق عن كثب إخلاء أفاريس من الهكسوس، إلا أن التسلسل الزمني سيظل بالضرورة مشكوكاً في أمره بناء على معطيات فترة الصراع الطويلة قبل سقوط أفاريس، وإحتمالية وجود أكثر من مواسم حملات عسكرية قبل أن يغلق الهكسوس على أنفسهم أبواب شاروهين.
العصور اللاحقة
استمر الهكسوس في لعب دوراً في الأدب المصري تحت مسمى "الأسيويين" المرادف حتى العصر البطلمي. و عادة ما كان يتم إستحضار هذا المصطلح ضد أمثال هذه الجماعات السامية المستقرة في أسوان أو الدلتا، وهذا ما قد دفع المؤرخ والكاهن المصري مانيتون (أو بطليموس المندسي) إلى مطابقة مجيئ الهكسوس مع مكوث يوسف وإخوته في مصر، ومما دفع بعض المؤلفين إلى مطابقة طرد الهكسوس بالخروج. فعلى سبيل المثال يقول
يتم ذكر موسى كزعيم وحاكم للأمة اليهودية. و بهذه الطريقة ذكره بوليمون في كتابه الأول عن الهيلينيين، كما ذكره أبيون إبن بوسيدونيوس في كتابه ضد اليهود، وفي الكتاب الرابع من تاريخه حيث يقول أنه خلال ولاية إناخوس على أرجوس إنقلب اليهود على أحمس الأول ملك المصريين وأن موسى قادهم. و فيما يتعلق بتاريخ مصر توافق بطليموس المندسي معهم في كل ذلك.[72]
وفقاً للوحة الفنتين و بردية هارس فإنه مع فوضى نهاية الأسرة التاسعة عشر، قام أول ملوك الأسرة العشرين بإحياء الموقف المعادي للهكسوس، وذلك من أجل تعزيز رد فعل المواطنين المصريين تجاه المستوطنين الأسيويين في الشمال، الذين ربما مرة أخرى قد تم نفيهم من البلاد. و يسجل "ست-ناختي" مؤسس الأسرة العشرين على لوحة السنة الثانية من الفنتين أنه هزم وطرد قوات أسيوية كبيرة قد قامت بغزو مصر خلال الفوضى بين نهاية عهد "تا-وسرت" و بداية الأسرة العشرين، وأنه إستحوذ على الكثير من غنائمهم الذهبية والفضية المسروقة.
إن قصة الهكسوس كانت معروفة لدى اليونانيين،[73] الذين حاولوا مطابقتها مع طرد بيلوس (بعل[74]) من مصر، وبنات داناوس المرتبطة بأصل أسرة أرغوس.
بداية احتلال الهكسوس لمصر
بدأ استيلاء الھكسوس على الحكم في شمال البلاد تدريجيا وعلى مراحل، فقد وطدوا أقدامھم في برعشة وتل الصحابة عند مخرج وادى الطليمات، وفي بوباستس وانشاص وفي تل الیھود على مسافة 20 كم شمال ھلیوبولیس، واستغرق هذا الزحف قرابة خمسين عام لینتھى عام 1675ق.م في عھد الملك 23 أو 34 في قائمة ملوك الأسرة الثالثة عشر وھو الملك (ديدو مسیو) الأول، وإذا صح أن ھذا الملك ھو نفسه (توتی مايوس) الذي ذكره مانيتون. يمكن القول أن الھكسوس قد تمت لھم السیطرة على مصر في عھده، وربما كان تطابق الشخصیتین متفقا مع حقیقة أن ديدومسیو ھو أخر من نعرفھم من ملوك الأسرة الثالثة عشر من خلال آثار طيبة والدير البحرى والجبلين، ومع ذلك لا يمكن القول بأن نھاية حكمه قد وضعت نھاية للأسرة الثالثة عشر، ويبدو أن سلطة خلفائه انحصرت في شكل محلى وسرعان ما اختفت ھى أيضا عام 1633 ق.م وكما يرى أستاذنا الدكتور عبد العزيز صالح الملامح الرئیسیة لعھود الأسرات الھكسوسیة التي شملت الأسرات الخامسة عشر والسادسة عشر وجزء من السابعة عشرة، وشغلت مائة عام وثمانية أو ما ھو أقل من ذلك بكثير، وجعلوا بین أسمائھم الأجنبية مثل خیان وإيبى وبین أسماء مصرية، وأنھم تشبھوا بالفراعنة المصريين في ألقابھم وملابسھم وھیئات تماثیلھم وادعوا التقرب من الأرباب المصريين، حاولوا أن يتمصروا وكما يرى كثير من الباحثين ومنهم جون فوركیته وسید برج أن بدأ تسللھم كان في منتصف الأسرة الثانية عشر ثم ازداد عددھم مع نھاية الأسرة الثانية عشر ومنتصف الأسرة الثالثة عشر في عھد كل من (نفر حوتب الأول) و(ساحتحور) و(سوبك حوتب الرابع) و(يع ايب رع –إبي) وقد جرت ھذه الأحداث في الفترة 1720 إلى 1700 ق.م، استنادا للوح الأثري المعروف بـ (لوحة الـ400 عام) يقال أن المصريين في فترة غزو الھكسوس كانوا قليلي العدد بحیث لم يتعدوا المليون نسمة وبالفعل غزا الھكسوس الدلتا، وتركزوا في مكان أطلق علیه (حت وعزت) ومن المحتمل أن ھذه المدينة تقع في شرق الدلتا فوق تل الیھود حالیا بین الزقازيق وقناة السويس وقد حصنھا الھكسوس لكي تكون لھم عاصمة، مما يجعلھم قريبين من قاعدتھم الآسيوية ويسمح لھم بالتحكم بسھوله في إقليم الدلتا، واندفع الھكسوس بقوتھم حتى منف وما ورائھا بعد ذلك
إزاحة الهكسوس عن الحكم
الملك المصري سقنن رع أثر مقتله في معركة مع الهكسوس
في عهد الملك سقنن رع الثاني نحو(1580 ق.م) كانت طيبة قد بلغت من القوة والمكانة السياسية شأناً جعل الصدام مع الهكسوس أمراً لا مفر منه. وهذا ما دفع ملك الهكسوس «أبوبي» إِلى اختلاق الأعذار لبدء الصراع. وحقق سقنن رع في هذا الصراع بعض النجاح إِلا أنه سقط فيه صريعاً (1575 ق.م)، في معركة خاضها مع الهكسوس وقد لوحظ وجود جروح وإصابات قاتلة في جمجمته.
وخلفه في عرش طيبة ابنه الأكبر كاموس (1560- 1570 ق.م)، وهو آخر ملوك الأسرة السابعة عشرة، وامتد حكمه خمس سنوات فقط تابع فيها الحرب التي شرعها أبوه فشن هجوماً مفاجئاً على معاقل الهكسوس المتاخمة لحدوده بقوات من الجيش وأسطول نيلي كبير، وراح يتقدم شمالاً حتى بلغ عاصمة الهكسوس نفسها. وتتحدث النصوص القديمة التي تعود إِلى عهده عن استيلائه على ثلاثمائة مركب مصنوعة من خشب الأرز مشحونة بالأسلحة والذهب والفضة والمؤن، كما تتحدث عن بطشه بالمصريين الذين كانوا يهادنون العدو. وقبض رجاله في تلك الأثناء على رسول بعث به ملك الهكسوس إِلى أمير النوبة في كوش السودان يحثه على مهاجمة أراضي طيبة من الجنوب، فلم يتردد كاموس في إرسال قوة احتلت واحة البحرية محبطاً خطط أعدائه، ثم ارتد عائداً إِلى طيبة بانتهاء موسم الحملات بعد أن قضى على تمرد قام به أحد أتباعه. وتذكر النصوص اسم كاموس وأخيه أحمس -الذي جاء بعده- عند الشلال الثاني في النوبة، مما يحتمل توغل كاموس في أراضي النوبة حتى ذلك الموقع.
بعد مقتل الملك سقنن رع في حروبه ضد الهكسوس، وكانت دولة مصر العليا المصرية محاصرة من الهكسوس شمالاً ومن ملوك النوبيين جنوباً وبعد قتل الملك كامس، ثم انتقل الحكم إلى أحمس الأول الذي لم يكن يبلغ إلا 10 أعوام وقامت والدته بحثه على التدرب على القتال مع المحاربين القدامى، وعندما بلغ ال 19 قام بعض من رجاله بالتقاط رسالة مبعوثة من ملك الهكسوس إلى ملوك النوبة يحثونهم بالزحف على الطيبة مما أدى إلى قيام أحمس بالهجوم على الهكسوس وهزمهم في عدة معارك، وقام بشن عدة هجمات خارجية عليهم في أراضيهم الأصلية، ولم تقتصر جهود أحمس الحربية على مقاتلة الهكسوس، فقد تحول بعدها إِلى جنوب مصر فقاد ثلاث حملات كبيرة متوالية استهدف فيها بلاد النوبة لتأديب أميرها الذي تعاون مع الهكسوس عليه وبذلك أصبحت الحضارة المصرية القديمة تحت حكم ملوك طيبة المصريين.
ما بعد الهكسوس
أقصى مدى من أراضي مصر القرن الخامس عشر قبل الميلاد في عهد الدولة الحديثة تغيرت العقيدة القتالية المصرية من الدفاع إلى الهجوم والغزو وذلك بعدما اتضح لهم أن جيرانهم من الشعوب الأخرى يريدون احتلال أرضهم ولذلك يجب الدفاع عن مصر بخلق بُعد استراتيجي لها في أراضي أخرى مما جعل الدولة الحديثة التي أسسها كامس الأخ الأكبر لأحمس تؤسس جيشاً نظامياً محترفاً ومدرباً لأول مرة في مصر وقد حدث من أسلحته مما جعلهم يوسعون حدود مصر ويقيمون أول وأكبر إمبراطورية في العالم آنذاك[75] من الأناضول شمالاً إلى القرن الأفريقي جنوباً ومن الصحراء الليبية غرباً إلى الفرات شرقاً. وهذا الجيش الجديد كان يعاونه الأسلحة المشتركة وأسطول بحري، لأن الجيش المصري أيام حكم الفراعنة الأوائل وحتى الهكسوس كان من المشاة لأن الفروسية كانت الحصان والعربة.
امتدت حدود مصر التي كانت تشمل مملكة كوش في شمال السودان إلى آسيا لأول مرة أيام الفتوحات الخارجية كحرب وقائية ضدها حتى الفرات بالعراق أيام الملك تحتمس الأول وحفيده الملك تحتمس الثالث قام بتوسعة الإمبراطورية المصرية إلى أقصى اتساع وصلت إليها من حدود إيران شرقاً إلى حدود تونس غرباً حالياً ومن جنوب تركيا على يد الملك رمسيس الثاني الذي هزم الحيثيين إلى القرن الأفريقي لتشمل إثيوبيا وبلاد بونت.
بعد نهاية حكم الهكسوس بدأ عصر النهضة الثاني في مصر وكان بداية الشروق للإمبراطورية المصرية والتي عرفت أقصى امتداد لها في عصر الملك العظيم تحتمس الثالث حيث تحولت الإستراتيجية المصرية من الدفاع داخل الأرض المصرية إلى الدفاع من خارجها، فامتدت الدولة المصرية من العراق إلى ليبيا ومن تركيا إلى الجندل الرابع في السودان حالياً.
الأصل عدل
كان الهكسوس، حكام الأسرة الخامسة عشر في مصر، من أصول غير مصرية. وهناك العديد من النظريات حول هويتهم العرقية. ويتجه أغلب علماء الآثار إلى اعتبارهم شعب (سامي اللغة) قادم من سيناء والنقب، حيث أسماء حكامهم سامية عمورية، مثل خيان وصكير حار وأبوفيس وخامودي، تعتبر من الأسماء السامية العمورية. كانت مملكة الهكسوس تتركز في شرق دلتا النيل ومصر الوسطى، وكانت محدودة في المساحة حيث لم تمتد أبداً لتشمل صعيد مصر والتي كان يحكمها حكام مصريون من طيبة. يبدو أن علاقة الهكسوس بالجنوب كانت ذات طبيعة تجارية، ومع ذلك فمن الظاهر أن الأمراء الطيبيون اعترفوا بالحكام الهكسوس، وربما اضطروا لدفع جزية لفترة من الزمن. أقام حكام الأسرة الخامسة عشر من الهكسوس عاصمتهم ومقر حكومتهم في ممفيس والمقر الصيفي في زوان (أواريس، صان الحجر حالياً).
تداخل حكم الملوك الهكسوس مع حكم الفراعنة المصريين للاسرتين السادسة عشر والسابعة عشر، وتعرف تلك الفترة بالفترة الانتقالية الثانية. طرد أول فراعنة الأسرة الثامنة عشر، أحمس الأول الهكسوس من حصنهم الأخير في شاروهين في غزة في العام السادس عشر من حكمه. يرى الباحثون الاستخدام المتزايد للجعارين وتبني الفن المصري من قبل الأسرة الخامسة عشر على أنهم تمصّروا تدريجياً. استخدم الهكسوس الألقاب المصرية والمقترنة بالفراعنة المصريين، واتخذوا الإله ست ليمثل معبودهم الفخري. استمر المصريون في اعتبار الهكسوس غزاة أجانب حتى تم طردهم من مصر في آخر المطاف. وصار حكام الأسرة الثامنة عشر مصريون، وهم الخلفاء المباشرون للأسرة السابعة عشر الطيبين، والذين كانوا قد بدأوا وقادوا الحرب ضد الهكسوس لتحرير وطنهم مصر.
بحث
[أغلق]
مشروع المعرفة.svg
تُجرى الآن «الدورة الأولى من مسابقة مشروع المعرفة» بهدف إثراء وتطوير
الهكسوس
حكام آسيويين حكموا مصر
الهكسوس (تُنطق باللغة المصرية القديمة: HqA(w)-xAswt، "حاكم (حكام) الأراضي الأجنبية") هم شعب ذو أصول متعددة، ربما جائوا من غرب أسيا[1] وإستقروا في شرق الدلتا في وقتِ ما قبل عام 1560 قبل الميلاد. وأدى وصول الهكسوس إلى نهاية الأسرة الثالثة عشر، وبدأت المرحلة الإنتقالية الثانية في مصر.
مصر خلال الأسرة الخامسة عشر
لقد سبق الهكسوس هجرة السكان الكنعانيين. فظهر الكنعانييون لأول مرة في مصر في نهاية الأسرة الثانية عشر حوالي 1800 أو 1720 قبل الميلاد وأنشأوا مملكة مستقلة في شرق دلتا وادي النيل.[3] حيث قام حكام الدلتا الكنعانيين بتجميع أنفسهم وأسسوا الأسرة الرابعة عشر، التي عاصرتها الأسرة المصرية الثالثة عشر وكان مقرها "إيثت-تاوي".[4] وربما تضائلت تدريجياً سلطة الأسرتين الثالثة عشر والرابعة عشر نتيجة المجاعة والطاعون.[5]
غزا الهكسوس أراضي كلتا الأسرتين حوالي 1650 قبل الميلاد، وأسسوا الأسرة الخامسة عشر. فلقد تسبب إنهيار الأسرة الثالثة عشر إلى فراغ السلطة في الجنوب، وربما قد أدى ذلك إلى صعود الأسرة السادسة عشر من أبيدوس، التي إتخذت من طيبة مقراً لحكمها. فغزا الهكسوس كليهما في نهاية الأمر، ويستثنى من ذلك طيبة التي لم يستمر الغزو فيها إلا لفترة قصيرة. ومنذ ذلك الوقت سيطرت الأسرة السابعة عشر على طيبة وحكمت لبعض الوقت في تعايش سلمي، ربما على شكل حكام إقطاعيين للملوك الهكسوس. وفي نهاية المطاف شن سقنن-رع تاو، وكاموس، وأحمس حرباً ضد الهكسوس، وطردوا آخر ملوكهم "خامودي" من مصر 1550 قبل الميلاد.
لقد إعتاد الهكسوس دفن الخيول، وربطوا معبودهم الرئيسي "حدد" – إله العواصف – بإله العواصف المصري "ست".[6] فالهكسوس شعب مُهجن، أصوله ناطقة على اللأغلب باللغات السامية.[7] ويُعتقد بشكل عام أن جماعة الهكسوس أحتوت العناصر الحورية والهندو-أوربية، وخصوصاً بين القيادات.[8][9] إلا أن هذا الرأي قد لاقى معارضة شديدة في بعض الأوساط، غالباً لأسباب سياسية.[10][11]
لوحة تمثل أحمس الأول يقاتل الهكسوس في معركة.
الهكسوس هم شعوب بدوية دخلت مصر من سيناء في فترة ضعف خلال نهاية حكم الدولة الوسطى تقريباً في نهاية حكم الأسرة الرابعة عشر. لم يتفق خبراء التاريخ على أصلهم. ولكن الراجح أنهم أصحاب أصول آسيوية متعددة[12][13]، ومنهم من كان سامي الأصل[14][15]، بحيث كانت أسماء ملوكهم سامية عمورية مثل صقير حار وخيان وابوفيس وخامودي وأصنام ومعبودات الهكسوس سامية مثل بعل وعناة[16]، وانتقلوا من صحراء النقب إلى شبه جزيرة سيناء ثم إلى مصر.
استمر احتلال الهكسوس لمصر حوالي مائة عام،[17] أدخلوا فيها إلى مصر العديد من الصادرات الثقافية كبعض الآلات الموسيقية الجديدة والكلمات الأجنبية.[18] وتضمنت هذه الصادرات وسائل جديدة في صهر البرونز وصناعة الفخار، ومحاصيل زراعية جديدة لم تكن معروفة سابقاً.[18] قدم أيضاً الهكسوس لمصر بعض من التكنولوجيا الحربية التي كانت تستعملها الشعوب السامية من عربات تجرها الخيول والأقواس المركبة والفؤوس الخارقة والسيوف المنحنية، [19][20][21][22] وخرج الهكسوس من مصر نهائياً على يد الملك أحمس الأول في عصر الأسرة الحديثة. وكانت هذه الإضافات عاملاً حاسماً لنجاح المملكة المصرية الحديثة لاحقاً في بناء إمبراطورية في الشرق الأوسط.
علم أصول الكلمات
إن مصطلح "هكسوس" مشتق من العبارة المصرية HqA(w) xAst وتعني (حكام الأراضي الأجنبية)، وقد تم إستخدامها في نصوص مصرية مثل قائمة ملوك تورين لوصف حكام الأراضي المجاورة لمصر. والبدايات الأولى لظهور هذا المصطلح تعود إلى أواخر المملكة المصرية القديمة للإشارة إلى شيوخ قبائل نوبية متعددة، وفي المملكة المصرية الوسطى للإشارة إلى شيوخ مناطق سوريا وكنعان الناطقة باللغة السامية. وكلمة هكسوس هي كلمة فريدة في اللغة اليونانية القديمة ὑκσώς(فهي تنطق مع علامة توقف ولهجة نهائية رزينة على الأوميجا)، يُقال أنها مشتقة من المصرية. وإستخدمها مانيتون في تاريخه[23] للتعبير عن المعنى الفريد "الملك الراعي". ومانيتون هو كاهن ومؤرخ يعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وهو الذي عرف وكتب باللغة اليونانية وثائق تعود إلى ما قبل العصر البطلمي. فمانيتون كان هو المصدر الوحيد المتاح لمعرفة قامة الملوك المصريين قبل فك رموز الخط الهيروغليفي. والدليل على أن كلمة ὑκσώς (هكسوس) ليست يونانية الأصل هو أنها لا تراعي قواعد لهجة اللغة اليونانية القديمة، فهي من إحدى الكلمات اليونانية القليلة التي يتبع فيها حرف κ (الكابا) حرف σ (السجما) بدلاً من الاستخدام الأكثر شيوعا لحرف xi
حكا-خاست / حكا-خاسوت
الأسرة الخامسة عشر
قد جرت العادة على تسمية الأسرة الخامسة عشر حصرياً بالهكسوس. و مانيتون هو أول من صاغ هذه التسمية اليونانية لتعريف الحكام الأسيويين في شمال مصر من الأسرة الخامسة عشر. و معنى الهكسوس في اللغة المصرية القديمة هو "حكام البلاد الأجنبية"، التي قد أساء ترجمتها المؤرخ يوسيفوس بمعنى "الحكام الرعاة".[60]
كانت مصر في حوالي عام 1700 قبل الميلاد مُفتتة سياسياً، وذلك بظهور ممالك محلية في منطقة الدلتا الشمالية. وكان نحسي أحد ملوك هذه الممالك التي كانت عاصمتها تقع في أفاريس؛ فقد كان يحكم شعب غالبيته تتكون من عناصر سريو-كنعانية قد إستقرت في هذه المنطقة خلال الأسرة الثانية عشر، وكانوا على الأرجح جنود وبحارة وبناة سفن وعمال. و ربما قد حلت أسرة سريو-كنعانية ناطقة باللغة السامية الغربية مكان أسرته، وكونت أسس المملكة الهكسوسية اللاحقة، وإستطاعت الإنتشار جنوباً نظراً لحالة عدم الإستقرار السياسي، وكانت في نفس الوقت مدعومة "بجيش وسفن وعلاقات أجنبية."[61]
لقد كانت الأسرة المصرية الرابعة عشر السابقة من غرب آسيا الناطقة باللغة السامية ؛ إلا أن ملوكهم لم يصفوا أنفسهم "بالهكسوس"، و يبدوا أنهم كانوا إقطاعيين الأسرة الثالثة عشر الذين أشرفوا على مجتمع من التجار الأسيويين والرعاة الذين قد تم منحهم أراضي في منطقة الدلتا. و على النقيض نجد أن الهكسوس كانوا بشكل أساسي غزاة عموريين إستثمروا لحظة ضعف في التاريخ المصري، ونجحوا في غزو البلاد بإكملها في فترة وجيزة حتى وصلوا جنوباً إلى طيبة (تحت حكم خيان 1582 قبل الميلاد).
إن الهكسوس كانوا يحملون أسماء كنعانية كالتي تمت مشاهدتها في الديانات السامية القديمة مثل عنات و بعل. و بالفعل إتخذ العديد من فراعينهم اللقب المصري "حقاو-خاسوت" (الحاكم الأجنبي)، إلى جانب ألقاب التتويج المصرية. و قاموا بإدخال أدوات حربية جديدة إلى مصر، أبرزها القوس المُركب، و العجلة الحربية التي تجرها الخيول.
إن أسماء، وترتيب، وحتى العدد الكلي لحكام الأسرة الخامسة عشر غير معروف على وجه اليقين. و تظهر أسمائهم بالهيروغليفي على المعالم الأثرية و القطع الصغيرة مثل أغطية الجرار و الجعارين. و في تلك الحالات التي لا يجتمع فيها إسم التتويج و إسم الميلاد على نفس القطعة، فلا يوجد يقين على أن هذه الأسماء تعود إلى نفس الشخص. و يلخص العالم الدنماركي Kim Ryholt الوضع المعقد في دراسته التي أجراها عام 1997 على الفترة الإنتقالية الثانية بقوله "لا توجد إلا مؤشرات غامضة على أصل الأسرة الخامسة عشر" و يضيف أن العدد القليل من أسماء الأسرة الخامسة عشر الباقية هي "قليلة للغاية بحيث لا تعطي إستنتاج عام" عن خلفية أصول الهكسوس.[62] و علاوة على ذلك يؤكد Ryholt على أن:
كما نفتقر إلى أي مؤشرات إيجابية تفيد بصلات نسب دموية بين أياً من حكام الأسرة الخامسة عشر، وبالتالي فيمكننا التعامل مع أسرة ذات أصول عرقية مختلطة.[63]
إن الحكام الذين يُشتبه في إنتمائهم إلى الأسرة الخامسة عشر هم كالتالي:
الإسم الفترة
صقر-حار تمت تسميته على حلق باب تم العثور عليه في أفاريس كأول ملك هكسوسي. لا يوجد يقين حول ترتيب توليه المُلك
خيان 1620 قبل الميلاد
أبوفيس الأول 1595 إلى 1555 قبل الميلاد
خامودي 1555 إلى 1545 قبل الميلاد
إن تاريخ مانيتون عن مصر لا يُعرف إلا من خلال أعمال الآخرين، مثل "ضد أبيون" للمؤرخ فلافيوس يوسيفوس. و هذه المصادر لا تذكر قائمة أسماء الحكام الستة بنفس الترتيب. و زيادة في تعقيد الأمور فإن تهجئة هذه الأسماء مشوهة للغاية بحيث أنها لا تفيد إحتياجات التسلسل الزمني؛ فلا يوجد ترابط أو تقارب واضح بين معظم هذه الأسماء – ساليتس، بيون أو بنون، أبخنان، أو بخنان، أناس أو ستان، أبوفيس أو أسيس أو أرخليس – و الأسماء المصرية التي تظهر على الجعارين والأشياء الأخري. و تؤكد قائمة تورين للملوك وجود ستة حاكم هكسوس، إلا أنه لم يتم توثيق سوى أربعة منهم كملوك هكسوس من السجلات الأثرية أو النصية المتبقية: 1) صقر-حار، 2) خيان، 3) أبوفيس الأول، 4) خامودي.
إن خيان وأبوفيس من أفضل الملوك الذين تم توثيقهم من هذه الأسرة، بينما صقر-حار لم يتم توثيقه إلا من خلال حلق باب وحيد قد تم العثور عليه في أفاريس يحمل لقبه الملكي. و قد تم ذكر حامودي كآخر ملك هكسوسي على فتاتة من لائحة تورين. و توجد الأسماء الهيروغليفية لحكام الأسرة الخامسة عشر على المعالم الأثرية، والجعارين، وغيرها من الأشياء الأخرى.
ما يزال عدد إثنين من الفراعنة الهكسوس غير معروفين. و يفترض العديد من العلماء أنهم معيبر ششي، و عبرعناة، و سمقنو، و سخينر يكبم أو مر-وسر يعقوب-حار (الذين قد تم توثيقهم على أختام أو جعارين في منطقة الدلتا) إلا أنه من المؤكد حتى الآن أنهم ملوك أسيويين في منطقة دلتا مصر. فهم من الممكن أن يكونوا أما الملكين الهكسوسيين الباقيين، أو أفراد من الأسرة الرابعة عشر السابقة في سخا.
نطاق الإنتشار
لقد تمركزت مملكة الهكسوس في شرق الدلتا و مصر الوسطى و كانت حدودها محدودة، فلم تتوسع أبداً إلى داخل مصر العليا التي كانت تحت سيطرة حكام البيت الطيبي بإستثناء فترة وجيزة تُقدر بحوالي ثلاثة أعوام في نهاية فترة ولاية خيان وبداية أبوفيس. و أقام هكسوس الأسرة الخامسة عشر عاصمتهم ومقر حكومتهم في أفاريس.
تتداخل فترة حكم هؤلاء الفراعنة مع ملوك الأسرة السادسة عشر و السابعة عشر المصرية الوطنية المعروفة بإسم المرحلة الإنتقالية الثانية. و في نهاية الأمر قام أحمس الأول أول ملوك الأسرة الثامنة عشر بطرد الهكسوس من آخر معاقلهم بشاروهين غزة في السنة السادسة عشر من ولايته.[12][13]
على الرغم من ذلك يبدوا أن حاكم طيبة الوطنيين الذين كان حكمهم حكماً مستقلاً قد توصلوا عملياً إلى تسوية مؤقتة مع آخر حكام الهكسوس. و تتضمن هذه التسوية حقوق التنقل خلال مناطق سيطرة الهكسوس في مصر الوسطى و السفلى، و حقوق الرعي في مناطق الدلتا الخصبة. و لوحة كارنارفون الأولى هي إحدى النصوص المتعلقة بهواجس المجلس الإستشاري لحكام طيبة عندما إقترح كاموس التحرك ضد الهكسوس الذين إعتبرهم وصمة عار في جبين أرض مصر المقدسة. و من الواضح أن أعضاء المجلس لم يرغبوا في الإخلال بالوضع الراهن:
نحن مرتاحون في منطقتنا بمصر. و الفنتين (أول شلال) قوي، ونفوذنا بالاراضي الوسطى يصل إلى قوص (بالقرب من أسيوط الحالية). و يتم حرث أنعم حقولهم من أجلنا، وأبقارنا ترعى في الدلتا. و يتم إرسال الشعير إلى خنازيرنا ... و لم يتم إنتزاع ماشيتنا ... هو يسيطر على أراضي الأسيويين ونحن نسيطر على مصر.[64]
يبدوا الأمر كما لو أن إدارة الهكسوس كانت تلقى قبولاً في معظم الدوائر، إن لم تكن مدعومة فعلياً بالعديد من رعاياهم من المصريين الشماليين.
لم يتم العثور على سلع طيبية مرة أخرى في الفيوم قبل بداية حروب التحرير الطيبية خلال الأسرة السابعة عشر. و تشير بعض النصوص إلى أن الهكسوس بينما كانوا يسيطرون على منطقة الدلتا إدارياً، فإن الطيبيين كانوا مشغولين للغاية بالبحث عن الذهب وجني الأموال من تجارة البحر الأحمر. فمصر السفلى وطيبة قد إشتغلوا بإستقلالية، وتقاسموا اتصالات محدودة فيما بينهم.[65]
علاقتهم بالمصريين
لقد إعتبر العلماء أن استخدام ملوك الأسرة الخامسة عشر المتزايد للجعارين، وإتباعهم بعض أشكال الفنون المصرية، وإنتشار ذلك على نطاق واسع، مؤشراً على أنهم أصبحوا مصريين بشكل تدريجي.[66] و استخدم الهكسوس الألقاب المصرية المرتبطة تقليدياً بالملكية المصرية، وإتخذوا المعبود المصري ست ليمثل معبودهم الخاص.[67] أما المصريين فنظروا إلى الهكسوس على أنهم "غزاة" ليسوا مصريين. و عندما تم طردهم في نهاية المطاف من مصر، قد تم محو كل أثار إحتلالهم. لم يتبقى روايات تسجل تاريخ هذه الفترة من وجهة نظر الهكسوس، وما تبقى فقط هي روايات المصريين الأصليين الذين طردوا المحتلين، وفي هذه الحالة فإن حكام الأسرة الثامنة عشر كانوا هم الخلف المباشر للأسرة الطيبية السابعة عشر.[68] فالأسرة السابعة عشر هي من بدأت وقادت حرباً مستمرة ضد الهكسوس. و يرى البعض أن ملوك طيبة الوطنيين كان لديهم حافزا لشيطنة الحكام الأسيويين في الشمال، وذلك يعلل تدمير آثارهم. فعالم مثل John A. Wilson وجد أن وصف الهكسوس بالحكام الأجانب الزنادقة المتغلبين له ما يدعمه من مصادر أخرى.[69]
الهجوم الطيبي
تحت قيادة سقنن-رع تاو
رأس سقنن-رع تاو المحنطة تحمل جروح قطعية بالبلطة الحربية. و النظرية المشهورة هي أنه توفي في معركة ضد الهكسوس.
لقد بدأت الثورة التي طردت الهكسوس من مصر العليا في أواخر سنوات الأسرة السابعة عشر في طيبة. و نقل لنا الموروث الأدبي للمملكة الحديثة اللاحقة أن أحد هؤلاء الملوك الطيبين – سقنن رع تاو – تواصل مع نظيره الهكسوسي المعاصر في الشمال – أبيبي (و يعرف أيضاً بإسم أبوفيس). و أخذ هذا الموروث شكل حكاية أرسل من خلالها ملك الهكسوس أبيبي رسول إلى سقنن-رع في طيبة مطالباً بإنهاء رياضة صيد فرس النهر بالحراب؛ وكان عذره في ذلك هو أن ضجيج هذه الوحوش يصل إلى درجة أنه لم يستطيع النوم في أفاريس البعيدة. و ربما كان السبب الحقيقي في هذا أن معبودهم الرئيسي كان ست، الذي كان يتم تمثيله جزئياً برجل وجزئياً بفرس النهر. و يعلل Jan Assmann ذلك نظراً لأن قدماء المصريين لا يمكنهم تصور أي معبود من المعبودات يفتقر إلى شخصية مميزة، فست إله الصحراء الذي كان يتم عبادة حصرياً وفقاً للحكاية يمثل مظهراً للشر.[70] ربما المعلومة التاريخية الوحيدة التي يمكن إستلهامها من الحكاية أن أرض مصر كانت مُقسمة، المنطقة الشمالية تحت حكم الهكسوس المباشر، أما بقية أراضي مصر فربما كانت تدفع الجزية إلى ملوك الهكسوس.
ساهم سقنن-رع في مواقف دبلوماسية نشطة، ربما كانت تتألف أكثر من مجرد تبادل الإهانات مع الحاكم الأسيوي في الشمال. و يبدوا أنه قاد مناوشات ضد الهكسوس، وبالرجوع إلى جروح الراس الضارية من على موميائه الموجودة في المتحف المصري بالقاهرة، يتبين لنا أنه ربما يكون قد توفى أثناء إحدى هذه المناوشات. و يرجع فضل أول إنتصار مهم في الحرب التي يقودها الطيبيين ضد الهكسوس إلى إبنه وخليفته كاموس أخر حكام الأسرة السابعة عشر في طيبة.
تحت قيادة كاموس
خاتم الفرعون الهكسوسي أبيبي
أبحر كاموس شمالا من طيبة على راس جيشه في السنة الثالثة من حكمه. ففاجئ وتغلب على حامية الهكسوس في أقصى الجنوب عند نفرسي شمال القوصية (بالقرب من مدينة أسيوط الحالية)، و من ثم قاد كاموس جيشه شمالاً حتى وصل إلى منطقة مجاورة إلى أفاريس نفسها. و على الرغم من أن المدينة لم يتم تسقط في يد البيت الطيبي إلا أنهم قاموا بتخريب الحقول المحيطة بها. و تستمر لوحة أخرى تم إكتشافها بالقرب من طيبة في سرد رواية الحرب التي إندلعت في لوحة كارنرفون الأولى، وتذكر إعتراض وأسر جاسوس يحمل رسالة من أبيبي المقيم في افاريس إلى حليفه حاكم مملكة كوش (السودان الحالية) يطالبه فيها بالدعم العاجل في مواجهة التهديدات التي تشكلها فعاليات كاموس ضد كلتا المملكتين. فأمر كاموس على الفور كتيبة من قواته بإحتلال الواحات البحرية في الصحراء الليبية ليتحكم في الطرق الصحراوية ويغلقها من الجنوب. أبحر كاموس عائداً أعلى النهر إلى طيبة للإحتفال بالنصر المظفر، بعدما ما كان ربما ليس أكثر من غارة عسكرية مفاجئة على حاميات الهكسوس. لم يتم توثيق سنين حكم لكاموس أكثر من السنة الثالثة، فربما قد توفي بعد وقت قصير من المعركة متأثراً بجروحها.
لقد تم طرد الهكسوس من وسط مصر وإنسحبوا شمالاً وأعادوا تمركزهم بالقرب من مدخل الفيوم عند أطفيح وذلك في نهاية ولاية أبيبي الملك الهكسوسي قبل الأخير من الأسرة الخامسة عشر. فهذا الفرعون قد صمد في وجه نظيره المصري الأول (سقنن-رع تاو) و ما زال يتربع على العرش (و إن كان على مملكة صغيرة) في نهاية ولاية كاموس. و بلا أدني شك فإن فترة ولاية خامودي – أخر حكام الأسرة الخامسة عشر الهكسوسية – كانت قصيرة نسبياً، وتقع في النصف الأول من ولاية أحمس الأول خليفة كاموس ومؤسس الأسرة الثامنة عشر.
تحت قيادة أحمس
صورة مكبرة لرسومات من على شفرة بلطة تصور أحمس الأول يضرب محارباً هكسوسياً، جزءً من معدات دفن الأميرة أياح-حتب الأولى.
يُعتبر أحمس الأول هو أول ملوك الأسرة المصرية الثامنة عشر الذي أعتلى عرش طيبة لبعضاً من الوقت قبل أن يستأنف حربه ضد الهكسوس.
تم أخذ تفاصيل حملته العسكرية من الرواية الموجودة على جدران مقبرة أحمس ابن أبانا. و أحمس كان عسكري من مدينة الكاب التي تقع جنوب مصر العليا، كما أن أبوه قد خدم تحت قيادة سقنن-رع تاو، وعائلته ظلوا حكاماً لمقاطعات مصرية لفترة طويلة. و يبدوا أن الأمر تطلب العديد من الحملات العسكرية ضد حصون أفاريس قبل أن يتم إزاحة الهكسوس وطردهم من مصر السفلى في نهاية المطاف. و غير معروف على وجه اليقين متى حدث ذلك. فتضع بعض المراجع إقصاء الهكسوس عن مصر في وقت مبكر من ولاية عهد أحمس تصل إلى العام الرابع، بينما يضعها Donald B. Redford في وقت متأخر تصل إلى العام الخامس عشر. و Donald B. Redford هو صاحب الهيكل الزمني المعتمد في هذه المقالة. و يذكر أحمس الذي ترك لنا هذه النقوش أنه تتبع سيراً على الأقدام مليكه أحمس ممتطياً عجلته الحربية إلى الحرب (أول ذكر لإستخدام المصريين الخيول والعجلات الحربية)؛ و أنه قام بإحتجاز أسيرين وحمل العديد من الأيادي المقطوعة (كدليل على قتل الأعداء)، و ترتب على ذلك حصوله على نوط "الشجاعة الذهبي" في ثلاثة مناسبات منفصلة عندما وصل هذا الخبر إلى القصر الملكي. و لم يتم ذكر السقوط الفعلي لأفاريس إلا بشكل موجز: "و من ثم تم إغتنام أفاريس. فحملت من الغنائم هناك: رجل، وثلاثة نساء، بمجموع أربعة أسرى. فأعطاهم جلالته لي كعبيد."[71]
بعد سقوط أفاريس طارد الجيش المصري الهكسوس عبر شمال شبه جزيرة سيناء وصولاً إلى جنوب بلاد الشام. و في ذلك الموقع – صحراء النقب بين رفح و غزة – تم تقليص دور بلدة شاروهين المحصنة بعد ثلاثة سنوات من الحصار وفقاً لرواية العسكري أحمس ابن أبانا. أما الفترة الزمنية بين سقوط أفاريس وتنفيذ هذه الحملة الأسيوية فغير معروفة على وجه اليقين. فيمكن للمرء إستنتاج أن التوجه إلى جنوب كنعان ربما رافق عن كثب إخلاء أفاريس من الهكسوس، إلا أن التسلسل الزمني سيظل بالضرورة مشكوكاً في أمره بناء على معطيات فترة الصراع الطويلة قبل سقوط أفاريس، وإحتمالية وجود أكثر من مواسم حملات عسكرية قبل أن يغلق الهكسوس على أنفسهم أبواب شاروهين.
العصور اللاحقة
استمر الهكسوس في لعب دوراً في الأدب المصري تحت مسمى "الأسيويين" المرادف حتى العصر البطلمي. و عادة ما كان يتم إستحضار هذا المصطلح ضد أمثال هذه الجماعات السامية المستقرة في أسوان أو الدلتا، وهذا ما قد دفع المؤرخ والكاهن المصري مانيتون (أو بطليموس المندسي) إلى مطابقة مجيئ الهكسوس مع مكوث يوسف وإخوته في مصر، ومما دفع بعض المؤلفين إلى مطابقة طرد الهكسوس بالخروج. فعلى سبيل المثال يقول
يتم ذكر موسى كزعيم وحاكم للأمة اليهودية. و بهذه الطريقة ذكره بوليمون في كتابه الأول عن الهيلينيين، كما ذكره أبيون إبن بوسيدونيوس في كتابه ضد اليهود، وفي الكتاب الرابع من تاريخه حيث يقول أنه خلال ولاية إناخوس على أرجوس إنقلب اليهود على أحمس الأول ملك المصريين وأن موسى قادهم. و فيما يتعلق بتاريخ مصر توافق بطليموس المندسي معهم في كل ذلك.[72]
وفقاً للوحة الفنتين و بردية هارس فإنه مع فوضى نهاية الأسرة التاسعة عشر، قام أول ملوك الأسرة العشرين بإحياء الموقف المعادي للهكسوس، وذلك من أجل تعزيز رد فعل المواطنين المصريين تجاه المستوطنين الأسيويين في الشمال، الذين ربما مرة أخرى قد تم نفيهم من البلاد. و يسجل "ست-ناختي" مؤسس الأسرة العشرين على لوحة السنة الثانية من الفنتين أنه هزم وطرد قوات أسيوية كبيرة قد قامت بغزو مصر خلال الفوضى بين نهاية عهد "تا-وسرت" و بداية الأسرة العشرين، وأنه إستحوذ على الكثير من غنائمهم الذهبية والفضية المسروقة.
إن قصة الهكسوس كانت معروفة لدى اليونانيين،[73] الذين حاولوا مطابقتها مع طرد بيلوس (بعل[74]) من مصر، وبنات داناوس المرتبطة بأصل أسرة أرغوس.
بداية احتلال الهكسوس لمصر
بدأ استيلاء الھكسوس على الحكم في شمال البلاد تدريجيا وعلى مراحل، فقد وطدوا أقدامھم في برعشة وتل الصحابة عند مخرج وادى الطليمات، وفي بوباستس وانشاص وفي تل الیھود على مسافة 20 كم شمال ھلیوبولیس، واستغرق هذا الزحف قرابة خمسين عام لینتھى عام 1675ق.م في عھد الملك 23 أو 34 في قائمة ملوك الأسرة الثالثة عشر وھو الملك (ديدو مسیو) الأول، وإذا صح أن ھذا الملك ھو نفسه (توتی مايوس) الذي ذكره مانيتون. يمكن القول أن الھكسوس قد تمت لھم السیطرة على مصر في عھده، وربما كان تطابق الشخصیتین متفقا مع حقیقة أن ديدومسیو ھو أخر من نعرفھم من ملوك الأسرة الثالثة عشر من خلال آثار طيبة والدير البحرى والجبلين، ومع ذلك لا يمكن القول بأن نھاية حكمه قد وضعت نھاية للأسرة الثالثة عشر، ويبدو أن سلطة خلفائه انحصرت في شكل محلى وسرعان ما اختفت ھى أيضا عام 1633 ق.م وكما يرى أستاذنا الدكتور عبد العزيز صالح الملامح الرئیسیة لعھود الأسرات الھكسوسیة التي شملت الأسرات الخامسة عشر والسادسة عشر وجزء من السابعة عشرة، وشغلت مائة عام وثمانية أو ما ھو أقل من ذلك بكثير، وجعلوا بین أسمائھم الأجنبية مثل خیان وإيبى وبین أسماء مصرية، وأنھم تشبھوا بالفراعنة المصريين في ألقابھم وملابسھم وھیئات تماثیلھم وادعوا التقرب من الأرباب المصريين، حاولوا أن يتمصروا وكما يرى كثير من الباحثين ومنهم جون فوركیته وسید برج أن بدأ تسللھم كان في منتصف الأسرة الثانية عشر ثم ازداد عددھم مع نھاية الأسرة الثانية عشر ومنتصف الأسرة الثالثة عشر في عھد كل من (نفر حوتب الأول) و(ساحتحور) و(سوبك حوتب الرابع) و(يع ايب رع –إبي) وقد جرت ھذه الأحداث في الفترة 1720 إلى 1700 ق.م، استنادا للوح الأثري المعروف بـ (لوحة الـ400 عام) يقال أن المصريين في فترة غزو الھكسوس كانوا قليلي العدد بحیث لم يتعدوا المليون نسمة وبالفعل غزا الھكسوس الدلتا، وتركزوا في مكان أطلق علیه (حت وعزت) ومن المحتمل أن ھذه المدينة تقع في شرق الدلتا فوق تل الیھود حالیا بین الزقازيق وقناة السويس وقد حصنھا الھكسوس لكي تكون لھم عاصمة، مما يجعلھم قريبين من قاعدتھم الآسيوية ويسمح لھم بالتحكم بسھوله في إقليم الدلتا، واندفع الھكسوس بقوتھم حتى منف وما ورائھا بعد ذلك
إزاحة الهكسوس عن الحكم
الملك المصري سقنن رع أثر مقتله في معركة مع الهكسوس
في عهد الملك سقنن رع الثاني نحو(1580 ق.م) كانت طيبة قد بلغت من القوة والمكانة السياسية شأناً جعل الصدام مع الهكسوس أمراً لا مفر منه. وهذا ما دفع ملك الهكسوس «أبوبي» إِلى اختلاق الأعذار لبدء الصراع. وحقق سقنن رع في هذا الصراع بعض النجاح إِلا أنه سقط فيه صريعاً (1575 ق.م)، في معركة خاضها مع الهكسوس وقد لوحظ وجود جروح وإصابات قاتلة في جمجمته.
وخلفه في عرش طيبة ابنه الأكبر كاموس (1560- 1570 ق.م)، وهو آخر ملوك الأسرة السابعة عشرة، وامتد حكمه خمس سنوات فقط تابع فيها الحرب التي شرعها أبوه فشن هجوماً مفاجئاً على معاقل الهكسوس المتاخمة لحدوده بقوات من الجيش وأسطول نيلي كبير، وراح يتقدم شمالاً حتى بلغ عاصمة الهكسوس نفسها. وتتحدث النصوص القديمة التي تعود إِلى عهده عن استيلائه على ثلاثمائة مركب مصنوعة من خشب الأرز مشحونة بالأسلحة والذهب والفضة والمؤن، كما تتحدث عن بطشه بالمصريين الذين كانوا يهادنون العدو. وقبض رجاله في تلك الأثناء على رسول بعث به ملك الهكسوس إِلى أمير النوبة في كوش السودان يحثه على مهاجمة أراضي طيبة من الجنوب، فلم يتردد كاموس في إرسال قوة احتلت واحة البحرية محبطاً خطط أعدائه، ثم ارتد عائداً إِلى طيبة بانتهاء موسم الحملات بعد أن قضى على تمرد قام به أحد أتباعه. وتذكر النصوص اسم كاموس وأخيه أحمس -الذي جاء بعده- عند الشلال الثاني في النوبة، مما يحتمل توغل كاموس في أراضي النوبة حتى ذلك الموقع.
بعد مقتل الملك سقنن رع في حروبه ضد الهكسوس، وكانت دولة مصر العليا المصرية محاصرة من الهكسوس شمالاً ومن ملوك النوبيين جنوباً وبعد قتل الملك كامس، ثم انتقل الحكم إلى أحمس الأول الذي لم يكن يبلغ إلا 10 أعوام وقامت والدته بحثه على التدرب على القتال مع المحاربين القدامى، وعندما بلغ ال 19 قام بعض من رجاله بالتقاط رسالة مبعوثة من ملك الهكسوس إلى ملوك النوبة يحثونهم بالزحف على الطيبة مما أدى إلى قيام أحمس بالهجوم على الهكسوس وهزمهم في عدة معارك، وقام بشن عدة هجمات خارجية عليهم في أراضيهم الأصلية، ولم تقتصر جهود أحمس الحربية على مقاتلة الهكسوس، فقد تحول بعدها إِلى جنوب مصر فقاد ثلاث حملات كبيرة متوالية استهدف فيها بلاد النوبة لتأديب أميرها الذي تعاون مع الهكسوس عليه وبذلك أصبحت الحضارة المصرية القديمة تحت حكم ملوك طيبة المصريين.
ما بعد الهكسوس
أقصى مدى من أراضي مصر القرن الخامس عشر قبل الميلاد في عهد الدولة الحديثة تغيرت العقيدة القتالية المصرية من الدفاع إلى الهجوم والغزو وذلك بعدما اتضح لهم أن جيرانهم من الشعوب الأخرى يريدون احتلال أرضهم ولذلك يجب الدفاع عن مصر بخلق بُعد استراتيجي لها في أراضي أخرى مما جعل الدولة الحديثة التي أسسها كامس الأخ الأكبر لأحمس تؤسس جيشاً نظامياً محترفاً ومدرباً لأول مرة في مصر وقد حدث من أسلحته مما جعلهم يوسعون حدود مصر ويقيمون أول وأكبر إمبراطورية في العالم آنذاك[75] من الأناضول شمالاً إلى القرن الأفريقي جنوباً ومن الصحراء الليبية غرباً إلى الفرات شرقاً. وهذا الجيش الجديد كان يعاونه الأسلحة المشتركة وأسطول بحري، لأن الجيش المصري أيام حكم الفراعنة الأوائل وحتى الهكسوس كان من المشاة لأن الفروسية كانت الحصان والعربة.
امتدت حدود مصر التي كانت تشمل مملكة كوش في شمال السودان إلى آسيا لأول مرة أيام الفتوحات الخارجية كحرب وقائية ضدها حتى الفرات بالعراق أيام الملك تحتمس الأول وحفيده الملك تحتمس الثالث قام بتوسعة الإمبراطورية المصرية إلى أقصى اتساع وصلت إليها من حدود إيران شرقاً إلى حدود تونس غرباً حالياً ومن جنوب تركيا على يد الملك رمسيس الثاني الذي هزم الحيثيين إلى القرن الأفريقي لتشمل إثيوبيا وبلاد بونت.
بعد نهاية حكم الهكسوس بدأ عصر النهضة الثاني في مصر وكان بداية الشروق للإمبراطورية المصرية والتي عرفت أقصى امتداد لها في عصر الملك العظيم تحتمس الثالث حيث تحولت الإستراتيجية المصرية من الدفاع داخل الأرض المصرية إلى الدفاع من خارجها، فامتدت الدولة المصرية من العراق إلى ليبيا ومن تركيا إلى الجندل الرابع في السودان حالياً.
الأصل عدل
كان الهكسوس، حكام الأسرة الخامسة عشر في مصر، من أصول غير مصرية. وهناك العديد من النظريات حول هويتهم العرقية. ويتجه أغلب علماء الآثار إلى اعتبارهم شعب (سامي اللغة) قادم من سيناء والنقب، حيث أسماء حكامهم سامية عمورية، مثل خيان وصكير حار وأبوفيس وخامودي، تعتبر من الأسماء السامية العمورية. كانت مملكة الهكسوس تتركز في شرق دلتا النيل ومصر الوسطى، وكانت محدودة في المساحة حيث لم تمتد أبداً لتشمل صعيد مصر والتي كان يحكمها حكام مصريون من طيبة. يبدو أن علاقة الهكسوس بالجنوب كانت ذات طبيعة تجارية، ومع ذلك فمن الظاهر أن الأمراء الطيبيون اعترفوا بالحكام الهكسوس، وربما اضطروا لدفع جزية لفترة من الزمن. أقام حكام الأسرة الخامسة عشر من الهكسوس عاصمتهم ومقر حكومتهم في ممفيس والمقر الصيفي في زوان (أواريس، صان الحجر حالياً).
تداخل حكم الملوك الهكسوس مع حكم الفراعنة المصريين للاسرتين السادسة عشر والسابعة عشر، وتعرف تلك الفترة بالفترة الانتقالية الثانية. طرد أول فراعنة الأسرة الثامنة عشر، أحمس الأول الهكسوس من حصنهم الأخير في شاروهين في غزة في العام السادس عشر من حكمه. يرى الباحثون الاستخدام المتزايد للجعارين وتبني الفن المصري من قبل الأسرة الخامسة عشر على أنهم تمصّروا تدريجياً. استخدم الهكسوس الألقاب المصرية والمقترنة بالفراعنة المصريين، واتخذوا الإله ست ليمثل معبودهم الفخري. استمر المصريون في اعتبار الهكسوس غزاة أجانب حتى تم طردهم من مصر في آخر المطاف. وصار حكام الأسرة الثامنة عشر مصريون، وهم الخلفاء المباشرون للأسرة السابعة عشر الطيبين، والذين كانوا قد بدأوا وقادوا الحرب ضد الهكسوس لتحرير وطنهم مصر.