قبائل ترهونة الرقم الصعب في ليبيا عبر العصور
بقلم : سلامه محمد
مابين نصفي شهر عبر عام كامل، أقف حائراً أيهما أختار هل معركة اشقيقة ام اكبر عملية تبادل اسري بين سكان الأرض في ليبيا والإحتلال الأيطالي، وبالكاد ألملم أسماء نحو 66 قبيلة في ترهونة امتدت جذورها وتفرعت واثمرت عدداً من الأبطال منهم وزير الدفاع المصري عبد الحكيم عامر الذي يعود نسبه لآحد فروع قبائل ترهونة في صعيد مصر المحروسة.
اما نصفي الشهر فهما 18 يونيو 1915 و 28 يوليو من العام الذي يليه، ففي النصف الأول شهدت ترهونة واحدة من أعنف المعارك، عرفت باسم اشقيقة وفيها قضي اهل ترهونة علي حامية إيطالية كاملة، واسروا 504 منهم 31 ضابطاً ايطالياً. وفي التاريخ الثاني تمت اكبر عملية مبادلة اسري عبر تاريخ الاحتلال الأيطالي للحبيبة الغالية ليبيا.
من المعروف لدى لدى القبائل العربية في ليبيا ان قبائل العرب في ترهونة المنتمي اغلبها لبني هلال و جشم و العوامر و غيرهم من القبائل القيسية الهوازنية او المنتمية لبني سليم كانت على الدوام ذات مكانه لدى القبائل العربية المجاورة، و كان لها حضورا بارزا في التاريخ السياسي لليبيا .
ويذكر كتاب سكان ليبيا لهنريكو دي اغسطيني ـ صفحة 166 ـ أن عدد سكان ترهونة يبلغ 23280 نسمة تقريباً من العرب الوافدين، ونحو 34510 نسمة من السكان الأصليين ويتراوح عدد القبائل فيها مابين 65 و 63 قبيلة.
شكلت القبائل العربية في ترهونة ركيزة من ركائز العرب في وجه طغيان الولاة الاتراك، وخاضوا ضمن قبائل عربية اخرى معارك مشرفة ضد تجبر الاتراك ورغبتهم في السيطرة على الدواخل، وتعتبر ملحمة عمر فحيج الفرجاني الشهيره مثالا لرفض الحكم الاجنبي.
وعندما دخل الأيطاليون إلى ليبيا ساهمت قبائل العرب بترهونة في مواجهة المستعمر البغيض، وتجلت ابرز مساهمتهم الفاعلة في هزيمة القوات الايطالية في معارك: "الهاني" الشهيره حيث كانت لكتيبه قبائل ترهونه مشاركة حاسمه في الدفاع عن طرابلس.
وكان دور مقاتلى ترهونة بارزاً في معركة القرضابية الشهيرة جداً، وكان الجيش مؤلفا من أربعة عشر ألف مقاتل، وحاز الطليان المدافع والرشاشات دوماً فيما امتلك اهل ليبيا قلوبهم العاشقة لهذا التراب الغالي.
وكان مع هذا الجيش محموعة من القبائل الليبية برئاسة كل من : الساعدي بن سلطان قائدا لمقاتلى القبائل من ترهونة، و رمضان السويحلي قائداً لمصراتة، ومحمود عزيز في زليتن، ومحمد القاضي بمسلاتة، ومحمد بن مسعود بقماطة، وعمر العوراني من الساحل، و عبد النبي بلخير في ورفلة. وكل واحد من هؤلاء رئيس على جماعة من قبيلته. واتفقوا على أن يجتمع الجيش كله في بنعيزار. وكان الرئيس الأعلى لهذا الجيش الجنرال امياني و قد انقلب المقاتلون من جميع القبائل على الطليان بعد ان احتدم القتال مع المجاهدين المقابلين له بزعامة احمد سيف النصر كما أنه من أشهر المعارك التى كانت نتائجها مذهلة بعد معركةالقرضابية تلك المعركة التي أعرفها شخصيا (بالمعركة المنسية) في مدينة ترهونة و هى معركة كمين (وادى اشقيقة) التى قتل فيها 4061 جندى ايطالى و أسر فيها مايزيد عن 473 جندى و 31 ضابطا أى مامجموعه 504 اسير، وقد كان هذا النصر العزيز بفضل الله و توفيقه.
وحينما انقلب دليل الايطاليين المجاهد (علي سويدان الحاتمى) أخبر جيش المجاهدين بمسار الايطاليين العائدين إلى حامية طرابلس بعد نفاد مؤونتهم في ترهونة و أخبرهم بأن يترصدوا للجيش الايطالى في وادى اشقيقة القريب من عين الشرشارة غربا كان ذلك يوم 18 يونيو 1915 و قد تركهم المجاهدون عمدا يخرجون إلى الشمال الغربى حيث وادى الشقيقة حيث انهال الرصاص عليهم من كل حدب و صوب و أصبحوا محاصرين في وادى سحيق وعر يصعب التحرك فيه، و قضى فيها على الحامية بالكامل باستثناء الاسرى المذكورون اعلاه و لايعرف لماذا أهملت معركة وادى أشقيقة من بين معارك الجهاد رغم نتائجها التى لم تتحقق في أى معركة أخرى.
ويمكن الاطلاع على تفاصيل المعركة من مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية في باب (الاسرى الايطاليين) اذ ان الاسرى ال 504 في هذه المعركة احتجزوا (خدما عاملين) لدى عائلات المجاهدين إلى ان تم استبدالهم بالاسرى الليبيين لدى القوات الايطالية في أكبر عملية تبادل اسرى من نوعها في ذلك الوقت بعد مفاوضات طويلة امتدت إلى 28 يوليو 1916، وأجراها والى طرابلس انذاك الجنرال اميليو.
وخلال هذه المعركة العبقرية حوصرت الحامية الايطالية المتمركزة في ترهونة بكاملها مما دفع الحكومة الايطالية إلى محاولة إنقاذها وفك الحصار عنها وسحبها إلى الساحل وعمدت القيادة الايطالية إلى إعداد قوة كبيرة بقيادة الكولونيل روستي في محاولة لدعم الحامية المذكورة وتزويدها بالإمدادات والتموين بعد أن انقطعت عنها كل سبل الاتصال وقد خرجت هذه القوة الكبيرة من العزيزية يوم 12 مايو1915 متجهة نحو ترهونة لفك الحصار عن الحامية المذكورة ولكنها أوقفت في اليوم التالي 13-5-1915 في سيدي بوعرقوب ( الرقيعات) و(فم ملغة) واضطرت إلى الانسحاب من شدة المواجهات وتكبدت خسائر فادحة وأسر فيها 200 أسير ايطالي، وقد هبت قوة أخرى من العزيزية لنجدتها بقيادة كولونيل آخر وهو بيليا وقد تمكن هذا من الوصول إلى ترهونة يوم 16-5-1915 إلا أن قافلة الإمداد التابعة له قد انفصلت عنه مما زاد عدد أفراد القوات الايطالية المحاصرة على الحامية الأصلية فبعد أن انفصلت قافلة الإمدادات التابعة لقوة الكولونيل بيليا والتي وصلت إلى ترهونة ولم تتمكن من اللحاق به حيث حوصرت يوم 17-5-1915 في سوق الأحد ترهونة فأبادوها وغنموا ما كان معها من الإمدادات، فاضطرت القيادة الايطالية إلى تجريد قوة أكبر بقيادة الكولونيل مونتي لحراسة قافلة أخرى من الإمدادات ولكنها هوجمت هي الأخرى وقابلت نفس المصير وبعد فشل كل المحاولات لإنقاذ الحامية المحاصرة في ترهونة اتجه الايطاليون إلى إرسال قوة أخرى من القصبات (أمسلاته) بقيادة الكولونيل كاسينس ولكن هذه القوة لم تتمكن من الوصول إلى ترهونة نتيجة للمقاومة العنيفة التي واجهتها في المنطقة، فأبلغت القيادة هذه القوة بقيادة كاسينس للعمل على شغل المقاتلين في ترهونة وجرهم إلى منطقة الداوون شرق ترهونة وذلك لتسهيل انسحاب الحامية المحاصرة والخروج إلى عين زارة عن طريق سوق الأحد على أن تقوم القوات الايطالية في العزيزية وعين زارة بعمليات تشغل المقاتلين عن عملية الانسحاب للحامية المحاصرة، وخلصت المعركة لأكبر عملية فشل في التاريخ العسكري الأيطالي خسر فيها الاحتلال أكثر من 4000 جندي.
وتذكر تفاصيل المعركة في محاصرة - الاسرى الايطاليون في ليبيا- ضمن مركز جهاد الليبيين ضد الغزو الايطالى- ومن زعماء الجهاد المعروفين في ترهونة و في ليبيا كلها أحمد بك المرايض من قبيلة العواسة، و الهاد ىالمبروك المنتصر من الدراهيب وعبد الصمد النعاس من أولاد امعرف وهؤلاء مشهورون كثيراً، وان غاب عني البعد التاريحي والألمام بكل القبائل وبدورها في المعركة، لكن يوجدغيرهم كثيرون من كل القبائل الا انه لم يكن لهم دور سياسى يسجله الاعلاميون انذاك لهذا لم يعرفوا الا من خلال الروايات الشفوية المحلية التى لازالت تتداول بين كبار السن.
ولم تشهد ترهونة بفضل الله تعالى انقساما اثناء النزاع السياسى بين زعماء الجهاد قبل أو بعد اعلان الجمهورية الطرابلسية التى كان لمجاهدى ترهونة دورا كبيرا في تأسيسها، بل ان ترهونة تشرفت بتزعم المصالحة بين المتخالفين من الزعماء أكثر من مرة، كان ءاخرها عندما اشترط عبد النبى بالخير التقابل بين الزعماء لتسوية الخلاف بينهم عند قبيلة المزاوغة الاشراف في منطقة (سيدى الشارف ) وجاء في موكب مهيب من 40 فارسا من بنى وليد و تعاهدوا على مواصلة الجهاد و تسوية الخلاف فيما بعد حسبما ذكر كتاب عبد النبى بالخير من تاليف ابنه يونس عبد النبى بالخير رحمهم الله اجمعين.
ويكفى شرفا لترهونة شهادة عدوها واقراره الجنرال السفاح الملعون (جراتسيانى) في كتابه( نحو فزان) عن معارك قواته مع مجاهدى قبائل ترهونة الذى قال فيه (و بسقوط ترهونة تنتهى حركة المقاومة في المنطقة الغربية من ليبيا), ومعركة الشقيقة هى أكبر صفعة تلقتها إيطاليا في حركة الجهاد في ليبيا, وقد قام جراتسيانى بعد تولى الفاشيست الحكم فى ايطاليا واعادة احتلال ترهونة باعدام المجاهد (سويدان الحاتمى ) شنقا في ساحة السوق في ترهونة بمجرد احتلالها من جديد في العهد الفاشى لإيطاليا، نفس المشهد الذي شهده اعدام المجاهد العملاق عمر المختار.
ومن ملاحم الجهاد ايضا توجد معركة الاكوام، ومعركة البويرات، ومعركة الداوون, ووادى سرط، ومعلوم ان مساندة مجاهدى ترهونة كانت حاضرة في أغلب معارك الجهاد في المناطق المحيطة بها سواء في النواحى الاربعة و مسلاته، بل و في معركة القرضابية نفسها و معركة الهانى حيث خاض الاجداد كفاحا مريرا ضد الاحتلال الذى سلب من الناس الارض التي كانت مصدر الرزق الوحيد انذاك.
يذكر أن ترهونة قسمت في العهد العثماني الي اربعة أرباع، ويبدوا ان هذا التقسيم كان اداريا وامنيا لتسهيل السيطرة على موارد المنطقة و جباية ضرائبها ولشق الصف ومنع اي تمرد قد يخرج المنطقه علي سيطرتهم.
وهذه الارباع هى ربع اولاد امعرف، ربع اولاد مسلم، ربع الحواتم، وربع الدراهيب، ولاعلاقة لتسمية الربع بنفوذ القبيلة أو قوتها اذا أن ربع اولاد امسلم من أكبر الارباع فهذه المسميات حددت من قبل الاتراك ابان الاحتلال العثمانى لجباية الضرائب، ويبدو أن لها علاقة بموارد المياه أكثر من أى شىء اخر, و قبائل ترهونة التى تزيد عن 66 قبيلة لا تتوزع على هذه الارباع بالتساوى فمثلا ربع اولاد امعرف لا يزيد عدد القائل فيه عن 15 قبيلة أما ربع الحواتم أو اولاد امسلم فيزيد عن 30 قبيلة وكذلك العدد قليل في ربع الدراهيب.
ومن القبائل على سبيل المثال لا الحصر اولاد على والمقاقرة والزغادنة والعبانات والسلامات والبركات والاباضى والحمادات والعبابسة والصوالح واولاد ترهون والنعاعجة والدوايم والشفاترة واولاد حمد والحجاج والطرشان والرحايمية والعواسة والفطيمات والكوانين والمهادى والغرارات والبهاليل والعماريين والعوامر والمعمريين واولاد يوسف والزقايزية ومرغنة والعزيب والهماملة والعبادلة والمصابحة والمزاوغة والفرجان والمهادى والقراقطة واولاد بوزيد والزرق والزرقان والشقاقات وغيرهم كثيرون لا يحضر ذكرهم حاليا لكنهم كثر.
وانجت ترهونة عدد ضخم من الشخصيات المهمة، والتي لعبت دورا في تاريخ المنطقة بما فيها مصر أيضا، وفي العصر الحديث برزت بعض القيادات من المدينه بسبب الاحداث التاريخيه التي عاصرتها وكان لها دور هام فيها ومن هذه الاسماء:
1ـ احمد طاهر المرييض:رئيس مجلس الجمهورية الطرابلسيه 1915-1920, وأحد أبناء المدينه، واحد القاده السياسيين البارزين في حركة الجهاد, وقد ربطته علاقه ممتازه بقيادات الجهاد الميدانيين فاستطاعو جعل ترهونه ومسلاته ثقل عسكري كبير أرهق الاحتلال، كما كان احد القاده الاربعه المعروفين (احمد المريض, رمضان السويحلي, سليمان الباروني وعبد النبي بلخير) المعروفين باسم المؤسسين للجمهوريه الطرابلسيه التي تاسست في اجتماع مسلاته في 16 / 11 / 1918، لكن بعد انقسام الصف الداخلي واستشهاد المجاهد رمضان السويحلي قاد المجاهد احمد المريض حركه توحيد الصف من جديد، وانتخب رئيسا للجنة التصحيح المركزية 1920-1923 .
وبعد انتصار الحزب الفاشي اعاد الطليان تنظيم صفوفهم والتجهيز لاستكمال احتلال ليبيا, وسقطت المدينه للمره الثانيه سنة 1923 بعد طردهم منها بمعركة الشقيقه سنة 1915. وبعد سقوط المدينه انتقل مع بعض عائلات المجاهدين الي المنفي بمصر وشارك في انشطه العمل الوطني بالمنفي واخرها مؤتمر الاسكندريه 1939. وظل بها حيث توفي هناك.
2ـ الشهيد علي سويدان الحاتمي: ولد بقرية الحواتم قرب الشرشاره, بطل المعركة المنسية ( الشقيقه), الذي تسبب في هزيمه نكراء للجيش الايطالي بترهونه أدت الي طردهم منها عام 1915. ومع تزامن وصول الحزب الفاشيستي إلى الحكم في إيطاليا، انعكس التغيير على الأحوال في المستعمرات الايطالية، فعاد الجيش الايطالي لاحتلال المنطقه من جديدعام 1922. واصبح علي سويدان المطلوب الاول وتم القبض عليه واعدم شنقا سنة 1923، وسط جموع من الناس في ساحة المدينه قباله المسجد الاثري وتخليدا لذكراه ولشهداء لتلك المعركه, ينتصب في مكان اعدامه اليوم النصب التذكاري لشهداء تلك المعركه الخالده.
3- الهادي المنتصر: المعروف باسم "أحدزعماء الجهاد الليبي", ولد بمنطقة سوق الاحد بترهونه، واصبح احد قادة الجهاد البارزين منذ بداية الغزو، وقاد المنتصر مجاهدي المناطق الغربيه في ترهونه بمعارك شارع الشط وعين زاره وبئر ترفاس خلال 1911-1912، وكانت جيوش المجاهدين في هذه المعارك تتالف من مجاهدي تاجورا بقيادة علي تنتوش وشرق ترهونه ومسلاته بقيادة احمد المريض، الي جانب ماتبقي من القوات العثمانيه في طرابلس وقد حققو انتصارت مهمه الا ان الفارق في التسليح قد حسم احتلال طرابلس سنه 1912.
4- الشيخ عبد الصمد النعاس: كان ممثلاً لترهونة, وعضوا في مجلس شورى الجمهورية الطرابلسية التى اسست عام1918 .
5- الساعدى بن سلطان مجاهد شهير من قبيلة الصوالح و كان له دور كبير في معارك الجهاد وكان زعيم المقاتلين من قبائل ترهونة في معركة القرضابية الشهيرة و قد سميت علي اسمه ( كتيبة الساعدى)
https://www.youtube.com/watch?v=5HHqZorTpD8
بقلم : سلامه محمد
مابين نصفي شهر عبر عام كامل، أقف حائراً أيهما أختار هل معركة اشقيقة ام اكبر عملية تبادل اسري بين سكان الأرض في ليبيا والإحتلال الأيطالي، وبالكاد ألملم أسماء نحو 66 قبيلة في ترهونة امتدت جذورها وتفرعت واثمرت عدداً من الأبطال منهم وزير الدفاع المصري عبد الحكيم عامر الذي يعود نسبه لآحد فروع قبائل ترهونة في صعيد مصر المحروسة.
اما نصفي الشهر فهما 18 يونيو 1915 و 28 يوليو من العام الذي يليه، ففي النصف الأول شهدت ترهونة واحدة من أعنف المعارك، عرفت باسم اشقيقة وفيها قضي اهل ترهونة علي حامية إيطالية كاملة، واسروا 504 منهم 31 ضابطاً ايطالياً. وفي التاريخ الثاني تمت اكبر عملية مبادلة اسري عبر تاريخ الاحتلال الأيطالي للحبيبة الغالية ليبيا.
من المعروف لدى لدى القبائل العربية في ليبيا ان قبائل العرب في ترهونة المنتمي اغلبها لبني هلال و جشم و العوامر و غيرهم من القبائل القيسية الهوازنية او المنتمية لبني سليم كانت على الدوام ذات مكانه لدى القبائل العربية المجاورة، و كان لها حضورا بارزا في التاريخ السياسي لليبيا .
ويذكر كتاب سكان ليبيا لهنريكو دي اغسطيني ـ صفحة 166 ـ أن عدد سكان ترهونة يبلغ 23280 نسمة تقريباً من العرب الوافدين، ونحو 34510 نسمة من السكان الأصليين ويتراوح عدد القبائل فيها مابين 65 و 63 قبيلة.
شكلت القبائل العربية في ترهونة ركيزة من ركائز العرب في وجه طغيان الولاة الاتراك، وخاضوا ضمن قبائل عربية اخرى معارك مشرفة ضد تجبر الاتراك ورغبتهم في السيطرة على الدواخل، وتعتبر ملحمة عمر فحيج الفرجاني الشهيره مثالا لرفض الحكم الاجنبي.
وعندما دخل الأيطاليون إلى ليبيا ساهمت قبائل العرب بترهونة في مواجهة المستعمر البغيض، وتجلت ابرز مساهمتهم الفاعلة في هزيمة القوات الايطالية في معارك: "الهاني" الشهيره حيث كانت لكتيبه قبائل ترهونه مشاركة حاسمه في الدفاع عن طرابلس.
وكان دور مقاتلى ترهونة بارزاً في معركة القرضابية الشهيرة جداً، وكان الجيش مؤلفا من أربعة عشر ألف مقاتل، وحاز الطليان المدافع والرشاشات دوماً فيما امتلك اهل ليبيا قلوبهم العاشقة لهذا التراب الغالي.
وكان مع هذا الجيش محموعة من القبائل الليبية برئاسة كل من : الساعدي بن سلطان قائدا لمقاتلى القبائل من ترهونة، و رمضان السويحلي قائداً لمصراتة، ومحمود عزيز في زليتن، ومحمد القاضي بمسلاتة، ومحمد بن مسعود بقماطة، وعمر العوراني من الساحل، و عبد النبي بلخير في ورفلة. وكل واحد من هؤلاء رئيس على جماعة من قبيلته. واتفقوا على أن يجتمع الجيش كله في بنعيزار. وكان الرئيس الأعلى لهذا الجيش الجنرال امياني و قد انقلب المقاتلون من جميع القبائل على الطليان بعد ان احتدم القتال مع المجاهدين المقابلين له بزعامة احمد سيف النصر كما أنه من أشهر المعارك التى كانت نتائجها مذهلة بعد معركةالقرضابية تلك المعركة التي أعرفها شخصيا (بالمعركة المنسية) في مدينة ترهونة و هى معركة كمين (وادى اشقيقة) التى قتل فيها 4061 جندى ايطالى و أسر فيها مايزيد عن 473 جندى و 31 ضابطا أى مامجموعه 504 اسير، وقد كان هذا النصر العزيز بفضل الله و توفيقه.
وحينما انقلب دليل الايطاليين المجاهد (علي سويدان الحاتمى) أخبر جيش المجاهدين بمسار الايطاليين العائدين إلى حامية طرابلس بعد نفاد مؤونتهم في ترهونة و أخبرهم بأن يترصدوا للجيش الايطالى في وادى اشقيقة القريب من عين الشرشارة غربا كان ذلك يوم 18 يونيو 1915 و قد تركهم المجاهدون عمدا يخرجون إلى الشمال الغربى حيث وادى الشقيقة حيث انهال الرصاص عليهم من كل حدب و صوب و أصبحوا محاصرين في وادى سحيق وعر يصعب التحرك فيه، و قضى فيها على الحامية بالكامل باستثناء الاسرى المذكورون اعلاه و لايعرف لماذا أهملت معركة وادى أشقيقة من بين معارك الجهاد رغم نتائجها التى لم تتحقق في أى معركة أخرى.
ويمكن الاطلاع على تفاصيل المعركة من مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية في باب (الاسرى الايطاليين) اذ ان الاسرى ال 504 في هذه المعركة احتجزوا (خدما عاملين) لدى عائلات المجاهدين إلى ان تم استبدالهم بالاسرى الليبيين لدى القوات الايطالية في أكبر عملية تبادل اسرى من نوعها في ذلك الوقت بعد مفاوضات طويلة امتدت إلى 28 يوليو 1916، وأجراها والى طرابلس انذاك الجنرال اميليو.
وخلال هذه المعركة العبقرية حوصرت الحامية الايطالية المتمركزة في ترهونة بكاملها مما دفع الحكومة الايطالية إلى محاولة إنقاذها وفك الحصار عنها وسحبها إلى الساحل وعمدت القيادة الايطالية إلى إعداد قوة كبيرة بقيادة الكولونيل روستي في محاولة لدعم الحامية المذكورة وتزويدها بالإمدادات والتموين بعد أن انقطعت عنها كل سبل الاتصال وقد خرجت هذه القوة الكبيرة من العزيزية يوم 12 مايو1915 متجهة نحو ترهونة لفك الحصار عن الحامية المذكورة ولكنها أوقفت في اليوم التالي 13-5-1915 في سيدي بوعرقوب ( الرقيعات) و(فم ملغة) واضطرت إلى الانسحاب من شدة المواجهات وتكبدت خسائر فادحة وأسر فيها 200 أسير ايطالي، وقد هبت قوة أخرى من العزيزية لنجدتها بقيادة كولونيل آخر وهو بيليا وقد تمكن هذا من الوصول إلى ترهونة يوم 16-5-1915 إلا أن قافلة الإمداد التابعة له قد انفصلت عنه مما زاد عدد أفراد القوات الايطالية المحاصرة على الحامية الأصلية فبعد أن انفصلت قافلة الإمدادات التابعة لقوة الكولونيل بيليا والتي وصلت إلى ترهونة ولم تتمكن من اللحاق به حيث حوصرت يوم 17-5-1915 في سوق الأحد ترهونة فأبادوها وغنموا ما كان معها من الإمدادات، فاضطرت القيادة الايطالية إلى تجريد قوة أكبر بقيادة الكولونيل مونتي لحراسة قافلة أخرى من الإمدادات ولكنها هوجمت هي الأخرى وقابلت نفس المصير وبعد فشل كل المحاولات لإنقاذ الحامية المحاصرة في ترهونة اتجه الايطاليون إلى إرسال قوة أخرى من القصبات (أمسلاته) بقيادة الكولونيل كاسينس ولكن هذه القوة لم تتمكن من الوصول إلى ترهونة نتيجة للمقاومة العنيفة التي واجهتها في المنطقة، فأبلغت القيادة هذه القوة بقيادة كاسينس للعمل على شغل المقاتلين في ترهونة وجرهم إلى منطقة الداوون شرق ترهونة وذلك لتسهيل انسحاب الحامية المحاصرة والخروج إلى عين زارة عن طريق سوق الأحد على أن تقوم القوات الايطالية في العزيزية وعين زارة بعمليات تشغل المقاتلين عن عملية الانسحاب للحامية المحاصرة، وخلصت المعركة لأكبر عملية فشل في التاريخ العسكري الأيطالي خسر فيها الاحتلال أكثر من 4000 جندي.
وتذكر تفاصيل المعركة في محاصرة - الاسرى الايطاليون في ليبيا- ضمن مركز جهاد الليبيين ضد الغزو الايطالى- ومن زعماء الجهاد المعروفين في ترهونة و في ليبيا كلها أحمد بك المرايض من قبيلة العواسة، و الهاد ىالمبروك المنتصر من الدراهيب وعبد الصمد النعاس من أولاد امعرف وهؤلاء مشهورون كثيراً، وان غاب عني البعد التاريحي والألمام بكل القبائل وبدورها في المعركة، لكن يوجدغيرهم كثيرون من كل القبائل الا انه لم يكن لهم دور سياسى يسجله الاعلاميون انذاك لهذا لم يعرفوا الا من خلال الروايات الشفوية المحلية التى لازالت تتداول بين كبار السن.
ولم تشهد ترهونة بفضل الله تعالى انقساما اثناء النزاع السياسى بين زعماء الجهاد قبل أو بعد اعلان الجمهورية الطرابلسية التى كان لمجاهدى ترهونة دورا كبيرا في تأسيسها، بل ان ترهونة تشرفت بتزعم المصالحة بين المتخالفين من الزعماء أكثر من مرة، كان ءاخرها عندما اشترط عبد النبى بالخير التقابل بين الزعماء لتسوية الخلاف بينهم عند قبيلة المزاوغة الاشراف في منطقة (سيدى الشارف ) وجاء في موكب مهيب من 40 فارسا من بنى وليد و تعاهدوا على مواصلة الجهاد و تسوية الخلاف فيما بعد حسبما ذكر كتاب عبد النبى بالخير من تاليف ابنه يونس عبد النبى بالخير رحمهم الله اجمعين.
ويكفى شرفا لترهونة شهادة عدوها واقراره الجنرال السفاح الملعون (جراتسيانى) في كتابه( نحو فزان) عن معارك قواته مع مجاهدى قبائل ترهونة الذى قال فيه (و بسقوط ترهونة تنتهى حركة المقاومة في المنطقة الغربية من ليبيا), ومعركة الشقيقة هى أكبر صفعة تلقتها إيطاليا في حركة الجهاد في ليبيا, وقد قام جراتسيانى بعد تولى الفاشيست الحكم فى ايطاليا واعادة احتلال ترهونة باعدام المجاهد (سويدان الحاتمى ) شنقا في ساحة السوق في ترهونة بمجرد احتلالها من جديد في العهد الفاشى لإيطاليا، نفس المشهد الذي شهده اعدام المجاهد العملاق عمر المختار.
ومن ملاحم الجهاد ايضا توجد معركة الاكوام، ومعركة البويرات، ومعركة الداوون, ووادى سرط، ومعلوم ان مساندة مجاهدى ترهونة كانت حاضرة في أغلب معارك الجهاد في المناطق المحيطة بها سواء في النواحى الاربعة و مسلاته، بل و في معركة القرضابية نفسها و معركة الهانى حيث خاض الاجداد كفاحا مريرا ضد الاحتلال الذى سلب من الناس الارض التي كانت مصدر الرزق الوحيد انذاك.
يذكر أن ترهونة قسمت في العهد العثماني الي اربعة أرباع، ويبدوا ان هذا التقسيم كان اداريا وامنيا لتسهيل السيطرة على موارد المنطقة و جباية ضرائبها ولشق الصف ومنع اي تمرد قد يخرج المنطقه علي سيطرتهم.
وهذه الارباع هى ربع اولاد امعرف، ربع اولاد مسلم، ربع الحواتم، وربع الدراهيب، ولاعلاقة لتسمية الربع بنفوذ القبيلة أو قوتها اذا أن ربع اولاد امسلم من أكبر الارباع فهذه المسميات حددت من قبل الاتراك ابان الاحتلال العثمانى لجباية الضرائب، ويبدو أن لها علاقة بموارد المياه أكثر من أى شىء اخر, و قبائل ترهونة التى تزيد عن 66 قبيلة لا تتوزع على هذه الارباع بالتساوى فمثلا ربع اولاد امعرف لا يزيد عدد القائل فيه عن 15 قبيلة أما ربع الحواتم أو اولاد امسلم فيزيد عن 30 قبيلة وكذلك العدد قليل في ربع الدراهيب.
ومن القبائل على سبيل المثال لا الحصر اولاد على والمقاقرة والزغادنة والعبانات والسلامات والبركات والاباضى والحمادات والعبابسة والصوالح واولاد ترهون والنعاعجة والدوايم والشفاترة واولاد حمد والحجاج والطرشان والرحايمية والعواسة والفطيمات والكوانين والمهادى والغرارات والبهاليل والعماريين والعوامر والمعمريين واولاد يوسف والزقايزية ومرغنة والعزيب والهماملة والعبادلة والمصابحة والمزاوغة والفرجان والمهادى والقراقطة واولاد بوزيد والزرق والزرقان والشقاقات وغيرهم كثيرون لا يحضر ذكرهم حاليا لكنهم كثر.
وانجت ترهونة عدد ضخم من الشخصيات المهمة، والتي لعبت دورا في تاريخ المنطقة بما فيها مصر أيضا، وفي العصر الحديث برزت بعض القيادات من المدينه بسبب الاحداث التاريخيه التي عاصرتها وكان لها دور هام فيها ومن هذه الاسماء:
1ـ احمد طاهر المرييض:رئيس مجلس الجمهورية الطرابلسيه 1915-1920, وأحد أبناء المدينه، واحد القاده السياسيين البارزين في حركة الجهاد, وقد ربطته علاقه ممتازه بقيادات الجهاد الميدانيين فاستطاعو جعل ترهونه ومسلاته ثقل عسكري كبير أرهق الاحتلال، كما كان احد القاده الاربعه المعروفين (احمد المريض, رمضان السويحلي, سليمان الباروني وعبد النبي بلخير) المعروفين باسم المؤسسين للجمهوريه الطرابلسيه التي تاسست في اجتماع مسلاته في 16 / 11 / 1918، لكن بعد انقسام الصف الداخلي واستشهاد المجاهد رمضان السويحلي قاد المجاهد احمد المريض حركه توحيد الصف من جديد، وانتخب رئيسا للجنة التصحيح المركزية 1920-1923 .
وبعد انتصار الحزب الفاشي اعاد الطليان تنظيم صفوفهم والتجهيز لاستكمال احتلال ليبيا, وسقطت المدينه للمره الثانيه سنة 1923 بعد طردهم منها بمعركة الشقيقه سنة 1915. وبعد سقوط المدينه انتقل مع بعض عائلات المجاهدين الي المنفي بمصر وشارك في انشطه العمل الوطني بالمنفي واخرها مؤتمر الاسكندريه 1939. وظل بها حيث توفي هناك.
2ـ الشهيد علي سويدان الحاتمي: ولد بقرية الحواتم قرب الشرشاره, بطل المعركة المنسية ( الشقيقه), الذي تسبب في هزيمه نكراء للجيش الايطالي بترهونه أدت الي طردهم منها عام 1915. ومع تزامن وصول الحزب الفاشيستي إلى الحكم في إيطاليا، انعكس التغيير على الأحوال في المستعمرات الايطالية، فعاد الجيش الايطالي لاحتلال المنطقه من جديدعام 1922. واصبح علي سويدان المطلوب الاول وتم القبض عليه واعدم شنقا سنة 1923، وسط جموع من الناس في ساحة المدينه قباله المسجد الاثري وتخليدا لذكراه ولشهداء لتلك المعركه, ينتصب في مكان اعدامه اليوم النصب التذكاري لشهداء تلك المعركه الخالده.
3- الهادي المنتصر: المعروف باسم "أحدزعماء الجهاد الليبي", ولد بمنطقة سوق الاحد بترهونه، واصبح احد قادة الجهاد البارزين منذ بداية الغزو، وقاد المنتصر مجاهدي المناطق الغربيه في ترهونه بمعارك شارع الشط وعين زاره وبئر ترفاس خلال 1911-1912، وكانت جيوش المجاهدين في هذه المعارك تتالف من مجاهدي تاجورا بقيادة علي تنتوش وشرق ترهونه ومسلاته بقيادة احمد المريض، الي جانب ماتبقي من القوات العثمانيه في طرابلس وقد حققو انتصارت مهمه الا ان الفارق في التسليح قد حسم احتلال طرابلس سنه 1912.
4- الشيخ عبد الصمد النعاس: كان ممثلاً لترهونة, وعضوا في مجلس شورى الجمهورية الطرابلسية التى اسست عام1918 .
5- الساعدى بن سلطان مجاهد شهير من قبيلة الصوالح و كان له دور كبير في معارك الجهاد وكان زعيم المقاتلين من قبائل ترهونة في معركة القرضابية الشهيرة و قد سميت علي اسمه ( كتيبة الساعدى)
https://www.youtube.com/watch?v=5HHqZorTpD8