#ثورة_عمر_بن_حفصون_وواقعنا_المعاصر
بقلم / د. زين العابدين كامل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
فلا شك أننا في أمس الحاجة إلى الرجوع إلى تاريخنا وتجارب الأمم والشعوب من قبلنا، ومع كثرة الأحداث و المتغيرات على الساحة العالمية ، وما تتعرض له الأمة من مكائد من قبل أعدائها والمتربصين بها ، فإنه يتحتم على أبنائها المخلصين من الباحثين أن يقوموا بواجب التنقيب في حقول التاريخ ، للوقوف على ما ينفع الأمة في حاضرها ومستقبلها ، فما أحوج الأمة اليوم إلى أن تنظر في صفحات تاريخها بعمق وشمولية ، وتتعلم من تجارب السابقين ، ولقد قص الله علينا في القرآن كثيرًا مِن أحوال السابقين وقصص الأنبياء وتجارب الأمم، وقد أَوْلاها القُرآن قِسْطًا كبيرًا مِن العرض؛ لأن في ذلك عبرًا ودروسًا وعظات لمَن يرومها ويطلبها، قال -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (يوسف:111) .
ولقد مرت الأمة بكثير من الأحداث المؤلمة ، ولكن في دراستها منافع للناس في حاضرهم ومستقبلهم ، فلقد قامت كثير من الثورات وحركات المعارضة عبر التاريخ الإسلامي ، ولاشك أن تلك الثورات كانت لها أسباب وترتب عليها نتائج ، ودراسة أحوال الثورات وحركات المعارضة وما شابها من أحداث وفتن وقلائل ، يحتاج إلى نظرة تحليلية ، ومن ثم تتحقق الغاية من دراسة التاريخ .
ومن الثورات الخطيرة التي قامت في العصور الإسلامية ، ثورة عمر بن حفصون في بلاد الأندلس على بني أمية الذين أسسوا دولة لهم عام 138هـ ، وذلك بعد زوال ملكهم في المنطقة العربية على يد العباسيين عام 132هـ ، وتعد هذه الثورة من أخطر الثورات التي قامت في بلاد الأندلس ،حيث أنها هزت كيان الدولة وأثرت على وحدتها وتماسكها.
وقد كان عمر بن حفصون مسلمًا من المولدين ( سكان الأندلس الأصليين ) وكان في بداية حياته قاطعًا للطريق ، وكان يتزعم عصابة يقومون بأعمال النهب والإعتداء على الأنفس والأموال ، وكان ينزل بمكان منيع بجبل( بَشتر) الواقع شمال شرقي جبال رندة، ، ثم ثار وتحول إلى قائدة ثورة مسلحة، وكان ذلك في سنة 267 هـ / 880 م ، فقد ثار في ناحية (رية ومالقة) والتف حوله عشرات الألاف ممن لهم تحفظات على نظام الحكم والإدارة ، ويشتكون من سوء معاملة بعض الولاة ، حتى استفحل أمره سريعًا وزاد حجمه وقويت شوكته وعظم جيشه، وتوالت عليه المعارك إلا أنه استطاع في النهاية أن يسيطر على كل الجنوب الأندلسي بما فيها مدينة غرناطة، وفي عام 286 هـ / 899 م ، حدث تطور خطير للغاية ، فلقد ارتد ابن حفصون عن الإسلام وانقلب على عقبيه وتحول من الإسلام إلى النصرانية ، وسمى نفسه ( صمويل) وكان ابن حفصون يلقى تأييدًا واسعًا ومساعدة من مملكة ليون النصرانية ، ثم مع قيام الدولة العبيدية الشيعية في بلاد المغرب ، قامت بتأييده ومساعدته أيضًا ، حيث اعترف به عبيد الله المهدي وكان يمده بالسلاح وغيره ، واستمر ابن حفصون في قتاله للدولة الأموية في الأندلس حتى مات عام 306 هـ ، فلقد ظل يقاتل الدولة ويحاربها ويكبدها الخسائر ما يقرب من أربعين سنة تقريبًا ، منذ عصر محمد بن عبد الرحمن الأوسط خامس أمراء بني أمية ، وهو الذي حاول أن يقضي على الثورة وأنفق على ذلك أموالا طائلة ، حتى أنه تُوفي وكان ابنه المنذر على رأس جيش يحاصر ابن حفصون ، لكنه عجز عن تحقيق هدفه في القضاء عليها ، إلا أنه قد نجح في أن يضيق الخناق على ابن حفصون ، ثم يأتي عصر عبد الرحمن الناصر لدين الله ، ثامن حكام بني أمية في الأندلس ، وهو الملقب بمنقذ الأندلس ومُطفىء نار الفتنة فيها ، وقد أبلى الأمير عبد الرحمن الناصر رحمه الله بلاءً حسنًا في مواجهة عمر بن حفصون ، حتى أن عبد الرحمن الناصر قد خرج بنفسه قائدًا على حملة عسكرية لقتال صمويل المرتد ، وكان ذلك في شهر شعبان عام 300هـ ، وذلك بعد توليه الحكم بشهرين فقط ، وقد استمرت الحملة ثلاثة أشهر كاملة؛ واستطاع الناصر أن يسترد مدينة جَيَّان, وهي من المدن الحصينة في الأندلس, كما استردَّ فيها سبعين حصنًا من حصون المعاقل الثائرة والمتمردة ، لكن لا يزال ابن حفصون يتمتع بقوة عسكرية كبيرة ، فالمدد يأتيه من الشمال من دول النصارى, و من الجنوب من الدولة العبيدية الشيعية ، هذا فضلاً عن إمدادات مدينة إِشْبِيلِيَة, التي كان عليها حاكم مسلم من بني حجاج, لكنه كان متمرِّدًا هو الآخر على سلطة قُرْطُبَة ، وكان يملك جيشًا عظيمًا أيضًا ، ثم في عام 301هـ سار الناصر إلى مدينة إِشْبِيلِيَة واستطاع أن يضمَّها إليه؛ فقويت بذلك شوكته ، حيث أن مدينة أشبيلية هي أكبر مدن الجنوب بعد قُرْطُبَة ، وهكذا قطع الناصر عن صمويل كثيرًا من الإمدادات بعد أن ضم إشبيلية إليه ، ثم استطاع الناصر أن يسترد من صمويل جبال رُنْدة ثم شَذُونَة ثم قَرْمُونَة وهي جميعًا من مدن الجنوب ، ثم تعمَّق عبد الرحمن الناصر لدين الله بعد ذلك ناحية الجنوب حتى وصل إلى مضيق جبل طارق فسيطر عليه أيضًا ، ويكون بذلك قد قطع الإمدادات والمساعدات التي كانت تأتيه من الجنوب من الدولة العبيدية الشيعية ،ثم قطع الإمدادات التي كانت تأتيه من الدول النصرانية في الشمال عن طريق المحيط الأطلسي ، ثم مضيق جبل طارق ، ثم البحر الأبيض المتوسط ، وهنا لم يجد صمويل المرتد بُدًّا من طلب الصلح والمعاهدة مع عبد الرحمن الناصر لدين الله ، على أن يُعطيه الناصر 162 حصنًا من حصونه ، وبالفعل قَبِلَ الناصر المعاهدة ووافق على الصلح مع صمويل بن حفصون ، لأنه كان يريد أن يتفرغ لغيره كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية ،
ويعلق المؤرخ المصري محمد عبد الله عنان رحمه الله على ثورة ابن حفصون قائلًا : " وقد بالغت التواريخ النصرانية في تصوير ثورة عمر بن حفصون الطويلة المدى، واعتبارها ثورة قومية تهدف إلى غاية وطنية سامية، وهي تحرير وطنه - إسبانيا - من نير المتغلبين عليه، وأنه كان في مناوأته لحكومة قرطبة الإسلامية يجيش بهذه النزعة، ويهدف إلى هذه الغاية ، وعمل النقد الحديث على إبراز هذه الصورة، وعلى اعتبار ابن حفصون بطلاً قومياً، جديرًا بالتقدير والاحترام ، وتحرير مواطنيه من نير المسلمين، بيد أنه لم يكن في هذا الزعم سوى مخادع سياسي، يسعى إلى كسب الصحب والأنصار لتقوية مركزه، ودعم سلطانه، ولم يكن يصدر في مغامراته وحروبه أو في أعماله خلال ثورته الطويلة، عن أية نزعة نبيلة، أو تصرف تطبعه الشهامة والعزة القومية، بل كانت أعماله وتصرفاته كلها، بغى صراح، وإجرام في إجرام، وامتهان لكل المبادئ الأخلاقية، وكل مقتضيات الشرف والمروءة والشهامة ، ومن كان هذا شأنه ، فإنه من التعسف أن تُسبغ عليه صفات البطولة، وثوب التحرير والوطنية " ([1]) ،
وهكذا قامت تلك الثورة الغاشمة ، وهكذا كبدت المسلمين كثيرًا من الخسائر البشرية والمادية ، وهكذا أثرت الثورة على قوة المسلمين ووحدتهم في الأندلس لفترة طويلة ، وهكذا رأينا كيف أن أعداء الأمة من نصارى مملكة ليون ، وكذا الدولة العبيدية الشيعية ، قد ساندوا الثورة وأيدوها وأمدوها بالسلاح والعتاد ، واعترفوا بقائدها وشرعنوا ثورته ، واعتبروها ثورة وطنية نبيلة .
فعلينا أن نتعلم من دروس التاريخ ، وأن نحافظ على وحدة الأمة وقوتها وتماسكها ، ونحذر من الفرقة الاختلاف ، وألا ننجرف مع التيارات والحركات التي ترفع بعض الشعارات الإصلاحية المطاطة ، ولنحذر كل الحذر من أعداء الأمة الذين يُحرضون بعض أبنائها على القيام ببعض الأعمال التي تخدم مصالحهم الخبيثة وتُضعف من قوتنا ووحدتنا وتماسكنا.
بقلم / د. زين العابدين كامل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
فلا شك أننا في أمس الحاجة إلى الرجوع إلى تاريخنا وتجارب الأمم والشعوب من قبلنا، ومع كثرة الأحداث و المتغيرات على الساحة العالمية ، وما تتعرض له الأمة من مكائد من قبل أعدائها والمتربصين بها ، فإنه يتحتم على أبنائها المخلصين من الباحثين أن يقوموا بواجب التنقيب في حقول التاريخ ، للوقوف على ما ينفع الأمة في حاضرها ومستقبلها ، فما أحوج الأمة اليوم إلى أن تنظر في صفحات تاريخها بعمق وشمولية ، وتتعلم من تجارب السابقين ، ولقد قص الله علينا في القرآن كثيرًا مِن أحوال السابقين وقصص الأنبياء وتجارب الأمم، وقد أَوْلاها القُرآن قِسْطًا كبيرًا مِن العرض؛ لأن في ذلك عبرًا ودروسًا وعظات لمَن يرومها ويطلبها، قال -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (يوسف:111) .
ولقد مرت الأمة بكثير من الأحداث المؤلمة ، ولكن في دراستها منافع للناس في حاضرهم ومستقبلهم ، فلقد قامت كثير من الثورات وحركات المعارضة عبر التاريخ الإسلامي ، ولاشك أن تلك الثورات كانت لها أسباب وترتب عليها نتائج ، ودراسة أحوال الثورات وحركات المعارضة وما شابها من أحداث وفتن وقلائل ، يحتاج إلى نظرة تحليلية ، ومن ثم تتحقق الغاية من دراسة التاريخ .
ومن الثورات الخطيرة التي قامت في العصور الإسلامية ، ثورة عمر بن حفصون في بلاد الأندلس على بني أمية الذين أسسوا دولة لهم عام 138هـ ، وذلك بعد زوال ملكهم في المنطقة العربية على يد العباسيين عام 132هـ ، وتعد هذه الثورة من أخطر الثورات التي قامت في بلاد الأندلس ،حيث أنها هزت كيان الدولة وأثرت على وحدتها وتماسكها.
وقد كان عمر بن حفصون مسلمًا من المولدين ( سكان الأندلس الأصليين ) وكان في بداية حياته قاطعًا للطريق ، وكان يتزعم عصابة يقومون بأعمال النهب والإعتداء على الأنفس والأموال ، وكان ينزل بمكان منيع بجبل( بَشتر) الواقع شمال شرقي جبال رندة، ، ثم ثار وتحول إلى قائدة ثورة مسلحة، وكان ذلك في سنة 267 هـ / 880 م ، فقد ثار في ناحية (رية ومالقة) والتف حوله عشرات الألاف ممن لهم تحفظات على نظام الحكم والإدارة ، ويشتكون من سوء معاملة بعض الولاة ، حتى استفحل أمره سريعًا وزاد حجمه وقويت شوكته وعظم جيشه، وتوالت عليه المعارك إلا أنه استطاع في النهاية أن يسيطر على كل الجنوب الأندلسي بما فيها مدينة غرناطة، وفي عام 286 هـ / 899 م ، حدث تطور خطير للغاية ، فلقد ارتد ابن حفصون عن الإسلام وانقلب على عقبيه وتحول من الإسلام إلى النصرانية ، وسمى نفسه ( صمويل) وكان ابن حفصون يلقى تأييدًا واسعًا ومساعدة من مملكة ليون النصرانية ، ثم مع قيام الدولة العبيدية الشيعية في بلاد المغرب ، قامت بتأييده ومساعدته أيضًا ، حيث اعترف به عبيد الله المهدي وكان يمده بالسلاح وغيره ، واستمر ابن حفصون في قتاله للدولة الأموية في الأندلس حتى مات عام 306 هـ ، فلقد ظل يقاتل الدولة ويحاربها ويكبدها الخسائر ما يقرب من أربعين سنة تقريبًا ، منذ عصر محمد بن عبد الرحمن الأوسط خامس أمراء بني أمية ، وهو الذي حاول أن يقضي على الثورة وأنفق على ذلك أموالا طائلة ، حتى أنه تُوفي وكان ابنه المنذر على رأس جيش يحاصر ابن حفصون ، لكنه عجز عن تحقيق هدفه في القضاء عليها ، إلا أنه قد نجح في أن يضيق الخناق على ابن حفصون ، ثم يأتي عصر عبد الرحمن الناصر لدين الله ، ثامن حكام بني أمية في الأندلس ، وهو الملقب بمنقذ الأندلس ومُطفىء نار الفتنة فيها ، وقد أبلى الأمير عبد الرحمن الناصر رحمه الله بلاءً حسنًا في مواجهة عمر بن حفصون ، حتى أن عبد الرحمن الناصر قد خرج بنفسه قائدًا على حملة عسكرية لقتال صمويل المرتد ، وكان ذلك في شهر شعبان عام 300هـ ، وذلك بعد توليه الحكم بشهرين فقط ، وقد استمرت الحملة ثلاثة أشهر كاملة؛ واستطاع الناصر أن يسترد مدينة جَيَّان, وهي من المدن الحصينة في الأندلس, كما استردَّ فيها سبعين حصنًا من حصون المعاقل الثائرة والمتمردة ، لكن لا يزال ابن حفصون يتمتع بقوة عسكرية كبيرة ، فالمدد يأتيه من الشمال من دول النصارى, و من الجنوب من الدولة العبيدية الشيعية ، هذا فضلاً عن إمدادات مدينة إِشْبِيلِيَة, التي كان عليها حاكم مسلم من بني حجاج, لكنه كان متمرِّدًا هو الآخر على سلطة قُرْطُبَة ، وكان يملك جيشًا عظيمًا أيضًا ، ثم في عام 301هـ سار الناصر إلى مدينة إِشْبِيلِيَة واستطاع أن يضمَّها إليه؛ فقويت بذلك شوكته ، حيث أن مدينة أشبيلية هي أكبر مدن الجنوب بعد قُرْطُبَة ، وهكذا قطع الناصر عن صمويل كثيرًا من الإمدادات بعد أن ضم إشبيلية إليه ، ثم استطاع الناصر أن يسترد من صمويل جبال رُنْدة ثم شَذُونَة ثم قَرْمُونَة وهي جميعًا من مدن الجنوب ، ثم تعمَّق عبد الرحمن الناصر لدين الله بعد ذلك ناحية الجنوب حتى وصل إلى مضيق جبل طارق فسيطر عليه أيضًا ، ويكون بذلك قد قطع الإمدادات والمساعدات التي كانت تأتيه من الجنوب من الدولة العبيدية الشيعية ،ثم قطع الإمدادات التي كانت تأتيه من الدول النصرانية في الشمال عن طريق المحيط الأطلسي ، ثم مضيق جبل طارق ، ثم البحر الأبيض المتوسط ، وهنا لم يجد صمويل المرتد بُدًّا من طلب الصلح والمعاهدة مع عبد الرحمن الناصر لدين الله ، على أن يُعطيه الناصر 162 حصنًا من حصونه ، وبالفعل قَبِلَ الناصر المعاهدة ووافق على الصلح مع صمويل بن حفصون ، لأنه كان يريد أن يتفرغ لغيره كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية ،
ويعلق المؤرخ المصري محمد عبد الله عنان رحمه الله على ثورة ابن حفصون قائلًا : " وقد بالغت التواريخ النصرانية في تصوير ثورة عمر بن حفصون الطويلة المدى، واعتبارها ثورة قومية تهدف إلى غاية وطنية سامية، وهي تحرير وطنه - إسبانيا - من نير المتغلبين عليه، وأنه كان في مناوأته لحكومة قرطبة الإسلامية يجيش بهذه النزعة، ويهدف إلى هذه الغاية ، وعمل النقد الحديث على إبراز هذه الصورة، وعلى اعتبار ابن حفصون بطلاً قومياً، جديرًا بالتقدير والاحترام ، وتحرير مواطنيه من نير المسلمين، بيد أنه لم يكن في هذا الزعم سوى مخادع سياسي، يسعى إلى كسب الصحب والأنصار لتقوية مركزه، ودعم سلطانه، ولم يكن يصدر في مغامراته وحروبه أو في أعماله خلال ثورته الطويلة، عن أية نزعة نبيلة، أو تصرف تطبعه الشهامة والعزة القومية، بل كانت أعماله وتصرفاته كلها، بغى صراح، وإجرام في إجرام، وامتهان لكل المبادئ الأخلاقية، وكل مقتضيات الشرف والمروءة والشهامة ، ومن كان هذا شأنه ، فإنه من التعسف أن تُسبغ عليه صفات البطولة، وثوب التحرير والوطنية " ([1]) ،
وهكذا قامت تلك الثورة الغاشمة ، وهكذا كبدت المسلمين كثيرًا من الخسائر البشرية والمادية ، وهكذا أثرت الثورة على قوة المسلمين ووحدتهم في الأندلس لفترة طويلة ، وهكذا رأينا كيف أن أعداء الأمة من نصارى مملكة ليون ، وكذا الدولة العبيدية الشيعية ، قد ساندوا الثورة وأيدوها وأمدوها بالسلاح والعتاد ، واعترفوا بقائدها وشرعنوا ثورته ، واعتبروها ثورة وطنية نبيلة .
فعلينا أن نتعلم من دروس التاريخ ، وأن نحافظ على وحدة الأمة وقوتها وتماسكها ، ونحذر من الفرقة الاختلاف ، وألا ننجرف مع التيارات والحركات التي ترفع بعض الشعارات الإصلاحية المطاطة ، ولنحذر كل الحذر من أعداء الأمة الذين يُحرضون بعض أبنائها على القيام ببعض الأعمال التي تخدم مصالحهم الخبيثة وتُضعف من قوتنا ووحدتنا وتماسكنا.