فتوات الإسكندرية
من حميدو الفارس. لاحمد ميرو اسد كامب شيزار
من خطف الجاسوس عزام عزام إلى حرق محطات بنزين اليونان
جريشة والأحمر و الدقة والبواب أشهر من أنجبت الإسكندرية
الإسكندرية مدينة مختلفة عن أي مكان آخر في مصر، فهي عالم سري يصنع رجاله بطولات أسطورية ترضي المزاج الشعبي المتعطش إلي الشهامة، وهي العملة «المحرمة» التي يطارد القانون أصحابها بنفس القوة التي يلجأ إليهم بها.. فطوال تاريخها، عرفت الإسكندرية أسماء غاب اصحابها عن الحياة وعاشت سيرتهم بعدهم، حميدو الفارس ومصطفي عبدالمعطي«جريشة» والدأراوي ومحمد الاحمر بعضهم مازال يمشي بيننا، ويمارس دوره الفولكلوري في حل المشكلات الكبري، بدءا من الفتنة الطائفية الي الصراعات التي قد تؤدي إلي القتل.. تتذبذب علاقتهم برجال الشرطة ما بين الصداقة الحقيقية والعداوة المطلقة، فأحياناً يصبح فتوات الإسكندرية هم الاسرع في إعادة المختطفين بسبب مشكلات عائلية أو دينية، وأحياناً يتمكنون باتصالات خاطفة من معرفة مكان سيارة ثمينة تمت سرقتها من أحد الاثرياء بسبب إهماله، وفي حالات كثيرة يتمكن فتوات الاسكندرية من التوصل إلي الجناة في بعض قضايا القتل الغامضة والسرقات الكبري خاصة التي تحدث للشخصيات المهمة، لكنهم يرفضون دائماً التعاون في قضايا المخدرات والتهريب، فجميعهم يعرفون بعضهم، ليس في الإسكندرية فقط، ولكن في أغلب المحافظات.. بعضهم مسجل خطر مخدرات والبعض الآخر مصنف خطر علي الأمن العام من الفئة
الأولي، ورغم ذلك جميعهم لم تصدر بحقهم احكام قضائية مع أنهم ذاقوا مرارة الاعتقال الجنائي عدة مرات، وجميعهم يتفقون علي مبادئ «الفتونة» والرجولة منهم من ذاع صيته كمصباح غريب القادم من بورسعيد وتوتو رومية من دمنهور وزغلول خليفة «العمدة» من كفر الشيخ ومصطفي الترماي من شبرا وخلف أبوالدهب من فيصل وصبري نخنوخ من الجيزة، ورغم كل هذه الأسماء الشهيرة إلا أن الاسكندرية قدمت عدداً أكبر من الفتوات المعاصرين الذين أطلق عليهم أبناء الأحياء الشعبية أسماء رنانة، مثل أبوأحمد فتوة منيا البصل الملقب بالهرم الرابع، أيضاً هناك «الدقة» ابن البلد من كرموز والذي ذاع صيته في العراق وهناك نبيل البواب من القباري الذي رسم السجناء صورته في مدخل سجن الغربانيات ببرج العرب بعد أن خطف الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام من عنبره «التجربة» الأكثر فسوة علي جميع المساجين في الحبس الانفرادي، والذي أمضي فيه الجاسوس فترة كبيرة من عقوبة كان خلالها يحظي بمعاملة خمس نجوم..
قبل أن ينهي الفتوة الإسكندراني نبيل البواب أسطورته باختطافه واحتجزه لساعات طويلة في أبريل 1999، ولم يتركه «البواب» إلا بعد أن رسم في وجهه علامة يصعب أن تمحوها الأيام أو جراحات التجميل ووقتها وجهت له السلطات المصرية الاتهام للبواب بالخطف وباحتجاز رهينة وإثارة الشغب، وكاد يحاكم لولا تدخل جهات سيادية اعتبرت ما قام به «البواب» عملاً بدوافع وطنية. ومن أشهر فتوات الإسكندرية أيضاً فرج الأسود من بحري والملقب بفهد السجون والذي كان مسئولاً عن ضبط ايقاع الحبسجية ومنعهم من إثارة الشغب بكلمة واحدة منه.. ومن بين هولاء الفتوات صبري نخنوخ الذي جسد شخصيته علي شاشة السينما الفنان الكوميدي أشرف عبدالباقي بصورة هذيلة، وكانت السينما المصرية قد حاولت التأريخ لعدد من الفتوات، مثلما حدث في فيلم «الرجل الثالث» الذي لعب بطولته النجم الراحل أحمد زكي والذي تدور احداثه حول قصة تهريب حقيقية في الإسكندرية ومازال أبطالها يتذكرون تفاصيلها. الغريب أن السجلات الجنائية لفتوات الإسكندرية تضم معظمها اتهامات بمقاومة السلطات لحساب البسطاء، ويتذكر أهالي منطقة القباري أحد فتواتهم الذي اشتهر بحبس قوة كبيرة من قسم الشرطة ومحاولته إشعال النار فيهم لولا تمكنهم من النجاة في اللحظة الأخيرة، كما يتذكر أهالي الإسكندرية معارك من نوع خاص لم تجد السلطات الأمنية حلاً فيها سوي رش «البينج» في وجه «فتوة» مسجل خطر من الفئة «أ» حتي تتمكن من القبض عليه، كما تتذكر مناطق الشلالات مسجوناً مقيد «حجلات» من يديه وقدميه وهو يهرب من عدد كبير من رجال المباحث بعد أن أصاب عدداً منهم بإصابات مختلفة لأن أحدهم سبه بأمه، ولم يتمكنوا من القبض عليه إلا بعد دهسه بسياراتهم.
بعض هؤلاء الفتوات كانوا يتلقون هدايا لا تقدر بثمن بينها سيوف أثرية كتب عليه احدها «Henny center wenston» وأحد الفتوات تلقي سيفاً يحمل اسم /center «القلب الشجاع» وهو من السيوف المرصعة بالأحجار الكريمة أهداها إليه ثري عربي. ومن بين الهدايا التي يعتز بها فتوات الإسكندرية عصا مكافحة الشغب الأمريكية التي أهداها إليهم طيار أمريكي مقاتل كان في زيارة للإسكندرية وكاد يتعرض للقتل في معركة بأحد الملاهي الليلية بسبب صحبته لنساء جميلات، لولا تدخل احد الفتوات لإنقاذه، فقدم له الطيار العصا كهدية. الحكايات الموثقة لحياة فتوات الإسكندرية قد تحتاج إلي «مجلد» وليس تحقيقاً صحفياً فهم يتبعون حكمة تلخصها عبارة «رجل في بلاده..
رجل في بلاد الناس» لذلك دخل بعضهم في معارك أشبه بالحروب في بلاد غريبة، ومن بين هذه المعارك ما حدث في منطقة «المربعة» في بغداد والتي كان بطلها «الدقة ابن البلد» فتوة كرموز، ووقتها كان «الدقة» موجوداً في «بار» السويس عندما علم بنشوب مشاجرة بين مجموعة من السكندريين المصريين وبين مجموعة أخري من الغرباء، فاصطحب مجموعة من أبناء الإسكندرية في العراق وتدخلوا في المشاجرة التي ظلت لسنوات طويلة رمزاً لكفاح المصريين في الغربة. وفي الأردن وتحديداً في منطقة جبل القصور علم أحد فتوات الإسكندرية أن عدداً من أصدقائه تعرضوا للضرب والطرد من منازلهم بعد أن استولي أصحاب المنزل علي متعلقاتهم فخاض معركة ضخمة أعاد خلالها أصحابه إلي شققهم، وهو ما دفع السلطات الأردنية لترحيله إلي مصر. ومن الحكايات الشهيرة التي تروي عن فتوات الإسكندرية ما حدث في مدينة ميلانو الإيطالية وتحديداً منطقة برسو عندما تشاجر ثلاثة مصريين بينهم فؤاد خباثة من كامب شيزار وعبدالله الجدي من شبرا مع عدد من أفراد المافيا الإيطالية، وكانت المفاجأة أن المصريين الثلاثة كادوا أن يشعلوا المدينة لولا تكاثر الإيطاليين عليهم، ولم ينج الثلاثة إلاعندما استولي أحدهم علي عربة «ترام» ليفر بها مع أصدقائه..
وفي منطقة كامب ميكانوس السياحية في اليونان دخل أحد فتوات الإسكندرية في «خناقة» مع عدد من اليونانيين الذين أجبروا أحد أصدقائه علي تطليق زوجته اليونانية، وأساءوا معاملة 4 مصريين يعملون في الكامب، ووقتها تعامل الفتوة مع الموقف كما لو كان في الإسكندرية، لكن أدت المعركة لاشتعال محطة بنزين في الكامب السياحي وطاردت السلطات اليونانية الفتوة الاسكندراني ففر الي أثينا ومنها إلي ميناء بريا- 60بعد أن مزق جواز سفره حتي لا تستدل السلطات اليونانية علي شخصيته إذا وقع في قبضتها، وفي بريا صعد الفتوة خلسة إلي مركب إيطالي يسمي إكسبريس في رحلة سياحية لموانئ البحر المتوسط وعندما وصل المركب إلي الإسكندرية نجح الفتوة في التسلل لخارج الميناء رغم الإجراءات الأمنية المشددة.
بعض الفتوات كانت لهم مواقف شهيرة في السجون والمعتقلات المصرية، أشهرها عندما تمكن أحد فتوات الإسكندرية أثناء اعتقاله في عام 2005 من توفير طعام وبطاطين لأكثر من 150 فرداً من المعتقلين في الأحداث الطائفية التي شهدتها منطقة محرم بك في أكتوبر من نفس العام، وذلك بفضل علاقته الجيدة بإدارة سجن ومعتقل الغربانيات وبالمساجين أيضاً. الرجولة التي لا تتجزأ في شوارع الإسكندرية وفي المعتقلات وفي بلاد الغربة أيضاً يلخصها اسم واحد هو أحمد ميرو أحد فتوات الإسكندرية والملقب بأسد كامب شيزار، والذي يتمتع بحب الناس والسمعة الطيبة، المثير أن الرجل ينتمي لأسرة سياسية عريقة فوالده هو أحمد فؤاد الذي عمل مديراً لمكتب أحمد ماهر باشا في العصر الملكي، والذي اعتقل مع الرئيس الراحل أنور السادات قبل الثورة، كما أن والدته هي واحدة من رائدات الاتحادات النسائية في الإسكندرية، وأحمد ميرو نفسه حاصل علي دبلوم فوق المتوسط شعبة ديكور، والغريب أن ميرو لم يدخن أو يتعاط أي نوع من المخدرات، بالإضافة لحرصه علي أداء الفروض في أوقاتها، ففي مكتبه الصغير الأنيق بمنطقة كامب شيزار توجد غرفة عمليات دائمة لإعادة المخطوفين والسيارات المسروقة والأموال المنهوبة لأصحابها، لكن الأكثر إثارة في شخصية ميرو علاقته القوية بفتوات الإسكندرية ووجه بحري والقاهرة ومن بين هذه العلاقات صداقته الطويلة بصبري نخنوخ التي تظهر في الأفراح والسهرات بالتحية الخاصة المتبادلة بينهما والتي تؤكد الوحدة الوطنية حتي بين الفتوات أنفسهم. وكانوا ميرو قد اشتهر في كل كازينوهات الكورنيش من الكيت كات وميرامار والنسر الأبيض إلي الكوت دازور وأفلاطون ومن مواقفه الشهيرة التي يتذكرها له الجميع تدخله للصلح بين اثنين من فتوات الإسكندرية هما حلمي فياض ومحمد خليل، بعد اختلافهما في أحد الأفراح فقرر ميدو أن يقف بينهما برجاله، واستمرت محاولاته للتوفيق بينهما من الفجر حتي مساء اليوم التالي رغم اصابته بكسر في كتفه وذراعه، أما سر شهرة أحمد ميرو فهو محبة أهل المنطقة له واعتماده عليهم في حل المشكلات، وهو ما جعل له أصدقاء كثيرين من السياسيين ورجال الأعمال والفنانين والرياضيين مثل محمد مصيلحي ومحمد البدرشيني وسعيد صالح وشفيق جلال وأحمد ساري وحسام حسن ويونس شلبي ومحمد نجم ومصطفي كامل ومحمود الجوهري وجميعهم كانوا يحرصون علي توطيد علاقتهم به.. ورغم ذلك لم يحتم «ميرو» بعلاقاته المتعددة، خاصة في تعامله مع الأجهزة الأمنية والتي تصالحه أحياناً وتطارده أحياناً رغم أنه لم يصدر ضده أي حكم جنائي، ولم يسجل ضده أي نشاط إجرامي، ومثلما اشتهر ميدو في الإسكندرية فقد اشتهر أيضاً في العراق والأردن واليونان وإيطاليا، وفي أحد الأيام منحه احد رجال الأعمال فيزا دائمة في الكويت كمكافأة له بعد أن أعاد له ميرو سيارته التي سرقها مدمن ليستبدلها بحصة هيروين من تجار الصحراء الغربية، كما تلقي ميرو هدايا كثيرة من مصريين وعرب وأجانب وقف بجانبهم في مشكلات ضخمة كادت تتسبب في ضياع أسر كاملة، ويتذكر له أهالي منطقته وقوفه ضد تجار البانجو في كامب شيزار والإبراهيمية ومنعه لتداول هذا المخدر تحديداً بين الشباب، بالإضافة لسيطرته علي أصحاب شبكات الدش لتصبح كامب شيزار المنطقة الوحيدة في الاسكندرية التي تختفي فيها الخلافات بسبب هذه المهنة، كما كان ميدو سبباً في التزام أصحاب الوصلات بإخراج مبلغ شهري للفقراء والمرضي من أبناء المنطقة يتولي ميرو توزيعه بنفسه أمام الجميع.. منذ سنوات قليل بدأ عدد من أهالي الإسكندرية التأريخ لحياة الفتوات المشهورين، وعلي رأسهم حدقة أبو احمد الذي أقلع عن «الشقاوة» ضد الحكومة وضد فتوات الإسكندرية والقاهرة وبورسعيد والصعيد، وترك المطواة والشومة إلي غير رجعة معتمداً علي سمعته عندما يتدخل لحل المشكلات، حتي ولو كان بين بلدين أو عائلتين. كان محمد إبراهيم الأقرع محامي حدقة قد بدأ في تسجيل قصة حياة «حدقة» في كتاب، خاصة أنهما «عشرة» تقترب من الستين عاماً، فالعلاقة بينهما بدأت علي «تختة» واحدة في المدرسة الابتدائية..
يروي أهالي «الورديان» عن «حدقة» أنه منع في شبابه بلطجية المأوي والكرانتينة أشد مناطق الإسكندرية خطورة من الهجوم علي منطقة مينا البصل والورديان بأكملها، كما أنه لم يكن يجلس مع أحد ولم يره أحد يرتاد مقاهي المنطقة، ولم يسمع عنه أحد أنه عرف في حياته امرأة غير زوجته التي أنجب منها 6 أبناء أكبرهم طالب في كلية الهندسة.. ومن الحكايات التي تروي عن «حدقة» أنه كان يقوم بعملية تهريب في عرض البحر عندما تلقي إشارة في الليل تنذره باقتراب السلطات البحرية فألقي بنفسه في الماء ليسبح طول الليل متتبعاً أنوار الشاطئ ويحكي «حدقة» بنفسه هذه الحكاية مؤكداً أنه ترك نفسه للجاذبية تأخذه تحت سطح الماء عدة مرات نطق خلالها بالشهادة حتي وجد شعباً مرجانية وصخوراً ساعدته علي الطفو فوق سطح الماء، فاستراح عليها ثم أكمل طريقه إلي الشاطئ، ويروي عن «حدقة» أيضاً أنه اضطر للسباحة بين الأسماك المتوحشة في خليج المكس، عندما كانت السلخانة تلقي بدماء الذبائح في مياه البحر فيتجمع عليها هذه الأسماك.. ويبقي من قصص «حدقة» قصة هروبه المثير من حصاره في حارة «أبنجاية» في بحري والتي تناقلتها الأجيال، خاصة أنه نجح في أسر خاطفيه فيما بعد ثم عفي عنهم دون إراقة نقطة دماء واحدة. تجربة حياة «حدقة ابو احمد» التي تملؤها الشقاوة يلخصها هو نفسه في كلمات تحمل الكثير من الحكمة عندما يقول: «ربنا هو الهادي.. والرجولة في دم الإنسان تطلع مع طلوع الروح.. زمان لم تعرف الرجولة مية النار والسيوف.. لكن «العراك» كان بالمطواة والشومة والروصية.. وكل ما السلاح يطول يطول في إيد العيل تعرف إنه جبان.
نقلا عن موقع الكل
من حميدو الفارس. لاحمد ميرو اسد كامب شيزار
من خطف الجاسوس عزام عزام إلى حرق محطات بنزين اليونان
جريشة والأحمر و الدقة والبواب أشهر من أنجبت الإسكندرية
الإسكندرية مدينة مختلفة عن أي مكان آخر في مصر، فهي عالم سري يصنع رجاله بطولات أسطورية ترضي المزاج الشعبي المتعطش إلي الشهامة، وهي العملة «المحرمة» التي يطارد القانون أصحابها بنفس القوة التي يلجأ إليهم بها.. فطوال تاريخها، عرفت الإسكندرية أسماء غاب اصحابها عن الحياة وعاشت سيرتهم بعدهم، حميدو الفارس ومصطفي عبدالمعطي«جريشة» والدأراوي ومحمد الاحمر بعضهم مازال يمشي بيننا، ويمارس دوره الفولكلوري في حل المشكلات الكبري، بدءا من الفتنة الطائفية الي الصراعات التي قد تؤدي إلي القتل.. تتذبذب علاقتهم برجال الشرطة ما بين الصداقة الحقيقية والعداوة المطلقة، فأحياناً يصبح فتوات الإسكندرية هم الاسرع في إعادة المختطفين بسبب مشكلات عائلية أو دينية، وأحياناً يتمكنون باتصالات خاطفة من معرفة مكان سيارة ثمينة تمت سرقتها من أحد الاثرياء بسبب إهماله، وفي حالات كثيرة يتمكن فتوات الاسكندرية من التوصل إلي الجناة في بعض قضايا القتل الغامضة والسرقات الكبري خاصة التي تحدث للشخصيات المهمة، لكنهم يرفضون دائماً التعاون في قضايا المخدرات والتهريب، فجميعهم يعرفون بعضهم، ليس في الإسكندرية فقط، ولكن في أغلب المحافظات.. بعضهم مسجل خطر مخدرات والبعض الآخر مصنف خطر علي الأمن العام من الفئة
الأولي، ورغم ذلك جميعهم لم تصدر بحقهم احكام قضائية مع أنهم ذاقوا مرارة الاعتقال الجنائي عدة مرات، وجميعهم يتفقون علي مبادئ «الفتونة» والرجولة منهم من ذاع صيته كمصباح غريب القادم من بورسعيد وتوتو رومية من دمنهور وزغلول خليفة «العمدة» من كفر الشيخ ومصطفي الترماي من شبرا وخلف أبوالدهب من فيصل وصبري نخنوخ من الجيزة، ورغم كل هذه الأسماء الشهيرة إلا أن الاسكندرية قدمت عدداً أكبر من الفتوات المعاصرين الذين أطلق عليهم أبناء الأحياء الشعبية أسماء رنانة، مثل أبوأحمد فتوة منيا البصل الملقب بالهرم الرابع، أيضاً هناك «الدقة» ابن البلد من كرموز والذي ذاع صيته في العراق وهناك نبيل البواب من القباري الذي رسم السجناء صورته في مدخل سجن الغربانيات ببرج العرب بعد أن خطف الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام من عنبره «التجربة» الأكثر فسوة علي جميع المساجين في الحبس الانفرادي، والذي أمضي فيه الجاسوس فترة كبيرة من عقوبة كان خلالها يحظي بمعاملة خمس نجوم..
قبل أن ينهي الفتوة الإسكندراني نبيل البواب أسطورته باختطافه واحتجزه لساعات طويلة في أبريل 1999، ولم يتركه «البواب» إلا بعد أن رسم في وجهه علامة يصعب أن تمحوها الأيام أو جراحات التجميل ووقتها وجهت له السلطات المصرية الاتهام للبواب بالخطف وباحتجاز رهينة وإثارة الشغب، وكاد يحاكم لولا تدخل جهات سيادية اعتبرت ما قام به «البواب» عملاً بدوافع وطنية. ومن أشهر فتوات الإسكندرية أيضاً فرج الأسود من بحري والملقب بفهد السجون والذي كان مسئولاً عن ضبط ايقاع الحبسجية ومنعهم من إثارة الشغب بكلمة واحدة منه.. ومن بين هولاء الفتوات صبري نخنوخ الذي جسد شخصيته علي شاشة السينما الفنان الكوميدي أشرف عبدالباقي بصورة هذيلة، وكانت السينما المصرية قد حاولت التأريخ لعدد من الفتوات، مثلما حدث في فيلم «الرجل الثالث» الذي لعب بطولته النجم الراحل أحمد زكي والذي تدور احداثه حول قصة تهريب حقيقية في الإسكندرية ومازال أبطالها يتذكرون تفاصيلها. الغريب أن السجلات الجنائية لفتوات الإسكندرية تضم معظمها اتهامات بمقاومة السلطات لحساب البسطاء، ويتذكر أهالي منطقة القباري أحد فتواتهم الذي اشتهر بحبس قوة كبيرة من قسم الشرطة ومحاولته إشعال النار فيهم لولا تمكنهم من النجاة في اللحظة الأخيرة، كما يتذكر أهالي الإسكندرية معارك من نوع خاص لم تجد السلطات الأمنية حلاً فيها سوي رش «البينج» في وجه «فتوة» مسجل خطر من الفئة «أ» حتي تتمكن من القبض عليه، كما تتذكر مناطق الشلالات مسجوناً مقيد «حجلات» من يديه وقدميه وهو يهرب من عدد كبير من رجال المباحث بعد أن أصاب عدداً منهم بإصابات مختلفة لأن أحدهم سبه بأمه، ولم يتمكنوا من القبض عليه إلا بعد دهسه بسياراتهم.
بعض هؤلاء الفتوات كانوا يتلقون هدايا لا تقدر بثمن بينها سيوف أثرية كتب عليه احدها «Henny center wenston» وأحد الفتوات تلقي سيفاً يحمل اسم /center «القلب الشجاع» وهو من السيوف المرصعة بالأحجار الكريمة أهداها إليه ثري عربي. ومن بين الهدايا التي يعتز بها فتوات الإسكندرية عصا مكافحة الشغب الأمريكية التي أهداها إليهم طيار أمريكي مقاتل كان في زيارة للإسكندرية وكاد يتعرض للقتل في معركة بأحد الملاهي الليلية بسبب صحبته لنساء جميلات، لولا تدخل احد الفتوات لإنقاذه، فقدم له الطيار العصا كهدية. الحكايات الموثقة لحياة فتوات الإسكندرية قد تحتاج إلي «مجلد» وليس تحقيقاً صحفياً فهم يتبعون حكمة تلخصها عبارة «رجل في بلاده..
رجل في بلاد الناس» لذلك دخل بعضهم في معارك أشبه بالحروب في بلاد غريبة، ومن بين هذه المعارك ما حدث في منطقة «المربعة» في بغداد والتي كان بطلها «الدقة ابن البلد» فتوة كرموز، ووقتها كان «الدقة» موجوداً في «بار» السويس عندما علم بنشوب مشاجرة بين مجموعة من السكندريين المصريين وبين مجموعة أخري من الغرباء، فاصطحب مجموعة من أبناء الإسكندرية في العراق وتدخلوا في المشاجرة التي ظلت لسنوات طويلة رمزاً لكفاح المصريين في الغربة. وفي الأردن وتحديداً في منطقة جبل القصور علم أحد فتوات الإسكندرية أن عدداً من أصدقائه تعرضوا للضرب والطرد من منازلهم بعد أن استولي أصحاب المنزل علي متعلقاتهم فخاض معركة ضخمة أعاد خلالها أصحابه إلي شققهم، وهو ما دفع السلطات الأردنية لترحيله إلي مصر. ومن الحكايات الشهيرة التي تروي عن فتوات الإسكندرية ما حدث في مدينة ميلانو الإيطالية وتحديداً منطقة برسو عندما تشاجر ثلاثة مصريين بينهم فؤاد خباثة من كامب شيزار وعبدالله الجدي من شبرا مع عدد من أفراد المافيا الإيطالية، وكانت المفاجأة أن المصريين الثلاثة كادوا أن يشعلوا المدينة لولا تكاثر الإيطاليين عليهم، ولم ينج الثلاثة إلاعندما استولي أحدهم علي عربة «ترام» ليفر بها مع أصدقائه..
وفي منطقة كامب ميكانوس السياحية في اليونان دخل أحد فتوات الإسكندرية في «خناقة» مع عدد من اليونانيين الذين أجبروا أحد أصدقائه علي تطليق زوجته اليونانية، وأساءوا معاملة 4 مصريين يعملون في الكامب، ووقتها تعامل الفتوة مع الموقف كما لو كان في الإسكندرية، لكن أدت المعركة لاشتعال محطة بنزين في الكامب السياحي وطاردت السلطات اليونانية الفتوة الاسكندراني ففر الي أثينا ومنها إلي ميناء بريا- 60بعد أن مزق جواز سفره حتي لا تستدل السلطات اليونانية علي شخصيته إذا وقع في قبضتها، وفي بريا صعد الفتوة خلسة إلي مركب إيطالي يسمي إكسبريس في رحلة سياحية لموانئ البحر المتوسط وعندما وصل المركب إلي الإسكندرية نجح الفتوة في التسلل لخارج الميناء رغم الإجراءات الأمنية المشددة.
بعض الفتوات كانت لهم مواقف شهيرة في السجون والمعتقلات المصرية، أشهرها عندما تمكن أحد فتوات الإسكندرية أثناء اعتقاله في عام 2005 من توفير طعام وبطاطين لأكثر من 150 فرداً من المعتقلين في الأحداث الطائفية التي شهدتها منطقة محرم بك في أكتوبر من نفس العام، وذلك بفضل علاقته الجيدة بإدارة سجن ومعتقل الغربانيات وبالمساجين أيضاً. الرجولة التي لا تتجزأ في شوارع الإسكندرية وفي المعتقلات وفي بلاد الغربة أيضاً يلخصها اسم واحد هو أحمد ميرو أحد فتوات الإسكندرية والملقب بأسد كامب شيزار، والذي يتمتع بحب الناس والسمعة الطيبة، المثير أن الرجل ينتمي لأسرة سياسية عريقة فوالده هو أحمد فؤاد الذي عمل مديراً لمكتب أحمد ماهر باشا في العصر الملكي، والذي اعتقل مع الرئيس الراحل أنور السادات قبل الثورة، كما أن والدته هي واحدة من رائدات الاتحادات النسائية في الإسكندرية، وأحمد ميرو نفسه حاصل علي دبلوم فوق المتوسط شعبة ديكور، والغريب أن ميرو لم يدخن أو يتعاط أي نوع من المخدرات، بالإضافة لحرصه علي أداء الفروض في أوقاتها، ففي مكتبه الصغير الأنيق بمنطقة كامب شيزار توجد غرفة عمليات دائمة لإعادة المخطوفين والسيارات المسروقة والأموال المنهوبة لأصحابها، لكن الأكثر إثارة في شخصية ميرو علاقته القوية بفتوات الإسكندرية ووجه بحري والقاهرة ومن بين هذه العلاقات صداقته الطويلة بصبري نخنوخ التي تظهر في الأفراح والسهرات بالتحية الخاصة المتبادلة بينهما والتي تؤكد الوحدة الوطنية حتي بين الفتوات أنفسهم. وكانوا ميرو قد اشتهر في كل كازينوهات الكورنيش من الكيت كات وميرامار والنسر الأبيض إلي الكوت دازور وأفلاطون ومن مواقفه الشهيرة التي يتذكرها له الجميع تدخله للصلح بين اثنين من فتوات الإسكندرية هما حلمي فياض ومحمد خليل، بعد اختلافهما في أحد الأفراح فقرر ميدو أن يقف بينهما برجاله، واستمرت محاولاته للتوفيق بينهما من الفجر حتي مساء اليوم التالي رغم اصابته بكسر في كتفه وذراعه، أما سر شهرة أحمد ميرو فهو محبة أهل المنطقة له واعتماده عليهم في حل المشكلات، وهو ما جعل له أصدقاء كثيرين من السياسيين ورجال الأعمال والفنانين والرياضيين مثل محمد مصيلحي ومحمد البدرشيني وسعيد صالح وشفيق جلال وأحمد ساري وحسام حسن ويونس شلبي ومحمد نجم ومصطفي كامل ومحمود الجوهري وجميعهم كانوا يحرصون علي توطيد علاقتهم به.. ورغم ذلك لم يحتم «ميرو» بعلاقاته المتعددة، خاصة في تعامله مع الأجهزة الأمنية والتي تصالحه أحياناً وتطارده أحياناً رغم أنه لم يصدر ضده أي حكم جنائي، ولم يسجل ضده أي نشاط إجرامي، ومثلما اشتهر ميدو في الإسكندرية فقد اشتهر أيضاً في العراق والأردن واليونان وإيطاليا، وفي أحد الأيام منحه احد رجال الأعمال فيزا دائمة في الكويت كمكافأة له بعد أن أعاد له ميرو سيارته التي سرقها مدمن ليستبدلها بحصة هيروين من تجار الصحراء الغربية، كما تلقي ميرو هدايا كثيرة من مصريين وعرب وأجانب وقف بجانبهم في مشكلات ضخمة كادت تتسبب في ضياع أسر كاملة، ويتذكر له أهالي منطقته وقوفه ضد تجار البانجو في كامب شيزار والإبراهيمية ومنعه لتداول هذا المخدر تحديداً بين الشباب، بالإضافة لسيطرته علي أصحاب شبكات الدش لتصبح كامب شيزار المنطقة الوحيدة في الاسكندرية التي تختفي فيها الخلافات بسبب هذه المهنة، كما كان ميدو سبباً في التزام أصحاب الوصلات بإخراج مبلغ شهري للفقراء والمرضي من أبناء المنطقة يتولي ميرو توزيعه بنفسه أمام الجميع.. منذ سنوات قليل بدأ عدد من أهالي الإسكندرية التأريخ لحياة الفتوات المشهورين، وعلي رأسهم حدقة أبو احمد الذي أقلع عن «الشقاوة» ضد الحكومة وضد فتوات الإسكندرية والقاهرة وبورسعيد والصعيد، وترك المطواة والشومة إلي غير رجعة معتمداً علي سمعته عندما يتدخل لحل المشكلات، حتي ولو كان بين بلدين أو عائلتين. كان محمد إبراهيم الأقرع محامي حدقة قد بدأ في تسجيل قصة حياة «حدقة» في كتاب، خاصة أنهما «عشرة» تقترب من الستين عاماً، فالعلاقة بينهما بدأت علي «تختة» واحدة في المدرسة الابتدائية..
يروي أهالي «الورديان» عن «حدقة» أنه منع في شبابه بلطجية المأوي والكرانتينة أشد مناطق الإسكندرية خطورة من الهجوم علي منطقة مينا البصل والورديان بأكملها، كما أنه لم يكن يجلس مع أحد ولم يره أحد يرتاد مقاهي المنطقة، ولم يسمع عنه أحد أنه عرف في حياته امرأة غير زوجته التي أنجب منها 6 أبناء أكبرهم طالب في كلية الهندسة.. ومن الحكايات التي تروي عن «حدقة» أنه كان يقوم بعملية تهريب في عرض البحر عندما تلقي إشارة في الليل تنذره باقتراب السلطات البحرية فألقي بنفسه في الماء ليسبح طول الليل متتبعاً أنوار الشاطئ ويحكي «حدقة» بنفسه هذه الحكاية مؤكداً أنه ترك نفسه للجاذبية تأخذه تحت سطح الماء عدة مرات نطق خلالها بالشهادة حتي وجد شعباً مرجانية وصخوراً ساعدته علي الطفو فوق سطح الماء، فاستراح عليها ثم أكمل طريقه إلي الشاطئ، ويروي عن «حدقة» أيضاً أنه اضطر للسباحة بين الأسماك المتوحشة في خليج المكس، عندما كانت السلخانة تلقي بدماء الذبائح في مياه البحر فيتجمع عليها هذه الأسماك.. ويبقي من قصص «حدقة» قصة هروبه المثير من حصاره في حارة «أبنجاية» في بحري والتي تناقلتها الأجيال، خاصة أنه نجح في أسر خاطفيه فيما بعد ثم عفي عنهم دون إراقة نقطة دماء واحدة. تجربة حياة «حدقة ابو احمد» التي تملؤها الشقاوة يلخصها هو نفسه في كلمات تحمل الكثير من الحكمة عندما يقول: «ربنا هو الهادي.. والرجولة في دم الإنسان تطلع مع طلوع الروح.. زمان لم تعرف الرجولة مية النار والسيوف.. لكن «العراك» كان بالمطواة والشومة والروصية.. وكل ما السلاح يطول يطول في إيد العيل تعرف إنه جبان.
نقلا عن موقع الكل