تضم قرى ونجوع الدقهلية عائلات شهيرة، تتصدر المشهد السياسي قديما وحديثا، خاصة أثناء فترات الانتخابات والاستفتاءات، أشهرها: “ الشناوي والريس وعزام وعنان والقهوجي والقيعي وطوبار”.
عائلة “الريس” منتشرة في جميع المحافظات فلا تخلو محافظة من فرع لها ويتعدى عدد أفرادها 100 ألف مواطن، وكانت قد نزحت إلى مصر من شبه الجزيرة العربية ويرجع نسبهم إلى الحسين بن على بن أبي طالب رضي الله عنه، حيث نزحت هذه العائلة إلى مدينة المطرية بالدقهلية واستوطنت بها وشكلت أكبر وأقدم عائلة في تلك المحافظة لكن بمرور الوقت سافر الكثير من أبناء هذه العائلة خارج مصر بحثا عن لقمة العيش وبعضهم لا يزال في الغربة حتى الآن.
الدكتور محمد شميس الريس،« 73 عاما» حكى عن نفسه وعائلته قائلا: غادرت المطرية منذ سنة 1958 بعد حصولي على الثانوية العامة والتحاقي بكلية الطب، واستمر ابتعادي عنها حتى الآن لظروف عملي في محافظات مصر المختلفة ثم إعارتي لجمهورية أوغندا والسعودية ودراستي العليا في جامعة إدنبرة ببريطانيا.
وأضاف: وكنت لا أزور المطرية إلا لفترات متقطعة، وعدت من الخارج نهائيا سنة 1985 بسبب حنيني الزائد إلى المطرية وعدت للعمل بها مديرا للإدارة الصحية لشهور معدودة قبل نقلي للعمل بالقاهرة، وكنت أجلس إلى كبار السن من أسرتي من عائلة « الريس » في مدينة المطرية، وهي أكبر عائلة في تلك المدينة، وكانت شبه جزيرة في بحيرة المنزلة قبل تجفيف معظم تلك البحيرة بواسطة قراصنة التجفيف على مدى الستين عاما الماضية. وتابع: كانت بلدتنا المذكورة شبه منتجع سياحي قديم جذب له بعض المواطنين ليعيشوا فيها مع أهلها الطيبين من الصيادين البسطاء وقتئذ ليتمتعوا بالغذاء على أسماك بحيرة المنزلة الجميلة وهي نوعيات من أسماك نظيفة لم يعد لها وجود بعد تلوث مياه البحيرة وجفاف كمية كبيرة من مياهها.
شميس واصل روايته قائلا: لقد ابتدأت بتسجيل جدي الأول أحمد نعمة الله حسن الخطيب مؤسس « عائلة الريس » ثم أولاده داود الريس «الشيخ داود الكبير وأحمد الريس «الشيخ أحمد الكبير» وذريته شميس داود الريس ، أحمد داود الريس، محمد داود الريس، داود داود الريس وسليمان داود الريس، وأنا واحد من أبنائهم وقيل لي أن مؤسس عائلتي أتى مهاجرا من الجزيرة العربية وأنه ينتمي إلى الأشراف من ذرية سيدنا الحسين وجاء مهاجرا من السعودية أو من فلسطين في القرن الثامن عشر قبل الاحتلال اليهودي لفلسطين.
ويضيف: وتزايدت أعداد أفراد العائلات الكبرى بتلك المدينة حتى ضاقت البلدة بهم حيث أنها شبه جزيرة طولها نحو 2 كيلو متر وعرضها واحد كيلو متر وتشابكت العائلات بعضها ببعض بصلة النسب وابتدأ أفراد العائلات الكبرى في الهجرة منها بعد أن ضاقت البلدة بسكانها من الصيادين الأصليين، وأصبح عدد أفراد العائلات الكبرى المقيمين فيها يتناقصون عاما بعد عام بدرجة كبيرة وشغل الكثير من الأحفاد مراكز كبرى في الجيش والشرطة وكأساتذة في الجامعات وبعضهم عمل محافظا في الصعيد ورئيسا لإحدى الجامعات، ولقد علمت من المعلومات التي كتبتها على لسان كبار السن في عائلتي أن أفراد عائلتي قد آل إليهم ميراث ضخم من أحد أقاربهم القدامى الذي تنتمي إليه إحدى زوجات أجدادنا القدامى وأن هذا الميراث أصبح وقفا تحت إشراف وزارة الأوقاف واسمه وقف « عمر مستحفظان » تقدر قيمته بنحو عشرين مليار جنيه ثم أصبح هذا الوقف تحت إشراف لجنة القسمة بعد صدور قانون بتسليم الأوقاف لأصحابها منذ عشرات السنين.
وبدأ كل أفراد العائلات الكبرى يسعى لاسترداد هذا الوقف من بين أنياب من بيدهم هذه الأوقاف فقيل لنا أن هذا الوقف قد تم إنفاقه على المشاريع التي أقامتها الدولة سواء في توشكى أو غيرها وقيل لنا: أن معظم هذا الوقف تم نهبه لأنه مال ليس له صاحب معروف، وقام الكثيرون برفع دعاوى قضائية امتدت لعشرات السنين.
أما عائلة القهوجي فهى أيضا من أشهر عائلات الدقهلية ويرجع أصلها بالتسلسل من الأجداد للأبناء نوح وابنه سام وابنه عابر وابنه شالخ وابنه ارفخشد ومن أبناء ارفخشد شعب قحطان وهم «العرب العاربة » في اليمن ومن شعب قحطان سبأ وابنه كهلان وابنه يشجب وابنه أد وهو «طي» ومنه بطون طي ويندرج من طي قبيلة شمر في نجد «حائل» ومن شمر عشائر معان بالأردن من عشائر معان عشائر معان الحجازية ومنها عشائر التحاتا ومنها الخطاب ومنها الزعيري ومنها القهوجي وتتواجد عائلة القهوجي انطلاقا من هذا التاريخ في كل البلاد الشامية ومصر وتوجد حتى الآن في« الأردن وسوريا وفلسطين ومصر»
وتمركزت عائلة القهوجى في مصر بمدينة سلامون القماش التابعة لمركز المنصورة ولهذه العائلة انتشار كبير ولها بطولات ومشاهير كما أن لها جذور تركية منذ مئات السنين وتم هجرة البعض منهم إلى الدول العربية منها إلى لبنان وسوريا والسعودية ومصر وفلسطين وكان منها “بركيا” رئيس تركيا في بداية التسعينيات، وتنتشر هذه العائلة في المنزلة ومنية النصر والمطرية وبشلا والمحلة الكبرى أيضا.
ويروي لنا علاء القهوجي، أحد أفراد العائلة، سبب هجرتها من منطقة سلامون لما يقرب من 150 عاما، حيث اندلع حريق بالقرية في برج حمام فطار الحمام وهو به النار فدمر القرية بالكامل فهاجر من هجر وتبقى من تبقى وكان للعائلة دور بارز في مقاومة الحملة الفرنسية على مصر.
واستطرد القهوجي: العمودية استمرت في عائلتنا 70 عاما متتالية بداية من القهوجي الكبير ثم ابنه عبد الله ومن بعده محمود وبعد وفاة الجد الأصلي للعائلة تولى نجله مصطفى محمود القهوجي عمدة للقرية بالانتخاب على 4 دورات متتالية لمدة 24 عاما، وكان يطلق عليه “أبو العمد” نظرا لأن أجداده عمدا، وتولى رئاسة مجلس العمد بالدقهلية على مدى 44 قرية بمحافظة الدقهلية وكان يتمتع وقتها بسلطة ونفوذ حيث لعب دورا بارزا في ثورة 23 يوليو عن طريق الاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي ومنظمات الشباب والإشراف على مشروعات الثورة العربية بالقرية بداية من بناء المدارس والمستشفيات وجميع الخدمات بالقرية ومشروعات لمصانع الغزل والنسيج من ضمنهم مصنع أقيمت عليه نقطة شرطة سلامون الحالية بعد هدمه، كذلك تبرع بأرض لبناء مساجد كثيرة بالمنصورة ما يزيد عن 1000 فدان من بينهم أرض الجمعية الشرعية الآن، ورفض إطلاق اسم العائلة على شئ حتى لا يضيع ثوابه، وكان له دور بارز في انتخابات الوفديين والسعديين.
أما عن أملاك العائلة فيكمل لنا ممدوح القهوجي: العائلة لم تكن غنية برغم امتلاكها ما يقرب من 700 فدان إقطاعية، كما ضمت العائلة صحفيين وأدباء وكتاب ومفكريين وأعضاء في المجالس النيابية.
وبالنسبة لعائلة طوبار فهي عائلة تجاهل التاريخ دورها البارز والشجاع في المقاومة على مر العصور وسنحاول إعطاءها القليل من حقها ونرد لروادها الجميل.
عائلة طوبار أعرق عائلات الدقهلية تولى أبناؤها مشيخة المنزلة مئات السنين، واسمها مشتق من طبرة على بحيرة طبرية بالشام، حيث عاشوا هناك ثم نزحوا منها، حتى نزلوا على شاطئ بحيرة المنزلة، فاتخذوها مسكنا لهم، وأقاموا بالمنزلة بجوار منزل الشيخ “أبو نصر شهاب الدين شريف”، وكان من قضاة الإقليم، ثم تصاهروا مع هذا الشيخ وسكنوا إلى جواره، وبنوا بيتا عرف بالبيت الكبير قبل أن يبنى “شلبي طوبار” القصر المعروف باسمه.
وقد اشترت العائلة بعض أملاك الأمير محمد الشوربجي الشهير بمحمد بن حسون، وكانت تُعرف المنزلة باسمه “منزلة حسون”، وعاشت العائلة فترة طويلة دون توثيق لتاريخها حتى مجيىء الحملة الفرنسية، وكان أول توثيق لها في 1978 على يد مؤرخين فرنسيين.
وعاشت العائلة التي كان لها دور بارز خاصة في عهد المجاهد حسن طوبار زعيم المقاومة الشعبية في عهد الحملة الفرنسية والذي لم يأخذ حقه بالتاريخ.
وتناسلت حتى وصل عدد أفرادها اليوم إلى 45 ألف شخص كما يروي «نبيل طوبار»: العائلة انتشرت في كل محافظات مصر مثل دمياط والبحيرة والقليوبية والجيزة والمنوفية والإسكندرية والقاهرة والسويس وبور سعيد والإسماعيلية والدقهلية في كل من المنزلة والجمالية ومنية النصر والمنصورة وأجا في ميت العامل وشربين وميت غمر وليس هذا فقط بل ظهرت تفريعات من العائلة بمسمى آخر منها العيسوي وداود وأبو هانم والعيداروسى وعبد الوهاب والجزار وأبو رمضان وأبو سليمان، والإتربي ونور الدين وسماحة والحنفي وأبو زيد وزاهر والمتولي والبليسي وحلاويش وأبو مصطفى وأبو سالم.
وهناك عائلات ارتبط اسمها باسم عائلة طوبار بالمصاهرة منها البرادعي والعلمي والزيني والطير والبُلقا وأبو القاسم والبنا وشهاب والهواري وزين الدين والسودة والعريان والكوش وحال وأبو حسن والخولي ومنصور ومنيسى والكموني وشلباية والخريبي والعلمي ورحمو وعاشور وسماحة “ وذلك نظرا لما تتسم به من وعى وتعليم بين أبنائها.
وسبب شهرة العائلة هو الزعيم حسن طوبار والذي لا يقل أهمية عن الزعيم أحمد عرابي على الرغم من تجاهل التاريخ لدوره وتجاهل الحكومة لقبره لدرجة أنه أصبح مرتعا للقاذورات وتعاطي المخدرات.
كان طوبار زعيما لإقليم المنزلة بالدقهلية وأكبر شيوخ المنطقة وكان له مكانته في نفوس أهالي الإقليم، ويعد طوبار من أكبر أغنياء القطر المصري، وأول مليونير رسمي إبان الحملة الفرنسية، حيث كان يملك أسطولا للصيد في بحيرة المنزلة ومصانع للقطن ومتاجر ومساحات شاسعة من الأراضي في إقليم المنزلة، وكان لطوبار علاقات واسعة تمتد من المنزلة والمنصورة ودمياط وصولا لغزة وبعض بلاد الشام.
شرع حسن طوبار في مقاومة الفرنسيين منذ بداية الحملة تقريبًا، فكان يذهب بنفسه إلى البلاد والقرى يحرّض أهلها على الحرب، ويطمئن على وسائل الدفاع لديهم، وجهز من ماله الخاص الأسطول البحري الذي حارب الفرنسيين في البحيرة، وأوشك على إخراجهم من دمياط وكان الفرنسيون يتطلعون إلى التخلص من هذا الزعيم ولكنهم لم يستطيعوا لمكانته عند أهله، فأرادوا أن يستميلوه إليهم، خصوصًا أن نابليون بونابرت أدرك أهمية وأبعاد المركز الجغرافي الذي يسيطر عليه طوبار، إذ أن تحكمه في الممرات المائية بين البحر المتوسط وبحيرة المنزلة كان كفيلًا بتسهيل مهمة السفن العثمانية في دخول مصر، في حالة اتفاق رجال السلطان العثماني مع طوبار وهكذا أرسل إليه الجنرال فيال -الذي عُيِنَ حاكمًا على دمياط- سيفًا مذهبًا، ولم يشأ أن ينحيه عن منصبه، لكن حسن طوبار قابل ذلك بالسخرية الشديدة، إذ كان حسه الوطني أهم عنده من غواية الهدايا ورفض طوبار لقاء الجنرال فيال، وقال إنه لا يريد أن يرى أحدًا من الفرنسيين، كما امتنع عن قبول هدايا ثمينة أرسلها له نابليون في هذا الوقت.
و كان حسن طوبار يخدع الفرنسيين في خططه ومقاصده، ففي الوقت الذي أبلغ فيه رسول الجنرال داماس أنه لا يأبى دفع الضرائب العادية إذا ما ترك حرًا كان يستعد للقتال، كما كان على اتصال بإبراهيم بك زعيم المماليك الذي كان مرابطًا بفلول جيشه في جنوب الشام، وكان على اتصال مستمر أيضًا بقواته المنظمة لمقاومة الفرنسيين.