لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة ثمان.
وكان سببها أن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاضي قريشًا عام الحديبية عَلَى ما قاضاهم عَلَيْهِ ، فسمع رَجُل من خزاعة ، وكانوا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عهده وعقده ، رجلًا من كنانة ، وكانوا فِي عهد قريش وذمتها ، يهجو رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فوثب عَلَيْهِ وشجه ، فاقتتلت خزاعة وكنانة ، وأعانت قريش بني كنانة ، وخرج وجوههم يقاتلون متنكرين ، فقدم عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرو بْن سالم بْن حَصيرة الخزاعي فِي عدَّة من قومه يستنفر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويذكره الحلف بين عَبْد المطبق وبينهم ، فَقَالَ : لاهمّ إني ناشد محمدًا حلف أبينا وأبيه الأتلدا إن قريشًا أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا وزعموا أن لستَ تدعو أحدًا وهم أذلّ وأقل عددا فانصر هداك اللَّه نصرًا أيّدا وادع عباد اللَّه يأتوا مددا " فحدثني عَبْد الواحد بْن غياث ، ثنا حَمَّاد بْن سَلَمة ، أن خزاعة " نادوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يغتسل ، فَقَالَ : لبيكم ، واستعدّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لغزو أهل مكَّة إذ نقضوا العهد ونكثوه فكتب حاطب بْن أَبِي بلتعة اللخمي حليف الزُّبَيْر إلى صفوان بْن أمية ، وعكرمة بْن أَبِي جهل ، وسهيل بْن عَمْرو يُعلمهم غزو رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياهم ، وبعث بكتابه مَعَ امرأة من مُزينة يُقال لها كَنُود ، وَيُقَالُ مَعَ سارة ، مولاة عَمْرو بْن هاشم بْن المطلب بْن عَبْد مناف ، فجعلته فِي رأسها ، ثُمَّ فتلتْ عليها قرونَها ، فوجّه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليها عليّ بْن أَبِي طَالِب ، والزبير بْن العوام وأبا مرثد الغنوي ، وكلُّهم فارس ، فلحقوها بروضة خاخ ، فأناخوا بعيرها ، ثُمَّ فتشوها فلما رأت الجدّ أخرجت الكتاب من عقصتها ، وقَالَ بعضهم : لم تجعل الكتاب فِي رأسها ، ولكنها جعلته فِي حُجزتها ، وقيل إنها جعلته فِي رأسها حتَّى أمنت ، ثُمَّ جعلته فِي حجزتها ، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحاطب : " ما حملك عَلَى ما صنعت ؟ ، فَقَالَ : يا رَسُول اللَّه ، إني صانعتُ القوم عَلَى مالي وأهلي قِبلهم ، ولستُ لهم بقرابة ولا فيهم من يذبّ عني.
فقبل رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عذره ، فَقَالَ لَهُ عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه عَنْهُ : ائذن لي يا رَسُول اللَّه اضرب عنقه فقد خان اللَّه ورسوله ، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أوليس هُوَ من أهل بدر ؟ ما ندري لعل اللَّه قَدِ اطلّع عَلَى أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد أوجبتُ لَكَم الجنة ".
فانزل اللَّه عزَّ وجلَّ : يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ سورة الممتحنة آية 1 ومضت سارة إلى مكة ، وكانت فيما يزعمون مغنيَّة.
فأقبلت تتغنى بهجاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمين ، ولما وافى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكَّة ، تسلح قوم معهم ، وقالوا : لا يدخلها مُحَمَّد عنوة ، فقاتلهم خالدُ بْن الوليد ، وكان أول من أمره رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقتال ، وبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْر فِي كتيبة ، سوى كتيبة خَالِد.
وجعل أبا عبيدة بْن الجرّح عَلَى الحُسّر ، فأوقعوا بالمشركين ، وكان الْعَبَّاس بْن عَبْد المطلب لقي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذي الحُليفة ، وهو يريد مكَّة وَقَدْ أظهر إسلامه ، فأمره أن يمضي نقْلَه إلى المدينة وقَالَ : " هجرتك ، يا عم آخر هجرة ، كما أن نبوتي آخر نبوة ".
وكانت قريش لما جنتْ ما جنتْ ، خافت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فبعث أبا سُفْيَان يجدّد الحلف ويُصلح بين النَّاس ، فقال لَهُ عليّ بْن أَبِي طَالِب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ : أنت سيد قريش ، فاضرب يدا عَلَى يد ، وأجدّ الحلف وأصلح بين النَّاس ، فانصرفَ وهو يرى أَنَّهُ قَدْ صنع شيئًا ، ثُمَّ رجع وأقام بمرّ الظهران حتى وجدته خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتته به.
فمنعه العباس واستأمن لَهُ ، فدخل مكَّة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فلما رأى كثرةَ المسلمين وإيقاعهم بمن أوقعوا بِهِ من المشركين ، قَالَ : أبيدت خضراء قريش ، لا قريش بعد اليوم ، فَقَالَ الْعَبَّاس : يا رَسُول اللَّه ، إن أبا سُفْيَان يحبّ الفخر عَلَى قريش ، فاجعل لَهُ شيئًا يُعْرَف بِهِ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " من أغلق بابه فهو آمن ، ومن وضع سلاحه فهو آمن ، ومن دخل دار أَبِي سُفْيَان فهو آمن ".
وأمر أن لا يجهز عَلَى جريح ، ولا يتّبع مدبِر ، وأراد أَبُو سُفْيَان دخول داره ، فقالت لَهُ هند : وراءك ، قبحك اللَّه فإنك شرُّ وافد ، وقتل من قريش أربعة وعشرون ، ومن هذيل أربعة نفر ، وَيُقَالُ : إنه قتل من قريش ثلاثة وعشرون ، وهرب أكثرهم واعتصموا برءوس الجبال وتوقلوا فيها ، وَيُقَالُ : أَنَّهُ استشهد من المسلمين كُرز بْن جَابِر الفهري ، وخالد الأشعر الكعبي ، وقَالَ الكلبي : هُوَ حُبيش الأشعر بْن خَالِد الكعبي ، من خزاعة ".
" ودخل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكَّة ، وعليه عمامة سوداء ، ولواؤه أسود ، وأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأصنام فهدمت ، وبالصُّوَر التي كانت فِي الكعبة فمحيت ، وأمر بلالًا ، حين جاءت الظهر ، فأذّن عَلَى ظهر الكعبة ، وقريش فوق الجبال : منهم من يطلب الأمان ، ومنهم من قَدْ أومن ، فلما قَالَ : أشهد أن محمدًا رَسُول اللَّه ، قَالَتْ جويرية بِنْت أَبِي جهل : لقد أكرم اللَّه أبا الحكم حين لم يسمع نهيق ابْنُ أم بلال فوق الكعبة ، وَيُقَالُ إنها قَالَتْ : لقد رفع اللَّه ذكر مُحَمَّد ، وأمَّا نَحْنُ فسنصلي ، ولكنا لا نحبّ والله من قتل الأحبة أبدًا ، وقَالَ خَالِد بْن أسيد بْن أَبِي العيص : الحمد لله الَّذِي أكرم أَبِي فلم ير هَذَا اليوم ، ولم يسمع هَذَا الصوت ، وقَالَ الحارث بْن هشام : واثكلاه ، ليتني متُّ ولم أسمع نهيق ابْنُ أم بلال عَلَى الكعبة ، وهذا أثبت مما روى عن جويرية ، وَيُقَالُ : إنّ عكرمة بْن أَبِي جهل ، قَالَ : لقد أكرم اللَّه أبا الحكم حين لم يسمع نهيق ابْنُ أم بلال عَلَى الكعبة ".
وقيل لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ألا تنزل منزلك من الشعب ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وهل ترك لنا عقيل من رباع ؟ وكان عقيل باع منزل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنازل إخوته من الرجال والنساء ، ونظر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأبو بكر يسايره ، إلى بنات أبي أحيحة سَعِيد بْن العاص بْن أمية يلطّمن وجوه الخيل بالخُمر وَقَدْ نشرن شعورَهن ، فتبسم وقَالَ : يا أبا بَكْر كيف قَالَ حسان بْن ثابت ؟ فأنشده : تظلّ جيادُنا متمّطرَات تلِّطمهن بالخُمرُ النساءُ وكان حِماس بْن قيس بْن خَالِد الديلي قَالَ لامرأته حين أظلهم رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لآتينك بخادم منهم ، فلما جاء منهزمًا ، قَالَتْ هازئة بِهِ : أَيْنَ الخادم الَّذِي وعدتَني فإني لم أزل منتظرة لَهُ ؟ فَقَالَ : وأنت لو شهدِتنا بالخندمة إِذَا فرّ صفوانٌ وفرّ عِكرمة أَبُو يزيد كالعجوز المؤتمة لم تنطقي فِي اللوم أدنى كلمة إذ ضربتنا بالسيوف المسلمة لهم زئير خلفنا وغمغمة .
وكان هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهم ، يقولون : لا ندع مُحَمَّدًا يدخل مكَّة أبدًا ".
وأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل ستة نفر ، وأربع نسوة ، فأمَّا النفر : فعكرمة بْن أَبِي جهل ، وهبّار بْن الأسود ، وعبد اللَّه بْن سعد بْن أَبِي سرح ، ومقيس بْن صُبابة ، والحويرث بْن نُقيد ، وابن خطل ، وأمَّا الأربع النسوة : فهند بِنْت عتبة ، وسارة مولاة عَمْرو بْن هشام بْن المطلب ، وقينتا هلال بْن عَبْد اللَّه بْن الأخطل الأدرمي ، وَيُقَالُ : هُوَ عَبْد اللَّه بْن هلال ، والأول قول الكلبي ، وقينتاه فرتنا وأرنب ، وَيُقَالُ : قُريبة وأبو يزيد : سهيل بْن عَمْرو ".
" فأمَّا عكرمة ، فأنه هرب ، وأسلمت امرأته أمّ حكيم فقالت : يا رَسُول اللَّه ، " زوجي هرب خوفًا منك ، فَقَالَ : هُوَ آمن ".
فخرجت فِي طلبه ، ومعها غلام لها رومي فراودها عن نفسها ، فلم تزل تمنيه حتَّى انتهت إلى حيّ من العرب فاستغاثهم عَلَيْهِ ، فأوثقوه رباطًا ، وأدركت عكرمةَ فِي ساحل من السواحل ، قَدْ ركب البحر ، فجعل النوتي ، يَقُولُ لَهُ : قل لا إله إلا اللَّه ، فقال : ويحك ، ما هربتُ إلا من هذه الكلمة ، وقالت لَهُ امرأته : جئتك يا ابْن عم من عند أوصل النَّاس وأحلمهم وأكرمهم ، قَدْ أمنك وعفا عنك ، فرجع ، وأخبرته خبر الرومي ، فقتله وهو لم يُسلم بعد ، ثُمَّ لما قدم عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وقف بين يديه ، فأظهر السرور بِهِ ، وأسلمَ وسأل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يستغفر لَهُ ، فاستغفر لَهُ ، وقَالَ : والله لاجتهدن فِي جهاد أعداء اللَّه ، وجعل عَلَى نفسه أن يحصي كل نفقة أنفقها فِي الشرك فينفق مثلها فِي نصر الْإِسْلَام ، وأقرّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأته عَلَى نكاحه ".
" أما هَبّار بْن الأسود ، فكان ممن عرض لزينب بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين حملت من مكَّة إلى المدينة ، فكان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر سراياه إن لقوه أن يحرّقوه ، ثُمَّ قَالَ : لا يعذّب بالنار إلا خالق النار ، فأمر بقطع يديه ورجليه وقتله ، فلما كَانَ يَوْم الفتح ، هرب ثُمَّ قدم عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة.
وَيُقَالُ : أتاه وهو بالجعرانة حين فرغ من أمر المشركين بحُنين ، فمثُل بين يديه وهو يَقُولُ : أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رَسُول اللَّه ، فقبل إسلامه ، وأمر أن لا يعرض لَهُ ، وخرجت سُلمى مولاةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقالت : لا أنعم اللَّه بك عينًا ، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مهلًا ، فقد محا الْإِسْلَام ما قبله ".
قَالَ الزُّبَيْر بْن العوام : لقد رأيتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد غلظته عَلَى هبّار يطأطئ رأسه استحياء مِنْهُ ، وهو يعتذر إِلَيْه ".
وأمَّا عَبْد اللَّه بْن سعد بْن أَبِي سرح ، فإنه أسلم وكان يكتب بين يدي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيملي عَلَيْهِ الكافرين ، فيجعلها الظالمين ، ويملي عَلَيْهِ عزيز حكيم ، فيجعلها عليم حكيم ، وأشباه هَذَا ، فَقَالَ : أَنَا أقول كما يَقُولُ مُحَمَّد وآتي بمثل ما يأتي بِهِ مُحَمَّد ، فأنزل اللَّه فِيهِ : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ سورة الأنعام آية 93 .
وهرب إلى مكَّة مرَّتدًا ، فأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتله ، وكان أخا عثمان بْن عفان من الرضاع ، فطلب فِيهِ أشدّ طلب حتَّى كفّ عَنْهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وقَالَ : أما كَانَ فيكم من يقوم إلى هَذَا الكلب قبل إن أومنّه فيقتله ؟ فَقَالَ عُمَر ، وَيُقَالُ : أَبُو اليسر ، لو أومأت إلينا ، قتلناه ، فَقَالَ : إني ما أقتل بإشارة ، لأن الأنبياء لا يكون لهم خائنة الأعين ، وكان يأتي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فيسلم علبه ، وولاه عثمانُ مصر ، فابتنى بها دارًا ، ثُمَّ تحوّل إلى فلسطين فمات بها ، وبعض الرواة ، يَقُولُ : مات بإفريقية ، والأول أثبت ".
" وأمَّا مِقْيَس بْن صُبابة والكناني ، فإن أخاه هاشم بْن صُبابة بْن حزن أسلم وشهد غزاة المُرَيسيع مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقتله رَجُل من الأنصار خطأ وهو يحسبه مشركًا ، فقدم مقيس عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقضى لَهُ بالدية عَلَى عاقلة الْأَنْصَارِيّ ، فأخذها وأسلم ثُمَّ عدا عَلَى قاتل أخيه وهرب مرتدًا ، وقَالَ : شفى النفسَ أن قَدْ بات بالقاع مسندًا تُضَرَّج ثوبيه دماءُ الأخادع ثأرثُ بِهِ فهرًا وحملتُ عقله سراة بني النجار أربابَ فارع حللتُ بِهِ وتري وأدركتُ ثؤرتي وكنتُ عن الْإِسْلَام أول راجع فأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتله من لقيه ، فلما كَانَ يَوْم الفتح خرج مدججّا ، وهو يَقُولُ : دون دخول مُحَمَّد إياها ضرب كأفواه المزاد.
وكان قَدِ اصطبح ذَلِكَ اليوم فِي أصحاب لَه.
وكانت أمه سهية.
وكان معهم.
فعاد حين انهزم النَّاس ، فشرب ، وعرف نُميلة بْن عَبْد اللَّه الكناني موضعه ، فدعاه.
فخرج إِلَيْه ثملًا ، وهو يَقُولُ متمثلًا : دعيني أصطبح يا بَكْرُ إنيّ رأيتُ الموت نقّبَ عن هشام ونقّبَ عن أبيك أَبِي يزيد أخي القينات والشُّرب الكرام فلم يزل يضربه بالسيف حتَّى قتله ، فَقَالَ شاعرهم : لعمري لقد أخزى نميلة رهطه وفجّع أضياف الشتاء بمقيس فلله عينَا من رَأَى مثل مقيس إِذَا النفساء أصبحت لم تُخَرَّسِ وأمَّا الحويرث بْن نُقيد ، فكان يعظّم القول فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وينشد الهجاء فِيهِ ويكثر أذاه وهو بمكة ، فلما كَانَ يَوْم الفتح ، هرب من بيته فلقيه عليّ بْن أَبِي طَالِب فقتله.
وأمَّا هلال بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد مناف الأدرمي ، وهو ابْنُ خَطل ، بعضهم يَقُولُ : عَبْد اللَّه ، والثبت أن اسمه هلال ، فإنه أسلم وهاجر إلى المدينة ، فبعثه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساعيًا عَلَى الصدقة ، وبعث معه رجلًا من خزاعة.
فوثب عَلَى الخزاعي فقتله ، وذلك أَنَّهُ كَانَ يخدمه ، ويتخذ لَهُ طعامه ، فجاء ذا يَوْم ولم يتخذ لَهُ شيئًا ، فاغتاظ وضربه حتَّى قتله ، وقَالَ : إن محمدًا سيقتلني بِهِ ، فارتدّ وهرب وساق ماكان معه من الصدقة ، وأتى مكَّة ، فَقَالَ لأهلها : لم أجد دِينا خيرًا من دينكم وكانت لَهُ قينتان ، فكانتا تغنينان بهجاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ويدخل عليهما المشركون فيشربون عنده الخمر.
فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الفتح : " اقتلوه ولو كَانَ متعلقًا بأستار الكعبة " ، فقتله أَبُو بَرزة الأسلمي ، واسمه نَضلة بْن عَبْد اللَّه ، وذلك الثبت ، وبعضهم يقول : اسمه خَالِد بْن نضلة ، وهو قول الهيثم بْن عدي ، وبعضهم يَقُولُ : عَبْد اللَّه بْن نضلة أيضًا ، وَيُقَالُ : قتله شريك بْن عبدة ، من بني عَبْد العجلان.رقم الحديث: 252
(حديث موقوف) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّيِّ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ ، أَنَّهُ " سَمِعَهُ يَقُولُ : لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ { 1 } وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ سورة البلد آية 1-2 ، فَأَخْرَجْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَطَلٍ ، وَهُوَ فِي أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ، فَضَرَبْتُ عُنُقَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ ، وَيُقَالُ : قَتَلَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَيُقَالُ : سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَخْزُومِيُّ أَخُو عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ " . أما هند ، فأسلمت وكسرت كل صنم فِي بيتها ، " وأتت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسلمةً ، وبايعها مَعَ النساء ، وكان فِي بيعة النساء " أن لا يزنين " ، فقالت : " وهل تزني الْحُرَّةُ ؟ " وأهدت إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جديَين ، واعتذرت من قلة ولادة غنمها ، فدعا لها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكثرت غنمها ، فكانت تَقُولُ : هَذَا ببركة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فالحمد لله الَّذِي هدانا للإسلام وأكرَمنا برسوله ، وقالت حين هدمت الأصنام التي كانت فِي بيتها : لقد كُنَّا منكم فِي غرور ".
وأمَّا سارة ، صاحبة كتاب حاطب بْن أَبِي بلتعة ، فكانت مغنّية نوّاحة ، وكانت قدمت من مكَّة ، فوصلها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين شكت إِلَيْه الحاجة ، وقالت : إني قَدْ تركتُ النوحَ والغناء ، ثُمَّ رجعت إلى مكَّة مرتدَّة ، وجعلت تتغنى بهجاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقتلها عليّ بْن أَبِي طَالِب ، وَيُقَالُ غيره.
أما قينتا ابْن خطل ، فإن إحداهما وهي أرنب ، وَيُقَالُ : قُريبة ، فقتلت ، وبقيت الأخرى ، فجاءت مسلمةً وَقَدْ تنكرت ، واسمها فُرتنا ، ولم تزل باقية إلى خلافة عثمان ، فانكسرت لها ضلع ، وماتت ، وقَالَ الواقدي : كُسرت ضلع من أضلاع فرتنا ، قينة بْن خطل ، فقضي عثمان فِيهِ بثمانية آلاف : ست آلاف ديتها وألفان لتغليظ الجناية.
" وكان عَبْد اللَّه بْن أَبِي أمية من أشدّ النَّاس عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وكان أَبُو سُفْيَان بْن الحارث بْن عَبْد المطلب شديدًا عَلَيْهِ وكان يكذّبه ويهجوه ، وفيه يَقُولُ حسان : أتهجوه ولستَ لَهُ بِند فشرُّكما لخيركما الفداءُ فأتيا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنيق العُقاب فلم يأذن لهما ، فأمَّا عَبْد اللَّه بْن أَبِي أمية ، فتكلمت فِيهِ أخته أم سَلَمة ، حتَّى أذن لَهُ فسلم عَلَيْهِ وبايعه ولم يغمص عَلَيْهِ فِي إسلامه حتَّى استشهد يَوْم الطائف ، وأمَّا أَبُو سُفْيَان ، فتكلم فِيهِ الْعَبَّاس حتَّى أذن لَهُ وبايعه ، ولم يزل مستغفرًا مما كَانَ فِيهِ ، مجتهدًا فِي مناصحة الإسلام حتَّى مات فِي خلافة عُمَر ، وصلى عَلَيْهِ عُمَر ، وَيُقَالُ : إنّ أبا سُفْيَان أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بالأبواء ، فأسلم وَيُقَالُ : إنّ أبا سُفْيَان كَانَ أخًا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرضاع ، أرضعته حليمة أيامًا ".
قَالُوا : " وجعل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطعن الأصنام بمحجن معه ويقول : جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا سورة الإسراء آية 81 ، ودفع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفتاحَ الكعبة إلى عثمان بْن طلحة ، وكان قَدْ أسلم قبل الفتح ، هُوَ وخالد بْن الوليد وعمرو بْن العاص فِي وقت واحد ، وخرج عن المدينة إلى مكَّة ، وفيه نزلت : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا سورة النساء آية 58 ".
" وبعث سهيل بْن عَمْرو ابنه ، عبدَ اللَّه بْن سهيل ، إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فأمنه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ سهيل : بأبي وأمي هُوَ ، فلم يزل بَرًّا حليمًا صغيرًا وكبيرًا ، وخرج مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شركه ، فأسلم بالجعرانة ".
وهرب هبيرةُ بْن أَبِي وهب المخزومي ، وهو يومئذ زوج أم هانئ بِنْت أَبِي طَالِب ، وابنُ الزبعرى ، وقَالَ أَبُو عبيدة : الزبعرى بالفتح ، معه إلى نجران.
فأمَّا ابْنُ الزبعرى ، فرجع مسلمًا ، فلما رآه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " قَدْ جاءكم عَبْد اللَّه وإنما أرى فِي وجهه نور الْإِسْلَام ، فَقَالَ : السَّلام عليك يا رَسُول اللَّه ، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رَسُول اللَّه ، واعتذر إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقبل عذرَه وقَالَ : الحمد لله الَّذِي هداك إلى الْإِسْلَام ، فقد محا الْإِسْلَام ما كَانَ قبله " ، ومات هُبيرة بنَجران مشركًا.
وهرب حويطب بْن عَبْد العزى ، فرآه أَبُو ذَرّ فِي حائط ، فأخبر رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكانه ، فَقَالَ : " أَوْ ليس قَدْ أمنّا النَّاس إلا من أمرنا بقتله ؟ " فأتاه فأخبره ، أَوْ أخبر غيره بذلك ، فأمن ، وكان حويطب بْن عَبْد العزى دخل عَلَى مروان بْن الحكم بعدُ ، وهو والي المدينة ، فَقَالَ لَهُ مروان : تأخّر إسلامك يا شيخ ، فَقَالَ : قَدْ والله هممتُ بِهِ غير مرة ، فكان أبوك يصدّني عَنْهُ.
وهرب صَفوان بْن أمية ، وكان يكنى : أبا وهب ، فتكلم فِيهِ عمير بْن وهب الجمحي ، وقَالَ : سيد قومي هارب خوفًا ، فأمنه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فلحقه فأعلمه أمانه ، فلم يثق بِهِ حتَّى بعث إِلَيْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببردة كَانَ معتجرًا بها ، فأطمأن ورجع مَعَ عمير ، وأقام كافرًا ، وأعار رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائة درع بأداتها ، وشهد حنين والطائف مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرآى غنمًا كثيرة من الغنيمة ، فنظر إليها ، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أعجبتك ؟ قَالَ : نعم ، قَالَ : فهي لَكَ ، فَقَالَ : والله ما طابت بها إلا نفس نبي ".
وأسلم وأقام بمكة ، فقيل لَهُ : لا إسلام لمن لم يهاجر.
وأتى المدينة ، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عزمتُ عليك يا أبا وهب لما رجعتَ إلى أباطح مكة ".
فرجع ومات أيام خروج النَّاس إلى البصرة ليوم الجمل.
" واستسلف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عَبْد اللَّه بْن أَبِي ربيعة أربعين ألف درهم ، ومن صَفوان خمسين ألف درهم ، ومن حويطب بْن عَبْد العزى أربعين ألف درهم.
فردّها حين فتح اللَّه عَلَيْهِ هوازنَ ، وغنَمه أموالهم.
وإنما استقرضها ليقوّي بها أصحابه ".
وكان عَلَيْهِ السَّلام أمر بقتل وحشي ، قاتل حمزة ، فهرب إلى الطائف ، ثُمَّ قدم فِي وفدها فدخل عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وهو يَقُولُ : " أشهد إن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه ، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أوحشي ؟ قَالَ : نعم ، قَالَ : أخبرني كيف قتلتَ حمزة ؟ فأخبره.
فقالت : غيّب عني وجهك " ، قَالَ الواقدي : فأول من ضُرب فِي الخمر وحشي ، وأول من لبس المعصفَر المصقول بالشام وحشي ، لا اختلاف بينهم فِي ذَلِكَ.
قَالُوا : وأسلم الحارث بْن هشام وأقام بمكة ، وكان مغموصًا عَلَيْهِ فِي إسلامه ، فلما جاءت وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبيعة أَبِي بَكْر ، كَانَ مكَّة ، ثُمَّ لما استنفر أَبُو بَكْر النَّاس لغزو الروم بالشام ، شخص هُوَ وسهيل بْن عَمْرو ، وعكرمة بْن أَبِي جهل ، فاستأذنوه فِي الغزو ، فأذن لهم ، فخرجوا إلى الشام.
فاستشهد عكرمة يوم أجنادين.
ومات سهيل.
والحارث فِي طاعون عمواس.
قَالُوا : وبلغ رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ابْن زُنيم ، وهو أَبُو إياس وكان ابنه مسمى باسمه هجاه ، فقدم عَلَيْهِ يعتذر فِي شعر يَقُولُ فِيهِ : فما حملتْ من ناقة فوق رحلها أعفَّ وأوفى ذمةً من مُحَمَّد أحثّ عَلَى خير وأسرع نائلًا إِذَا راح يهتزّ اهتزاز المهنّد ونبي رَسُولُ اللَّه أني هجوته فلا رفعت سوطي إليّ إذًا يدي سوى أنني قَدْ قلتُ يا ويح فتية أصيبوا بنحسٍ يَوْم طلق وأسعد فبلغ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتذاره وشعره ، وكُلّم فِيهِ فعفا عَنْهُ ، وكان قَدْ نذر دمه.
وقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الفتح : " ألا إنّ كل دين ومال ودم ومأثرة كانت فِي الجاهلية فهي تحت قدمي ، إلا سدانة البيت وسقاية الحاجّ ، وأول الدماء دم آدم بْن ربيعة ".
وكان حذيفة بْن أنس الهذلي الشَّاعِر " خرج بقومه يريد بني عدي بْن الديل ، فوجدهم قَدْ ظعنوا عن المنزل الَّذِي عهدهم فِيهِ ، ونزّله بنو سعد بْن ليث ، فأغار عليّ بني سعد ، وآدم بْن ربيعة مسترضَع لَهُ فيهم وصغيرًا ، فقتل.
فوضع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمه يَوْم الفتح.
فَقَالَ حذيفة بْن أنس : أصبنا الألى لما نُرِدْ أن نُصيبهم فساءت كثيرًا من هذيل وسرّت أسائل عن سعد بْن ليث لعلهم سواهم قَدْ أصابت بهم فاستحرّت فلا توعدونا بالجياد فإنها لنا أكلة قَدْ عضلّت فأمرّت وكان خليفة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المدينة ابْنُ أم مكتوم ، وَيُقَالُ : كَانَ خليفته أبا رهم الغفاري ، وفشا الْإِسْلَام بمكة ، وكسر النَّاس أصنامهم ، ووجّه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كسر الأصنام التي حول مكَّة ، وأقام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة ، حتَّى خرج منها إلى حنين واستخلف عليها عَتّاب بْن أسيد بْن أَبِي العيص بْن أمية ، وأسلم عَبْد اللَّه بْن أبي أمية فِي الفتح " .1
وكان سببها أن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاضي قريشًا عام الحديبية عَلَى ما قاضاهم عَلَيْهِ ، فسمع رَجُل من خزاعة ، وكانوا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عهده وعقده ، رجلًا من كنانة ، وكانوا فِي عهد قريش وذمتها ، يهجو رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فوثب عَلَيْهِ وشجه ، فاقتتلت خزاعة وكنانة ، وأعانت قريش بني كنانة ، وخرج وجوههم يقاتلون متنكرين ، فقدم عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرو بْن سالم بْن حَصيرة الخزاعي فِي عدَّة من قومه يستنفر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويذكره الحلف بين عَبْد المطبق وبينهم ، فَقَالَ : لاهمّ إني ناشد محمدًا حلف أبينا وأبيه الأتلدا إن قريشًا أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا وزعموا أن لستَ تدعو أحدًا وهم أذلّ وأقل عددا فانصر هداك اللَّه نصرًا أيّدا وادع عباد اللَّه يأتوا مددا " فحدثني عَبْد الواحد بْن غياث ، ثنا حَمَّاد بْن سَلَمة ، أن خزاعة " نادوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يغتسل ، فَقَالَ : لبيكم ، واستعدّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لغزو أهل مكَّة إذ نقضوا العهد ونكثوه فكتب حاطب بْن أَبِي بلتعة اللخمي حليف الزُّبَيْر إلى صفوان بْن أمية ، وعكرمة بْن أَبِي جهل ، وسهيل بْن عَمْرو يُعلمهم غزو رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياهم ، وبعث بكتابه مَعَ امرأة من مُزينة يُقال لها كَنُود ، وَيُقَالُ مَعَ سارة ، مولاة عَمْرو بْن هاشم بْن المطلب بْن عَبْد مناف ، فجعلته فِي رأسها ، ثُمَّ فتلتْ عليها قرونَها ، فوجّه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليها عليّ بْن أَبِي طَالِب ، والزبير بْن العوام وأبا مرثد الغنوي ، وكلُّهم فارس ، فلحقوها بروضة خاخ ، فأناخوا بعيرها ، ثُمَّ فتشوها فلما رأت الجدّ أخرجت الكتاب من عقصتها ، وقَالَ بعضهم : لم تجعل الكتاب فِي رأسها ، ولكنها جعلته فِي حُجزتها ، وقيل إنها جعلته فِي رأسها حتَّى أمنت ، ثُمَّ جعلته فِي حجزتها ، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحاطب : " ما حملك عَلَى ما صنعت ؟ ، فَقَالَ : يا رَسُول اللَّه ، إني صانعتُ القوم عَلَى مالي وأهلي قِبلهم ، ولستُ لهم بقرابة ولا فيهم من يذبّ عني.
فقبل رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عذره ، فَقَالَ لَهُ عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه عَنْهُ : ائذن لي يا رَسُول اللَّه اضرب عنقه فقد خان اللَّه ورسوله ، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أوليس هُوَ من أهل بدر ؟ ما ندري لعل اللَّه قَدِ اطلّع عَلَى أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد أوجبتُ لَكَم الجنة ".
فانزل اللَّه عزَّ وجلَّ : يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ سورة الممتحنة آية 1 ومضت سارة إلى مكة ، وكانت فيما يزعمون مغنيَّة.
فأقبلت تتغنى بهجاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمين ، ولما وافى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكَّة ، تسلح قوم معهم ، وقالوا : لا يدخلها مُحَمَّد عنوة ، فقاتلهم خالدُ بْن الوليد ، وكان أول من أمره رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقتال ، وبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْر فِي كتيبة ، سوى كتيبة خَالِد.
وجعل أبا عبيدة بْن الجرّح عَلَى الحُسّر ، فأوقعوا بالمشركين ، وكان الْعَبَّاس بْن عَبْد المطلب لقي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذي الحُليفة ، وهو يريد مكَّة وَقَدْ أظهر إسلامه ، فأمره أن يمضي نقْلَه إلى المدينة وقَالَ : " هجرتك ، يا عم آخر هجرة ، كما أن نبوتي آخر نبوة ".
وكانت قريش لما جنتْ ما جنتْ ، خافت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فبعث أبا سُفْيَان يجدّد الحلف ويُصلح بين النَّاس ، فقال لَهُ عليّ بْن أَبِي طَالِب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ : أنت سيد قريش ، فاضرب يدا عَلَى يد ، وأجدّ الحلف وأصلح بين النَّاس ، فانصرفَ وهو يرى أَنَّهُ قَدْ صنع شيئًا ، ثُمَّ رجع وأقام بمرّ الظهران حتى وجدته خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتته به.
فمنعه العباس واستأمن لَهُ ، فدخل مكَّة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فلما رأى كثرةَ المسلمين وإيقاعهم بمن أوقعوا بِهِ من المشركين ، قَالَ : أبيدت خضراء قريش ، لا قريش بعد اليوم ، فَقَالَ الْعَبَّاس : يا رَسُول اللَّه ، إن أبا سُفْيَان يحبّ الفخر عَلَى قريش ، فاجعل لَهُ شيئًا يُعْرَف بِهِ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " من أغلق بابه فهو آمن ، ومن وضع سلاحه فهو آمن ، ومن دخل دار أَبِي سُفْيَان فهو آمن ".
وأمر أن لا يجهز عَلَى جريح ، ولا يتّبع مدبِر ، وأراد أَبُو سُفْيَان دخول داره ، فقالت لَهُ هند : وراءك ، قبحك اللَّه فإنك شرُّ وافد ، وقتل من قريش أربعة وعشرون ، ومن هذيل أربعة نفر ، وَيُقَالُ : إنه قتل من قريش ثلاثة وعشرون ، وهرب أكثرهم واعتصموا برءوس الجبال وتوقلوا فيها ، وَيُقَالُ : أَنَّهُ استشهد من المسلمين كُرز بْن جَابِر الفهري ، وخالد الأشعر الكعبي ، وقَالَ الكلبي : هُوَ حُبيش الأشعر بْن خَالِد الكعبي ، من خزاعة ".
" ودخل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكَّة ، وعليه عمامة سوداء ، ولواؤه أسود ، وأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأصنام فهدمت ، وبالصُّوَر التي كانت فِي الكعبة فمحيت ، وأمر بلالًا ، حين جاءت الظهر ، فأذّن عَلَى ظهر الكعبة ، وقريش فوق الجبال : منهم من يطلب الأمان ، ومنهم من قَدْ أومن ، فلما قَالَ : أشهد أن محمدًا رَسُول اللَّه ، قَالَتْ جويرية بِنْت أَبِي جهل : لقد أكرم اللَّه أبا الحكم حين لم يسمع نهيق ابْنُ أم بلال فوق الكعبة ، وَيُقَالُ إنها قَالَتْ : لقد رفع اللَّه ذكر مُحَمَّد ، وأمَّا نَحْنُ فسنصلي ، ولكنا لا نحبّ والله من قتل الأحبة أبدًا ، وقَالَ خَالِد بْن أسيد بْن أَبِي العيص : الحمد لله الَّذِي أكرم أَبِي فلم ير هَذَا اليوم ، ولم يسمع هَذَا الصوت ، وقَالَ الحارث بْن هشام : واثكلاه ، ليتني متُّ ولم أسمع نهيق ابْنُ أم بلال عَلَى الكعبة ، وهذا أثبت مما روى عن جويرية ، وَيُقَالُ : إنّ عكرمة بْن أَبِي جهل ، قَالَ : لقد أكرم اللَّه أبا الحكم حين لم يسمع نهيق ابْنُ أم بلال عَلَى الكعبة ".
وقيل لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ألا تنزل منزلك من الشعب ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وهل ترك لنا عقيل من رباع ؟ وكان عقيل باع منزل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنازل إخوته من الرجال والنساء ، ونظر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأبو بكر يسايره ، إلى بنات أبي أحيحة سَعِيد بْن العاص بْن أمية يلطّمن وجوه الخيل بالخُمر وَقَدْ نشرن شعورَهن ، فتبسم وقَالَ : يا أبا بَكْر كيف قَالَ حسان بْن ثابت ؟ فأنشده : تظلّ جيادُنا متمّطرَات تلِّطمهن بالخُمرُ النساءُ وكان حِماس بْن قيس بْن خَالِد الديلي قَالَ لامرأته حين أظلهم رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لآتينك بخادم منهم ، فلما جاء منهزمًا ، قَالَتْ هازئة بِهِ : أَيْنَ الخادم الَّذِي وعدتَني فإني لم أزل منتظرة لَهُ ؟ فَقَالَ : وأنت لو شهدِتنا بالخندمة إِذَا فرّ صفوانٌ وفرّ عِكرمة أَبُو يزيد كالعجوز المؤتمة لم تنطقي فِي اللوم أدنى كلمة إذ ضربتنا بالسيوف المسلمة لهم زئير خلفنا وغمغمة .
وكان هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهم ، يقولون : لا ندع مُحَمَّدًا يدخل مكَّة أبدًا ".
وأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل ستة نفر ، وأربع نسوة ، فأمَّا النفر : فعكرمة بْن أَبِي جهل ، وهبّار بْن الأسود ، وعبد اللَّه بْن سعد بْن أَبِي سرح ، ومقيس بْن صُبابة ، والحويرث بْن نُقيد ، وابن خطل ، وأمَّا الأربع النسوة : فهند بِنْت عتبة ، وسارة مولاة عَمْرو بْن هشام بْن المطلب ، وقينتا هلال بْن عَبْد اللَّه بْن الأخطل الأدرمي ، وَيُقَالُ : هُوَ عَبْد اللَّه بْن هلال ، والأول قول الكلبي ، وقينتاه فرتنا وأرنب ، وَيُقَالُ : قُريبة وأبو يزيد : سهيل بْن عَمْرو ".
" فأمَّا عكرمة ، فأنه هرب ، وأسلمت امرأته أمّ حكيم فقالت : يا رَسُول اللَّه ، " زوجي هرب خوفًا منك ، فَقَالَ : هُوَ آمن ".
فخرجت فِي طلبه ، ومعها غلام لها رومي فراودها عن نفسها ، فلم تزل تمنيه حتَّى انتهت إلى حيّ من العرب فاستغاثهم عَلَيْهِ ، فأوثقوه رباطًا ، وأدركت عكرمةَ فِي ساحل من السواحل ، قَدْ ركب البحر ، فجعل النوتي ، يَقُولُ لَهُ : قل لا إله إلا اللَّه ، فقال : ويحك ، ما هربتُ إلا من هذه الكلمة ، وقالت لَهُ امرأته : جئتك يا ابْن عم من عند أوصل النَّاس وأحلمهم وأكرمهم ، قَدْ أمنك وعفا عنك ، فرجع ، وأخبرته خبر الرومي ، فقتله وهو لم يُسلم بعد ، ثُمَّ لما قدم عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وقف بين يديه ، فأظهر السرور بِهِ ، وأسلمَ وسأل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يستغفر لَهُ ، فاستغفر لَهُ ، وقَالَ : والله لاجتهدن فِي جهاد أعداء اللَّه ، وجعل عَلَى نفسه أن يحصي كل نفقة أنفقها فِي الشرك فينفق مثلها فِي نصر الْإِسْلَام ، وأقرّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأته عَلَى نكاحه ".
" أما هَبّار بْن الأسود ، فكان ممن عرض لزينب بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين حملت من مكَّة إلى المدينة ، فكان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر سراياه إن لقوه أن يحرّقوه ، ثُمَّ قَالَ : لا يعذّب بالنار إلا خالق النار ، فأمر بقطع يديه ورجليه وقتله ، فلما كَانَ يَوْم الفتح ، هرب ثُمَّ قدم عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة.
وَيُقَالُ : أتاه وهو بالجعرانة حين فرغ من أمر المشركين بحُنين ، فمثُل بين يديه وهو يَقُولُ : أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رَسُول اللَّه ، فقبل إسلامه ، وأمر أن لا يعرض لَهُ ، وخرجت سُلمى مولاةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقالت : لا أنعم اللَّه بك عينًا ، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مهلًا ، فقد محا الْإِسْلَام ما قبله ".
قَالَ الزُّبَيْر بْن العوام : لقد رأيتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد غلظته عَلَى هبّار يطأطئ رأسه استحياء مِنْهُ ، وهو يعتذر إِلَيْه ".
وأمَّا عَبْد اللَّه بْن سعد بْن أَبِي سرح ، فإنه أسلم وكان يكتب بين يدي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيملي عَلَيْهِ الكافرين ، فيجعلها الظالمين ، ويملي عَلَيْهِ عزيز حكيم ، فيجعلها عليم حكيم ، وأشباه هَذَا ، فَقَالَ : أَنَا أقول كما يَقُولُ مُحَمَّد وآتي بمثل ما يأتي بِهِ مُحَمَّد ، فأنزل اللَّه فِيهِ : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ سورة الأنعام آية 93 .
وهرب إلى مكَّة مرَّتدًا ، فأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتله ، وكان أخا عثمان بْن عفان من الرضاع ، فطلب فِيهِ أشدّ طلب حتَّى كفّ عَنْهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وقَالَ : أما كَانَ فيكم من يقوم إلى هَذَا الكلب قبل إن أومنّه فيقتله ؟ فَقَالَ عُمَر ، وَيُقَالُ : أَبُو اليسر ، لو أومأت إلينا ، قتلناه ، فَقَالَ : إني ما أقتل بإشارة ، لأن الأنبياء لا يكون لهم خائنة الأعين ، وكان يأتي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فيسلم علبه ، وولاه عثمانُ مصر ، فابتنى بها دارًا ، ثُمَّ تحوّل إلى فلسطين فمات بها ، وبعض الرواة ، يَقُولُ : مات بإفريقية ، والأول أثبت ".
" وأمَّا مِقْيَس بْن صُبابة والكناني ، فإن أخاه هاشم بْن صُبابة بْن حزن أسلم وشهد غزاة المُرَيسيع مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقتله رَجُل من الأنصار خطأ وهو يحسبه مشركًا ، فقدم مقيس عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقضى لَهُ بالدية عَلَى عاقلة الْأَنْصَارِيّ ، فأخذها وأسلم ثُمَّ عدا عَلَى قاتل أخيه وهرب مرتدًا ، وقَالَ : شفى النفسَ أن قَدْ بات بالقاع مسندًا تُضَرَّج ثوبيه دماءُ الأخادع ثأرثُ بِهِ فهرًا وحملتُ عقله سراة بني النجار أربابَ فارع حللتُ بِهِ وتري وأدركتُ ثؤرتي وكنتُ عن الْإِسْلَام أول راجع فأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتله من لقيه ، فلما كَانَ يَوْم الفتح خرج مدججّا ، وهو يَقُولُ : دون دخول مُحَمَّد إياها ضرب كأفواه المزاد.
وكان قَدِ اصطبح ذَلِكَ اليوم فِي أصحاب لَه.
وكانت أمه سهية.
وكان معهم.
فعاد حين انهزم النَّاس ، فشرب ، وعرف نُميلة بْن عَبْد اللَّه الكناني موضعه ، فدعاه.
فخرج إِلَيْه ثملًا ، وهو يَقُولُ متمثلًا : دعيني أصطبح يا بَكْرُ إنيّ رأيتُ الموت نقّبَ عن هشام ونقّبَ عن أبيك أَبِي يزيد أخي القينات والشُّرب الكرام فلم يزل يضربه بالسيف حتَّى قتله ، فَقَالَ شاعرهم : لعمري لقد أخزى نميلة رهطه وفجّع أضياف الشتاء بمقيس فلله عينَا من رَأَى مثل مقيس إِذَا النفساء أصبحت لم تُخَرَّسِ وأمَّا الحويرث بْن نُقيد ، فكان يعظّم القول فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وينشد الهجاء فِيهِ ويكثر أذاه وهو بمكة ، فلما كَانَ يَوْم الفتح ، هرب من بيته فلقيه عليّ بْن أَبِي طَالِب فقتله.
وأمَّا هلال بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد مناف الأدرمي ، وهو ابْنُ خَطل ، بعضهم يَقُولُ : عَبْد اللَّه ، والثبت أن اسمه هلال ، فإنه أسلم وهاجر إلى المدينة ، فبعثه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساعيًا عَلَى الصدقة ، وبعث معه رجلًا من خزاعة.
فوثب عَلَى الخزاعي فقتله ، وذلك أَنَّهُ كَانَ يخدمه ، ويتخذ لَهُ طعامه ، فجاء ذا يَوْم ولم يتخذ لَهُ شيئًا ، فاغتاظ وضربه حتَّى قتله ، وقَالَ : إن محمدًا سيقتلني بِهِ ، فارتدّ وهرب وساق ماكان معه من الصدقة ، وأتى مكَّة ، فَقَالَ لأهلها : لم أجد دِينا خيرًا من دينكم وكانت لَهُ قينتان ، فكانتا تغنينان بهجاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ويدخل عليهما المشركون فيشربون عنده الخمر.
فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الفتح : " اقتلوه ولو كَانَ متعلقًا بأستار الكعبة " ، فقتله أَبُو بَرزة الأسلمي ، واسمه نَضلة بْن عَبْد اللَّه ، وذلك الثبت ، وبعضهم يقول : اسمه خَالِد بْن نضلة ، وهو قول الهيثم بْن عدي ، وبعضهم يَقُولُ : عَبْد اللَّه بْن نضلة أيضًا ، وَيُقَالُ : قتله شريك بْن عبدة ، من بني عَبْد العجلان.رقم الحديث: 252
(حديث موقوف) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّيِّ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ ، أَنَّهُ " سَمِعَهُ يَقُولُ : لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ { 1 } وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ سورة البلد آية 1-2 ، فَأَخْرَجْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَطَلٍ ، وَهُوَ فِي أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ، فَضَرَبْتُ عُنُقَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ ، وَيُقَالُ : قَتَلَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَيُقَالُ : سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَخْزُومِيُّ أَخُو عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ " . أما هند ، فأسلمت وكسرت كل صنم فِي بيتها ، " وأتت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسلمةً ، وبايعها مَعَ النساء ، وكان فِي بيعة النساء " أن لا يزنين " ، فقالت : " وهل تزني الْحُرَّةُ ؟ " وأهدت إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جديَين ، واعتذرت من قلة ولادة غنمها ، فدعا لها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكثرت غنمها ، فكانت تَقُولُ : هَذَا ببركة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فالحمد لله الَّذِي هدانا للإسلام وأكرَمنا برسوله ، وقالت حين هدمت الأصنام التي كانت فِي بيتها : لقد كُنَّا منكم فِي غرور ".
وأمَّا سارة ، صاحبة كتاب حاطب بْن أَبِي بلتعة ، فكانت مغنّية نوّاحة ، وكانت قدمت من مكَّة ، فوصلها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين شكت إِلَيْه الحاجة ، وقالت : إني قَدْ تركتُ النوحَ والغناء ، ثُمَّ رجعت إلى مكَّة مرتدَّة ، وجعلت تتغنى بهجاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقتلها عليّ بْن أَبِي طَالِب ، وَيُقَالُ غيره.
أما قينتا ابْن خطل ، فإن إحداهما وهي أرنب ، وَيُقَالُ : قُريبة ، فقتلت ، وبقيت الأخرى ، فجاءت مسلمةً وَقَدْ تنكرت ، واسمها فُرتنا ، ولم تزل باقية إلى خلافة عثمان ، فانكسرت لها ضلع ، وماتت ، وقَالَ الواقدي : كُسرت ضلع من أضلاع فرتنا ، قينة بْن خطل ، فقضي عثمان فِيهِ بثمانية آلاف : ست آلاف ديتها وألفان لتغليظ الجناية.
" وكان عَبْد اللَّه بْن أَبِي أمية من أشدّ النَّاس عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وكان أَبُو سُفْيَان بْن الحارث بْن عَبْد المطلب شديدًا عَلَيْهِ وكان يكذّبه ويهجوه ، وفيه يَقُولُ حسان : أتهجوه ولستَ لَهُ بِند فشرُّكما لخيركما الفداءُ فأتيا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنيق العُقاب فلم يأذن لهما ، فأمَّا عَبْد اللَّه بْن أَبِي أمية ، فتكلمت فِيهِ أخته أم سَلَمة ، حتَّى أذن لَهُ فسلم عَلَيْهِ وبايعه ولم يغمص عَلَيْهِ فِي إسلامه حتَّى استشهد يَوْم الطائف ، وأمَّا أَبُو سُفْيَان ، فتكلم فِيهِ الْعَبَّاس حتَّى أذن لَهُ وبايعه ، ولم يزل مستغفرًا مما كَانَ فِيهِ ، مجتهدًا فِي مناصحة الإسلام حتَّى مات فِي خلافة عُمَر ، وصلى عَلَيْهِ عُمَر ، وَيُقَالُ : إنّ أبا سُفْيَان أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بالأبواء ، فأسلم وَيُقَالُ : إنّ أبا سُفْيَان كَانَ أخًا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرضاع ، أرضعته حليمة أيامًا ".
قَالُوا : " وجعل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطعن الأصنام بمحجن معه ويقول : جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا سورة الإسراء آية 81 ، ودفع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفتاحَ الكعبة إلى عثمان بْن طلحة ، وكان قَدْ أسلم قبل الفتح ، هُوَ وخالد بْن الوليد وعمرو بْن العاص فِي وقت واحد ، وخرج عن المدينة إلى مكَّة ، وفيه نزلت : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا سورة النساء آية 58 ".
" وبعث سهيل بْن عَمْرو ابنه ، عبدَ اللَّه بْن سهيل ، إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فأمنه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ سهيل : بأبي وأمي هُوَ ، فلم يزل بَرًّا حليمًا صغيرًا وكبيرًا ، وخرج مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شركه ، فأسلم بالجعرانة ".
وهرب هبيرةُ بْن أَبِي وهب المخزومي ، وهو يومئذ زوج أم هانئ بِنْت أَبِي طَالِب ، وابنُ الزبعرى ، وقَالَ أَبُو عبيدة : الزبعرى بالفتح ، معه إلى نجران.
فأمَّا ابْنُ الزبعرى ، فرجع مسلمًا ، فلما رآه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " قَدْ جاءكم عَبْد اللَّه وإنما أرى فِي وجهه نور الْإِسْلَام ، فَقَالَ : السَّلام عليك يا رَسُول اللَّه ، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رَسُول اللَّه ، واعتذر إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقبل عذرَه وقَالَ : الحمد لله الَّذِي هداك إلى الْإِسْلَام ، فقد محا الْإِسْلَام ما كَانَ قبله " ، ومات هُبيرة بنَجران مشركًا.
وهرب حويطب بْن عَبْد العزى ، فرآه أَبُو ذَرّ فِي حائط ، فأخبر رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكانه ، فَقَالَ : " أَوْ ليس قَدْ أمنّا النَّاس إلا من أمرنا بقتله ؟ " فأتاه فأخبره ، أَوْ أخبر غيره بذلك ، فأمن ، وكان حويطب بْن عَبْد العزى دخل عَلَى مروان بْن الحكم بعدُ ، وهو والي المدينة ، فَقَالَ لَهُ مروان : تأخّر إسلامك يا شيخ ، فَقَالَ : قَدْ والله هممتُ بِهِ غير مرة ، فكان أبوك يصدّني عَنْهُ.
وهرب صَفوان بْن أمية ، وكان يكنى : أبا وهب ، فتكلم فِيهِ عمير بْن وهب الجمحي ، وقَالَ : سيد قومي هارب خوفًا ، فأمنه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فلحقه فأعلمه أمانه ، فلم يثق بِهِ حتَّى بعث إِلَيْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببردة كَانَ معتجرًا بها ، فأطمأن ورجع مَعَ عمير ، وأقام كافرًا ، وأعار رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائة درع بأداتها ، وشهد حنين والطائف مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرآى غنمًا كثيرة من الغنيمة ، فنظر إليها ، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أعجبتك ؟ قَالَ : نعم ، قَالَ : فهي لَكَ ، فَقَالَ : والله ما طابت بها إلا نفس نبي ".
وأسلم وأقام بمكة ، فقيل لَهُ : لا إسلام لمن لم يهاجر.
وأتى المدينة ، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عزمتُ عليك يا أبا وهب لما رجعتَ إلى أباطح مكة ".
فرجع ومات أيام خروج النَّاس إلى البصرة ليوم الجمل.
" واستسلف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عَبْد اللَّه بْن أَبِي ربيعة أربعين ألف درهم ، ومن صَفوان خمسين ألف درهم ، ومن حويطب بْن عَبْد العزى أربعين ألف درهم.
فردّها حين فتح اللَّه عَلَيْهِ هوازنَ ، وغنَمه أموالهم.
وإنما استقرضها ليقوّي بها أصحابه ".
وكان عَلَيْهِ السَّلام أمر بقتل وحشي ، قاتل حمزة ، فهرب إلى الطائف ، ثُمَّ قدم فِي وفدها فدخل عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وهو يَقُولُ : " أشهد إن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه ، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أوحشي ؟ قَالَ : نعم ، قَالَ : أخبرني كيف قتلتَ حمزة ؟ فأخبره.
فقالت : غيّب عني وجهك " ، قَالَ الواقدي : فأول من ضُرب فِي الخمر وحشي ، وأول من لبس المعصفَر المصقول بالشام وحشي ، لا اختلاف بينهم فِي ذَلِكَ.
قَالُوا : وأسلم الحارث بْن هشام وأقام بمكة ، وكان مغموصًا عَلَيْهِ فِي إسلامه ، فلما جاءت وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبيعة أَبِي بَكْر ، كَانَ مكَّة ، ثُمَّ لما استنفر أَبُو بَكْر النَّاس لغزو الروم بالشام ، شخص هُوَ وسهيل بْن عَمْرو ، وعكرمة بْن أَبِي جهل ، فاستأذنوه فِي الغزو ، فأذن لهم ، فخرجوا إلى الشام.
فاستشهد عكرمة يوم أجنادين.
ومات سهيل.
والحارث فِي طاعون عمواس.
قَالُوا : وبلغ رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ابْن زُنيم ، وهو أَبُو إياس وكان ابنه مسمى باسمه هجاه ، فقدم عَلَيْهِ يعتذر فِي شعر يَقُولُ فِيهِ : فما حملتْ من ناقة فوق رحلها أعفَّ وأوفى ذمةً من مُحَمَّد أحثّ عَلَى خير وأسرع نائلًا إِذَا راح يهتزّ اهتزاز المهنّد ونبي رَسُولُ اللَّه أني هجوته فلا رفعت سوطي إليّ إذًا يدي سوى أنني قَدْ قلتُ يا ويح فتية أصيبوا بنحسٍ يَوْم طلق وأسعد فبلغ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتذاره وشعره ، وكُلّم فِيهِ فعفا عَنْهُ ، وكان قَدْ نذر دمه.
وقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الفتح : " ألا إنّ كل دين ومال ودم ومأثرة كانت فِي الجاهلية فهي تحت قدمي ، إلا سدانة البيت وسقاية الحاجّ ، وأول الدماء دم آدم بْن ربيعة ".
وكان حذيفة بْن أنس الهذلي الشَّاعِر " خرج بقومه يريد بني عدي بْن الديل ، فوجدهم قَدْ ظعنوا عن المنزل الَّذِي عهدهم فِيهِ ، ونزّله بنو سعد بْن ليث ، فأغار عليّ بني سعد ، وآدم بْن ربيعة مسترضَع لَهُ فيهم وصغيرًا ، فقتل.
فوضع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمه يَوْم الفتح.
فَقَالَ حذيفة بْن أنس : أصبنا الألى لما نُرِدْ أن نُصيبهم فساءت كثيرًا من هذيل وسرّت أسائل عن سعد بْن ليث لعلهم سواهم قَدْ أصابت بهم فاستحرّت فلا توعدونا بالجياد فإنها لنا أكلة قَدْ عضلّت فأمرّت وكان خليفة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المدينة ابْنُ أم مكتوم ، وَيُقَالُ : كَانَ خليفته أبا رهم الغفاري ، وفشا الْإِسْلَام بمكة ، وكسر النَّاس أصنامهم ، ووجّه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كسر الأصنام التي حول مكَّة ، وأقام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة ، حتَّى خرج منها إلى حنين واستخلف عليها عَتّاب بْن أسيد بْن أَبِي العيص بْن أمية ، وأسلم عَبْد اللَّه بْن أبي أمية فِي الفتح " .1