فاسمه عَبْدُ الْعُزَّى بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَكَانَ فائق الجمال فكناه أَبُوهُ أَبَا لهب لِذَلِكَ ، وكانت كنيته أَبَا عتبة ، ويقال : أَبَا عتيبة ، وأمه لُبْنَى بِنْت هاجر بْن عَبْدِ مناف بْن ضاطر بْن حبشيَّة بْن سلول من خزاعة ، وَكَانَ جوادًا ، وفيه يَقُول حذافة بْن غانم العدوي : أَبُو عتبة الملقي إليّ حباله أغر هجان اللون من نفرٍ غر وَمَاتَ بَعْد وقعة بدر بسبعة أَيَّام وَلَمْ يشهدها ، لأنه وجه العاص بْن هِشَام الْمَخْزُومِيَّ مكانه ، وَكَانَ لاعَبه عَلَى إمرةٍ مطاعة ، فقمره فبعثه إِلَى بدر بديلًا منه فقتله عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ، وَكَانَ لأبي لهب من الولد : عُتْبة ، ومُعَتِّب ، وعُتيبة ، وَكَانَ عتيبة سمع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يقرأ : وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى سورة النجم آية 1 ".
فَقَالَ : كفرت برب النجم.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُمَّ سلط عَلَيْهِ كلبًا من كلابك ".
فَإِنَّهُ لبحوران من أرض الشام إِذَا أقبل أسد فجعل يتشمّم أَصْحَابه واحدًا واحدًا حَتَّى بلغ إِلَيْهِ فضمغه ضمغة فجعل يَقُول وَهُوَ بآخر رمق : ألم أقل لكم إِن محمدًا أصدق النَّاس.
ثُمَّ مَاتَ.
وَقَالَ بَعْضهم : احتمله الأسد فأكله.
وأم أولاد أَبِي لهب أم جميل بْن حرب بْن أمية ، أمها أزدية ، وَكَانَ موت أَبِي لهب بداء يعرف بالعَدّسة.
1284 حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدّه ، وغيره ، قَالُوا : أُرِيَ عَبْد الْمُطَّلِبِ أَن يحتفر زمزم ، وكانت جرهم دفنتها وطمّتها ، فَلَمَّا احتفرها وجد غزالًا من ذهب وفضة مُقرّطًا مشنّقًا ، فصيره فِي الْكَعْبَة ، وَكَانَ لمقيس بْن قَيْس بْن عدي السهمي قينتان ، يُقَالُ لهما : أسماء وعثمة ، وَكَانَ بيته مألفًا لرجال من قريش ، وَكَانَ أَبُو لهب بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، والحكم بْن أَبِي العاص بْن أمية ، والحارث بْن عامر بْن نوفل بْن عَبْدِ مناف ، وأبو أهاب بْن عزيز بْن قَيْس بْن سُوَيْد بْن ربيعة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم بْن مَالِك بْن حنظلة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم حليف بَنِي نوفل بْن عَبْدِ مناف ، وديك ودُييك موليا خزاعة يجتمعون عَنْهُ ، فَإِن هَؤُلاءِ جميعًا لعنده إذ نفدت خمرهم وأقبلت ضافطة من الشام ، فَقَالَ أَبُو لهب : مَا أعلم موضع شَيْء نبتاع بِهِ خمرًا إلا غزال أَبِي الَّذِي فِي الْكَعْبَة .8 فأعظم الْقَوْم ذَلِكَ وأبوه ، فَقَالَ : أَنَا أحق النَّاس بِهِ قوموا بنا.
فقاموا مَعَهُ فسرقوا الغزال واشتروا ببعضه خمرًا وحلّى أَبُو لهب منه القينتين ، وحلاهما الْحَارِث بْن عامر بْن نوفل من قسمه قرط الغزال أَوْ شنفه ، فَقَالَ فِيهِ أَبُو إهاب بْن عزيز : أبلغ منافًا إِذَا جئتها فأيّ فتى ولدت نوفل إِذَا شرب الخمر أغلَى بِهَا وإن جهدت جهدها العذل دعاه إِلَى الشنف شنف الغزال هواه لخمصانة عيطل وَقَالَ حسان بْن ثابت لأبي إهاب بْن عزيز : أَبَا إهاب أَبِنْ لي عَنْ حَدِيثكم أَيْنَ الغزال عَلَيْهِ القرط من ذهب فطلبت قريشٌ سَرَقَةَ الغزال فقطعوا بَعْضهم وهرب بَعْض ، ولجأ أَبُو لهب إِلَى أخواله من خزاعة فمنعوه ودفعوا قريشًا عَنْهُ ، وَكَانَ أشدّ قريش طلبًا لسرقة الغزال عَبْد اللَّهِ بْن جُدعان التَّيْمِيُّ ، فَقَالَ الشاعر فِي منع خزاعة من أَبِي لهب : هُمُ منعوا الشَّيْخ المنافيّ بعدما رَأَى الشفرة الحجناء فَوْقَ البراجم # وَقَدْ كتبنا لأبي لهب أخبارًا فيما تقدم من كتابنا فلم يحتج إِلَى إعادتها.
وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كَانَت ابْنَة زرارة بْن عدس بْن زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم عِنْدَ سُوَيْد بْن ربيعة جدّ أَبِي إهاب بْن عزيز ، وَكَانَ المنذر بْن ماء السماء ، وَهِيَ أمّه ، وَهِيَ من ولد النمر بْن قاسط ، وضع ابنًا لَهُ عِنْدَ زرارة ، يُقَالُ لَهُ : مَالِك ، فمرّ مَالِك بإبِل لسويد فأعجبته بكرةٌ منها فأمر بِهَا فنحرت وأكل منها وأطعم باقيها.
وَكَانَ سُوَيْد قَدْ خرج يتصيّد فَلَمَّا جاء أُخبر بخبر البكرة فاستشاط غضبًا فوثب عَلَى مَالِك بْن المنذر فضربه فأَمّه فلم يلبث أَن مَاتَ ، فحلف عَمْرو بْن المنذر ليحرقن من بَنِي حنظلة مائة ، فأحرقهم ، وهرب سُوَيْد فلحق بمكة فحالف بَنِي نوفل بْن عَبْدِ مناف ، واختط بمكة دارًا فولده بِهَا ، وسمي عَمْرو محرقًا.
ومن ولد أَبِي لهب الفضل بْن عَبَّاس بْن عتبة بْن أَبِي لهب الشاعر ، وأمه ابْنَة الْعَبَّاس بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
1285 حَدَّثَنِي مَنْصُور بْن أَبِي مزاحم ، عَنْ شُعَيْب بْن صفوان ، قَالَ : كَانَ الفضل بْن عَبَّاس بْن عتبة أنِسًا بالوليد بْن عَبْدِ الْمَلِك ، فحج الْوَلِيد فبينا هُوَ مسند ظهره إِلَى زمزم قَالَ لَهُ الفضل : ألا آتيك بماء من زمزم تشربه وتغسل منه وجهك .8 863 فَقَالَ : أفعل.
فجعل يستقي ، وَيَقُول : يَا أيها السائل عَنْ عليِّ تسأل عَنْ بدرٍ لنا بدري مردّد فِي المجد أُبطحيِّ سائلة غُرَّتُه مضيّ زمزمُ يَا بوركت من طوي بوركت للساقي وللمسقيِّ اسقي عَلَى ماثرة النَّبِيّ فَقَالَ لَهُ الْوَلِيد : مَا أَكْثَر لغطك.
فَقَالَ : إِن هَذَا الشعر فِي عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْعَبَّاس ، ويُروى : تسأل عَنْ قرم لنا بدري نسبة إِلَى البدر ، ويقال : هُوَ فِي عَلِي بْن أَبِي طَالِب ، يريد أَنَّهُ شهد بدرًا.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن زِيَاد الأَعْرَابِيُّ الراوية عَنِ المفضل الضَّبِّيّ ، قَالَ : كَانَ الفضل بْن عَبَّاس بْن عتبة بْن أَبِي لهب يُعّيِّن فَإِذَا حلّت دراهمه عَلَى غرمائه ركب حمارًا لَهُ كَانَ يسميه شارب الريح فيقف عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَقُول : بَنِي عمنا رُدُّوا الدراهم إنه يفرق بَيْنَ النَّاس حبُّ الدراهم قَالَ : وَكَانَ رَجُل من بَنِي الديل بْن بَكْر بْن عَبْدِ مناة بْن كنانة ، يُقَالُ لَهُ : عقرب عَسر الْقَضَاء فَإِذَا تعلّق بِهِ غرماؤه أفلتهم وهرب عَنْهُمْ ، وَقَالَ : فلو كنتُ الحديد لكسروني ولكني أشدّ من الحديد فعيّنه الفضل مالًا ، فَلَمَّا كَانَ قبل محله جاء فبنى عَلَى بَاب عقرب معلفًا لحماره وأتى بشيء فبسطه ، فلقي كُل واحد منهما من صاحبه شرًّا ، فهجاه الفضل ، فَقَالَ : قَدْ تَجَرَتْ عقرب فِي سوقنا لا مرحبًا بالعقرب التّاجِره إِن عادت العقربُ عُدنا لَهَا وكانت النّعلُ لَهَا حاضره كُل عدو يُتّقى مقبلًا وتُتّقى لسعتُها دابره إنّ عدوَّا كيدهُ فِي استه لغير ذي كيد ولا نائره قَدْ خابت العقرب واستيقنت أنْ مَا لَهَا دنيا ولا آخره 1286 الْمَدَائِنِي ، عَنْ أَبِي اليقظان ، قَالَ : وفد الفضل بْن عَبَّاس بْن عتبة عَلَى الْوَلِيد فوصله وأجازه ، فَقَالَ : يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ ، لا تنس شارب الريح.
يَعْنِي حماره ، فَقَالَ : وَلَمْ لا نحملك عَلَى خير منه.
قَالَ : إِن لَهُ بي حُرمة وَهُوَ أحب إليّ من غيره فارزقه.
فأجرى عَلَيْهِ فِي كُل شَهْر عشرة دنانير فكان يقبضها مَعَ رزق كَانَ أجراه عَلَيْهِ ، وَكَانَ لا ينفق عَلَى حماره شيئًا إِنَّمَا كَانَ يتطلب لَهُ العلف والحشيش من النَّاس ، فكتب بَعْض أَهْل الْمَدِينَةِ قصة وجعلها فِي عنق الحمار وساقه إِلَى صاحب الشرطة بالمدينة ، وَكَانَ فِي القصة : إني بالله وبالمسلمين فَإِن صاحبي يقبض رزقي ولا يعلفني منه بشيء .8
64 حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي مسكين ، قَالَ : دَخَلَ الفضل بْن عَبَّاس بْن عتبة عَلَى الْوَلِيد بْن عَبْدِ الْمَلِك ، فأنشده : أتيتُك خالًا وابنَ عمّ وعمةٍ وَلَمْ أكُ شعبًا ناطني بك مُشْعب فَصِلْ واشجاتٍ بيننا من قرابةٍ أَلا صلةُ الأرحام أدنى وأقرب وَكَانَ عِنْدَ الْوَلِيد ، الْحَارِث بْن الْوَلِيد بْن عُقبة بْن أَبِي مُعيط الدعي ، فهمس إِلَى الْوَلِيد فِيهِ بشيء ، فَقَالَ الفضل : يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ ، إِن نوحًا عَلَيْهِ السَّلام حمل فِي سفينته من كُل زوجين اثنين وَلَمْ يكن مَعَهُ فِيهَا دعيّ.
فامتقع لون الْحَارِث واطرق.
1287 وحُدّثت ، عَنِ المسيبي ، أَنَّهُ قَالَ : دَخَلَ الفضل بْن عَبَّاس بْن عتبة عَلَى الْوَلِيد بْن عَبْدِ الْمَلِك ، وعنده عباد بْن زِيَاد ، وَكَانَ بينه وبين عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيز شَيْء ، فأنشد الفضل شعره الَّذِي يَقُول فِيهِ : وَلَمْ أكُ شعبا ناطني بك مُشْعب فَقَالَ عباد : ينبغي والله يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أَن توصل رحمه.
فَقَالَ عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيز : النخس يكفيك البطيء المحثل الْمَدَائِنِي ، قَالَ : لما مَاتَ الْوَلِيد بْن عَبْدِ الْمَلِك ، وَقَدْ كَانَ مسيئًا إِلَى أَخِيهِ سُلَيْمَان ، وفد الفضل إِلَى سُلَيْمَان ورثي الْوَلِيد ، فَقَالَ : أمررْ عَلَى قبر الْوَلِيد فقل لَهُ صلى الإله عليك من قبر يَا واصل الرحم الَّتِي قطعت وأصابها الجفوات فِي الدهر فَقَالَ سُلَيْمَان : يصل رحمك ويقطع رحمي ؟ ثُمَّ أمر بِهِ فوجئت عنقه وأخرج من بَيْنَ يديه.
قَالُوا : وهاجى الفضلُ الحارثَ بْن خَالِد بْن العاص بْن هِشَام بْن المغيرة فاجتمع النَّاس لحضور إنشادهما فأنشد الفضل : وأنا الأخضرُ من يَعرفُني أخضرُ الجلدةِ فِي بيتِ العرب من يُساجِلْني يُساجِلْ ماجدًا يملأ الدلو إِلَى عَقْدِ الكُرَب فَلَمَّا فرغ ، قَالَ الْحَارِث : تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ سورة المسد آية 1 .
فصاح النَّاس بالفضل وضحكوا ، وانهزم عَنْهُ ، وأنشأ يَقُول بَعْد ذَلِكَ : ماذا يريد إِلَى شتمي ومنقصتي أم مَا يريد إِلَى حمّالةِ الحطبِ غرّاء سائلةٌ فِي المجد فضلها فِي الجاهلية فضلُ السادة النجب ويروى : غراءٌ سائلةٌ فِي المجد غُرتّها كَانَتْ سلالة شيخ ثاقب النسب وَكَانَ أَبُو خداش بْن عتبة من جلساء مُعَاوِيَة ، وَكَانَ ذا لسن .8
وَحَدَّثَنِي عافية التميمي ، عَنْ إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : أنشد الأحوص الشاعر الْأَنْصَارِيّ الفضل شعرًا من شعره ، فَقَالَ : مَا أَحْسَن شعرك إلا أنك لا تأتي من غريب الْكَلام بشيء.
فَقَالَ : وكيف ، وأنا أقول : مَا ذاتُ حبلٍ يراهُ الناسُ كلُّهم وسط الجحيمِ فلا يخفى عَلَى أحد ترى الحبال حبال النَّاس من شَعرٍ وحبلُها وَسطَ أهلِ النّارِ مِنْ مَسَد وَكَانَ مُسْلِم بْن معتب بْن أَبِي لهب يشبّه بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ جميلًا ، وَقَدْ شهد وقعة حنين مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَكَانَ من ولد أَبِي لهب ، حَمْزَةُ بْن عتبة بْن إِبْرَاهِيمَ ، وَكَانَ جميلًا ، وَكَانَ حَمَّاد البربري رفعه إِلَى أمِير الْمُؤْمِنيِنَ هَارُون الرشيد فِي قوم من القرشيين من أَهْل مَكَّة ذكر أنهم يتشيعون فِي آل أَبِي طَالِب ، فَلَمَّا رآه الرشيد رَأَى جمالًا ونبلًا ، فَقَالَ : يَا حَمْزَةُ ، أَتَتشّيع فِي آل أَبِي طَالِب ؟ فَقَالَ : والله مَا أعرف من أتشّيع لَهُ من نظرائي خيرًا مني ، لأني رَجُل من بَنِي هاشم.
فأعجب ذَلِكَ الرشيد وجعله فِي صحابته .8