كتب التاريخ تاريخ ابن خلدون
الخبر عن الأوس و الخزرج أبناء قيلة من هذه الطبقة ملوك يثرب دار الهجرة ذكر أوليتهم و الإلمام بشأن نصرتهم و كيف انقراض أمرهم
قد ذكرنا فيما تقدم شأن يثرب و أنها من بناء يثرب بن فانية بن مهلهل بن إرم بن عبيل ابن عوص و عبيل أخو عاد و فيما ذكر السهيلي : أن يثرب بن قائد بن عبيل بن مهلاييل بن عوص بن عمليق بن لاوذ بن إرم و هذا أصح و أوجه وقد ذكرنا كيف صار أمر هؤلاء لإخوانهم جاسم من الأمم العمالقة و أن ملكهم كان يسمى الأرقم و كيف تغلب بنو إسرائيل عليه و قتلوه و ملكوا الحجاز دونه كله من أيدي العمالقة و يظهر من ذلك أن الحجاز لعهدهم كان آهلا بالعمران و جميع مياهه يشهد بذلك أن داود عليه السلام لما خلع بنو إسرائيل طاعته و خرجوا عليه بابنه أشبوشت فر مع سبط يهوذا إلى خيبر و ملك ابنه الشام و أقام هو و سبط و يهوذا بخيبر سبع سنين في ملكه حتى قتل ابنه و عاد إلى الشام فيظهر من أن عمرانه كان متصلا بيثرب و يجاوزها إلى خيبر وقد ذكرنا هنالك كيف أقام من بني إسرائيل من أقام بالحجاز و كيف تبعتهم يهود خيبر و بنو قريظة
قال المسعودي : و كانت الحجاز إذ ذاك أشجر بلاد الله و أكثرها ماء فنزلوا بلاد يثرب و اتخذوا بها الأموال و بنو الآطام و المنازل في كل موطن و ملكوا أمر أنفسهم و انضافت إليهم قبائل من العرب نزلوا معهم و اتخذوا الأطم و البيوت و أمرهم راجع إلى ملوك المقدس من عقب سليمان عليه السلام قال الشاعر بني نعيف :
( و لو نطقت يوما قباء لخبرت ... بأنا نزلنا قبل عاد و تبع )
( و آطامنا عادية مشمخرة ... تلوح فتنعى من يعادي و يمنع )
فلما خرج مزيقيا من اليمن و ملك غسان بالشام ثم هلك و ملك ابنه ثعلبة العنقاء ثم هلك ثعلبة العنقاء و ولي أمرهم بعد ثعلبة عمرو ابن أخيه جفنة سخط مكانه ابنه حارثة فأجمع الرحلة إلى يثرب و أقام بنو جفنة بن عمرو و من انضاف إليهم بالشام و نزل حارثة يثرب على يهود خيبر و سألهم الحلف و الجوار على الأمان و المنعة فأعطوه من ذلك ما سأل قال ابن سعيد : و ملك اليمن يومئذ شريب بن كعب فكانوا بادية لهم إلى أن انعكس الأمر بالكثرة و الغلبة
و من كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني قال : بنو قريظة و بنو النضير الكاهنان من ولد الكوهن بن هرون عليه السلام كانوا بنواحي يثرب بعد موسى عليه السلام و قبل تفرق الأزد من اليمن بسيل العرم و نزول الأوس و الخزرج يثرب و ذلك بعد الفجار
و نقل ذلك عن علي بن سليمان الأخفش بسنده إلى العماري قال : ساكنوا المدينة العماليق و كانوا أهل عدوان و بغي و تفرقوا في البلاد و كان بالمدينة منهم بنو نعيف و بنو سعد و بنو الأزرق و بنو نظرون و ملك الحجاز منهم الأرقم ما بين تيما إلى فدك و كانوا ملوك المدينة و لهم بها نخل و زرع و كان موسى عليه السلام قد بعث الجنود إلى الجبابرة يغزونهم و بعث إلى العمالقة جيشا من بني إسرائيل و أمرهم أن لا يستبقوا أحدا فأبقوا إبنا للأرقم ضنوا به على القتل فلما رجعوا بعد وفاة موسى عليه السلام و أخبروا بني إسرائيل بشأنه فقالوا هذه معصية لا تدخلوا علينا الشام فرجعوا إلى بلاد العمالقة و نزلوا المدينة و كان هذا أولية سكنى اليهود بيثرب و انتشروا في نواحيها و اتخذوا بها الآطام و الأموال و المزارع و لبثوا زمانا و ظهر الروم على بني إسرائيل بالشام و قتلوهم و سبوا فخرج بنو النضير و بنو قريظة و بنو يهدل هاربين إلى الحجاز و تبعهم الروم فهلكوا عطشا في المفازة بين الشام و الحجاز و سمي الموضع تمر الروم و لما قدم هؤلاء الثلاثة المدينة نزلوا العلية فوجدوها وابية و ارتادوا و نزل بنو النضير مما يلي البهجان و بنو قريظة و بنو بهدل على نهروز و كان ممن سكن المدينة من اليهود حين نزلها الأوس و الخزرج بنو الشقمة و بنو ثعلبة و بنو زرعة و بنو قبنقاع و بنو يزيد و بنو النضير و بنو قريظة و بنو يهدل و بنو عوف و بنو عصص و كان بنو يزيد من بلي و بنو نعيف من بلي و بنو الشقمة من غسان و كان يقال لبني قريظة و بني النضير الكاهنان كما مر فلما كان سيل العرم و خرجت الأزد نزلت أزدشنوءة الشام بالسراة و خزاعة بطوي و نزلت غسان بصرى و أرض الشام و نزلت أزد عمان الطائف و نزلت الأوس و الخزرج يثرب نزلوا في ضرار بعضهم بالضاحية و بعضهم بالقرى مع أهلها و لم يكونوا أهل نعم و شاء لأن المدينة كانت ليست بلاد مرعى و لا نخل لهم و لا زرع إلا الأعذاق اليسيرة و المزرعة يستخرجها من الموات و الأموال لليهود فلبثوا حينا ثم وفد مالك بن عجلان إلى أبي جبيلة الغساني و هو يومئذ ملك غسان فسأله فأخبره عن ضيق معاشهم فقال : ما بالكم لم تغلبوهم حين غلبنا أهل بلدنا ؟ و وعده أنه يسير إليهم فينصرهم فرجع مالك و أخبرهم أن الملك آبا جبيلة يزورهم فأعدوا له نزلا فأقبل و نزل بذي حرض و بعث إلى الأوس و الخزرج بقدومه و خشي أن يتحصن منه اليهود في الآطام فاتخذ حائرا و بعث إليهم فجاؤه في خواصهم و حشمهم و أذن لهم في دخول الحائر و أمر جنوده فقتلوهم رجلا رجلا إلى أن أتوا عليهم و قال للأوس و الخزرج : إن لم تغلبوا على البلاد بعد قتل هؤلاء فلأحرقنكم و رجع إلى الشام فأقاموا في عداوة مع اليهود ثم أجمع مالك بن العجلان و صنع لهم طعاما و دعاهم فامتنعوا لغدرة أبي جبيلة فاعتذر لهم مالك عنها و أنه لا يقصد نحو ذلك فأجابوه و جاءوا إليه فغدرهم و قتل منهم سبعة و ثمانين من رؤسائهم و فطن الباقون فرجعوا و صورت اليهود بالحجاز مالك بن العجلان في كنائسهم و بيعهم و كانوا يلعنونه كلما دخلوا و لما قتلهم مالك ذلوا و خافوا و تركوا مشي بعضهم إلى بعض في الفتنة كما كانوا يفعلون من قبل و كان كل قوم من اليهود قد لجأوا إلى بطن من الأوس و الخزرج يستنصرون بهم و يكونون لهم أحلافا اهـ كلام الأغاني
و كان الحارثة بن ثعلبة ولدان أحدهما أوس و الآخر خزرج و أمهما قيلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة و قيل بنت كاهن بن عذرة من قضاعة فأقاموا كذلك زمانا حتى أثروا و امتنعوا في جانبهم و كثر نسلهم و شعوبهم فكان بنو الأوس كلهم لمالك بن الأوس منهم خطمة بن جشم بن مالك و ثعلبة و لوذان و عوف كلهم بنو عمرو بن عوف بن مالك و من بني عوف بن عمرو حنش و مالك و كلفة كلهم بنو عوف و من مالك بن عوف معاوية و زيد فمن زيد عبيد و ضبيعة و أمية و من كلفة بن عوف جحجبا بن كلفة و من مالك بن الأوس أيضا الحارث و كعب ابنا الخزرج بن عمرو ابن مالك فمن كعب بنو ظفر و من الحارث بن الخزرج حارثة و جشم و من جشم بنو عبد الأشهل و من مالك بن الأوس أيضا بنو سعد و بنو عامر ابنا مرة بن مالك فبنوا سعد الجعادرة و من بني عامر عطية و أمية و وائل كلهم بنو زيد بن قيس بن عامر و من مالك بن الأوس أيضا أسلم و واقف بنو امرئ القيس بن مالك فهذه بطون الأوس
و أما الخزرج فخمسة بطون من كعب و عمرو و عوف و جشم و الحارث فمن كعب بن الخزرج بنو ساعدة بن كعب و من عمرو بن الخزرج بنو النجار و هم تيم الله بن ثعلبة بن عمرو و هم شعوب كثيرة : بنو مالك و بنو عدي و بنو مازن و بنو ديار كلهم بنو النجار و من مالك بن النجار مبدول و اسمه عامر و غانم و عمرو عدي معاوية و من عوف بن الخزرج بنو سالم و القوافل و هما عوف بن عمرو بن عوف و القوافل ثعلبة و مرضخة بنو قوقل بن عوف و من سالم بن عوف بنو العجلان بن زيد بن عصم بن سالم و بنو سالم بن عوف و من جشم بن الخزرج بنو غضب بن جشم و تزيد بن جشم فمن غضب بن جشم بنو بياضة و بنو زريق ابنا عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب و من تزيد بن جشم بنو سلمة بن سعد بن علي بن راشد بن ساردة بن تزيد و من الحارث بن الخزرج بنو خدرة و بنو حرام ابنا عوف بن الحارث بن الخزرج فهذه بطون الخزرج
فلما انتشر بيثرب هذان الحيان من الأوس و الخزرج و كثروا يهود خافوهم على أنفسهم فنقضوا الحلف الذي عقدوه لهم و كان العزة يومئذ بيثرب لليهود قال قيس بن الحطيم :
( كنا إذا رابنا قوم بمظلمة ... شدت لنا الكاهنان الخيل و اعتزموا )
( بنو الرهون و واسونا بأنفسهم ... بنو الصريخ فقد عفوا وقد كرموا )
ثم نتج فيهم بعد حين مالك بن العجلان وقد ذكر نسب العجلان فعظم شأن مالك و سوده الحيان فلما نقض يهود الحلف واقعهم و أصاب منهم و لحق بأبي جبيلة ملك غسان بالشام و قيل بعث إليه الرنق بن زيد بن امرئ القيس فقدم عليه فأنشده :
( أقسمت أطعم من رزق قطرة ... حتى تكثر للنجاة رحيل )
( حتى ألاقي معشرا أنى لهم ... خل و مالهم لنا مبذول )
( أرض لنا تدعى قبائل سالم ... و يجيب فيها مالك و سلول )
( قوم أولو عز و عزة غيرهم ... إن الغريب و لو يعز ذليل )
فأعجبه و خرج في نصرتهم و أبو جبيلة هو ابن عبد الله بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج كان حبيب بن عبد حارثة و أخو غانم إبنا الجشمي ساروا مع غسان إلى الشام و فارقوا الخزرج و لما خرج أبو جبيلة إلى يثرب لنصرة الأوس و الخزرج لقيه أبناء قيلة و أخبروه أن يهود علموا بقصده فتحصنوا في آطامهم فورى عن قصده باليمن خرجوا إليه فدعاهم إلى صنيع أعده لرؤسائهم ثم استلحمهم فعزت الأوس و الخزرج من يومئذ و تفرقوا في عالية يثرب و سافلتها يتبوءون منها حيث شاءوا و ملكت أمرها على يهود فذلت اليهود و قل عددهم و علت قدم أبناء قيلة عليهم فلم يكن لهم امتناع إلا بحصونهم و تفرقهم أحزابا على الحيين إذا اشتجرا
و في كتاب ابن إسحق : إن تبعا أبا كرب غزا المشرق فمر بالمدينة و خلف بين أظهرهم إبنا له فقتل غيلة فلما رجع أجمع على تخريبها و اسئصال أهلها فجمع له هذا الحي من الأنصار و رئيسهم عمرو بن ظلة و ظلة أمه و أبوه معاوية بن عمرو قال ابن اسحق : وقد كان رجل من بني عدي بن النجار و يقال له أحمر نزل بهم تبع و قال : إنما التمر لمن أبره فزاد ذلك تبعا حنقا عليهم فاقتتلوا و قال ابن قتيبة في هذه الحكاية إن الذي عدا على التبعي هو مالك بن العجلان و أنكره السهيلي وفرق بين القصتين بأن عمرو بن ظلة كان لعهد تبع و مالك بن العجلان لعهد أبي جبيلة و استبعد ما بين الزمانين و لم يزل هذان الحيان قد غلبوا اليهود على يثرب و كان الاعتزاز و المنعة تعرف لهم في ذلك و يدخل في حلفهم من جاورهم من قبائل مضر و كانت قد تكون بينهم في الحيين فتن و حروب و يستصرخ كل بمن دخل في حلفه من العرب و يهود
قال ابن سعيد : و رحل عمرو بن الإطنابة من الخزرج إلى النعمان بن المنذر ملك الحيرة فملكه على الحيرة و اتصلت الرياسة في الخزرج و الحرب بينهم و بين الأوس و من أشهر الوقائع التي كانت بينهم يوم بعاث قبل المبعث كان على الخزرج فيه عمرو بن النعمان بن صلاة بن عمرو بن أمية بن عامر بن بياضة و كان على الأوس يومئذ حضير الكتائب ابن سماك بن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل و كان حلفاء الخزرج يومئذ أشج من غطفان و جهينة من قضاعة و حلفاء الأوس مزينة من أحياء طلحة بن إياس و قريظة و النضير من يهود و كان الغلب صدر النهر للخزرج ثم نزل حضير و حلف لا أركب أو أقتل فتراجعت الأوس و حلفاؤها و انهزم الخزرج و قتل عمرو بن النعمان رئيسهم و كان آخر الأيام بينهم و صحبهم الإسلام وقد سئموا الحرب و كرهوا الفتنة فأجمعوا على أن يتوجوا عبد الله بن أبي بن سلول ثم اجتمع أهل العقبة منهم بالنبي صلى الله عليه و سلم بمكة و دعاهم إلى نصرة الإسلام فجاءوا إلى قومهم بالخبر كما نذكر و أجابوا و اجتمعوا على نصرته و رئيس الخزرج سعد بن عبادة و الأوس سعد بن معاذ قالت عائشة : كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله و لما بلغهم خبر مبعث النبي صلى الله عليه و سلم بمكة و ما جاء به من الدين و كيف أعرض قومه عنه و كذبوه و آذوه و كان بينهم و بين قريش إخاء قديم و صهر فبعث أبو قيس بن الأسلت من بني مرة بن مالك بن الأوس ثم من بني وائل منهم و اسمه صيفي بن عامر بن شحم بن وائل و كان يحبهم لمكان صهره فيهم فكتب إليهم قصيدة يعظم لهم فيها الحرمة و يذكر فضلهم و حلمهم و ينهاهم عن الحرب و يأمرهم بالكف عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و يذكرهم بما رفع الله عنهم من أمر الفيل و أولها :
( أيا راكبا إما عرضت فبلغن ... مقالة أوسي لؤي بن غالب )
تناهز خمسا و ثلاثين بيتا ذكرها ابن إسحق في كتاب السير فكان ذلك أول ما ألقح بينهم من الخير و الإيمان
و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لما يئس من إسلام قومه يعرض نفسه على وفود العرب و حجاجهم أيام الموسم أن يقوموا بدين الإسلام و بنصره حتى بلغ ما جاء به من عند الله و قريش يصدونهم عنه و يرمونه بالجنون و الشعر و السحر كما نطق به القرآن و بينما هو في بعض المواسم عند العقبة لقي رهطا من الخزرج ست نفر اثنان من بني غانم بن مالك و هما : أسعد بن زرارة بن عدي بن عبيد الله بن ثعلبة بن غانم ابن عوف بن الحرث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غانم و هو ابن عفراء و من بني زريق بن عامر : رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق و من بني غانم بن كعب بن سلمة بن سعد بن عبد الله بن عمرو بن الحرث بن ثعلبة بن الحرث ابن حرام بن كعب بن غانم كعب بن رئاب بن غانم و قطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غانم بن سواد بن غانم و عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام بن كعب ابن غانم فلما لقيهم قال لهم : من أنتم ؟ قالوا : نفر من الخزرج ! قال : أمن موالي يهود ؟ قالوا : نعم ! فقال : ألا تجلسون أكلمكم ؟ فجلسوا معه فدعاهم إلى الله و عرض عليهم الإسلام و تلا عليهم القرآن فقال بعضهم لبعض : تعلموا و الله إنه النبي الذي تعدكم يهودية فلا يسبقنكم إليه فأجابوه فيما دعاهم و صدقوه و آمنوا به و أرجأوا الأمر في نصرته إلى لقاء قومهم و قدموا المدينة فذكروا لقومهم شأن النبي صلى الله عليه و سلم و دعوهم إلى الإسلام ففشا فيهم فلم تبق دار من دور الأنصار إلا و فيها ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم
ثم وافى الموسم في العام المقبل إثنا عشر منهم فوافوه بالعقبة و هي العقبة الأولى و هم : أسعد بن زرارة و عوف بن الحرث و أخوه معاذ ابنا عفراء و رافع بن مالك ابن العجلان و عقبة بن عامر من الستة الأولى و ستة آخرون منهم من بني غانم بن عوف من القواقل : منهم عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غانم و من بني زريق ذكوان بن عبد القيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق و العباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان هؤلاء التسعة من الخزرج و أبو عبد الرحمن بن زيد بن ثعلبة بن خزيمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة من بني عصية من بلي إحدى بطون قضاعة حليف لهم و من الأوس رجلان الهيثم بن التيهان و اسمه مالك بن التيهان بن مالك بن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهر و عويم بن ساعدة من بني عمرو بن عوف فبايعوه على الإسلام بيعة النساء و ذلك قبل أن يفترض الحرب و معناه أنه حينئذ لم يؤمر بالجهاد و كانت البيعة على الإسلام فقط كما وقع بيعة النساء على { أن لا يشركن بالله شيئا و لا يسرقن و لا يزنين و لا يقتلن أولادهن } الآية و قال لهم : فإن وفيتم فلكم الجنة و إن غشيتم من ذلك شيئا فأخذتم بحده في الدنيا فهو كفارة له و إن سترتم عليه في الدنيا إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله إن شاء عذب و إن شاء غفر و بعث معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي يقريهم القرآن و يعلمهم الإسلام و يفقههم في الدين فكان يصلي بهم و كان منزله على أسعد بن زرارة
و غلب الإسلام في الخزرج و فشا فيهم و بلغ المسلمون من أهل يثرب أربعين رجلا فجمعوا ثم أسلم من الأوس بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل و ابن عمه أسيد بن حضير الكتائب و هما سيدا بني عبد الأشهل و أوعب الإسلام بني عبد الأشهل و أخذ من كل بطن من الأوس ما عدا بني أمية بن زيد و خطمة و وائل و واقف و هي أوس أمه من الأوس من بني حارثة و وقف بهم عن الإسلام أبو قيس بن الأسلت يرى رأيه حتى مضى صدر من الإسلام و لم يبق دار من دور أبناء قيلة و إلا فيها رجال و نساء مسلمون
ثم رجع مصعب إلى مكة و قدم المسلمون من أهل المدينة معه فواعدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم العقبة من أوسط أيام التشريق فبايعوه و كانوا ثلثمائة و سبعين رجلا و مرأتين بايعوه على الإسلام و أن يمنعوه ممن أراده بسوء و لو كان دون ذلك القتل و أخذ عليهم النقباء اثني عشر تسعة من الخزرج و ثلاثة من الأوس و أسلم ليلتئذ عبد الله بن عمرو بن حرام و أبو جابر بن عبد الله و كان أول من بايع البراء بن معرور من بني تزيد بن جشم من الخزرج و صرخ الشيطان بمكانهم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و تنطست قريش الخبر فوجدوه قد كان فخرجوا في طلب القوم و أدركوا سعد بن عبادة و أخذوه و ربطوه حتى أطلقه جبير بن مطعم بن عدي ابن نوفل و الحرث بن حرب بن أمية بن عبد شمس لجوار كان عليهما ببلده فلما قدم المسلمون المدينة أظهروا الإسلام ثم كانت بيعة الحرب حتى أذن الله لرسوله صلى الله عليه و سلم في القتال فبايعوه على السمع و الطاعة في العسر و اليسر و المنشط و المكره و أثرته عليهم و أن لا ينازعوا الأمر أهله و أن يقوموا بالحق أينما كانوا و لا يخافوا في الله لومة لائم و لما تمت بيعة العقبة و أذن الله لنبيه في الحرب أمر المهاجرين الذين كانوا يؤذنون بمكة أن يلحقوا بإخوانهم من الأنصار بالمدينة فخرجوا أرسالا و أقام هو بمكة ينتظر الإذن في الهجرة فهاجر من المسلمين كثير سماهم ابن إسحق و غيره
و كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيمن هاجر هو و أخوه زيد و طلحة بن عبيد الله و حمزة بن عبد المطلب و زيد بن حارثة و أنيسة و أبو كبشة موالي رسول الله صلى الله عليه و سلم و عبد الرحمن بن عوف و الزبير بن العوام و عثمان بن عفان رضي الله عنهم ثم أذن لرسول الله صلى الله عليه و سلم في الهجرة فهاجر و صحبه أبو بكر رضي الله عنه فقدم المدينة و نزل في الأوس على كلثوم بن مطعم بن امرئ القيس بن الحرث بن زيد بن عبيد بن مالك بن عوف و سيد الخزرج يومئذ عبد الله بن أبي ابن سلول و أبي هو ابن مالك بن الحرث بن عبيد و إسم أم عبيد سلول و عبيد هو ابن مالك بن سالم بن غانم بن عوف بن غانم بن مالك بن النجار وقد نظموا له الخرز ليملكوه على الحيين فغلب على أمره و اجتمعت أبناء قيلة كلهم على الإسلام فضغن لذلك لكنه أظهر أن يكون له اسم منه فأعطى الصفقة و طوى على النفاق كما يذكر بعد و سيد الأوس يومئذ أبو عامر بن عبد عمرو بن صيفي بن النعمان أحد بني ضبيعة بن زيد فخرج إلى مكة هاربا من الإسلام حين رأى اجتماع قومه إلى النبي صلى الله عليه و سلم بغضا في الدين و لما فتحت مكة فر إلى الطائف و لما فتح الطائف فر إلى الشام فمات هنالك
و نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم على أبي أيوب الأنصاري حتى ابتنى مساكنه و مسجده ثم انتقل إلى بيته و تلاحق به المهاجرون و استوعب الإسلام سائر الأوس و الخزرج و سموا الأنصار يومئذ بما نصروا من دينه و خطبهم النبي صلى الله عليه و سلم و ذكرهم و كتب بين المهاجرين و الأنصار كتابا وادع فيه يهود و عاهدهم و أقرهم على دينهم و أموالهم و اشترط عليهم شرط لهم كما يفيده كتاب ابن إسحق فلينظر هنالك ثم كانت الحرب بين رسول الله صلى الله عليه و سلم و بين قومه فغزاهم و غزوه و كانت حروبهم سجالا ثم كان الظهور لرسول الله صلى الله عليه و سلم آخرا كما نذكر في سيرته صلى الله عليه و سلم و صبر الأنصار في المواطن كلها و استشهد من أشرافهم و رجالاتهم كثير هلكوا في سبيل الله و جهاد عدوه و نقض أثناء ذلك اليهود الذين بيثرب على المهاجر و الأنصار ما كتب رسول الله صلى الله عليه و سلم ظاهروا عليه فأذن الله لنبيه صلى الله عليه و سلم فيهم و حاصرهم طائفة بعد أخرى و أما بنو قينقاع فإنهم تثاوروا مع المسلمين بسيوفهم و قتلوا مسلما و أما بنو النضير و قريظة فمنهم من قتله الله و أجلاه فأما بنو النضير فكان من شأنهم بعد أحد و بعد بئر معونة جاءهم رسول الله صلى الله عليه و سلم يستعينهم في دية العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية من القرى و لم يكن علم بعقدهم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حسبما نذكره فهموا بقتل رسول الله صلى الله عليه و سلم حين جاءهم لذلك خديعة منهم و مكرا فحاصرهم حتى نزلوا على الجلاء و أن يحملوا ما استقلت به الإبل من أموالهم إلا الحلقة و افترقوا في خبير و بني قريظة
و أما بنو قريظة فظاهروا قريشا في غزوة الخندق فلما فرج الله كما نذكره حاصرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم خمسا و عشرين ليلة حتى نزلوا على حكمه و كلمته و شفع الأوس فيهم و قالوا تهبهم لنا كما وهبت بني قينقاع للخزرج فرد حكمهم إلى سعد بن معاذ و كان جريحا في المسجد أثبت في غزوة الخندق فجاء [ و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بم تحكم في هؤلاء بعد أن استحلف الأوس أنهم راضون بحكمه فقال : يا رسول الله تضرب الأعناق و تسبي الأموال و الذرية فقال حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة ] فقتلوا عن آخرهم و هم ما بين الستمائة و التسعمائة
ثم خرج إلى خيبر بعد الحديبية سنة ست فحاصرهم و افتتحها عنوة و ضرب رقاب اليهود و سبى نساءهم و كان في السبي صفية بنت حيي بن أخطب و كان أبوها قتل مع بني قريظة و كانت تحت كنانة بن الربيع عبد بن أبي الحقيق و قتله محمد بن مسلمة غزاه من المدينة بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم في ستة نفر فبيته فلما افتتحت خيبر اصطفاها رسول الله صلى الله عليه و سلم لنفسه و قسم الغنائم في الناس من القمح و التمر و كان عدد السهام التي قسمت عليها أموال خيبر ألف سهم و ثمانمائة سهم برجالهم و خيلهم الرجال ألف و أربعمائة و الخيل مائتان و كانت أرضهم الشق و نطاة و الكتيبة فحصلت الكتيبة لرسول الله صلى الله عليه و سلم و الخمس ففرقها على قرابته و نسائه و من وصلهم من المسلمين و أعمل أهل خيبر على المسافاة و لم يزالوا كذلك حتى
أجلاهم عمر رضي الله عنه
و لما فتح مكة سنة ثمان غزوة حنين على أثرها و قسم رسول الله صلى الله عليه و سلم الغنائم فيمن كان يستألفه على الإسلام من قريش و سواهم وجد الأنصار في أنفسهم و قالوا : سيوفنا تقطر من دمائهم و غنائمنا تقسم فيهم مع أنهم كانوا ظنوا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا فتح بلاده و جمع على الدين قومه إنه سيقيم بأرضه و له غنية عنهم و سمعوا ذلك من بعض المنافقين و [ بلغ ذلك كله رسول الله صلى الله عليه و سلم فجمعهم و قال : يامعشر الأنصار ما الذي بلغكم عني ؟ فصدقوه الحديث فقال : ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي و عالة فأغناكم الله و متفرقين فجمعكم الله ؟ فقالوا الله و رسوله آمن فقال : لو شئتم لقلتم جئتنا طريدا فآويناك و مكذبا فصدقناك و لكن و الله إني لأعطي رجالا استألفهم على الدين و غيرهم أحب إلي ألا ترضون أن ينقلب الناس بالشاء و البعير و تنقلبون برسول صلى الله عليه و سلم إلى رحالكم ؟ أما و الذي نفسي بيده لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار الناس دثار و أنتم شعار و لو سلك الناس شعبا و سلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار ففرحوا بذلك و رجعوا برسول صلى الله عليه و سلم إلى يثرب فلم يزل بين أظهرهم إلى أن قبضه الله إليه ]
و لما يوم وفاته صلى الله عليه و سلم اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة بن كعب و دعت الخزرج إلى بيعة سعد بن عبادة و قالوا لقريش : منا أمير و منكم أمير ضنا بالأمر أو بعضه فيهم لما كان من قيامهم بنصر رسول الله صلى الله عليه و سلم و امتنع المهاجرون و احتجوا عليهم بوصية رسول الله صلى الله عليه و سلم إياهم بالأنصار في الخطبة و لم يخطب بعدها قال : أوصيكم بالأنصار إنهم كرشي و عيبتي وقد قضوا الذي عليهم و بقي الذي لهم فأوصيكم بأن تحسنوا إلى محسنهم و تتجاوزوا عن مسيئهم فلو كانت الأمارة لكم لكانت و لم تكن الوصية بكم فحجوهم فقام بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد بن مالك بن الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحرث بن الخزرج فبايع لأبي بكر و اتبعه الناس فقال حباب بن المنذر بن الجموع بن حرام بن كعب بن غانم بن سلمة بن سعد يا بشير أنفست بها ابن عمك يعني الأمارة قال لا و الله و لكني كرهت أن أنازع الحق قوما جعله لهم فلما رأى الأوس ما صنع بشير بن سعد و كانوا لا يريدون الأمر للخزرج قاموا فبايعوا أبا بكر و وجد سعد فتخلف عن البيعة و لحق بالشام إلى أن هلك و قتله الجن فيما يزعمون و ينشدون من شعر الجن
( نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ... ضربناه بسهم فلم تخط فؤاده )
و كان لابنه قيس من بعده غناء في الأيام و أثرا في فتوحات الإسلام
و كان له انحياش إلى علي في حروبه مع معاوية و هو القائل لمعاوية بعد مهلك علي رضي الله عنه وقد عرض به معاوية في تشيعه فقال : و الآن ماذا يا معاوية ؟ و الله إن القلوب التي أبغضناك بها لفي صدورنا و عن السيوف التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا و كان أجود العرب و أعظمهم جثمانا يقال : إنه كان إذا ركب تخط رجلاه الأرض
و لما ولي يزيد بن معاوية و ظهر من عسفه و جوره و إدالته الباطل من الحق ما هو معروف امتعضوا للدين و بايعوا لعبد الله بن الزبير حين خرجوا بمكة و اجتمعوا على حنظلة بن عبد الله الغسيل ابن أبي عامر بن عبد عمر و بن صيفي بن النعمان بن مالك ابن صيفي بن أمية بن ضبيعة بن زيد و عقد ابن الزبير لعبد الله بن مطيع بن إياس على المهاجرين معهم و سرح يزيد إليهم مسلم بن عقبة المري و هو عقبة بن رباح ابن أسعد بن ربيعة بن عامر بن مرة بن عوف ابن سعد بن دينار بن بغيض بن ريث ابن غطفان فيمن فرض عليه من بعوث الشام و المهاجرين فالتقوا بالحرة حرة بني زهرة و كانت الدبرة على الأنصار و استلحمهم جنود يزيد و يقال إنه قتل في ذلك اليوم من المهاجرين و الأنصار سبعون بدريا و هلك عبد الله بن حنظلة يومئذ فيمن هلك و كانت إحدى الكبر التي أتاها يزيد
و استفحل ملك الإسلام من بعد ذلك و اتسعت دولة العرب و افترقت قبائل المهاجرين و الأنصار في قاصية الثغور بالعراق و الشام و الأندلس و أفريقية و المغرب حامية و مرابطين فافترق الحي أجمع من أبناء قيلة و افترقت و أقفرت منه يثرب و درسوا فيمن درس من الأمم و تلك أمة قد خلت لها ما كسبت و لكم ما كسبتم و الله وارث الأرض و من عليها و هو خير الوارثين لا خالق سواه و لا معبود إلا إياه و لا خير إلا خيره و لا رب غي