فتح مكة
نشر في عقيدتي يوم 15 - 07 - 2014
لم يكن فتح مكة مجرد نصر حربي علي جيوش الأعداء أو فوز جنود المسلمين في معركة تشبه كثيراً من المعارك التي خاضوها في الثماني سنوات السابقة علي هذا الفتح. إنما كان عملاً رائعاً هنأ الله فيه رسوله صلي الله عليه وسلم..¢إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً¢. وطلب منه سبحانه تعالي أن يحمده ويسبحه ويستغفره. إذا ما رأي الأفواج والحشود الجمة تدخل في دين الله "إذا جاء نصر الله والفتح*ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره*إنه كان توابا".
قبل هذا الفتح العظيم. توجه المسلمون لأداء زيارة بيت الله الحرام. فتجمع المشركون يمنعونهم. محاولين التصدي لهم. رغم أن المسلمين لم يكونوا يحملون سلاحاً سوي السيوف في غمدها. وحقناً للدماء عقد الطرفان صلح الحديبية بشروط ذُكرت كثيراً في أكثر من كتاب أو مقال. رأي بعض الصحابة أن هذه الشروط مجحفة بالمسلمين. ولا حاجة لهذا الصلح إلا أن الكثير من الصحابة بايع الرسول علي ما اتفق عليه تحت شجرة الرضوان. ورغم أن الشروط كلها تقريباً لصالح القرشيين إلا أنهم لم يستطيعوا أن يوفوا بالعهد. وارتكبوا وحلفاؤهم أخطاءً دفعت المسلمين إلي الخروج لفتح مكةبجيش يبلغ قوامه عشرة آلاف جندي باعوا أنفسهم لله تعالي. وكان ذلك في شهر رمضان المبارك...لم يمنع المسلمين صومهم عن الجهاد في سبيل الله. وفي ذلك ملمح إسلامي جميل ينفي دعوي الداعين للكسل والقعود عن العمل بحجة الصيام. وتأكيد علي أن العمل والاجتهاد لا يتوقفان لأي سبب مهما كان صعباً وشقاً. ولا نجد أشد من الجهاد صعوبة ومشقة.
اتجه المسلمون بثقة وثبات نحو مدينة نزول الوحي أول مرة علي الرسول صلي الله عليه وسلم وإلي بيت الله لتخليصه من الأصنام والجاهلية. عسكر المسلمون قرب مشارف مكة. وأوقدوا ناراً في الليل لتضيء لهم. ولتبعث في قلب عدوهم الرعب تجنباً لسفك الدماء بقدر المستطاع. ولما أمسك العباس بن عبد المطلب بزعيم قريش سفيان بن حرب اصطحبه إلي القائد العظيم لينظر في أمره وبحنكة الجندي الشجاع وعبقرية الإسلام. أخذ العباس يمر به علي تجمعات القبائل ويسأل أبو سفيان عن كل قبيلة حتي مر علي المعسكرات كلها. وبفكر السيطرة وحب التملك وصراع البشرية قال أبو سفيان للعباس إن ملك ابن أخيك اليوم عظيم. فرد العباس وقد تغلغل في أعماقه الفهم الإسلامي قائلاً إنها النبوة..تحدث الرسول معه فعلم أنه صلي الله عليه وسلم لم يرد حرباً وفرح أبو سفيان بذلك. وقال الرسول من دخل داره فهو آمن. ومن دخل البيت الحرام فهو آمن. إلا أن العباس وقد خبر أبا سفيان وعلم ما وقر في أعماقه من الفخر والتباهي ?طلب من الرسول أن يعطي أبا سفيان مزية يفتخر بها فقال الرسول من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
بهذا دخل المسلمون بقيادة الرسول العظيم مكة دون حرب تذكر إلا ما وقع مع سرية خالد بن الوليد.
حطم الرسول صلي الله عليه وسلم الأصنام من حول الكعبة. وفوقها وداخلها. وطهرت الأرض من الأوثان. ووقف صلي الله عليه وسلم يخطب في أعداء الأمس يبشرهم بأنهم الطلقاء بعد أن سألهم ما تظنون أني فاعل بكم. قالوا:- خيراً..أخ كريم وابن أخ كريم. ولأن الإسلام دين السماحة ودين السلام ودين الحق والعدل. قال الرسول:- اذهبوا فأنتم الطلقاء.
التاريخ علمنا أن الجبابرة والملوك والقواد إذا ما دخلوا مدينة نهبوها. ودمروها. وقتلوا الرجال. واستعبدوا النساء. وأغرقوا الأرض بالدماء. وأحرقوا الحرث والنسل. وما تاريخ الصليبيين في بيت المقدس ببعيد. وما فعله التتار بالمدن التي اجتاحوها بشرق آسيا وغربها يذكره التاريخ بالخزي والعار. لكن الإسلام دين الله إلي البشرية ليأخذ بيدها إلي طريق الحق والعدل والحماية من نفوذ البشر علي البشر. لم يزرع غير السلام. والسماحة.و كرامة الإنسان مهما كان ضعيفاً.
الغريب أن نجد من يزعم أن هذا عمل فاشي. وأن الفاشية الإسلامية حركت المسلمين ورسولهم..!!... أية فاشية يقصدون..هل منع الحرب. ومنع القتل. ومنع الأيسر. وزرع التآخي بين الناس يعد فاشية..!!...وعجبت لبعض الفضائيات الخاصة. سمحت بإذاعة هذا الهراء علي لسان أحد ضيوفها دون أن يكون هناك طرف أخر يرد علي هذه الترهات والأكاذيب..!!.
دخل الناس في دين الله أفواجاً بلا قهر أو إكراه. واستقر الأمر في مكة. وفي اليوم الخامس من الفتح. بعث الرسول خالد بن الوليد إلي مكان يسمي بطن نخلة ليهدم الصنم المسمي بالعزي. وصحب خالد في ذلك العمل ثلاثون جندياً من المسلمين. ونفذ خالد هدم العزي بسلام. وذهب عمرو بن العاص إلي مكان سواع وهو أكبر الأصنام لقبيلة هذيل فهدمه.وقد هدده سدنته أن سواع سيمنعه من ذلك. إلا أن عمراً انقض عليه فكسره وسواه جنوده بالأرض. وذهب صحابي آخر إلي حيث يوجد صنم يسمي مناة تعبده قبيلتا كلب وخزاعه. ويوجد علي جبل قرب ساحل البحر الأحمر وصحابي آخر ذهب إلي صنم لمن يسمي عمرو الدوسي فهدمه الصحابي الجليل ومن معه.
لذلك طهرت أرض مكة البقاع التي حولها من الأوثان. وأزيلت كل مظاهر الشرك بمحيط الكعبة بل بمحيط مكة كلها.
كان هذا الفتح العظيم مدخلاً لملاقاة بني ثقيف في الطائف. توجه الرسول إليها ومعه اثنا عشر ألفاً من جنود الله. بزيادة ألفين من الرجال علي جيش الفتح.
حدث بعض الصحابة أنفسهم بأن نصرهم أكيد قياساً علي ما حدث في مكة وهم عشرة آلاف. فكيف وهم اثنا عشر ألف جندي. فأراد الله أن يطهر قلوبهم من الغرور. ويبعدهم عن مظنة عدم التوكل علي الله. ويدفعهم إلي التقرب إليه بحسن الطاعة. ودوام التواضع. وكانت المفاجآة من جيش العدو سببا في ارتباك صفوف المسلمين فتراجع بعضها إلا أنهم وقد أخذوا بالأسباب. وأعدوا العدة وأحسنوها. واستحضروا الله في قلوبهم. وعلموا أن الأسباب لا بد أن يصحبها التوكل علي الله والإقبال في ثقة واطمئنان لنصر الله.
أفاق المسلمون من غرورهم وعادوا إلي تنظيم الصفوف والثبات علي ملاقاة جيش يحارب بالسهام التي يجيد الرمي بها لعدم قدرته علي المواجهة.
تحقق النصر العظيم في تلك الموقعة التي كانت ختام إحكام السيطرة الإسلامية علي مكة والطائف. والقضاء نهائياً علي أعداء حرية الحركة. وحريةالفكر. وحرية الإنسان في الإقبال علي دين يرفع شأن البشر. ويحترم عقلهم. ويطهر نفسهم. ويخرجهم من الظلمات إلي النور. ألم أقل لكم أن فتح مكةكان عملاً عظيماً يختلف في أثره ومعناه عن باقي حروب الرسول السابقة.
أعجبنيأعجبني · · مشارك
نشر في عقيدتي يوم 15 - 07 - 2014
لم يكن فتح مكة مجرد نصر حربي علي جيوش الأعداء أو فوز جنود المسلمين في معركة تشبه كثيراً من المعارك التي خاضوها في الثماني سنوات السابقة علي هذا الفتح. إنما كان عملاً رائعاً هنأ الله فيه رسوله صلي الله عليه وسلم..¢إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً¢. وطلب منه سبحانه تعالي أن يحمده ويسبحه ويستغفره. إذا ما رأي الأفواج والحشود الجمة تدخل في دين الله "إذا جاء نصر الله والفتح*ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره*إنه كان توابا".
قبل هذا الفتح العظيم. توجه المسلمون لأداء زيارة بيت الله الحرام. فتجمع المشركون يمنعونهم. محاولين التصدي لهم. رغم أن المسلمين لم يكونوا يحملون سلاحاً سوي السيوف في غمدها. وحقناً للدماء عقد الطرفان صلح الحديبية بشروط ذُكرت كثيراً في أكثر من كتاب أو مقال. رأي بعض الصحابة أن هذه الشروط مجحفة بالمسلمين. ولا حاجة لهذا الصلح إلا أن الكثير من الصحابة بايع الرسول علي ما اتفق عليه تحت شجرة الرضوان. ورغم أن الشروط كلها تقريباً لصالح القرشيين إلا أنهم لم يستطيعوا أن يوفوا بالعهد. وارتكبوا وحلفاؤهم أخطاءً دفعت المسلمين إلي الخروج لفتح مكةبجيش يبلغ قوامه عشرة آلاف جندي باعوا أنفسهم لله تعالي. وكان ذلك في شهر رمضان المبارك...لم يمنع المسلمين صومهم عن الجهاد في سبيل الله. وفي ذلك ملمح إسلامي جميل ينفي دعوي الداعين للكسل والقعود عن العمل بحجة الصيام. وتأكيد علي أن العمل والاجتهاد لا يتوقفان لأي سبب مهما كان صعباً وشقاً. ولا نجد أشد من الجهاد صعوبة ومشقة.
اتجه المسلمون بثقة وثبات نحو مدينة نزول الوحي أول مرة علي الرسول صلي الله عليه وسلم وإلي بيت الله لتخليصه من الأصنام والجاهلية. عسكر المسلمون قرب مشارف مكة. وأوقدوا ناراً في الليل لتضيء لهم. ولتبعث في قلب عدوهم الرعب تجنباً لسفك الدماء بقدر المستطاع. ولما أمسك العباس بن عبد المطلب بزعيم قريش سفيان بن حرب اصطحبه إلي القائد العظيم لينظر في أمره وبحنكة الجندي الشجاع وعبقرية الإسلام. أخذ العباس يمر به علي تجمعات القبائل ويسأل أبو سفيان عن كل قبيلة حتي مر علي المعسكرات كلها. وبفكر السيطرة وحب التملك وصراع البشرية قال أبو سفيان للعباس إن ملك ابن أخيك اليوم عظيم. فرد العباس وقد تغلغل في أعماقه الفهم الإسلامي قائلاً إنها النبوة..تحدث الرسول معه فعلم أنه صلي الله عليه وسلم لم يرد حرباً وفرح أبو سفيان بذلك. وقال الرسول من دخل داره فهو آمن. ومن دخل البيت الحرام فهو آمن. إلا أن العباس وقد خبر أبا سفيان وعلم ما وقر في أعماقه من الفخر والتباهي ?طلب من الرسول أن يعطي أبا سفيان مزية يفتخر بها فقال الرسول من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
بهذا دخل المسلمون بقيادة الرسول العظيم مكة دون حرب تذكر إلا ما وقع مع سرية خالد بن الوليد.
حطم الرسول صلي الله عليه وسلم الأصنام من حول الكعبة. وفوقها وداخلها. وطهرت الأرض من الأوثان. ووقف صلي الله عليه وسلم يخطب في أعداء الأمس يبشرهم بأنهم الطلقاء بعد أن سألهم ما تظنون أني فاعل بكم. قالوا:- خيراً..أخ كريم وابن أخ كريم. ولأن الإسلام دين السماحة ودين السلام ودين الحق والعدل. قال الرسول:- اذهبوا فأنتم الطلقاء.
التاريخ علمنا أن الجبابرة والملوك والقواد إذا ما دخلوا مدينة نهبوها. ودمروها. وقتلوا الرجال. واستعبدوا النساء. وأغرقوا الأرض بالدماء. وأحرقوا الحرث والنسل. وما تاريخ الصليبيين في بيت المقدس ببعيد. وما فعله التتار بالمدن التي اجتاحوها بشرق آسيا وغربها يذكره التاريخ بالخزي والعار. لكن الإسلام دين الله إلي البشرية ليأخذ بيدها إلي طريق الحق والعدل والحماية من نفوذ البشر علي البشر. لم يزرع غير السلام. والسماحة.و كرامة الإنسان مهما كان ضعيفاً.
الغريب أن نجد من يزعم أن هذا عمل فاشي. وأن الفاشية الإسلامية حركت المسلمين ورسولهم..!!... أية فاشية يقصدون..هل منع الحرب. ومنع القتل. ومنع الأيسر. وزرع التآخي بين الناس يعد فاشية..!!...وعجبت لبعض الفضائيات الخاصة. سمحت بإذاعة هذا الهراء علي لسان أحد ضيوفها دون أن يكون هناك طرف أخر يرد علي هذه الترهات والأكاذيب..!!.
دخل الناس في دين الله أفواجاً بلا قهر أو إكراه. واستقر الأمر في مكة. وفي اليوم الخامس من الفتح. بعث الرسول خالد بن الوليد إلي مكان يسمي بطن نخلة ليهدم الصنم المسمي بالعزي. وصحب خالد في ذلك العمل ثلاثون جندياً من المسلمين. ونفذ خالد هدم العزي بسلام. وذهب عمرو بن العاص إلي مكان سواع وهو أكبر الأصنام لقبيلة هذيل فهدمه.وقد هدده سدنته أن سواع سيمنعه من ذلك. إلا أن عمراً انقض عليه فكسره وسواه جنوده بالأرض. وذهب صحابي آخر إلي حيث يوجد صنم يسمي مناة تعبده قبيلتا كلب وخزاعه. ويوجد علي جبل قرب ساحل البحر الأحمر وصحابي آخر ذهب إلي صنم لمن يسمي عمرو الدوسي فهدمه الصحابي الجليل ومن معه.
لذلك طهرت أرض مكة البقاع التي حولها من الأوثان. وأزيلت كل مظاهر الشرك بمحيط الكعبة بل بمحيط مكة كلها.
كان هذا الفتح العظيم مدخلاً لملاقاة بني ثقيف في الطائف. توجه الرسول إليها ومعه اثنا عشر ألفاً من جنود الله. بزيادة ألفين من الرجال علي جيش الفتح.
حدث بعض الصحابة أنفسهم بأن نصرهم أكيد قياساً علي ما حدث في مكة وهم عشرة آلاف. فكيف وهم اثنا عشر ألف جندي. فأراد الله أن يطهر قلوبهم من الغرور. ويبعدهم عن مظنة عدم التوكل علي الله. ويدفعهم إلي التقرب إليه بحسن الطاعة. ودوام التواضع. وكانت المفاجآة من جيش العدو سببا في ارتباك صفوف المسلمين فتراجع بعضها إلا أنهم وقد أخذوا بالأسباب. وأعدوا العدة وأحسنوها. واستحضروا الله في قلوبهم. وعلموا أن الأسباب لا بد أن يصحبها التوكل علي الله والإقبال في ثقة واطمئنان لنصر الله.
أفاق المسلمون من غرورهم وعادوا إلي تنظيم الصفوف والثبات علي ملاقاة جيش يحارب بالسهام التي يجيد الرمي بها لعدم قدرته علي المواجهة.
تحقق النصر العظيم في تلك الموقعة التي كانت ختام إحكام السيطرة الإسلامية علي مكة والطائف. والقضاء نهائياً علي أعداء حرية الحركة. وحريةالفكر. وحرية الإنسان في الإقبال علي دين يرفع شأن البشر. ويحترم عقلهم. ويطهر نفسهم. ويخرجهم من الظلمات إلي النور. ألم أقل لكم أن فتح مكةكان عملاً عظيماً يختلف في أثره ومعناه عن باقي حروب الرسول السابقة.
أعجبنيأعجبني · · مشارك