نَسمَةٌ نَدِيَّةٌ في صحراء المِحَن)
ذكرى الإسراء والمعراج نسمةٌ نديَّةٌ في صحراء المِحَن، تُلامِسُ حال أمَّتِنا اليوم، إذ تُحيط بها كوارثُ جَسِيمَة، ويمكُرُ بها أعداؤها مِن كل طرف، وكذلكم كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل الإسراء والمعراج، يَتلقَّى الصَّدمَةَ إِثْرَ الصَّدمَة، وذلك منذ تَنَزُّلِ الوحي عليه، إلى أن أعرضَ عنه أهلُ الطائف فقال شعاره الأعظم: (إن لم يكن بكَ غضبٌ عليَّ فلا أبالي).
مسيرةُ عشرِ سنينَ مليئةٍ بالأشجان، ومكتَنِزَةٍ بالأهوال، مُورِسَتْ فيها صنوفُ البَغي وأنواعُ القهر وأساليبُ الطغيان، إِذْ أنَّ قريشًا على مدار هذه السنين ما تَرَكَتْ سبيلًا تصدُّ به دعوة الحق إلا مارَسَتْهُ، فأطلقَتْ إعلامَها الفاجر، وبيانَها الساخر، وادِّعاءَهَا الكاذب، مُتَّهِمَةً مَن لَقَّبَتْهُ بالصادق الأمين، بالجُنون مرةً، وبالسِّحر أُخرى، (وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [الحِجر: 6]، (وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) [الصافات: 36].
وفي خِضَمِّ تلك الأحداث الصاعقة، يُوَجِّهُ اللهُ تعالى رسولَهُ الأكرَم عليه الصلاة والسلام إلى المُضِيِّ في درب دعوَتِه، مُتجاوِزًا ادِّعاءَاتِ المجرمين، وسفه الضّالّين، (فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ) [الطور: 29]، ويُخبِرُهُ سبحانه بأن هذه طريق الأفّاكين في شتَّى العصور في مواجهتهم للحق المبين، (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) [الذاريات: 52].
وما كان الإعلامُ القميء سَبيلَهُمُ الوحيدة، بل لجؤوا للإيذاء المباشر، وما اجتراءُ [عقبة بن أبي معيط] على المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ بِبَعيد، وذلك لمّا ألقى سَلَا الجَزور على الرأسِ المُطَهَّر، ولم يَنجُ أصحابُه الكرام كذلك مِن أساليب التعذيب وفنون الانتقام، فبلالٌ وزِنِّيرَة وآل ياسر، وسِواهم من الصحب الكرام، لاقوا ما لاقَوْهُ من أذاهُم وبطشِهِم.
ثم جاء الحصار الاقتصادي الظالم بأبشع صُوَرِهِ الفَجَّة، مُستَمِرًّا ثلاثَ سنوات، وتزَامَنَ مع هذا كُلِّهِ فقدُ الأنصار، وأيّ أنصارٍ هؤلاء؛ عمُّه الشهم أبو طالب، الذي كان عضدًا مُسانِدًا، وذائِدًا مُحاميًا، إلّا أن المصيبة الكبرى التي زلزلت القلوب، وأثارت المشاعر، هو فقدُ أمِّنا خديجة الكبرى ـ رضي الله عنها ـ ، حاضنة الرسالة، وحاملة هَمِّهَا، فهي التي استوعَبَت البِعثةَ بذِهنِها الاستراتيجي المبنِيّ على تأمُّلٍ ناضِجٍ، وَوَعيٍ راشِدٍ، وذلكم حين لجأ إليها النبي صلى الله عليه وسلم مُندهشًا إثر تنزُّل الوحي عليه، فانطلقَت تُسَرّي عنه ما أذهَلَه، وتُبيّن له عناية الله به، وتقول له: (كلاّ و اللّه لن يُخزِيَكَ اللّهُ أبداً، إنّك لَتَصِلُ الرَّحِم ، و تحمِلُ الكَلَّ، وتُكسِبُ المعدوم، وتُقرِي الضيف، وتُعينُ على نوائب الحقّ)، ثم تدعوه لزيارة أهل الخبرة في ميدان الدعوة، ألا وهو ابنُ عمِّها [ورقة بنُ نَوفَل]، وهذا مَلمَحٌ لعُمق نظرها، ودِقة استقرائها بسُنن الله تعالى، فلقد وافقَ نظرُهُ نظرَها، فأجابهُ من خلال قراءَتِه السُّنَنِيّة قائلًا: (هذا الناموس الذي نَزَّلَ اللّهُ على موسى، يا ليتَني فيها جذعا، ليتني أكون حيّاً، إذ يُخرجِكُ قومُك).
كذلك شأن أهل المبادئ وحاملي القِيَم ورائدي الإصلاح، يواجَهُون بمُجرِمِي الأرض الطاغين، وعُتاتِها المستكبرين، بأقسى أنواع الإعراض، إلا أن الحق أمضَى مِن مَكرِ المُستعلين، وأقوى مِن بأس الباغين، (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ (44) وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (47) [سورة إبراهيم].
مِن هُنا جاء الإسراء والمعراج نَسمَةً رَخِيَّة، وأُنسًا سلسبيلا، وسكينةً مُطَمِئِنَةً في وجه المِحَن الطاحنة، إذ بعد الإسراء والمعراج ما انفَكَّت صُنوفُ الإيذاء على مدار ثلاث سنين إلى أن جاءت الهجرة، وكتب الله من خلالها نصرًا مؤزرًا وتمكينًا معضدا.
فأبشِروا يا أهلَ الحق في الشام أحرارًا أبطالا، وحرائرَ طاهراتٍ، وشبابًا أشاوِس، أبشروا فالنصر آتٍ لا محالة، كذلك قضى الله في كتابه الكريم: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ)، [غافر: 51]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) [محمد: 7].
ذكرى الإسراء والمعراج نسمةٌ نديَّةٌ في صحراء المِحَن، تُلامِسُ حال أمَّتِنا اليوم، إذ تُحيط بها كوارثُ جَسِيمَة، ويمكُرُ بها أعداؤها مِن كل طرف، وكذلكم كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل الإسراء والمعراج، يَتلقَّى الصَّدمَةَ إِثْرَ الصَّدمَة، وذلك منذ تَنَزُّلِ الوحي عليه، إلى أن أعرضَ عنه أهلُ الطائف فقال شعاره الأعظم: (إن لم يكن بكَ غضبٌ عليَّ فلا أبالي).
مسيرةُ عشرِ سنينَ مليئةٍ بالأشجان، ومكتَنِزَةٍ بالأهوال، مُورِسَتْ فيها صنوفُ البَغي وأنواعُ القهر وأساليبُ الطغيان، إِذْ أنَّ قريشًا على مدار هذه السنين ما تَرَكَتْ سبيلًا تصدُّ به دعوة الحق إلا مارَسَتْهُ، فأطلقَتْ إعلامَها الفاجر، وبيانَها الساخر، وادِّعاءَهَا الكاذب، مُتَّهِمَةً مَن لَقَّبَتْهُ بالصادق الأمين، بالجُنون مرةً، وبالسِّحر أُخرى، (وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [الحِجر: 6]، (وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) [الصافات: 36].
وفي خِضَمِّ تلك الأحداث الصاعقة، يُوَجِّهُ اللهُ تعالى رسولَهُ الأكرَم عليه الصلاة والسلام إلى المُضِيِّ في درب دعوَتِه، مُتجاوِزًا ادِّعاءَاتِ المجرمين، وسفه الضّالّين، (فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ) [الطور: 29]، ويُخبِرُهُ سبحانه بأن هذه طريق الأفّاكين في شتَّى العصور في مواجهتهم للحق المبين، (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) [الذاريات: 52].
وما كان الإعلامُ القميء سَبيلَهُمُ الوحيدة، بل لجؤوا للإيذاء المباشر، وما اجتراءُ [عقبة بن أبي معيط] على المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ بِبَعيد، وذلك لمّا ألقى سَلَا الجَزور على الرأسِ المُطَهَّر، ولم يَنجُ أصحابُه الكرام كذلك مِن أساليب التعذيب وفنون الانتقام، فبلالٌ وزِنِّيرَة وآل ياسر، وسِواهم من الصحب الكرام، لاقوا ما لاقَوْهُ من أذاهُم وبطشِهِم.
ثم جاء الحصار الاقتصادي الظالم بأبشع صُوَرِهِ الفَجَّة، مُستَمِرًّا ثلاثَ سنوات، وتزَامَنَ مع هذا كُلِّهِ فقدُ الأنصار، وأيّ أنصارٍ هؤلاء؛ عمُّه الشهم أبو طالب، الذي كان عضدًا مُسانِدًا، وذائِدًا مُحاميًا، إلّا أن المصيبة الكبرى التي زلزلت القلوب، وأثارت المشاعر، هو فقدُ أمِّنا خديجة الكبرى ـ رضي الله عنها ـ ، حاضنة الرسالة، وحاملة هَمِّهَا، فهي التي استوعَبَت البِعثةَ بذِهنِها الاستراتيجي المبنِيّ على تأمُّلٍ ناضِجٍ، وَوَعيٍ راشِدٍ، وذلكم حين لجأ إليها النبي صلى الله عليه وسلم مُندهشًا إثر تنزُّل الوحي عليه، فانطلقَت تُسَرّي عنه ما أذهَلَه، وتُبيّن له عناية الله به، وتقول له: (كلاّ و اللّه لن يُخزِيَكَ اللّهُ أبداً، إنّك لَتَصِلُ الرَّحِم ، و تحمِلُ الكَلَّ، وتُكسِبُ المعدوم، وتُقرِي الضيف، وتُعينُ على نوائب الحقّ)، ثم تدعوه لزيارة أهل الخبرة في ميدان الدعوة، ألا وهو ابنُ عمِّها [ورقة بنُ نَوفَل]، وهذا مَلمَحٌ لعُمق نظرها، ودِقة استقرائها بسُنن الله تعالى، فلقد وافقَ نظرُهُ نظرَها، فأجابهُ من خلال قراءَتِه السُّنَنِيّة قائلًا: (هذا الناموس الذي نَزَّلَ اللّهُ على موسى، يا ليتَني فيها جذعا، ليتني أكون حيّاً، إذ يُخرجِكُ قومُك).
كذلك شأن أهل المبادئ وحاملي القِيَم ورائدي الإصلاح، يواجَهُون بمُجرِمِي الأرض الطاغين، وعُتاتِها المستكبرين، بأقسى أنواع الإعراض، إلا أن الحق أمضَى مِن مَكرِ المُستعلين، وأقوى مِن بأس الباغين، (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ (44) وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (47) [سورة إبراهيم].
مِن هُنا جاء الإسراء والمعراج نَسمَةً رَخِيَّة، وأُنسًا سلسبيلا، وسكينةً مُطَمِئِنَةً في وجه المِحَن الطاحنة، إذ بعد الإسراء والمعراج ما انفَكَّت صُنوفُ الإيذاء على مدار ثلاث سنين إلى أن جاءت الهجرة، وكتب الله من خلالها نصرًا مؤزرًا وتمكينًا معضدا.
فأبشِروا يا أهلَ الحق في الشام أحرارًا أبطالا، وحرائرَ طاهراتٍ، وشبابًا أشاوِس، أبشروا فالنصر آتٍ لا محالة، كذلك قضى الله في كتابه الكريم: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ)، [غافر: 51]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) [محمد: 7].