الثورة العرابية والاحتلال البريطاني حتى الحرب العالمية الأولى
أولاً – الثورة العرابية:
نتيجة لازدياد الأزمة المالية في عهد الخديو إسماعيل؛ بدأ التدخل الأجنبي الذي تمثلت مظاهره في إنشاء "لجنة صندوق الدين" مايو 1876، ثم نظام "المراقبة الثنائية" في نوفمبر 1876 ، ثم "لجنة التحقيق الأوروبية" في يناير 1878 ، التي طالبت بضرورة تنازل الخديو عن أطيانه وأطيان عائلته كرهن لسداد الديون، كما طلبت اللجنة أن يحدث الخديوي تغييرا في نظام الحكم وينزل عن سلطته المطلقة؛ فاستجاب الخديو إسماعيل لمعظم تلك المطالب، وأصدر في 28 أغسطس سنة 1878 أمره المشهور بإنشاء مجلس النظار وتخويله مسئولية الحكم، وعهد إلى نوبار باشا بتأليف الوزارة التي عرفت باسم الوزارة المختلطة لوجود وزيرين أحدهما فرنسي والآخر إنجليزي فيها، وقد أساءت تلك الوزارة التصرف وذلك لميول نوبار إلى الأجانب على حساب المصالح المصرية؛ مما أدى إلى استياء الرأي العام المصري من جهة والخديو إسماعيل من جهة أخرى، فاستغل الخديو ثورة الضباط على وزارة نوبار وأجبر نوبار على الاستقالة وشكل وزارة مصرية برياسة شريف باشا واختار جميع أعضائها من المصريين وهنا ثارت جميع الدول الأوروبية على إسماعيل ونجحوا في التخلص منه بإقناع السلطان العثماني بعزله وتعيين ابنه توفيق في 26 يونيو 1879م.
استسلم توفيق للتدخل الأجنبي ورفض بتوجيه من إنجلترا وفرنسا التصديق على مشروع الدستور الذي كان والده قد أمر شريف باشا بإعداده، فاستقال شريف. والواقع أن الخديوي كان يميل إلى عودة الحكم المطلق إذ ألف الوزارة الجديدة وكان هو رئيسها فاستاء الرأي العام وأخذ جمال الدين الأفغاني ينشر الدعوة ضد التدخل الأجنبي فأمر الخديوي بنفيه إلى جدة، وأمر بتشكيل وزارة جديدة برئاسة رياض باشا الذي عرف عنه ميله إلى الحكم الاسبتدادي وميله إلى الأجانب، فأساء معاملة الوطنين وضيق الخناق عليهم، وأفسح المجال للتدخل الأجنبي بإعادة المراقبة الثنائية التي كان أول أعمالها في 2 أبريل سنة 1880 إنشاء "لجنة التصفية" التي خصصت نصف إيرادات مصر لسداد الديون؛ مما أثر بشكل كبير على كل مؤسسات الدولة، خاصة الجيش الذي عانى من تقليص الميزانية ومن وجود ناظر حربية جاهل ومتعصب للأتراك والشراكسة على حساب المصريين هو عثمان رفقي الشركسي.
ظهر نجم الزعيم الوطني أحمد عرابي الذي قدم عريضة في 15 يناير سنة 1891 ومعه عبد العال حلمي وعلى فهمي يطلبون فيها عزل وزير الحربية عثمان رفقي، فكان رد رياض باشا أن قبض عليهم، ومن هنا اشتعلت ثورة عرابي حيث تحرك بعض فرق الجيش وأخرجت عرابي وزملائه ثم ذهب الضباط والجند معا إلى سراي عابدين، وطلبوا عزل وزير الحربية فرأى الخديوي أن المقاومة لا تجدي فلم يسعه إلا قبول مطلب الضباط وتعيين محمود سامي البارودي وزيرا للحربية.
وبالفعل اشتعلت الثورة وأمر عرابي الآلايات باستعداد للحضور إلى ميدان عابدين في صباح يوم 9 سبتمبر سنة 1881 لتقديم مطالب الجيش والأمة وهى إسقاط وزارة رياض وطلب تشكيل مجلس نواب على النسق الأوروبي وزيادة عدد الجيش، فما كان من توفيق سوى الاستجابة لضغط العرابيين وتم تشكيل وزارة برئاسة شريف باشا. الذي لم يلبث أن استقال بعد أن أصر مجلس النواب على مناقشة الميزانية وتدخل إنجلترا وفرنسا من "المذكرة المشتركة الأولى" لمنع المجلس من مناقشة ميزانية الدولة. وتشكيل وزارة وطنية جديدة برئاسة محمود سامي البارودي وعين عرابي وزيراً للحربية فكان أول مصري يتولى هذا المنصب منذ أنشأ محمد علي الجيش المصري.
كانت فكرة العرابيين العامة متجهة إلى الإصلاحات وكانوا يفكرون في نشر التعليم الإجباري وإصلاح المحاكم الأهلية وكانت وزارة محمود سامي تشتغل بتأسيس مجلس أعلى للإدارة والتشريع ومنح مصر دستوراً يحدد اختصاصات الخديو والوزارة والمجلس، ولكن لم ترد انجلترا أن تسير الأمور بهذا الشكل، فدعت إلى عقد مؤتمر بالآستانة في يونيو 1882م للنظر في المسألة المصرية وتطورها، وفيه تعهدت الدول المشتركة بعدم التدخل في مصر أثناء انعقاد المؤتمر إلا أن مندوب انجلترا في المؤتمر اقترح أن تضاف إلى هذا التعهد جملة "إلا للضرورة القصوى" وبالفعل انتهزت انجلترا قيام عرابي بتحصين قلاع الإسكندرية فبادر الأميرال سيمور قائد الأسطول البريطاني بإرسال إنذار إلى الحكومة المصرية يطلب فيه تسليم بعض قلاع المدينة خلال أربع وعشرين ساعة وقد رفضت الحكومة المصرية هذا الإنذار فما كان من الأسطول البريطاني إلا أن وجه قنابله على الإسكندرية ولم تستطع قلاع المدينة الصمود طويلاً ونزلت القوات البريطانية إلى البر ولجأ الخديوي توفيق وأسرته إلى قصر التين حيث استقبله قائد القوات البريطانية، فبذلك أصبح الخديوي في حماية القوات البريطانية وأصدر أمراً بعزل عرابي لرفض مقابلته إلا أن الأمة ازدادت تمسكا به واستطاع عرابي أن يقيم تحصينات قوية عند كفر الدوار وتمكن المصريون بقيادة طلبة عصمت من صد هجمات الإنجليز نحو خمسة أسابيع ولما أخفق الإنجليز في اختراق تحصينات كفر الدوار فكروا في مهاجمة البلاد عن طريق قناة السويس لذلك عزم عرابي عن ردم القناة لولا أن فرديناند ديليسبس أوهمه بحياد القناة ولكن الإنجليز لم يحترموا حياد القناة واقتحموها وهزموا الجيش المصري في التل الكبير في 9 سبتمبر 1882 ثم دخلوا القاهرة في 13 سبتمبر.
ثانياً – مصر تحت الاحتلال:
وفى 25 سبتمبر 1882م وصل الخديوي توفيق القاهرة واستقبله الإنجليز استقبالاً عسكرياً وتم تشكيل محكمة عسكرية لمحاكمة عرابي وأنصاره، فصدر الحكم في 3 ديسمبر 1882م بإعدام عرابي(1) (2) وبعض رفاقه من الضباط الوطنيين واستبدل الحكم بالنفي إلى جزيرة سيلان بعد تجريدهم من الرتب العسكرية ومصادرة أملاكهم ونفي كثير من الزعماء المصريين إلى خارج البلاد منهم الشيخ محمد عبده كما سجن كثير من المصريين. وهكذا انتهت الثورة العرابية وبدأ الاحتلال البريطاني البغيض لمصر الذي جثم على صدر البلاد أكثر من سبعين عاماً.
وبوقوع مصر تحت الاحتلال البريطاني أصبحت السلطة الفعلية في مصر للمعتمد البريطاني اللورد كرومر والذي سيطر على مقاليد الأمور في عهد توفيق وابنه عباس حلمي الثاني، وبدأت سياسة إخضاع الإدارة في مصر للعناصر الإنجليزية في كل مصلحة حكومية في الجيش والشرطة والمالية والأشغال والحقانية ولم تجد هذه السياسة أدنى اعتراض من الخديوي توفيق ، بيد أن عباس حلمي حاول المقاومة فقرب مصطفى كامل إليه (1) (2) (3) (4)، وسمح لأحمد عرابي بالعودة من المنفى، غير أنه لم يلبث أن تراجع عن موقفه وهادن الإنجليز حفاظاً على عرشه، خاصة عندما أصبح كتشنر مندوباً سامياً في مصر. ولكنه مع ذلك لم يستطع الحفاظ على العرش، فعندما قامت الحرب العالمية الأولى أعلنت إنجلترا حمايتها على مصر وعزلت عباس حلمي، وعينت عمه حسين كامل سلطاناً على مصر، ولما توفي في 1917 عينت أخيه فؤاد سلطاناً.
الموقع تحت الأختبار و نرحب بمقتراحتكم
info@nationalarchives.gov.eg يمكنكم الاتصال بنا على
دار الوثائق القومية - برعاية وزارة الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات ووزارة الثقافة
خريطة الموقع | شروط الاستخدام
أولاً – الثورة العرابية:
نتيجة لازدياد الأزمة المالية في عهد الخديو إسماعيل؛ بدأ التدخل الأجنبي الذي تمثلت مظاهره في إنشاء "لجنة صندوق الدين" مايو 1876، ثم نظام "المراقبة الثنائية" في نوفمبر 1876 ، ثم "لجنة التحقيق الأوروبية" في يناير 1878 ، التي طالبت بضرورة تنازل الخديو عن أطيانه وأطيان عائلته كرهن لسداد الديون، كما طلبت اللجنة أن يحدث الخديوي تغييرا في نظام الحكم وينزل عن سلطته المطلقة؛ فاستجاب الخديو إسماعيل لمعظم تلك المطالب، وأصدر في 28 أغسطس سنة 1878 أمره المشهور بإنشاء مجلس النظار وتخويله مسئولية الحكم، وعهد إلى نوبار باشا بتأليف الوزارة التي عرفت باسم الوزارة المختلطة لوجود وزيرين أحدهما فرنسي والآخر إنجليزي فيها، وقد أساءت تلك الوزارة التصرف وذلك لميول نوبار إلى الأجانب على حساب المصالح المصرية؛ مما أدى إلى استياء الرأي العام المصري من جهة والخديو إسماعيل من جهة أخرى، فاستغل الخديو ثورة الضباط على وزارة نوبار وأجبر نوبار على الاستقالة وشكل وزارة مصرية برياسة شريف باشا واختار جميع أعضائها من المصريين وهنا ثارت جميع الدول الأوروبية على إسماعيل ونجحوا في التخلص منه بإقناع السلطان العثماني بعزله وتعيين ابنه توفيق في 26 يونيو 1879م.
استسلم توفيق للتدخل الأجنبي ورفض بتوجيه من إنجلترا وفرنسا التصديق على مشروع الدستور الذي كان والده قد أمر شريف باشا بإعداده، فاستقال شريف. والواقع أن الخديوي كان يميل إلى عودة الحكم المطلق إذ ألف الوزارة الجديدة وكان هو رئيسها فاستاء الرأي العام وأخذ جمال الدين الأفغاني ينشر الدعوة ضد التدخل الأجنبي فأمر الخديوي بنفيه إلى جدة، وأمر بتشكيل وزارة جديدة برئاسة رياض باشا الذي عرف عنه ميله إلى الحكم الاسبتدادي وميله إلى الأجانب، فأساء معاملة الوطنين وضيق الخناق عليهم، وأفسح المجال للتدخل الأجنبي بإعادة المراقبة الثنائية التي كان أول أعمالها في 2 أبريل سنة 1880 إنشاء "لجنة التصفية" التي خصصت نصف إيرادات مصر لسداد الديون؛ مما أثر بشكل كبير على كل مؤسسات الدولة، خاصة الجيش الذي عانى من تقليص الميزانية ومن وجود ناظر حربية جاهل ومتعصب للأتراك والشراكسة على حساب المصريين هو عثمان رفقي الشركسي.
ظهر نجم الزعيم الوطني أحمد عرابي الذي قدم عريضة في 15 يناير سنة 1891 ومعه عبد العال حلمي وعلى فهمي يطلبون فيها عزل وزير الحربية عثمان رفقي، فكان رد رياض باشا أن قبض عليهم، ومن هنا اشتعلت ثورة عرابي حيث تحرك بعض فرق الجيش وأخرجت عرابي وزملائه ثم ذهب الضباط والجند معا إلى سراي عابدين، وطلبوا عزل وزير الحربية فرأى الخديوي أن المقاومة لا تجدي فلم يسعه إلا قبول مطلب الضباط وتعيين محمود سامي البارودي وزيرا للحربية.
وبالفعل اشتعلت الثورة وأمر عرابي الآلايات باستعداد للحضور إلى ميدان عابدين في صباح يوم 9 سبتمبر سنة 1881 لتقديم مطالب الجيش والأمة وهى إسقاط وزارة رياض وطلب تشكيل مجلس نواب على النسق الأوروبي وزيادة عدد الجيش، فما كان من توفيق سوى الاستجابة لضغط العرابيين وتم تشكيل وزارة برئاسة شريف باشا. الذي لم يلبث أن استقال بعد أن أصر مجلس النواب على مناقشة الميزانية وتدخل إنجلترا وفرنسا من "المذكرة المشتركة الأولى" لمنع المجلس من مناقشة ميزانية الدولة. وتشكيل وزارة وطنية جديدة برئاسة محمود سامي البارودي وعين عرابي وزيراً للحربية فكان أول مصري يتولى هذا المنصب منذ أنشأ محمد علي الجيش المصري.
كانت فكرة العرابيين العامة متجهة إلى الإصلاحات وكانوا يفكرون في نشر التعليم الإجباري وإصلاح المحاكم الأهلية وكانت وزارة محمود سامي تشتغل بتأسيس مجلس أعلى للإدارة والتشريع ومنح مصر دستوراً يحدد اختصاصات الخديو والوزارة والمجلس، ولكن لم ترد انجلترا أن تسير الأمور بهذا الشكل، فدعت إلى عقد مؤتمر بالآستانة في يونيو 1882م للنظر في المسألة المصرية وتطورها، وفيه تعهدت الدول المشتركة بعدم التدخل في مصر أثناء انعقاد المؤتمر إلا أن مندوب انجلترا في المؤتمر اقترح أن تضاف إلى هذا التعهد جملة "إلا للضرورة القصوى" وبالفعل انتهزت انجلترا قيام عرابي بتحصين قلاع الإسكندرية فبادر الأميرال سيمور قائد الأسطول البريطاني بإرسال إنذار إلى الحكومة المصرية يطلب فيه تسليم بعض قلاع المدينة خلال أربع وعشرين ساعة وقد رفضت الحكومة المصرية هذا الإنذار فما كان من الأسطول البريطاني إلا أن وجه قنابله على الإسكندرية ولم تستطع قلاع المدينة الصمود طويلاً ونزلت القوات البريطانية إلى البر ولجأ الخديوي توفيق وأسرته إلى قصر التين حيث استقبله قائد القوات البريطانية، فبذلك أصبح الخديوي في حماية القوات البريطانية وأصدر أمراً بعزل عرابي لرفض مقابلته إلا أن الأمة ازدادت تمسكا به واستطاع عرابي أن يقيم تحصينات قوية عند كفر الدوار وتمكن المصريون بقيادة طلبة عصمت من صد هجمات الإنجليز نحو خمسة أسابيع ولما أخفق الإنجليز في اختراق تحصينات كفر الدوار فكروا في مهاجمة البلاد عن طريق قناة السويس لذلك عزم عرابي عن ردم القناة لولا أن فرديناند ديليسبس أوهمه بحياد القناة ولكن الإنجليز لم يحترموا حياد القناة واقتحموها وهزموا الجيش المصري في التل الكبير في 9 سبتمبر 1882 ثم دخلوا القاهرة في 13 سبتمبر.
ثانياً – مصر تحت الاحتلال:
وفى 25 سبتمبر 1882م وصل الخديوي توفيق القاهرة واستقبله الإنجليز استقبالاً عسكرياً وتم تشكيل محكمة عسكرية لمحاكمة عرابي وأنصاره، فصدر الحكم في 3 ديسمبر 1882م بإعدام عرابي(1) (2) وبعض رفاقه من الضباط الوطنيين واستبدل الحكم بالنفي إلى جزيرة سيلان بعد تجريدهم من الرتب العسكرية ومصادرة أملاكهم ونفي كثير من الزعماء المصريين إلى خارج البلاد منهم الشيخ محمد عبده كما سجن كثير من المصريين. وهكذا انتهت الثورة العرابية وبدأ الاحتلال البريطاني البغيض لمصر الذي جثم على صدر البلاد أكثر من سبعين عاماً.
وبوقوع مصر تحت الاحتلال البريطاني أصبحت السلطة الفعلية في مصر للمعتمد البريطاني اللورد كرومر والذي سيطر على مقاليد الأمور في عهد توفيق وابنه عباس حلمي الثاني، وبدأت سياسة إخضاع الإدارة في مصر للعناصر الإنجليزية في كل مصلحة حكومية في الجيش والشرطة والمالية والأشغال والحقانية ولم تجد هذه السياسة أدنى اعتراض من الخديوي توفيق ، بيد أن عباس حلمي حاول المقاومة فقرب مصطفى كامل إليه (1) (2) (3) (4)، وسمح لأحمد عرابي بالعودة من المنفى، غير أنه لم يلبث أن تراجع عن موقفه وهادن الإنجليز حفاظاً على عرشه، خاصة عندما أصبح كتشنر مندوباً سامياً في مصر. ولكنه مع ذلك لم يستطع الحفاظ على العرش، فعندما قامت الحرب العالمية الأولى أعلنت إنجلترا حمايتها على مصر وعزلت عباس حلمي، وعينت عمه حسين كامل سلطاناً على مصر، ولما توفي في 1917 عينت أخيه فؤاد سلطاناً.
الموقع تحت الأختبار و نرحب بمقتراحتكم
info@nationalarchives.gov.eg يمكنكم الاتصال بنا على
دار الوثائق القومية - برعاية وزارة الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات ووزارة الثقافة
خريطة الموقع | شروط الاستخدام