الهوارة أصول بربرية وعربية
هوّارةُ البَرانِـسُ
قال أبو محمّد عليّ بن حزم الأندلُسي الظّاهريّ: فولد برنُس: كُتامة وصنهاجة وعجّيسة ومَصمُودة وأوربَا وأزداجَة وأوريغ. وقال أبو زَيد وليّ الدين عبد الرحمن بن خلدون الحضرميّ الإشبيليّ الأندلسيّ المالكيّ: وزاد سابق بن سليمان وأصحابه: لَمطَا وهسكورة وگزولة [Gazzula]. قال بن حزم: ويقال إن صنهاج ولَمط إنَّما هُما ابنا امرأةٍ يقال لها تَزُگّي [Tazugg’i]، لا يُعرف لَهما أب، تزوجها أوريغ فولدت له هوّار، فهم إخوة لأُِمّ. وقال أيضا: وزعم قومٌ في أوريغ أنّه بن خبور بن المثنى بن المسور، من السّكاسك من كندة، وذلك كُلّه باطل. قال بن خلدون: وقال الكلبي أنّ كُتامة وصنهاجة ليستا من قبائل البربر، وإنّما هما من شعوب اليمانية، تركَهُما أفريقش بن صيفي بأفريقيا مع من نزل بها من الحامية. وقد دحض بن حزم هذه الرّواية أيضا، كما دحَضَ الرّوايَة التي تقول إنّ برّ جد البربر، هو بن قيس عيلان، فقال: هذا باطل، لا شك فيه. وما علم النّسابون لقيس عيلان ابناً اسمه برّ أصلاً. ولا كان لحمير طريق إلى بلاد البربر، إلا في تكاذيب مؤرخي اليمن. وقال بن حزم أيضاً: وولد أوريغ: هوّار وملّد ومَغّر وقلدن، فولد ملّد بن أوريغ: سطط وورفل وأسيل ومسراتة، ويقال لهؤلاء: لَهّان. وولد مَغّر بن أوريغ: ماوس وزمّور وكبّا ومصراي. وولد قلدَن بن أرويغ: قمصاتة وورسطيف وبيانة وبلّ. قال بن حزم: ومن قبائل هوّارة: گهلان ومليلة. قال بن خلدون: وزاد سابق المطامطي وأصحابه في بطون قلدن: ورجين ومنداسة وگرگودة. قال اليعقوبي: وهوّارة يزعمون أنهم من البربر القدم، وأن مزاتة ولواتة كانوا منهم فانقطعوا عنهم، وفارقوا ديارهم، وصاروا إلى أرض برقة وغيرهم، وتزعم هوّارة أنهم قوم من اليمن، جهلوا أنسابهم. قال بن خلدون: وأما بطون هوّارة فكثير، وأكثرهم بنو أبيه أوريغ، اشتهروا نسبة لشهرته وكبر سنّه من بينهم فانتسبوا جميعا إليه. وقال أيضا: ويُقال: إنّ مليلة من بطونهم. وعند نسابة البربر من بطونهم: غريان وتاورغاء وزگّاوة [Zaggawa، زغّاوة] ومسلاتا ومَجريس. ويقال: إن ونّيفن منهم. ومجريس لهذا العهد ينتسبون إلى ونيفن. وعند سابق وأصحابه أن بني گهلان من ورجين إحدى بطون مغّر، وأن من بطون بني گهلان: بني كسي وورتاگط Urtagut ولشّيوى وهيوارة. وأمّا بطون أَداس بن زحيگ بن مادغيس الأبناء الذين دخلوا في هوّارة فكثير. فمنهم: هرّاغة وترهُونا ووشتاتا وأندارى وهنزون وأوطيطا وصنبرة. هؤلاء باتفاق من ابن حزم وسابق وأصحابه. ونذكر الآن تفصيل قبائل هَوّارة وفروعها ومواطنها وماضيها وحاضرها: هوّارة، هم من أكبر القبائل البربرية، وأوسعها بطونا، وأكثرها انتشارا في بلاد المغربين (الجزائر والمملكة المغربيّة) وتونُس وأفريقيَا (ليبيا)، بل ومصر، لا بل والشّام... ويُنسبون إلى أبيهم: هوّار، وبالبربريّة: أَهَوّار، وبلهجة التوارگ (الطّوارق) في الجنوب: أَهَگّار، وهو بن أوريغ بن برنس. قال بن خلدون: وكانت مواطن الجمهور من هوّارة هؤلاء، ومن دخل في نسبهم من إخوانهم البرانس والبُتر لأوّل الفتح بنواحي طرابلس وما يليها من برقة كما ذكره المسعودي والبكري. وكانوا ظواعن (رُحلاً) وآهلين (مُستقرّين). وذكر الكاتب العسكري الفرنسي Carette، أنّ أوريغ (أجداد هوّارة) هُم سُكّانُ أفريقيا الأصليون، وأنّ القرطاجيين شتّتوهُم بعد هجرتهم من ليبيا الشّرقيّة، ثُمّ تحالفوا مع قبائل نفوسة، وأنّهم هم من سَمّى أفريقيا بهذا الاسم. واستناداً للمؤرّخ اليهودي Nahum Slouschz، فإِنّهُ في نهاية (القرن 3م) أدّت هجرة قبائل زناتَة إلى دفع قبائل هوّارة ونفوسَة إلى حدود جبل أوراس. وكان في هوّارة من هُم على دين اليهود قبل الفتحِ الإسلامي، ولأوّل الفتح كانوا من أوائل من اعتنَقَ الدّينَ الحقّ، ومن أوائل المرتدين عنه، وانتشرت عندهم بعد ذلكَ الخارجيّة (الإباضية)، مثل سائر البربر، من نفوسة ومُزاب وزواغَة ولواتَة ووارگلان Wareglan ولَمّاية...، وحاربوا الأمويين والأغالبة عُمّال العباسيين... وكان هوّارة أحلاف زَنَاتَة الأوفياء، يُساكنونهم في كثير من مناطق بلاد المغرب، حتّى إنّه ما وُجِدَ تَمركُزٌ لأُمّة من زَنَاتَة، إلا وكانت معهم أُمّة من هوّارة، من أجل أنّ أمّ هوّار المسماة تَصُگِّي (تَزُگِّي) العرجاء، هي بنت زحيگ بن مادغيس الأبتر، وزحيگ هذا هو الجد الثاني لأَِجانا والدِ زَنَاتَة. و حَملت عِدّة مناطق في شمال أفريقيا أسماء بطونٍ من هوّارة، ومن اندرج فيهم من بني أَوْريغ وبني أَداس، وهذه البطون هي: منداس ومليلية وورفلة ومسراتة وغريان وتاورغة وزغّاوة (زگاوة) وزگارة ومسلاتة ومَجريس وترهونا وهرّاغة. منداس: حملت اسمهم الهضبة الكبيرة الواقعة بالضفة اليمنى لوادي مينة، رافد وادي شلف، أين توجد إلى اليوم مدينة بهذا الاسم، وتحتلها قبيلة فليتة، من بني مالك، من زغبةَ العربِ الهلاليّين؛ مليلة: حملت اسمهم مدينة تقع في جنوب غربي قسنطينة (عين مليلية)، رُبما كانت من مواطنهم، خاصة وأن المدينة داخلة في وطن هوّارة؛ ورفلة: حملت اسمهم منطقة تقع في جنوب شرقي طرابلس، فيها بقاياهم؛ مسراتة: حملت اسمهم مدينة تقع في جنوب شرقي طرابلس، فيها بقاياهم؛ غريان: حمل اسمهم جبل يقع في جنوب غربي طرابلس، فيه بقاياهم؛ تَاورغاء: حملت اسمهم مدينة تقع في جنوبي مسراتة؛ زغّاوة: اسم ثان لإقليم إندي بتشاد، واسم لقرية بإقليم دارفور، الواقع شمال غرب السّودان؛ زگّارة (أَزگار Azgar، أَجَر): حملت اسمهم منطقة تقع في جنوب شرق الجزائر (تاسيلي ناَجر، تاسيلي ناَزگار)، فيها بقاياهم؛ مسلاتة: حمل اسمهم جبل يقع شرقي جبل نفوسة، وجنوب غربي طرابلس، فيه بقاياهم؛ مَجريس: حملت اسمهم ناحية من قرية زَجنزور، من قرى طرابلُس؛ ترهونة: حملت اسمهم مدينة تقع في جنوب شرقي طرابلس، فيها بقاياهم، وتحمله قبيلة من قبائل المرابطين في ليبيا أيضا؛ هرّاغة: حملت اسمهم منطقة تقع في جنوب غرب طرابلس، فيها بقاياهم. كماتوجد عائتة الهمامية
[عدل] هوَارة طرابلس وبرقة (ليبيـا)
ذكر اليعقوبي في (القرن 9م) أنّ ديار هوّارة طرابلُس تبتدئ من تَأوَرغاء شرقا، فقال: ومن آخر عملِ برقة من الموضع الذي يُقال له تَأوَرْغَاء إلى طرابلُس ست مراحل، وينقطع ديار مزاتة من تاورغاء ويصير في ديار هوارة، فأول ذلك ورداسة، ثم لبده وهي حصن كالمدينة على ساحل البحر. وذكر بعض بُطون هوّارةَ، فقال: بطون هوارة يتناسبون كما تتناسب العرب، فمنهم: بنو اللّهّان ومليلية وورسطيف. فبطون اللّهان: بنو درما وبنو مرمزيان وبنو ورفل وبنو مسراتة، ومنازل هوارة من آخر عمل سرت إلى طرابلس. ولم يذكر بن حزم بني درما وبني مرمزيان في بطون لَهّانة، وذكر بدلهم: سطط وأسيل، فيُحتمَلُ أن تكون البُطونُ التي ذكرَها اليعقوبي بطوناً ثانويّةً، أو العَكسُ هُوَ الصّحيح. وذكر البكري من بطون هوارة في (القرن 11م): بني تادرميت (بنو درما، عند اليعقوبي)، فذكر أنّ مواطنهم تقع غربي بني زمّور من نفوسة، وأنّ لهم ثلاث قصور، وأنّ مدينة جادو تقع في مواطنهم. وذكر من بطون هوّارة أيضا: فزّانة وبني گِلدِن (بنو قلدن) عند بن حزم وبنِ خلدون، فَذكر أنّ مواطنهم تقع في تامرما، جنوبي جبال تَراغن، الواقعة شمالي حوض فزّان. وذكر الإدريسي في (القرن 12م) قرية غربي مسراتة، تنسب إلى ابن مثكود، يقال لها: سويقة، فقال: ويسكن حولها وبِها قبائل من هوارة، برابر، تحت طاعة العرب. وذكر مدينة لبده العريقة، فقال: وكانت مدينة لبده كثيرة العمارات مشتملة الخيرات، وهي على بعد من البحر، فتسلّطت العرب عليها وعلى أرضها، فغيرت ما كان بها من النعم، وأجلت أهلها إلى غيرها، فلم يبق الآن منها بها إلا قصران كبيران، وعُمّارُهُما وسُكّانُهُما قومٌ من هوارة البربر. وذكر مدينة زلّة، الواقعة في حوض فزّان، فقال: ومن أوجله إلى مدينة زلّة عشر مراحل غرباً، وهي مدينة صغيرة ذات سوق عامرة، وبها أخلاط من البربر من هوارة. وذكر بن خلدون تفصيلا للجبال الواقعة جنوبي طرابلس، فقال: (أعلم) أنّ في قبلة قابس وطرابلس جبالاً متصلاً بعضها ببعض من المغرب إلى المشرق، فأوّلها من جانب الغرب جبل دمّر يسكنه أمم من لُواتة ويتصلون في بسيطه إلى قابس وصفاقس من جانب الغرب، وأمم أخرى من نفوسة من جانب الشرق. وفي طوله سبع مراحل، ويتصل به شرقاً جبل نفوسة تسكنه أمة كبيرة من نفوسة ومغراوة وسدراتة، وهو قبلة طرابلس على ثلاث مراحل عنها. وفي طوله سبع مراحل. ويتصل به من جانب الشرق جبل مسلاتة، ويعتمره قبائل هوّارة إلى بلد مسراتة ويفضي إلى بلد سرت وبرقة وهو آخر جبال طرابلس. وكانت هذه الجبال من مواطن هوّارة ونفوسة ولواتة. وكانت هنالك مدينة صغيرة: بلد نفوسا، قبل الفتح. وكانت برقة من مواطن هوّارة هؤلاء. وذكر الحسن الوزّان (ليون الأفريقي) جبل غريان في (القرن 16م)، فقال: غريان جبل مرتفع بارد طوله نحو أربعينَ ميلا، يفصلُه عن باقي الجبال بعض المساحات الرّمليّة، ويبعد عن طرابلُس بنحو خمسينَ ميلا.. لكنّ سُكَّان غريان كانوا دائما مُستَغَلّين من قِبَلِ الأعراب وملوك تونس. ولهُم قُرى عديدة تبلغ مائة وثلاثين تقريبا. وقال فرج عبد العزيز نجم في: الهجرات المتعدّدة للقبائل اللّيبيّة: فعرفت تونس الهجرات الليبية منذ الأمد، وازدادت مع المد الإسلامي سواء كانت بالقبائل البربرية التي نزحت إليها من ليبيا بعد الفتح الإسلامي أو تلك التي كانت تحت وطأة زحف بني هلال وسليم كما حدث مع قبيلة هوارة التي أجليت عن منازلها في قصور بني خيار، شمالي مسلاتة، جراء الزحف العربي ونزلت في المحرس بتونس ما بين قابس وصفاقس. وكانت بلاد ودّان وفزّان وكوّار، من مواطن هوّارة أيضاً. فأمّا ودّان فقد ذكرها اليعقوبي، فقال: ومن أعمال برقة المضافة إليها ودان، وهو بلد يؤتى من مفازة، وهو مما يضاف إلى عمل سرت. ومن مدينة سرت إليه مما يلي القبلة خمس مراحل. وذكر ياقوت نقلا عن البكري بلاد ودّان، فقال: وَدان مدينة في جنوبي أفريقيا بينها وبين زويلة عشرة أيام من جهة أفريقيا ولها قلعة حصينة وللمدينة دروب وهي مدينتان فيهما قبيلتان من العرب سهميون وحضرميون فتسمى مدينة السهميين دلباك ومدينة الحضرميين بوصى وجامعهما واحد بين الموضعين وبين القبيلتين تنازُعٌ وتنافس يُؤدي بهم ذلك مراراَ إلى الحرب والقتال وعندهم فقهاءُ وقراءُ وشعراءُ وأكثر معيشتهم من التمر ولهم زرع يسير يسقونه بالنضح وبينها وبين مدينة تاقرِفت ثلاثة أيام، والطريق من طرابلس إلى ودان يسير في بلاد هوارة نحو الجنوب في بيوت من شعر، وهناك قُرَيَّاتٌ ومنازلُ إلى قصرِ بنِ ميمونَ من عمل طرابلس، ثم تسير ثلاثة أيام إلى صنم من حجارة مبني على ربوة، يُسمى: گُرزة [Gurza]، ومن حواليه من قبائل البربر يقربون له القرابين ويستسقون به إلى اليوم ومنه إلى ودان ثلاثة أيام. وكان عمرو بن العاص بعث إلى ودان بسر بن أبي أرطاه وهو محاصر لطرابلس، فافتتحها في سنة 23هـ (644م)، ثم نقضوا عهدهم ومنعوا ما كان قد فرضه بسر عليهم، فخرج عُقبة بن نافع بعد معاوية بن حُدَيج إلى المغرب في سنة 46هـ (666م)، ومعه بسر بن أبي أرطأة وشريك بن سحيم، حتى نزل بغدامس من سرت، فخلف عقبة جيشه هناك واستخلف عليهم زهير بن قيس البلَوي، ثم سار بنفسه في أربعمائة فارس وأربعمائة بعير بثمانمائة قربة ماءٍ حتى قدم ودان فافتتحها، وأخذ ملكها فجدع أنفه، فقال: لم فعلتَ هذا وقد عاهدتُ المسلمين، قال: أدباً لك إذا مسست أنفك ذكرتَ فلم تحارب العرب. واستخرج منها ما كان بسر فرض عليه وهو ثلاثمائة وستون رأساً. وذكرَ De Slane أنّ ربوة گُرزَة، تقعُ على نهرٍ بنفسِ الاسم، يقعُ في منتصف الطّريق من طرابلُس إلى ودّان، وأنّ الشّاعرُ الأفريقيّ اللاّتينيّ، كوريپوس، كانَ قَد ذكرَ أنّ گُرزة باسم: گُرزِل Gurzil، وذكرَ أنّهُ بنُ أَمون. وذكر الإدريسي ساكني ودّان، فقال: وكان الملك في أهلها ناشئاً متوارثاً إلى أن جاء دين الإسلام، فخافوا من المسلمين فتوغلوا هرباً في بلاد الصحراء وتفرقوا، ولم يبق بها الآن إلا مدينة داود، وهي الآن خراب ليس بها إلا بقايا قوم من السودان معايشهم كدرة وأمورهم نكدة، وهم في سفح جبل طنطنة. وجبل طنطنة هو جبل تاسيلي ناَجر (تاسيلي ناَزگار). وأما فزّان فإقليم واسع، من مدنه اليوم: زويلة ومُرزُق، وقد ذكرَه اليعقوبي أيضا، فقال: وجنس يعرف بفزان، أخلاط من الناس، لهم رئيس يطاع فيهم، وبلد واسع، ومدينة عظيمة، وبينهم وبين مزاتا حرب لاقح أبداً. وأمّا كوّار، فإقليم يقعُ جنوبي فزّان، ويمتدّ اليوم جنوبي مُرزُق قاعدة فزّان، وهُوَ من مجالات توبو، الذين منهُم زغّاوة، وقد ذكرهُ اليعقوبي، فقال: ووراء زويلة على خمس عشرة مرحلة مدينة يقال لها كوّار، بها قوم من المسلمين من سائر الأحياء، أكثرهم بربر، وهم يأتون بالسودان. و كان من هوّارة أيضا: قبيلة زويلة، ذكرها اليعقوبي في (القرن 9م)، فقال: ووراء ذلك بلد زويلة مما يلي القبلة، وهم قوم مسلمون أباضية كلهم. وذكرها الإدريسي في (القرن 12م)، فقال: وفي جهة الشمال من هذه المدينة أي: مدينة داود، مدينة زويلة بناها عبد الله بن خطاب الهوّاري، وسكنها هو وبنو عمّه.. وهي منسوبة إلى هذا الرّجل وبه اشتهر اسمها وهي الآن عامرة. ومِمّا جاء عند بن خلدون عن زويلة: ومنهم أي: هوّارة كان بنو خطّاب ملوك زويلة إحدى أمصار برقة، كانت قاعدة ملكهم حتى عرفت بهم، فكان يقال زويلة بن خطّاب. ولما خربت انتقلوا منها إلى فزّان من بلاد الصحراء وأوطنوها، وكان لهم بها ملك ودولة. ولمّا جاء قراقوش الغزّي مملوك تقي الدين، بن أخي صلاح الدين، وافتتح زلّة وأوجلة وافتتح فزّان، قبض على ملكها محمد بن خطّاب بن يصلتن بن عبد الله بن صنفل بن خطّاب آخر ملوكهم، وطالبه بالأموال، وعذّبه إلى أن مات. قال بن خلدون: وانقرض أمر بني خطاب وهؤلاء الهّواريّين. وقال فرج عبد العزيز نجم في: الهجرات المتعدّدة للقبائل اللّيبيّة-عندَ ذَكرِهِ تجريدة حبيب: تلك الرواية الشعبية حفظت لنا أكبر هجرة قبلية عرفتها ليبيا، منذ هجرة قبيلة زويلة البربرية عن فزان إلى مصر في (القرن 10م). وينسب إلى زويلة ذاك الباب العظيم ذو المنارتين الذي لا زال يعرف بباب زويلة في القاهرة. وذكر بن خلدون حال هوّارة طرابلس لعهده، أي في (القرن 15م)، فقال: بمواطنهم الأولى من نواحي طرابلس، ظواعن وآهلين، توزّعتهم العرب من ذباب [من بني سُليم] فيما توزعوه من الرعايا، وغلبوهم على أمرهم.. فتملكوهم تملك العبيد.. مثل: ترهُونة وورفلة، الظّواعن. ومَجريس الموطّنين بجنزور من ونيفن، وهي قرية من قرى طرابلس. وورفلَة اسم لمنطقة تسمى بني وليد، وقال الحسنُ الوزّان (ليون الأفريقي)-تحت عنوان: جبال بني وليد: يقعُ هذا الجبل على بعد نحو مائة ميل من طرابلُس.وجميع بطون هوّارة استعربت اليوم، ولم يبقى منهم من حافظ على لغته البربريّة إلا: أهل واحات أوجلة وسَوكنة وغدامس وجبل غريان في ليبيا، وواحة سِوَّة في مصر. وذكرَ الدُّكتور فرج عبد العزيز نجم في: القبيلة والإسلام والدّولة: أنّ أهل واحة أوجلة، يقال أنّهم خليط من لواتة وهوّارة، استوطنوا واحة أوجلة وسِوَّة وغدامس وزويلة. ومن المناطق التي سميت بأسماء قبائل هوارية مصراتة اليوم منطقة كبيرة، تقع في شمال غرب ليبيا على البحر الأبيض المتوسط، في الزاوية الشمالية الغربية لخليج سرت، يحدّها من الشمال: البحر الأبيض المتوسط، ومن الشرق: خليج سرت، ومن الجنوب: السبخة ومنطقتي تَأوَرغاء وورفلة، ومن الغرب منطقة زليتن، ويبعد مركزها المُسَمى: إمّاطين، والذي يعرف الآن بمدينة مصراته، عن مدينة طرابلس شرقا مسافة أحدَ عشرَ ومائتي كيلومترٍ، وعن مدينة بنغازي غربا مسافة خمسة وعشرين وثمانمائة كيلومتر. وكان اليعقوبي قد ذكرهُم في (القرن 9م)، فقال: أنّ بني مسراتة وبني ورفلة من بني اللّهّان من بطون هوارة. وذكرهم بن سعيد في (القرن 13م)، فقال: قصور مسراتة وهي تمتد اثنا عشر ميلاً على زيتون ونخيل، وأهلها من هوارة تحت خفارة ذباب، ولهم غرام بِحَمل الخيل إلى الإسكندرية، ويجد منهم الحجاج في تلك الطريق الشاق معونة. وذكرهُم بن خلدون في (القرن 14م)، فقال: ومن هوّارة هؤلاء بآخر عمل طرابلس مما يلي بلد سرت وبرقة، قبيلة يعرفون بِمسراتة لهم كثرة واعتزاز، ووضائع العرب عليهم قليلة ويعطونها من عِزّة. وكثيراً ما يتنقلون في سبيل التجارة ببلاد مصر والإسكندرية وفي بلاد الجريد من أفريقيا وبأرض السُّودان إلى هذا العهد. كما ذكر أنّ قبائل هگارة، وهُم الأهَگّار في الجزائر حاليا، تنحدر من مسراتة. وجاء في كتاب: ليبيا في كتب الجغرافية والرحلات، من اختيار وتصنيف: الدكتور إحسان عباس والدكتور محمد يوسف نجم، أنّه: مما يؤكد صلة قبيلة مسراتة الهواريّة بمنطقة مسراتة، أن المنطقة عرفت أيضا باسم هوّارة، كما عُرف مرسى قصر أحمد في منطقة مسراتة، في العصور الوسطى باسم: مرسى هوارة. والــــله أعلــــــم.
[عدل] هوّارة الجنوب الملثمون (هَگّـارة Haggara وزگـّارة Zaggara وزغّـاوة)
قال ابن خلدون: ومنهم [أي: من هوّارة] من قطع الرمل إلى بلاد القفر، وجاوروا لمطة من قبائل الملثمين فيما يلي بلاد گَوگَو من السودان تجاه أفريقيا، ويعرفون بنسبهم هگّارة، قَلَبَت العُجمة واوه كافاً أعجمية تخرج بين الكاف العربية والقاف. ويذهب بن خلدون إلى أنّ هوّارة الملثّمين ينحدرون من بطن مسراتة منهم، حيث قال: والى العدوة الجنوبية من هذا العرق مجالات أهل اللثام من صنهاجة، وهم شعوب كثيرة ما بين: گزولة ولمتونة ومسراتة ووتريگة وأَزگار. وقبائل لمطا وصنهاجة هم إخوة هوارة، من أمهم تَصُگّي العرجاء، بنت زحيگ بن مادغيس الأبتر. أمّا بلاد گَوگَو Gawgaw، فهو الاسم الذي أطلقه الجغرافيون المسلمون على مدينة گاو Gaw، التي تقع اليوم جنوب شرقي تمبكتو، على نهر النيجر، في دولة مالي. والكاف الأعجمية التي ذكرها بن خلدون هي حرف: G الفرنسي، ويكتبها بن خلدون: گ. ومن هوّارة الملثّمين أيضا: شعب أَزگار (ويُنطق اسمهم أيضا: أَجر، أَزدجَر)، وهم سكان إقليم تاسيلي-ن-اَجر، الممتد في جنوب الجزائر وليبيا، وقد ذكرهم الإدريسي في (القرن 12م)، فقال: ومن مدينة تِساوا إلى قبيل من البربر في جهة المشرق، نحو من اثني عشر يوماً ويسمون: أزگار، وهم قوم رحالة، وإبلهم كثيرة وألبانهم غزيرة، وهم أهل نجعة وقوة وبأس ومنعة، لكنهم يسالمون من سالمهم ويميلون على من حاولهم، وهم يصيفون ويربعون حول جبل يسمى طنطنة. وذكرهم بن سعيد المغربي في (القرن 13م)، فقال: وفي جنوبي فزان وودان مجالات أزگار وهم برابرة مسلمون أحذق خلق الله في خط الرمل، وفي جنوبه بالغرب من خط الإقليم الثالث جبل طنطنة، وهو كبير يمتد من الشرق إلى الغرب نحو ست مراحل. وفي شماليه عيون تنحدر منه وتحتها مروج ينبت فيها حشيش كثير يرتاده البرابرة والعربان وتقع الحرب عليه، وفي أسفله معدن حديد جيد. وجبل طنطنة هو جبل تاسيلي ناَجر (تاسيلي-ن-اَزگار)، وقد ذكرناه فيما سبَق. ومما يؤكد ما ذهب إليه بن خلدون، من انتماء قبائلِ أَهَگّار وأَزگار إلى هوّارة، أن نُبلاء أَزگار يطلقون على أنفسهم إلى اليوم لقب: إوراغن، ومعناها: بنو أوريغ، وأوريغ هو والد هوّار كما ذكرنا سابقاً. وللعلم، فإنّ قبيلة توارگ كل أوي في جبال أهير (أَيَر)، في شمال النيجر، تدّعي أنها تنحدر من الإوراغن أيضاً. و هؤلاء الهگارة اليوم، هم طوارق إموشاغ، أهل جبال الهقار وجبال الطّاسيلي (أَهَگّار وتاسيلي)، المنتشرون في الجزائر والنيجر وليبيا، ويطلق عليهم بالأمازيغية اسم: توارگ Twereg، وهم: Les Numides du Sud على عهد الرومان، ويُسمون أنفسهم: إموهاغ، وهي نفسها لفظة: إمازيغ، ويُسمّون لغتهم: تاماهاقت، وهي نفسها لفظة: تامازيغت. ومفرد كلمة إِموهاغ هو: أمَهَّاغ (أَمازيغ). و ذكر بن خلدون من هوّارة الملثمين، قبيلة: زغاوة، وهم بنو زگّأو (زغاو) بن هوّار. وقد عدّ النّسّأبون البربر زغّاوة في بطون البربر، وعدّهُم بنُ خلدون في بُطون البربر أيضا، رغم أنّه عدّهم في موضع آخَر في شعوب السّودان، وإلى الآنَ يعدُّهم علماء اللّغة في بطون زنوج التوّبو. قال بنُ خلدون: هذه الطّبقة من صنهاجة هم الملثّمون الموطنون بالقفر وراء الرمال الصحراوية بالجنوب.. وتعددت قبائلهم من گِدالة فلمتونة فمسوفة فوتريكة فتارگة فزغّاوة ثم لَمطة إخوة صنهاجة، كلهم ما بين البحر المحيط بالمغرب إلى غدامس من قبلة طرابلس وبرقة. ومواطن زغّاوة تحاذي بلاد فزان من الجنوب، وتقع اليوم في جنوب ليبيا وشمال تشاد. و ذكر المؤرخ الأفريقي المعاصر J.K. Zerbo في:L’histoire de l’Afrique noire أنّ زغاوة هم مؤسسو مملكة كانم بورنو في جبال تبستي، وحول بحيرة تشاد في (القرن 10م)، وأنّ شعب هذه المملكة كان من الزنوج المستقرين، ثم نزل عليهم الزغاوة من الطّوارق الرّحل في (القرن 9م)، وأخضعوهم. وذكر أنّ الروايات الشعبية المحلّية تقول بِأنّ ملوك الكانم كانوا رجالا حُمْراً ملثمين. كما يُطلق اسم زغّاوة اليوم على فرع من الوادّايا الموطنين في شرقي تشاد، وهؤلاء الودّايا هم خليط من عرب الحسانية من المعقل، وبربر زغّاوة، وزنوج كانم بورنو. ومن جهة أخرى، فإن الزغاوة يشكلون مع الگوران Guran (الدازا رعاة البقر)، والتيدا (رعاة الجمال)، الفروع الثلاثة لشعب التوبو، الذي يرى الكثير من المُختصّينَ، القدماء والحديثون، أنّهم خليط من البربر والزنوج. ويترحل التّوبو اليوم بين واحات فزان الليبية وبحيرة تشاد، ويأوون إلى جبال تبستي. ومن جهة ثالثة، فالزّغّاوة هم السّكان الأصليون لإقليم دارفور السوداني، الذي كان في ما مضى جزءا من مملكة كانم بورنو. وذكر الإدريسي من مدن زغاوة: شاما وتاگوا Tagwa، ويُسمّيها بنُ خلدون وبن سعيد: تاجوة، وذكر أن مع زغاوة فرقة من بربر سدراتا، من لواتة، فقال: وبها قوم رحّآلة يسمون سدراتا، يقال إنهم برابر، وقد تشبهوا بالزغاويين في جميع حالاتهم، وصاروا جنساً من أجناسهم، وإليهم يلجؤون فيما عَنّ لهم من حوائجهم وبيعهم وشرائهم، وذكر كذلك أن تاگوة قبيلة من زغاوة، وأنّ أهالي شاما انتقلوا فيما بعد إلى گَوگَو (گاو). وكانَ من زغّاوة أيضاً عائلاتٌ دخلت جزيرة صقلّيَة بعدَ فتحِها. قالَ الدّكتور إحسان عبّاس-في: العرب في صقلّيَة-: وبين سكان بلرم من أصحاب الأملاك أو الشهود الواردة أسماءهم في الوثائق.. أسماء بربر من هوارة ولواتة وزغاوة وزناتة.
[عدل] هوَارة التّلول الأفريقيّة (تونس وشرق الجزائر)
مدينة مرماجنة التّونسيّة، التي تقع شمال شرقي مدينة تبسة الجزائرية ذكرها بنُ حوقل في (القرن10) وهي لهوّارة، وفيها أسواقٌ حسنة. وذكرها الإدريسي (القرن 12م)، فقال: ومنها إلى مرماجنة، وهي قرية لهوارة. وذكرها ياقوتُ الحموي في (القرن 13م)، فقال: مرماجنة: بالفتح ثم السكون وبعد الألف جيم ونون مشددة: قرية بإفريقية لهوارة قبيلة من البربر عن أبي الحسن الخوارزمي، وقال المهلبي بين مرماجَنة وا لأربس مرحلة. وقال بن خلدون: بأرض التلول من أفريقية، ما بين تبسة إلى مرماجنة إلى باجة، ظواعن صاروا في عداد الناجعة عرب بني سليم في اللغة والزي وسكنى الخيام وركوب الخيل، وكَسبِ الإبل وممارسة الحروب، وإيلاف الرحلتين في الشتاء والصيف كل تلولهم. قد نسوا رطانة البربر، واستبدلوا منها بفصاحة العرب فلا يكاد يفرق بينهم. فأولهم مما يلي تبسة: قبيلة ونيفن، ورئاستهم لهذا العهد في ولد بعرة بن حناش، لأولاد سليم بن عبد الواحد بن عسكر بن محمد بن بعرة، ثم لأولاد زيتون بن محمد بن بعرة، ولأولاد دحمان بن فلان بعده. وكانت الرياسة قبلهم لسارية من بطون ونيفن، ومواطنهم ببسائط مرماجنة وتبسة وما إليهما. ويليهم قبيلة أخرى في الجانب الشرقي منهم يعرفون بقيصررن، ورئاستهم في بيت بني مُؤمن، ما بين ولد زعارع وولد حركات، ومواطنهم بفحص أُبَّة وما إليها من نواحي الأربس. وتليهم إلى جانب الشرق قبيلة أخرى منهم يعرفون بنصورة، ورئاستهم في بيت الرمامنة، لولد سليمان بن جامع منهم. ويرادفهم في رياسة نصرة قبيلة وربُهامة، ومواطنهم من تبسة إلى حامة إلى جبل الزنجار إلى إطار عَلَى سَاحل تونس وبسائطها. ويجاورهم متساحلين إلى ضواحي باجة قبيلة أخ
هوّارةُ البَرانِـسُ
قال أبو محمّد عليّ بن حزم الأندلُسي الظّاهريّ: فولد برنُس: كُتامة وصنهاجة وعجّيسة ومَصمُودة وأوربَا وأزداجَة وأوريغ. وقال أبو زَيد وليّ الدين عبد الرحمن بن خلدون الحضرميّ الإشبيليّ الأندلسيّ المالكيّ: وزاد سابق بن سليمان وأصحابه: لَمطَا وهسكورة وگزولة [Gazzula]. قال بن حزم: ويقال إن صنهاج ولَمط إنَّما هُما ابنا امرأةٍ يقال لها تَزُگّي [Tazugg’i]، لا يُعرف لَهما أب، تزوجها أوريغ فولدت له هوّار، فهم إخوة لأُِمّ. وقال أيضا: وزعم قومٌ في أوريغ أنّه بن خبور بن المثنى بن المسور، من السّكاسك من كندة، وذلك كُلّه باطل. قال بن خلدون: وقال الكلبي أنّ كُتامة وصنهاجة ليستا من قبائل البربر، وإنّما هما من شعوب اليمانية، تركَهُما أفريقش بن صيفي بأفريقيا مع من نزل بها من الحامية. وقد دحض بن حزم هذه الرّواية أيضا، كما دحَضَ الرّوايَة التي تقول إنّ برّ جد البربر، هو بن قيس عيلان، فقال: هذا باطل، لا شك فيه. وما علم النّسابون لقيس عيلان ابناً اسمه برّ أصلاً. ولا كان لحمير طريق إلى بلاد البربر، إلا في تكاذيب مؤرخي اليمن. وقال بن حزم أيضاً: وولد أوريغ: هوّار وملّد ومَغّر وقلدن، فولد ملّد بن أوريغ: سطط وورفل وأسيل ومسراتة، ويقال لهؤلاء: لَهّان. وولد مَغّر بن أوريغ: ماوس وزمّور وكبّا ومصراي. وولد قلدَن بن أرويغ: قمصاتة وورسطيف وبيانة وبلّ. قال بن حزم: ومن قبائل هوّارة: گهلان ومليلة. قال بن خلدون: وزاد سابق المطامطي وأصحابه في بطون قلدن: ورجين ومنداسة وگرگودة. قال اليعقوبي: وهوّارة يزعمون أنهم من البربر القدم، وأن مزاتة ولواتة كانوا منهم فانقطعوا عنهم، وفارقوا ديارهم، وصاروا إلى أرض برقة وغيرهم، وتزعم هوّارة أنهم قوم من اليمن، جهلوا أنسابهم. قال بن خلدون: وأما بطون هوّارة فكثير، وأكثرهم بنو أبيه أوريغ، اشتهروا نسبة لشهرته وكبر سنّه من بينهم فانتسبوا جميعا إليه. وقال أيضا: ويُقال: إنّ مليلة من بطونهم. وعند نسابة البربر من بطونهم: غريان وتاورغاء وزگّاوة [Zaggawa، زغّاوة] ومسلاتا ومَجريس. ويقال: إن ونّيفن منهم. ومجريس لهذا العهد ينتسبون إلى ونيفن. وعند سابق وأصحابه أن بني گهلان من ورجين إحدى بطون مغّر، وأن من بطون بني گهلان: بني كسي وورتاگط Urtagut ولشّيوى وهيوارة. وأمّا بطون أَداس بن زحيگ بن مادغيس الأبناء الذين دخلوا في هوّارة فكثير. فمنهم: هرّاغة وترهُونا ووشتاتا وأندارى وهنزون وأوطيطا وصنبرة. هؤلاء باتفاق من ابن حزم وسابق وأصحابه. ونذكر الآن تفصيل قبائل هَوّارة وفروعها ومواطنها وماضيها وحاضرها: هوّارة، هم من أكبر القبائل البربرية، وأوسعها بطونا، وأكثرها انتشارا في بلاد المغربين (الجزائر والمملكة المغربيّة) وتونُس وأفريقيَا (ليبيا)، بل ومصر، لا بل والشّام... ويُنسبون إلى أبيهم: هوّار، وبالبربريّة: أَهَوّار، وبلهجة التوارگ (الطّوارق) في الجنوب: أَهَگّار، وهو بن أوريغ بن برنس. قال بن خلدون: وكانت مواطن الجمهور من هوّارة هؤلاء، ومن دخل في نسبهم من إخوانهم البرانس والبُتر لأوّل الفتح بنواحي طرابلس وما يليها من برقة كما ذكره المسعودي والبكري. وكانوا ظواعن (رُحلاً) وآهلين (مُستقرّين). وذكر الكاتب العسكري الفرنسي Carette، أنّ أوريغ (أجداد هوّارة) هُم سُكّانُ أفريقيا الأصليون، وأنّ القرطاجيين شتّتوهُم بعد هجرتهم من ليبيا الشّرقيّة، ثُمّ تحالفوا مع قبائل نفوسة، وأنّهم هم من سَمّى أفريقيا بهذا الاسم. واستناداً للمؤرّخ اليهودي Nahum Slouschz، فإِنّهُ في نهاية (القرن 3م) أدّت هجرة قبائل زناتَة إلى دفع قبائل هوّارة ونفوسَة إلى حدود جبل أوراس. وكان في هوّارة من هُم على دين اليهود قبل الفتحِ الإسلامي، ولأوّل الفتح كانوا من أوائل من اعتنَقَ الدّينَ الحقّ، ومن أوائل المرتدين عنه، وانتشرت عندهم بعد ذلكَ الخارجيّة (الإباضية)، مثل سائر البربر، من نفوسة ومُزاب وزواغَة ولواتَة ووارگلان Wareglan ولَمّاية...، وحاربوا الأمويين والأغالبة عُمّال العباسيين... وكان هوّارة أحلاف زَنَاتَة الأوفياء، يُساكنونهم في كثير من مناطق بلاد المغرب، حتّى إنّه ما وُجِدَ تَمركُزٌ لأُمّة من زَنَاتَة، إلا وكانت معهم أُمّة من هوّارة، من أجل أنّ أمّ هوّار المسماة تَصُگِّي (تَزُگِّي) العرجاء، هي بنت زحيگ بن مادغيس الأبتر، وزحيگ هذا هو الجد الثاني لأَِجانا والدِ زَنَاتَة. و حَملت عِدّة مناطق في شمال أفريقيا أسماء بطونٍ من هوّارة، ومن اندرج فيهم من بني أَوْريغ وبني أَداس، وهذه البطون هي: منداس ومليلية وورفلة ومسراتة وغريان وتاورغة وزغّاوة (زگاوة) وزگارة ومسلاتة ومَجريس وترهونا وهرّاغة. منداس: حملت اسمهم الهضبة الكبيرة الواقعة بالضفة اليمنى لوادي مينة، رافد وادي شلف، أين توجد إلى اليوم مدينة بهذا الاسم، وتحتلها قبيلة فليتة، من بني مالك، من زغبةَ العربِ الهلاليّين؛ مليلة: حملت اسمهم مدينة تقع في جنوب غربي قسنطينة (عين مليلية)، رُبما كانت من مواطنهم، خاصة وأن المدينة داخلة في وطن هوّارة؛ ورفلة: حملت اسمهم منطقة تقع في جنوب شرقي طرابلس، فيها بقاياهم؛ مسراتة: حملت اسمهم مدينة تقع في جنوب شرقي طرابلس، فيها بقاياهم؛ غريان: حمل اسمهم جبل يقع في جنوب غربي طرابلس، فيه بقاياهم؛ تَاورغاء: حملت اسمهم مدينة تقع في جنوبي مسراتة؛ زغّاوة: اسم ثان لإقليم إندي بتشاد، واسم لقرية بإقليم دارفور، الواقع شمال غرب السّودان؛ زگّارة (أَزگار Azgar، أَجَر): حملت اسمهم منطقة تقع في جنوب شرق الجزائر (تاسيلي ناَجر، تاسيلي ناَزگار)، فيها بقاياهم؛ مسلاتة: حمل اسمهم جبل يقع شرقي جبل نفوسة، وجنوب غربي طرابلس، فيه بقاياهم؛ مَجريس: حملت اسمهم ناحية من قرية زَجنزور، من قرى طرابلُس؛ ترهونة: حملت اسمهم مدينة تقع في جنوب شرقي طرابلس، فيها بقاياهم، وتحمله قبيلة من قبائل المرابطين في ليبيا أيضا؛ هرّاغة: حملت اسمهم منطقة تقع في جنوب غرب طرابلس، فيها بقاياهم. كماتوجد عائتة الهمامية
[عدل] هوَارة طرابلس وبرقة (ليبيـا)
ذكر اليعقوبي في (القرن 9م) أنّ ديار هوّارة طرابلُس تبتدئ من تَأوَرغاء شرقا، فقال: ومن آخر عملِ برقة من الموضع الذي يُقال له تَأوَرْغَاء إلى طرابلُس ست مراحل، وينقطع ديار مزاتة من تاورغاء ويصير في ديار هوارة، فأول ذلك ورداسة، ثم لبده وهي حصن كالمدينة على ساحل البحر. وذكر بعض بُطون هوّارةَ، فقال: بطون هوارة يتناسبون كما تتناسب العرب، فمنهم: بنو اللّهّان ومليلية وورسطيف. فبطون اللّهان: بنو درما وبنو مرمزيان وبنو ورفل وبنو مسراتة، ومنازل هوارة من آخر عمل سرت إلى طرابلس. ولم يذكر بن حزم بني درما وبني مرمزيان في بطون لَهّانة، وذكر بدلهم: سطط وأسيل، فيُحتمَلُ أن تكون البُطونُ التي ذكرَها اليعقوبي بطوناً ثانويّةً، أو العَكسُ هُوَ الصّحيح. وذكر البكري من بطون هوارة في (القرن 11م): بني تادرميت (بنو درما، عند اليعقوبي)، فذكر أنّ مواطنهم تقع غربي بني زمّور من نفوسة، وأنّ لهم ثلاث قصور، وأنّ مدينة جادو تقع في مواطنهم. وذكر من بطون هوّارة أيضا: فزّانة وبني گِلدِن (بنو قلدن) عند بن حزم وبنِ خلدون، فَذكر أنّ مواطنهم تقع في تامرما، جنوبي جبال تَراغن، الواقعة شمالي حوض فزّان. وذكر الإدريسي في (القرن 12م) قرية غربي مسراتة، تنسب إلى ابن مثكود، يقال لها: سويقة، فقال: ويسكن حولها وبِها قبائل من هوارة، برابر، تحت طاعة العرب. وذكر مدينة لبده العريقة، فقال: وكانت مدينة لبده كثيرة العمارات مشتملة الخيرات، وهي على بعد من البحر، فتسلّطت العرب عليها وعلى أرضها، فغيرت ما كان بها من النعم، وأجلت أهلها إلى غيرها، فلم يبق الآن منها بها إلا قصران كبيران، وعُمّارُهُما وسُكّانُهُما قومٌ من هوارة البربر. وذكر مدينة زلّة، الواقعة في حوض فزّان، فقال: ومن أوجله إلى مدينة زلّة عشر مراحل غرباً، وهي مدينة صغيرة ذات سوق عامرة، وبها أخلاط من البربر من هوارة. وذكر بن خلدون تفصيلا للجبال الواقعة جنوبي طرابلس، فقال: (أعلم) أنّ في قبلة قابس وطرابلس جبالاً متصلاً بعضها ببعض من المغرب إلى المشرق، فأوّلها من جانب الغرب جبل دمّر يسكنه أمم من لُواتة ويتصلون في بسيطه إلى قابس وصفاقس من جانب الغرب، وأمم أخرى من نفوسة من جانب الشرق. وفي طوله سبع مراحل، ويتصل به شرقاً جبل نفوسة تسكنه أمة كبيرة من نفوسة ومغراوة وسدراتة، وهو قبلة طرابلس على ثلاث مراحل عنها. وفي طوله سبع مراحل. ويتصل به من جانب الشرق جبل مسلاتة، ويعتمره قبائل هوّارة إلى بلد مسراتة ويفضي إلى بلد سرت وبرقة وهو آخر جبال طرابلس. وكانت هذه الجبال من مواطن هوّارة ونفوسة ولواتة. وكانت هنالك مدينة صغيرة: بلد نفوسا، قبل الفتح. وكانت برقة من مواطن هوّارة هؤلاء. وذكر الحسن الوزّان (ليون الأفريقي) جبل غريان في (القرن 16م)، فقال: غريان جبل مرتفع بارد طوله نحو أربعينَ ميلا، يفصلُه عن باقي الجبال بعض المساحات الرّمليّة، ويبعد عن طرابلُس بنحو خمسينَ ميلا.. لكنّ سُكَّان غريان كانوا دائما مُستَغَلّين من قِبَلِ الأعراب وملوك تونس. ولهُم قُرى عديدة تبلغ مائة وثلاثين تقريبا. وقال فرج عبد العزيز نجم في: الهجرات المتعدّدة للقبائل اللّيبيّة: فعرفت تونس الهجرات الليبية منذ الأمد، وازدادت مع المد الإسلامي سواء كانت بالقبائل البربرية التي نزحت إليها من ليبيا بعد الفتح الإسلامي أو تلك التي كانت تحت وطأة زحف بني هلال وسليم كما حدث مع قبيلة هوارة التي أجليت عن منازلها في قصور بني خيار، شمالي مسلاتة، جراء الزحف العربي ونزلت في المحرس بتونس ما بين قابس وصفاقس. وكانت بلاد ودّان وفزّان وكوّار، من مواطن هوّارة أيضاً. فأمّا ودّان فقد ذكرها اليعقوبي، فقال: ومن أعمال برقة المضافة إليها ودان، وهو بلد يؤتى من مفازة، وهو مما يضاف إلى عمل سرت. ومن مدينة سرت إليه مما يلي القبلة خمس مراحل. وذكر ياقوت نقلا عن البكري بلاد ودّان، فقال: وَدان مدينة في جنوبي أفريقيا بينها وبين زويلة عشرة أيام من جهة أفريقيا ولها قلعة حصينة وللمدينة دروب وهي مدينتان فيهما قبيلتان من العرب سهميون وحضرميون فتسمى مدينة السهميين دلباك ومدينة الحضرميين بوصى وجامعهما واحد بين الموضعين وبين القبيلتين تنازُعٌ وتنافس يُؤدي بهم ذلك مراراَ إلى الحرب والقتال وعندهم فقهاءُ وقراءُ وشعراءُ وأكثر معيشتهم من التمر ولهم زرع يسير يسقونه بالنضح وبينها وبين مدينة تاقرِفت ثلاثة أيام، والطريق من طرابلس إلى ودان يسير في بلاد هوارة نحو الجنوب في بيوت من شعر، وهناك قُرَيَّاتٌ ومنازلُ إلى قصرِ بنِ ميمونَ من عمل طرابلس، ثم تسير ثلاثة أيام إلى صنم من حجارة مبني على ربوة، يُسمى: گُرزة [Gurza]، ومن حواليه من قبائل البربر يقربون له القرابين ويستسقون به إلى اليوم ومنه إلى ودان ثلاثة أيام. وكان عمرو بن العاص بعث إلى ودان بسر بن أبي أرطاه وهو محاصر لطرابلس، فافتتحها في سنة 23هـ (644م)، ثم نقضوا عهدهم ومنعوا ما كان قد فرضه بسر عليهم، فخرج عُقبة بن نافع بعد معاوية بن حُدَيج إلى المغرب في سنة 46هـ (666م)، ومعه بسر بن أبي أرطأة وشريك بن سحيم، حتى نزل بغدامس من سرت، فخلف عقبة جيشه هناك واستخلف عليهم زهير بن قيس البلَوي، ثم سار بنفسه في أربعمائة فارس وأربعمائة بعير بثمانمائة قربة ماءٍ حتى قدم ودان فافتتحها، وأخذ ملكها فجدع أنفه، فقال: لم فعلتَ هذا وقد عاهدتُ المسلمين، قال: أدباً لك إذا مسست أنفك ذكرتَ فلم تحارب العرب. واستخرج منها ما كان بسر فرض عليه وهو ثلاثمائة وستون رأساً. وذكرَ De Slane أنّ ربوة گُرزَة، تقعُ على نهرٍ بنفسِ الاسم، يقعُ في منتصف الطّريق من طرابلُس إلى ودّان، وأنّ الشّاعرُ الأفريقيّ اللاّتينيّ، كوريپوس، كانَ قَد ذكرَ أنّ گُرزة باسم: گُرزِل Gurzil، وذكرَ أنّهُ بنُ أَمون. وذكر الإدريسي ساكني ودّان، فقال: وكان الملك في أهلها ناشئاً متوارثاً إلى أن جاء دين الإسلام، فخافوا من المسلمين فتوغلوا هرباً في بلاد الصحراء وتفرقوا، ولم يبق بها الآن إلا مدينة داود، وهي الآن خراب ليس بها إلا بقايا قوم من السودان معايشهم كدرة وأمورهم نكدة، وهم في سفح جبل طنطنة. وجبل طنطنة هو جبل تاسيلي ناَجر (تاسيلي ناَزگار). وأما فزّان فإقليم واسع، من مدنه اليوم: زويلة ومُرزُق، وقد ذكرَه اليعقوبي أيضا، فقال: وجنس يعرف بفزان، أخلاط من الناس، لهم رئيس يطاع فيهم، وبلد واسع، ومدينة عظيمة، وبينهم وبين مزاتا حرب لاقح أبداً. وأمّا كوّار، فإقليم يقعُ جنوبي فزّان، ويمتدّ اليوم جنوبي مُرزُق قاعدة فزّان، وهُوَ من مجالات توبو، الذين منهُم زغّاوة، وقد ذكرهُ اليعقوبي، فقال: ووراء زويلة على خمس عشرة مرحلة مدينة يقال لها كوّار، بها قوم من المسلمين من سائر الأحياء، أكثرهم بربر، وهم يأتون بالسودان. و كان من هوّارة أيضا: قبيلة زويلة، ذكرها اليعقوبي في (القرن 9م)، فقال: ووراء ذلك بلد زويلة مما يلي القبلة، وهم قوم مسلمون أباضية كلهم. وذكرها الإدريسي في (القرن 12م)، فقال: وفي جهة الشمال من هذه المدينة أي: مدينة داود، مدينة زويلة بناها عبد الله بن خطاب الهوّاري، وسكنها هو وبنو عمّه.. وهي منسوبة إلى هذا الرّجل وبه اشتهر اسمها وهي الآن عامرة. ومِمّا جاء عند بن خلدون عن زويلة: ومنهم أي: هوّارة كان بنو خطّاب ملوك زويلة إحدى أمصار برقة، كانت قاعدة ملكهم حتى عرفت بهم، فكان يقال زويلة بن خطّاب. ولما خربت انتقلوا منها إلى فزّان من بلاد الصحراء وأوطنوها، وكان لهم بها ملك ودولة. ولمّا جاء قراقوش الغزّي مملوك تقي الدين، بن أخي صلاح الدين، وافتتح زلّة وأوجلة وافتتح فزّان، قبض على ملكها محمد بن خطّاب بن يصلتن بن عبد الله بن صنفل بن خطّاب آخر ملوكهم، وطالبه بالأموال، وعذّبه إلى أن مات. قال بن خلدون: وانقرض أمر بني خطاب وهؤلاء الهّواريّين. وقال فرج عبد العزيز نجم في: الهجرات المتعدّدة للقبائل اللّيبيّة-عندَ ذَكرِهِ تجريدة حبيب: تلك الرواية الشعبية حفظت لنا أكبر هجرة قبلية عرفتها ليبيا، منذ هجرة قبيلة زويلة البربرية عن فزان إلى مصر في (القرن 10م). وينسب إلى زويلة ذاك الباب العظيم ذو المنارتين الذي لا زال يعرف بباب زويلة في القاهرة. وذكر بن خلدون حال هوّارة طرابلس لعهده، أي في (القرن 15م)، فقال: بمواطنهم الأولى من نواحي طرابلس، ظواعن وآهلين، توزّعتهم العرب من ذباب [من بني سُليم] فيما توزعوه من الرعايا، وغلبوهم على أمرهم.. فتملكوهم تملك العبيد.. مثل: ترهُونة وورفلة، الظّواعن. ومَجريس الموطّنين بجنزور من ونيفن، وهي قرية من قرى طرابلس. وورفلَة اسم لمنطقة تسمى بني وليد، وقال الحسنُ الوزّان (ليون الأفريقي)-تحت عنوان: جبال بني وليد: يقعُ هذا الجبل على بعد نحو مائة ميل من طرابلُس.وجميع بطون هوّارة استعربت اليوم، ولم يبقى منهم من حافظ على لغته البربريّة إلا: أهل واحات أوجلة وسَوكنة وغدامس وجبل غريان في ليبيا، وواحة سِوَّة في مصر. وذكرَ الدُّكتور فرج عبد العزيز نجم في: القبيلة والإسلام والدّولة: أنّ أهل واحة أوجلة، يقال أنّهم خليط من لواتة وهوّارة، استوطنوا واحة أوجلة وسِوَّة وغدامس وزويلة. ومن المناطق التي سميت بأسماء قبائل هوارية مصراتة اليوم منطقة كبيرة، تقع في شمال غرب ليبيا على البحر الأبيض المتوسط، في الزاوية الشمالية الغربية لخليج سرت، يحدّها من الشمال: البحر الأبيض المتوسط، ومن الشرق: خليج سرت، ومن الجنوب: السبخة ومنطقتي تَأوَرغاء وورفلة، ومن الغرب منطقة زليتن، ويبعد مركزها المُسَمى: إمّاطين، والذي يعرف الآن بمدينة مصراته، عن مدينة طرابلس شرقا مسافة أحدَ عشرَ ومائتي كيلومترٍ، وعن مدينة بنغازي غربا مسافة خمسة وعشرين وثمانمائة كيلومتر. وكان اليعقوبي قد ذكرهُم في (القرن 9م)، فقال: أنّ بني مسراتة وبني ورفلة من بني اللّهّان من بطون هوارة. وذكرهم بن سعيد في (القرن 13م)، فقال: قصور مسراتة وهي تمتد اثنا عشر ميلاً على زيتون ونخيل، وأهلها من هوارة تحت خفارة ذباب، ولهم غرام بِحَمل الخيل إلى الإسكندرية، ويجد منهم الحجاج في تلك الطريق الشاق معونة. وذكرهُم بن خلدون في (القرن 14م)، فقال: ومن هوّارة هؤلاء بآخر عمل طرابلس مما يلي بلد سرت وبرقة، قبيلة يعرفون بِمسراتة لهم كثرة واعتزاز، ووضائع العرب عليهم قليلة ويعطونها من عِزّة. وكثيراً ما يتنقلون في سبيل التجارة ببلاد مصر والإسكندرية وفي بلاد الجريد من أفريقيا وبأرض السُّودان إلى هذا العهد. كما ذكر أنّ قبائل هگارة، وهُم الأهَگّار في الجزائر حاليا، تنحدر من مسراتة. وجاء في كتاب: ليبيا في كتب الجغرافية والرحلات، من اختيار وتصنيف: الدكتور إحسان عباس والدكتور محمد يوسف نجم، أنّه: مما يؤكد صلة قبيلة مسراتة الهواريّة بمنطقة مسراتة، أن المنطقة عرفت أيضا باسم هوّارة، كما عُرف مرسى قصر أحمد في منطقة مسراتة، في العصور الوسطى باسم: مرسى هوارة. والــــله أعلــــــم.
[عدل] هوّارة الجنوب الملثمون (هَگّـارة Haggara وزگـّارة Zaggara وزغّـاوة)
قال ابن خلدون: ومنهم [أي: من هوّارة] من قطع الرمل إلى بلاد القفر، وجاوروا لمطة من قبائل الملثمين فيما يلي بلاد گَوگَو من السودان تجاه أفريقيا، ويعرفون بنسبهم هگّارة، قَلَبَت العُجمة واوه كافاً أعجمية تخرج بين الكاف العربية والقاف. ويذهب بن خلدون إلى أنّ هوّارة الملثّمين ينحدرون من بطن مسراتة منهم، حيث قال: والى العدوة الجنوبية من هذا العرق مجالات أهل اللثام من صنهاجة، وهم شعوب كثيرة ما بين: گزولة ولمتونة ومسراتة ووتريگة وأَزگار. وقبائل لمطا وصنهاجة هم إخوة هوارة، من أمهم تَصُگّي العرجاء، بنت زحيگ بن مادغيس الأبتر. أمّا بلاد گَوگَو Gawgaw، فهو الاسم الذي أطلقه الجغرافيون المسلمون على مدينة گاو Gaw، التي تقع اليوم جنوب شرقي تمبكتو، على نهر النيجر، في دولة مالي. والكاف الأعجمية التي ذكرها بن خلدون هي حرف: G الفرنسي، ويكتبها بن خلدون: گ. ومن هوّارة الملثّمين أيضا: شعب أَزگار (ويُنطق اسمهم أيضا: أَجر، أَزدجَر)، وهم سكان إقليم تاسيلي-ن-اَجر، الممتد في جنوب الجزائر وليبيا، وقد ذكرهم الإدريسي في (القرن 12م)، فقال: ومن مدينة تِساوا إلى قبيل من البربر في جهة المشرق، نحو من اثني عشر يوماً ويسمون: أزگار، وهم قوم رحالة، وإبلهم كثيرة وألبانهم غزيرة، وهم أهل نجعة وقوة وبأس ومنعة، لكنهم يسالمون من سالمهم ويميلون على من حاولهم، وهم يصيفون ويربعون حول جبل يسمى طنطنة. وذكرهم بن سعيد المغربي في (القرن 13م)، فقال: وفي جنوبي فزان وودان مجالات أزگار وهم برابرة مسلمون أحذق خلق الله في خط الرمل، وفي جنوبه بالغرب من خط الإقليم الثالث جبل طنطنة، وهو كبير يمتد من الشرق إلى الغرب نحو ست مراحل. وفي شماليه عيون تنحدر منه وتحتها مروج ينبت فيها حشيش كثير يرتاده البرابرة والعربان وتقع الحرب عليه، وفي أسفله معدن حديد جيد. وجبل طنطنة هو جبل تاسيلي ناَجر (تاسيلي-ن-اَزگار)، وقد ذكرناه فيما سبَق. ومما يؤكد ما ذهب إليه بن خلدون، من انتماء قبائلِ أَهَگّار وأَزگار إلى هوّارة، أن نُبلاء أَزگار يطلقون على أنفسهم إلى اليوم لقب: إوراغن، ومعناها: بنو أوريغ، وأوريغ هو والد هوّار كما ذكرنا سابقاً. وللعلم، فإنّ قبيلة توارگ كل أوي في جبال أهير (أَيَر)، في شمال النيجر، تدّعي أنها تنحدر من الإوراغن أيضاً. و هؤلاء الهگارة اليوم، هم طوارق إموشاغ، أهل جبال الهقار وجبال الطّاسيلي (أَهَگّار وتاسيلي)، المنتشرون في الجزائر والنيجر وليبيا، ويطلق عليهم بالأمازيغية اسم: توارگ Twereg، وهم: Les Numides du Sud على عهد الرومان، ويُسمون أنفسهم: إموهاغ، وهي نفسها لفظة: إمازيغ، ويُسمّون لغتهم: تاماهاقت، وهي نفسها لفظة: تامازيغت. ومفرد كلمة إِموهاغ هو: أمَهَّاغ (أَمازيغ). و ذكر بن خلدون من هوّارة الملثمين، قبيلة: زغاوة، وهم بنو زگّأو (زغاو) بن هوّار. وقد عدّ النّسّأبون البربر زغّاوة في بطون البربر، وعدّهُم بنُ خلدون في بُطون البربر أيضا، رغم أنّه عدّهم في موضع آخَر في شعوب السّودان، وإلى الآنَ يعدُّهم علماء اللّغة في بطون زنوج التوّبو. قال بنُ خلدون: هذه الطّبقة من صنهاجة هم الملثّمون الموطنون بالقفر وراء الرمال الصحراوية بالجنوب.. وتعددت قبائلهم من گِدالة فلمتونة فمسوفة فوتريكة فتارگة فزغّاوة ثم لَمطة إخوة صنهاجة، كلهم ما بين البحر المحيط بالمغرب إلى غدامس من قبلة طرابلس وبرقة. ومواطن زغّاوة تحاذي بلاد فزان من الجنوب، وتقع اليوم في جنوب ليبيا وشمال تشاد. و ذكر المؤرخ الأفريقي المعاصر J.K. Zerbo في:L’histoire de l’Afrique noire أنّ زغاوة هم مؤسسو مملكة كانم بورنو في جبال تبستي، وحول بحيرة تشاد في (القرن 10م)، وأنّ شعب هذه المملكة كان من الزنوج المستقرين، ثم نزل عليهم الزغاوة من الطّوارق الرّحل في (القرن 9م)، وأخضعوهم. وذكر أنّ الروايات الشعبية المحلّية تقول بِأنّ ملوك الكانم كانوا رجالا حُمْراً ملثمين. كما يُطلق اسم زغّاوة اليوم على فرع من الوادّايا الموطنين في شرقي تشاد، وهؤلاء الودّايا هم خليط من عرب الحسانية من المعقل، وبربر زغّاوة، وزنوج كانم بورنو. ومن جهة أخرى، فإن الزغاوة يشكلون مع الگوران Guran (الدازا رعاة البقر)، والتيدا (رعاة الجمال)، الفروع الثلاثة لشعب التوبو، الذي يرى الكثير من المُختصّينَ، القدماء والحديثون، أنّهم خليط من البربر والزنوج. ويترحل التّوبو اليوم بين واحات فزان الليبية وبحيرة تشاد، ويأوون إلى جبال تبستي. ومن جهة ثالثة، فالزّغّاوة هم السّكان الأصليون لإقليم دارفور السوداني، الذي كان في ما مضى جزءا من مملكة كانم بورنو. وذكر الإدريسي من مدن زغاوة: شاما وتاگوا Tagwa، ويُسمّيها بنُ خلدون وبن سعيد: تاجوة، وذكر أن مع زغاوة فرقة من بربر سدراتا، من لواتة، فقال: وبها قوم رحّآلة يسمون سدراتا، يقال إنهم برابر، وقد تشبهوا بالزغاويين في جميع حالاتهم، وصاروا جنساً من أجناسهم، وإليهم يلجؤون فيما عَنّ لهم من حوائجهم وبيعهم وشرائهم، وذكر كذلك أن تاگوة قبيلة من زغاوة، وأنّ أهالي شاما انتقلوا فيما بعد إلى گَوگَو (گاو). وكانَ من زغّاوة أيضاً عائلاتٌ دخلت جزيرة صقلّيَة بعدَ فتحِها. قالَ الدّكتور إحسان عبّاس-في: العرب في صقلّيَة-: وبين سكان بلرم من أصحاب الأملاك أو الشهود الواردة أسماءهم في الوثائق.. أسماء بربر من هوارة ولواتة وزغاوة وزناتة.
[عدل] هوَارة التّلول الأفريقيّة (تونس وشرق الجزائر)
مدينة مرماجنة التّونسيّة، التي تقع شمال شرقي مدينة تبسة الجزائرية ذكرها بنُ حوقل في (القرن10) وهي لهوّارة، وفيها أسواقٌ حسنة. وذكرها الإدريسي (القرن 12م)، فقال: ومنها إلى مرماجنة، وهي قرية لهوارة. وذكرها ياقوتُ الحموي في (القرن 13م)، فقال: مرماجنة: بالفتح ثم السكون وبعد الألف جيم ونون مشددة: قرية بإفريقية لهوارة قبيلة من البربر عن أبي الحسن الخوارزمي، وقال المهلبي بين مرماجَنة وا لأربس مرحلة. وقال بن خلدون: بأرض التلول من أفريقية، ما بين تبسة إلى مرماجنة إلى باجة، ظواعن صاروا في عداد الناجعة عرب بني سليم في اللغة والزي وسكنى الخيام وركوب الخيل، وكَسبِ الإبل وممارسة الحروب، وإيلاف الرحلتين في الشتاء والصيف كل تلولهم. قد نسوا رطانة البربر، واستبدلوا منها بفصاحة العرب فلا يكاد يفرق بينهم. فأولهم مما يلي تبسة: قبيلة ونيفن، ورئاستهم لهذا العهد في ولد بعرة بن حناش، لأولاد سليم بن عبد الواحد بن عسكر بن محمد بن بعرة، ثم لأولاد زيتون بن محمد بن بعرة، ولأولاد دحمان بن فلان بعده. وكانت الرياسة قبلهم لسارية من بطون ونيفن، ومواطنهم ببسائط مرماجنة وتبسة وما إليهما. ويليهم قبيلة أخرى في الجانب الشرقي منهم يعرفون بقيصررن، ورئاستهم في بيت بني مُؤمن، ما بين ولد زعارع وولد حركات، ومواطنهم بفحص أُبَّة وما إليها من نواحي الأربس. وتليهم إلى جانب الشرق قبيلة أخرى منهم يعرفون بنصورة، ورئاستهم في بيت الرمامنة، لولد سليمان بن جامع منهم. ويرادفهم في رياسة نصرة قبيلة وربُهامة، ومواطنهم من تبسة إلى حامة إلى جبل الزنجار إلى إطار عَلَى سَاحل تونس وبسائطها. ويجاورهم متساحلين إلى ضواحي باجة قبيلة أخ