للحقيقة والتاريخ: إسقاط 'بكري' في انتخابات ٠١٠٢ بأوامر مبارك وحاشيته
يكتبها علي حلقاتمحمود بكري
لم يكن ما جري في انتخابات مجلس الشعب للعام ٠١٠٢ سوي رسالة التمهيد الختامية لثورة الخامس والعشرين من يناير.. فعبر هذه الانتخابات تم السطو علي أصوات الناخبين وتزييف إرادتهم.. وإسقاط النواب والمرشحين الشرفاء عنوة.
كانت الانتخابات تكريسًا لمنهج الحزب الوطني البائد في الاستحواذ علي كل شيء في مصر.. فبعد سيطرة شلة محدودة من الفاسدين علي مقدرات البلاد وفصلها ورهنها لأصحاب المصالح.. أدار الحزب الفاسد الانتخابات بطريقة شطب جميع الشرفاء من الساحة البرلمانية.. حاصر الأحزاب المعارضة والمستقلين واستخدم وسائله الجهنمية في إبعادهم عن المشهد البرلماني.. وبلغ الأمر حد أن أحدًا من هؤلاء الشرفاء، ومن جميع الطوائف والأحزاب والقوي السياسية لم يُسمح له بالوصول إلي البرلمان.. تم إسقاط الجميع عمدًا.. وراحوا يمهدون الأجواء لصناعة 'برلمان التوريث المرتقب في هذا الوقت'.. ليكملوا بهذا التصرف الجنوني مشهد الحياة السياسية في هذا الوقت.. والذي ذهب إلي حد تأميم كل شيء لمصلحة حزب السلطة ورجالها.
وإذا كان ما تم في انتخابات ٠١٠٢ ـ التي جرت جولتها الأولي في الثامن والعشرين من نوفمبر لعام ٠١٠٢ ـ قد شكل سيناريو متكاملا لإبعاد كل القوي الوطنية عن البرلمان.. فإن ما جري في دائرة حلوان الأولي، وفي مواجهة النائب 'مصطفي بكري' شكل إهدارًا فاضحًا، ومتعمدًا لكل دعاوي الديمقراطية الزائفة في البلاد. كل ما جري في حلوان كان يشير إلي عزم مبارك وحاشيته ونظامه وحكومته علي إسقاط 'مصطفي بكري' مع جملة الوطنيين والشرفاء، حتي وإن بدت صورة الانتخابات سليمة في ظاهرها.. وبدا الأمر وكأن هناك ثأرًا دفينًا يسعي النظام لتصفيته مع 'بكري'.. لقد تجرأ 'بكري' في كشف أخطاء الحكومة وخطاياها.. ظل علي مدي السنوات الخمس التي قضاها تحت قبة البرلمان يلاحق مسئوليها.. كاشفًا أخطاءهم.. ومقدمًا كل ما يثبت فساد البعض منهم.. وحين بلغ الأمر حد ملاحقة رئيس الحكومة نفسه.. لم يتوان عن ذلك.. وكان ما فجَّره حول مخالفات وتجاوزات رئيس الحكومة ووزير مالية وكبار مستشاريه في قضية العلاج علي نفقة الدولة خير شاهد علي ذلك.
ولأن تيار الفساد أقوي من أن تصده رياح القانون.. فقد رأي سدنة الفساد ورعاته أن خير وسيلة لمواجهة 'بكري' وتجنب حملاته البرلمانية هي منعه من الاستمرار في البرلمان.. باعتبار أن إعادة انتخابه سوف تفتح النار علي الفاسدين والمتدثرين بعباءة السلطة، بعد أن فشلوا طيلة السنوات السابقة في تخويفه وإرهابه ليكف عن إقلاق مقاعدهم وفضح تجاوزاتهم.. انحاز 'بكري' للشعب وراح منافسه في الانتخابات وزير الدولة للإنتاج الحربي السابق يستعين بالحكومة وأجهزتها وإمكاناتها الجبارة.. لعلها تعينه في مواجهة الشعبية الجارفة لمنافسه 'مصطفي بكري' في الدائرة الأولي في حلوان.
حين تحولت المصانع الحربية إلي غرف عمليات لإدارة معركة الوزير الانتخابية.. وحين وظّف الوزير المرشح ـ العمالي معه في الدائرة لخدمة معركته.. لجأ 'بكري' إلي كل الجهات المعنية في مصر، مقدمًا الوثائق والأدلة التي تكشف عن تلك التجاوزات الخطيرة التي جرت.. غير أن أحدًا لم يعر الأمر اهتمامًا.. وبدا 'بكري' وكأنه يؤذن في مالطة.. فلا أحد يسمع.. ولا أحد يستجيب.. علي الرغم من الشواهد والأدلة القاطعة التي تم تقديمها والتي أكدت التدخلات الحكومية الصارخة في إدارة المعركة الانتخابية.
وفي الدائرة الأولي ذاتها راحت العناصر الموالية للوزير.. من كبار اللواءات والمستشارين تمارس ضعوطًا لا تهدأ علي أبناء الدائرة وأبناء شعب حلوان.. واندفع نهر الأموال إلي الجيوب يشتري النفوس التي استعصت علي الشراء.. وانتشرت للمرة الأولي بين قلة من أبناء حلوان ظاهرة الأسعار المحددة للافتات الانتخابية.. فالذي يرفع لافتة للوزير علي منزله يحصل علي '٠٠٥' جنيه.. والذي ينزع لافتة لـ'مصطفي بكري' يحصل علي مبلغ مماثل ووعد بوظيفة لأحد أبنائه.
رفض الشرفاء تلك العروض.. فيما راح بعض الضعفاء يستجيبون.. بينما برز من الرجال من يستحقون أن يوضعو فوق الرءوس تقديرًا لرجولتهم.. فالحاج محمد حسني حماد أحد كبار عائلة حماد بحلوان البلد رفض عرضًا بمليون جنيه مقابل إغلاق المقر الانتخابي الذي تبرع به لحملة 'بكري' الانتخابية ، والمرحوم الحاج 'عامر مطاوع' رفض تهديدات عديدة بالاعتقال ورفض التخلي عن 'بكري' ورفع لافتاته علي المقر الذي تبرع به بمنطقة الدواجن بركن حلوان.. وجودة رشاد وإخواته كانوا أول المبادرين بتقديم مبني كامل من طابقين مجانًا لإدارة المعركة الانتخابية.. وبرغم القلة المهزومة وأصحاب الضمائر الخاوية الذين باعوا أنفسهم لشيطان المال والإغراء فقد أبرزت المعركة الانتخابية بطولة وفروسية الغالبية العظيمة من أبناء شعب حلوان.. فلعلها المرة الأولي التي يتبرع فيها أبناء حلوان بأكثر من '٥٢' مقرًا انتخابيًا مجانًا لصالح مرشح.. فها هم يقدمون الدعم والمساندة.. كلهم من أصحاب الأسماء الشريفة والمعروفة في حلوان.
تحولت المعركة في حلوان إلي معركة شعب كامل يريد الحفاظ علي نائبه ومرشحه ويدفع به نحو الفوز.. وبين حكومة تقدم كل أنواع الدعم والمساندة لتمكين وزيرها من الفوز.. وقهر من تراه عدوًا لفساد رموزها.. هكذا راحت تفتح له الأبواب علي مصاريعها وتوفر له كل ما يسعف حملته الانتخابية المتهاوية.. وبدا الناس في حلوان ما بين مصدق ومكذب لدعاوي الحكومة في نزاهة الانتخابات.. وانتظر الناس أن يأتي يوم الانتخابات ليكشف الحقيقة.. فيما بدت الغالبية متشائمة إزاء الإجراءات الحكومية المرتقبة.
وعلي مدي أيام الحملة الانتخابية كانت جماهير حلوان تزحف بالآلاف مناصرة ومؤيدة للنائب والمرشح 'مصطفي بكري'.. وبين سجال هنا وهناك راح الجميع ينتظرون ما ستسفر عنه المعركة.. وما ستحققه من نتائج.. ولم يتوقع أكثر الناس تشاؤمًا أن ينجح مخطط إسقاط 'بكري' في ظل ما يتمتع به من جماهيرية كاسحة.. وحب غير مسبوق في أوساط المواطنين.
قبل موعد الانتخابات بأيام.. مع بدء العد التنازلي كان 'بكري' وأنصاره يتخذون الإجراءات اللازمة ليوم الانتخاب.. وكان الحصول علي التوكيلات اللازمة لمتابعة العملية الانتخابية أمرًا ضروريًا لمراقبة صناديق الانتخاب.. وحين توجه أنصاره إلي قسم شرطة حلوان أكثر من مرة للحصول علي التوكيلات اللازمة.. كان رد مأمور قسم حلوان: 'لم تصلنا التعليمات'.. وإزاء ذلك توجه النائب والمرشح 'مصطفي بكري' إلي مقر اللجنة العليا للانتخابات للشكوي.. غير أن الأمور سارت علي هذا المنوال حتي ظهر اليوم السابق للانتخابات.. حيث وافق مأمور قسم الشرطة علي بدء إجراء تقييد توكيلات المندوبين والوكلاء.. إلا أن المفاجأة أن إجراءات توكيلات المندوبين استمرت بتعقيداتها منذ ظهر السبت حتي السادسة والنصف من صبيحة يوم الانتخابات.. فيما رفضت الجهات المعنية اعتماد أكثر من توكيل واحد من بين مئات التوكيلات التي تم توثيقها في الشهر العقاري، وتوقفت علي ختمها من قسم شرطة حلوان.. وفوق ذلك تم استبعاد نحو '٦' توكيلات لمندوبين عن لجان انتخابية مهمة مما أسهم في تركها خالية من مندوبين.. الأمر الذي منح أنصار الوزير الفرصة لتسويد صناديق تلك اللجان.
ومع ضيق الوقت.. كانت عملية توصيل التوكيلات المعتمدة للمندوبين بالغة الصعوبة والمشقة.. وهو ما أسهم في عدم وصول عشرات التوكيلات للمندوبين في الوقت المحدد.. وهو ما جعل العملية الانتخابية برمتها عرضة للتزييف والتزوير.. وعلي مدي نهار يوم الأحد.. كان المشهد، وبرغم الحياد الأمني يبدو موجهًا لخدمة معركة الوزير الانتخابية عبر استخدام آليات وأساليب مستحدثة وجدت طريقها إلي صناديق الانتخاب لتغرقها بآلاف البطاقات المزورة، والهدف هو إنجاح الوزير بأي طريقة، ومهما كان.. ومنذ الصباح راحت الشكاوي تنهمر كسيل المطر، مؤكدًة حدوث عملية تلاعب ضخمة في سير العملية الانتخابية التي افتقدت النزاهة والشفافية بشكل كبير علي مدي ساعات النهار وحتي إعلان النتائج.
ولأن دائرة حلوان الأولي مترامية الأطراف، ولأن الجهات المعنية لم تمنحنا سوي توكيل واحد لمتابعة ومراقبة المعركة الانتخابية، فلم يكن من خيار أمامنا سوي أن نجوب مناطق الدائرة بأنفسنا.. مارين علي كل اللجان، في محاولة لضبط وقائع ما يجري في اللجان الانتخابية من عمليات تزوير وكانت الصورة خلال الجولة تؤشر لحياد أمني واضح في سير المعركة.. ولكن في المقابل كانت هناك جملة من الألاعيب التي راحت تفرض نفسها داخل اللجان الانتخابية ذاتها.
ففي لجان مدرسة المعصرة الثانوية بنات.. وبينما كنت أتفقد اللجان الانتخابية الثلاث عشرة التي تشتمل عليها المدرسة كانت جملة الأصوات المودعة في كل صندوق انتخابي تتراوح ما بين خمسين وسبعين صوتا.. وحين صعدت إلي الطابق السادس فوجئت بالصندوقين رقمي 46 و47 مكدسين بالبطاقات الانتخابية.. بينما لم يكن هناك أي ناخب أو ناخبين لتبرير هذه الزيادة في نسبة التصويت في هذين الصندوقين علي وجه التحديد.. رحت استخدم حقي القانوني وأتفقد كشوف الناخبين في كلتا اللجنتين.. وكم كانت المفاجأة مذهلة حين وجدت الكشوف الانتخابية فارغة ولا تحمل أي توقيعات للناخبين.. وهو ما يعني أن المدرسين المشرفين علي هذين الصندوقين قد تولوا تزوير هذه الصناديق.. علي الفور أجريت اتصالا بالمرشح 'مصطفي بكري' طالبا منه الشكوي لرئيس لجنة الانتخابات بدائرة حلوان الأولي.. وسرعة التصرف لضبط الصندوقين المزورين.. ومما زاد التأكيد علي دور المدرسين المشرفين في ارتكاب وقائع التزوير أنهم وبحسب معلومات مؤكدة تلقوا تعليمات واضحة من 'خالد بهي الدين سالم' نقيب المعلمين بحلوان لتزوير الانتخابات لصالح الوزير.
لقد أسقط في يد المدرسين المزورين.. ولم يجدوا من وسيلة لمداراة الفضيحة والهروب من العقاب المتوقع سوي محاولة تهدئتي وإبلاغي أنهم علي استعداد لتسويد صوتين في الصناديق لصالح الأستاذ 'مصطفي بكري' في مقابل كل صوت تم تسويده لصالح الوزير 'مشعل'.. غير أنني رفضت وأبلغتهم أننا لا نقبل التصويت والأصوات الحرام.. وأننا لن نتواني عن كشف هذه الفضيحة ومن يقفون خلفها.. وحين أدرك هؤلاء المدرسون أنني أضيق حبل الخناق من حولهم لجأوا لضباط الأمن لحمايتهم وإنقاذهم مما قد يتعرضون له.. وماهي إلا لحظات حتي فوجئت بأحد ضباط المباحث يصعد إلي الطابق السادس ويطلب مني الانصراف.. فرفضت.. فجاء لي بضابط برتبة عميد والذي راح يهددني بإخراجي بالقوة.. فصممت علي موقفي وقلت إنني لن أغادر قبل إثبات التزوير حتي ولوأطلقتم علي الرصاص.. وفي تلك الأثناء تلقيت اتصالا هاتفيا من مسئول العميد أبو الدهب مسئول أمن الدولة في حلوان وعد فيه بوقف أعمال اللجان الثلاث عشرة بالمدرسة مقابل نزولي من مقر اللجنة وحتي حضور من سيتولي التحقيق في جرائم التزوير التي قمت بضبطها.. غير أن المفاجأة أن أحمد أبو الدهب كان يخدعني ويقول كلاما غير صحيح، ثم تبين لنا فيما بعد الحقائق الكاملة حول ضلوعه بشكلل مباشر في مخطط إسقاط مصطفي بكري.. فقد احت اللجان الانتخابية تفتح أبوابها مجددا بعد عشر دقائق من توقفها وهو مادعاني للعودة مجددا إلي مقر اللجنتين الانتخابيتين.. حيث فوجئت بمحاولات تجري من قبل المدرسين المشرفين علي اللجان الانتخابية لملء كشوف الانتخابات بالتوقيعات المزورة لمداراة فضيحة التزوير.. ولم تمض لحظات حتي وصل المرشح 'مصطفي بكري' الذي أعلن الاعتصام احتجاجا علي التزوير وحتي وصول أحد أعضاء اللجنة القضائية للتحقيق في الأمر وإثبات التزوير الذي جري.
كان ماحدث في اللجنتين 46 و47 بمثابة عنوان علي ما حدث في العديد من اللجان الانتخابية الأخري.. وقد تكشف ذلك بوضوح خلال أعمال لجنة الفرز التي بدأت بعد إغلاق باب الترشيح في تمام الساعة السابعة من مساء الأحد.
عراقيل عدة وضعوها أمامي حتي لا أصل إلي مقر لجنة الفرز فور بدء وصول الصناديق.. حين وصلت إلي مقر اللجنة أبلغني الضابط المختص أن التعليمات لم تصل إليه بإدخال أي شخص.. أيا كان إلي مقر لجنة الفرز.. أظهرت له التوكيل الوحيد الذي أحمله نيابة عن المرشح 'مصطفي بكري' وحذرته من اللعب المتوقع في صناديق الانتخاب في حال غيابي.. إلا أنه أوضح أنه 'عبد المأمور' وحين طلبت منه الاتصال بالجهات الأمنية العليا لإبلاغهم خطورة الموقف راح يبلغني باستمرار الرفض.. وهنا راح مئات الشباب الملتفين من حولي يتجمهرون ويهتفون في مواجهة التزوير الذي بات مؤكدا.. وكان لثورة الشباب أثرها في دفع القيادات الأمنية للسماح لي بالوصول إلي لجنة الفرز بعد مضي نحو ثلاثة أرباع الساعة علي بدء عمليات الفرز.. وكم كان المشهد في داخل لجنة الفرز مثيرا وغريبا.. ففي الوقت الذي رفضت الجهات الأمنية لأحد من أنصارنا مشاركتي في متابعة أعمال لجنة الفرز تركت لقيادات الحزب الوطني ونوابه للشوري حق التجول بين الصناديق الانتخابية..
وفي ظل انتشار نحو المائتين وخمسين لجنة انتخابية وفرز الأصوات في وقت واحد بات من المستحيل متابعة عملية الفرز بالدقة المطلوبة.. خاصة أنني كنت أقف وحيدا في مواجهة العشرات من رجالات الحزب الوطني.. وكان مجمل ما فعلته أنا ومن معي من المرشحين الآخرين أننا تقدمنا بطعون في عدد من الصناديق التي تأكد لنا تزويرها.. ومنها الصناديق '46 و47 و76 و78 و234 و242'.
وشاركني في التوقيع علي مذكرات الطعن والشكاوي المرشحون في الانتخابات 'رمضان عمر وكمال حافظ وعصام هليل ومحمد مصطفي إبراهيم وسعد أبوبطيحة'.. غير أن القاضي لم يستبعد سوي ثلاثة صناديق من جملة الصناديق الستة التي أثبتنا تزويرها بالكامل لصالح الوزير المرشح.
ومنذ الساعة العاشرة من مساء الأحد الماضي وحتي التاسعة من صباح الاثنين كانت عمليات حصد وجمع الأصوات تتواصل.. وطال الأمر أكثر مما يجب.. وحين كرر المرشح العمالي 'سعد أبوبطيحة' دهشته من طول الوقت المستنفذ أمر القاضي بإخراجه من مقر لجنة الفرز.. وعند الساعة التاسعة من صباح الاثنين بدأ رئيس اللجنة القضائية الاستعداد لإعلان النتيجة.
وفي نحو التاسعة والربع بدأ المستشار رئيس اللجنة يعلن النتيجة بحصول وزير الإنتاج الحربي علي '20332' صوتا في مقابل '19865' صوتا لمنافسه 'مصطفي بكري'.. ومؤكدا في الآن ذاته أن جملة من توجهوا لصناديق الاقتراع بلغوا نحو سبعة وثلاثين ألف ناخب وأن جملة الأصوات الصحيحة بلغت نحو خمسة وثلاثين ألفا وسبعمائة وواحد صوت وكم كان الأمر علي هذا النحو بمثابة المفاجأة الصاعقة.. والتي سرعان ما اكتشفناها.. وهو ما دفعني للعودة مجددا إلي مقر لجنة الفرز بعد مغادرتها بدقائق.. حيث فوجئت بالقاضي وقد عاد بدوره مجددا إلي مقر لجنة الفرز بعد ثبوت الخطأ في حصد أصوات الناخبين.
لقد كشفت عملية حصد الأصوات عن الأخطاء الجسيمة التي واكبت العملية الانتخابية.. فقد أعلن القاضي أن جملة الأصوات الصحيحة بلغت '35701' صوت.. بينما جملة أصوات 'سيد مشعل' ومصطفي بكري -حسب ما أعلن هو بنفسه قد بلغت40197 صوتا وهو مايعني أن الفارق بين حاصل الجمع الصحيح للأصوات وماهو معلن قد قارب علي الخمسة آلاف صوت.. فأين ذهبت هذه الأصوات؟.. وكيف تم إهدارها؟. وهي أصوات كفيلة بإنجاح 'بكري' بتفوق لوظهرت إلي الوجود.. بل إن الأدهي والأمر من ذلك أن إعلان فوز الوزير علي هذا النحو جاء مخالفا.. لأن الوزير لم يحصل علي نسبة الخمسين بالمائة من جملة الأصوات التي أعلنت.. وما يؤكد ذلك هو كشف النتيجة ذاته الذي أعلنه المستشار رئيس اللجنة.. فإذا كان الفارق بين أصوات 'بكري' و'مشعل' هو '468' صوتا.. فإن المرشحين الآخرين علي مقعد الفئات بذات الدائرة قد حصلا علي '1418' صوتا.. حيث حصل المرشح 'عصام هليل' علي '919' صوتا فيما حصل المرشح الآخر 'محمد فهمي' علي '499' صوتا.. وبرصد الفارق بين الـ'468' صوتا التي أعلن القاضي تفوق الوزير بها وبين الـ'1418' صوتا التي حصل عليها المرشحان الآخران.. يكون الوزير في حاجة إلي '850' صوتا ليفوز بالجولة الأولي.. وهو ما يعني أن إجراء جولة أخري للإعادة بين 'بكري' ومشعل 'قضية حتمية'.. وتجاهل ذلك من قبل الجهات المعنية يعني المزيد من أدلة البطلان للانتخابات في نطاق الدائرة.
كل الحقائق والمؤشرات تقدم الأدلة القاطعة لإبطال العملية الانتخابية في حلوان.. فما بين الأوراق المحترقة.. والبطاقات المزورة.. والأرقام الخاطئة تتكامل أركان الصورة.. التي تؤكد أن من خططوا ورتبوا الأوضاع في حلوان أرادوا أن يبعثوا برسالة واضحة لجماهير مصر وحلوان.. وهي أنه لا مكان للشرفاء ممن يلاحقون الفساد ورموزه.. وأن عصا التزوير قادرة علي فرض الباطل رغما عن كل الجماهير الحرة والشريفة.. ولك الله يا مصر.. وصبرا شعب حلوان العظيم.
يكتبها علي حلقاتمحمود بكري
لم يكن ما جري في انتخابات مجلس الشعب للعام ٠١٠٢ سوي رسالة التمهيد الختامية لثورة الخامس والعشرين من يناير.. فعبر هذه الانتخابات تم السطو علي أصوات الناخبين وتزييف إرادتهم.. وإسقاط النواب والمرشحين الشرفاء عنوة.
كانت الانتخابات تكريسًا لمنهج الحزب الوطني البائد في الاستحواذ علي كل شيء في مصر.. فبعد سيطرة شلة محدودة من الفاسدين علي مقدرات البلاد وفصلها ورهنها لأصحاب المصالح.. أدار الحزب الفاسد الانتخابات بطريقة شطب جميع الشرفاء من الساحة البرلمانية.. حاصر الأحزاب المعارضة والمستقلين واستخدم وسائله الجهنمية في إبعادهم عن المشهد البرلماني.. وبلغ الأمر حد أن أحدًا من هؤلاء الشرفاء، ومن جميع الطوائف والأحزاب والقوي السياسية لم يُسمح له بالوصول إلي البرلمان.. تم إسقاط الجميع عمدًا.. وراحوا يمهدون الأجواء لصناعة 'برلمان التوريث المرتقب في هذا الوقت'.. ليكملوا بهذا التصرف الجنوني مشهد الحياة السياسية في هذا الوقت.. والذي ذهب إلي حد تأميم كل شيء لمصلحة حزب السلطة ورجالها.
وإذا كان ما تم في انتخابات ٠١٠٢ ـ التي جرت جولتها الأولي في الثامن والعشرين من نوفمبر لعام ٠١٠٢ ـ قد شكل سيناريو متكاملا لإبعاد كل القوي الوطنية عن البرلمان.. فإن ما جري في دائرة حلوان الأولي، وفي مواجهة النائب 'مصطفي بكري' شكل إهدارًا فاضحًا، ومتعمدًا لكل دعاوي الديمقراطية الزائفة في البلاد. كل ما جري في حلوان كان يشير إلي عزم مبارك وحاشيته ونظامه وحكومته علي إسقاط 'مصطفي بكري' مع جملة الوطنيين والشرفاء، حتي وإن بدت صورة الانتخابات سليمة في ظاهرها.. وبدا الأمر وكأن هناك ثأرًا دفينًا يسعي النظام لتصفيته مع 'بكري'.. لقد تجرأ 'بكري' في كشف أخطاء الحكومة وخطاياها.. ظل علي مدي السنوات الخمس التي قضاها تحت قبة البرلمان يلاحق مسئوليها.. كاشفًا أخطاءهم.. ومقدمًا كل ما يثبت فساد البعض منهم.. وحين بلغ الأمر حد ملاحقة رئيس الحكومة نفسه.. لم يتوان عن ذلك.. وكان ما فجَّره حول مخالفات وتجاوزات رئيس الحكومة ووزير مالية وكبار مستشاريه في قضية العلاج علي نفقة الدولة خير شاهد علي ذلك.
ولأن تيار الفساد أقوي من أن تصده رياح القانون.. فقد رأي سدنة الفساد ورعاته أن خير وسيلة لمواجهة 'بكري' وتجنب حملاته البرلمانية هي منعه من الاستمرار في البرلمان.. باعتبار أن إعادة انتخابه سوف تفتح النار علي الفاسدين والمتدثرين بعباءة السلطة، بعد أن فشلوا طيلة السنوات السابقة في تخويفه وإرهابه ليكف عن إقلاق مقاعدهم وفضح تجاوزاتهم.. انحاز 'بكري' للشعب وراح منافسه في الانتخابات وزير الدولة للإنتاج الحربي السابق يستعين بالحكومة وأجهزتها وإمكاناتها الجبارة.. لعلها تعينه في مواجهة الشعبية الجارفة لمنافسه 'مصطفي بكري' في الدائرة الأولي في حلوان.
حين تحولت المصانع الحربية إلي غرف عمليات لإدارة معركة الوزير الانتخابية.. وحين وظّف الوزير المرشح ـ العمالي معه في الدائرة لخدمة معركته.. لجأ 'بكري' إلي كل الجهات المعنية في مصر، مقدمًا الوثائق والأدلة التي تكشف عن تلك التجاوزات الخطيرة التي جرت.. غير أن أحدًا لم يعر الأمر اهتمامًا.. وبدا 'بكري' وكأنه يؤذن في مالطة.. فلا أحد يسمع.. ولا أحد يستجيب.. علي الرغم من الشواهد والأدلة القاطعة التي تم تقديمها والتي أكدت التدخلات الحكومية الصارخة في إدارة المعركة الانتخابية.
وفي الدائرة الأولي ذاتها راحت العناصر الموالية للوزير.. من كبار اللواءات والمستشارين تمارس ضعوطًا لا تهدأ علي أبناء الدائرة وأبناء شعب حلوان.. واندفع نهر الأموال إلي الجيوب يشتري النفوس التي استعصت علي الشراء.. وانتشرت للمرة الأولي بين قلة من أبناء حلوان ظاهرة الأسعار المحددة للافتات الانتخابية.. فالذي يرفع لافتة للوزير علي منزله يحصل علي '٠٠٥' جنيه.. والذي ينزع لافتة لـ'مصطفي بكري' يحصل علي مبلغ مماثل ووعد بوظيفة لأحد أبنائه.
رفض الشرفاء تلك العروض.. فيما راح بعض الضعفاء يستجيبون.. بينما برز من الرجال من يستحقون أن يوضعو فوق الرءوس تقديرًا لرجولتهم.. فالحاج محمد حسني حماد أحد كبار عائلة حماد بحلوان البلد رفض عرضًا بمليون جنيه مقابل إغلاق المقر الانتخابي الذي تبرع به لحملة 'بكري' الانتخابية ، والمرحوم الحاج 'عامر مطاوع' رفض تهديدات عديدة بالاعتقال ورفض التخلي عن 'بكري' ورفع لافتاته علي المقر الذي تبرع به بمنطقة الدواجن بركن حلوان.. وجودة رشاد وإخواته كانوا أول المبادرين بتقديم مبني كامل من طابقين مجانًا لإدارة المعركة الانتخابية.. وبرغم القلة المهزومة وأصحاب الضمائر الخاوية الذين باعوا أنفسهم لشيطان المال والإغراء فقد أبرزت المعركة الانتخابية بطولة وفروسية الغالبية العظيمة من أبناء شعب حلوان.. فلعلها المرة الأولي التي يتبرع فيها أبناء حلوان بأكثر من '٥٢' مقرًا انتخابيًا مجانًا لصالح مرشح.. فها هم يقدمون الدعم والمساندة.. كلهم من أصحاب الأسماء الشريفة والمعروفة في حلوان.
تحولت المعركة في حلوان إلي معركة شعب كامل يريد الحفاظ علي نائبه ومرشحه ويدفع به نحو الفوز.. وبين حكومة تقدم كل أنواع الدعم والمساندة لتمكين وزيرها من الفوز.. وقهر من تراه عدوًا لفساد رموزها.. هكذا راحت تفتح له الأبواب علي مصاريعها وتوفر له كل ما يسعف حملته الانتخابية المتهاوية.. وبدا الناس في حلوان ما بين مصدق ومكذب لدعاوي الحكومة في نزاهة الانتخابات.. وانتظر الناس أن يأتي يوم الانتخابات ليكشف الحقيقة.. فيما بدت الغالبية متشائمة إزاء الإجراءات الحكومية المرتقبة.
وعلي مدي أيام الحملة الانتخابية كانت جماهير حلوان تزحف بالآلاف مناصرة ومؤيدة للنائب والمرشح 'مصطفي بكري'.. وبين سجال هنا وهناك راح الجميع ينتظرون ما ستسفر عنه المعركة.. وما ستحققه من نتائج.. ولم يتوقع أكثر الناس تشاؤمًا أن ينجح مخطط إسقاط 'بكري' في ظل ما يتمتع به من جماهيرية كاسحة.. وحب غير مسبوق في أوساط المواطنين.
قبل موعد الانتخابات بأيام.. مع بدء العد التنازلي كان 'بكري' وأنصاره يتخذون الإجراءات اللازمة ليوم الانتخاب.. وكان الحصول علي التوكيلات اللازمة لمتابعة العملية الانتخابية أمرًا ضروريًا لمراقبة صناديق الانتخاب.. وحين توجه أنصاره إلي قسم شرطة حلوان أكثر من مرة للحصول علي التوكيلات اللازمة.. كان رد مأمور قسم حلوان: 'لم تصلنا التعليمات'.. وإزاء ذلك توجه النائب والمرشح 'مصطفي بكري' إلي مقر اللجنة العليا للانتخابات للشكوي.. غير أن الأمور سارت علي هذا المنوال حتي ظهر اليوم السابق للانتخابات.. حيث وافق مأمور قسم الشرطة علي بدء إجراء تقييد توكيلات المندوبين والوكلاء.. إلا أن المفاجأة أن إجراءات توكيلات المندوبين استمرت بتعقيداتها منذ ظهر السبت حتي السادسة والنصف من صبيحة يوم الانتخابات.. فيما رفضت الجهات المعنية اعتماد أكثر من توكيل واحد من بين مئات التوكيلات التي تم توثيقها في الشهر العقاري، وتوقفت علي ختمها من قسم شرطة حلوان.. وفوق ذلك تم استبعاد نحو '٦' توكيلات لمندوبين عن لجان انتخابية مهمة مما أسهم في تركها خالية من مندوبين.. الأمر الذي منح أنصار الوزير الفرصة لتسويد صناديق تلك اللجان.
ومع ضيق الوقت.. كانت عملية توصيل التوكيلات المعتمدة للمندوبين بالغة الصعوبة والمشقة.. وهو ما أسهم في عدم وصول عشرات التوكيلات للمندوبين في الوقت المحدد.. وهو ما جعل العملية الانتخابية برمتها عرضة للتزييف والتزوير.. وعلي مدي نهار يوم الأحد.. كان المشهد، وبرغم الحياد الأمني يبدو موجهًا لخدمة معركة الوزير الانتخابية عبر استخدام آليات وأساليب مستحدثة وجدت طريقها إلي صناديق الانتخاب لتغرقها بآلاف البطاقات المزورة، والهدف هو إنجاح الوزير بأي طريقة، ومهما كان.. ومنذ الصباح راحت الشكاوي تنهمر كسيل المطر، مؤكدًة حدوث عملية تلاعب ضخمة في سير العملية الانتخابية التي افتقدت النزاهة والشفافية بشكل كبير علي مدي ساعات النهار وحتي إعلان النتائج.
ولأن دائرة حلوان الأولي مترامية الأطراف، ولأن الجهات المعنية لم تمنحنا سوي توكيل واحد لمتابعة ومراقبة المعركة الانتخابية، فلم يكن من خيار أمامنا سوي أن نجوب مناطق الدائرة بأنفسنا.. مارين علي كل اللجان، في محاولة لضبط وقائع ما يجري في اللجان الانتخابية من عمليات تزوير وكانت الصورة خلال الجولة تؤشر لحياد أمني واضح في سير المعركة.. ولكن في المقابل كانت هناك جملة من الألاعيب التي راحت تفرض نفسها داخل اللجان الانتخابية ذاتها.
ففي لجان مدرسة المعصرة الثانوية بنات.. وبينما كنت أتفقد اللجان الانتخابية الثلاث عشرة التي تشتمل عليها المدرسة كانت جملة الأصوات المودعة في كل صندوق انتخابي تتراوح ما بين خمسين وسبعين صوتا.. وحين صعدت إلي الطابق السادس فوجئت بالصندوقين رقمي 46 و47 مكدسين بالبطاقات الانتخابية.. بينما لم يكن هناك أي ناخب أو ناخبين لتبرير هذه الزيادة في نسبة التصويت في هذين الصندوقين علي وجه التحديد.. رحت استخدم حقي القانوني وأتفقد كشوف الناخبين في كلتا اللجنتين.. وكم كانت المفاجأة مذهلة حين وجدت الكشوف الانتخابية فارغة ولا تحمل أي توقيعات للناخبين.. وهو ما يعني أن المدرسين المشرفين علي هذين الصندوقين قد تولوا تزوير هذه الصناديق.. علي الفور أجريت اتصالا بالمرشح 'مصطفي بكري' طالبا منه الشكوي لرئيس لجنة الانتخابات بدائرة حلوان الأولي.. وسرعة التصرف لضبط الصندوقين المزورين.. ومما زاد التأكيد علي دور المدرسين المشرفين في ارتكاب وقائع التزوير أنهم وبحسب معلومات مؤكدة تلقوا تعليمات واضحة من 'خالد بهي الدين سالم' نقيب المعلمين بحلوان لتزوير الانتخابات لصالح الوزير.
لقد أسقط في يد المدرسين المزورين.. ولم يجدوا من وسيلة لمداراة الفضيحة والهروب من العقاب المتوقع سوي محاولة تهدئتي وإبلاغي أنهم علي استعداد لتسويد صوتين في الصناديق لصالح الأستاذ 'مصطفي بكري' في مقابل كل صوت تم تسويده لصالح الوزير 'مشعل'.. غير أنني رفضت وأبلغتهم أننا لا نقبل التصويت والأصوات الحرام.. وأننا لن نتواني عن كشف هذه الفضيحة ومن يقفون خلفها.. وحين أدرك هؤلاء المدرسون أنني أضيق حبل الخناق من حولهم لجأوا لضباط الأمن لحمايتهم وإنقاذهم مما قد يتعرضون له.. وماهي إلا لحظات حتي فوجئت بأحد ضباط المباحث يصعد إلي الطابق السادس ويطلب مني الانصراف.. فرفضت.. فجاء لي بضابط برتبة عميد والذي راح يهددني بإخراجي بالقوة.. فصممت علي موقفي وقلت إنني لن أغادر قبل إثبات التزوير حتي ولوأطلقتم علي الرصاص.. وفي تلك الأثناء تلقيت اتصالا هاتفيا من مسئول العميد أبو الدهب مسئول أمن الدولة في حلوان وعد فيه بوقف أعمال اللجان الثلاث عشرة بالمدرسة مقابل نزولي من مقر اللجنة وحتي حضور من سيتولي التحقيق في جرائم التزوير التي قمت بضبطها.. غير أن المفاجأة أن أحمد أبو الدهب كان يخدعني ويقول كلاما غير صحيح، ثم تبين لنا فيما بعد الحقائق الكاملة حول ضلوعه بشكلل مباشر في مخطط إسقاط مصطفي بكري.. فقد احت اللجان الانتخابية تفتح أبوابها مجددا بعد عشر دقائق من توقفها وهو مادعاني للعودة مجددا إلي مقر اللجنتين الانتخابيتين.. حيث فوجئت بمحاولات تجري من قبل المدرسين المشرفين علي اللجان الانتخابية لملء كشوف الانتخابات بالتوقيعات المزورة لمداراة فضيحة التزوير.. ولم تمض لحظات حتي وصل المرشح 'مصطفي بكري' الذي أعلن الاعتصام احتجاجا علي التزوير وحتي وصول أحد أعضاء اللجنة القضائية للتحقيق في الأمر وإثبات التزوير الذي جري.
كان ماحدث في اللجنتين 46 و47 بمثابة عنوان علي ما حدث في العديد من اللجان الانتخابية الأخري.. وقد تكشف ذلك بوضوح خلال أعمال لجنة الفرز التي بدأت بعد إغلاق باب الترشيح في تمام الساعة السابعة من مساء الأحد.
عراقيل عدة وضعوها أمامي حتي لا أصل إلي مقر لجنة الفرز فور بدء وصول الصناديق.. حين وصلت إلي مقر اللجنة أبلغني الضابط المختص أن التعليمات لم تصل إليه بإدخال أي شخص.. أيا كان إلي مقر لجنة الفرز.. أظهرت له التوكيل الوحيد الذي أحمله نيابة عن المرشح 'مصطفي بكري' وحذرته من اللعب المتوقع في صناديق الانتخاب في حال غيابي.. إلا أنه أوضح أنه 'عبد المأمور' وحين طلبت منه الاتصال بالجهات الأمنية العليا لإبلاغهم خطورة الموقف راح يبلغني باستمرار الرفض.. وهنا راح مئات الشباب الملتفين من حولي يتجمهرون ويهتفون في مواجهة التزوير الذي بات مؤكدا.. وكان لثورة الشباب أثرها في دفع القيادات الأمنية للسماح لي بالوصول إلي لجنة الفرز بعد مضي نحو ثلاثة أرباع الساعة علي بدء عمليات الفرز.. وكم كان المشهد في داخل لجنة الفرز مثيرا وغريبا.. ففي الوقت الذي رفضت الجهات الأمنية لأحد من أنصارنا مشاركتي في متابعة أعمال لجنة الفرز تركت لقيادات الحزب الوطني ونوابه للشوري حق التجول بين الصناديق الانتخابية..
وفي ظل انتشار نحو المائتين وخمسين لجنة انتخابية وفرز الأصوات في وقت واحد بات من المستحيل متابعة عملية الفرز بالدقة المطلوبة.. خاصة أنني كنت أقف وحيدا في مواجهة العشرات من رجالات الحزب الوطني.. وكان مجمل ما فعلته أنا ومن معي من المرشحين الآخرين أننا تقدمنا بطعون في عدد من الصناديق التي تأكد لنا تزويرها.. ومنها الصناديق '46 و47 و76 و78 و234 و242'.
وشاركني في التوقيع علي مذكرات الطعن والشكاوي المرشحون في الانتخابات 'رمضان عمر وكمال حافظ وعصام هليل ومحمد مصطفي إبراهيم وسعد أبوبطيحة'.. غير أن القاضي لم يستبعد سوي ثلاثة صناديق من جملة الصناديق الستة التي أثبتنا تزويرها بالكامل لصالح الوزير المرشح.
ومنذ الساعة العاشرة من مساء الأحد الماضي وحتي التاسعة من صباح الاثنين كانت عمليات حصد وجمع الأصوات تتواصل.. وطال الأمر أكثر مما يجب.. وحين كرر المرشح العمالي 'سعد أبوبطيحة' دهشته من طول الوقت المستنفذ أمر القاضي بإخراجه من مقر لجنة الفرز.. وعند الساعة التاسعة من صباح الاثنين بدأ رئيس اللجنة القضائية الاستعداد لإعلان النتيجة.
وفي نحو التاسعة والربع بدأ المستشار رئيس اللجنة يعلن النتيجة بحصول وزير الإنتاج الحربي علي '20332' صوتا في مقابل '19865' صوتا لمنافسه 'مصطفي بكري'.. ومؤكدا في الآن ذاته أن جملة من توجهوا لصناديق الاقتراع بلغوا نحو سبعة وثلاثين ألف ناخب وأن جملة الأصوات الصحيحة بلغت نحو خمسة وثلاثين ألفا وسبعمائة وواحد صوت وكم كان الأمر علي هذا النحو بمثابة المفاجأة الصاعقة.. والتي سرعان ما اكتشفناها.. وهو ما دفعني للعودة مجددا إلي مقر لجنة الفرز بعد مغادرتها بدقائق.. حيث فوجئت بالقاضي وقد عاد بدوره مجددا إلي مقر لجنة الفرز بعد ثبوت الخطأ في حصد أصوات الناخبين.
لقد كشفت عملية حصد الأصوات عن الأخطاء الجسيمة التي واكبت العملية الانتخابية.. فقد أعلن القاضي أن جملة الأصوات الصحيحة بلغت '35701' صوت.. بينما جملة أصوات 'سيد مشعل' ومصطفي بكري -حسب ما أعلن هو بنفسه قد بلغت40197 صوتا وهو مايعني أن الفارق بين حاصل الجمع الصحيح للأصوات وماهو معلن قد قارب علي الخمسة آلاف صوت.. فأين ذهبت هذه الأصوات؟.. وكيف تم إهدارها؟. وهي أصوات كفيلة بإنجاح 'بكري' بتفوق لوظهرت إلي الوجود.. بل إن الأدهي والأمر من ذلك أن إعلان فوز الوزير علي هذا النحو جاء مخالفا.. لأن الوزير لم يحصل علي نسبة الخمسين بالمائة من جملة الأصوات التي أعلنت.. وما يؤكد ذلك هو كشف النتيجة ذاته الذي أعلنه المستشار رئيس اللجنة.. فإذا كان الفارق بين أصوات 'بكري' و'مشعل' هو '468' صوتا.. فإن المرشحين الآخرين علي مقعد الفئات بذات الدائرة قد حصلا علي '1418' صوتا.. حيث حصل المرشح 'عصام هليل' علي '919' صوتا فيما حصل المرشح الآخر 'محمد فهمي' علي '499' صوتا.. وبرصد الفارق بين الـ'468' صوتا التي أعلن القاضي تفوق الوزير بها وبين الـ'1418' صوتا التي حصل عليها المرشحان الآخران.. يكون الوزير في حاجة إلي '850' صوتا ليفوز بالجولة الأولي.. وهو ما يعني أن إجراء جولة أخري للإعادة بين 'بكري' ومشعل 'قضية حتمية'.. وتجاهل ذلك من قبل الجهات المعنية يعني المزيد من أدلة البطلان للانتخابات في نطاق الدائرة.
كل الحقائق والمؤشرات تقدم الأدلة القاطعة لإبطال العملية الانتخابية في حلوان.. فما بين الأوراق المحترقة.. والبطاقات المزورة.. والأرقام الخاطئة تتكامل أركان الصورة.. التي تؤكد أن من خططوا ورتبوا الأوضاع في حلوان أرادوا أن يبعثوا برسالة واضحة لجماهير مصر وحلوان.. وهي أنه لا مكان للشرفاء ممن يلاحقون الفساد ورموزه.. وأن عصا التزوير قادرة علي فرض الباطل رغما عن كل الجماهير الحرة والشريفة.. ولك الله يا مصر.. وصبرا شعب حلوان العظيم.