رجع الخبر إلى ابن غانية
ولما وصل علي بن غانية إلى طرابلس ولقي قراقش اتفقا على المظاهرة على الموحدين واستمال ابن غانية كافة بني سليم من العرب وما جاورهم من مجالاتهم ببرقة وخالطوه في ولايتهم واجتمع إليه من كان منحرفاً عن طاعة الموحدين من قبائل هلال مثل: جشم ورياح والأثبج. وخالفتهم زغبة إلى الموحدين فاعتقلوا بطاعتهم سائر أيامهم. ولحق بابن غانية فل قومه من لمتونة ومنونة من أطراف البقاع فانعقد أمره وتجدد بذلك القطر سلطان قومه. وجدد رسوم الملك واتخذ الآلة وافتتح كثيراً من بلاد الجريد وأقام فيها الدعوة العباسية. ثم بعث ولده وكاتبه عبد المؤمن من فرسان الأندلس إلى الخليفة الناصر بن المستضيئ ببغداد مجدداً ما سلف لقومه من المرابطين بالمغرب من البيعة والطاعة وطلب المدد والإعانة فعقد له كما كان لقومه وكتب الكتاب من ديوان الخليفة إلى ملك مصر والشام النائب عن الخليفة بها صلاح الدين يوسف بن أيوب جاء إلى مصر فكتب له صلاح الدين إلى قراقش واتصل أمرهما في إقامة الدعوة العباسية. وظاهره ابن غانية على حصار قابس فافتتحها قراقش من يد سعيد بن أبي الحسن وولى عليها مولاه وجعل فيها ذخائره. ثم اتصل بها إلى أن وصل إلى قفصة خلعوا طاعة ابن غانية فظاهره قراقش عليها فافتتحها عنوة. ثم رحل إلى توزر وقراقش في مظاهرته فافتتحها أيضاً. ولما اتصل بالمنصور ما نزل بإفريقية من أجلاب ابن غانية وقراقش على بلاد الجريد نهض من مراكش سنة ثمان وثمانين لحسم هذا الداء واستنقاذ ما غلبوا عليه. ووصل إلى تونس فأراح بها وسرح في مقدمته السيد أبا يوسف يعقوب بن أبي حفص عمر بن عبد المؤمن ومعه عمر بن أبي زيد من أعيان الموحدين فلقيهم ابن غانية في جموعه بعهده فانهزم الموحدون وقتل ابن أبي زيد وجماعة منهم وأسر علي بن الزبرتير في آخرين وامتلأت أملاك العدو من أسلابهم ومتاعهم. ووصل سرعان الناس إلى تونس وصمد المنصور إليهم فأوقع بهم بظاهر الحامة في شعبان من سنته. وأفلت ابن غانية وقراقش بحومة الوفر وبادر أهل قابس وكانت خالصة لقراقش دون ابن غانية فأتوا طاعتهم وأسلموا من كان عندهم من أصحابه وذويه فاحتملوا إلى مراكش وقصد المنصور إلى توزر فحاصرها فأسلموا إليه من كان فيها من أصحاب ابن غانية. وبادر هلها بالطاعة. ثم رجع إلى قفصة فحاصرها حتى نزلوا على حكمه وقتل من كان بها من الحشود. وقتل إبراهيم بن قراتكين. وأمتن على سائر الأعوان وخلى سبيلهم وأمن أهل البلد في أنفسهم وجعل أملاكهم بأيديهم على حكم المساقاة. ثم غزا العرب واستباح حللهم وأحياءهم حتى استقاموا على طاعته. وفر ذو المراس كثير الخلاف والفتنة منهم إلى المغرب مثل: جشم ورياح والعاصم كما قدمناه. وقفل إلى المغرب سنة أربع وثمانين ورجع ابن غانية وقراقش إلى حالهما من الأجلاب على بلاد الجريد إلى أن هلك علي في بعض حروبها مع أهل نفزاوة سنة أربع وثمانين أصابه سهم غرب كان فيه هلاكه فدفن هنالك وعفى على قبره وحمل شلوه إلى ميورقة فدفن بها. وقام بالأمر أخوه يحيى بن إسحاق بن محمد بن غانية وجرى في مظاهرة قراقش وموالاته ثم نزع قراقش إلى طاعة الموحدين سنة ست وثمانين فهاجر إليهم بتونس وتقبله السيد أبو زيد بن أبي حفص بن عبد المؤمن وأقام معه أياماً. ثم فر ووصل إلى قابس فدخلها مخادعة وقتل جماعة منهم واستبد على أشياخ ذباب والكعوب من بني سليم فقتل سبعين منهم بقصر العروسيين. كان منهم محمود بن طوق أبو المحاميد وحميد بن جارية أبو الجواري. ونهض إلى طرابلس فافتتحها ورجع إلى بلاد الجريد فاستولى على أكثرها ثم فسد ما بينه وبين يحيى بن غانية. وسار إليه يحيى فانتهز قراقش ولحق بالجبال وتوغل فيها ثم فر إلى الصحراء ونزل ودان ولم يزل بها إلى أن حاصره ابن غانية من بعد ذلك بمدة وجمع عليه أهل الثأر من ذباب واقتحمها عليه عنوة وقتله ولحق ابنه بالموحدين. ولم يزل بالحضرة إلى أيام المستنصر. ثم فر إلى ودان وأجلب في الفتنة فبعث إليه ملك كام من قتله لسنة ست وخمسين وخمسمائة. رجع الخبر: واستولى ابن غانية على الجريد واستنزل ياقوت فولى قراقش من طرده كذا ذكره التجاني في رحلته. ولحق ياقوت بطرابلس ونازله ابن غانية بها وطال أمر حصاره. وبالغ ياقوت في المدافعة وبعث يحيى عن أسطول ميورقة فأمده أخوه عبد الله بقطعتين منه فاستولى على طرابلس وأشخص ياقوت إلى ميورقة واعتقل بها إلى أن أخذها الموحدون. وكان من خبر ميورقة أن علي بن غانية لما نهض إلى فتح بجاية ترك أخاه محمداً وعلي بن الزبرتير في معتقلهما. فلما خلا الجو من أولاد غانية وكثير من الحامية داخل ابن الزبرتير في معتقله نفر من أهل الجزيرة وثاروا بدعوة محمد وحاصروا القصيبة إلى أن صالحهم أهلها على إطلاق محمد بن إسحاق فأطلق من معتقله وصار الأمر له فدخل في دعوة الموحدين ووفد مع علي بن الزبرتير على يعقوب المنصور. وخالفهم إلى ميورقة عبد الله بن إسحاق ركب البحر من إفريقية إلى صقلية وأمدوه بأسطول ووصل إلى ميورقة عند وفادة أخيه على المنصور فملكها ولم يزل بها والياً. وبعث إلى أخيه علي بالمدد إلى طرابلس كما ذكرناه وبعثوا إليه ياقوت فاعتقله عنوة أن غلب عليه الموحدون سنة تسع وتسعين فقتل. ومضى ياقوت إلى مراكش وبها مات. رجع الخبر: ولما فرغ ابن غانية من أمر طرابلس ولى عليها تاشفين ابن عمه الغازي وقصد قابس فوجد بها عامل الموحدين ابن عمر تافراكين بعثه إليهم صاحب تونس الشيخ أبو سعيد بن أبي حفص فاستدعاه أهلها لما فر عنهم نائب قراقش أخذ ابن غانية لطرابلس فنازل قابس وضيق عليها حتى سألوه الأمان على أن يخلي سبيل ابن تافراكين فعقد لهم ذلك وأمكنوه من البلد فملكها سنة إحدى وتسعين وأغرمهم ستين ألف دينار وقصد المهدية سنة سبع وتسعين فاستولى عليها وقتل الثائر بها محمد بن عبد الكريم الركراكي. وكان من خبره أنه نشأ بالمهدية وصار من جندها المرتدين وهو كوفي الأصل وكانت له شجاعة معروفة فجمع لنفسه خيلاً ورجالاً وصار يغير على المفسدين من الأعراب بالأطراف فداخلهم هيبة وبعد في ذلك صيته وأمده الناس بالدعاء. وقدم أبو سعيد بن أبي حفص على إفريقية من قبل المنصور لأول ولايته وولى على المهدية أخاه يونس. وطالب محمد بن عبد الكريم بالسهمان في المغانم. وامتنع فأنزل به النكال وعاقبه بالسجن فدبر ابن عبد الكريم الثورة وداخل فيها بطانته وتقبض على أبي علي يونس سنة خمس وتسعين واعتقله إلى أن فداه أخوه أبو سعيد بخمسمائة دينار من الذهب العين واستبد ابن عبد الكريم بالمهدية ودعا لنفسه وتلقب المتوكل على الله. ثم وصل السيد أبو زيد بمن أبي حفص عمر بن عبد المؤمن والياً على إفريقية فنازل ابن عبد الكريم بتونس سنة ست وتسعين واضطرب معسكره بحلق الوادي وبرز إليه جيوش الموحدين فهزمهم وطال حصاره لهم. ثم سألوه الإفراج عنهم فأجاب لذلك وارتحل عنهم إلى حصار يحيى بن غانية بفاس فنازله مدة. ثم ارتحل إلى قفصة وخرج ابن غانية في أتباعه فانهزم ابن عبد الكريم أمامه ولحق بالمهدية وحاصره ابن غانية بها سنة سبع وتسعين وأمده السيد أبو زيد بقطعتين من الغزاة حتى سأل ابن عبد الكريم النزول على حكمه وخرج إليه فقبض عليه ابن غانية وهلك في اعتقاله واستولى على المهدية واستضافها إلى ما كان بيده من طرابلس وقابس وصفاقس والجريد. ثم نهض إلى الجانب الغربي من إفريقية فنازل باجة ونصب عليها المجانيق وافتتحها عنوة وخربها وقتل عاملها عمر بن غالب ولحق شريدها بالأربس وشقبنارية وتركها خاوية على عروشها وبعد مدة تراجع إليها ساكنها بأمن السيد أبي زيد فزحف إليها ابن غانية ثانية ونازلها وزحف إليه السيد أبو الحسن أخو السيد أبي زيد فلقيه بقسطنطينة وانهزم الموحدون واستولى على معسكرهم. ثم نهض إلى بسكرة واستولى عليها وقطع أيدي أهلها وتقبض على حافظها أبي الحسن ابن أبي يعلى وتملك بعدها بلنسية والقيروان وبايعه أهل بونة ورجع إلى المهدية وقد استفحل ملكه فأزمع على حصار تونس وارتحل إليها سنة تسع وتسعين واستعمل على المهدية ابن عمه علي بن الغازي ويعرف بالكافي بن عبد الله بن محمد بن علي بن غانية ونزل بالجبل الأحمر من ظاهر تونس ونزل أخوه بحلق الوادي. ثم ضايقوها بمعسكرهم وردموا خندقها ونصبوا المجانيق والآلات واقتحموها لأربعة أشهر من حصارها في ختام المائة السادسة وقبض على السيد أبي زيد وابنيه ومن كان معه من الموحدين وأخذ أهل تونس بغرم مائة ألف دينار وولى بقبضها منهم كاتبه ابن عصفور وأبا بكر بن عبد العزيز بن السكاك فأرهقوا الناس بالطلب حتى لاذ معظمهم بالموت واستعجل القتل فيما نقل أن إسماعيل بن عبد الرفيع من بيوتاتها ألقى بنفسه في وارتحل إلى نفوسة والسيد أبو زيد معتقل في معسكره ففعل بهم مثل ذلك وأغرمهم ألف ألف مرتين من الدنانير وكثر عيثه وإضراره بالرعية وعظم طغيانه وعتوه. واتصل بالناصر بمراكش ما دهم أهل إفريقية منه ومن ابن عبد الكريم قبله فامتعض لذلك ورحل إليها سنة إحدى وستمائة. وبلغ يحيى بن غانية خبر زحفه إليه فخرج من تونس إلى القيروان ثم إلى قفصة واجتمع إليه العرب وأعطوه الرهن على المظاهرة والدفاع. ونازل طرة من حصون مغراوة فاستباحها وانتقل إلى حامة مطماطة. ونزل الناصر تونس ثم قفصة ثم قابس وتحصن منه ابن غانية في جبل عمر فرجع عنه إلى المهدية وعسكر عليها واتخذ الآلة لحصارها. وسرح الشيخ أبا محمد عبد الواحد بن أبي حفص لقتال ابن غانية في أربعة آلاف من الموحدين سنة اثنتين وستمائة فلقيه بجبل تاجرا من نواحي قابس وأوقع به وقتل أخاه جبارة بن إسحاق واستنقذ السيد أبا زيد من معتقله ثم افتتح الناصر المهدية ودخل إليها علي بن الغازي في دعوته فتقبله ورفع مكانه ووصله بهدية وافق وصولها من سبتة إليه على يد واصل مولاه وكان بها ثوبان منسوجان بالجواهر فوصله بذلك كله ولم يزل معه إلى أن استشهد مجاهداً. وولى الناصر على المهدية محمد بن يغمور من الموحدين ورجع إلى تونس. ثم نظر فيمن يوليه أمر إفريقية لسد فرجها والذب عنها ومدافعة ابن غانية وجموعه دونها. فوقع اختياره على الشيخ أبي محمد بن أبي حفص فعقد له على ذلك سنة ثلاث كما ذكرناه في أخباره. ورجع الناصر إلى المغرب وأجمع ابن غانية النهوض لقتال الموحدين بتونس وجمع ذؤبان العرب من الدواودة وغيرهم. وأوفد الدواودة يومئذ محمد بن مسعود بن سلطان وتحيز بنو عوف بن سليم إلى الموحدين والتقوا بشبرو من نواحي تبسة فانهزمت جموع ابن غانية ولجأ إلى جهة طرابلس. ثم نهض إلى المغرب في جموعه من العرب والملثمين فانتهى إلى سجلماسة وامتلأت أيدي أتباعه من النهاب وخرقوا الأرض بالعبث والفساد وانكفأ إلى المغرب الأوسط وداخله المفسدون من زناتة وأغزوا به صاحب تلمسان السيد أبا عمران موسى بن يوسف بن عبد المؤمن فلقيه بتاهرت فهزمه ابن غانية وقتله وأسر وافده وكر راجعاً إلى إفريقية فاعترضه الشيخ أبو محمد صاحب إفريقية في جموع الموحدين واستنقذ الغنائم من أيديهم. ولجأ ابن غانية إلى جبال طرابلس وهاجر أخوه سير بن إسحاق إلى مراكش فقبله الناصر وأكرمه. ثم اجتمع إلى ابن غانية طوائف العرب من رياح وعوف وهيث ومن معهم من قبائل البربر وعزم على دخول إفريقية. ونهض إليهم الشيخ أبو محمد سنة ست ولقيهم بجبل نفوسة ففل عسكرهم واستلحم أمرهم وغنم ما كان معهم من الظهر والكراع والأسلحة. وقتل يومئذ محمد بن الغازي وجوار بن يفرن وقتل معه ابن عمه من كتاب ابن أبي الشيخ ابن عساكر بن سلطان وهلك يومئذ من حكى ابن نخيل: أن مغانم الموحدين يومئذ من عساكر الملثمين كانت ثمانية عشر ألفاً من الظهر فكان ذلك مما أوهن من شدته ووطى من بأسه. وثارت قبائل نفوسة بكاتبه ابن عصفور فقتلوا ولديه وكان ابن غانية يبعثه عليهم للمغرم. وسار أبو محمد في نواحي إفريقية ودفع سلبهم واستثأر أشياخهم بأهلهم وأسكنهم بتونس حسماً لفسادهم. وصلحت أحوال إفريقية إلى أن هلك الشيخ أبو محمد سنة ثمان عشرة وولى أبو محمد السيد أبو العلا إدريس بن يونس بن عبد المؤمن. ويقال بل وليها قبيل مهلك الشيخ أبي محمد فاستطار بعد مهلكه ثور بن غانية ونجم نفاقه وعيثه فعابه رعيته ونهض إليه السيد أبو العلا ونزل قابس وأقام بقصر العروسيين وسرح ولده السيد أبا زيد بعسكر من الموحدين إلى درج وغدامس وسرح عسكراً آخر إلى ودان لحصار ابن غانية فأرجف بهم العرب ونهضوا وهم بهم السيد أبو العلا. وفر ابن غانية إلى الزاب واتبعه السيد أبو زيد فنازل بسكرة واقتحمها عليه. ونجا ابن غانية وجمع أوباشاً من العرب والبربر وأتبعه السيد أبو زيد في الموحدين وقبائل هوارة وتزاحفوا بظاهر تونس سنة إحدى وعشرين فانهزم ابن غانية وجموعه وقتل كثير من الملثمين وامتلأت أيدي الموحدين من الغنائم. وكان لهوارة يومئذ وأميرهم حناش بن بعرة بن ونيفن. في هذا الزحف أثر مذكور وبلاء حسن. وبلغ السيد أبا زيد إثر هذه الوقيعة خبر مهلك أبيه بتونس فانكف راجعاً وأعيد بنو حفص إلى مكان أبيهم الشيخ أبي محمد بن أثال بإفريقية. واستقل الأمير أبو زكريا منهم بأمرها واقتلعها عن ملكه إلى عبد المؤمن وتناولها من يد أخيه أبي محمد عبد الله. وهذا الأمير أبو زكريا هو جد الخلفاء الحفصيين وماهد أمرهم بإفريقية فأحسن دفاع ابن غانية عنها وشرعه في أقطارها. ورفع يده شيئاً فشيئاً عن النيل من أهلها ورعاياها. ولم يزل شريداً مع العرب بالقفار فبلغ سجلماسة من أقصى المغرب والعقبة الكبرى من تخوم الديار المصرية. واستولى على ابن مذكور صاحب السويقة من تخوم برقة وأوقع بمغراوة بواجر ما بين متيجة ومليانة وقتل أميرهم منديل بن عبد الرحمن وصلب شلوه بسور الجزائر. وكان يستخدم الجند فإذا سئموا الخدمة تركهم لسبيلهم إلى أن هلك لخمسين سنة من إمارته سنة إحدى وثلاثين وقيل ثلاث وثلاثين ودفن وعفى أثر مدفنه. يقال بوادي الرجوان قبلة الأربس ويقال بجهة مليانة من وادي شلف ويقال بصحراء باديس ومديد من بلاد الزاب. وانقرض أمر الملثمين من مسوقة ولمتونة ومن جميع بلاد إفريقية والمغرب والأندلس بمهلكه. وذهب ملك صنهاجة من الأرض بذهاب ملكه وانقطاع أمره. وقد خلف بنات بعثهن زعموا إلى الأمير أبي زكريا لعهده بذلك إلى علجه جابر فوضعن في يده. وبلغه وفاة أبيهن وحسن ظنه في كفالته إياهن فأحسن الأمير أبو زكريا كفالتهن وبنى لهن بحضرته داراً لصونهن معروفة لهذا العهد بقصر البنات. وأقمن تحت حراسته وفي سعة من رزقه موصولات لوصاة أبيهن بذلك منهن وحفظهن لوصاته. ولقد يقال إن ابن عم لهن خطب إحداهن فبعث إليها الأمير أبو زكريا فقال لها: هذا ابن عمك وأحق بك فقالت لو كان ابن عمنا ما كفلنا الأجانب: إلى أن هلكن عوانس بعد أن متعن من العمر بحظ. أخبرني والدي رحمه الله: أنه أدرك واحدة منهن أيام حياته في سني العشر والسبعمائة تناهز التسعين من السنين. قال: ولقيتها وكانت من أشرف النساء نفساً وأسراهن خلقاً وأزكاهن خلالا والله وارث الأرض ومن عليها. ومضى هؤلاء الملثمون وقبائلهم لهذا العهد بمجالاتهم من جوار السودان حجزاً بينهم وبين الرمال التي هي تخوم بلاد البربر من المغربين وإفريقية وهم لهذا العهد متصلون من ساحل البحر المحيط في المغرب إلى ساحل النيل بالمشرق. وهلك من قام بالملك منهم بالعدوتين وهم قليل من مسوقة ولمتونة كما ذكرناه أكلتهم الدولة وابتلعتهم الآفاق والأقطار وأفناهم الرق واستلحمهم أمراء الموحدين. وبقي من أقام بالصحراء منهم على حالهم الأول من افتراق الكلمة واختلاف البين واتصل بنيانهم على بلاد السودان إلى المشرق مناظر السلع العرب على بلاد المغربين وإفريقية. فكدالة منهم في مقابلة ذوي حسان من المعقل عرب السوس الأقصى ولمتونة وتريكة في مقابلة ذوي منصور وذوي عبد الله من المعقل أيضاً عرب المغرب الأقصى ومسوقة في مقابلة زغبة عرب المغرب الأوسط ولمطة في مقابلة رياح عرب الزاب وبجاية وقسطنطينة وتاركاً في مقابلة سليم عرب إفريقية وأكثر ما عندهم من المواشي الإبل لمعاشهم وحمل أثقالهم وركوبهم والخيل قليلة لديهم أو معدومة. ويركبون من الإبل الفارهة ويسمونها النجيب ويقاتلون عليها إذا كانت بينهم حرب وسيرها هملجة وتكاد تلحق بالركض وربما يغزوهم أهل القفر من العرب وخصوصاً بنو سعيد من بادية رياح فهم أكثر العرب غزواً إلى بلادهم فيستبيحون من صحبوه منهم يرمونه في بطون مغاير. فإذا اتصل الصائح بأحيائهم وركبوا في أتباعهم اعترضوهم على المياه قبل وصولهم من تلك البلاد فلا يكادون يخلصون ويشتد الحرب بينهم فلا يخلص العرب من غوائلهم إلا بعد جهد وقد يهلك بعضهم ولله الخلق والأمر. وإذ عرض لنا ملوك السودان فلنذكر ملوكهم لهذا العهد المجاورين لملوك المغرب.
ملوك السودان
الخبر عن ملوك السودان المجاورين للمغرب من وراء هؤلاء الملثمين ووصف أحوالهم والإلمام بما اتصل بنا من دولتهم هذه الأمم السودان من الآدميين هم أهل الإقليم الثاني وما وراءه إلى آخر الأول بل وإلى آخر المعمورة متصلون ما بين المغرب والمشرق يجاورون بلاد البربر بالمغرب وإفريقية وبلاد اليمن والحجاز في الوسط والبصرة وما وراءها من بلاد الهند بالمشرق وهم أصناف وشعوب وقبائل أشهرهم بالمشرق الزنج والحبشة والنوبة وأما أهل المغرب منهم فنحن ذاكروهم بعد وأما نسبهم فإلى حام بن نوح بالحبش من ولد حبش بن كوش بن حام والنوبة من ولد نوبة بن كوش بن كنعان بن حام فيما قاله المسعودي وقال ابن عبد البر إنهم من ولد نوب بن قوط بن مصر بن حام والزنج من ولد زنجي بن كوش وأما سائر السودان فمن ولد قوط بن حام فيما قاله ابن عبد البر ويقال هو قبط بن حام. وعد ابن سعيد من قبائلهم وأممهم تسع عشرة أمة منهم في المشرق الزنج على بحر الهند لهم مدينة فنقية وهم مجوس وهم الذين غلب رقيقهم بالبصرة على ساداتهم مع دعي الزنج في خلافة المعتمد. قال: ويليهم مدينة بربرا وهم الذين ذكرهم امرؤ القيس في شعره. والإسلام لها العهد فاش فيهم ولهم مدينة مقدشوا على البحر الهندي يعمرها تجار المسلمين ومن غربيهم وجنوبهم الدمادم وهم حفاة عراة. قال: وخرجوا إلى بلاد الحبشة والنوبة عند خروج الططر إلى العراق فعاثوا فيها ثم رجعوا. قال: ويليهم الحبشة وهم أعظم أمم السودان وهم مجاورون لليمن على شاطئ البحر الغربي ومنه غزوا ملك اليمن ذي نواس وكانت دار مملكتهم كعبر وكانوا على دين النصرانية وأخذ بالإسلام واحد منهم زمن الهجرة على ما ثبت في الصحيح والذي أسلم منهم لعهد النبب صلى الله عليه وسلم. وهاجر إليه الصحابة قبل الهجرة إلى المدينة فآواهم ومنعهم وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم عندما نعي إليه كان اسمه النجاشي وهو بلسانهم: انكاش بالكاف المشمة بالجيم عربتها العرب جيماً محضة وألحقتها ياء النسب شأنها في الأسماء الأعجمية إذا تصرفت فيها وليس هذا الاسم سمة لكل من تمتك منهم كما يزعم كثير من الناس ممن لا علم له بهذا ولو كان كذلك لشهروا اسمه إلى اليوم لآن ملكهم لم يتحول منهم. وملكهم لهذا العهد اسمه الخطى ما أدري اسم السلطان نفسه أو اسم العشيرة الذين فيهم الملك وفي غربيه مدينة داموت وكان بها ملك من أعاظمهم وله ملك ضخم وفي شماليه ملك آخر منهم اسمه حق الدين محمد بن علي بن ولصمع في مدينة أسلم أولوه في تواريخ مجهولة. وكان جده ولصمع مطيعاً لملك دامون وأدركت الخطى الغيرة من ذلك فغزاه واستولى على بلاده. ثم اتصلت الفتنة وضعف أمر الخطى فاسترجع بنو ولصمع بلادهم من الخطى وبنيه واستولوا على وفات وخربوها. وبلغنا أن حق الدين هلك وملك بعده أخوه سعد الدين وهم مسلمون ويعطون الطاعة للخطى أحياناً وينابذونه أخرى والله مالك الملك. قال ابن سعيد: ويليهم البجاوة وهم نصارى ومسلمون ولهم جزيرة بسواكن في بحر السوس ويليهم النوبة أخوة الزنج والحبشة ولهم مدينة دنقلة غرب النيل وأكثرهم مجاورون للديار المصرية ومنهم رقيق. ويليهم زغاوة وهم مسلمون ومن شعوبهم تاجرة ويليهم الكانم وهم خلق عظيم والإسلام غالب عليهم ومدينتهم حميمي ولهم التغلب على بلاد الصحراء إلى فزان. وكانت لهم مهادنة مع الدولة الحفصية منذ أولها ويليهم من غربهم كوكو وبعدهم نغالة والتكرور ولمى وتمنم وجالي وكوري وأفكرار بتضلون بالبحر المحيط إلى غانية في الغرب كلام ابن سعيد. ولما فتحت إفريقية المغرب دخل التجار بلاد المغرب فلم يجدوا فيهم أعظم من ملوك غانية كانوا مجاورين للبحر المحيط من جانب الغرب وكانوا أعظم أمة ولهم أضخم ملك وحاضرة ملكهم غانية مدينتان على حافتي النيل من أعظم مدائن العالم وأكثرها معتمراً ذكرها مؤلف كتاب رجار وصاحب المسالك والممالك. وكانت تجاورهم من جانب الشرق أمة أخرى فيما زعم الناقلون تعرف صرصو بصادين مضمومتين أو سينين مهملتين ثم بعدها أمة أخرى تعرف مالي ثم بعدها أمة أخرى تعرف كوكو ويقال كاغو ثم بعدها أمة أخرى تعرف بالتكرور. وأخبرني الشيخ عثمان فقيه أهل غانية وكبيرهم علماً وديناً وشهرة قدم مصر سنة تسع وتسعين حاجاً بأهله وولده ولقيته بها فقال إنهم يسمون التكرور زغاي ومالي أنكاريه. ثم إن أهل غانية ضعف ملكهم وتلاشى أمرهم واستفحل أمر الملثمين المجاورين لهم من جانب الشمال مما يلي البربر كما ذكرناه وعبروا على السودان واستباحوا حماهم وبلادهم واقتضوا منهم الأتاوات والجزى وحملوا كثيراً منهم على الإسلام فدانوا به. ثم اضمحل ملك أصحاب غانة وتغلب عليهم أهل صوصو المجاورون لهم من أمم السودان واستعبدوهم وأصاروهم في جملتهم. ثم إن أهل مالي كثروا أمم السودان في نواحيهم تلك واستطالوا على الأمم المجاورين لهم فغلبوا على صوصو وملكوا جميع ما بأيديهم من ملكهم القديم وملك أهل غانة إلى البحر المحيط من ناحية الغرب وكانوا مسلمين يذكرون أن أول من أسلم منهم ملك اسمه برمندانة هكذا ضبطه الشيخ عثمان. وحج هذا الملك واقتفى سننه في الحج ملوكهم من بعده. وكان ملكهم الأعظم الذي تغلب على صوصو وافتتح بلادهم وانتزع الملك من أيديهم اسمه ماري جاطة ومعنى ماري عندهم الأمير الذي يكون من نسل السلطان وجاطة الأسد واسم الحافد عندهم تكن ولم يتصل بنا نسب هذا الملك. وملك عليهم خمساً وعشرين سنة فيما ذكروه. ولما هلك ولي عليهم من بعده ابنه منساولي ومعنى منسا السلطان ومعنى ولي بلسانهم علي وكان منسا ولي هذا من أعاظم ملوكهم. وحج أيام الظاهر بيبرس وولي عليهم من بعده أخوه واتى. ثم بعده أخوهم خليفة وكان محدقاً رامياً فكان يرسل السهام على الناس فيقتلهم مخاناً فوثبوا عليه فقتلوه. وولي عليهم من بعده سبط من أسباط ماري جاطة يسمى بأبي بكر وكان ابن بنته فملكوه على سنن الأعاجم في تمليك الأخت وابن الأخت. ولم يقع إلينا نسبه ونسب أبيه. ثم ولي عليهم من بعده مولى من مواليهم تغلب على ملكهم اسمه ساكورة. وقال الشيخ عثمان ضبطه بلسانهم أهل غانة سبكرة وحج أيام الملك الناصر وقتل عند مرجعه بتاجورا وكانت دولته ضخمة اتسع فيها نطاق ملكهم وتغلبوا على الأمم المجاورة لهم. وافتتح بلاد كوكو وأصارها في ملكة أهل مالي. واتصل ملكهم من البحر المحيط وغانة بالمغرب إلى بلاد التكرور في المشرق واعتز سلطانهم وهابتهم أمم السودان وارتحل إلى بلادهم التجار من بلاد المغرب وإفريقية. وقال الحاج يونس ترجمان التكرور إن الذي فتح كوكو هو سغمنجة من قواد منسا موسى وولي من بعده ساكورة هذا هو ابن السلطان ماري جاطة ثم من بعده ابنه محمد بن قو ثم انتقل ملكهم من ولد السلطان ماري جاطة إلى ولد أخيه أبي بكر فولي عليهم منسا موسى بن أبي بكر وكان رجلاً صالحاً وملكاً عظيماً له في العدل أخبار تؤثر عنه. وحج سنة أربع وعشرين وسبعمائة لقيه في الموسم شاعر الأندلس أبو إسحاق إبراهيم الساحلي المعروف بالطويجن وصحبه إلى بلاده. وكان له اختصاص وعناية ورثها من بعده ولده إلى الآن وأوطنوا والاتر من تخوم بلادهم من ناحية المغرب ولقيه في صرفه صاحبنا المعمر أبو عبد الله بن خديجة الكومي من ولد عبد المؤمن كان داعية بالزاب للفاطمي المنتظر وأجلب عليهم بعصائب من العرب فكر به واركلا واعتقله ثم خلى سبيله بعد حين فخاض القفر إلى السلطان منسا موسى مستجيشاً به عليهم وقد كان بلغه توجهه للحج فأقام في انتظاره ببلد غدامس يرجو نصراً على عدوه ومعونة على أمره لما كان عليه منسا موسى من استفحال ملكه بالصحراء الموالية لبلد واركلا وقوة سلطانه فلقي منه مبرة وترحباً ووعده بالمظاهرة والقيام بثأره واستصحبه إلى بلدة أخوى وهو الثقة. قال كنا نواكبه أنا وأبو إسحاق الطويجن دون وزرائه ووجوه قومه نأخذ بأطراف الأحاديث حيث يتسع المقام وكان يتحفنا في كل منزل بطرف المآكل والحلاوات قال: والذي تحمل آلته قال الحاج يونس ترجمان هذه الأمة بمصر: جاء هذا الملك منسا موسى من بلده بثمانين حملاً من التبر كل حمل ثلاثة قناطير. قال: وإنما يحملون على الوصائف والرجال في أوطانهم فقط وأما السفر البعيد كالحج فعلى المطايا. قال أبو خديجة: ورجعنا معه إلى حضرة ملكه فأراد أن يتخذ بيتاً في قاعدة سلطانه محكم البناء مجللا بالكلس لغرابته بأرضهم فأطرفه أبو إسحاق الطويجن ببناء قبة مربعة الشكل استفرغ فيها إجادته. وكان صناع اليدين وأضفى عليها من الكلس ووالى عليها بالأصباغ المشبعة فجاء من أتقن المباني ووقعت من السلطان موقع الاستغراب لفقدان صنعة البناء بأرضهم ووصله باثني عشر ألفاً من مثاقيل التبر مبثوثة عليها. إلى ما كان له من الأثرة والميل إليه والصلات السنية. وكان بين هذا السلطان منسا موسى وبين ملك المغرب لعهده من بني مرين السلطان أبي الحسن مواصلة ومهاداة سفرت بينهما فيها الأعلام من رجال الدولتين واستجاد صاحب المغرب من متاع وطنه وتحف ممالكه مما تحدث عنه الناس على ما نذكره عند موضعه بعث بها مع علي بن غانم المغفل وأعيان من رجال دولته. وتوارثت تلك الوصلة أعقابهما كما سيأتي واتصلت أيام منسا موسى هذا خمساً وعشرين سنة. ولما هلك ولي أمر مالي من بعده ابنه منسا مغا ومعنى مغا عندهم محمد وهلك لأربع سنين من ولايته وولي أمرهم من بعده منسا سليمان بن أبي بكر وهو أخو موسى واتصلت أيامه أربعاً وعشرين سنة. ثم هلك فولي بعده ابنه منسا بن سليمان وهلك لتسعة من ولايته فولي عليهم من بعده ماري جاطة بن منسا مغا بن منسا موسى واتصلت أيامه أربعة عشر عاماً وكان أشر وال عليهم بما سامهم من النكال والعسف وإفساد الحرم. وأتحف ملك المغرب لعهده السلطان أبا سالم ابن السلطان أبي الحسن بالهدية المذكورة سنة اثنتين وستين وكان فيها الحيوان العظيم الهيكل المستغرب بأرض المغرب المعروف بالزرافة. تحدث الناس بما اجتمع فيه من متفرق الحلى والشبه في جثمانه ونعوته دهراً. وأخبرني القاضي الثقة أبو عبد الله محمد بن وانسول من أهل سجلماسة. وكان أوطن بأرض كوكو من بلادهم واستعملوه في خطة القضاء بما لقيه منذ سنة ست وسبعين وسبعمائة فأخبرني عن ملوكهم بالكثير مما كتبته وذكر لي عن هذا السلطان جاطة أنه أفسد ملكهم وأتلف ذخيرتهم وكان أن ينتقض شأن سلطانهم. قال: ولقد انتهى الحال به في سرفه وتبذيره أن باع حجر الذهب الذي كان في جملة الذخيرة عن أبيهم وهو حجر يزن عشرين قنطاراً منقولاً من المعدن من غير علاج بالصناعة ولا تصفية بالنار كانوا يرونه من أنفس الذخائر والغرائب لندور مثله في المعدن فعرضه جاطة هذا الملك المسرف على تجار مصر المترددين إلى بلده وابتاعوه قال: وأصابته علة النوم وهو مرض كثيراً ما يطرق أهل ذلك الإقليم وخصوصاً الرؤساء منهم يعتاده غشي النوم عامة أزمانه حتى يكاد أن لا يفيق ولا يستيقظ إلا في القليل من أوقاته ويضر صاحبه ويتصل سقمه إلى أن يهلك. قال: ودامت هذه العلة بخلطه مدة عامين اثنين وهلك سنة خمس وسبعين. وولوا من بعده ابنه موسى فأقبل على مذاهب العدل والنظر لهم ونكب عن طرق أبيه جملة وهو الآن مرجو الهداية ويغلب على دولته وزيره ماري جاطة ومعنى ماري عندهم الوزير وجاطة تقدم وهو الآن قد حجر السلطان واستبد بالأمر عليه ونظر في تجهيز العساكر وتجهيز الكتائب ودوخ أقطار الشرق من بلادهم وتجاوز تخوم كوكو وجهز إلى منازلة تكرت بما وراءها من بلاد الملثمين كتائب نازلتها لأول الدولة وأخذت بمخنقها. ثم أفرجت عنها وحاطهم الآن هدنة. وتكرت هذه على سبعين مرحلة من بلد واركلا في الجانب القبلي الغربي وفيها من الملثمين يعرف بالسلطان وعليهم طريق الحاج من السودان وبينه وبين أمير الزاب وواركلا مهاداة ومراسلة. قال: وحاضرة الملك لأهل مالي هو بلد بني. . . بلد متسع الخطة معين على الزرع مستبحر العمارة نافق الأسواق وهو الآن محط لركاب البحر من المغرب وإفريقية ومصر والبضائع مجلوبة إليها من كل قطر. ثم بلغنا لهذا العهد أن منسا موسى توفي سنة تسع وثمانين وولي بعده أخوه منسا مغا. ثم قتل لسنة أو نحوها وولي بعده صندكي زوج أم موسى صندكي الوزير. ووثب عليه بعد أشهر رجل من بيت ماري جاطة. ثم خرج من بلاد الكفرة وراءهم وجاءهم رجل اسمه محمود ينسب إلى منساقو بن منسا ولي ابن ماري جاطة الأكبر فتغلب على الدولة وملك أمرهم سنة اثنتين وتسعين ولقبه منسا مغا والخلق والأمر لله وحده.
ولما وصل علي بن غانية إلى طرابلس ولقي قراقش اتفقا على المظاهرة على الموحدين واستمال ابن غانية كافة بني سليم من العرب وما جاورهم من مجالاتهم ببرقة وخالطوه في ولايتهم واجتمع إليه من كان منحرفاً عن طاعة الموحدين من قبائل هلال مثل: جشم ورياح والأثبج. وخالفتهم زغبة إلى الموحدين فاعتقلوا بطاعتهم سائر أيامهم. ولحق بابن غانية فل قومه من لمتونة ومنونة من أطراف البقاع فانعقد أمره وتجدد بذلك القطر سلطان قومه. وجدد رسوم الملك واتخذ الآلة وافتتح كثيراً من بلاد الجريد وأقام فيها الدعوة العباسية. ثم بعث ولده وكاتبه عبد المؤمن من فرسان الأندلس إلى الخليفة الناصر بن المستضيئ ببغداد مجدداً ما سلف لقومه من المرابطين بالمغرب من البيعة والطاعة وطلب المدد والإعانة فعقد له كما كان لقومه وكتب الكتاب من ديوان الخليفة إلى ملك مصر والشام النائب عن الخليفة بها صلاح الدين يوسف بن أيوب جاء إلى مصر فكتب له صلاح الدين إلى قراقش واتصل أمرهما في إقامة الدعوة العباسية. وظاهره ابن غانية على حصار قابس فافتتحها قراقش من يد سعيد بن أبي الحسن وولى عليها مولاه وجعل فيها ذخائره. ثم اتصل بها إلى أن وصل إلى قفصة خلعوا طاعة ابن غانية فظاهره قراقش عليها فافتتحها عنوة. ثم رحل إلى توزر وقراقش في مظاهرته فافتتحها أيضاً. ولما اتصل بالمنصور ما نزل بإفريقية من أجلاب ابن غانية وقراقش على بلاد الجريد نهض من مراكش سنة ثمان وثمانين لحسم هذا الداء واستنقاذ ما غلبوا عليه. ووصل إلى تونس فأراح بها وسرح في مقدمته السيد أبا يوسف يعقوب بن أبي حفص عمر بن عبد المؤمن ومعه عمر بن أبي زيد من أعيان الموحدين فلقيهم ابن غانية في جموعه بعهده فانهزم الموحدون وقتل ابن أبي زيد وجماعة منهم وأسر علي بن الزبرتير في آخرين وامتلأت أملاك العدو من أسلابهم ومتاعهم. ووصل سرعان الناس إلى تونس وصمد المنصور إليهم فأوقع بهم بظاهر الحامة في شعبان من سنته. وأفلت ابن غانية وقراقش بحومة الوفر وبادر أهل قابس وكانت خالصة لقراقش دون ابن غانية فأتوا طاعتهم وأسلموا من كان عندهم من أصحابه وذويه فاحتملوا إلى مراكش وقصد المنصور إلى توزر فحاصرها فأسلموا إليه من كان فيها من أصحاب ابن غانية. وبادر هلها بالطاعة. ثم رجع إلى قفصة فحاصرها حتى نزلوا على حكمه وقتل من كان بها من الحشود. وقتل إبراهيم بن قراتكين. وأمتن على سائر الأعوان وخلى سبيلهم وأمن أهل البلد في أنفسهم وجعل أملاكهم بأيديهم على حكم المساقاة. ثم غزا العرب واستباح حللهم وأحياءهم حتى استقاموا على طاعته. وفر ذو المراس كثير الخلاف والفتنة منهم إلى المغرب مثل: جشم ورياح والعاصم كما قدمناه. وقفل إلى المغرب سنة أربع وثمانين ورجع ابن غانية وقراقش إلى حالهما من الأجلاب على بلاد الجريد إلى أن هلك علي في بعض حروبها مع أهل نفزاوة سنة أربع وثمانين أصابه سهم غرب كان فيه هلاكه فدفن هنالك وعفى على قبره وحمل شلوه إلى ميورقة فدفن بها. وقام بالأمر أخوه يحيى بن إسحاق بن محمد بن غانية وجرى في مظاهرة قراقش وموالاته ثم نزع قراقش إلى طاعة الموحدين سنة ست وثمانين فهاجر إليهم بتونس وتقبله السيد أبو زيد بن أبي حفص بن عبد المؤمن وأقام معه أياماً. ثم فر ووصل إلى قابس فدخلها مخادعة وقتل جماعة منهم واستبد على أشياخ ذباب والكعوب من بني سليم فقتل سبعين منهم بقصر العروسيين. كان منهم محمود بن طوق أبو المحاميد وحميد بن جارية أبو الجواري. ونهض إلى طرابلس فافتتحها ورجع إلى بلاد الجريد فاستولى على أكثرها ثم فسد ما بينه وبين يحيى بن غانية. وسار إليه يحيى فانتهز قراقش ولحق بالجبال وتوغل فيها ثم فر إلى الصحراء ونزل ودان ولم يزل بها إلى أن حاصره ابن غانية من بعد ذلك بمدة وجمع عليه أهل الثأر من ذباب واقتحمها عليه عنوة وقتله ولحق ابنه بالموحدين. ولم يزل بالحضرة إلى أيام المستنصر. ثم فر إلى ودان وأجلب في الفتنة فبعث إليه ملك كام من قتله لسنة ست وخمسين وخمسمائة. رجع الخبر: واستولى ابن غانية على الجريد واستنزل ياقوت فولى قراقش من طرده كذا ذكره التجاني في رحلته. ولحق ياقوت بطرابلس ونازله ابن غانية بها وطال أمر حصاره. وبالغ ياقوت في المدافعة وبعث يحيى عن أسطول ميورقة فأمده أخوه عبد الله بقطعتين منه فاستولى على طرابلس وأشخص ياقوت إلى ميورقة واعتقل بها إلى أن أخذها الموحدون. وكان من خبر ميورقة أن علي بن غانية لما نهض إلى فتح بجاية ترك أخاه محمداً وعلي بن الزبرتير في معتقلهما. فلما خلا الجو من أولاد غانية وكثير من الحامية داخل ابن الزبرتير في معتقله نفر من أهل الجزيرة وثاروا بدعوة محمد وحاصروا القصيبة إلى أن صالحهم أهلها على إطلاق محمد بن إسحاق فأطلق من معتقله وصار الأمر له فدخل في دعوة الموحدين ووفد مع علي بن الزبرتير على يعقوب المنصور. وخالفهم إلى ميورقة عبد الله بن إسحاق ركب البحر من إفريقية إلى صقلية وأمدوه بأسطول ووصل إلى ميورقة عند وفادة أخيه على المنصور فملكها ولم يزل بها والياً. وبعث إلى أخيه علي بالمدد إلى طرابلس كما ذكرناه وبعثوا إليه ياقوت فاعتقله عنوة أن غلب عليه الموحدون سنة تسع وتسعين فقتل. ومضى ياقوت إلى مراكش وبها مات. رجع الخبر: ولما فرغ ابن غانية من أمر طرابلس ولى عليها تاشفين ابن عمه الغازي وقصد قابس فوجد بها عامل الموحدين ابن عمر تافراكين بعثه إليهم صاحب تونس الشيخ أبو سعيد بن أبي حفص فاستدعاه أهلها لما فر عنهم نائب قراقش أخذ ابن غانية لطرابلس فنازل قابس وضيق عليها حتى سألوه الأمان على أن يخلي سبيل ابن تافراكين فعقد لهم ذلك وأمكنوه من البلد فملكها سنة إحدى وتسعين وأغرمهم ستين ألف دينار وقصد المهدية سنة سبع وتسعين فاستولى عليها وقتل الثائر بها محمد بن عبد الكريم الركراكي. وكان من خبره أنه نشأ بالمهدية وصار من جندها المرتدين وهو كوفي الأصل وكانت له شجاعة معروفة فجمع لنفسه خيلاً ورجالاً وصار يغير على المفسدين من الأعراب بالأطراف فداخلهم هيبة وبعد في ذلك صيته وأمده الناس بالدعاء. وقدم أبو سعيد بن أبي حفص على إفريقية من قبل المنصور لأول ولايته وولى على المهدية أخاه يونس. وطالب محمد بن عبد الكريم بالسهمان في المغانم. وامتنع فأنزل به النكال وعاقبه بالسجن فدبر ابن عبد الكريم الثورة وداخل فيها بطانته وتقبض على أبي علي يونس سنة خمس وتسعين واعتقله إلى أن فداه أخوه أبو سعيد بخمسمائة دينار من الذهب العين واستبد ابن عبد الكريم بالمهدية ودعا لنفسه وتلقب المتوكل على الله. ثم وصل السيد أبو زيد بمن أبي حفص عمر بن عبد المؤمن والياً على إفريقية فنازل ابن عبد الكريم بتونس سنة ست وتسعين واضطرب معسكره بحلق الوادي وبرز إليه جيوش الموحدين فهزمهم وطال حصاره لهم. ثم سألوه الإفراج عنهم فأجاب لذلك وارتحل عنهم إلى حصار يحيى بن غانية بفاس فنازله مدة. ثم ارتحل إلى قفصة وخرج ابن غانية في أتباعه فانهزم ابن عبد الكريم أمامه ولحق بالمهدية وحاصره ابن غانية بها سنة سبع وتسعين وأمده السيد أبو زيد بقطعتين من الغزاة حتى سأل ابن عبد الكريم النزول على حكمه وخرج إليه فقبض عليه ابن غانية وهلك في اعتقاله واستولى على المهدية واستضافها إلى ما كان بيده من طرابلس وقابس وصفاقس والجريد. ثم نهض إلى الجانب الغربي من إفريقية فنازل باجة ونصب عليها المجانيق وافتتحها عنوة وخربها وقتل عاملها عمر بن غالب ولحق شريدها بالأربس وشقبنارية وتركها خاوية على عروشها وبعد مدة تراجع إليها ساكنها بأمن السيد أبي زيد فزحف إليها ابن غانية ثانية ونازلها وزحف إليه السيد أبو الحسن أخو السيد أبي زيد فلقيه بقسطنطينة وانهزم الموحدون واستولى على معسكرهم. ثم نهض إلى بسكرة واستولى عليها وقطع أيدي أهلها وتقبض على حافظها أبي الحسن ابن أبي يعلى وتملك بعدها بلنسية والقيروان وبايعه أهل بونة ورجع إلى المهدية وقد استفحل ملكه فأزمع على حصار تونس وارتحل إليها سنة تسع وتسعين واستعمل على المهدية ابن عمه علي بن الغازي ويعرف بالكافي بن عبد الله بن محمد بن علي بن غانية ونزل بالجبل الأحمر من ظاهر تونس ونزل أخوه بحلق الوادي. ثم ضايقوها بمعسكرهم وردموا خندقها ونصبوا المجانيق والآلات واقتحموها لأربعة أشهر من حصارها في ختام المائة السادسة وقبض على السيد أبي زيد وابنيه ومن كان معه من الموحدين وأخذ أهل تونس بغرم مائة ألف دينار وولى بقبضها منهم كاتبه ابن عصفور وأبا بكر بن عبد العزيز بن السكاك فأرهقوا الناس بالطلب حتى لاذ معظمهم بالموت واستعجل القتل فيما نقل أن إسماعيل بن عبد الرفيع من بيوتاتها ألقى بنفسه في وارتحل إلى نفوسة والسيد أبو زيد معتقل في معسكره ففعل بهم مثل ذلك وأغرمهم ألف ألف مرتين من الدنانير وكثر عيثه وإضراره بالرعية وعظم طغيانه وعتوه. واتصل بالناصر بمراكش ما دهم أهل إفريقية منه ومن ابن عبد الكريم قبله فامتعض لذلك ورحل إليها سنة إحدى وستمائة. وبلغ يحيى بن غانية خبر زحفه إليه فخرج من تونس إلى القيروان ثم إلى قفصة واجتمع إليه العرب وأعطوه الرهن على المظاهرة والدفاع. ونازل طرة من حصون مغراوة فاستباحها وانتقل إلى حامة مطماطة. ونزل الناصر تونس ثم قفصة ثم قابس وتحصن منه ابن غانية في جبل عمر فرجع عنه إلى المهدية وعسكر عليها واتخذ الآلة لحصارها. وسرح الشيخ أبا محمد عبد الواحد بن أبي حفص لقتال ابن غانية في أربعة آلاف من الموحدين سنة اثنتين وستمائة فلقيه بجبل تاجرا من نواحي قابس وأوقع به وقتل أخاه جبارة بن إسحاق واستنقذ السيد أبا زيد من معتقله ثم افتتح الناصر المهدية ودخل إليها علي بن الغازي في دعوته فتقبله ورفع مكانه ووصله بهدية وافق وصولها من سبتة إليه على يد واصل مولاه وكان بها ثوبان منسوجان بالجواهر فوصله بذلك كله ولم يزل معه إلى أن استشهد مجاهداً. وولى الناصر على المهدية محمد بن يغمور من الموحدين ورجع إلى تونس. ثم نظر فيمن يوليه أمر إفريقية لسد فرجها والذب عنها ومدافعة ابن غانية وجموعه دونها. فوقع اختياره على الشيخ أبي محمد بن أبي حفص فعقد له على ذلك سنة ثلاث كما ذكرناه في أخباره. ورجع الناصر إلى المغرب وأجمع ابن غانية النهوض لقتال الموحدين بتونس وجمع ذؤبان العرب من الدواودة وغيرهم. وأوفد الدواودة يومئذ محمد بن مسعود بن سلطان وتحيز بنو عوف بن سليم إلى الموحدين والتقوا بشبرو من نواحي تبسة فانهزمت جموع ابن غانية ولجأ إلى جهة طرابلس. ثم نهض إلى المغرب في جموعه من العرب والملثمين فانتهى إلى سجلماسة وامتلأت أيدي أتباعه من النهاب وخرقوا الأرض بالعبث والفساد وانكفأ إلى المغرب الأوسط وداخله المفسدون من زناتة وأغزوا به صاحب تلمسان السيد أبا عمران موسى بن يوسف بن عبد المؤمن فلقيه بتاهرت فهزمه ابن غانية وقتله وأسر وافده وكر راجعاً إلى إفريقية فاعترضه الشيخ أبو محمد صاحب إفريقية في جموع الموحدين واستنقذ الغنائم من أيديهم. ولجأ ابن غانية إلى جبال طرابلس وهاجر أخوه سير بن إسحاق إلى مراكش فقبله الناصر وأكرمه. ثم اجتمع إلى ابن غانية طوائف العرب من رياح وعوف وهيث ومن معهم من قبائل البربر وعزم على دخول إفريقية. ونهض إليهم الشيخ أبو محمد سنة ست ولقيهم بجبل نفوسة ففل عسكرهم واستلحم أمرهم وغنم ما كان معهم من الظهر والكراع والأسلحة. وقتل يومئذ محمد بن الغازي وجوار بن يفرن وقتل معه ابن عمه من كتاب ابن أبي الشيخ ابن عساكر بن سلطان وهلك يومئذ من حكى ابن نخيل: أن مغانم الموحدين يومئذ من عساكر الملثمين كانت ثمانية عشر ألفاً من الظهر فكان ذلك مما أوهن من شدته ووطى من بأسه. وثارت قبائل نفوسة بكاتبه ابن عصفور فقتلوا ولديه وكان ابن غانية يبعثه عليهم للمغرم. وسار أبو محمد في نواحي إفريقية ودفع سلبهم واستثأر أشياخهم بأهلهم وأسكنهم بتونس حسماً لفسادهم. وصلحت أحوال إفريقية إلى أن هلك الشيخ أبو محمد سنة ثمان عشرة وولى أبو محمد السيد أبو العلا إدريس بن يونس بن عبد المؤمن. ويقال بل وليها قبيل مهلك الشيخ أبي محمد فاستطار بعد مهلكه ثور بن غانية ونجم نفاقه وعيثه فعابه رعيته ونهض إليه السيد أبو العلا ونزل قابس وأقام بقصر العروسيين وسرح ولده السيد أبا زيد بعسكر من الموحدين إلى درج وغدامس وسرح عسكراً آخر إلى ودان لحصار ابن غانية فأرجف بهم العرب ونهضوا وهم بهم السيد أبو العلا. وفر ابن غانية إلى الزاب واتبعه السيد أبو زيد فنازل بسكرة واقتحمها عليه. ونجا ابن غانية وجمع أوباشاً من العرب والبربر وأتبعه السيد أبو زيد في الموحدين وقبائل هوارة وتزاحفوا بظاهر تونس سنة إحدى وعشرين فانهزم ابن غانية وجموعه وقتل كثير من الملثمين وامتلأت أيدي الموحدين من الغنائم. وكان لهوارة يومئذ وأميرهم حناش بن بعرة بن ونيفن. في هذا الزحف أثر مذكور وبلاء حسن. وبلغ السيد أبا زيد إثر هذه الوقيعة خبر مهلك أبيه بتونس فانكف راجعاً وأعيد بنو حفص إلى مكان أبيهم الشيخ أبي محمد بن أثال بإفريقية. واستقل الأمير أبو زكريا منهم بأمرها واقتلعها عن ملكه إلى عبد المؤمن وتناولها من يد أخيه أبي محمد عبد الله. وهذا الأمير أبو زكريا هو جد الخلفاء الحفصيين وماهد أمرهم بإفريقية فأحسن دفاع ابن غانية عنها وشرعه في أقطارها. ورفع يده شيئاً فشيئاً عن النيل من أهلها ورعاياها. ولم يزل شريداً مع العرب بالقفار فبلغ سجلماسة من أقصى المغرب والعقبة الكبرى من تخوم الديار المصرية. واستولى على ابن مذكور صاحب السويقة من تخوم برقة وأوقع بمغراوة بواجر ما بين متيجة ومليانة وقتل أميرهم منديل بن عبد الرحمن وصلب شلوه بسور الجزائر. وكان يستخدم الجند فإذا سئموا الخدمة تركهم لسبيلهم إلى أن هلك لخمسين سنة من إمارته سنة إحدى وثلاثين وقيل ثلاث وثلاثين ودفن وعفى أثر مدفنه. يقال بوادي الرجوان قبلة الأربس ويقال بجهة مليانة من وادي شلف ويقال بصحراء باديس ومديد من بلاد الزاب. وانقرض أمر الملثمين من مسوقة ولمتونة ومن جميع بلاد إفريقية والمغرب والأندلس بمهلكه. وذهب ملك صنهاجة من الأرض بذهاب ملكه وانقطاع أمره. وقد خلف بنات بعثهن زعموا إلى الأمير أبي زكريا لعهده بذلك إلى علجه جابر فوضعن في يده. وبلغه وفاة أبيهن وحسن ظنه في كفالته إياهن فأحسن الأمير أبو زكريا كفالتهن وبنى لهن بحضرته داراً لصونهن معروفة لهذا العهد بقصر البنات. وأقمن تحت حراسته وفي سعة من رزقه موصولات لوصاة أبيهن بذلك منهن وحفظهن لوصاته. ولقد يقال إن ابن عم لهن خطب إحداهن فبعث إليها الأمير أبو زكريا فقال لها: هذا ابن عمك وأحق بك فقالت لو كان ابن عمنا ما كفلنا الأجانب: إلى أن هلكن عوانس بعد أن متعن من العمر بحظ. أخبرني والدي رحمه الله: أنه أدرك واحدة منهن أيام حياته في سني العشر والسبعمائة تناهز التسعين من السنين. قال: ولقيتها وكانت من أشرف النساء نفساً وأسراهن خلقاً وأزكاهن خلالا والله وارث الأرض ومن عليها. ومضى هؤلاء الملثمون وقبائلهم لهذا العهد بمجالاتهم من جوار السودان حجزاً بينهم وبين الرمال التي هي تخوم بلاد البربر من المغربين وإفريقية وهم لهذا العهد متصلون من ساحل البحر المحيط في المغرب إلى ساحل النيل بالمشرق. وهلك من قام بالملك منهم بالعدوتين وهم قليل من مسوقة ولمتونة كما ذكرناه أكلتهم الدولة وابتلعتهم الآفاق والأقطار وأفناهم الرق واستلحمهم أمراء الموحدين. وبقي من أقام بالصحراء منهم على حالهم الأول من افتراق الكلمة واختلاف البين واتصل بنيانهم على بلاد السودان إلى المشرق مناظر السلع العرب على بلاد المغربين وإفريقية. فكدالة منهم في مقابلة ذوي حسان من المعقل عرب السوس الأقصى ولمتونة وتريكة في مقابلة ذوي منصور وذوي عبد الله من المعقل أيضاً عرب المغرب الأقصى ومسوقة في مقابلة زغبة عرب المغرب الأوسط ولمطة في مقابلة رياح عرب الزاب وبجاية وقسطنطينة وتاركاً في مقابلة سليم عرب إفريقية وأكثر ما عندهم من المواشي الإبل لمعاشهم وحمل أثقالهم وركوبهم والخيل قليلة لديهم أو معدومة. ويركبون من الإبل الفارهة ويسمونها النجيب ويقاتلون عليها إذا كانت بينهم حرب وسيرها هملجة وتكاد تلحق بالركض وربما يغزوهم أهل القفر من العرب وخصوصاً بنو سعيد من بادية رياح فهم أكثر العرب غزواً إلى بلادهم فيستبيحون من صحبوه منهم يرمونه في بطون مغاير. فإذا اتصل الصائح بأحيائهم وركبوا في أتباعهم اعترضوهم على المياه قبل وصولهم من تلك البلاد فلا يكادون يخلصون ويشتد الحرب بينهم فلا يخلص العرب من غوائلهم إلا بعد جهد وقد يهلك بعضهم ولله الخلق والأمر. وإذ عرض لنا ملوك السودان فلنذكر ملوكهم لهذا العهد المجاورين لملوك المغرب.
ملوك السودان
الخبر عن ملوك السودان المجاورين للمغرب من وراء هؤلاء الملثمين ووصف أحوالهم والإلمام بما اتصل بنا من دولتهم هذه الأمم السودان من الآدميين هم أهل الإقليم الثاني وما وراءه إلى آخر الأول بل وإلى آخر المعمورة متصلون ما بين المغرب والمشرق يجاورون بلاد البربر بالمغرب وإفريقية وبلاد اليمن والحجاز في الوسط والبصرة وما وراءها من بلاد الهند بالمشرق وهم أصناف وشعوب وقبائل أشهرهم بالمشرق الزنج والحبشة والنوبة وأما أهل المغرب منهم فنحن ذاكروهم بعد وأما نسبهم فإلى حام بن نوح بالحبش من ولد حبش بن كوش بن حام والنوبة من ولد نوبة بن كوش بن كنعان بن حام فيما قاله المسعودي وقال ابن عبد البر إنهم من ولد نوب بن قوط بن مصر بن حام والزنج من ولد زنجي بن كوش وأما سائر السودان فمن ولد قوط بن حام فيما قاله ابن عبد البر ويقال هو قبط بن حام. وعد ابن سعيد من قبائلهم وأممهم تسع عشرة أمة منهم في المشرق الزنج على بحر الهند لهم مدينة فنقية وهم مجوس وهم الذين غلب رقيقهم بالبصرة على ساداتهم مع دعي الزنج في خلافة المعتمد. قال: ويليهم مدينة بربرا وهم الذين ذكرهم امرؤ القيس في شعره. والإسلام لها العهد فاش فيهم ولهم مدينة مقدشوا على البحر الهندي يعمرها تجار المسلمين ومن غربيهم وجنوبهم الدمادم وهم حفاة عراة. قال: وخرجوا إلى بلاد الحبشة والنوبة عند خروج الططر إلى العراق فعاثوا فيها ثم رجعوا. قال: ويليهم الحبشة وهم أعظم أمم السودان وهم مجاورون لليمن على شاطئ البحر الغربي ومنه غزوا ملك اليمن ذي نواس وكانت دار مملكتهم كعبر وكانوا على دين النصرانية وأخذ بالإسلام واحد منهم زمن الهجرة على ما ثبت في الصحيح والذي أسلم منهم لعهد النبب صلى الله عليه وسلم. وهاجر إليه الصحابة قبل الهجرة إلى المدينة فآواهم ومنعهم وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم عندما نعي إليه كان اسمه النجاشي وهو بلسانهم: انكاش بالكاف المشمة بالجيم عربتها العرب جيماً محضة وألحقتها ياء النسب شأنها في الأسماء الأعجمية إذا تصرفت فيها وليس هذا الاسم سمة لكل من تمتك منهم كما يزعم كثير من الناس ممن لا علم له بهذا ولو كان كذلك لشهروا اسمه إلى اليوم لآن ملكهم لم يتحول منهم. وملكهم لهذا العهد اسمه الخطى ما أدري اسم السلطان نفسه أو اسم العشيرة الذين فيهم الملك وفي غربيه مدينة داموت وكان بها ملك من أعاظمهم وله ملك ضخم وفي شماليه ملك آخر منهم اسمه حق الدين محمد بن علي بن ولصمع في مدينة أسلم أولوه في تواريخ مجهولة. وكان جده ولصمع مطيعاً لملك دامون وأدركت الخطى الغيرة من ذلك فغزاه واستولى على بلاده. ثم اتصلت الفتنة وضعف أمر الخطى فاسترجع بنو ولصمع بلادهم من الخطى وبنيه واستولوا على وفات وخربوها. وبلغنا أن حق الدين هلك وملك بعده أخوه سعد الدين وهم مسلمون ويعطون الطاعة للخطى أحياناً وينابذونه أخرى والله مالك الملك. قال ابن سعيد: ويليهم البجاوة وهم نصارى ومسلمون ولهم جزيرة بسواكن في بحر السوس ويليهم النوبة أخوة الزنج والحبشة ولهم مدينة دنقلة غرب النيل وأكثرهم مجاورون للديار المصرية ومنهم رقيق. ويليهم زغاوة وهم مسلمون ومن شعوبهم تاجرة ويليهم الكانم وهم خلق عظيم والإسلام غالب عليهم ومدينتهم حميمي ولهم التغلب على بلاد الصحراء إلى فزان. وكانت لهم مهادنة مع الدولة الحفصية منذ أولها ويليهم من غربهم كوكو وبعدهم نغالة والتكرور ولمى وتمنم وجالي وكوري وأفكرار بتضلون بالبحر المحيط إلى غانية في الغرب كلام ابن سعيد. ولما فتحت إفريقية المغرب دخل التجار بلاد المغرب فلم يجدوا فيهم أعظم من ملوك غانية كانوا مجاورين للبحر المحيط من جانب الغرب وكانوا أعظم أمة ولهم أضخم ملك وحاضرة ملكهم غانية مدينتان على حافتي النيل من أعظم مدائن العالم وأكثرها معتمراً ذكرها مؤلف كتاب رجار وصاحب المسالك والممالك. وكانت تجاورهم من جانب الشرق أمة أخرى فيما زعم الناقلون تعرف صرصو بصادين مضمومتين أو سينين مهملتين ثم بعدها أمة أخرى تعرف مالي ثم بعدها أمة أخرى تعرف كوكو ويقال كاغو ثم بعدها أمة أخرى تعرف بالتكرور. وأخبرني الشيخ عثمان فقيه أهل غانية وكبيرهم علماً وديناً وشهرة قدم مصر سنة تسع وتسعين حاجاً بأهله وولده ولقيته بها فقال إنهم يسمون التكرور زغاي ومالي أنكاريه. ثم إن أهل غانية ضعف ملكهم وتلاشى أمرهم واستفحل أمر الملثمين المجاورين لهم من جانب الشمال مما يلي البربر كما ذكرناه وعبروا على السودان واستباحوا حماهم وبلادهم واقتضوا منهم الأتاوات والجزى وحملوا كثيراً منهم على الإسلام فدانوا به. ثم اضمحل ملك أصحاب غانة وتغلب عليهم أهل صوصو المجاورون لهم من أمم السودان واستعبدوهم وأصاروهم في جملتهم. ثم إن أهل مالي كثروا أمم السودان في نواحيهم تلك واستطالوا على الأمم المجاورين لهم فغلبوا على صوصو وملكوا جميع ما بأيديهم من ملكهم القديم وملك أهل غانة إلى البحر المحيط من ناحية الغرب وكانوا مسلمين يذكرون أن أول من أسلم منهم ملك اسمه برمندانة هكذا ضبطه الشيخ عثمان. وحج هذا الملك واقتفى سننه في الحج ملوكهم من بعده. وكان ملكهم الأعظم الذي تغلب على صوصو وافتتح بلادهم وانتزع الملك من أيديهم اسمه ماري جاطة ومعنى ماري عندهم الأمير الذي يكون من نسل السلطان وجاطة الأسد واسم الحافد عندهم تكن ولم يتصل بنا نسب هذا الملك. وملك عليهم خمساً وعشرين سنة فيما ذكروه. ولما هلك ولي عليهم من بعده ابنه منساولي ومعنى منسا السلطان ومعنى ولي بلسانهم علي وكان منسا ولي هذا من أعاظم ملوكهم. وحج أيام الظاهر بيبرس وولي عليهم من بعده أخوه واتى. ثم بعده أخوهم خليفة وكان محدقاً رامياً فكان يرسل السهام على الناس فيقتلهم مخاناً فوثبوا عليه فقتلوه. وولي عليهم من بعده سبط من أسباط ماري جاطة يسمى بأبي بكر وكان ابن بنته فملكوه على سنن الأعاجم في تمليك الأخت وابن الأخت. ولم يقع إلينا نسبه ونسب أبيه. ثم ولي عليهم من بعده مولى من مواليهم تغلب على ملكهم اسمه ساكورة. وقال الشيخ عثمان ضبطه بلسانهم أهل غانة سبكرة وحج أيام الملك الناصر وقتل عند مرجعه بتاجورا وكانت دولته ضخمة اتسع فيها نطاق ملكهم وتغلبوا على الأمم المجاورة لهم. وافتتح بلاد كوكو وأصارها في ملكة أهل مالي. واتصل ملكهم من البحر المحيط وغانة بالمغرب إلى بلاد التكرور في المشرق واعتز سلطانهم وهابتهم أمم السودان وارتحل إلى بلادهم التجار من بلاد المغرب وإفريقية. وقال الحاج يونس ترجمان التكرور إن الذي فتح كوكو هو سغمنجة من قواد منسا موسى وولي من بعده ساكورة هذا هو ابن السلطان ماري جاطة ثم من بعده ابنه محمد بن قو ثم انتقل ملكهم من ولد السلطان ماري جاطة إلى ولد أخيه أبي بكر فولي عليهم منسا موسى بن أبي بكر وكان رجلاً صالحاً وملكاً عظيماً له في العدل أخبار تؤثر عنه. وحج سنة أربع وعشرين وسبعمائة لقيه في الموسم شاعر الأندلس أبو إسحاق إبراهيم الساحلي المعروف بالطويجن وصحبه إلى بلاده. وكان له اختصاص وعناية ورثها من بعده ولده إلى الآن وأوطنوا والاتر من تخوم بلادهم من ناحية المغرب ولقيه في صرفه صاحبنا المعمر أبو عبد الله بن خديجة الكومي من ولد عبد المؤمن كان داعية بالزاب للفاطمي المنتظر وأجلب عليهم بعصائب من العرب فكر به واركلا واعتقله ثم خلى سبيله بعد حين فخاض القفر إلى السلطان منسا موسى مستجيشاً به عليهم وقد كان بلغه توجهه للحج فأقام في انتظاره ببلد غدامس يرجو نصراً على عدوه ومعونة على أمره لما كان عليه منسا موسى من استفحال ملكه بالصحراء الموالية لبلد واركلا وقوة سلطانه فلقي منه مبرة وترحباً ووعده بالمظاهرة والقيام بثأره واستصحبه إلى بلدة أخوى وهو الثقة. قال كنا نواكبه أنا وأبو إسحاق الطويجن دون وزرائه ووجوه قومه نأخذ بأطراف الأحاديث حيث يتسع المقام وكان يتحفنا في كل منزل بطرف المآكل والحلاوات قال: والذي تحمل آلته قال الحاج يونس ترجمان هذه الأمة بمصر: جاء هذا الملك منسا موسى من بلده بثمانين حملاً من التبر كل حمل ثلاثة قناطير. قال: وإنما يحملون على الوصائف والرجال في أوطانهم فقط وأما السفر البعيد كالحج فعلى المطايا. قال أبو خديجة: ورجعنا معه إلى حضرة ملكه فأراد أن يتخذ بيتاً في قاعدة سلطانه محكم البناء مجللا بالكلس لغرابته بأرضهم فأطرفه أبو إسحاق الطويجن ببناء قبة مربعة الشكل استفرغ فيها إجادته. وكان صناع اليدين وأضفى عليها من الكلس ووالى عليها بالأصباغ المشبعة فجاء من أتقن المباني ووقعت من السلطان موقع الاستغراب لفقدان صنعة البناء بأرضهم ووصله باثني عشر ألفاً من مثاقيل التبر مبثوثة عليها. إلى ما كان له من الأثرة والميل إليه والصلات السنية. وكان بين هذا السلطان منسا موسى وبين ملك المغرب لعهده من بني مرين السلطان أبي الحسن مواصلة ومهاداة سفرت بينهما فيها الأعلام من رجال الدولتين واستجاد صاحب المغرب من متاع وطنه وتحف ممالكه مما تحدث عنه الناس على ما نذكره عند موضعه بعث بها مع علي بن غانم المغفل وأعيان من رجال دولته. وتوارثت تلك الوصلة أعقابهما كما سيأتي واتصلت أيام منسا موسى هذا خمساً وعشرين سنة. ولما هلك ولي أمر مالي من بعده ابنه منسا مغا ومعنى مغا عندهم محمد وهلك لأربع سنين من ولايته وولي أمرهم من بعده منسا سليمان بن أبي بكر وهو أخو موسى واتصلت أيامه أربعاً وعشرين سنة. ثم هلك فولي بعده ابنه منسا بن سليمان وهلك لتسعة من ولايته فولي عليهم من بعده ماري جاطة بن منسا مغا بن منسا موسى واتصلت أيامه أربعة عشر عاماً وكان أشر وال عليهم بما سامهم من النكال والعسف وإفساد الحرم. وأتحف ملك المغرب لعهده السلطان أبا سالم ابن السلطان أبي الحسن بالهدية المذكورة سنة اثنتين وستين وكان فيها الحيوان العظيم الهيكل المستغرب بأرض المغرب المعروف بالزرافة. تحدث الناس بما اجتمع فيه من متفرق الحلى والشبه في جثمانه ونعوته دهراً. وأخبرني القاضي الثقة أبو عبد الله محمد بن وانسول من أهل سجلماسة. وكان أوطن بأرض كوكو من بلادهم واستعملوه في خطة القضاء بما لقيه منذ سنة ست وسبعين وسبعمائة فأخبرني عن ملوكهم بالكثير مما كتبته وذكر لي عن هذا السلطان جاطة أنه أفسد ملكهم وأتلف ذخيرتهم وكان أن ينتقض شأن سلطانهم. قال: ولقد انتهى الحال به في سرفه وتبذيره أن باع حجر الذهب الذي كان في جملة الذخيرة عن أبيهم وهو حجر يزن عشرين قنطاراً منقولاً من المعدن من غير علاج بالصناعة ولا تصفية بالنار كانوا يرونه من أنفس الذخائر والغرائب لندور مثله في المعدن فعرضه جاطة هذا الملك المسرف على تجار مصر المترددين إلى بلده وابتاعوه قال: وأصابته علة النوم وهو مرض كثيراً ما يطرق أهل ذلك الإقليم وخصوصاً الرؤساء منهم يعتاده غشي النوم عامة أزمانه حتى يكاد أن لا يفيق ولا يستيقظ إلا في القليل من أوقاته ويضر صاحبه ويتصل سقمه إلى أن يهلك. قال: ودامت هذه العلة بخلطه مدة عامين اثنين وهلك سنة خمس وسبعين. وولوا من بعده ابنه موسى فأقبل على مذاهب العدل والنظر لهم ونكب عن طرق أبيه جملة وهو الآن مرجو الهداية ويغلب على دولته وزيره ماري جاطة ومعنى ماري عندهم الوزير وجاطة تقدم وهو الآن قد حجر السلطان واستبد بالأمر عليه ونظر في تجهيز العساكر وتجهيز الكتائب ودوخ أقطار الشرق من بلادهم وتجاوز تخوم كوكو وجهز إلى منازلة تكرت بما وراءها من بلاد الملثمين كتائب نازلتها لأول الدولة وأخذت بمخنقها. ثم أفرجت عنها وحاطهم الآن هدنة. وتكرت هذه على سبعين مرحلة من بلد واركلا في الجانب القبلي الغربي وفيها من الملثمين يعرف بالسلطان وعليهم طريق الحاج من السودان وبينه وبين أمير الزاب وواركلا مهاداة ومراسلة. قال: وحاضرة الملك لأهل مالي هو بلد بني. . . بلد متسع الخطة معين على الزرع مستبحر العمارة نافق الأسواق وهو الآن محط لركاب البحر من المغرب وإفريقية ومصر والبضائع مجلوبة إليها من كل قطر. ثم بلغنا لهذا العهد أن منسا موسى توفي سنة تسع وثمانين وولي بعده أخوه منسا مغا. ثم قتل لسنة أو نحوها وولي بعده صندكي زوج أم موسى صندكي الوزير. ووثب عليه بعد أشهر رجل من بيت ماري جاطة. ثم خرج من بلاد الكفرة وراءهم وجاءهم رجل اسمه محمود ينسب إلى منساقو بن منسا ولي ابن ماري جاطة الأكبر فتغلب على الدولة وملك أمرهم سنة اثنتين وتسعين ولقبه منسا مغا والخلق والأمر لله وحده.