قضية تعَرُّب القبط ما بين العمري والبكري:
=========================
قالت العرب:" القريبُ من تقرَّبَ لا من تَنَسَّبَ"
وعلى الرغم من صغر هذه العبارة إلا أنها قد استطاعت أن تجسد واقع لا يمكن إنكاره, وهو ارتفاع موجة (التعرُّب) أو التعريب) التي سادت وطننا العربي الكبير, فيما يعرف بـ(هوجة) لم الشمل العام, والذي أصبح لا يخلو مجلس من المجالس, أو صفحة من صفحات التواصل الاجتماعي, من الحديث فيه, دون أن يُعنَى الكثيرون بالوقوف على الاختلاف الكبير بين لفظتي (الاستنساب والتَّنَسُّب) اللتين تعني الأولى منهما أن شخصاً ذكر عمود نسبه (الحقيقي) حتى التقى مع آخر في الجد الذي يربط بينهما, بينما تعني الثانية أن شخصاً أدعى أو (زوَّر) عمود نسب ليوهم آخر أنهما تلتقيان في جد واحد, وكذلك الاختلاف الواضح بين لفظتي (التقرَّب والاستقراب) إلى غير ذلك من المصطلحات التي يتحتم ترجمتها والوقوف عند ما ترمي إليه من مقاصد.
========================
ونتيجة لبعض التجاوزات التي تتخلل هذه (الهوجة) من تعصب بعض الأفراد إلى كتاب كاتب, أو مخطوطة خطاط, أو جرد شيخ, أو أورنيك خواجة, ثم الاحتجاج به لذاته واعتباره (قرآناً) منزَّلاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, فيقول أحدهم:" هذا جرد جدي" ويقول آخر:" هذا حصر الخواجة" ويقول ثالث:" هذا أورنيك العثمانلي" ويقول رابع:" هذا من دار المحفوظات" ويقول خامس:" هذا من دار الأستانة" وهذا كتاب فلان وهذا مخطوط علان... إلى غير ذلك من المقولات التي آثرنا أن نقف عندها لنلفت أنظار الجميع إلى ضرورة ربط ذلك كله بكل ما يدور في فلك المنظومة العامة للتاريخ قديماً وحديثاً من جهة, ومقتضيات كل من الواقع الميداني والموروث المتداول عبر الأجيال المتتالية من جهة أخرى, حتى لا يتم اختلاط الحابل بالنابل ويسند الأمر إلى غير أهله.
=========================
وحتى نتمكن من هدم مفهوم (القداسة) المتعلقة بهذه الأمور جميعاً في أذهان الكثيرين من أبناء قومنا, ونجعلهم لا ينزلون أقوال (الأسلاف) منزلة (النص) القرآني الذي يتحتم القتال عليه, وذلك كالانفراد بـ(كتاب) الكاتب الفلاني, أو (حصر) الباشا العلاني, أو (جرد) الشيخ التركاني, دون الاهتمام بالنظرة الشمولية لهذه المصادر جميعاً (وفي آن واحد) وربطها ربطاً مباشر بمقتضيات الواقع الميداني قديماً وحديثاً, ولكي نتمكن من تأكيد ذلك قمنا بلفت الأنظار إلى ضرورة هدم الثقة العمياء في كل ما يرد إلينا من أخبار، سواء عن طريق الأسلاف أو غيرهم، متخذين لذلك نموذجاً لرجلين من (القضاة) كان من الطبيعي أن يلتمس الجميع فيهما أخلاق جديهما العظيمين (الفاروق والصديق) من العدل والإنصاف, والعفة والنزاهة, والصدق والأمانة, والرضا والقناعة, فينزلون أحكامهما منزلة التقديس والتنزيه, إكراماً لجديهما رضوان الله عليهما.
أولهما: القاضي عبدالرحمن بن عبدالله العمري, حفيد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله.
وثانيهما: القاضي هاشم بن أبي بكر البكري, حفيد أمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
=========================
وعلى الرغم من انحدار هذين الحفيدين من شخصيتين عظيمتين في تاريخ العروبة والإسلام, إلا أن تاريخ العرب في مصر قد احتفظ لهما بموقفين متناقضين, في العديد من القضايا، والتي نكتفي بذكر واحدة منها في هذا المقال، هي قضية (تعَرُّب القبط) وبخاصة (الحرس) الذين دخلوا الإسلام بعد الفتح, وتعلموا لغة العرب ورغبوا في الدخول في أنسابهم, شأنهم في ذلك شأن باقي (الشعوبيين) من الفرس والروم والبربر والأتراك وغيرهم, والذين أرادوا أن يتساووا مع العرب في (العروبة) بعد مساواتهم في الإسلام, سعياً للتخلص من عقد النقص التي كانوا يعانون منها في وجود العرب.
=========================
ولم يكن أمام هؤلاء سوى اتخاذ أيسر الطرق ـ وهي المال ـ لتحقيق غاياتهم, وبخاصة بعد أن دفعت قصة (تَعَرُّبهم) جماعة من فرسان العرب إلى التحرش بهم والمبالغة في إيذائهم, ومن هؤلاء الفرسان: أبو رحب العلاء بن عاصم الخولاني, وهاشم بن حديج التجيبي, وأبو الدهمج رياح بن ذوابة الكندي, وغيرهم, مما اضطر الحرسيين إلى الذهاب إلى رجل منهم وهو (زكريا بن يحيى) كاتب العمري, فاشتكوا إليه بقولهم:" حتى متى نؤذى ويطعن في أنسابنا"
========================
قضية العمري في إثبات (عروبة القبط):
-------------------------------------------------
ومن هنا فقد أخذت الجوانب السلبية لشخصية (العمري) تظهر على السطح, بعد قيام كاتبه (زكريا الحرسي) بتقديم (الرشوة) إليه لإثبات (تعرُّبهم) حيث أشار على باقي الحرسيين بجمع مبلغ كبير من المال يدفعونه إلى (القاضي العمري) ليسَجِّل لهم سجلاً يثبت فيه أنسابهم:" فجمعوا له ستة آلاف دينار" واتفقوا على من يحملها إليه, ونظراً لخطورة هذا الأمر على مكانته كقاضي مصر ـ وليس كحفيد للفاروق ـ فقد استغل تعاطف الخليفة هارون الرشيد معه في توريط الخلافة العباسية في هذه (المؤامرة) وبخاصة بعد أن اطمئن على وجود (المال) في حوزته, فقال لكبار الحرس:" ادفعوا إلى الرشيد في ذلك" أي ارفعوا هذا الأمر إلى الخليفة هارون الرشيد بالعراق, حتى يكون سنداً له في تنفيذ هذه المهمة, وإرغام عرب مصر على قبول ما سيفرضه عليهم بشأن تعرب القبط.
========================
وسرعان ما تشكل وفد برئاسة عبدالرحمن بن زياد الحَرَسي للذهاب إلى الرشيد, واتفقوا على تحقيق غايتهم من خلال ما يلي:
1ـ الإسراف في إنفاق الأموال على ذوي الشأن هناك, حتى يكونوا عوناً لهم عند الخليفة الرشيد.
2ـ الإدعاء بأن المفضَّل بن فضالة ـ قاضي مصر الذي سبق العمري ـ قد حكم لهم بإثبات أنسابهم للعرب قبل تولي العمري منصب القضاء, وأنه قد أثبت:" أنهم بنو حوتكة بن أسلم بن الحاف بن قضاعة"
3ـ حمل مخطوطة (مزيفة) جعلوا أحد الخطاطين (يفبركها) لهم في مصر قبل رحيلهم إلى العراق, فينسبها للمفضل القاضي, مقابل مبلغ (ألف دينار).
4ـ حمل نسخة من ديوان المفضل بعد أن دفعوا لمتوليه (ألف دينار) أيضا حتى يوثقها فيه.
=========================
وما إن تمت موافقة الرشيد على طلبهم , بما يتفق مع رغباتهم حتى أخذ (العمري) يبذل قصارى جهده لإلحاقهم بأنساب العرب, وتوثيقهم في ديوانه بشكل رسمي, من خلال دعوته إياهم لإقامة البينة عنده أمام الجميع, وطبقاً لمقولة:" تغرَّب وأَكذِب" فقد أشار عليهم بأن يتجنبوا شهادة جيرانهم من عرب الفسطاط, وأن يكتفوا باستقدام شهودهم من خارجه.
======================
فأتوا بهؤلاء الشهود من مناطق متفرقة, كالحوف الشرقي، والشرقية, وبادية الشام, ليشهدوا لهم ويعلنوا أمام الجميع أنهم عرب, وأنهم من قبيلة (حوتكة) القضاعية القحطانية, وعليه فقد:" سجل لهم العمري ولم يرد واحداً شهد لهم غير حُوَي بن حُوَي بن معاذ العذري القضاعي" لخصومة كانت بينه وبين أشهب بن عبدالعزيز اضطرت محكمة (العمري) الموقرة أن ترد شهادته وفي ذلك يقول يحيى الخولاني:
يا ليت أم حوي لم تلد ذكراً*أو ليت أن حوياً كان ذا خرَسِ
كسا قضاعة عاراً في شهادته*لِله دُرُّ حوي شاهد الحرس
شهادة رجعت لو أنها قُبِلت*لألحق الزورُ منها العَيْرَ بالفَرسِ.
ثم يقول آخر:
ومن أعجبِ الأشياء أن عِصابةً*من القبط فينا أصبحوا قد تعرَّبوا
وقالوا أبونا حَوتكٌ وأبوهمُ*من القبط عِلْج حَبْلُه مُتَذَبذِب
وجاءوا بأجلافٍ من الحوف فادعوا*بأنهم منهم سَفاهاً وأجلبوا
ألا لعن الرحمنُ من كان راضياً*بهم رغْماً مادامت الشمسُ تغربُ
========================
وليس من شك في أن هذه الأمور لم تكن غائبة عن بال العمري فقد أخذ يعد لها العدة منذ اللحظة الأولى لتوليه منصب القضاء حتى صار:" أول من دون الشهود في كتاب" حتى يكونوا رهن إشارته, فاكتفى بهم في القضاء عن سائر الناس, كما اتخذ لنفسه كُتَّاباً على شاكلته, واهتم بالأحباس حتى كان:" من أشد الناس لعمارة الأحباس كان يقف عليها بنفسه ويجلس مع البنائين أكثر نهاره" مما مكنه من أن يحتكر قضاء مصر خلال فترة ولايته, بمثل هذه الطرق المشبوهة, وأن يتاجر في حقوق عامة الناس فيأكل أموالهم بالباطل.
========================
مما جعله يحظى بالالتفاف الأقباط حوله والطواف به والهتاف بإسمه مع كاتبه زكريا الحرسي, إلى الحد الذي جعلهم:" يغدون إذا غدا ويروحون إذا راح" كما دفع عرب الفسطاط إلى أن يردوا على غيظهم بغيظ أشد منه, وأن يصبوا جام غضبهم على صاحبهم (العمري) فيطلقون عليه اسم (أبو الندى) تشبيهاً له بأبي الندى (اللص) مولى قبيلة (بلي)
========================
عزل العمري عن القضاء وإسقاط قضيته:
-------------------------------------------------
وما إن تمكن محمد الأمين بن هارون الرشيد العباسي الهاشمي بالعراق, من تولي الخلافة بعد موت أبيه الرشيد, حتى بادر بعزل (العمري) من منصب القضاء في المحرم سنة 196هـ, وتولية (هاشم بن أبي بكر البكري) قضاء مصر مكانه, مما دفع عرب الفسطاط إلى انتهاز هذه الفرصة في تشكيل وفَّد من وجوههم, وجعلوا على رأسه (أبو رحب الخولاني وهاشم بن حديج التجيبي) للخروج إلى الأمين بالعراق, لإسقاط قضية العمري وأتباعه من الحرسيين, وما كان من الأمين إلا أن يبادر بالموافقة على طلبهم, وأن يكتب إلى البكري كتاباً يؤكد له فيه:" أنه لا يمنح أحداً من غير العرب اللحاق بالعرب" ثم يأمره بأن يرد الحرسيين إلى ما كانوا عليه من أنساب القبط, فرجع الوفد بذلك إلى البلاد المصرية .
وفي أبي رحب الخولاني يقول طاهر القيسي:
ولقد قمعت بني الخبائث عندما*راموا العُلا وتحوتكوا وتعرَّبوا
فرددتهم قبطاً إلى آبائهم*ونَسِيب أصلهم الذي قد غيبوا
وتركتهم مثلاً لكل مُلَصِّقٍ*نسباً إذا التقت المحافل يُضرب
========================
وما إن وصل كتاب الأمين إلى يد البكري, حتى دعا أهل الحرس من (الأقباط) بالقدوم إليه, وشدد عليهم بضرور إحضار (قضية العمري) الخاصة بنسبهم, فسارعوا بالقدوم إليه ظناً منهم أنه سيقر وثيقتهم ويزيدهم شهوداً, غير أنهم قد فوجئوا بما لم يكن في الحسبان, حيث قام (البكري) بإخراج مقراضاً أو (مقصاً) من تحت مصلَّاه فقطع قضية العمري الملفقة, ومزقها تمزيقاً, قائلاً لهم:" العرب لا تحتاج إلى كتاب من قاضٍ إن كنتم عرباً فلا ينازعكم أحد" تلك المقولة التي طالما أكدنا عليها وحثينا الجميع على الوقوف عندها دون تجاوزها.
=========================
قضية البكري في نفي (عروبة القبط):
-------------------------------------------------
وكما حرم (العمري) عرب الفسطاط من الإدلاء بشهادتهم في قضية إثبات (عروبية القبط) من قبل فقد منحهم (البكري) الفرصة الكاملة في قضية نفيها, حيث أمرهم جميعاً بالحضور عنده لإقامة البينة عليهم, فحضر الكثيرون من أهل العفة والقناعة, والصدق والأمانة, والعدالة والإنصاف, فشهدوا:" أن أهل الحرس من القبط, وأن العمري قضى فيهم بجور" فنقض البكري هذه القضية, وأشهد على قضائه بردهم إلى أصولهم من القبط
وفي ذلك يقول مُعلَّى الطائي:
يا بني البظراء موتوا كمداً*واسخنوا عيناً بتخريق السِّجِل
لو أراد اللهُ أن يجعلَكم*من بني العباس طُرًّاً لفعل
لكن الرحمنَ قد صيَّرَكم*قبطَ مصر ومن القبط سِفل
كيف يا قبطُ تكونوا عَرَباً*ومَرِيسٌ أصلُكم شرُّ الجِيَل
ثم يقول يحيى الخولاني:
أشكروا الله على إحسانه*فله الحمد كثيراً والرُّغَب
رجع القبط إلى أصلهم*بعد خزي طَوَّقوه وتعب
ودنانير رشوها قاضياً*جائراً قد كان فينا يغتصب
أخذ الأموال منهم خدعة*وتولَّى عنهم ثم هرب
أبلغ البكريَّ عني أنه*عادل في الحُكم فرَّاج الكُرَب
قد أمات الجور فينا والرُّشا*وأشاع العدلَ فينا فَرَتَب
إلى أن قال يعني العمري:
ما كفته رشوةٌ ظاهرةٌ*وقضايا جور كم فيها عجب
أن أتى أعظم ما يأتي به*أحدٌ أن صيَّر القبط عرب
======================
وعلى الرغم من حالات العسر والضيق التي كان يعاني منها (القاضي البكري) أثناء توليه منصب القضاء, إلا أنه لم يسمح لنفسه بأن تجره إلى طريق العمري ليجمع المال عن طريق الرشوة والغش والتزوير, أو يسير سيرته مع أصحابه فيثرى على حساب عامة الناس, أو حتى يستخدم سلطته كقاضي بأن يُسْكِت الذين يلاحقونه بالمطالبة بالديون التي تراكمت عليه بسبب خسارته في الزراعة, والتي وصفها بقوله:" دخلت مصر وأنا مُقل فزرعت زرعاً فانكسر علي خراجه بآفة لحقتني فيه, وطولبت بذلك الخراج وتُشُدِّد علي فيه, وكان مقارَّة الكاتب حاضراً فعرَّف بي, فقال: سبحان الله ابن صاحب نبيكم والذي قام في مقامه بعده يُطَالَب بمثل هذه المطالبة, ما كان عليه فهو علي وهو له علي في كل سنة"
========================
ومع ذلك فقد تتبع أصحاب العمري كلهم وسجنهم وسجن العمري نفسه وقيده, وطالبه بما صار إليه من الأموال والأوقاف وغيرها, ورد ذلك كله إلى بيت مال المسلمين, ثم قام بإسقاط كل من شهد للحرس من دواوين القضاة, فلم يرجع أحد منهم عند أحد من القضاة, ثم أمر يحيى بن عبدالله بن بكير بأن ينادي على (القاضي العمري) ويشهَّره بخيانته , ولم يكن أمام العمري عندئذٍ سوى الهروب من السجن ليلاً دون أن يُدْرِكه أحد, حتى تمكن من الوصول إلى أمواله التي خبأها بـ(مدين) من أرض الشام, فاحتملها وتبعه جمع من البوادي يخفرونه حتى بلغ (فيْد) ولايزال على هذه الحال حتى لقيه قوم من قبيلتي (أسد وطيء) فأوقعوا به وأخذوا جميع ما حواه فما تخلَّص منهم إلا بحشاشة نفسه.
=========================
وأخيراً:
نوجه الخطاب للسادة الذين يقاتلون من أجل الدفاع المستميت عن كتاب معين أو مخطوطة بعينها, أو حكم محكمة, أو أورنيك أو جرد أو شجرة أو أي مصدر من مصادر البحث في مجال التاريخ والأنساب, وتقديس ما جاء فيه, دون الرجوع إلى ما عداه, بحجة أنها لمؤرخ مشهور, أو لحفيد شيخ أو عمدة أو زعيم أو باشا أو سلطان.
=========================
أما الأسئلة التي تطرح نفسها على هؤلاء فهي:
1ـ ما الذي يجب أن تفعلوه حين يأتيكم حرسي قبطي بوثيقة (العمري) حفيد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟!
فهل ستكتفون بها لتأكيد انتساب الحرسيين إلى حوتكة بن أسلم بن الحاف بن قضاعة, لمجرد أنها لحفيد (الفاروق عمر) أم ستبذلون قصارى جهدكم حتى تعثروا على الوثيقة المخالفة لها وهي وثيقة البكري؟
2ـ وإذا ما تمكنتم من المقارنة بين الوثيقتين, فهل ستسقطون الواقع الميداني قديماً وحديثاً من حساباتكم, أم ستجعلون له في اهتمامكم نصيباً؟
3ـ وإذا ما صادفتكم قصة أو حادثة أو (تخريفة) قد سيطرت على الوعي الجمعي فتداولتها الأجيال المتتالية دون أن يتم توثيقها في كتاب لكاتب مشهور, أو مخطوطة لحفيد ولي أو شيخ أو زعيم.
فهل ستقومون بإسقاط ما أقره الواقع الميداني الحالي, في الوقت الذي لم تسقطوا فيه ـ بل تقاتلون من أجل ـ ما أقره نفس الواقع قديماً، والذي أمد كاتبكم أو خطاطكم بما تقاتلون على قداسته الآن؟!
========================
بعض المراجع والمصادر:
١- كتاب الولاة والقضاة للكندي
٢- كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر لابن حجر
٣- كتاب تاريخ ابن عبدالحكم
٤- كتاب التلخيص للحافظ الذهبي
٥- كتاب الخطط للمقريزي
ولايزل للحديث مع الحفيدين بقية
وللجميع كل التحية والاحترام والتقدير
عبدالغفار العبيدي السلمي
=========================
قالت العرب:" القريبُ من تقرَّبَ لا من تَنَسَّبَ"
وعلى الرغم من صغر هذه العبارة إلا أنها قد استطاعت أن تجسد واقع لا يمكن إنكاره, وهو ارتفاع موجة (التعرُّب) أو التعريب) التي سادت وطننا العربي الكبير, فيما يعرف بـ(هوجة) لم الشمل العام, والذي أصبح لا يخلو مجلس من المجالس, أو صفحة من صفحات التواصل الاجتماعي, من الحديث فيه, دون أن يُعنَى الكثيرون بالوقوف على الاختلاف الكبير بين لفظتي (الاستنساب والتَّنَسُّب) اللتين تعني الأولى منهما أن شخصاً ذكر عمود نسبه (الحقيقي) حتى التقى مع آخر في الجد الذي يربط بينهما, بينما تعني الثانية أن شخصاً أدعى أو (زوَّر) عمود نسب ليوهم آخر أنهما تلتقيان في جد واحد, وكذلك الاختلاف الواضح بين لفظتي (التقرَّب والاستقراب) إلى غير ذلك من المصطلحات التي يتحتم ترجمتها والوقوف عند ما ترمي إليه من مقاصد.
========================
ونتيجة لبعض التجاوزات التي تتخلل هذه (الهوجة) من تعصب بعض الأفراد إلى كتاب كاتب, أو مخطوطة خطاط, أو جرد شيخ, أو أورنيك خواجة, ثم الاحتجاج به لذاته واعتباره (قرآناً) منزَّلاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, فيقول أحدهم:" هذا جرد جدي" ويقول آخر:" هذا حصر الخواجة" ويقول ثالث:" هذا أورنيك العثمانلي" ويقول رابع:" هذا من دار المحفوظات" ويقول خامس:" هذا من دار الأستانة" وهذا كتاب فلان وهذا مخطوط علان... إلى غير ذلك من المقولات التي آثرنا أن نقف عندها لنلفت أنظار الجميع إلى ضرورة ربط ذلك كله بكل ما يدور في فلك المنظومة العامة للتاريخ قديماً وحديثاً من جهة, ومقتضيات كل من الواقع الميداني والموروث المتداول عبر الأجيال المتتالية من جهة أخرى, حتى لا يتم اختلاط الحابل بالنابل ويسند الأمر إلى غير أهله.
=========================
وحتى نتمكن من هدم مفهوم (القداسة) المتعلقة بهذه الأمور جميعاً في أذهان الكثيرين من أبناء قومنا, ونجعلهم لا ينزلون أقوال (الأسلاف) منزلة (النص) القرآني الذي يتحتم القتال عليه, وذلك كالانفراد بـ(كتاب) الكاتب الفلاني, أو (حصر) الباشا العلاني, أو (جرد) الشيخ التركاني, دون الاهتمام بالنظرة الشمولية لهذه المصادر جميعاً (وفي آن واحد) وربطها ربطاً مباشر بمقتضيات الواقع الميداني قديماً وحديثاً, ولكي نتمكن من تأكيد ذلك قمنا بلفت الأنظار إلى ضرورة هدم الثقة العمياء في كل ما يرد إلينا من أخبار، سواء عن طريق الأسلاف أو غيرهم، متخذين لذلك نموذجاً لرجلين من (القضاة) كان من الطبيعي أن يلتمس الجميع فيهما أخلاق جديهما العظيمين (الفاروق والصديق) من العدل والإنصاف, والعفة والنزاهة, والصدق والأمانة, والرضا والقناعة, فينزلون أحكامهما منزلة التقديس والتنزيه, إكراماً لجديهما رضوان الله عليهما.
أولهما: القاضي عبدالرحمن بن عبدالله العمري, حفيد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله.
وثانيهما: القاضي هاشم بن أبي بكر البكري, حفيد أمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
=========================
وعلى الرغم من انحدار هذين الحفيدين من شخصيتين عظيمتين في تاريخ العروبة والإسلام, إلا أن تاريخ العرب في مصر قد احتفظ لهما بموقفين متناقضين, في العديد من القضايا، والتي نكتفي بذكر واحدة منها في هذا المقال، هي قضية (تعَرُّب القبط) وبخاصة (الحرس) الذين دخلوا الإسلام بعد الفتح, وتعلموا لغة العرب ورغبوا في الدخول في أنسابهم, شأنهم في ذلك شأن باقي (الشعوبيين) من الفرس والروم والبربر والأتراك وغيرهم, والذين أرادوا أن يتساووا مع العرب في (العروبة) بعد مساواتهم في الإسلام, سعياً للتخلص من عقد النقص التي كانوا يعانون منها في وجود العرب.
=========================
ولم يكن أمام هؤلاء سوى اتخاذ أيسر الطرق ـ وهي المال ـ لتحقيق غاياتهم, وبخاصة بعد أن دفعت قصة (تَعَرُّبهم) جماعة من فرسان العرب إلى التحرش بهم والمبالغة في إيذائهم, ومن هؤلاء الفرسان: أبو رحب العلاء بن عاصم الخولاني, وهاشم بن حديج التجيبي, وأبو الدهمج رياح بن ذوابة الكندي, وغيرهم, مما اضطر الحرسيين إلى الذهاب إلى رجل منهم وهو (زكريا بن يحيى) كاتب العمري, فاشتكوا إليه بقولهم:" حتى متى نؤذى ويطعن في أنسابنا"
========================
قضية العمري في إثبات (عروبة القبط):
-------------------------------------------------
ومن هنا فقد أخذت الجوانب السلبية لشخصية (العمري) تظهر على السطح, بعد قيام كاتبه (زكريا الحرسي) بتقديم (الرشوة) إليه لإثبات (تعرُّبهم) حيث أشار على باقي الحرسيين بجمع مبلغ كبير من المال يدفعونه إلى (القاضي العمري) ليسَجِّل لهم سجلاً يثبت فيه أنسابهم:" فجمعوا له ستة آلاف دينار" واتفقوا على من يحملها إليه, ونظراً لخطورة هذا الأمر على مكانته كقاضي مصر ـ وليس كحفيد للفاروق ـ فقد استغل تعاطف الخليفة هارون الرشيد معه في توريط الخلافة العباسية في هذه (المؤامرة) وبخاصة بعد أن اطمئن على وجود (المال) في حوزته, فقال لكبار الحرس:" ادفعوا إلى الرشيد في ذلك" أي ارفعوا هذا الأمر إلى الخليفة هارون الرشيد بالعراق, حتى يكون سنداً له في تنفيذ هذه المهمة, وإرغام عرب مصر على قبول ما سيفرضه عليهم بشأن تعرب القبط.
========================
وسرعان ما تشكل وفد برئاسة عبدالرحمن بن زياد الحَرَسي للذهاب إلى الرشيد, واتفقوا على تحقيق غايتهم من خلال ما يلي:
1ـ الإسراف في إنفاق الأموال على ذوي الشأن هناك, حتى يكونوا عوناً لهم عند الخليفة الرشيد.
2ـ الإدعاء بأن المفضَّل بن فضالة ـ قاضي مصر الذي سبق العمري ـ قد حكم لهم بإثبات أنسابهم للعرب قبل تولي العمري منصب القضاء, وأنه قد أثبت:" أنهم بنو حوتكة بن أسلم بن الحاف بن قضاعة"
3ـ حمل مخطوطة (مزيفة) جعلوا أحد الخطاطين (يفبركها) لهم في مصر قبل رحيلهم إلى العراق, فينسبها للمفضل القاضي, مقابل مبلغ (ألف دينار).
4ـ حمل نسخة من ديوان المفضل بعد أن دفعوا لمتوليه (ألف دينار) أيضا حتى يوثقها فيه.
=========================
وما إن تمت موافقة الرشيد على طلبهم , بما يتفق مع رغباتهم حتى أخذ (العمري) يبذل قصارى جهده لإلحاقهم بأنساب العرب, وتوثيقهم في ديوانه بشكل رسمي, من خلال دعوته إياهم لإقامة البينة عنده أمام الجميع, وطبقاً لمقولة:" تغرَّب وأَكذِب" فقد أشار عليهم بأن يتجنبوا شهادة جيرانهم من عرب الفسطاط, وأن يكتفوا باستقدام شهودهم من خارجه.
======================
فأتوا بهؤلاء الشهود من مناطق متفرقة, كالحوف الشرقي، والشرقية, وبادية الشام, ليشهدوا لهم ويعلنوا أمام الجميع أنهم عرب, وأنهم من قبيلة (حوتكة) القضاعية القحطانية, وعليه فقد:" سجل لهم العمري ولم يرد واحداً شهد لهم غير حُوَي بن حُوَي بن معاذ العذري القضاعي" لخصومة كانت بينه وبين أشهب بن عبدالعزيز اضطرت محكمة (العمري) الموقرة أن ترد شهادته وفي ذلك يقول يحيى الخولاني:
يا ليت أم حوي لم تلد ذكراً*أو ليت أن حوياً كان ذا خرَسِ
كسا قضاعة عاراً في شهادته*لِله دُرُّ حوي شاهد الحرس
شهادة رجعت لو أنها قُبِلت*لألحق الزورُ منها العَيْرَ بالفَرسِ.
ثم يقول آخر:
ومن أعجبِ الأشياء أن عِصابةً*من القبط فينا أصبحوا قد تعرَّبوا
وقالوا أبونا حَوتكٌ وأبوهمُ*من القبط عِلْج حَبْلُه مُتَذَبذِب
وجاءوا بأجلافٍ من الحوف فادعوا*بأنهم منهم سَفاهاً وأجلبوا
ألا لعن الرحمنُ من كان راضياً*بهم رغْماً مادامت الشمسُ تغربُ
========================
وليس من شك في أن هذه الأمور لم تكن غائبة عن بال العمري فقد أخذ يعد لها العدة منذ اللحظة الأولى لتوليه منصب القضاء حتى صار:" أول من دون الشهود في كتاب" حتى يكونوا رهن إشارته, فاكتفى بهم في القضاء عن سائر الناس, كما اتخذ لنفسه كُتَّاباً على شاكلته, واهتم بالأحباس حتى كان:" من أشد الناس لعمارة الأحباس كان يقف عليها بنفسه ويجلس مع البنائين أكثر نهاره" مما مكنه من أن يحتكر قضاء مصر خلال فترة ولايته, بمثل هذه الطرق المشبوهة, وأن يتاجر في حقوق عامة الناس فيأكل أموالهم بالباطل.
========================
مما جعله يحظى بالالتفاف الأقباط حوله والطواف به والهتاف بإسمه مع كاتبه زكريا الحرسي, إلى الحد الذي جعلهم:" يغدون إذا غدا ويروحون إذا راح" كما دفع عرب الفسطاط إلى أن يردوا على غيظهم بغيظ أشد منه, وأن يصبوا جام غضبهم على صاحبهم (العمري) فيطلقون عليه اسم (أبو الندى) تشبيهاً له بأبي الندى (اللص) مولى قبيلة (بلي)
========================
عزل العمري عن القضاء وإسقاط قضيته:
-------------------------------------------------
وما إن تمكن محمد الأمين بن هارون الرشيد العباسي الهاشمي بالعراق, من تولي الخلافة بعد موت أبيه الرشيد, حتى بادر بعزل (العمري) من منصب القضاء في المحرم سنة 196هـ, وتولية (هاشم بن أبي بكر البكري) قضاء مصر مكانه, مما دفع عرب الفسطاط إلى انتهاز هذه الفرصة في تشكيل وفَّد من وجوههم, وجعلوا على رأسه (أبو رحب الخولاني وهاشم بن حديج التجيبي) للخروج إلى الأمين بالعراق, لإسقاط قضية العمري وأتباعه من الحرسيين, وما كان من الأمين إلا أن يبادر بالموافقة على طلبهم, وأن يكتب إلى البكري كتاباً يؤكد له فيه:" أنه لا يمنح أحداً من غير العرب اللحاق بالعرب" ثم يأمره بأن يرد الحرسيين إلى ما كانوا عليه من أنساب القبط, فرجع الوفد بذلك إلى البلاد المصرية .
وفي أبي رحب الخولاني يقول طاهر القيسي:
ولقد قمعت بني الخبائث عندما*راموا العُلا وتحوتكوا وتعرَّبوا
فرددتهم قبطاً إلى آبائهم*ونَسِيب أصلهم الذي قد غيبوا
وتركتهم مثلاً لكل مُلَصِّقٍ*نسباً إذا التقت المحافل يُضرب
========================
وما إن وصل كتاب الأمين إلى يد البكري, حتى دعا أهل الحرس من (الأقباط) بالقدوم إليه, وشدد عليهم بضرور إحضار (قضية العمري) الخاصة بنسبهم, فسارعوا بالقدوم إليه ظناً منهم أنه سيقر وثيقتهم ويزيدهم شهوداً, غير أنهم قد فوجئوا بما لم يكن في الحسبان, حيث قام (البكري) بإخراج مقراضاً أو (مقصاً) من تحت مصلَّاه فقطع قضية العمري الملفقة, ومزقها تمزيقاً, قائلاً لهم:" العرب لا تحتاج إلى كتاب من قاضٍ إن كنتم عرباً فلا ينازعكم أحد" تلك المقولة التي طالما أكدنا عليها وحثينا الجميع على الوقوف عندها دون تجاوزها.
=========================
قضية البكري في نفي (عروبة القبط):
-------------------------------------------------
وكما حرم (العمري) عرب الفسطاط من الإدلاء بشهادتهم في قضية إثبات (عروبية القبط) من قبل فقد منحهم (البكري) الفرصة الكاملة في قضية نفيها, حيث أمرهم جميعاً بالحضور عنده لإقامة البينة عليهم, فحضر الكثيرون من أهل العفة والقناعة, والصدق والأمانة, والعدالة والإنصاف, فشهدوا:" أن أهل الحرس من القبط, وأن العمري قضى فيهم بجور" فنقض البكري هذه القضية, وأشهد على قضائه بردهم إلى أصولهم من القبط
وفي ذلك يقول مُعلَّى الطائي:
يا بني البظراء موتوا كمداً*واسخنوا عيناً بتخريق السِّجِل
لو أراد اللهُ أن يجعلَكم*من بني العباس طُرًّاً لفعل
لكن الرحمنَ قد صيَّرَكم*قبطَ مصر ومن القبط سِفل
كيف يا قبطُ تكونوا عَرَباً*ومَرِيسٌ أصلُكم شرُّ الجِيَل
ثم يقول يحيى الخولاني:
أشكروا الله على إحسانه*فله الحمد كثيراً والرُّغَب
رجع القبط إلى أصلهم*بعد خزي طَوَّقوه وتعب
ودنانير رشوها قاضياً*جائراً قد كان فينا يغتصب
أخذ الأموال منهم خدعة*وتولَّى عنهم ثم هرب
أبلغ البكريَّ عني أنه*عادل في الحُكم فرَّاج الكُرَب
قد أمات الجور فينا والرُّشا*وأشاع العدلَ فينا فَرَتَب
إلى أن قال يعني العمري:
ما كفته رشوةٌ ظاهرةٌ*وقضايا جور كم فيها عجب
أن أتى أعظم ما يأتي به*أحدٌ أن صيَّر القبط عرب
======================
وعلى الرغم من حالات العسر والضيق التي كان يعاني منها (القاضي البكري) أثناء توليه منصب القضاء, إلا أنه لم يسمح لنفسه بأن تجره إلى طريق العمري ليجمع المال عن طريق الرشوة والغش والتزوير, أو يسير سيرته مع أصحابه فيثرى على حساب عامة الناس, أو حتى يستخدم سلطته كقاضي بأن يُسْكِت الذين يلاحقونه بالمطالبة بالديون التي تراكمت عليه بسبب خسارته في الزراعة, والتي وصفها بقوله:" دخلت مصر وأنا مُقل فزرعت زرعاً فانكسر علي خراجه بآفة لحقتني فيه, وطولبت بذلك الخراج وتُشُدِّد علي فيه, وكان مقارَّة الكاتب حاضراً فعرَّف بي, فقال: سبحان الله ابن صاحب نبيكم والذي قام في مقامه بعده يُطَالَب بمثل هذه المطالبة, ما كان عليه فهو علي وهو له علي في كل سنة"
========================
ومع ذلك فقد تتبع أصحاب العمري كلهم وسجنهم وسجن العمري نفسه وقيده, وطالبه بما صار إليه من الأموال والأوقاف وغيرها, ورد ذلك كله إلى بيت مال المسلمين, ثم قام بإسقاط كل من شهد للحرس من دواوين القضاة, فلم يرجع أحد منهم عند أحد من القضاة, ثم أمر يحيى بن عبدالله بن بكير بأن ينادي على (القاضي العمري) ويشهَّره بخيانته , ولم يكن أمام العمري عندئذٍ سوى الهروب من السجن ليلاً دون أن يُدْرِكه أحد, حتى تمكن من الوصول إلى أمواله التي خبأها بـ(مدين) من أرض الشام, فاحتملها وتبعه جمع من البوادي يخفرونه حتى بلغ (فيْد) ولايزال على هذه الحال حتى لقيه قوم من قبيلتي (أسد وطيء) فأوقعوا به وأخذوا جميع ما حواه فما تخلَّص منهم إلا بحشاشة نفسه.
=========================
وأخيراً:
نوجه الخطاب للسادة الذين يقاتلون من أجل الدفاع المستميت عن كتاب معين أو مخطوطة بعينها, أو حكم محكمة, أو أورنيك أو جرد أو شجرة أو أي مصدر من مصادر البحث في مجال التاريخ والأنساب, وتقديس ما جاء فيه, دون الرجوع إلى ما عداه, بحجة أنها لمؤرخ مشهور, أو لحفيد شيخ أو عمدة أو زعيم أو باشا أو سلطان.
=========================
أما الأسئلة التي تطرح نفسها على هؤلاء فهي:
1ـ ما الذي يجب أن تفعلوه حين يأتيكم حرسي قبطي بوثيقة (العمري) حفيد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟!
فهل ستكتفون بها لتأكيد انتساب الحرسيين إلى حوتكة بن أسلم بن الحاف بن قضاعة, لمجرد أنها لحفيد (الفاروق عمر) أم ستبذلون قصارى جهدكم حتى تعثروا على الوثيقة المخالفة لها وهي وثيقة البكري؟
2ـ وإذا ما تمكنتم من المقارنة بين الوثيقتين, فهل ستسقطون الواقع الميداني قديماً وحديثاً من حساباتكم, أم ستجعلون له في اهتمامكم نصيباً؟
3ـ وإذا ما صادفتكم قصة أو حادثة أو (تخريفة) قد سيطرت على الوعي الجمعي فتداولتها الأجيال المتتالية دون أن يتم توثيقها في كتاب لكاتب مشهور, أو مخطوطة لحفيد ولي أو شيخ أو زعيم.
فهل ستقومون بإسقاط ما أقره الواقع الميداني الحالي, في الوقت الذي لم تسقطوا فيه ـ بل تقاتلون من أجل ـ ما أقره نفس الواقع قديماً، والذي أمد كاتبكم أو خطاطكم بما تقاتلون على قداسته الآن؟!
========================
بعض المراجع والمصادر:
١- كتاب الولاة والقضاة للكندي
٢- كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر لابن حجر
٣- كتاب تاريخ ابن عبدالحكم
٤- كتاب التلخيص للحافظ الذهبي
٥- كتاب الخطط للمقريزي
ولايزل للحديث مع الحفيدين بقية
وللجميع كل التحية والاحترام والتقدير
عبدالغفار العبيدي السلمي