أَداءُ اليمين
إن تأكيد الأخبار بمختلف الأحكام على اسلوب فصحاء العرب في مخاطباتهم ومحاوراتهم وهو انهم اذا أرادوا توكيد الأمر وتحقيقه ، أقسموا عليه بالعظيم الخطير الشأن، أو الكثير النفع ، أو الظاهر الفضل.
وتوكيد الكلام بالقسم اذا اقتضاه الحال اسلوبٌ بليغ رصين..
ولله ان يُقسم بما شاء فأقسم في القرآن في سبعة مواضع لتقرير وجوب الإيمان به والطاعة له،أقسم بأفعاله العجيبة ومصنوعاته البديعة فقال: والسماء وما بناها، والأرض وما طحاها ،والنجم اذا هوى ، والطور ، وكتاب مسطور...
والقَسَم بهذه الأشياء يعني القسم به تعالى إذ هو صانعها ومبدعها.
وقد أقسم تعالى شأنه على التوحيد،وعلى ان القرآن حق،وعلى ان الرسول حق،وعلى الوعد والوعيد والجزاء،وعلى حال الإنسان وطبيعته..
ولذلك كله دلالات على بلاغة القرآن وعظمته.
فعندما يطلب الفريضة من الشاهد |على ان الشاهد يرى ما لا يراه الغائب |أو المظنون ان يقسم بالقرآن ،إنما ينطلق من منطلق إيمانه العميق بأنَّ الشاهد ـ الحالف ـ يخشى الله في كتابه أو أوليائه ان كان اداء اليمين بأحد الأولياء والمعصومين .
لكن بعض من يُرسل لأداء اليمين يقول | إجاني الفرج |، ويستسهل ذلك ويظن في نفسه سهولة إتيان الفرج غير آبه بمردود اليمين الكاذب الذي يضيع حقاً ويهدر دماً ويبريء مجرماً ويخفي جريمة ويعذِّب مجنياً عليهم ويُفرح جناة..
وينسى عذاب الله وويله عليه.!!!
ومن الأعراف ان يرسل الفريضة مضبطة الى الُمحَلِّف يبين فيها ما يريده من الحالف من قول ، ويُعيد المُحَلِّف مضبطة موضحاً فيها أداء المظنون لليمين.
وإذا أنكر المظنون التهمة الموجهة اليه وأقسم على ذلك.. تَبرَّأ من كل تبعة عشائرية. أو ربما يُطالِب بالتعويض ورد الإعتبار.
واذا كان المطلوب لليمين رجل جليل القدر او من الأجاود يكتفي الفريضه بصدق نيّته للتوجه لليمين ولا يُحَلِّـفَهُ احتراماً لمقامه عند عشيرته وعندالآخرين.
***** أهليَّة الرسول ******
المقصود بالرسول هنا ليس الذي يرسله الله الى الناس ..انما المقصود "الطارش" عشائرياً الذي يرسله الفريضه او أحد طرفي النزاع الى الطرف الثاني للتفاوض او لأخذ هُدنة مؤقتة.
ولهذا الطارش أهميَّة كبيرة في تهدئة المشاكل المعاصرة ،أو إشعال نار الفتنة، وتصعيد المواقف.
قيل لفيلسوف أيّ الرُسل أنجح ؟
قال: الذي له جمال وعقل .
وقيل اذا ارسلتم رسولاً في حاجة فاتخذوه :
حَسَنَ الوجه ، حَسَنَ الإسم.
وقال لقمان لإبنه:
يابُنَي لا تبعث رسولاً جاهلاً ، فإن لم تجد حكيماً عارفاً فكن رسول نفسك .
وقال بعضهم:
إذا أبطَا الرسولُ فقل نجاحٌ
ولا تفرح إذا عَجِلَ الرسولُ
وكم من طارشٍ | إجه ايكحلها عماها |..أراد إصلاح شيء فأفسده لقلة معرفته في استخدام مرود الكحل وفتح العين .. في حدود نص المثال.
والعشائر من فرط الحساسية تقيم الساعة ولا تقعدها،..
لذا على الطارش ان يحسن كلامه ويبتعد عن الكلام الفاحش والمعيب واسلوب التهديد.
إنما يجعل من نفسه حمامة بيضاء تطير في أجواء نقيَّة تسُرّ بطيرانها الناظرين.
وقسَّمَتْ العشائر الكلام الى ثلاثة أصناف هي:
*كلام قطف من زهر. يقوله من استقامت سليقته وفطرته وهو " قليل وجليل ".
*كلام نقش في حجر . فهو قوي ومؤثِّر ذو اعتبار.
*كلامٌ فُتَّ من بَعْرٍ. حيث الإطِناب المُمِل، والتكرار الممجوج.
روي أن الوليد بن يزيد طلّق زوجته سُعدى. فلما تزوجت اشتدَّ ذلك عليه وندِم على ما كان منه.
فدخل عليه أشعب فقال له:
هل لك ان تبلغ سعدى عني رسالة،ولك عشرة آلاف درهم؟
فقال اقبضنيها. فأمر له بها.
فلما قبضها قال له: هات رسالتك. فقال ائتها فأنشدها:ـ
أسعدى هل اليكِ لنا سبيلُ
ولاحتى القيامة من تلاقِ
بلى ولعلَّ دهراً ان يـؤاتى
بموت من خليلك او فراقِ
قال فأتاها أشعب فاستأذن عليها فأذنت له فدخل فقالت له: ما بدا لك في زيارتنا ياأشعب؟
فقال: ياسيدتي أرسلني اليكِ الوليد برسالة ثم أنشدها الشعر.
فقالت لجواريها عليكن بهذا الخبيث،..
فقال: ياسيدتي انَّهُ دفع لي عشرة آلاف درهم فهي لكِ واعتقيني لوجه الله.
قالت والله لا اعتقنك، او تبلِّغ اليه ما أقول لك.
قال ياسيدتي فاجعلي لي جعلاً. قالت لك بساطي هذا.قال: قومي عنه فقامت فأخذه وألقاه على ظهره وقال هاتِ رسالتكِ ..فقالت:
أتبكي على سعدى وانتَ تركتها
فقد ذهبتْ سعدى فما انتَ صانِعُ
فلمّا بلَّغه الرسالة ضاقت عليه الأرض بما رحبت وأخذته كظمة..فقال لأشعب :إختر مني ثلاثاً إمّا أن أقتلك ، وإما ان أطرحك من هذا القصر، وإما ان ألقيكَ الى هذه السباع فتفترسك.
فتحيَّرَ أشعب.. واطرقَ مَلياً ثم قال:
ياسيدي ما كنتَ لتعذَّب عيناً نظرت الى سُعدى.
فتبسم وخلى سبيله.
قال الحكيم قيس بن ساعدة الإيادي:
أفضل المعرفة :معرفة الرجل نفسه. وافضل العلم:وقوف المرء عند علمه ،وأفضل المروءة: استبقاء الرجل ماء وجهه.
فعلى الطارش ان يستقي الحكمة مما تقدّم من إيحاء ليسهّل حل المعضلة ويُيَسّر الله عليه..
... يتبع ... سلامية في الاحكام العشائرية..تاليف الشيخ كريم برهان الجنابي
تشويق | 2
أراد أحد شيوخ العشائر أن يعلم ابنه الإصول وحسن التصرف والإهتمام بشؤون العشيرة ليخلفه من بعده في رئاسة العشيرة.
وكان يصطحبه معه في كل مكان.
حصل ان توفى احد ابناء العشيرة وحظر الشيخ وابنه مجلس الفاتحة.
سأل الشيخ والد المتوفى قائلا اشلون مات المرحوم؟|,فأجاب :دهسته سيارة شيخنا.،قال الشيخ |اشوداه للسيارة، اشجاب السيارة عليه!!|.وبعد سنوات مات الشيخ فخلفه ابنه،وسار على نهجه، وحظر فاتحة لأحد ابناء العشيرة .فسأل والد المتوفى|اشلون مات المرحوم؟|فأجابه :مات موت الله شيخنا|فقال الشيخ|اشوداه لله ..اشجاب الله عليه!!|.
بعد النزاع
لقد تربى العرب في تاريخهم وحتى يومنا هذا على اروع القيَم والمُثل الإنسانية النبيلة الراقية التي أهلتهم لأن يكونوا في طليعة الأُمم المؤسسة لأرقى الحضارات.
لقد كرَّمَهُم الله تعالى بالقرآن، وشَرَّفَهم بالنبي العربي الأمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلّم، وجعل لغتهم لغة الإسلام ولغة الجَنَّة.
لقد سارت القبائل العربية على تقاليد وأعراف حميدة الصفات كالتضحية والإيثار وحفظ الأمانة وحماية الجار وإكرام الضيف وتكريم الأسير وإيواء " الدِخيل" واحترام الأحلاف والمواثيق ودفع الديَّة وايفاء الوعود والإلتزام بالسُنن المعقودة بينها... والتفاوض لحل النزاعات...
وقد سارت على ذات النهج ليومنا هذا، مع تغيير بسيط يتماشى مع تطور الحياة والمجتمع.
فلو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر: انه عندما يُقتل شخص ما من قبل آخَر..يقوم ولي القاتل بإرسال طارش لولي المقتول اوالى شيخ عشيرة المقتول لأخذ " كلام " عهد بعدم أخذ الثأر الفوري،ويخبرهم بأن عشيرة القاتل تتعهد بإرضائهم وعلى حسن نيتها للحل.
وربما يكون الطارش أكثر من شخص.
وتتمثل بالطارش المصداقية الإجتماعية الأكيدة، والمعرفة،وحسن الجاه،والقوة العشائرية التأثيرية.وغالباً ما يقوم بالمهمة أحد السادة من بني هاشم من ذرية الحسن والحسين عليهم السلام باعتبارهم رمزاً للدين الواحد وحياديون ومثالاً للصدق و" للحظ والبخت ".
يرسل شيخ عشيرة المقتول على ذوي المقتول ويبلغهم وساطة الطارش ويضغط على آلامهم ،وجراحهم النازفة غضباً ،فيوافقون على هدنة أمدها ثلاثة أيام او تزيد.وتسمى هذه الهدنة القصيرة ب| العَـلَـك|.
وهي مدّة كافية لمراسيم الدفن والفاتحة والتشاور.
ثم يقوم ذوو القاتل بإخفاء القاتل عن الأنظار وترحيله الى منطقة بعيدة ريثما يتم الصلح الكامل.
ويقومون أيضاً بإرسال الطارش بعد إنتهاء مدة العلك ليأخذ هدنة أطول قد تمتد الى شهر او سنة وتسمى ب( العَطْوَه )...
يتدارس خلالها شيوخ العشيرتين كيفية الحل ونزع فتيل الحرب او الثأر.
يجتمع أهل الجاني والمجني عليه عند طرف ثالث (طلب للحـك )لشرح ملابسات الجريمة إن كان هناك أمر يستوجب ذلك. وان ظهرت اختلافات في وجهات نظر الطرفين يقوم الشيوخ بكتابة وثيقة طلب تحكيم | مضبطة | ويرسلونها الى الفريضة لسماع طرفي النزاع،ويعيد ورقة التحكيم الى الشيوخ موضحاً فيها قرار الحكم.
على ضوء قرار الحكم بثبوت القتل والقاتل.. يقوم الطارش بإرسال | الفرشه | وتسليمها لوَلي القتيل ، استعداداً لجمع الناس الوجهاء والتوجه بهم | المشيَه |لعشيرة المقتول لدفع الديَّة.
والفرشة هي مبلغ من المال تُدفع من عشيرة القاتل الى عشيرة المقتول قبل يوم دفع الدية | الفَصُلْ |.
والغرض من الفرشه هو إقامة وجبة غداء للمشيه التي تحضر مراسيم الفصل.
ولابد من الإشارة الى ان مقدار الفرشة يُحدد مسبقاً .وجرت الأعراف ان ينزل مبلغ الفرشة من أصل مبلغ الفصل، أو | محروكه| لا تنزل من أصل مبلغ الفصل حسب سانية كل عشيرة.
ثم يجتمع الوجهاء في مضيف أهل القاتل ويذهبون ( مشية ) كوفد للحوار الى اهل المقتول. وعادة ما يتقدم المشية أحد السادة (( والسادة هم الذين ينتمون في النسب الى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويطلق عليهم أحياناَ " أولاد رسول الله " أو " فروخ الزهرة " ، ولهم مكانة اجتماعية عالية ويلقبون في مصر والحجاز والمغرب بالأشراف .
ومن المفضل في حالات ارسال وفد لخطوبة فتاة او فصل قضية او تسوية خلاف ، وفي ارسال وفد ( مشية ) لتطييب خاطر شخص متألم أو غضبان ، أن يترأس مثل هذا الوفد سيّـد لأنه لا يرد اذا طلب شيئا. ويجلس السادة في مكان الصدارة من المضايف ويعطون الأفضلية والأسبقية أينما ذهبوا وحلّوا . )).
ثم يجري التفاوض بشأن مقدارالفصل وهو دفع الدية في مضيف عشيرة ولي المقتول حيث يبدأ السيد بطلب الرضا قبل شرب الشاي .. بعدها يأذن بذلك شيخ عشيرة المقتول في مضيف الستر والسلامة ويطلب مبلغاً يفوق المقدار المثبت في السانية كديَّة للمقتول .
ويطلب منه الحاضرون تقليل المبلغ... وهكذا حتى يصل المبلغ الى حد معقول ومقبول تكريماَ للأجاويد والسادة. ثم يُسَلَّم المبلغ الى رئيس العشيرة.
وربما تُثبَّت شروط ٌ أخرى غير الدية كأن تكون | جَلْوَهْ |إبتعاد القاتل من المنطقة وغالبا ما تحدد مدة الجلوه مابين 3 ـ 7 سنة كحد أعلى. وإذا عُثِر على القاتل في المنطقة المحرمة عليه فيحق لأهل المقتول قتله ولا يدفعوا ديَّته.
بعد جلسة الفصل.. يتصافح ذوو القاتل مع ذوي المقتول بمباركة الحضور لهذا الصلح وينتهي النزاع .
تُكتب أحياناً مضبطة عشائرية حول الحادث | الجريمة | تتضمن شروطاً وحدوداً معينة تشتمل على التنازل عن الدعوى المقامة في دوائر الدولة ،ومقدار الفصل ومربع قيمته عند العَود | عَكبه على الفصل|او ما تسمى (المثايره)..
وينصرف الجميع مودَعين بعبارات الثناء والمجاملة واٌلإعتذار من التقصير ان حصل .!.
وبهذه المتسلسلة :
( العـلـك ـ العطوه ـ الفرشه ـ المشيه ـ الفصل ـ المضبطه ـ.)
تنتهي الخصومة.
قفة اسلامية في الاحكام العشائرية..تاليف الشيخ كريم برهان الجنابي
تشويق |3
• كتب أحد الولاة الى الخليفة عمر بن عبد العزيز يطلب منه مالاً يعينه على بناء سور عاصمة الولاية، فأجابه عمر : وماذا تنفع الأسوار ؟ حَصِّنها بالعدل، ونَقِّ طريقها من الظلم .
• سُئِلَ إعرابي عن أعجب ما مرَّ به في حياته فقال: هما حادثان، كلما تذكرت الأولى ضحكت ، وكلما تذكرت الثانية بكيت.. قيل له فما الأولى التي تضحكك؟ قال: كنت في الجاهلية أعبد صنماً من العجوة ( التمر ).فإذا دار العام أكلت هذا الصنم وصنعت من البلح الجديد صنماً غيره.
قيل له: وما الثانية التي تبكيك؟ قال : بينما كنت أحفر لوأد إبنتي كان الغبار يتناثر على لحيتي فكانت ابنتي هذه تنفض عن لحيتي هذا الغبار، ومع ذلك وأدتها.
الجريمة والعقاب
الجريمة:
تعرَّف الجريمة بأنها كل فعل مخالف للقانون أو النظام أو الآداب العامة.
العقاب :
هو الجزاء الذي يفرضه القانون او المجتمع على كل فعل يُعَد مخالفاً للقانون أو النظام او الآداب العامة..
وضعت الأمم في حدود 1789م قوانين حقوق الإنسان ليكون الأفراد على بَيِّنَة من الجرائم التي يعاقب عليها القانون فيكون ذلك رادعاً لهم عن ارتكابها.
وقد سبقت الشريعة الإسلامية القوانين الوضعية بحوالي 11قرناً.
والشريعة الإسلامية تتفق مع القوانين الوضعية ـ التي وضعتها الدول ـ في ان الغرض من تقرير الجرائم والعقاب عليها هو حفظ مصلحة الجماعة، وصيانة نظامها، وضمان بقائها.
وبهذا قال الله تعالى في تعليل القصاص في القتلى:
بسم الله الرحمن الرحيم |.. ولكم في القصاص حياة يا أُولي الألباب لعلَّكم تتقون.| البقرة:179
فالقصاص هو معاملة الجاني بمثل جنايته.
والشريعة الإسلامية التي جاءت بهذه القاعدة لم تُحدد العقوبات إلاّ في أُمهات الجرائم وكبائر المعاصي، وهي التي يضطرب بها الأمن ويفسد المجتمع.
وقد وردت في القرآن ست جرائم وهي :
قتل النفس بغير حق ، وقطع الطريق ، والزنا ، والسرقة،والجناية على الأطراف ، والقتل الخطأ.
وسنقوم بشرح أحكامها في القرآن باختصار، وذكر أحكامها في سواني العشائر، حيث لا يمكننا تصديق أو تكذيب أحكامها في السواني لهذا لا يعتمد إلاّ على ما وافق الحق.
وهناك عقوبات نصَّ عليها النبي "ص" وهي عقوبة شرب الخمر والردَّة عن الإسلام ، وما عدا ذلك من الجرائم لم تحدد العقوبات فيه بل تُرك ألأمر للحكّام وأهل الرأي من العلماء الذين يتدبرون عواقب الإمور، ويعرفون قيمة الحياة ليلاحظوا ملابسات الجريمة، وحالة المجرم، وظروفه ، وما يناسب البيئة ويتفق مع أحوال الأُمة.
أحكام الجرائم في القرآن
جريمة القتل :
تقسم جريمة القتل الى نوعين من الجرائم هما جريمة القتل العَمد، وجريمة القتل الخطأ.
وقبل الخوض في شرحهما لابد من التمهيد بأول جريمة قتل في التاريخ..
قال الله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم| واتلُ عليهم نبأ ابنى آدمَ بالحقِ إذْ قَرَّبا قُرباناً فتُقُبِّل من أحدهما ولم يَتَقبَّل من الآخر قال لأقتلنَّكَ قال إنمّا يتقبلُ الله من المتقين. لئن بسطتَ اليَّ يدك لتقتُلني ما أنا بباسط يدي اليك لأقتلك اني أخافُ الله ربَّ العالمين.اني أريدُ ان تُبوأَ بإثمي واثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاءُ الظالمين. فطوعت له نفسهُ قتلَ أخيه فقتلهُ فأصبح من الخاسرين. فبعثَ الله غراباً يبحثُ في الأرضِ ليريهُ كيف يوارى سوأة أخيهِ قال ياويلتي اعجزت ان اكون مثل هذا الغراب فأُواري سوأة أخي فأصبح من النادمين | المائدة: 27 ـ31
تلك هي أول جريمة قتل في الخليقة.إذ ان ابنى آدم يقتل أحدهما الآخر!!حيث لا توجد وقتذاك عشائر. وإذن فلا عجب في الجريمة ولا عجب في العقاب، فلا عجب من قتل الإنسان أخاه..طالما نحن انحدار من القاتل....!!
ماهي قصة القربان التي قتل قابيل أخاه هابيل بسببها؟!
اختلفت الآراء في سبب قتل قابيل أخاه هابيل...واليك عزيزي القارىء جملة من الآراء المختلفة فيه لا لغرض البحث لأنها خارج موضوع الكتاب ، بقدر ما هي منسجمة مع سياقه..:
فالرأي الأول يقول : ان النزاع بين قابيل وهابيل يمثل الصراع بين البداوة والحضارة ، بين الرعي والزراعة.. اذ كان هابيل يمتلك الأنعام ويرعى بها ، وكان لقابيل زراعة الأرض (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي /د.علي الوردي ص22 ). وان الخصومة الشديدة المستمرة بين هابيل وقابيل حسبما وردت في التوراة من ان الله كان يقبل قرابين هابيل ويزدري بقابيل(قايين) وقرابينه .
ويظهر ان التضاد بين الأخوين بلغ شدته ، فظنّ قابيل ذات مرة ان أخيه قام بكسر السدود على ترع الرعي ( من جنة عدن الى عبور نهر الأردن /وليم ويلكوكس ـ تعريب محمد الهاشمي ص17 )فعدا عليه ودنّسَ يده بقتله. وكان غضب الرب لهذا الجرم عظيما.
والرأي الثاني يقول : ان الله أرسل حوريتين ليتزوج كل واحد منهما حورية .. وكانت احداهن أجمل من الأخرى مما جعل قابيل يقتل اخاه لأن هابيل أراد الأجمل..!!؟؟؟
والرأي الثالث يقول : ان آدم ع قد زوّج ولديه من قوم آخرين !!!؟؟؟
والرأي الرابع الذي سننشد منه خلاصة الجريمة هو :
إنَّهُ وِلِدَ لكل واحد من قابيل وهابيل|إبنا آدم ع| أُخت توأم له،فأمر آدم كل واحد بتزويج أُخت الآخر ـ وكانت اخت قابيل أحسن من الأخرى،فأرادها لنفسه، وحسد أخاه عليها، فقال آدم : قرّبا قرباناً، فأيكما قُبل قربانه فهي له.
كان قابيل صاحب زرع فعمد الى اخبث طعام .
وعمد هابيل وكان صاحب ماشية الى شاة سمينة ولبن وزبد. (مجمع البيان للطبرسي 3ـ3\283).
فصعدا بالقربانين الى الجبل فأتت النار فأكلت قربان هابيل وكانت هذه هي علامة قبول القرابين في تلك الأزمنة، ولم تعرض لقربان قابيل.وكان آدمُ غائباً عنهما بمكة ( الطوسي .التبيان\3\493\).فقال قابيل: لا عِشتَ ياهابيل في الدنيا، وقد تُقُبِّل قربانكَ ولم يُتقبِّل قرباني، وتريد أن تأخذ أُختي الحسناء وآخذ اختك القبيحة، فقال هابيل ما حكاه الله تعالى، | أمر الله تعالى أن يُنكح آدمُ قابيل اخت هابيل ، وهابيل اخت قابيل |.
فخدشهُ بحجر فقتلهُ، ثم حملهُ على عاتقهِ، وكان يضعه على الأرض ساعة ويبكي ، ويعود يحمله كذلك ثلاثة أيام الى أن رأى الغُرابينِ..
يُذكر أن بجبل قاسيون شمال دمشق مغارة تسمى مغارة الدم يعتقد بأنها المكان الذي قتل فيه قابيل أخاه هابيل .
لا يوجد قصاص عشائري في تلك الجريمة. فالله أرشد عبده ، وترك لنا العبرة في العذاب. والله أعلم .