سقطت امبراطورية الفرس الساسانية في عهد "يزدجرد التالت"، في الموجة التانية من الفتوحات تحت قيادة سيدنا "سعد بن أبي وقاص" سنة 14هـ/سنة 636م، فكان النصر الحاسم في معركة القادسية على جيش الفرس بقيادة "رستم"، يوم 19 نوفمبر سنة 636م انتهت معركة القادسية وانهزم عسكر الفرس بقيادة "رستم فرخزاد"، في ج2 من "تاريخ الرسل والملوك" بيقول "الطبري" إن بعد هزيمة الجيوش الفارسية هرب "رستم" للنجاة بحياته، وطاردته قوة من فرسان المسلمين، فقتلوه واحتزوا رأسه.. وبكدا انتهت سيطرة الساسانيين على الجبهة الغربية لبلاد فارس، لكن استمرت الغارات المستمرة للفرس على العراق بغرض استرجاعها تاني، وعشان كدا أمر أمير المؤمنين الخليفة "عمر بن الخطاب" بتجريد الجيوش لفتح كل بلاد فارس سنة 21هـ/ سنة 642م، وعمل مجموعة هجمات منسقة ودقيقة، أدارها بنفسه من المدينة، على بعد آلاف الأميال من ميادين المعارك في فارس، انتصاراته هناك أكسبته سمعة كأحد أعظم العباقرة الاستراتيجيين والسياسيين في التاريخ، وسنة 23هـ/ سنة 644م استُكمل فتح بلاد فارس، واضطر "يزدجرد" للهروب من عاصمة الدولة الساسانية المدائن بعد انهيار مقاومتها قدام زحف جيوش المسلمين، خرج "يزدجرد" هارب في أهل بيته ووقف بباب إيوان كسرى وقال: "السلام عليك أيها الإيوان ها أنا ذا منصرف عنك وراجع إليك، أنا أو رجل من ولدي لم يدن زمانه ولا آن أوانه"، وصل الامبراطور المهزوم لحلوان، وبعدين لأصبهان، فلما انتصر المسلمين في نهاوند هرب لولاية اصطخر. فتوجه "عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي" بعد فتح اصبهان لاتباعه فلم يقدر عليه، فلما شاف "یزدجرد" الهزيمة هرب لولاية خراسان، فلما وصل حد مرو فی الجنابد استقبله "ماهويه" مرزبانها وقائد قواته "نيزك" لمدة شهر، لكنهم انقلبوا عليه، وقتلوه، اقرأ المقال دا: https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=354031472252728&id=100029376351171&mibextid=Nif5oz
بعد حوالي قرن من الأحداث دي، اتولد بطل الحدوتة في ماه البصرة قرب أصبهان سنة 718م، تضاربت روايات المؤرخين عنه، في ج6 من كتاب "سير أعلام النبلاء" قال الإمام "الذهبي"، اسمه "اسمه عبد الرحمن بن مسلم" ، ويقال : "عبد الرحمن بن عثمان بن يسار الخراساني" مجرد اسم، أبوه كان شخص فارسي وأمه جارية، وكان أبوه من أهل رستاق من قرية سنجرد، وكانت هي وغيرها ملكا له، وكان بيشتري مواشي للكوفة، لكنه ضمن عليها وغرم وبقى في ضيقة دفعته للهرب بجاريته وهي حبلى، واضطر يبيعها لأخوين "عيسى وإدريس" ابني "معقل العجلي"، ولدته عنده وأسماه "إبراهيم"، طلع طفل مع أولاد العجلي بيرعى أراضيه، وبدأ يخدمهم لما شب بيجمع الأموال من مزارعهم المنتشرة في إصفهان والكوفة، وأصبح مولى لهم، لحد ما قام والي العراق الأموي "خالد بن عبد الله القسري" بالقبض عليهم، وحبسهم في الكوفة، وقتها وصلت جماعة من نقباء الإمام العباسي "محمد بن علي بن عبد الله بن عباس"، فدخلوا على الأخوين يسلموا عليهما، فرأواه عندهم، فأعجبهم عقله وأدبه وكلامه، ومال هو إليهم، عرف أمرهم ودعوتهم بالخلافة لآل البيت من بني "العباس بن عبد المطلب"، هرب الأخوين "عيسى وإدريس" من السجن، فلزم الفتى النقباء وسار صحبتهم لمكة، فأحضروه لابن الإمام "محمد"، "إبراهيم"، وأهدوا إليه الفتى، فشب معاه في خدمة الدعوة اللي تولى هو إمامتها بعد وفاة أبوه، فأعجب بيه، وقال إبراهيم لهم: "هذا عضلة من العضل"، فكان رفيق لأخويه "عبد الله السفاح" و"أبو جعفر المنصور" اللي شاءت الأقدار لهما تولي الخلافة بعد نجاح الدعوة، وأنا كتبت عن الأحداث دي بالتفصيل في مقال سابق، ممكن تقرأه من هنا: https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=969720620683807&id=100029376351171&mibextid=Nif5oz
الإمام "إبراهيم" وثق فيه، في ج10 من "البداية والنهاية" بيقول "ابن كثير" إنه هو اللي غير اسمه ل"عبد الرحمن بن مسلم"، وبقى كنيته "أبو مسلم"، اللي اتعرف في التاريخ باسم "أبو مسلم الخراساني"، ومش بس كدا، دا "ابن كثير" زود كمان في الغموض عن أصل "أبو مسلم"، بإنه بعض الروايات قالت إنه أصابه سبي في صغره، اشتراه بعض دعاة بني العباس واستوهبه الإمام "إبراهيم بن محمد"، وعلى كل حال، رأى "إبراهيم" فيه الكفاءة والذكاء والقدرة، فأخبر الشيعة العباسية بإنه قد "تأمل فيه شمايل الذي يقوم بهذا الأمر، يعني الثورة، فاحفظوا به"، وبقي "أبو مسلم" في خدمة الإمام "إبراهيم" بيستعمله في حمل رسايله لأنصار دعوته في خراسان والكوفة لحد سنة 745م، اختمرت الدعوة العباسية وضعف أمر السلطة الأموية في خراسان، وطلب النقباء الخراسانيين من "إبراهيم" إرسال من ينوب عنه من أهل البيت، ليمثله في خراسان ويتكلم باسمه، قرر إرسال كذا حد ولكنهم اعتذروا، فقرر إنه يرسل ليهم "أبو مسلم"، وأوصى نقيب العباسيين على خراسان "سليمان بن كثير الخزاعي" بإطاعته، بعد ما كان مجرد تابع له، كان "أبو مسلم" على معرفة بأحوال خراسان لأنه زارها كتير قبل كدا، لكن لما "إبراهيم" بعت "أبو مسلم" المرة دي قال له: "أنت رجل من أهل البيت"، العبارة دي غيرت حياته، ورفعت قدره بين شعب خراسان، وكان "سليمان الخزاعي" متربص بيه، لأنه كان منتظر حد من العباسيين، فجأة جاله شخص غامض، مجهول النسب، شاب عنده بتاع 28 سنة ومش من العرب أصلًا، هو نفسه كان دايم القول إنه بينتمي للإسلام وبس، مفيش هنا حسب ونسب ودم وعرق، ويمكن دا اللي دفع الناس للتأويل والنظر فيه، وترددت الروايات بين أحفاد الفرس لتناول الروايات عنه، وقالوا إنه واحد من أحفاد آخر الأكاسرة "يزدجرد التالت"، اللي بدوره تنبأ بعودة الحكم لأحفاده وهو واقف للمرة الأخيرة في إيوان "كسرى"، وقال:
- "السلام عليك أيها الإيوان ها أنا ذا منصرف عنك وراجع إليك، أنا أو رجل من ولدي لم يدن زمانه ولا آن أوانه"..
وبدأ القول بإنه "آن أوانه" بعد كل السنين دي! أيوة، الدم الفارسي بيقدسوه، وهم أقوام مؤمنين بتحقيق الأساطير، لكن، موقف "سليمان الخزاعي" من أبي مسلم كان مش ودي في بادئ الأمر، لأنه مش متقبل فكرة إن الإمام يرسل له مولى له ليمثّله في خراسان، ولكن موقف "أبو مسلم" كان مرن وذكي، لأنه تقرب من "سليمان" وبجله، وأعلمه بإن الإمام أوصاه بألا يعصي له أي أمر، وأكد إنه أطوع له من يمينه، وإنه جاي هنا عشان يأتمر بأمره، وقتها، كانت شيعة العباسيين في قرى خراسان ومدنها مش بيطيعوا إلا "سليمان الخزاعي"، لأنه هو صاحبهم والمنظور إليه منهم، وبالفعل، كسب "أبو مسلم" ود وثقة ودعم "سليمان"، اللي كتب لأنصاره هناك يخبرهم بأمر "إبراهيم الإمام" وإرساله "أبو مسلم الخراساني" ممثلاً عنه، ونائب له عليهم، ليأتمروا بأمره ويطيعوه، وقد كان، 5 من "سير أعلام النبلاء" قال الإمام "الذهبي"، فقام "أبو مسلم" في خراسان واستمال أهلها، ونجح في وقت قصير إنه يسيطر على زمام الموقف في خراسان، واتفق أمر النقباء في الاجتماع اللي عقدوه للنظر في أمر المكان الملائم لإعلان الثورة، إن "مرو" أصلح مكان لإعلانها، وأُرسِل الدعاة؛ ليخبروا الشيعة العباسيين بالالتقاء والتجمع في مرو في الوقت المحدد، وكان يوم عيد الفطر سنة 129هـ. ذاع الخبر ووصل لوالي خراسان الأموي "نصر بن سيار" فعمل لهم كمين، عشان يعتقلهم جماعة جماعة، ويقضي عليهم، ولكن مخبرين "سليمان الخزاعي" عرفوه بالخطة، وأشارا على "أبو مسلم" بضرورة التجمع وإعلان الظهور قبل الموعد المحدد، وإلا: "تشتت الشيعة، وفشلت الحركة"..
في ج4 من كتاب "الكامل في التاريخ" بيقول "ابن الأثير" إن "أبو مسلم" بث الدعاة في أقطار خراسان، فدخل الناس أفواج في الدعوة العباسية وكتروا ، وفشت أخبار الدعاة بخراسان كلها، وكتب إليه "إبراهيم الإمام" أن يوافيه ليأمره بأمره في إظهار دعوته، ويحمل إليه ما اجتمع عنده من الأموال ففعل ذلك وسار في جماعة من النقباء والشيعة، فلقيه كتاب الإمام يأمره بالرجوع لخراسان وإظهار الدعوة فيها، فأعلنها "أبو مسلم" ولمّا يبق من رمضان إلا خمسة أيام، وعسكر في مكان حصين تابع ل"سليمان الخزاعي" اللي أصبح نقطة تجمع أنصار الدعوة لآل البيت، وحين فشا خبر أبي مسلم أقبلت الشيعة من كل جانب لمرو، وكتر جمعهم، وسودوا ثيابهم، ونصبوا أعلامهم، ونشروا راياتهم، فصلى بيهم "سليمان بن كثير الخزاعي" يوم العيد، وهي أول جماعة كانت لأهل الدعوة، وهزم والي الأمويين فيها "نصر بن سيار"، وقدر يستولي على مدينة مرو قاعدة خراسان سنة 131هـ، واضطر "نصر بن سيار" للانسحاب تتعقبه الجيوش العباسية، ولكنه مات في الطريق سنة 748م، وفي الوقت اللي كان "أبو مسلم" بيقوم بإتمام السيطرة على خراسان، واصلت الجيوش زحفها نحو العراق، واضطر والي العراق "يزيد بن هبيرة" الانسحاب والتقهقر لمدينة واسط جنوبي العراق والتحصن فيها، ووثب "أبو مسلم" على "ابن الكرماني" والي نيسابور وقاتله فقتله واستولى عليها، انتصر هناك، فكان بيدعو لطاعة "إبراهيم الإمام" من غير تصريح باسمه لحين ظهور أمره، وكانت شيعتهم يختلفون إليه ويكاتبوه من خراسان، وفي ج 10 من "البداية والنهاية" بيقول "ابن كثير"، إن "أبو مسلم الخراساني" بعت رسالة ل"إبراهيم الإمام" مع أعرابي، فلما وصل الرسالة ل"إبراهيم الإمام" أكرم الأعرابي، ولكنه توجس خيفة منه لأنه رآه عربيًا فصيحًا، فكتب رسالة ل"أبو مسلم" وقال:
- "ألم أنهك عن أن يكون رسولك عربيًا، يطلع على أمرك، فإذا أتاك فاقتله"..
ولكن الأعرابي اتشكك في الأمر، فقرأ الرسالة، وعلى طول طلع بيها على دمشق وقابل الخليفة الأموي "مروان بن محمد"، وأبلغ عن مكان "إبراهيم الإمام"، فكتب "مروان بن محمد" لنائب دمشق أن يحضره، فخرجت سرايا العسكر الأموي تجوب العاصمة بحثًا عنه ومعاهم صفته ونعته، وتم القبض على أخوه "عبد الله الأصغر أبو العباس"، فاعتقدوا إنه هو واعتقلوه ولكن الأعرابي قال لأ إنما أخوه، فدل على "إبراهيم"، وتم القبض عليه هو وزوجته أم ولد، وأوصى لأهله أن يكون الإمام من بعده أخوه "أبو العباس"، وأمرهم بالخروج من الشام والاختباء في الكوفة، فارتحلوا من يومهم ليها، منهم أعمامه الستة وهم: عبد الله، وداود، وعيسى، وصالح، وإسماعيل، وعبد الصمد، بنو علي، وأخواه: أبو العباس، ومحمد، ابنا محمد بن علي، وابناه: محمد، وعبد الوهاب، ابنا "إبراهيم الإمام" المعتقل، وخلي بالك إن المقال دا بتاع "أحمد الكراني"، واللي هيسرقه مش هياخد باله من السطر دا، ودخل العباسيين لمدينة الكوفة متخفيين، أنزلهم "أبو سلمة الخلال" داعي الدعاة الأخير في دار مولى بني هاشم "الوليد بن سعد"، وهم هناك وصل لهم خبر مقتل "إبراهيم" في سجن حران سنة 131 هـ، "ابن عساكر" قال في "تاريخ دمشق" إن أقاربه من بني العباس لبسوا السواد حزناً عليه، وكان دا سبب اتخاذ العباسيين للون الأسود رمز وشعار على راياتهم، روى ابن عساكر بإسناده: "أن رجلا قام إلى أبي مسلم وهو يخطب فقال: ما هذا السواد الذي أرى عليك؟ قال: حدثني أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله: «أن رسول الله ﷺدخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء». وهذه ثياب الهيئة وثياب الدولة. يا غلام اضرب عنقه..
"أبو سلمة الخلال" كتم أمر العباسيين حوالي 40 يوم، وأخفاهم عن عيون البصاصين والمخبرين الأمويين، وبعدين ارتحل بيهم لمكان تاني، ولما قدم "أبو العباس" وأهله في السر على "أبو سلمة الخلال" عزم أن يجعل الدعوة شورى، بين ولد "علي بن أبي طالب" و"العباس بن عبد المطلب"، ولهم حرية اختيار من أرادوا، وقرر بالأمر لأبناء سيدنا "علي" من "الحسن والحسين"، فكتب لأكبر 3 منهم، "جعفر بن محمد بن علي بن الحسين" و"عمر بن علي بن الحسين" و"عبد الله بن الحسن"، ووجه بالكتب مع رجل من مواليهم من ساكني الكوفة، فبدأ ب"جعفر بن محمد" فلقيه بالليل وأعلمه أنه رسول أبي سلمة وأن معاه كتاب ليه منه، فقال: وما أنا وأبو سلمة وهو شيعة لغيري؟ فقال الرسول: تقرأ الكتاب وتجيب عليه بما رأيت. فقال جعفر لخادمه: قدم مني السراج، فقدمه فوضع عليه كتاب أبي سلمة فأحرقه وقال: قد رأيت الجواب.. فخرج من عنده وراح ل"عبد الله بن الحسن"، فقبل كتابه وركب ل"جعفر بن محمد" فقال له: أي أمر جاء بك يا أبا محمد؟ لو أعلمتني لجئتك. فقال: أمر يجل عن الوصف، هذا كتاب أبي سلمة يدعوني لأمر ويراني أحق الناس به، وقد جاءته شيعتنا من خراسان. فقال له جعفر الصادق ومتى صاروا شيعتك؟ أنت وجهت أبا سلمة إلى خراسان وأمرته بلبس السواد؟ هل تعرف أحدا منهم باسمه ونسبه؟ كيف يكونون من شيعتك وأنت لا تعرفهم ولا يعرفونك؟ فقال: عبد الله أن كان هذا الكلام منك لشيء فقال جعفر: قد علم الله أني أوجب على نفسي النصح لكل مسلم فكيف أدخره عنك؟ فلا تمنين نفسك الأباطيل، فإن هذه الدولة ستتم لهولاء القوم ولا تتم لأحد من آل أبي طالب، وقد جاءني مثل ما جاءك. فانصرف غير راض بما قاله..
وفي سنة 132 هـ انتصرت قوات "أبو مُسلم" على قوات الأمويين في العراق، وقاد جيوشه للتوجه على اللكوفة، وكان خرج فيها "محمد بن خالد بن عبد الله القسري" داعي لبني العباس، فقام "أبو العباس" بتحويل الدعوة لدولة، ومع دخول جيوش الخراسيين لمدينة الكوفة سلموا الإمارة لداعي الدعاة "أبو سلمة الخلال"، اللي كانت ردود أئمة العلويين وصلته وغلبه النقباء والأمراء في دعوة العباسيين، وبعد ما غلب الأمراء "أبو سلمة الخلال" جاءوا ب"أبي العباس" وسلموا عليه بالخلافة، وكان عمره وقتها 26 سنة، وتقدم "أبو سلمة الخلال" أول من سلم عليه بالخلافة، في ليلة الجمعة 23 ربيع الآخر سنة 132 هـ، وكان "أبو العباس" عارف باتصال "أبو سلمة" بالعلويين، فلما بويع بالخلافة، جاء "أبو سلمة" يعتذر ليه، فتظاهر بقبول اعتذاره، وبعدين أوعز لقائده "أبو مسلم الخراسانية أن يقتله، فأرسل واحد من أشد وأشرس مقاتليه اسمه "مرار بن أنس الضبي" فقتله، فلما جاء وقت صلاة الجمعة، خرج "أبو العباس" على الناس فوق فحل أمهق، والجنود ملبسة معاه لحد ما دخل دار الإمارة، وبعدين دخل المسجد الجامع وصلى بالناس، وطلع على المنبر وبايعه الناس خليفةً وهو على المنبر في أعلاه، وعمه "داود بن علي" واقف تحته ب3 درجات، وتم تنصيبه خليفة..
وفي 11 جمادى الآخرة أرسل "أبو العباس" جيوشه لمنازلة الأمويين فسحقهم، كانت معركة الزاب الكبرى أو معركة الزاب الأعلى، الحدث الأهم في سنة 132 هـ الموافق 25 يناير 750 م، وقعت المعركة قرب نهر الزاب الكبير وهو أحد روافد نهر دجلة في شمال العراق، عمت الثورة اللي قام بيها الخراسانيين ضد الحكم الأموي وعلا شأن بني العباس، اضطر الخليفة الأموي "مروان بن محمد" لقتال الثوار بنفسه في جيش كبير، قاد الخليفة الأموي الأخير جحافل جيوشه في أعداد مهولة تتراوح بين 120 ألف و150 ألف من الأمويين، وكان قائد العباسيين هو "عبد الله بن علي" عم الخليفة "عبد الله الأصغر أبو العباس"، يقود جيش محدود لا يزيد عن 20 ألف، والتقى الجيشان في منطقة الزاب بين الموصل وأربيل، فقطع العباسيون الجسر فغرق من جيش مروان أكثر ممن قُتل، فانهزم جيش مروان وهرب على مصر وتتبعته كتائب العباسيين، مطاردة مهولة هاكتب عنها بالتفصيل قريب، انتهت في مدينة أبي صير، تم القبض على الخليفة الأموي الأخير "مروان بن محمد" وقتله، قطعوا رأسه ورجعوا بيها على الخليفة العباسي "السفاح"، وبمقتله انتهت عمليًا الخلافة الأموية، ولم يبق للأمويين من مدافع إلا والي العراق "يزيد بن هبيرة الفزاري"، فلما وصل له خبر مقتل "مروان" رأى أن لا فائدة من المقاومة، فاتفق مع "أبو جعفر المنصور" على التسليم مقابل التأمين على حياته..
توطّدت سلطة "أبو مسلم الخراساني" بعد قضائه على منافسيه من رجال العرب اللي كانوا بيطمحوا في نيل ولاية خراسان، الدكتور "عبد السلام الترمانيني" بيقول في ج2 من كتاب "أحداث التاريخ الإسلامي بترتيب السنين"، إن بعد ما تولى "أبو مسلم الخراساني" إمارة خراسان تسلط على "سليمان الخزاعي"، فقام الأخير بالشكوى لولي العهد "أبو جعفر المنصور" لما وصل خراسان موفد من قبل أخوه الخليفة "أبو العباس السفاح"، فلما عرف "أبو مسلم" بأمر شكواه أمى بضرب عنقه، واتهمه إنه على اتصال بالعلويين لقلب الحكم، وكمان قتل ابنه وأهل بيته، اللي عمله "أبو مسلم" دا قلّب عليه رأي "أبو جعفر"، ولكن، خروج "أبو مسلم" منتصر بعد سحقه كل الانتفاضات اللي قادها إما دعاة عباسيين انقلبوا على الثورة، أو أنصار العلويين بيطالبوا بالخلافة لآل بيت "علي بن أبي طالب"، دفعت "أبو جعفر" للسكوت، في نفس الوقت أصبح "أبو مسلم" زعيم خراسان غير المنافس، وازدادت سلطته اتساع، حتى إن الخليفة "أبو العباس" ما قدرش إنه يعمل شيء تجاه ازدياد نفوذ "أبو مسلم" في الجناح الشرقي من الدولة، اللي كان هو الحاكم بأمره فيه، وسلطة الخلافة تكاد تكون منقطعة إلا بما يريده "أبو مسلم" نفسه، وبكدا، بدأت بوادر التصادم في السلطة تظهر، وكانت زيارة "أبو جعفر المنصور" على خراسان للوقوف على مدى سطوة "أبو مسلم" هماك، والظاهر إن الزيارة أكدت شكوك العباسيين في نوايا "أبو مسلم"، خصوصًا بعد قتل "سليمان بن كثير الخزاعي" نقيب النقباء الخراساني، دون الرجوع لأي حد من العباسيين..
في ج7 من "تاريخ الرسل والملوك" بيحكي "الطبري" وقائع كتير كانت كافية للعداء، "أبو مسلم" ما احترمش ولي العهد "أبو جعفر المنصور" الاحترام الكافي، لدرجة إنه كان مضطر لطلب الإذن قبل الدخول على مجلس "أبو مسلم"، فلما رجع وقابل أخوه الخليفة "السفاح"، قال رأيه في "أبو مسلم": "لستَ خليفة ولا أمرك بشيء؛ إن تركت أبا مسلم ولم تقتله"، ولكن الخليفة رفض إن حد يتعرض ل"أبو مسلم" بسوء؛ خوفًا من المتاعب اللي ممكن تحصل بسبب قتله، ولاسيما إن الدولة لسة بتتولد ومحتاجة جهود قائد زي "أبو مسلم" هو وجيوشه من الخراسانيين كانوا عضد الدولة العباسية، ولكن، "أبو جعفر" شك في القائد دا، وبرغم كل إيجابياته وقيام الدولة على أكتاف أمثاله، ولكنه شاف فيه خطر لازم يشيله، خصوصًا وإن الإشاعة اللي قالت إنه بيسعى لإقامة دولة فارسية كانت أقرب للتصديق، ومع تسلطه وتجبره على الناس، قال الإمام "الذهبي" عنه: "كان أبو مسلم بلاء عظيما على عرب خراسان فإنه أبادهم بحد السيف"، "كان أبو مسلم سفاكا للدماء يزيد على الحجاح في ذلك، وهو أول من سن للدولة لبس السواد، وكان ذا شأن عجيب ونبأ غريب، من رجل يذهب على حمار بإكاف من الشام حتى يدخل خراسان؛ ثم يملك خراسان بعد تسعة أعوام ويعود بكتائب أمثال الجبال ويقلب دولة ويقيم دولة أخرى"، كان شايف نفسه حفيد كسرى وبيتعامل مع الشعب من المنطلق دا، فلا يخضع لاحد وبيقتل الخلق بالشبهة..
وفي يوم دخل "أبو مسلم" على مجلس الخليفة "أبو العباس السفاح" وهو متوشح سيوفه، بما لا يصح، سلم على الخليفة وعنده أخوه ولى العهد "أبو جعفر"، فتجاهله "أبو مسلم"، فقال له الخليفة: "يا أبا مسلم هذا أبو جعفر، فقال يا أمير المؤمنين هذا موضع لا يؤدى فيه إلا حقك"، وصمم على تجاهله، أسرها "المنصور" في نفسه، وقد تعددت مواقف تعالي "ابو مسلم" علي "ابو جعفر المنصور" في اكتر من موضع، تملك الغضب من "المنصور" وأقسم علي قتله، وقد رأى "أبو جعفر" تجبر "أبو مسلم" وسفكه للدماء بغير حق وإرهاب الرعية، فقال ل"السفاح": "لست بخليفة إن أبقيت أبا مسلم قال وكيف ؟ قال ما يصنع إلا ما يريد . قال : فاسكت واكتمها"، اضطر ولي العهد للسكوت وللكتمان، حتى تقابل موكب الاتنين في موسم الحج، وكان موكب "أبو مسلم" أضخم وأكبر بين طرفيه مسافة أكتر من فرسخ، فيه أكتر من 4 آلاف، رافعين أياديهم بالتكبير، في ج10 من "البداية والنهاية" بيقول "ابن كثير" إن "عيسى بن علي" عم الخليفة "السفاح" دخل عليه يوم عيد الأضحى في آخر النهار، لقى في وشه حبايتين صغيرين كدا، وبدأت الحبوب البيضاء تنتشر في وجهه، عرفوا إنه مريض بالجدري، وفي اليوم الثاني اشتد المرض به حتى بقى مش عارف أي أحد، وفي مساء اليوم انتفخ وجهه، ومات قبل اليوم التالت، مات يوم 11 ذو الحجة وقيل 13 ذو الحجة من سنة 136 هـ / 754م، وهو ما كملش ال33 من عمره، صلى عليه عمه "عيسى بن علي"، ودفنه في الأنبار، وقبل ما ينتهي ذي الحجة تمت البيعة لخلافة "أبو جعفر المنصور"..
كان "أبو جعفر المنصور" فحل بنى العباس، هيبة، عظمة، قوة، جبروت، بيلبس الخشن ويرقع القميص، ورع، زاهد، تقي، مفيش في بيته لهو أو لعب أو سفه، ولم يقف ببابه الشعراء لعدم وصله لهم بالأعطيات زي غيره من الخلفاء، وهو من أعظم رجال بني العباس اللي هابقى اكتب عنه مقال بالتفصيل قريب، في خلقه الجد والصرامة والبعد عن الهزل والترف، اتصف بالشدة والبأس واليقظة والحزم والصلاح والاهتمام بمصالح الرعية، وعرف بالثبات عند الشدائد، ولا شك إن دي من أبرز الصفات اللي كفلت له النجاح في حكم الدولة العباسية، لكنه ما نسيش كرهه الشديد ل"أبو مسلم"، وريبته وتشككه في أمره، رغم كدا، ما منعهوش من الاستعانة بيه في القضاء على انقلاب عمه "عبد الله بن علي"، اللي خرج عن طاعته، وبايع لنفسه بالخلافة في مدينة حرّان بالجزيرة، دامت الحرب بين "أبو مسلم" و"عبد الله بن علي" حوال 6 شهور، شهدت أحداث كتيرة جدًا ممكن اكتب لكم عنها بعدين، اللي لازم تعرفه إن "أبو مسلم" قدر ينتصر على خصمه سنة 137هـ، وهرب "عبد الله" وبقي متخفي، لحد ما ظفرت بيه شرطة الخليفة "المنصور" واعتقلوه، ومات في السجن، وبعدها ازداد "أبو مسلم" غرور واعتداد بنفسه، وروى "الطبري" في ج 7 من تاريخه إن "أبو مسلم" كان يأتيه الكتاب من أمير المؤمنين، فيقرأه، وبعدين يلوي بوزه على سبيل السخرية منه، وأظهر للعلن استخفافه بالخليفة وعدم احترامه له ورفضه ، وصل كل دا لمسامع الخليفة "المنصور"، ووقع أول تصادم بينهم لما "المنصور" أرسل واحد من عماله ل"أبو مسلم" عشان يحصي الغنايم اللي غنمها في الحرب مع عمه "عبد الله"، دي كانت أول مرة يحس فيها "أبو مسلم" إنه مجرد عامل تابع لدار الخلافة اللي متحكم فيها شخص الخليفة، فأثار دا غضب "أبو مسلم"، وقال: "أؤتمن على الأرواح، ولا أؤتمن على الأموال؟"..
وبعدين خرج من الجزيرة غاضب متجه بجيوشه على خراسان، ويبدو إنه أضمر في نفسه نية سوء، وقرر على إظهار الخلاف والعصيان للخليفة، دا رأي كل المؤرخين، واستشهدوا بموقفه من الخليفة، بدليل أنه لم يمر على الخليفة "المنصور" في العراق لاستئذانه بالرجوع لولايته، زي ما جرت العادة، في كتاب "العباسيون الاوائل" بيقول المؤرخ العراقي الدكتور "فاروق عمر فوزي" إن الجو صفى للخليفة "المنصور" بعد هزيمة عمه، وكان لا بد من التخلص من الإزعاج اللي كان يسببه له "أبو مسلم الخراساني"، لكن، وبسبب مكانته القوية في نفوس أتباعه، ف"أبو مسلم" بيشتد مركزه يوم بعد يوم، وساعده بيقوى، وكلمته بتعلو، لكن "المنصور" شم منه رائحة خيانة ولازم يوقفه عند حده، أو يتخلص منه، وإذا كانت التانية أقرب فليكن، وهنا فكر "المنصور" في التخلص منه، فكانت الحيلة، بعت رسالة ل"أبو مسلم" يخبره فيها إن الخليفة ولاه على مصر والشام، وعليه إنه يوجه لمصر من يختاره نيابة عنه، ويكون أقرب من الخليفة وأمام عينيه وبعيدًا عن خراسان، حيث شيعته وموطن رأسه، وكان حكم مصر يعادل الخلافة، رغم كدا رفض "أبو مسلم" وأظهر سوء نيته، وخرج على طاعة إمامه، ونقض البيعة، ولم يستجب لنصيحة أحد، فأغراه "المنصور" وراسله باللين تارة وبالتهدبد تارة، في ج10 من "البداية والنهاية" بيقول "ابن كثير" إن الخليفة "المنصور" كسب ود كل الأمراء اللي حول "أبو مسلم" لحد ما حسنوا له لقياه، لكن فيهم أمير اسمه "نيزك"أشار عليه بإنه يقتل الخليفة ويستخلف حد مكانه، استحسن منه الرأي، وراح يقابل الخليفة في المدائن سنة 137 هـ/ 756 م..
في نفس الوقت، كان الخليفة اتفق مع قائد الشرطة "عثمان بن نهيك" والأمير "شبيب بن واج" على قتل "أبو مسلم"، فأقام لأيام بيظهر له المنصور الإكرام والاحترام، ثم نشق منه الوحشة فخاف "أبو مسلم" بعد ما انفض عنه أنصاره، راح استشفع بابن أخو الخليفة، الأمير "عيسى بن موسى بن محمد"، واستجار به، وقال: "إني أخافه على نفسي فقال: لا بأس عليك، فانطلق فإني آت وراءك، أنت في ذمتي حتى آتيك"، "عيسى" كان مش عنده خبر بنوايا عمه الخليفة، فجاء "أبو مسلم" يستأذن لمقابلة الخليفة "المنصور"، فأوقفه الحرس وقالوا له اقعد هنا هاهنا لأن أمير المؤمنين بيتوضأ، فجلس وهو مترقب ومرتقب، عايز يطول مجلسه لحد ما يوصل الأمير "عيسى بن موسى"، اللي أبطأوه، وأذن له الخليفة فدخل عليه فجعل يعاتبه في أشياء صدرت منه فيعتذر عنها، وبين الخليفة له نقاط الخيانة اللي افتعلها "أبو مسلم" ويستوجب عليها العقاب، وبعدين طلب منه يفين كانا لعمه "عبد الله بن علي" ميراث يُقال إنهم ل"العباس بن عبد المطلب"، كان "أبو مسلم" استولى عليهم في قتاله معاه، فأخدهم الخليفة، وبعدين ضربه بعمود الخيمة وخرج إليه الأميرين، فقطع "عثمان" حمائل سيفه وعرقبه "شبيب" فقطع رجله، وحمل عليه بقية عساكرهم بالسيوف، و"المنصور" يصيح: "ويحكم ! اضربوه قطع الله أيديكم"، فقتلوه، وبعدين د.بحوه وقطعوه قطع قطع، وألقوا بيه في نهر دجلة، وروي إن "المنصور" لما قتله وقف عليه فقال:
- "رحمك الله أبا مسلم ! بايعتنا فبايعناك، وعاهدتنا وعاهدناك، ووفيت لنا فوفينا لك، وإنا بايعناك على أن لا يخرج علينا أحد في هذه الأيام إلا قتلناه، فخرجت علينا فقتلناك، وحكمنا عليك حكمك على نفسك لنا.. الحمد لله الذي أرانا يومك يا عدو الله"..
وفي النهاية، المقال دا وغيره لهم حقوق ملكية، وباكتبهم لحضرتك بكل محبة وتقدير، ولو لسة بتقرأ لحد السطر دا يا ريت تظهر في البوست قبل ما تمشي، لايك أو كومنت أو شير، عشان يستمر المحتوى بتاعي في الوصول ليك بعد كدا، ملحوظة مهمة: غير مسموح بنسخ المقال بأي شكل، ومن يفعل يعرض نفسه للمساءلة القانونية، ومرحب بالمشاركات فقط.. وما تنساش تعمل متابعة للحساب، واشترك في قناة اليوتيوب بتاعتي في أول تعليق ....
فوتكم بعافية..
#أحمد_الكراني
بعد حوالي قرن من الأحداث دي، اتولد بطل الحدوتة في ماه البصرة قرب أصبهان سنة 718م، تضاربت روايات المؤرخين عنه، في ج6 من كتاب "سير أعلام النبلاء" قال الإمام "الذهبي"، اسمه "اسمه عبد الرحمن بن مسلم" ، ويقال : "عبد الرحمن بن عثمان بن يسار الخراساني" مجرد اسم، أبوه كان شخص فارسي وأمه جارية، وكان أبوه من أهل رستاق من قرية سنجرد، وكانت هي وغيرها ملكا له، وكان بيشتري مواشي للكوفة، لكنه ضمن عليها وغرم وبقى في ضيقة دفعته للهرب بجاريته وهي حبلى، واضطر يبيعها لأخوين "عيسى وإدريس" ابني "معقل العجلي"، ولدته عنده وأسماه "إبراهيم"، طلع طفل مع أولاد العجلي بيرعى أراضيه، وبدأ يخدمهم لما شب بيجمع الأموال من مزارعهم المنتشرة في إصفهان والكوفة، وأصبح مولى لهم، لحد ما قام والي العراق الأموي "خالد بن عبد الله القسري" بالقبض عليهم، وحبسهم في الكوفة، وقتها وصلت جماعة من نقباء الإمام العباسي "محمد بن علي بن عبد الله بن عباس"، فدخلوا على الأخوين يسلموا عليهما، فرأواه عندهم، فأعجبهم عقله وأدبه وكلامه، ومال هو إليهم، عرف أمرهم ودعوتهم بالخلافة لآل البيت من بني "العباس بن عبد المطلب"، هرب الأخوين "عيسى وإدريس" من السجن، فلزم الفتى النقباء وسار صحبتهم لمكة، فأحضروه لابن الإمام "محمد"، "إبراهيم"، وأهدوا إليه الفتى، فشب معاه في خدمة الدعوة اللي تولى هو إمامتها بعد وفاة أبوه، فأعجب بيه، وقال إبراهيم لهم: "هذا عضلة من العضل"، فكان رفيق لأخويه "عبد الله السفاح" و"أبو جعفر المنصور" اللي شاءت الأقدار لهما تولي الخلافة بعد نجاح الدعوة، وأنا كتبت عن الأحداث دي بالتفصيل في مقال سابق، ممكن تقرأه من هنا: https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=969720620683807&id=100029376351171&mibextid=Nif5oz
الإمام "إبراهيم" وثق فيه، في ج10 من "البداية والنهاية" بيقول "ابن كثير" إنه هو اللي غير اسمه ل"عبد الرحمن بن مسلم"، وبقى كنيته "أبو مسلم"، اللي اتعرف في التاريخ باسم "أبو مسلم الخراساني"، ومش بس كدا، دا "ابن كثير" زود كمان في الغموض عن أصل "أبو مسلم"، بإنه بعض الروايات قالت إنه أصابه سبي في صغره، اشتراه بعض دعاة بني العباس واستوهبه الإمام "إبراهيم بن محمد"، وعلى كل حال، رأى "إبراهيم" فيه الكفاءة والذكاء والقدرة، فأخبر الشيعة العباسية بإنه قد "تأمل فيه شمايل الذي يقوم بهذا الأمر، يعني الثورة، فاحفظوا به"، وبقي "أبو مسلم" في خدمة الإمام "إبراهيم" بيستعمله في حمل رسايله لأنصار دعوته في خراسان والكوفة لحد سنة 745م، اختمرت الدعوة العباسية وضعف أمر السلطة الأموية في خراسان، وطلب النقباء الخراسانيين من "إبراهيم" إرسال من ينوب عنه من أهل البيت، ليمثله في خراسان ويتكلم باسمه، قرر إرسال كذا حد ولكنهم اعتذروا، فقرر إنه يرسل ليهم "أبو مسلم"، وأوصى نقيب العباسيين على خراسان "سليمان بن كثير الخزاعي" بإطاعته، بعد ما كان مجرد تابع له، كان "أبو مسلم" على معرفة بأحوال خراسان لأنه زارها كتير قبل كدا، لكن لما "إبراهيم" بعت "أبو مسلم" المرة دي قال له: "أنت رجل من أهل البيت"، العبارة دي غيرت حياته، ورفعت قدره بين شعب خراسان، وكان "سليمان الخزاعي" متربص بيه، لأنه كان منتظر حد من العباسيين، فجأة جاله شخص غامض، مجهول النسب، شاب عنده بتاع 28 سنة ومش من العرب أصلًا، هو نفسه كان دايم القول إنه بينتمي للإسلام وبس، مفيش هنا حسب ونسب ودم وعرق، ويمكن دا اللي دفع الناس للتأويل والنظر فيه، وترددت الروايات بين أحفاد الفرس لتناول الروايات عنه، وقالوا إنه واحد من أحفاد آخر الأكاسرة "يزدجرد التالت"، اللي بدوره تنبأ بعودة الحكم لأحفاده وهو واقف للمرة الأخيرة في إيوان "كسرى"، وقال:
- "السلام عليك أيها الإيوان ها أنا ذا منصرف عنك وراجع إليك، أنا أو رجل من ولدي لم يدن زمانه ولا آن أوانه"..
وبدأ القول بإنه "آن أوانه" بعد كل السنين دي! أيوة، الدم الفارسي بيقدسوه، وهم أقوام مؤمنين بتحقيق الأساطير، لكن، موقف "سليمان الخزاعي" من أبي مسلم كان مش ودي في بادئ الأمر، لأنه مش متقبل فكرة إن الإمام يرسل له مولى له ليمثّله في خراسان، ولكن موقف "أبو مسلم" كان مرن وذكي، لأنه تقرب من "سليمان" وبجله، وأعلمه بإن الإمام أوصاه بألا يعصي له أي أمر، وأكد إنه أطوع له من يمينه، وإنه جاي هنا عشان يأتمر بأمره، وقتها، كانت شيعة العباسيين في قرى خراسان ومدنها مش بيطيعوا إلا "سليمان الخزاعي"، لأنه هو صاحبهم والمنظور إليه منهم، وبالفعل، كسب "أبو مسلم" ود وثقة ودعم "سليمان"، اللي كتب لأنصاره هناك يخبرهم بأمر "إبراهيم الإمام" وإرساله "أبو مسلم الخراساني" ممثلاً عنه، ونائب له عليهم، ليأتمروا بأمره ويطيعوه، وقد كان، 5 من "سير أعلام النبلاء" قال الإمام "الذهبي"، فقام "أبو مسلم" في خراسان واستمال أهلها، ونجح في وقت قصير إنه يسيطر على زمام الموقف في خراسان، واتفق أمر النقباء في الاجتماع اللي عقدوه للنظر في أمر المكان الملائم لإعلان الثورة، إن "مرو" أصلح مكان لإعلانها، وأُرسِل الدعاة؛ ليخبروا الشيعة العباسيين بالالتقاء والتجمع في مرو في الوقت المحدد، وكان يوم عيد الفطر سنة 129هـ. ذاع الخبر ووصل لوالي خراسان الأموي "نصر بن سيار" فعمل لهم كمين، عشان يعتقلهم جماعة جماعة، ويقضي عليهم، ولكن مخبرين "سليمان الخزاعي" عرفوه بالخطة، وأشارا على "أبو مسلم" بضرورة التجمع وإعلان الظهور قبل الموعد المحدد، وإلا: "تشتت الشيعة، وفشلت الحركة"..
في ج4 من كتاب "الكامل في التاريخ" بيقول "ابن الأثير" إن "أبو مسلم" بث الدعاة في أقطار خراسان، فدخل الناس أفواج في الدعوة العباسية وكتروا ، وفشت أخبار الدعاة بخراسان كلها، وكتب إليه "إبراهيم الإمام" أن يوافيه ليأمره بأمره في إظهار دعوته، ويحمل إليه ما اجتمع عنده من الأموال ففعل ذلك وسار في جماعة من النقباء والشيعة، فلقيه كتاب الإمام يأمره بالرجوع لخراسان وإظهار الدعوة فيها، فأعلنها "أبو مسلم" ولمّا يبق من رمضان إلا خمسة أيام، وعسكر في مكان حصين تابع ل"سليمان الخزاعي" اللي أصبح نقطة تجمع أنصار الدعوة لآل البيت، وحين فشا خبر أبي مسلم أقبلت الشيعة من كل جانب لمرو، وكتر جمعهم، وسودوا ثيابهم، ونصبوا أعلامهم، ونشروا راياتهم، فصلى بيهم "سليمان بن كثير الخزاعي" يوم العيد، وهي أول جماعة كانت لأهل الدعوة، وهزم والي الأمويين فيها "نصر بن سيار"، وقدر يستولي على مدينة مرو قاعدة خراسان سنة 131هـ، واضطر "نصر بن سيار" للانسحاب تتعقبه الجيوش العباسية، ولكنه مات في الطريق سنة 748م، وفي الوقت اللي كان "أبو مسلم" بيقوم بإتمام السيطرة على خراسان، واصلت الجيوش زحفها نحو العراق، واضطر والي العراق "يزيد بن هبيرة" الانسحاب والتقهقر لمدينة واسط جنوبي العراق والتحصن فيها، ووثب "أبو مسلم" على "ابن الكرماني" والي نيسابور وقاتله فقتله واستولى عليها، انتصر هناك، فكان بيدعو لطاعة "إبراهيم الإمام" من غير تصريح باسمه لحين ظهور أمره، وكانت شيعتهم يختلفون إليه ويكاتبوه من خراسان، وفي ج 10 من "البداية والنهاية" بيقول "ابن كثير"، إن "أبو مسلم الخراساني" بعت رسالة ل"إبراهيم الإمام" مع أعرابي، فلما وصل الرسالة ل"إبراهيم الإمام" أكرم الأعرابي، ولكنه توجس خيفة منه لأنه رآه عربيًا فصيحًا، فكتب رسالة ل"أبو مسلم" وقال:
- "ألم أنهك عن أن يكون رسولك عربيًا، يطلع على أمرك، فإذا أتاك فاقتله"..
ولكن الأعرابي اتشكك في الأمر، فقرأ الرسالة، وعلى طول طلع بيها على دمشق وقابل الخليفة الأموي "مروان بن محمد"، وأبلغ عن مكان "إبراهيم الإمام"، فكتب "مروان بن محمد" لنائب دمشق أن يحضره، فخرجت سرايا العسكر الأموي تجوب العاصمة بحثًا عنه ومعاهم صفته ونعته، وتم القبض على أخوه "عبد الله الأصغر أبو العباس"، فاعتقدوا إنه هو واعتقلوه ولكن الأعرابي قال لأ إنما أخوه، فدل على "إبراهيم"، وتم القبض عليه هو وزوجته أم ولد، وأوصى لأهله أن يكون الإمام من بعده أخوه "أبو العباس"، وأمرهم بالخروج من الشام والاختباء في الكوفة، فارتحلوا من يومهم ليها، منهم أعمامه الستة وهم: عبد الله، وداود، وعيسى، وصالح، وإسماعيل، وعبد الصمد، بنو علي، وأخواه: أبو العباس، ومحمد، ابنا محمد بن علي، وابناه: محمد، وعبد الوهاب، ابنا "إبراهيم الإمام" المعتقل، وخلي بالك إن المقال دا بتاع "أحمد الكراني"، واللي هيسرقه مش هياخد باله من السطر دا، ودخل العباسيين لمدينة الكوفة متخفيين، أنزلهم "أبو سلمة الخلال" داعي الدعاة الأخير في دار مولى بني هاشم "الوليد بن سعد"، وهم هناك وصل لهم خبر مقتل "إبراهيم" في سجن حران سنة 131 هـ، "ابن عساكر" قال في "تاريخ دمشق" إن أقاربه من بني العباس لبسوا السواد حزناً عليه، وكان دا سبب اتخاذ العباسيين للون الأسود رمز وشعار على راياتهم، روى ابن عساكر بإسناده: "أن رجلا قام إلى أبي مسلم وهو يخطب فقال: ما هذا السواد الذي أرى عليك؟ قال: حدثني أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله: «أن رسول الله ﷺدخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء». وهذه ثياب الهيئة وثياب الدولة. يا غلام اضرب عنقه..
"أبو سلمة الخلال" كتم أمر العباسيين حوالي 40 يوم، وأخفاهم عن عيون البصاصين والمخبرين الأمويين، وبعدين ارتحل بيهم لمكان تاني، ولما قدم "أبو العباس" وأهله في السر على "أبو سلمة الخلال" عزم أن يجعل الدعوة شورى، بين ولد "علي بن أبي طالب" و"العباس بن عبد المطلب"، ولهم حرية اختيار من أرادوا، وقرر بالأمر لأبناء سيدنا "علي" من "الحسن والحسين"، فكتب لأكبر 3 منهم، "جعفر بن محمد بن علي بن الحسين" و"عمر بن علي بن الحسين" و"عبد الله بن الحسن"، ووجه بالكتب مع رجل من مواليهم من ساكني الكوفة، فبدأ ب"جعفر بن محمد" فلقيه بالليل وأعلمه أنه رسول أبي سلمة وأن معاه كتاب ليه منه، فقال: وما أنا وأبو سلمة وهو شيعة لغيري؟ فقال الرسول: تقرأ الكتاب وتجيب عليه بما رأيت. فقال جعفر لخادمه: قدم مني السراج، فقدمه فوضع عليه كتاب أبي سلمة فأحرقه وقال: قد رأيت الجواب.. فخرج من عنده وراح ل"عبد الله بن الحسن"، فقبل كتابه وركب ل"جعفر بن محمد" فقال له: أي أمر جاء بك يا أبا محمد؟ لو أعلمتني لجئتك. فقال: أمر يجل عن الوصف، هذا كتاب أبي سلمة يدعوني لأمر ويراني أحق الناس به، وقد جاءته شيعتنا من خراسان. فقال له جعفر الصادق ومتى صاروا شيعتك؟ أنت وجهت أبا سلمة إلى خراسان وأمرته بلبس السواد؟ هل تعرف أحدا منهم باسمه ونسبه؟ كيف يكونون من شيعتك وأنت لا تعرفهم ولا يعرفونك؟ فقال: عبد الله أن كان هذا الكلام منك لشيء فقال جعفر: قد علم الله أني أوجب على نفسي النصح لكل مسلم فكيف أدخره عنك؟ فلا تمنين نفسك الأباطيل، فإن هذه الدولة ستتم لهولاء القوم ولا تتم لأحد من آل أبي طالب، وقد جاءني مثل ما جاءك. فانصرف غير راض بما قاله..
وفي سنة 132 هـ انتصرت قوات "أبو مُسلم" على قوات الأمويين في العراق، وقاد جيوشه للتوجه على اللكوفة، وكان خرج فيها "محمد بن خالد بن عبد الله القسري" داعي لبني العباس، فقام "أبو العباس" بتحويل الدعوة لدولة، ومع دخول جيوش الخراسيين لمدينة الكوفة سلموا الإمارة لداعي الدعاة "أبو سلمة الخلال"، اللي كانت ردود أئمة العلويين وصلته وغلبه النقباء والأمراء في دعوة العباسيين، وبعد ما غلب الأمراء "أبو سلمة الخلال" جاءوا ب"أبي العباس" وسلموا عليه بالخلافة، وكان عمره وقتها 26 سنة، وتقدم "أبو سلمة الخلال" أول من سلم عليه بالخلافة، في ليلة الجمعة 23 ربيع الآخر سنة 132 هـ، وكان "أبو العباس" عارف باتصال "أبو سلمة" بالعلويين، فلما بويع بالخلافة، جاء "أبو سلمة" يعتذر ليه، فتظاهر بقبول اعتذاره، وبعدين أوعز لقائده "أبو مسلم الخراسانية أن يقتله، فأرسل واحد من أشد وأشرس مقاتليه اسمه "مرار بن أنس الضبي" فقتله، فلما جاء وقت صلاة الجمعة، خرج "أبو العباس" على الناس فوق فحل أمهق، والجنود ملبسة معاه لحد ما دخل دار الإمارة، وبعدين دخل المسجد الجامع وصلى بالناس، وطلع على المنبر وبايعه الناس خليفةً وهو على المنبر في أعلاه، وعمه "داود بن علي" واقف تحته ب3 درجات، وتم تنصيبه خليفة..
وفي 11 جمادى الآخرة أرسل "أبو العباس" جيوشه لمنازلة الأمويين فسحقهم، كانت معركة الزاب الكبرى أو معركة الزاب الأعلى، الحدث الأهم في سنة 132 هـ الموافق 25 يناير 750 م، وقعت المعركة قرب نهر الزاب الكبير وهو أحد روافد نهر دجلة في شمال العراق، عمت الثورة اللي قام بيها الخراسانيين ضد الحكم الأموي وعلا شأن بني العباس، اضطر الخليفة الأموي "مروان بن محمد" لقتال الثوار بنفسه في جيش كبير، قاد الخليفة الأموي الأخير جحافل جيوشه في أعداد مهولة تتراوح بين 120 ألف و150 ألف من الأمويين، وكان قائد العباسيين هو "عبد الله بن علي" عم الخليفة "عبد الله الأصغر أبو العباس"، يقود جيش محدود لا يزيد عن 20 ألف، والتقى الجيشان في منطقة الزاب بين الموصل وأربيل، فقطع العباسيون الجسر فغرق من جيش مروان أكثر ممن قُتل، فانهزم جيش مروان وهرب على مصر وتتبعته كتائب العباسيين، مطاردة مهولة هاكتب عنها بالتفصيل قريب، انتهت في مدينة أبي صير، تم القبض على الخليفة الأموي الأخير "مروان بن محمد" وقتله، قطعوا رأسه ورجعوا بيها على الخليفة العباسي "السفاح"، وبمقتله انتهت عمليًا الخلافة الأموية، ولم يبق للأمويين من مدافع إلا والي العراق "يزيد بن هبيرة الفزاري"، فلما وصل له خبر مقتل "مروان" رأى أن لا فائدة من المقاومة، فاتفق مع "أبو جعفر المنصور" على التسليم مقابل التأمين على حياته..
توطّدت سلطة "أبو مسلم الخراساني" بعد قضائه على منافسيه من رجال العرب اللي كانوا بيطمحوا في نيل ولاية خراسان، الدكتور "عبد السلام الترمانيني" بيقول في ج2 من كتاب "أحداث التاريخ الإسلامي بترتيب السنين"، إن بعد ما تولى "أبو مسلم الخراساني" إمارة خراسان تسلط على "سليمان الخزاعي"، فقام الأخير بالشكوى لولي العهد "أبو جعفر المنصور" لما وصل خراسان موفد من قبل أخوه الخليفة "أبو العباس السفاح"، فلما عرف "أبو مسلم" بأمر شكواه أمى بضرب عنقه، واتهمه إنه على اتصال بالعلويين لقلب الحكم، وكمان قتل ابنه وأهل بيته، اللي عمله "أبو مسلم" دا قلّب عليه رأي "أبو جعفر"، ولكن، خروج "أبو مسلم" منتصر بعد سحقه كل الانتفاضات اللي قادها إما دعاة عباسيين انقلبوا على الثورة، أو أنصار العلويين بيطالبوا بالخلافة لآل بيت "علي بن أبي طالب"، دفعت "أبو جعفر" للسكوت، في نفس الوقت أصبح "أبو مسلم" زعيم خراسان غير المنافس، وازدادت سلطته اتساع، حتى إن الخليفة "أبو العباس" ما قدرش إنه يعمل شيء تجاه ازدياد نفوذ "أبو مسلم" في الجناح الشرقي من الدولة، اللي كان هو الحاكم بأمره فيه، وسلطة الخلافة تكاد تكون منقطعة إلا بما يريده "أبو مسلم" نفسه، وبكدا، بدأت بوادر التصادم في السلطة تظهر، وكانت زيارة "أبو جعفر المنصور" على خراسان للوقوف على مدى سطوة "أبو مسلم" هماك، والظاهر إن الزيارة أكدت شكوك العباسيين في نوايا "أبو مسلم"، خصوصًا بعد قتل "سليمان بن كثير الخزاعي" نقيب النقباء الخراساني، دون الرجوع لأي حد من العباسيين..
في ج7 من "تاريخ الرسل والملوك" بيحكي "الطبري" وقائع كتير كانت كافية للعداء، "أبو مسلم" ما احترمش ولي العهد "أبو جعفر المنصور" الاحترام الكافي، لدرجة إنه كان مضطر لطلب الإذن قبل الدخول على مجلس "أبو مسلم"، فلما رجع وقابل أخوه الخليفة "السفاح"، قال رأيه في "أبو مسلم": "لستَ خليفة ولا أمرك بشيء؛ إن تركت أبا مسلم ولم تقتله"، ولكن الخليفة رفض إن حد يتعرض ل"أبو مسلم" بسوء؛ خوفًا من المتاعب اللي ممكن تحصل بسبب قتله، ولاسيما إن الدولة لسة بتتولد ومحتاجة جهود قائد زي "أبو مسلم" هو وجيوشه من الخراسانيين كانوا عضد الدولة العباسية، ولكن، "أبو جعفر" شك في القائد دا، وبرغم كل إيجابياته وقيام الدولة على أكتاف أمثاله، ولكنه شاف فيه خطر لازم يشيله، خصوصًا وإن الإشاعة اللي قالت إنه بيسعى لإقامة دولة فارسية كانت أقرب للتصديق، ومع تسلطه وتجبره على الناس، قال الإمام "الذهبي" عنه: "كان أبو مسلم بلاء عظيما على عرب خراسان فإنه أبادهم بحد السيف"، "كان أبو مسلم سفاكا للدماء يزيد على الحجاح في ذلك، وهو أول من سن للدولة لبس السواد، وكان ذا شأن عجيب ونبأ غريب، من رجل يذهب على حمار بإكاف من الشام حتى يدخل خراسان؛ ثم يملك خراسان بعد تسعة أعوام ويعود بكتائب أمثال الجبال ويقلب دولة ويقيم دولة أخرى"، كان شايف نفسه حفيد كسرى وبيتعامل مع الشعب من المنطلق دا، فلا يخضع لاحد وبيقتل الخلق بالشبهة..
وفي يوم دخل "أبو مسلم" على مجلس الخليفة "أبو العباس السفاح" وهو متوشح سيوفه، بما لا يصح، سلم على الخليفة وعنده أخوه ولى العهد "أبو جعفر"، فتجاهله "أبو مسلم"، فقال له الخليفة: "يا أبا مسلم هذا أبو جعفر، فقال يا أمير المؤمنين هذا موضع لا يؤدى فيه إلا حقك"، وصمم على تجاهله، أسرها "المنصور" في نفسه، وقد تعددت مواقف تعالي "ابو مسلم" علي "ابو جعفر المنصور" في اكتر من موضع، تملك الغضب من "المنصور" وأقسم علي قتله، وقد رأى "أبو جعفر" تجبر "أبو مسلم" وسفكه للدماء بغير حق وإرهاب الرعية، فقال ل"السفاح": "لست بخليفة إن أبقيت أبا مسلم قال وكيف ؟ قال ما يصنع إلا ما يريد . قال : فاسكت واكتمها"، اضطر ولي العهد للسكوت وللكتمان، حتى تقابل موكب الاتنين في موسم الحج، وكان موكب "أبو مسلم" أضخم وأكبر بين طرفيه مسافة أكتر من فرسخ، فيه أكتر من 4 آلاف، رافعين أياديهم بالتكبير، في ج10 من "البداية والنهاية" بيقول "ابن كثير" إن "عيسى بن علي" عم الخليفة "السفاح" دخل عليه يوم عيد الأضحى في آخر النهار، لقى في وشه حبايتين صغيرين كدا، وبدأت الحبوب البيضاء تنتشر في وجهه، عرفوا إنه مريض بالجدري، وفي اليوم الثاني اشتد المرض به حتى بقى مش عارف أي أحد، وفي مساء اليوم انتفخ وجهه، ومات قبل اليوم التالت، مات يوم 11 ذو الحجة وقيل 13 ذو الحجة من سنة 136 هـ / 754م، وهو ما كملش ال33 من عمره، صلى عليه عمه "عيسى بن علي"، ودفنه في الأنبار، وقبل ما ينتهي ذي الحجة تمت البيعة لخلافة "أبو جعفر المنصور"..
كان "أبو جعفر المنصور" فحل بنى العباس، هيبة، عظمة، قوة، جبروت، بيلبس الخشن ويرقع القميص، ورع، زاهد، تقي، مفيش في بيته لهو أو لعب أو سفه، ولم يقف ببابه الشعراء لعدم وصله لهم بالأعطيات زي غيره من الخلفاء، وهو من أعظم رجال بني العباس اللي هابقى اكتب عنه مقال بالتفصيل قريب، في خلقه الجد والصرامة والبعد عن الهزل والترف، اتصف بالشدة والبأس واليقظة والحزم والصلاح والاهتمام بمصالح الرعية، وعرف بالثبات عند الشدائد، ولا شك إن دي من أبرز الصفات اللي كفلت له النجاح في حكم الدولة العباسية، لكنه ما نسيش كرهه الشديد ل"أبو مسلم"، وريبته وتشككه في أمره، رغم كدا، ما منعهوش من الاستعانة بيه في القضاء على انقلاب عمه "عبد الله بن علي"، اللي خرج عن طاعته، وبايع لنفسه بالخلافة في مدينة حرّان بالجزيرة، دامت الحرب بين "أبو مسلم" و"عبد الله بن علي" حوال 6 شهور، شهدت أحداث كتيرة جدًا ممكن اكتب لكم عنها بعدين، اللي لازم تعرفه إن "أبو مسلم" قدر ينتصر على خصمه سنة 137هـ، وهرب "عبد الله" وبقي متخفي، لحد ما ظفرت بيه شرطة الخليفة "المنصور" واعتقلوه، ومات في السجن، وبعدها ازداد "أبو مسلم" غرور واعتداد بنفسه، وروى "الطبري" في ج 7 من تاريخه إن "أبو مسلم" كان يأتيه الكتاب من أمير المؤمنين، فيقرأه، وبعدين يلوي بوزه على سبيل السخرية منه، وأظهر للعلن استخفافه بالخليفة وعدم احترامه له ورفضه ، وصل كل دا لمسامع الخليفة "المنصور"، ووقع أول تصادم بينهم لما "المنصور" أرسل واحد من عماله ل"أبو مسلم" عشان يحصي الغنايم اللي غنمها في الحرب مع عمه "عبد الله"، دي كانت أول مرة يحس فيها "أبو مسلم" إنه مجرد عامل تابع لدار الخلافة اللي متحكم فيها شخص الخليفة، فأثار دا غضب "أبو مسلم"، وقال: "أؤتمن على الأرواح، ولا أؤتمن على الأموال؟"..
وبعدين خرج من الجزيرة غاضب متجه بجيوشه على خراسان، ويبدو إنه أضمر في نفسه نية سوء، وقرر على إظهار الخلاف والعصيان للخليفة، دا رأي كل المؤرخين، واستشهدوا بموقفه من الخليفة، بدليل أنه لم يمر على الخليفة "المنصور" في العراق لاستئذانه بالرجوع لولايته، زي ما جرت العادة، في كتاب "العباسيون الاوائل" بيقول المؤرخ العراقي الدكتور "فاروق عمر فوزي" إن الجو صفى للخليفة "المنصور" بعد هزيمة عمه، وكان لا بد من التخلص من الإزعاج اللي كان يسببه له "أبو مسلم الخراساني"، لكن، وبسبب مكانته القوية في نفوس أتباعه، ف"أبو مسلم" بيشتد مركزه يوم بعد يوم، وساعده بيقوى، وكلمته بتعلو، لكن "المنصور" شم منه رائحة خيانة ولازم يوقفه عند حده، أو يتخلص منه، وإذا كانت التانية أقرب فليكن، وهنا فكر "المنصور" في التخلص منه، فكانت الحيلة، بعت رسالة ل"أبو مسلم" يخبره فيها إن الخليفة ولاه على مصر والشام، وعليه إنه يوجه لمصر من يختاره نيابة عنه، ويكون أقرب من الخليفة وأمام عينيه وبعيدًا عن خراسان، حيث شيعته وموطن رأسه، وكان حكم مصر يعادل الخلافة، رغم كدا رفض "أبو مسلم" وأظهر سوء نيته، وخرج على طاعة إمامه، ونقض البيعة، ولم يستجب لنصيحة أحد، فأغراه "المنصور" وراسله باللين تارة وبالتهدبد تارة، في ج10 من "البداية والنهاية" بيقول "ابن كثير" إن الخليفة "المنصور" كسب ود كل الأمراء اللي حول "أبو مسلم" لحد ما حسنوا له لقياه، لكن فيهم أمير اسمه "نيزك"أشار عليه بإنه يقتل الخليفة ويستخلف حد مكانه، استحسن منه الرأي، وراح يقابل الخليفة في المدائن سنة 137 هـ/ 756 م..
في نفس الوقت، كان الخليفة اتفق مع قائد الشرطة "عثمان بن نهيك" والأمير "شبيب بن واج" على قتل "أبو مسلم"، فأقام لأيام بيظهر له المنصور الإكرام والاحترام، ثم نشق منه الوحشة فخاف "أبو مسلم" بعد ما انفض عنه أنصاره، راح استشفع بابن أخو الخليفة، الأمير "عيسى بن موسى بن محمد"، واستجار به، وقال: "إني أخافه على نفسي فقال: لا بأس عليك، فانطلق فإني آت وراءك، أنت في ذمتي حتى آتيك"، "عيسى" كان مش عنده خبر بنوايا عمه الخليفة، فجاء "أبو مسلم" يستأذن لمقابلة الخليفة "المنصور"، فأوقفه الحرس وقالوا له اقعد هنا هاهنا لأن أمير المؤمنين بيتوضأ، فجلس وهو مترقب ومرتقب، عايز يطول مجلسه لحد ما يوصل الأمير "عيسى بن موسى"، اللي أبطأوه، وأذن له الخليفة فدخل عليه فجعل يعاتبه في أشياء صدرت منه فيعتذر عنها، وبين الخليفة له نقاط الخيانة اللي افتعلها "أبو مسلم" ويستوجب عليها العقاب، وبعدين طلب منه يفين كانا لعمه "عبد الله بن علي" ميراث يُقال إنهم ل"العباس بن عبد المطلب"، كان "أبو مسلم" استولى عليهم في قتاله معاه، فأخدهم الخليفة، وبعدين ضربه بعمود الخيمة وخرج إليه الأميرين، فقطع "عثمان" حمائل سيفه وعرقبه "شبيب" فقطع رجله، وحمل عليه بقية عساكرهم بالسيوف، و"المنصور" يصيح: "ويحكم ! اضربوه قطع الله أيديكم"، فقتلوه، وبعدين د.بحوه وقطعوه قطع قطع، وألقوا بيه في نهر دجلة، وروي إن "المنصور" لما قتله وقف عليه فقال:
- "رحمك الله أبا مسلم ! بايعتنا فبايعناك، وعاهدتنا وعاهدناك، ووفيت لنا فوفينا لك، وإنا بايعناك على أن لا يخرج علينا أحد في هذه الأيام إلا قتلناه، فخرجت علينا فقتلناك، وحكمنا عليك حكمك على نفسك لنا.. الحمد لله الذي أرانا يومك يا عدو الله"..
وفي النهاية، المقال دا وغيره لهم حقوق ملكية، وباكتبهم لحضرتك بكل محبة وتقدير، ولو لسة بتقرأ لحد السطر دا يا ريت تظهر في البوست قبل ما تمشي، لايك أو كومنت أو شير، عشان يستمر المحتوى بتاعي في الوصول ليك بعد كدا، ملحوظة مهمة: غير مسموح بنسخ المقال بأي شكل، ومن يفعل يعرض نفسه للمساءلة القانونية، ومرحب بالمشاركات فقط.. وما تنساش تعمل متابعة للحساب، واشترك في قناة اليوتيوب بتاعتي في أول تعليق ....
فوتكم بعافية..
#أحمد_الكراني