منتديات السادة الهوارة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات السادة الهوارة

د/مصطفى سليمان أبو الطيب الهوارى

د مصطفى سليمان ابوالطيب ابويوسف عايد الهوارى من مواليد محافظة الاسكندرية 8-6-1973 الاصل من محافظه اسيوط مركز صدفا قرية الدوير عايد قبيلة هوارة عايد الهوارى دكتوراة فى التاريخ الاسلامى فى انساب القبائل العربية عام 2015 من اكاديمة مشكاة للدرسات الاسلامية عن القبائل النازحة لمصر عقب الفتح الاسلامى سفير النوايا الحسنة المنظمه الضمير العالمى لحقوق الإنسان إحدى منظمات التابعه للامم المتحده رئيس ومؤسس الجمعية الخيرية لأبناء الهوارة عام 2012 المشهرة برقم 3107 ومؤلف مجلد قاموس القبائل العربية المصرية( مفاتيح الانارة فى انساب قبائل العرب والمرابطين والهوارة) و موسوعه القبائل والعائلات العربية والمصرية وهم1-تاريخ الامارة فى أنساب قبائل وعائلات الهوارة 2- القول السليم فى بطون وعشائر بنى سليم 3- القول المتين فى تاريخ وأنساب قبائل المرابطين وبنى سليم 4-رجال العصر فى أنسابهوازن وبنى هلال وبنى نصر 5-الأقوال الجلية فى أنساب وقبائل سيناء والشرقية -6-القول الشاف فى أنساب قبائل الأنصار والأشراف و الامين العام لمجلس للقبائل المصرية والعربية بالاسكندرية حاصل على درع وشهادة تقدير من المجلس المصرى للقبائل المصرية والعربية رئيس اللجنة العليا لدعم الجيش والشرطة والمصالحات بالمنظمة المصرية لحقوق الانسان بالاسكندرية حاصل على شهادة تفدير من المنظمة المصرية لحقوق الانسان [رئيس الجمعية الخيرية لأبناء محافظة أسيوطفرع عبدالقادرالعامرية الإسكندرية/ وكيل مؤسسين حزب التحرير العربى حزب لم يكتمل امين عام التنظيم بحزب مصر الثورة سابقا مرشح مجلس الشعب بالدائرة الرابعه بالاسكندرية عن الشباب والجمعيات الاهلية عام 2011 حاصل على العديد من شهادات التقدير من الجمعيات الاهلية والمجالس عن دورة فى المجتمع المدنى رئيس لجنة المساعدات الطبية بالجمعيات الاهلية شعبة العامرية وباحث ومؤرخ فى تاريخ القبائل العربية بمصر والوطن العربى موبايل رقم 01224369577 01002920977 01119825377
من هـو د:مصطفي سليمان أبوالطيب أبوعايـد الهواري د:مصـطفى سليمان السـيد أبو الطيب محمد أبو الطيب محمد أبويـوسف بن شيخ العـرب محمد بن شيخ عربان هوارة حمد بن شيخ العرب محمود بن شيخ العرب حمد بن الأمير حماد بن الأمير ريان بن الأمير عايد الهوارى الملقب بسيد العرب الأمير منصور بن الأمير ناصر بن الأميرسليم بن الأمير بهنان بن الأمير عوف بن الأمير مالك بن الأمير ناصر بن الأمير قيس بن الأميرالحارث بن الأمير سعد بن الأمير مالك بن الأميرغندور بن الأمير سرحان بن الأمير مالك بن الأميرعمرو بن الأمير عمارة بن الأمير عمران بن الأمير حمدان بن الأمير عامر بن الأمير عمرو بن سعد بن مسعود بن عمر بن عمير بن عامر بن ربيعة بن معاوية بن عامر بن ربيعة فارس العرب الذى قتل أول فارسى فى معركة القادسية منه بنو ربيعه بن عثمان بن ربيعة بن النابغة بن عنز بن حبيب بن وائلة بن دهمان ومنه بنو دهمان بن نصر ومنه بنو نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن ومنه القبائل الهوازنية بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس ومنه القبائل القيسية بن عيلان بن مضر ومنه بنو مضر بن نزار بن معد بن عدنان هو جد القبائل العدنانية بجزيرة العرب بن أد بن أدد بن هميسع بن سلامان ابن عوص بن بوز بن قموال بن أبي بن عوام بن ناشد بن بلداس بن يدلاف بن طانج بن جاحم بن ناحش بن ماخي بن عيض بن عبقر بن عبيد بن الدعا بن حمدان بن سنبر بن يثربي بن يحزن بن يلحن بن ارعوى بن عيض بن ديشان بن عيص بن أفناد بن أيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن سمي بن مزي بن عوضه بن عرام بن قيدار بن إسماعيل عليه السلام بن إبراهيم عليه السلام أبن تارح بن ناحور بن ساروع أو ساروغ بن راعو بن فالخ بن عابر بن شالخ ابن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ بن إدريس عليه السلام ابن يرد بن مهلائيل بن قينان بن آنوشة بن شيت بن آدم عليهما السلام من مواليد محافظـة الإسكندرية 8-6-1973 الأصل من محافظه أسيوط مركز صدفا قرية الدوير عايد قبيـلة هوارة عايد الهوارى مسقـط رأس شيـخ مشايـخ عربان هوارة أسيوط الأمير عايد الهواري الملقب بسيـد العرب دكتوراة فى التاريخ الاسلامى فى انساب القبائل العربية عام 2015 من اكاديمية مشكـاة للدرسات العربية والاسلامية عن القبائـل النازحة لمصـر عقب الفتح الاسلامى سفير النوايا الحسنة المنظمه الضمير العالمى لحقوق الإنسان إحدى منظمات التابعه للامم المتحده رئيس ومؤسس الجمعية الخيرية لأبناء هوارة عام 2012 المشهرة برقم 3107 سفيـر النوايا الحسنة من منظـمة الضميـر التابعة للامم المتحدة ومؤلف مجـلد قاموس القبائل العربية المصرية 1:مفاتيح الانارة فى انساب قبائل العرب والمرابطين والهوارة 2:موسوعه القبائل والعائلات العربية والمصرية وهــم 1:تاريخ الامارة فى أنساب قبائل وعائلات الهوارة 2: القول السليم فى بطون وعشائر بنى سليم 3:القول المتين فى تاريخ وأنساب قبائل المرابطين وبنى سليم 4:رجال العصر فى أنساب هوازن وبنى هلال وبنى نصر 5:الأقوال الجلية فى أنساب وقبائل سيناء والشرقية 6:القول الشاف فى أنساب قبائل الأنصار والأشراف الامين العام لمجلس القبائل المصرية والعربية بالإسكندرية حاصل على درع وشهادة تقدير من المجلس المصري للقبائل المصرية والعربية رئيس اللجنة العليا لدعم الجيش والشرطة والمصالحات بالمنظمة المصرية لحقوق الانسان بالإسكندرية حاصل على شهادة تقدير من المنظمة المصرية لحقوق الانسان رئيس الجمعية الخيرية لأبناء محافظة أسيوط فرع عبدالقادر العامرية الإسكندرية وكيل مؤسسين حزب التحرير العربي حزب لم يكتمل امين عام التنظـيم بحزب مصر الثـورة سابقاً مرشح مجلس الشعب بالدائرة الرابعة بالإسكندرية عن الشباب والجمعيات الاهلية عام 2011 حاصـل على العديد من شهادات التقدير من الجمعيات الاهلية والمجالس عن دورة فى المجتمع المدني. رئيس لجـنة المساعدات الطبية بالجمعيات الاهلية شعبة العامرية باحث ومؤرخ فى تاريخ القبائل العربية والمصرية بمصر والوطن العربي أمين عام المجلس الأعلى للقبائل العربية والمصرية بالإسكندريــة
من هـو د:مصطفي سليمان أبوالطيب أبوعايـد الهواري د:مصـطفى سليمان السـيد أبو الطيب محمد أبو الطيب محمد أبويـوسف بن شيخ العـرب محمد بن شيخ عربان هوارة حمد بن شيخ العرب محمود بن شيخ العرب حمد بن الأمير حماد بن الأمير ريان بن الأمير عايد الهوارى الملقب بسيد العرب الأمير منصور بن الأمير ناصر بن الأميرسليم بن الأمير بهنان بن الأمير عوف بن الأمير مالك بن الأمير ناصر بن الأمير قيس بن الأميرالحارث بن الأمير سعد بن الأمير مالك بن الأميرغندور بن الأمير سرحان بن الأمير مالك بن الأميرعمرو بن الأمير عمارة بن الأمير عمران بن الأمير حمدان بن الأمير عامر بن الأمير عمرو بن سعد بن مسعود بن عمر بن عمير بن عامر بن ربيعة بن معاوية بن عامر بن ربيعة فارس العرب الذى قتل أول فارسى فى معركة القادسية منه بنو ربيعه بن عثمان بن ربيعة بن النابغة بن عنز بن حبيب بن وائلة بن دهمان ومنه بنو دهمان بن نصر ومنه بنو نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن ومنه القبائل الهوازنية بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس ومنه القبائل القيسية بن عيلان بن مضر ومنه بنو مضر بن نزار بن معد بن عدنان هو جد القبائل العدنانية بجزيرة العرب بن أد بن أدد بن هميسع بن سلامان ابن عوص بن بوز بن قموال بن أبي بن عوام بن ناشد بن بلداس بن يدلاف بن طانج بن جاحم بن ناحش بن ماخي بن عيض بن عبقر بن عبيد بن الدعا بن حمدان بن سنبر بن يثربي بن يحزن بن يلحن بن ارعوى بن عيض بن ديشان بن عيص بن أفناد بن أيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن سمي بن مزي بن عوضه بن عرام بن قيدار بن إسماعيل عليه السلام بن إبراهيم عليه السلام أبن تارح بن ناحور بن ساروع أو ساروغ بن راعو بن فالخ بن عابر بن شالخ ابن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ بن إدريس عليه السلام ابن يرد بن مهلائيل بن قينان بن آنوشة بن شيت بن آدم عليهما السلام من مواليد محافظـة الإسكندرية 8-6-1973 الأصل من محافظه أسيوط مركز صدفا قرية الدوير عايد قبيـلة هوارة عايد الهوارى مسقـط رأس شيـخ مشايـخ عربان هوارة أسيوط الأمير عايد الهواري الملقب بسيـد العرب دكتوراة فى التاريخ الاسلامى فى انساب القبائل العربية عام 2015 من اكاديمية مشكـاة للدرسات العربية والاسلامية عن القبائـل النازحة لمصـر عقب الفتح الاسلامى سفير النوايا الحسنة المنظمه الضمير العالمى لحقوق الإنسان إحدى منظمات التابعه للامم المتحده رئيس ومؤسس الجمعية الخيرية لأبناء هوارة عام 2012 المشهرة برقم 3107 سفيـر النوايا الحسنة من منظـمة الضميـر التابعة للامم المتحدة ومؤلف مجـلد قاموس القبائل العربية المصرية 1:مفاتيح الانارة فى انساب قبائل العرب والمرابطين والهوارة 2:موسوعه القبائل والعائلات العربية والمصرية وهــم 1:تاريخ الامارة فى أنساب قبائل وعائلات الهوارة 2: القول السليم فى بطون وعشائر بنى سليم 3:القول المتين فى تاريخ وأنساب قبائل المرابطين وبنى سليم 4:رجال العصر فى أنساب هوازن وبنى هلال وبنى نصر 5:الأقوال الجلية فى أنساب وقبائل سيناء والشرقية 6:القول الشاف فى أنساب قبائل الأنصار والأشراف الامين العام لمجلس القبائل المصرية والعربية بالإسكندرية حاصل على درع وشهادة تقدير من المجلس المصري للقبائل المصرية والعربية رئيس اللجنة العليا لدعم الجيش والشرطة والمصالحات بالمنظمة المصرية لحقوق الانسان بالإسكندرية حاصل على شهادة تقدير من المنظمة المصرية لحقوق الانسان رئيس الجمعية الخيرية لأبناء محافظة أسيوط فرع عبدالقادر العامرية الإسكندرية وكيل مؤسسين حزب التحرير العربي حزب لم يكتمل امين عام التنظـيم بحزب مصر الثـورة سابقاً مرشح مجلس الشعب بالدائرة الرابعة بالإسكندرية عن الشباب والجمعيات الاهلية عام 2011 حاصـل على العديد من شهادات التقدير من الجمعيات الاهلية والمجالس عن دورة فى المجتمع المدني. رئيس لجـنة المساعدات الطبية بالجمعيات الاهلية شعبة العامرية باحث ومؤرخ فى تاريخ القبائل العربية والمصرية بمصر والوطن العربي أمين عام المجلس الأعلى للقبائل العربية والمصرية بالإسكندريــة
من هـو د:مصطفي سليمان أبوالطيب أبوعايـد الهواري د:مصـطفى سليمان السـيد أبو الطيب محمد أبو الطيب محمد أبويـوسف بن شيخ العـرب محمد بن شيخ عربان هوارة حمد بن شيخ العرب محمود بن شيخ العرب حمد بن الأمير حماد بن الأمير ريان بن الأمير عايد الهوارى الملقب بسيد العرب الأمير منصور بن الأمير ناصر بن الأميرسليم بن الأمير بهنان بن الأمير عوف بن الأمير مالك بن الأمير ناصر بن الأمير قيس بن الأميرالحارث بن الأمير سعد بن الأمير مالك بن الأميرغندور بن الأمير سرحان بن الأمير مالك بن الأميرعمرو بن الأمير عمارة بن الأمير عمران بن الأمير حمدان بن الأمير عامر بن الأمير عمرو بن سعد بن مسعود بن عمر بن عمير بن عامر بن ربيعة بن معاوية بن عامر بن ربيعة فارس العرب الذى قتل أول فارسى فى معركة القادسية منه بنو ربيعه بن عثمان بن ربيعة بن النابغة بن عنز بن حبيب بن وائلة بن دهمان ومنه بنو دهمان بن نصر ومنه بنو نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن ومنه القبائل الهوازنية بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس ومنه القبائل القيسية بن عيلان بن مضر ومنه بنو مضر بن نزار بن معد بن عدنان هو جد القبائل العدنانية بجزيرة العرب بن أد بن أدد بن هميسع بن سلامان ابن عوص بن بوز بن قموال بن أبي بن عوام بن ناشد بن بلداس بن يدلاف بن طانج بن جاحم بن ناحش بن ماخي بن عيض بن عبقر بن عبيد بن الدعا بن حمدان بن سنبر بن يثربي بن يحزن بن يلحن بن ارعوى بن عيض بن ديشان بن عيص بن أفناد بن أيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن سمي بن مزي بن عوضه بن عرام بن قيدار بن إسماعيل عليه السلام بن إبراهيم عليه السلام أبن تارح بن ناحور بن ساروع أو ساروغ بن راعو بن فالخ بن عابر بن شالخ ابن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ بن إدريس عليه السلام ابن يرد بن مهلائيل بن قينان بن آنوشة بن شيت بن آدم عليهما السلام من مواليد محافظـة الإسكندرية 8-6-1973 الأصل من محافظه أسيوط مركز صدفا قرية الدوير عايد قبيـلة هوارة عايد الهوارى مسقـط رأس شيـخ مشايـخ عربان هوارة أسيوط الأمير عايد الهواري الملقب بسيـد العرب دكتوراة فى التاريخ الاسلامى فى انساب القبائل العربية عام 2015 من اكاديمية مشكـاة للدرسات العربية والاسلامية عن القبائـل النازحة لمصـر عقب الفتح الاسلامى رئيس ومؤسس الجمعية الخيرية لأبناء هوارة عام 2012 المشهرة برقم 3107 سفيـر النوايا الحسنة من منظـمة الضميـر التابعة للامم المتحدة ومؤلف مجـلد قاموس القبائل العربية المصرية 1:مفاتيح الانارة فى انساب قبائل العرب والمرابطين والهوارة 2:موسوعه القبائل والعائلات العربية والمصرية وهــم 1:تاريخ الامارة فى أنساب قبائل وعائلات الهوارة 2: القول السليم فى بطون وعشائر بنى سليم 3:القول المتين فى تاريخ وأنساب قبائل المرابطين وبنى سليم 4:رجال العصر فى أنساب هوازن وبنى هلال وبنى نصر 5:الأقوال الجلية فى أنساب وقبائل سيناء والشرقية 6:القول الشاف فى أنساب قبائل الأنصار والأشراف الامين العام لمجلس القبائل المصرية والعربية بالإسكندرية حاصل على درع وشهادة تقدير من المجلس المصري للقبائل المصرية والعربية رئيس اللجنة العليا لدعم الجيش والشرطة والمصالحات بالمنظمة المصرية لحقوق الانسان بالإسكندرية حاصل على شهادة تقدير من المنظمة المصرية لحقوق الانسان رئيس الجمعية الخيرية لأبناء محافظة أسيوط فرع عبدالقادر العامرية الإسكندرية وكيل مؤسسين حزب التحرير العربي حزب لم يكتمل امين عام التنظـيم بحزب مصر الثـورة سابقاً مرشح مجلس الشعب بالدائرة الرابعة بالإسكندرية عن الشباب والجمعيات الاهلية عام 2011 حاصـل على العديد من شهادات التقدير من الجمعيات الاهلية والمجالس عن دورة فى المجتمع المدني. رئيس لجـنة المساعدات الطبية بالجمعيات الاهلية شعبة العامرية باحث ومؤرخ فى تاريخ القبائل العربية والمصرية بمصر والوطن العربي أمين عام المجلس الأعلى للقبائل العربية والمصرية بالإسكندريــة

من هـو د:مصطفي سليمان أبوالطيب أبوعايـد الهواري د:مصـطفى سليمان السـيد أبو الطيب محمد أبو الطيب محمد أبويـوسف بن شيخ العـرب محمد بن شيخ عربان هوارة حمد بن شيخ العرب محمود بن شيخ العرب حمد بن الأمير حماد بن الأمير ريان بن الأمير عايد الهوارى الملقب بسيد العرب الأمير منصور بن الأمير ناصر بن الأميرسليم بن الأمير بهنان بن الأمير عوف بن الأمير مالك بن الأمير ناصر بن الأمير قيس بن الأميرالحارث بن الأمير سعد بن الأمير مالك بن الأميرغندور بن الأمير سرحان بن الأمير مالك بن الأميرعمرو بن الأمير عمارة بن الأمير عمران بن الأمير حمدان بن الأمير عامر بن الأمير عمرو بن سعد بن مسعود بن عمر بن عمير بن عامر بن ربيعة بن معاوية بن عامر بن ربيعة فارس العرب الذى قتل أول فارسى فى معركة القادسية منه بنو ربيعه بن عثمان بن ربيعة بن النابغة بن عنز بن حبيب بن وائلة بن دهمان ومنه بنو دهمان بن نصر ومنه بنو نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن ومنه القبائل الهوازنية بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس ومنه القبائل القيسية بن عيلان بن مضر ومنه بنو مضر بن نزار بن معد بن عدنان هو جد القبائل العدنانية بجزيرة العرب بن أد بن أدد بن هميسع بن سلامان ابن عوص بن بوز بن قموال بن أبي بن عوام بن ناشد بن بلداس بن يدلاف بن طانج بن جاحم بن ناحش بن ماخي بن عيض بن عبقر بن عبيد بن الدعا بن حمدان بن سنبر بن يثربي بن يحزن بن يلحن بن ارعوى بن عيض بن ديشان بن عيص بن أفناد بن أيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن سمي بن مزي بن عوضه بن عرام بن قيدار بن إسماعيل عليه السلام بن إبراهيم عليه السلام أبن تارح بن ناحور بن ساروع أو ساروغ بن راعو بن فالخ بن عابر بن شالخ ابن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ بن إدريس عليه السلام ابن يرد بن مهلائيل بن قينان بن آنوشة بن شيت بن آدم عليهما السلام من مواليد محافظـة الإسكندرية 8-6-1973 الأصل من محافظه أسيوط مركز صدفا قرية الدوير عايد قبيـلة هوارة عايد الهوارى مسقـط رأس شيـخ مشايـخ عربان هوارة أسيوط الأمير عايد الهواري الملقب بسيـد العرب دكتوراة فى التاريخ الاسلامى فى انساب القبائل العربية عام 2015 من اكاديمية مشكـاة للدرسات العربية والاسلامية عن القبائـل النازحة لمصـر عقب الفتح الاسلامى رئيس ومؤسس الجمعية الخيرية لأبناء هوارة عام 2012 المشهرة برقم 3107 سفيـر النوايا الحسنة من منظـمة الضميـر التابعة للامم المتحدة ومؤلف مجـلد قاموس القبائل العربية المصرية 1:مفاتيح الانارة فى انساب قبائل العرب والمرابطين والهوارة 2:موسوعه القبائل والعائلات العربية والمصرية وهــم 1:تاريخ الامارة فى أنساب قبائل وعائلات الهوارة 2: القول السليم فى بطون وعشائر بنى سليم 3:القول المتين فى تاريخ وأنساب قبائل المرابطين وبنى سليم 4:رجال العصر فى أنساب هوازن وبنى هلال وبنى نصر 5:الأقوال الجلية فى أنساب وقبائل سيناء والشرقية 6:القول الشاف فى أنساب قبائل الأنصار والأشراف الامين العام لمجلس القبائل المصرية والعربية بالإسكندرية حاصل على درع وشهادة تقدير من المجلس المصري للقبائل المصرية والعربية رئيس اللجنة العليا لدعم الجيش والشرطة والمصالحات بالمنظمة المصرية لحقوق الانسان بالإسكندرية حاصل على شهادة تقدير من المنظمة المصرية لحقوق الانسان رئيس الجمعية الخيرية لأبناء محافظة أسيوط فرع عبدالقادر العامرية الإسكندرية وكيل مؤسسين حزب التحرير العربي حزب لم يكتمل امين عام التنظـيم بحزب مصر الثـورة سابقاً مرشح مجلس الشعب بالدائرة الرابعة بالإسكندرية عن الشباب والجمعيات الاهلية عام 2011 حاصـل على العديد من شهادات التقدير من الجمعيات الاهلية والمجالس عن دورة فى المجتمع المدني. رئيس لجـنة المساعدات الطبية بالجمعيات الاهلية شعبة العامرية باحث ومؤرخ فى تاريخ القبائل العربية والمصرية بمصر والوطن العربي أمين عام المجلس الأعلى للقبائل العربية والمصرية بالإسكندريــة

    الامبراطورية العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني

    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14308
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

     الامبراطورية العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني   Empty الامبراطورية العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الجمعة ديسمبر 28, 2012 1:44 am








    الامبراطورية العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني


    اسطمبول

    تتحدث المآذن والقبب الشاهقة في استنبول عن تاريخ ألف عام من الإمبراطورية والعقيدة.

    هنا تحول العالم الإسلامي في القرن السادس عشر إلى إمبراطورية تشكل كوة عالمية طموحة.

    سعت سلالة الفاتحين هناك إلى فرض سلطانها على أوسع مساحة من السيطرة عرفها العالم الإسلامي في التاريخ.

    حتى جعلوا إمبراطوريتهم تدق أبواب أوروبا، سائرين خلف أعظم قادتهم، سليمان الكبير.

    كان هذا عصرا من المهابة والازدهار، نهض فيه الإسلام والإمبراطورية العثمانية الكبرى لتعزز سعيها لبسط السلطة والفتوحات ورفعة المصير.

    (العثمانيون)

    بدأ الأتراك العثمانيون شعوبا من الرحل خرجت من بطاح خلف بحر آرال.

    وقد جالوا في أرجاء تركيا الحالية لعدة قرون بحثا عن المراعي الجديدة.

    وقد جندهم السلاطين المسلمين لمقاتلة قطعان المغول. ولكن خلال الثورات التي تلت الاجتياح المغولي، أخذ الأتراك يطالبون بمناطق ومساحات خاصة بهم.

    وقد خرج من صفوفهم زعيم حرب ذو طموحات أسطورية، وكان اسمه عثمان بك.

    يقال أن عثمان رأى حلم عجيب، شاهد فيه شجرة فاتنة تمد أغصانها المتألقة لتعد بقوة ذريته ونسبه.

    لا تعرف حدود الحقيقة من الأسطورة في هذه القصة ولكنها جميلة بلا شك. كما يسهل استيعاب وتقبل الأعاجيب أكثر من الوقائع. لا يعتقد أنه كان يدرك ما يشكله من أساس لسلالة رائعة، كانت تحكم صلات حاسمة بين قارات ثلاث.

    عرف أتباع عثمان بك بالعثمانيين. وقد اعتبروا أنفسهم محاربي عقيدة، أو رجال غزوات قدرهم أن يحملوا الإسلام إلى العالم.

    كان رجال الغزوات مقاتلين أحرار يزيدون مساحات الإمبراطورية عبر العقيدة أو اللاهوتية أو لمجرد التوسع. ربما كانوا بالغي الشجاعة، لا يكترثون بأنفسهم أو بما يمكن أن تتعرض له مجموعاتهم من أذى في خوض المخاطر، ما جعل الإمبراطورية العثمانية قوة لا تعرف الخوف. حتى وصلت إلى مناطق لم يبلغها أحد من قبل.

    اتخذ العثمانيون الأوائل الغرب وجهة دائمة لهم، وذلك لأسباب وجيهة.

    لا يمكنهم التوسع شرقا أو جنوبا لأنها مناطق اخوتهم الأمراء الأتراك والمسلمين. ولا يمكن للمسلم أن يقاتل أخيه المسلم كما قيل حينها. أي أن المناطق الوحيدة للتوسع هي الأراضي الأوروبية نحو الغرب.

    عبر العثمانيون مناطق الأناضول متجهين نحو الشمال والغرب في آن معا، باتجاه مناطق وأراضي تسيطر عليها تقليديا الإمبراطورية البيزنطية القديمة.

    اعتبر العثمانيون أن الإمبراطورية البيزنطية قد أوشكت على نهايتها بعد بلوغها الألف عام، وذلك باقتصارها على منطقة مستعصية بين آسيا وأوروبا.

    سبق للحملات الصليبية أن زرعت في أرجائها الفوضى والدمار بعبور مناطقها في الطريق إلى القدس، فنهبوا العاصمة، وساهموا في جعل الإمبراطورية البيزنطية العظمى تقتصر على دول عسكرية صغيرة.

    سارع العثمانيون باجتياح هذه المناطق المشتتة، ليوحدوا الأراضي الممتدة إلى شمال غرب الأناضول.

    عام ألف وثلاثمائة وستة وعشرون، سيطر العثمانيون على مدينة بورسا البيزنطية الصلبة، ليحققوا نصرا قلب كيان العثمانيين الأتراك إلى الابد.

    أهم ما في مدينة بورسا هو أنها مكنت عثمان وخلفائه من إقامة مقر للحكومة.

    وهكذا استقرت شعوب الرحل المتنقلة لبناء الإمبراطورية.

    حين استولى العثمانيون على بورسا وجعلوها عاصمة لهم، بذلوا جهودا كبيرة لجعل أنفسهم، قوما، على، مستوى، من الجدارة، بالحضارة الإسلامية.

    الحضارة، هي النظام، لهذا عمل العثمانيون على إدارة المناطق التي يسيطرون عليها.

    حافظوا على كتبة الإمبراطورية البيزنطية في أماكنهم، وبدءوا ينظمون إمبراطوريتهم الجديدة.

    كرسوا جل اهتمامهم الأولي على الضرائب والسجلات، بلغ الأمر حدا فقدت فيه البيروقراطية معانيها النبيلة رغم ابتكاراتها الكبرى والتي لا تقل أهمية عن أي نصر تحققه المعارك.

    عرف العثمانيون باستيعاب واستساغة العناصر الثقافية المكتسبة من المناطق التي يمرون بها. وقد عرفوا بتشكيل يستطيع من خلالها الناس المقيمين هناك الاستمرار في حياتهم ومعتقداتهم بالطريقة التي يجدونها مناسبة.

    حتى أن العثمانيين واجهوا نزاعات أقل مع رعاياهم المسيحيين من نزاعاتهم مع المسلمين الذين لم يكفوا عن تحدي القوانين العثمانية.

    من المشاكل البيروقراطية أو الإدارية التي واجهت العثمانيين، هي أنهم كانوا محاطين بسلالات ملكية إسلامية، كانت محكومة من قبل العثمانيين وتحتفظ بضغائن قديمة هناك، ولم تتوقف عن التذمر والمطالبة بأمجاد خاصة بها وكثيرا ما كانت هذه العائلات الملكية تنهض وتعلن الثورات. وهكذا توصلوا إلى قناعة مفادها أنه من غير الحكمة تشكيل جيوش من هؤلاء الناس.

    وهكذا عملوا على جمع أطفال ليسوا على صلة بأي من العائلات الإسلامية المعادية. ويقال أنهم ذهبوا إلى المناطق البلقانية وجندوا أطفال من غير المسلمين.

    أطلق على هذه الممارسة لقب دفشرمي.

    تحول الفتية مع الوقت إلى نوع من عبيد السلطان، مع أنهم لم يعاملوا كعبيد.

    كانوا أولا يعتنقون الإسلام، ويتعلمون الاغتسال والوضوء والصلاة، واللغتين العربية والعثمانية.

    أدى ذلك إلى خدمة هدفين الأول سياسي والثاني هدف ديني. فمن خلال نظام الدفشرمي تمكن العثمانيون من خلق طبقة لا نزاع فيها مع القبائل والعائلات.

    تمتع الأطفال بمستقبل زاهر، حتى أن بعض الأتراك والمسلمين كانوا يدعون بأن أطفالهم من المسيحيين لتسجيلهم في نظام الدفشرمي. تمتع هذا النظام بعدة مزايا أهمها انتمائه الوحيد إلى السلطان، أي أنه حر من الروابط العائلية والمناطقية وغيرها.

    منح هؤلاء الأطفال أرقى مستوى من التعليم، متوفر في العالم أجمع حينها. وبعد ذلك كانوا يترفعون إلى أعلى مناصب السلطة في الإمبراطورية.

    انتقل الأذكياء منهم إلى مدارس القصر ليتخرجوا في مستويات مختلفة كوزراء وحكام. حتى أصبحوا من كبار الوزراء. أما الأقوياء منهم فيذهبون إلى القوات الانكشارية.

    كانت القوات الإنكشارية من نخبة المشاة التابعة للسلطان. وقد تحول إلى جيش نموذجي لعدة قرون تلت.

    كان الوحدة الأقوى، درب، كآلة عسكرية، لا يهاب الموت، بل لا يعرف الخوف. همهم الأوحد هو خدمة السلطان.

    لقد تدربوا على كل ما تحتاج إليه الجيوش العصرية من دقة ونظام. فكان أول جيش، يرتد لباسا موحدا في العالم، ويسير إلى المعارك وراء فرقة عسكرية. كان الجيش الانكشاري هو أكثر ما يهاب العالم الغربي. كانت قوة تستحقها الإمبراطورية الإسلامية الجديدة، برؤية فتوحات عسكرية لا تهدأ.

    امتدت الإمبراطورية العثمانية في أواسط القرن الخامس عشر من الحدود التركية المعاصرة المعروفة بالأناضول إلى أعماق البلقان. باستثناء حصن عصي واحد.

    لا شك أن السلطنة العثمانية الممتدة من قلب القارة الآسيوية إلى أعماق القارة الأوروبية في الغرب، قد استاءت من وجود عاصمة القسطنطينية في قلب مناطقها، وهي من أغنى عواصم العالم وأكثرها أهمية في ذلك العصر، وما زالت في أيدي الإمبراطورية البيزنطية التي لم تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد.

    قدر العثمانيون الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية العالية للقسطنطينية، كما أدركوا أهميتها الرمزية الأكبر.

    كانت مدينة واحدة، ولا شيء آخر من حولها. إذا أردت السيطرة على المنطقة، يجب أن تحكمها من تلك المدينة.

    يقال أن دعوة الاستيلاء على القسطنطينية قد صدرت عن النبي محمد بنفسه.

    سعى جميع السلاطين الأتراك منذ عصر عثمان للاستيلاء على المدينة. إلا أنها تمكنت من البقاء عصية على جميع الفتوحات.

    حتى وصل إلى الحكم سلطان لا يمكن التنكر لرؤى غزواته. حتى عرفه التاريخ بلقب محمد الفاتح.

    كان في الثانية عشرة من عمره عند توليه السلطة، ولكنه لم يكن حديث العهد في السياسة العثمانية، حتى أنه عزل جميع أشقائه للتخلص من احتمالات منافسته على السلطة.

    كانت الإمبراطورية تعني كل شيء، بل كانت أهم من العائلة. سعيا لحماية الإمبراطورية من الانشقاق، كما حدث لسلالات تركية أخرى حكمت العالم الإسلامي، حين يعتلي أحد الشبان السلطنة بعد موت والده، لا بد من تصفية جميع الأخوة الآخرين، ما يحول دون تمزق الإمبراطورية، قد يكون هذا قاسية، ولكنه أفاد العثمانيين.

    تولى الحكم مباشرة بعد موت والده، ما شكل تحولا هائلا في سياسة الإمبراطورية العثمانية فمنحها قوة وحيوية أكبر.

    وضع محمد الفاتح نصب عينيه الاستيلاء على مدينة كانت بمستوى تطلعاته.

    كان على محمد الفاتح أن يستولي على القسطنطينية لم يكن أمامه خيار آخر. فقد كانت أشبه بجوهرة ثمينة، أو ثمرة يانعة حان قطافها.

    لم يبق من المدينة أواسط القرن الخامس عشر إلا بعضا من ظلال ما كانت عليه. فقد انخفض عدد سكانها من أربعمائة ألف إلى مجرد خمسين ألف.

    إلا أن الجيش المحاصر سيبقى في وضع غير مؤات.

    أحيطت القسطنطينية بالمياه من جهات ثلاث، وقد تحصنت بالكامل.

    فقد أحيطت بثلاث حلقات من جدران يبلغ ارتفاعها مائة قدم بعرض ثلاثين قدم. وقد صمدت هناك منذ ألف عام.

    ولكن محمد الفاتح أعد سلاحا لاختراق الجدران.

    اعتمد في جانب من تفوقه العسكري على استخدامه المتنوع والمعقد لقدرات ملح البارود.

    شهد الحصار المفروض على القسطنطينية عام ألف وأربعمائة وثلاثة وخمسين بقيادة محمد الخامس، شهد أول تحول في استعمال ملح البارود على شكل مدافع هائلة لم يسبق لها مثيل وقد أعدها محمد لهذه المناسبة خصيصا.

    كانت المدافع السابقة قد أعدت من صفائح معدنية مصهورة تتماسك بالأطواق. كانت هذه المدافع تطلق الحصى والحجارة بقوة تتفوق على المنجنيق.

    تم التوصل إلى جيل جديد من المدافع صقلت من البرونز الصلب. لقمت هذه المدافع بما يكفي من ملح البارود القادر على إطلاق كريات معدنية باندفاع مذهل.

    ولكن محمد الفاتح لم يعلق آماله على المدافع وحدها.

    يبلغ عرض قناة مضيق البوسفور ميلا واحدا وهي تربط القسطنطينية بمياه البحر الأسود. أي أن قطع القناة يضع المدينة تحت رحمته.

    بدأ السلطان الشاب ببناء قلعة حصينة في موقع استراتيجية قادر على إقفال المضيق. وقد شيد القلعة في ظلال جدران المدينة الكبرى.

    لم يستغرق أكثر من أربعة أشهر في بناء قلعة هائلة تتألف من سبعة أبراج لتحمل لقب الحصار الرملي.

    يقال أن محمد الخامس شارك شخصيا بحمل الحجارة للتعجيل في البناء. ما أن اكتملت القلعة حتى عزز الحصار المفروض حول عنق البوسفور.

    تم إغراق أول سفينة تحدت الأوامر بالتوقف. أعدم بحارتها، وعلق القبطان على أحد الأعمدة فوق جدران الحصن.

    حاول البيزنطيون منع سفن الفاتح من الاقتراب فنصبوا سلسلة معدنية هائلة عبر المضيق.

    في الثاني والعشرين من نيسان أبريل من عام ألف وأربعمائة وثلاثة وخمسين، تملك سكان المدينة حالة من الرعب عندما حشد السلطان سبعين من سفنه المحاربة تنزلق على ألواح خشبية على الشاطئ الواقع ما بعد السلسلة المعدنية.

    احتشد أكثر من مائة ألف جندي عثماني أمام جدران القسطنطينية، لتساند أكبر عملية قصف مدفعي عرفها تاريخ الحروب حتى ذلك الوقت.

    رغم استمرار القصف تمكن سبعة آلاف من المدافعين عن المدينة من الصمود فترة تقارب الشهر.

    بلغ البيزنطيون المحاصرون حدا من اليأس جعلهم يلجئون إلى رفاقهم الأوروبيين في جميع أرجاء القارة.

    إلا أن أوروبا في القرن الخامس عشر كانت أعجز من أن تستطيع حشد أي قوة كفيلة باعتراض التهديد التركي المتفاقم لحدودها الشرقية.

    انشغل الملوك الأوروبيين في تلك الفترة بمواجهة نزاعات عسكرية وسياسية خاصة بهم.

    فكان على القسطنطينية أن تدافع عن نفسها بنفسها.

    فجر التاسع والعشرين من أيار مايو من عام ألف وأربعمائة وثلاثة وخمسين وصل الجيش الإسلامي إلى جدار المدينة. وبعد ساعات قليلة سقطت القسطنطينية بأيدي العثمانيين.

    امتطى محمد الخامس جواده عبر المدينة ليتوجه مباشرة إلى كنيسة هايا صوفيا الشهيرة جدا حينها.

    شيدت هذه الكنيسة في القرن التاسع على يد الإمبراطور جوستانيان، وقد لقبت حينها بالحكمة المقدسة، فكانت أوسع الأماكن المقفلة في العالم.

    لا شك أن المسلمين والعثمانيين أنفسهم قد مروا بأعداد كبيرة من الكنائس، ولكن لم يسبق لأحد أن رأى كنيسة مشابهة لكنيسة هايا صوفيا.

    كانت هايا صوفيا أو أياصوفيا كما يسمونها بالتركية، من الروائع العمرانية الأبرز في العالم لما فيها من أعلى وأكبر قبة في تلك الفترة. وقد زينت بروائع الفسيفساء المذهبة ضمن مساحة شاسعة. فاعتبرها محمد الفاتح غنية كبرى.

    ارتفع الصوت التركي داخل هايا صوفيا صارخا بالعربية أول أركان الإسلام: لا إله إلا الله محمدا رسول الله.

    وهكذا تحولت أكبر كنيسة في العالم المسيحي إلى جامع.

    أصبحت هايا صوفيا ملهمة لكثير من قبب المساجد العثمانية التي شيدت بعدها، رغم عدم بلوغها نفس الحجم أو المدى، الذي بلغه محمد الفاتح.

    بعث انتصاره موجة من الذهول حول العالم.

    اعتبره الأوروبيون كارثة هائلة، فقد اعتبرت القسطنطينية بمثابة روما الجديدة، كانت عاصمة القسطنطينية ورمزا للسيطرة المسيحية في الشرق.

    كثيرا ما تعمد سلاطين العثمانية منح أنفسهم ألقابا مختلفة، كالخان التي تعني إمبراطور بالتركية، أو شاهنشاه، التي تعني ملك الملوك بالفارسية. والسلطان التي تعني الحاكم العربية.

    أما بعد أن أصبحت الإمبراطورية البيزنطية تحت سيطرتهم، فقد لقب محمد الفاتح وخلفائه بالإمبراطور الروماني المقدس.

    دق العثمانيون أبواب الغرب، وأخذوا يتابعون التقدم نحو ما اعتبروه قدرهم النهائي في الفتح الأوروبي.

    وقعت هذه المهمة على كاهل أشهر السلاطين العثمانيين على الإطلاق.

    ولد في بداية القرن العاشر بالتقويم الإسلامي، وكان السلطان العاشر من سلالة عثمان، كان طفل مصيري تؤمل منه العظمة.

    سمي في لغة العصر بصاحب القران، حاكم الكون، وسيد الوحدة الميمونة المتوقع قدومه، والذي تأكدت هوية عبر الفلك.

    كان اسمه سليمان، تيمنا بالملك سليمان الحكيم. بلغت الإمبراطورية العثمانية ذروتها في عصر سليمان.

    تمتع سليمان بمستوى رفيع جدا من التعليم. وقد درب على السلطنة منذ الولادة.

    حين كان أمير شاب، أقام علاقة تركن أثرا عميقا على حياته وعلى الإمبراطورية أيضا.

    حين كان وليا للعهد أقام صداقة عميقة مع يوناني اعتنق الإسلام وأطلق على نفسه اسم إبراهيم.

    لقد تقاربا في السن وفي مسائل أخرى، شخصيا وفكريا كما تعلما معا إلى حد كبير. وعندما تولى سليمان الحكم بعد موت والده كما هي العادة، أخذ معه صديقه المخلص إبراهيم إلى استنبول.

    تسلم سليمان زمام الحكم في السادسة والعشرين، حاسما أمره لترك بصماته على العالم، إذا مكنه الوزراء من ذلك.

    أجبر سليمان في بداية حكمه على القبول بوزراء كبار وجنرالات يرفضون الانصياع لأوامره، واعتباره مجرد فتى في السادسة والعشرين لا يعرف الكثير عن حسن الأداء ولم ير الناس ما يجبرهم على طاعته.

    كانت المعارك وسيلة لإثبات جدارته. فعلى كل سلطان أن يبدأ عهده بتوسيع الإمبراطورية. أصبح العثمانيون يسيطرون على كردستان ومصر والمدن الإسلامية الأساسية القدس ومكة والمدينة.

    وضع سليمان نصب عينية فتح بلغراد الهنغارية لما تشكله من جسر عبوره إلى أوروبا.

    كان رأس السلالة العثمانية، وهناك واجبات عليه القيام بها، من أهمها الغزوات. من أبرز المهمات التي أخذها سليمان على عاتقه، بعد عام على توليه الحكم، كان التوجه نحو بلغراد وإسقاطها. تمتعت بلغراد بأهمية استراتيجية لأنه من هناك، سيتمكن من دفع الجيوش للتقدم نحو الغرب.

    بعد عام من ذلك أراد الاستيلاء على جزيرة رودوس.

    اعتبرت هذه الجزيرة رأس حربة وموقع متقدم للأوروبيين في المياه العثمانية. كما كانت مرتعا لقراصنة يهاجمون السفن التجارية الإسلامية.

    أعد خمسون ألف مقاتل في رودوس أحد أقوى الحصون في العالم.

    قرر سليمان الاعتماد على تكتيك مغاير لقصف النيران من مدافعه الهائلة. اعتمد تكتيك جديدا نادرا ما استعمل حتى ذلك الحين.



    لا شك أن العثمانيين كانوا أول قوة عظمى ابتكروا سبلا جديدة في استعمال ملح البارود لتحقيق التوسع العسكري بطرق مبتدعة.

    حفر خبراء الألغام العثمانيين شبكة من خمسين نفق حول قاعدة الحصن وذلك لتلغيم أساسها. قام بهذا العمل الخطير مجندين إجباريين من مسيحيي البلقان.

    شكل الانفجار الهائل إشارة لبدء هجوم عثماني شرس دام ست ساعات متواصلة. ولكنهم أجبروا على التراجع.

    وبعد حصار دام مائة وخمسة وأربعون يوما، أجبرت القوات المدافعة عن رودوس على قبول الهدنة، حتى فاز العثمانيون.

    ألحقت جزيرة رودوس بالإمبراطورية بعد هذا النصر، كما أصبح سليمان سلطانا لا بد من أخذه على محمل الجد.

    مسيرة فتوحاته قد بدأت.

    أخذت أوروبا تخشى اسم سليمان. أما داخل حدوده فكانت سمعته مختلفة.

    فالتاريخ الإسلامي يتذكره باسم سليمان القانوني، لشهرته بسن القوانين.

    اشتهر العثمانيون بالبيروقراطية، بكل معنى الكلمة. فحفظوا سجلات دقيقة حول جميع الشعوب التي شكلت جزءا من الإمبراطورية العثمانية وذلك انطلاقا من نظام قانونين بالغ الدقة.

    سُنت في عهد سليمان جملة من القوانين الفريدة التي حكمت الإمبراطورية الشاسعة. وقد تحولت هذه القوانين أساسا لعدد من الدساتير المعتمدة لاحقا من قبل عدة بلدان أخرى.

    كان سليمان السلطة الأعلى في المنطقة، بل كان محور العالم.

    افتتح سليمان عصرا كلاسيكيا في العمران العثماني. فشيد بعضا من أبرز المباني التي أذهلت العالم بأسره.

    احتل سليمان مكانة فريدة من الثراء والاستقرار وقد كرس اهتمامه على رفع صروح عمرانية تذكر بعظمته وسلالته.

    الصروح العمرانية الهائلة تمنح الناس فكرة عما في قلب العقيدة. المهابة والعظمة مواصفات يذكرها المسلم عندما يتحدث عن الله. والصرح الذي شيد بمهابة وعظمة يذكر الناس مباشرة بعظمة الخالق ومجده.

    توافقت رؤى سينان المسؤول العمراني لدى سليمان مع متطلبات البناء الإمبراطوري.

    كمّل سينان الصيغة العمرانية للإسلام عبر جامع القبة.

    احترف البناء خمسون عاما أنجز خلالها أكثر من ثلاثمائة مبنى، بما في ذلك ترميم أحد أبرز المعالم الإسلامية، قبة الصخرة في القدس.

    شيد لسليمان روعة عمرانية تجسدت مسجد السليمانية في استنبول. لا شك أنه يستحق لقب المعلم العظيم.

    تكلف هذه المباني مبالغ طائلة. هي منشآت هائلة استغرق بنائها سنوات طويلة، وأعداد كبيرة من المواهب الهندسية المعززة بالمهارة والخبرات. شيد مسجد السليمانية لمن أراد القول: أنا صاحب السلطة والثروة أنا السلطان وملك الملوك. ولكن في نفس الوقت هناك قيما روحية هائلة في هذه المباني. فهي لا ترمز للإمبراطورية وحدها بل وللمعتقد الديني.

    من التعاليم التي نقلت عن محمد قوله أن المسجد هو مركز للخدمات الاجتماعية، يكتمل بالمستشفى والمدرسة والمكتبة.

    يقال أنه عند افتتاح المسجد نظر سليمان إليه بإعجاب قائلا: يا سليمان، لقد تفوقت عليك.

    لم يكن قصر سليمان أقل شأنا. اعتبر قصر توبقابي مقرا للحكومة ومسكنا خاصا به.

    عرف سليمان بترويجه للفنون. وبما أنها كانت إمبراطورية ثرية اجتمع فيها أفضل الفنانين، فأخذ كل شيء يزدهر.

    العمران والفنون في عهده أبرزت أول عصر الذهبي للعالم العثماني. كان كل ما يخرج من قصره بالغ الإتقان.

    حتى أن سليمان نفسه كان صائغا. اعتقد العثمانيون أن على كل سلطان أن يتقن حرفة يدوية، فكونه سلطان لا يمنحه حرفة عملية أو يدوية.

    عرف عنه بكونه متطلبا ومثابر ومتابع لدقة العمل، ويعتقد أن كل مجموعة من الفنانين الحرفيين العاملين في القصر، حاولت التفوق على الفرقة الأخرى إرضاء للسلطان. إن إرضائه يعود بمكافأة رائعة.

    لا شك أن للعثمانيين بصمات واضحة في مخيلة الأوروبيين، حتى أن المراسيم السياسية والفخامة الملكية للعثمانيين كانت لتبهر أي مواطن في ذلك العالم. لا شك أنها كانت أعظم إمبراطورية في العالم ولا يمكن للمراقب الأوروبي إلا الشعور بالاحترام والتقدير لسلطة العثمانيين الهائلة.

    كان سليمان يطالب بصمت جميع المحيطين به في العلن. بينما كان يعبر عن رغباته بإشارة من رأسه أو يديه.

    من المدهش فعلا أن ترى البلاط الملكي في القصر المليء بسبعة آلاف انكشاري وموظف لا ينطق أي منهم بكلمة. أي أن ما يحدث هناك هو نوع من الملكية الغامضة والواسعة الانتشار، حتى يبلغ اعتبارها شبه إلهية.

    مع نمو سلطة سليمان، أخذ صديق طفولته إبراهيم يرقى في بنية بلاطه الملكي.

    سرعان ما أصبح إبراهيم باشا ثم تحول إلى أحد أهم وزرائه، حتى أنه تزوج من شقيقته. أي أنهما لم يكونا أصدقاء فقط بل أصبحا قريبان.

    انطلق إبراهيم بحملات على رأس جيش خاص به، فنمى نفوذه وطموحه حتى أصبح في مرتبة تلت سليمان مباشرة.

    ولكن لا أحد يقارن بعالم حريم السلطان السري من حيث الطموحات والسلطة.

    لا يقارن بيت الحريم العثماني بقاعات السمر الملكية في الغرب التي تحتل مكانة ثانوية، فهو في قلب حكم السلالة.

    يعتبر الحريم جناحا خاصا بالسلطان، يسود اعتقاد بأن الحريم هو جناح النساء ولكنه يعني المكان الذي لا يعد فيه تحت الأنظار،أي أنه يعني الدفء المنزلي.

    سمح العثمانيون للسلطان بأربع زوجات وعدد من الخليلات.

    صمم هذا النظام للحصول على أولياء عهد لا أكثر. عند التأمل بأدق التفاصيل هناك، ستجد أنها لم تكن مجرد مسألة شهوانية. لم يكن لدى السلطان حرية في اختيار رفيقته الأنثى. لم يكن السلطان في مكانة تسمح بالنظر من حوله والقول أريد هذه، لأن لأمه رأي في اختياره.

    أنجب سليمان من زوجته الأولى ولي عهده مصطفى.

    ولكنه عند بلوغه العقد الثالث من عمره أحب فتاة سلافية من سباياه اسمها هوريم. أما في الغرب فيعرفونها باسم آخر هو روكسلانا.

    أنجبت روكسلانا ولي عهد ند، أصبح محل ثقة لدى سليمان.

    يفترض أن تتم حماية السلطان من أي نفوذ غير ملائم، يفترض أن يلقى الحماية تجاه أي خصوم، ما يؤدي إلى خلق فراغ من حوله شخصه، لا يخترقه إلى الحريم. وهكذا فإن واقع حمايته البالغة، يجعله عرضة لمزيد من نفوذ رفيقته الأنثى التي يمضي معها فترات طويلة. والحقيقة أن النساء المحيطات به كن من شديدات الذكاء، والطموحات جدا. وكانت روكسيلانا من أكثرهن شهرة.

    تميز سليمان بشخصية مركبة، يعرف من خلال حياته الخاصة أنه مفرط الحساسية والشغف تجاه صديقه إبراهيم ومن خلال محبته العميقة لزوجته هوريم سلطان، إلى جانب علاقاته العائلية إذ كان لديه أبناء موهوبين جدا أغدق عليهم بكثير من العطف.

    أعد سليمان ابنه الأول مصطفى لتسلم السلطة. نصت التقاليد العثمانية على دخول الأمير الشاب إلى السلك العسكري ليكتسب سريعا شهرة جنرال موهوب.

    كان مصطفى وريث العرش بلا منازع. وقد اعتبر سليمان أن مستقبل إمبراطوريته لا تعرف الحدود.

    أنا عبد الله، وسلطان هذا العالم. هذا ما كان يحفره سليمان على الحصون التي يغزوها.

    أنا سليمان الذي تدع له صلوات الجمعة في مكة والمدينة. أنا الشاه في بغداد، وأنا القيصر في المملكة البيزنطية، وأنا السلطان في مصر.

    شعر في ذروة سلطانه بلا شك أنه قزّم خصومه. وربما كان محقا.

    كان أحد أبرز خصوم سليمان يقبع في الشرق. الإمبراطورية الصفوية في إيران. اعتبر هذا عدوا مسلما لخلافات عقائدية وضعته في مصاف الخصوم العثمانية لعدة قرون.

    اعتبر الصفويين من الأتراك في جذورهم الإثنية، حتى أنهم تحدثوا بالتركية في حياتهم اليومية، وكانوا يتوسعون في العالم الإسلامي على خلاف العثمانيين الذين كانوا يتوسعون على حساب الغرب.

    وهكذا شكلت الإمبراطورية العثمانية نوعا من الحدود اعتبرتها أقصى الحدود الشرقية المملكة العثمانية.

    كانت السلالة الصفوية من المسلمين الشيعة، المناهضين للسنية العثمانية.

    يقول بعض الشيعة أن على القائد أن يعين من قبل سلفه وأن يكون من سلالة محمد. أما السنة فلا يرون للتعيين أهمية كما يمكن للقائد أن يتزعم الناس دون أن ينحدر من سلالة محمد.

    يعتبر البعض أن هذه التحدي للشرعية سببا للشقاق بين السنة والشيعة، وهي مسألة ما زالت تشق العالم الإسلامي حتى يومنا هذا.

    يمكن القول أن العثمانيين لم يعتبروا أنفسهم من السنة، حتى جاء الصفويون يحملون لواء الخصم الشيعي.

    أي أن الصفوية شكلت معتقدا منافسا للعثمانيين، حتى تطورت الأمور وتحولت إلى حرب حول ما تشن الحروب من حوله عادة، من سيطرة على الأراضي والثروات والمناطق والمكانة.

    شن الصفويون حربا عقائدية على شرق الأناضول، التي كانت بالنسبة أكثر المناطق إثارة للقلاقل. فهي أراض يصعب غزوها ويصعب التحكم بها.

    امتاز الصفويون بالبراعة العسكرية، ولكنهم يشكلون خصما ثقافية للعثمانيين أيضا.

    شكلوا نماذج فنية رائعة يعتقد أنه أكثر شهرة بترويج الفنون مما كانوا عليه في الغزوات والقوانين والأنظمة الإدارية. عندما تنظر إلى أصفهان ترى أنها أجمل مدينة في العالم، وقد كانت مدينة الصفويين وعاصمتهم. ولكنها لا تمنح الزائر ذلك الإحساس بالقوة التي تراها في الإمبراطورية العثمانية أو عاصمتها. إنه نوع مختلف من القوة قد يكون أشد بلاغة، وأكثر غناء في تصميمه ومساحات مراسيمه، وكأنه جانب آخر من الإسلام يختلف كليا.

    يصنف الفن والعمران الصفوي على مستوى أرفع، فهي تعرف عادة بالزركشة، كما تعرف بالتخريم والتثقيب، وليس بأحجامها الهائلة.

    أعدت في القصور الملكية الشاهقة للصفويين الخطط والمشاريع المعادية لسليمان وسلالته حتى وصلت أنبائها إلى مسامعه.

    ولكن عيني سليمان كانت في الغرب، حيث كانت أوروبا الممزقة والضعيفة بانتظار غزواته. شملت المناطق العثمانية مناطق تمتد من مصر إلى كردستان، كما أصبحت تشمل هنغاريا أيضا.

    ولكن طموحاته كانت تدفعه إلى ما وراء ذلك لفرض سيطرته على أكبر مساحة ممكنة من العالم المعروف لديه حتى حينها.

    تكمن خطوة سليمان التالية بالاستيلاء على فينا ليوجه بذلك طعنة في قلب إمبراطورية هبسبورغ الأوروبية ويفتح الطريق نحو الغرب.

    ولكن مع توجه الجيوش العثمانية المدججة بالأسلحة نحو فينا انقلب المناخ عليهم.

    المدافع الثقيلة التي حصدت للعثمانيين النصر تلو الآخر غرقت عميقا في الوحل. أجبر سليمان على السير قدما بدونها.

    قصف العثمانيون المدينة بالمدافع الخفيفة دون توقف.

    ولكنهم جوبهوا بدفاعات شرسة.

    تسارع فصل الشتاء بعد حصار طويل فسحب سليمان قواته.

    لم يقلقه ذلك. كان متأكدا من عودته بالسرعة اللازمة.

    ولكنه لم يعد.

    اعتبر فشل سليمان في الاستيلاء على فينا حيويا بالنسبة لأوروبا. كانت هذه أول هزيمة كبرى، بعد زمن طويل من الهزائم الأوروبية الواحدة بعد أخرى. ما شكل منعطفا جديدا للقارة الأوروبية.

    ما كان سليمان ليخشى أوروبا، ذلك أن خصومه من المسلمين الصفويين إلى جانب عائلته جلبوا أشد المآسي على السلطان وأخيرا على الإمبراطورية جمعاء.

    كان سليمان نوعا من النموذج المختصر لحاكم القرن السادس عشر العاقل والمنصف والذي كان في الوقت نفسه شخصية مأساوية.

    لم تتوقف المكائد والمؤامرات من منزل السلطان العائلي.

    قصر توبكابي كما سمي أصلا، لا يحتوي على جناح للنساء، اللواتي أقمن فيما كان يعرف بالقصر القديم.

    ولكن هوريم كانت كثيرة التذمر من زوجها كغالبية الزوجات لتغيبه أيام وأشهر في حملاته خارج العاصمة.

    كثيرا ما كانت تشكو من الوحدة واشتياق أبنائه، والمفاجئ هو أن حريقا اشتعل في القصر القديم، اشتعل جناح هوريم. لهذا تم نقلها إلى قصر توبكابي مؤقتا ريثما يرممون الجناح القديم، وهكذا دخلت إلى القصر ولم تخرج منه.

    أصبحت هوريم في مركز السلطة، تروج ليصبح ابنها وليا للعرش، منغمسة وسط مجموعة من المكائد والشائعات والشبهات المميتة.

    كانت شديدة الوفاء لزوجها. فاعتبرت أي تهديد لسليمان، تهديدا لها لا بد من التخلص منه. وقد جاء التهديد الأول من إبراهيم باشا، الذي اتخذ ألقابا لا تمنح إلا للسلاطين. أدركت هوريم أن شيئا ما سيحدث في النهاية، فعملت على حماية الإمبراطورية، والسلالة، بالتخلص من إبراهيم باشا.

    في الخامس عشر من آذار مارس من عام ألف وخمسمائة وستة وثلاثون تعشى سليمان مع إبراهيم باشا كما جرت العادة. في الصباح عثر على جثة إبراهيم بعد موته شنقا.

    ولكن أحزن سليمان بخسارته كانت في بدايتها.

    بعد سنوات قليلة من موت إبراهيم باشا ادعت هوريم اكتشاف مؤامرة للإطاحة بسليمان أعدت بمساعدة الصفويين لابنه الأول وولي عرشه مصطفى.

    هذه مشكلة دائمة في التاريخ العثماني، الأبناء يحاولون الإطاحة بآبائهم. حدوث ذلك في التعاقب الملكي يسبب مشاكل كبيرة والحقيقة أن سليمان نال حصته منها وربما لم يقم بما هو مطلوب منه.

    لم يتردد سليمان بإصدار أمر بإعدام مصطفى. ثم جلس إلى جانب جثته عدة أيام، رافضا السماح لأي شخص بلمسه. وهكذا مات الأمل الأسمى لمستقبل الإمبراطورية.

    بعد موت هوريم نفسها في العام التالي، غاب سليمان في بأس عميق، ليجد عزاء في أشعاره.

    يعتقد أنه كتب غالبية أشعاره بعد موت زوجته. فهي تتحدث عن العزلة في العمل المكتبي وأنه لم يبقى له أحد، وأنه يموت شوقا للقائها.

    حتى لو بدا سلطانك على عرش الإمبراطورية خالدا، لا تنخدع. فالريح المعادية ستهب يوما وتأتي لبلادك الجميلة وجناتك سوء الطالع وعميق العذاب.

    لم يجد وسط عزلته إلا ملاذا واحدا لسلطان بدت أحزانه أكبر مساحة من سلطته.

    عاد إلى ساحات المعارك، إلى عهده في الغزوات.

    قاد شخصيا ثلاثة عشر حملة، كان آخرها في زيغتفار، وهي الآن في هنغاريا.

    يعتقد انه كان يعلم بأنها ستكون آخر حملاته، فقادها شخصيا، مدركا بأنه قد لا يعود حيا.

    عام ألف وخمسمائة وواحد وستون مات السلطان الذي حكم الإمبراطورية لفترة أطول من غيره، مات في السابعة والستين وهو في خيمته العسكرية الكبرى محاطا بجنرالاته.

    لم يتمكن أي سلطان آخر من إحراز عظمة مماثلة له. انتقلت سلسلة القوى العظمى من الأبيض المتوسط إلى المحيط الأطلسي، مخلفة العثمانيين وراءها تدريجيا.

    ما زال دراويش استنبول اليوم يلفّون بدوران راقص يعود إلى عصر سليمان. إنها حركة للتأمل تعود جذور طقوسها إلى فترة أبعد قد تصل إلى زمن النبي محمد.

    "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله". هذا ما يورده في القرآن لجميع المؤمنين.

    للحضارتين الإسلامية والغربية نفس الجذور. فهما تبزغان من الهلال الخصيب، والإيمان بالله الواحد للديانات التوحيدية الثلاث، والثقافات الفكرية كالإغريقية والبابلية، بين الحضارتين نسب روحي مشترك، فهما متشابهتان رغم الاختلاف الكبير بينهما.

    يتداخل الميراث الإسلامي مع الغرب، ومليارات المسلمين الذين يشكلون اليوم ثان أكبر ديانة في العالم ما زالوا يعتبرونه ميراث حي وجزء حيوي من مخاض البشرية في الحضارة الإنسانية.


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14308
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

     الامبراطورية العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني   Empty رد: الامبراطورية العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الثلاثاء ديسمبر 28, 2021 4:58 am

    الامبراطورية العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني

    اسطمبول

    تتحدث المآذن والقبب الشاهقة في استنبول عن تاريخ ألف عام من الإمبراطورية والعقيدة.

    هنا تحول العالم الإسلامي في القرن السادس عشر إلى إمبراطورية تشكل كوة عالمية طموحة.

    سعت سلالة الفاتحين هناك إلى فرض سلطانها على أوسع مساحة من السيطرة عرفها العالم الإسلامي في التاريخ.

    حتى جعلوا إمبراطوريتهم تدق أبواب أوروبا، سائرين خلف أعظم قادتهم، سليمان الكبير.

    كان هذا عصرا من المهابة والازدهار، نهض فيه الإسلام والإمبراطورية العثمانية الكبرى لتعزز سعيها لبسط السلطة والفتوحات ورفعة المصير.

    (العثمانيون)

    بدأ الأتراك العثمانيون شعوبا من الرحل خرجت من بطاح خلف بحر آرال.

    وقد جالوا في أرجاء تركيا الحالية لعدة قرون بحثا عن المراعي الجديدة.

    وقد جندهم السلاطين المسلمين لمقاتلة قطعان المغول. ولكن خلال الثورات التي تلت الاجتياح المغولي، أخذ الأتراك يطالبون بمناطق ومساحات خاصة بهم.

    وقد خرج من صفوفهم زعيم حرب ذو طموحات أسطورية، وكان اسمه عثمان بك.

    يقال أن عثمان رأى حلم عجيب، شاهد فيه شجرة فاتنة تمد أغصانها المتألقة لتعد بقوة ذريته ونسبه.

    لا تعرف حدود الحقيقة من الأسطورة في هذه القصة ولكنها جميلة بلا شك. كما يسهل استيعاب وتقبل الأعاجيب أكثر من الوقائع. لا يعتقد أنه كان يدرك ما يشكله من أساس لسلالة رائعة، كانت تحكم صلات حاسمة بين قارات ثلاث.

    عرف أتباع عثمان بك بالعثمانيين. وقد اعتبروا أنفسهم محاربي عقيدة، أو رجال غزوات قدرهم أن يحملوا الإسلام إلى العالم.

    كان رجال الغزوات مقاتلين أحرار يزيدون مساحات الإمبراطورية عبر العقيدة أو اللاهوتية أو لمجرد التوسع. ربما كانوا بالغي الشجاعة، لا يكترثون بأنفسهم أو بما يمكن أن تتعرض له مجموعاتهم من أذى في خوض المخاطر، ما جعل الإمبراطورية العثمانية قوة لا تعرف الخوف. حتى وصلت إلى مناطق لم يبلغها أحد من قبل.

    اتخذ العثمانيون الأوائل الغرب وجهة دائمة لهم، وذلك لأسباب وجيهة.

    لا يمكنهم التوسع شرقا أو جنوبا لأنها مناطق اخوتهم الأمراء الأتراك والمسلمين. ولا يمكن للمسلم أن يقاتل أخيه المسلم كما قيل حينها. أي أن المناطق الوحيدة للتوسع هي الأراضي الأوروبية نحو الغرب.

    عبر العثمانيون مناطق الأناضول متجهين نحو الشمال والغرب في آن معا، باتجاه مناطق وأراضي تسيطر عليها تقليديا الإمبراطورية البيزنطية القديمة.

    اعتبر العثمانيون أن الإمبراطورية البيزنطية قد أوشكت على نهايتها بعد بلوغها الألف عام، وذلك باقتصارها على منطقة مستعصية بين آسيا وأوروبا.

    سبق للحملات الصليبية أن زرعت في أرجائها الفوضى والدمار بعبور مناطقها في الطريق إلى القدس، فنهبوا العاصمة، وساهموا في جعل الإمبراطورية البيزنطية العظمى تقتصر على دول عسكرية صغيرة.

    سارع العثمانيون باجتياح هذه المناطق المشتتة، ليوحدوا الأراضي الممتدة إلى شمال غرب الأناضول.

    عام ألف وثلاثمائة وستة وعشرون، سيطر العثمانيون على مدينة بورسا البيزنطية الصلبة، ليحققوا نصرا قلب كيان العثمانيين الأتراك إلى الابد.

    أهم ما في مدينة بورسا هو أنها مكنت عثمان وخلفائه من إقامة مقر للحكومة.

    وهكذا استقرت شعوب الرحل المتنقلة لبناء الإمبراطورية.

    حين استولى العثمانيون على بورسا وجعلوها عاصمة لهم، بذلوا جهودا كبيرة لجعل أنفسهم، قوما، على، مستوى، من الجدارة، بالحضارة الإسلامية.

    الحضارة، هي النظام، لهذا عمل العثمانيون على إدارة المناطق التي يسيطرون عليها.

    حافظوا على كتبة الإمبراطورية البيزنطية في أماكنهم، وبدءوا ينظمون إمبراطوريتهم الجديدة.

    كرسوا جل اهتمامهم الأولي على الضرائب والسجلات، بلغ الأمر حدا فقدت فيه البيروقراطية معانيها النبيلة رغم ابتكاراتها الكبرى والتي لا تقل أهمية عن أي نصر تحققه المعارك.

    عرف العثمانيون باستيعاب واستساغة العناصر الثقافية المكتسبة من المناطق التي يمرون بها. وقد عرفوا بتشكيل يستطيع من خلالها الناس المقيمين هناك الاستمرار في حياتهم ومعتقداتهم بالطريقة التي يجدونها مناسبة.

    حتى أن العثمانيين واجهوا نزاعات أقل مع رعاياهم المسيحيين من نزاعاتهم مع المسلمين الذين لم يكفوا عن تحدي القوانين العثمانية.

    من المشاكل البيروقراطية أو الإدارية التي واجهت العثمانيين، هي أنهم كانوا محاطين بسلالات ملكية إسلامية، كانت محكومة من قبل العثمانيين وتحتفظ بضغائن قديمة هناك، ولم تتوقف عن التذمر والمطالبة بأمجاد خاصة بها وكثيرا ما كانت هذه العائلات الملكية تنهض وتعلن الثورات. وهكذا توصلوا إلى قناعة مفادها أنه من غير الحكمة تشكيل جيوش من هؤلاء الناس.

    وهكذا عملوا على جمع أطفال ليسوا على صلة بأي من العائلات الإسلامية المعادية. ويقال أنهم ذهبوا إلى المناطق البلقانية وجندوا أطفال من غير المسلمين.

    أطلق على هذه الممارسة لقب دفشرمي.

    تحول الفتية مع الوقت إلى نوع من عبيد السلطان، مع أنهم لم يعاملوا كعبيد.

    كانوا أولا يعتنقون الإسلام، ويتعلمون الاغتسال والوضوء والصلاة، واللغتين العربية والعثمانية.

    أدى ذلك إلى خدمة هدفين الأول سياسي والثاني هدف ديني. فمن خلال نظام الدفشرمي تمكن العثمانيون من خلق طبقة لا نزاع فيها مع القبائل والعائلات.

    تمتع الأطفال بمستقبل زاهر، حتى أن بعض الأتراك والمسلمين كانوا يدعون بأن أطفالهم من المسيحيين لتسجيلهم في نظام الدفشرمي. تمتع هذا النظام بعدة مزايا أهمها انتمائه الوحيد إلى السلطان، أي أنه حر من الروابط العائلية والمناطقية وغيرها.

    منح هؤلاء الأطفال أرقى مستوى من التعليم، متوفر في العالم أجمع حينها. وبعد ذلك كانوا يترفعون إلى أعلى مناصب السلطة في الإمبراطورية.

    انتقل الأذكياء منهم إلى مدارس القصر ليتخرجوا في مستويات مختلفة كوزراء وحكام. حتى أصبحوا من كبار الوزراء. أما الأقوياء منهم فيذهبون إلى القوات الانكشارية.

    كانت القوات الإنكشارية من نخبة المشاة التابعة للسلطان. وقد تحول إلى جيش نموذجي لعدة قرون تلت.

    كان الوحدة الأقوى، درب، كآلة عسكرية، لا يهاب الموت، بل لا يعرف الخوف. همهم الأوحد هو خدمة السلطان.

    لقد تدربوا على كل ما تحتاج إليه الجيوش العصرية من دقة ونظام. فكان أول جيش، يرتد لباسا موحدا في العالم، ويسير إلى المعارك وراء فرقة عسكرية. كان الجيش الانكشاري هو أكثر ما يهاب العالم الغربي. كانت قوة تستحقها الإمبراطورية الإسلامية الجديدة، برؤية فتوحات عسكرية لا تهدأ.

    امتدت الإمبراطورية العثمانية في أواسط القرن الخامس عشر من الحدود التركية المعاصرة المعروفة بالأناضول إلى أعماق البلقان. باستثناء حصن عصي واحد.

    لا شك أن السلطنة العثمانية الممتدة من قلب القارة الآسيوية إلى أعماق القارة الأوروبية في الغرب، قد استاءت من وجود عاصمة القسطنطينية في قلب مناطقها، وهي من أغنى عواصم العالم وأكثرها أهمية في ذلك العصر، وما زالت في أيدي الإمبراطورية البيزنطية التي لم تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد.

    قدر العثمانيون الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية العالية للقسطنطينية، كما أدركوا أهميتها الرمزية الأكبر.

    كانت مدينة واحدة، ولا شيء آخر من حولها. إذا أردت السيطرة على المنطقة، يجب أن تحكمها من تلك المدينة.

    يقال أن دعوة الاستيلاء على القسطنطينية قد صدرت عن النبي محمد بنفسه.

    سعى جميع السلاطين الأتراك منذ عصر عثمان للاستيلاء على المدينة. إلا أنها تمكنت من البقاء عصية على جميع الفتوحات.

    حتى وصل إلى الحكم سلطان لا يمكن التنكر لرؤى غزواته. حتى عرفه التاريخ بلقب محمد الفاتح.

    كان في الثانية عشرة من عمره عند توليه السلطة، ولكنه لم يكن حديث العهد في السياسة العثمانية، حتى أنه عزل جميع أشقائه للتخلص من احتمالات منافسته على السلطة.

    كانت الإمبراطورية تعني كل شيء، بل كانت أهم من العائلة. سعيا لحماية الإمبراطورية من الانشقاق، كما حدث لسلالات تركية أخرى حكمت العالم الإسلامي، حين يعتلي أحد الشبان السلطنة بعد موت والده، لا بد من تصفية جميع الأخوة الآخرين، ما يحول دون تمزق الإمبراطورية، قد يكون هذا قاسية، ولكنه أفاد العثمانيين.

    تولى الحكم مباشرة بعد موت والده، ما شكل تحولا هائلا في سياسة الإمبراطورية العثمانية فمنحها قوة وحيوية أكبر.

    وضع محمد الفاتح نصب عينيه الاستيلاء على مدينة كانت بمستوى تطلعاته.

    كان على محمد الفاتح أن يستولي على القسطنطينية لم يكن أمامه خيار آخر. فقد كانت أشبه بجوهرة ثمينة، أو ثمرة يانعة حان قطافها.

    لم يبق من المدينة أواسط القرن الخامس عشر إلا بعضا من ظلال ما كانت عليه. فقد انخفض عدد سكانها من أربعمائة ألف إلى مجرد خمسين ألف.

    إلا أن الجيش المحاصر سيبقى في وضع غير مؤات.

    أحيطت القسطنطينية بالمياه من جهات ثلاث، وقد تحصنت بالكامل.

    فقد أحيطت بثلاث حلقات من جدران يبلغ ارتفاعها مائة قدم بعرض ثلاثين قدم. وقد صمدت هناك منذ ألف عام.

    ولكن محمد الفاتح أعد سلاحا لاختراق الجدران.

    اعتمد في جانب من تفوقه العسكري على استخدامه المتنوع والمعقد لقدرات ملح البارود.

    شهد الحصار المفروض على القسطنطينية عام ألف وأربعمائة وثلاثة وخمسين بقيادة محمد الخامس، شهد أول تحول في استعمال ملح البارود على شكل مدافع هائلة لم يسبق لها مثيل وقد أعدها محمد لهذه المناسبة خصيصا.

    كانت المدافع السابقة قد أعدت من صفائح معدنية مصهورة تتماسك بالأطواق. كانت هذه المدافع تطلق الحصى والحجارة بقوة تتفوق على المنجنيق.

    تم التوصل إلى جيل جديد من المدافع صقلت من البرونز الصلب. لقمت هذه المدافع بما يكفي من ملح البارود القادر على إطلاق كريات معدنية باندفاع مذهل.

    ولكن محمد الفاتح لم يعلق آماله على المدافع وحدها.

    يبلغ عرض قناة مضيق البوسفور ميلا واحدا وهي تربط القسطنطينية بمياه البحر الأسود. أي أن قطع القناة يضع المدينة تحت رحمته.

    بدأ السلطان الشاب ببناء قلعة حصينة في موقع استراتيجية قادر على إقفال المضيق. وقد شيد القلعة في ظلال جدران المدينة الكبرى.

    لم يستغرق أكثر من أربعة أشهر في بناء قلعة هائلة تتألف من سبعة أبراج لتحمل لقب الحصار الرملي.

    يقال أن محمد الخامس شارك شخصيا بحمل الحجارة للتعجيل في البناء. ما أن اكتملت القلعة حتى عزز الحصار المفروض حول عنق البوسفور.

    تم إغراق أول سفينة تحدت الأوامر بالتوقف. أعدم بحارتها، وعلق القبطان على أحد الأعمدة فوق جدران الحصن.

    حاول البيزنطيون منع سفن الفاتح من الاقتراب فنصبوا سلسلة معدنية هائلة عبر المضيق.

    في الثاني والعشرين من نيسان أبريل من عام ألف وأربعمائة وثلاثة وخمسين، تملك سكان المدينة حالة من الرعب عندما حشد السلطان سبعين من سفنه المحاربة تنزلق على ألواح خشبية على الشاطئ الواقع ما بعد السلسلة المعدنية.

    احتشد أكثر من مائة ألف جندي عثماني أمام جدران القسطنطينية، لتساند أكبر عملية قصف مدفعي عرفها تاريخ الحروب حتى ذلك الوقت.

    رغم استمرار القصف تمكن سبعة آلاف من المدافعين عن المدينة من الصمود فترة تقارب الشهر.

    بلغ البيزنطيون المحاصرون حدا من اليأس جعلهم يلجئون إلى رفاقهم الأوروبيين في جميع أرجاء القارة.

    إلا أن أوروبا في القرن الخامس عشر كانت أعجز من أن تستطيع حشد أي قوة كفيلة باعتراض التهديد التركي المتفاقم لحدودها الشرقية.

    انشغل الملوك الأوروبيين في تلك الفترة بمواجهة نزاعات عسكرية وسياسية خاصة بهم.

    فكان على القسطنطينية أن تدافع عن نفسها بنفسها.

    فجر التاسع والعشرين من أيار مايو من عام ألف وأربعمائة وثلاثة وخمسين وصل الجيش الإسلامي إلى جدار المدينة. وبعد ساعات قليلة سقطت القسطنطينية بأيدي العثمانيين.

    امتطى محمد الخامس جواده عبر المدينة ليتوجه مباشرة إلى كنيسة هايا صوفيا الشهيرة جدا حينها.

    شيدت هذه الكنيسة في القرن التاسع على يد الإمبراطور جوستانيان، وقد لقبت حينها بالحكمة المقدسة، فكانت أوسع الأماكن المقفلة في العالم.

    لا شك أن المسلمين والعثمانيين أنفسهم قد مروا بأعداد كبيرة من الكنائس، ولكن لم يسبق لأحد أن رأى كنيسة مشابهة لكنيسة هايا صوفيا.

    كانت هايا صوفيا أو أياصوفيا كما يسمونها بالتركية، من الروائع العمرانية الأبرز في العالم لما فيها من أعلى وأكبر قبة في تلك الفترة. وقد زينت بروائع الفسيفساء المذهبة ضمن مساحة شاسعة. فاعتبرها محمد الفاتح غنية كبرى.

    ارتفع الصوت التركي داخل هايا صوفيا صارخا بالعربية أول أركان الإسلام: لا إله إلا الله محمدا رسول الله.

    وهكذا تحولت أكبر كنيسة في العالم المسيحي إلى جامع.

    أصبحت هايا صوفيا ملهمة لكثير من قبب المساجد العثمانية التي شيدت بعدها، رغم عدم بلوغها نفس الحجم أو المدى، الذي بلغه محمد الفاتح.

    بعث انتصاره موجة من الذهول حول العالم.

    اعتبره الأوروبيون كارثة هائلة، فقد اعتبرت القسطنطينية بمثابة روما الجديدة، كانت عاصمة القسطنطينية ورمزا للسيطرة المسيحية في الشرق.

    كثيرا ما تعمد سلاطين العثمانية منح أنفسهم ألقابا مختلفة، كالخان التي تعني إمبراطور بالتركية، أو شاهنشاه، التي تعني ملك الملوك بالفارسية. والسلطان التي تعني الحاكم العربية.

    أما بعد أن أصبحت الإمبراطورية البيزنطية تحت سيطرتهم، فقد لقب محمد الفاتح وخلفائه بالإمبراطور الروماني المقدس.

    دق العثمانيون أبواب الغرب، وأخذوا يتابعون التقدم نحو ما اعتبروه قدرهم النهائي في الفتح الأوروبي.

    وقعت هذه المهمة على كاهل أشهر السلاطين العثمانيين على الإطلاق.

    ولد في بداية القرن العاشر بالتقويم الإسلامي، وكان السلطان العاشر من سلالة عثمان، كان طفل مصيري تؤمل منه العظمة.

    سمي في لغة العصر بصاحب القران، حاكم الكون، وسيد الوحدة الميمونة المتوقع قدومه، والذي تأكدت هوية عبر الفلك.

    كان اسمه سليمان، تيمنا بالملك سليمان الحكيم. بلغت الإمبراطورية العثمانية ذروتها في عصر سليمان.

    تمتع سليمان بمستوى رفيع جدا من التعليم. وقد درب على السلطنة منذ الولادة.

    حين كان أمير شاب، أقام علاقة تركن أثرا عميقا على حياته وعلى الإمبراطورية أيضا.

    حين كان وليا للعهد أقام صداقة عميقة مع يوناني اعتنق الإسلام وأطلق على نفسه اسم إبراهيم.

    لقد تقاربا في السن وفي مسائل أخرى، شخصيا وفكريا كما تعلما معا إلى حد كبير. وعندما تولى سليمان الحكم بعد موت والده كما هي العادة، أخذ معه صديقه المخلص إبراهيم إلى استنبول.

    تسلم سليمان زمام الحكم في السادسة والعشرين، حاسما أمره لترك بصماته على العالم، إذا مكنه الوزراء من ذلك.

    أجبر سليمان في بداية حكمه على القبول بوزراء كبار وجنرالات يرفضون الانصياع لأوامره، واعتباره مجرد فتى في السادسة والعشرين لا يعرف الكثير عن حسن الأداء ولم ير الناس ما يجبرهم على طاعته.

    كانت المعارك وسيلة لإثبات جدارته. فعلى كل سلطان أن يبدأ عهده بتوسيع الإمبراطورية. أصبح العثمانيون يسيطرون على كردستان ومصر والمدن الإسلامية الأساسية القدس ومكة والمدينة.

    وضع سليمان نصب عينية فتح بلغراد الهنغارية لما تشكله من جسر عبوره إلى أوروبا.

    كان رأس السلالة العثمانية، وهناك واجبات عليه القيام بها، من أهمها الغزوات. من أبرز المهمات التي أخذها سليمان على عاتقه، بعد عام على توليه الحكم، كان التوجه نحو بلغراد وإسقاطها. تمتعت بلغراد بأهمية استراتيجية لأنه من هناك، سيتمكن من دفع الجيوش للتقدم نحو الغرب.

    بعد عام من ذلك أراد الاستيلاء على جزيرة رودوس.

    اعتبرت هذه الجزيرة رأس حربة وموقع متقدم للأوروبيين في المياه العثمانية. كما كانت مرتعا لقراصنة يهاجمون السفن التجارية الإسلامية.

    أعد خمسون ألف مقاتل في رودوس أحد أقوى الحصون في العالم.

    قرر سليمان الاعتماد على تكتيك مغاير لقصف النيران من مدافعه الهائلة. اعتمد تكتيك جديدا نادرا ما استعمل حتى ذلك الحين.

    لا شك أن العثمانيين كانوا أول قوة عظمى ابتكروا سبلا جديدة في استعمال ملح البارود لتحقيق التوسع العسكري بطرق مبتدعة.

    حفر خبراء الألغام العثمانيين شبكة من خمسين نفق حول قاعدة الحصن وذلك لتلغيم أساسها. قام بهذا العمل الخطير مجندين إجباريين من مسيحيي البلقان.

    شكل الانفجار الهائل إشارة لبدء هجوم عثماني شرس دام ست ساعات متواصلة. ولكنهم أجبروا على التراجع.

    وبعد حصار دام مائة وخمسة وأربعون يوما، أجبرت القوات المدافعة عن رودوس على قبول الهدنة، حتى فاز العثمانيون.

    ألحقت جزيرة رودوس بالإمبراطورية بعد هذا النصر، كما أصبح سليمان سلطانا لا بد من أخذه على محمل الجد.

    مسيرة فتوحاته قد بدأت.

    أخذت أوروبا تخشى اسم سليمان. أما داخل حدوده فكانت سمعته مختلفة.

    فالتاريخ الإسلامي يتذكره باسم سليمان القانوني، لشهرته بسن القوانين.

    اشتهر العثمانيون بالبيروقراطية، بكل معنى الكلمة. فحفظوا سجلات دقيقة حول جميع الشعوب التي شكلت جزءا من الإمبراطورية العثمانية وذلك انطلاقا من نظام قانونين بالغ الدقة.

    سُنت في عهد سليمان جملة من القوانين الفريدة التي حكمت الإمبراطورية الشاسعة. وقد تحولت هذه القوانين أساسا لعدد من الدساتير المعتمدة لاحقا من قبل عدة بلدان أخرى.

    كان سليمان السلطة الأعلى في المنطقة، بل كان محور العالم.

    افتتح سليمان عصرا كلاسيكيا في العمران العثماني. فشيد بعضا من أبرز المباني التي أذهلت العالم بأسره.

    احتل سليمان مكانة فريدة من الثراء والاستقرار وقد كرس اهتمامه على رفع صروح عمرانية تذكر بعظمته وسلالته.

    الصروح العمرانية الهائلة تمنح الناس فكرة عما في قلب العقيدة. المهابة والعظمة مواصفات يذكرها المسلم عندما يتحدث عن الله. والصرح الذي شيد بمهابة وعظمة يذكر الناس مباشرة بعظمة الخالق ومجده.

    توافقت رؤى سينان المسؤول العمراني لدى سليمان مع متطلبات البناء الإمبراطوري.

    كمّل سينان الصيغة العمرانية للإسلام عبر جامع القبة.

    احترف البناء خمسون عاما أنجز خلالها أكثر من ثلاثمائة مبنى، بما في ذلك ترميم أحد أبرز المعالم الإسلامية، قبة الصخرة في القدس.

    شيد لسليمان روعة عمرانية تجسدت مسجد السليمانية في استنبول. لا شك أنه يستحق لقب المعلم العظيم.

    تكلف هذه المباني مبالغ طائلة. هي منشآت هائلة استغرق بنائها سنوات طويلة، وأعداد كبيرة من المواهب الهندسية المعززة بالمهارة والخبرات. شيد مسجد السليمانية لمن أراد القول: أنا صاحب السلطة والثروة أنا السلطان وملك الملوك. ولكن في نفس الوقت هناك قيما روحية هائلة في هذه المباني. فهي لا ترمز للإمبراطورية وحدها بل وللمعتقد الديني.

    من التعاليم التي نقلت عن محمد قوله أن المسجد هو مركز للخدمات الاجتماعية، يكتمل بالمستشفى والمدرسة والمكتبة.

    يقال أنه عند افتتاح المسجد نظر سليمان إليه بإعجاب قائلا: يا سليمان، لقد تفوقت عليك.

    لم يكن قصر سليمان أقل شأنا. اعتبر قصر توبقابي مقرا للحكومة ومسكنا خاصا به.

    عرف سليمان بترويجه للفنون. وبما أنها كانت إمبراطورية ثرية اجتمع فيها أفضل الفنانين، فأخذ كل شيء يزدهر.

    العمران والفنون في عهده أبرزت أول عصر الذهبي للعالم العثماني. كان كل ما يخرج من قصره بالغ الإتقان.

    حتى أن سليمان نفسه كان صائغا. اعتقد العثمانيون أن على كل سلطان أن يتقن حرفة يدوية، فكونه سلطان لا يمنحه حرفة عملية أو يدوية.

    عرف عنه بكونه متطلبا ومثابر ومتابع لدقة العمل، ويعتقد أن كل مجموعة من الفنانين الحرفيين العاملين في القصر، حاولت التفوق على الفرقة الأخرى إرضاء للسلطان. إن إرضائه يعود بمكافأة رائعة.

    لا شك أن للعثمانيين بصمات واضحة في مخيلة الأوروبيين، حتى أن المراسيم السياسية والفخامة الملكية للعثمانيين كانت لتبهر أي مواطن في ذلك العالم. لا شك أنها كانت أعظم إمبراطورية في العالم ولا يمكن للمراقب الأوروبي إلا الشعور بالاحترام والتقدير لسلطة العثمانيين الهائلة.

    كان سليمان يطالب بصمت جميع المحيطين به في العلن. بينما كان يعبر عن رغباته بإشارة من رأسه أو يديه.

    من المدهش فعلا أن ترى البلاط الملكي في القصر المليء بسبعة آلاف انكشاري وموظف لا ينطق أي منهم بكلمة. أي أن ما يحدث هناك هو نوع من الملكية الغامضة والواسعة الانتشار، حتى يبلغ اعتبارها شبه إلهية.

    مع نمو سلطة سليمان، أخذ صديق طفولته إبراهيم يرقى في بنية بلاطه الملكي.

    سرعان ما أصبح إبراهيم باشا ثم تحول إلى أحد أهم وزرائه، حتى أنه تزوج من شقيقته. أي أنهما لم يكونا أصدقاء فقط بل أصبحا قريبان.

    انطلق إبراهيم بحملات على رأس جيش خاص به، فنمى نفوذه وطموحه حتى أصبح في مرتبة تلت سليمان مباشرة.

    ولكن لا أحد يقارن بعالم حريم السلطان السري من حيث الطموحات والسلطة.

    لا يقارن بيت الحريم العثماني بقاعات السمر الملكية في الغرب التي تحتل مكانة ثانوية، فهو في قلب حكم السلالة.

    يعتبر الحريم جناحا خاصا بالسلطان، يسود اعتقاد بأن الحريم هو جناح النساء ولكنه يعني المكان الذي لا يعد فيه تحت الأنظار،أي أنه يعني الدفء المنزلي.

    سمح العثمانيون للسلطان بأربع زوجات وعدد من الخليلات.

    صمم هذا النظام للحصول على أولياء عهد لا أكثر. عند التأمل بأدق التفاصيل هناك، ستجد أنها لم تكن مجرد مسألة شهوانية. لم يكن لدى السلطان حرية في اختيار رفيقته الأنثى. لم يكن السلطان في مكانة تسمح بالنظر من حوله والقول أريد هذه، لأن لأمه رأي في اختياره.

    أنجب سليمان من زوجته الأولى ولي عهده مصطفى.

    ولكنه عند بلوغه العقد الثالث من عمره أحب فتاة سلافية من سباياه اسمها هوريم. أما في الغرب فيعرفونها باسم آخر هو روكسلانا.

    أنجبت روكسلانا ولي عهد ند، أصبح محل ثقة لدى سليمان.

    يفترض أن تتم حماية السلطان من أي نفوذ غير ملائم، يفترض أن يلقى الحماية تجاه أي خصوم، ما يؤدي إلى خلق فراغ من حوله شخصه، لا يخترقه إلى الحريم. وهكذا فإن واقع حمايته البالغة، يجعله عرضة لمزيد من نفوذ رفيقته الأنثى التي يمضي معها فترات طويلة. والحقيقة أن النساء المحيطات به كن من شديدات الذكاء، والطموحات جدا. وكانت روكسيلانا من أكثرهن شهرة.

    تميز سليمان بشخصية مركبة، يعرف من خلال حياته الخاصة أنه مفرط الحساسية والشغف تجاه صديقه إبراهيم ومن خلال محبته العميقة لزوجته هوريم سلطان، إلى جانب علاقاته العائلية إذ كان لديه أبناء موهوبين جدا أغدق عليهم بكثير من العطف.

    أعد سليمان ابنه الأول مصطفى لتسلم السلطة. نصت التقاليد العثمانية على دخول الأمير الشاب إلى السلك العسكري ليكتسب سريعا شهرة جنرال موهوب.

    كان مصطفى وريث العرش بلا منازع. وقد اعتبر سليمان أن مستقبل إمبراطوريته لا تعرف الحدود.

    أنا عبد الله، وسلطان هذا العالم. هذا ما كان يحفره سليمان على الحصون التي يغزوها.

    أنا سليمان الذي تدع له صلوات الجمعة في مكة والمدينة. أنا الشاه في بغداد، وأنا القيصر في المملكة البيزنطية، وأنا السلطان في مصر.

    شعر في ذروة سلطانه بلا شك أنه قزّم خصومه. وربما كان محقا.

    كان أحد أبرز خصوم سليمان يقبع في الشرق. الإمبراطورية الصفوية في إيران. اعتبر هذا عدوا مسلما لخلافات عقائدية وضعته في مصاف الخصوم العثمانية لعدة قرون.

    اعتبر الصفويين من الأتراك في جذورهم الإثنية، حتى أنهم تحدثوا بالتركية في حياتهم اليومية، وكانوا يتوسعون في العالم الإسلامي على خلاف العثمانيين الذين كانوا يتوسعون على حساب الغرب.

    وهكذا شكلت الإمبراطورية العثمانية نوعا من الحدود اعتبرتها أقصى الحدود الشرقية المملكة العثمانية.

    كانت السلالة الصفوية من المسلمين الشيعة، المناهضين للسنية العثمانية.

    يقول بعض الشيعة أن على القائد أن يعين من قبل سلفه وأن يكون من سلالة محمد. أما السنة فلا يرون للتعيين أهمية كما يمكن للقائد أن يتزعم الناس دون أن ينحدر من سلالة محمد.

    يعتبر البعض أن هذه التحدي للشرعية سببا للشقاق بين السنة والشيعة، وهي مسألة ما زالت تشق العالم الإسلامي حتى يومنا هذا.

    يمكن القول أن العثمانيين لم يعتبروا أنفسهم من السنة، حتى جاء الصفويون يحملون لواء الخصم الشيعي.

    أي أن الصفوية شكلت معتقدا منافسا للعثمانيين، حتى تطورت الأمور وتحولت إلى حرب حول ما تشن الحروب من حوله عادة، من سيطرة على الأراضي والثروات والمناطق والمكانة.

    شن الصفويون حربا عقائدية على شرق الأناضول، التي كانت بالنسبة أكثر المناطق إثارة للقلاقل. فهي أراض يصعب غزوها ويصعب التحكم بها.

    امتاز الصفويون بالبراعة العسكرية، ولكنهم يشكلون خصما ثقافية للعثمانيين أيضا.

    شكلوا نماذج فنية رائعة يعتقد أنه أكثر شهرة بترويج الفنون مما كانوا عليه في الغزوات والقوانين والأنظمة الإدارية. عندما تنظر إلى أصفهان ترى أنها أجمل مدينة في العالم، وقد كانت مدينة الصفويين وعاصمتهم. ولكنها لا تمنح الزائر ذلك الإحساس بالقوة التي تراها في الإمبراطورية العثمانية أو عاصمتها. إنه نوع مختلف من القوة قد يكون أشد بلاغة، وأكثر غناء في تصميمه ومساحات مراسيمه، وكأنه جانب آخر من الإسلام يختلف كليا.

    يصنف الفن والعمران الصفوي على مستوى أرفع، فهي تعرف عادة بالزركشة، كما تعرف بالتخريم والتثقيب، وليس بأحجامها الهائلة.

    أعدت في القصور الملكية الشاهقة للصفويين الخطط والمشاريع المعادية لسليمان وسلالته حتى وصلت أنبائها إلى مسامعه.

    ولكن عيني سليمان كانت في الغرب، حيث كانت أوروبا الممزقة والضعيفة بانتظار غزواته. شملت المناطق العثمانية مناطق تمتد من مصر إلى كردستان، كما أصبحت تشمل هنغاريا أيضا.

    ولكن طموحاته كانت تدفعه إلى ما وراء ذلك لفرض سيطرته على أكبر مساحة ممكنة من العالم المعروف لديه حتى حينها.

    تكمن خطوة سليمان التالية بالاستيلاء على فينا ليوجه بذلك طعنة في قلب إمبراطورية هبسبورغ الأوروبية ويفتح الطريق نحو الغرب.

    ولكن مع توجه الجيوش العثمانية المدججة بالأسلحة نحو فينا انقلب المناخ عليهم.

    المدافع الثقيلة التي حصدت للعثمانيين النصر تلو الآخر غرقت عميقا في الوحل. أجبر سليمان على السير قدما بدونها.

    قصف العثمانيون المدينة بالمدافع الخفيفة دون توقف.

    ولكنهم جوبهوا بدفاعات شرسة.

    تسارع فصل الشتاء بعد حصار طويل فسحب سليمان قواته.

    لم يقلقه ذلك. كان متأكدا من عودته بالسرعة اللازمة.

    ولكنه لم يعد.

    اعتبر فشل سليمان في الاستيلاء على فينا حيويا بالنسبة لأوروبا. كانت هذه أول هزيمة كبرى، بعد زمن طويل من الهزائم الأوروبية الواحدة بعد أخرى. ما شكل منعطفا جديدا للقارة الأوروبية.

    ما كان سليمان ليخشى أوروبا، ذلك أن خصومه من المسلمين الصفويين إلى جانب عائلته جلبوا أشد المآسي على السلطان وأخيرا على الإمبراطورية جمعاء.

    كان سليمان نوعا من النموذج المختصر لحاكم القرن السادس عشر العاقل والمنصف والذي كان في الوقت نفسه شخصية مأساوية.

    لم تتوقف المكائد والمؤامرات من منزل السلطان العائلي.

    قصر توبكابي كما سمي أصلا، لا يحتوي على جناح للنساء، اللواتي أقمن فيما كان يعرف بالقصر القديم.

    ولكن هوريم كانت كثيرة التذمر من زوجها كغالبية الزوجات لتغيبه أيام وأشهر في حملاته خارج العاصمة.

    كثيرا ما كانت تشكو من الوحدة واشتياق أبنائه، والمفاجئ هو أن حريقا اشتعل في القصر القديم، اشتعل جناح هوريم. لهذا تم نقلها إلى قصر توبكابي مؤقتا ريثما يرممون الجناح القديم، وهكذا دخلت إلى القصر ولم تخرج منه.

    أصبحت هوريم في مركز السلطة، تروج ليصبح ابنها وليا للعرش، منغمسة وسط مجموعة من المكائد والشائعات والشبهات المميتة.

    كانت شديدة الوفاء لزوجها. فاعتبرت أي تهديد لسليمان، تهديدا لها لا بد من التخلص منه. وقد جاء التهديد الأول من إبراهيم باشا، الذي اتخذ ألقابا لا تمنح إلا للسلاطين. أدركت هوريم أن شيئا ما سيحدث في النهاية، فعملت على حماية الإمبراطورية، والسلالة، بالتخلص من إبراهيم باشا.

    في الخامس عشر من آذار مارس من عام ألف وخمسمائة وستة وثلاثون تعشى سليمان مع إبراهيم باشا كما جرت العادة. في الصباح عثر على جثة إبراهيم بعد موته شنقا.

    ولكن أحزن سليمان بخسارته كانت في بدايتها.

    بعد سليمان أبوالطيب الهوارى



    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14308
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

     الامبراطورية العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني   Empty رد: الامبراطورية العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الثلاثاء ديسمبر 28, 2021 4:58 am

    سنوات قليلة من موت إبراهيم باشا ادعت هوريم اكتشاف مؤامرة للإطاحة بسليمان أعدت بمساعدة الصفويين لابنه الأول وولي عرشه مصطفى.

    هذه مشكلة دائمة في التاريخ العثماني، الأبناء يحاولون الإطاحة بآبائهم. حدوث ذلك في التعاقب الملكي يسبب مشاكل كبيرة والحقيقة أن سليمان نال حصته منها وربما لم يقم بما هو مطلوب منه.

    لم يتردد سليمان بإصدار أمر بإعدام مصطفى. ثم جلس إلى جانب جثته عدة أيام، رافضا السماح لأي شخص بلمسه. وهكذا مات الأمل الأسمى لمستقبل الإمبراطورية.

    بعد موت هوريم نفسها في العام التالي، غاب سليمان في بأس عميق، ليجد عزاء في أشعاره.

    يعتقد أنه كتب غالبية أشعاره بعد موت زوجته. فهي تتحدث عن العزلة في العمل المكتبي وأنه لم يبقى له أحد، وأنه يموت شوقا للقائها.

    حتى لو بدا سلطانك على عرش الإمبراطورية خالدا، لا تنخدع. فالريح المعادية ستهب يوما وتأتي لبلادك الجميلة وجناتك سوء الطالع وعميق العذاب.

    لم يجد وسط عزلته إلا ملاذا واحدا لسلطان بدت أحزانه أكبر مساحة من سلطته.

    عاد إلى ساحات المعارك، إلى عهده في الغزوات.

    قاد شخصيا ثلاثة عشر حملة، كان آخرها في زيغتفار، وهي الآن في هنغاريا.

    يعتقد انه كان يعلم بأنها ستكون آخر حملاته، فقادها شخصيا، مدركا بأنه قد لا يعود حيا.

    عام ألف وخمسمائة وواحد وستون مات السلطان الذي حكم الإمبراطورية لفترة أطول من غيره، مات في السابعة والستين وهو في خيمته العسكرية الكبرى محاطا بجنرالاته.

    لم يتمكن أي سلطان آخر من إحراز عظمة مماثلة له. انتقلت سلسلة القوى العظمى من الأبيض المتوسط إلى المحيط الأطلسي، مخلفة العثمانيين وراءها تدريجيا.

    ما زال دراويش استنبول اليوم يلفّون بدوران راقص يعود إلى عصر سليمان. إنها حركة للتأمل تعود جذور طقوسها إلى فترة أبعد قد تصل إلى زمن النبي محمد.

    "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله". هذا ما يورده في القرآن لجميع المؤمنين.

    للحضارتين الإسلامية والغربية نفس الجذور. فهما تبزغان من الهلال الخصيب، والإيمان بالله الواحد للديانات التوحيدية الثلاث، والثقافات الفكرية كالإغريقية والبابلية، بين الحضارتين نسب روحي مشترك، فهما متشابهتان رغم الاختلاف الكبير بينهما.

    يتداخل الميراث الإسلامي مع الغرب، ومليارات المسلمين الذين يشكلون اليوم ثان أكبر ديانة في العالم ما زالوا يعتبرونه ميراث حي وجزء حيوي من مخاض البشرية في الحضارة الإنسانية.

    _________________
    مصطفى


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14308
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

     الامبراطورية العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني   Empty رد: الامبراطورية العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء ديسمبر 07, 2022 3:36 pm

    ⛵ ⛳ ✏ تاريخ الدولة العثمانية .. (1)
    #Ottoman_Empire_History_جواهر
    -----------------------------------------------------
    مشكلة التاريخ العثماني بين المهاجمين و المدافعين
    --------------------------------------------------------------------
    إن علم التاريخ ليس مجرد تسجيل للوقائع والأحداث بصورة مجردة، إنما تتدخل به الانتماءات الأيديولوجية والفكرية لكل كاتب، ولعل أبرز مثال على هذه التدخلات هو ما فعله المؤرخون في كتابة تاريخ الدولة العثمانية ؛ سواء المهاجمون أو المدافعون ؛ فقد سخر عدد منهم كتاباته لأغراض أخرى ليس لها علاقة بدراسة علم التاريخ و تمادى الفريقان إلى حد المبالغة غير المعقولة ؛ مما أدى بالنهاية لتراشق الجماهير من الفريقين بسيل من الإتهامات و الشتائم على صفحات الجرائد و مواقع الشبكة العنكبوتية و القنوات المرئية و المسموعة و أحيانا بعض الكتب ..

    و قد وقع طالبو الدراسة والمتلهفون لمعرفة الحقيقة ؛ في هوة الفوضى والتناقض التي صنعها الكتاب و المذيعون و اصحاب المسلسلات ؛ التي وصلت بهم الحال أن جعلوا احداث ذلك التاريخ كالأساطير سواء المنتقدة أو الممجدة للعثمانيين ؛ فبات الطلاب و الباحثون لا يثقون في أي معلومة بخصوص هذا التاريخ المشكل الذي كتبه و أذاعه الفريقان.

    وفي الواقع نتوقع أن نتعرض لسيل جارف أيضا من الإنتقادات و الإتهامات و أيضا من كلا الفريقين ؛ فكل منهما يريد أن نكتب على هواه ؛ فالمهاجمون يريدون منا أن نذم فقط دون أن نذكر أي ميزة ؛ و المدافعون يريدوننا أن نمدح دون أي انتقاد ..

    ولو تعقل الفريقان لعرفوا أن دراسة التاريخ العثماني هي كدراسة أي تاريخ آخر - فضلا عن أنها جزء كبير من تاريخ أمتنا - لا يحق للمؤرخ أن يجمع السلبيات جنبا إلى جنب ليصنع منها هرما و يغفل ذكر الإيجابيات ؛ كما أنه لا يحق له أن يفعل العكس .. ناهيك عن أن يكذب أو يبالغ أو يضيف من عنده .. فالخاسر الحقيقي و المظلوم هو الجمهور الذي يحاول الفريقان استمالته و تسخيره لأغراض لا تتعلق بعلم ولا بحث ولا دراسة .

    وقد انقسم كتاب التاريخ العثمانى إلى فريقين :

    🔼 الفريق الأول وهو الأغلب - لأنه ضم المستشرقين الغربيين واليهود والأوربيين - والقوميين والعلمانيين و السياسيين الذين لديهم مشاكل مع الأتراك سواء الملاصقين لحدودهم أو البعيدون الذين يشعرون بالتنافس على النفوذ السياسي والعسكري أو الإقتصاد أو الثروات ، ..

    وهؤلاء جمعوا كل السلبيات جنبا إلى جنب و استخدموا أساليب العداء والطعن والتشويه والتشكييك فيما قام به العثمانيون من خدمات للإسلام وأنكروا كل ميزة إيجابية،

    🔼 أما الفريق الثاني عبَّرَ عن انتمائه للأمة و اعتبر الدولة العثمانية جزءا من الحكومات التي صانت بيضة الإسلام لعهود طويلة ؛ و من منطلق أنه لا فرق بين المسلمين ولا مجال للقومية ؛ إلا أن جانبا منهم اتخذ من المبالغة و التضخيم أسلوبا له ؛ وتمادى إلى الحد الذي جعله محسوبا على التيار القومي الذي يمجد الجنس التركي ووضع نفسه بجدارة في خانة الإتهام بالترويج لسياستهم المعاصرة .

    ولكن الحقيقة هي وسط بين الإتجاهين فكما أن هناك ميزات هناك أيضا عيوب ؛ و كأي دولة أو إمبراطورية فلها أطوار تمر بها بين الصعود و الركود ثم الإنهيار ؛ يصاحب كل طور منها حكام أهلتهم أخلاقهم و هممهم و مواهبهم لصناعة ذلك الطور ؛ فطور الصعود ستجد الحكام و الأمور شبه مثالية ؛ وطور التدهور و الإنحطاط ستجد حكاما ضعفاء وظلمة و تجد الشكوى كثيرة منهم لدى سكان الأقاليم التي حكموها .
    -------------------------------------------------------------------
    ✏ أولا عينة مما يقوله المهاجمون

    كأن ابن خلدون كان يقرأ المستقبل حين تحدث للسلطان المملوكي برقوق في نهاية القرن الرابع عشر الميلادي مردداً عبارته الشهيرة، "لا تخشوا على ملك مصر إلا من أولاد عثمان"، في إشارة إلى مؤسس الدولة العثمانية.

    لم يكن ابن خلدون وحده أوّل المحذرين من توسع الدولة العثمانية، فكثير غيره من المؤرخين الذين عاصروا بدايات نشأة تلك الإمبراطورية على يد عثمان بن أرطغرل (عثمان الأول) عام 1299م، وحتى بداية ما بقي ليثير جدل "غزو أم فتح؟" للمنطقة العربية بداية من الشام ومصر (الدولة المملوكية) على يد السلطان العثماني، سليم الأول في عام 1517م، ..

    ظلت قرون الحكم العثماني للمنطقة العربية مسار خلاف بين رواية أغلب أنصارها عرب، ترى فيها "فترة دموية كاحلة الظلمة، استنزفت لقرون ثروات العرب وأفقرت شعوبهم"، فيما يتمسك الأتراك باعتبارها "خلافة إسلامية مفترى عليها، حمت المنطقة من الاستعمار، واتسمت بالتسامح الديني والازدهار والتنمية"

    فما حقيقة حكم العثمانيين للمنطقة العربية، وهل كانوا غزاة أم فاتحين، وماذا جنت المنطقة العربية ودولها في قرون خضوعها لحكمهم؟ هذا ما تحاول "اندبندنت عربية" الإجابة عنه عبر تقليب أوراق التاريخ والوثائق، وآراء من كتبوا عنها، على مدار العقود الخمس الماضية، لاستيضاح حقيقة "تلك الدولة"، التي تجلت "حقيقة دمويتها" وفق المؤرخ المصري محمد بن إياس الحنفي، في المشاهد الأولى لدخول السلطان العثماني سليم الأول (توفي 1520م) مصر منتصراً على آخر سلاطين الدولة المملوكية طومان باي، عام 1517م، مقراً بإعدامه.

    روى ابن إياس، وهو من عاصر تلك المرحلة (توفي 1523م) في كتابه "بدائع الزهور في وقائع الدهور"، "كان الناس في القاهرة قد خرجوا ليلقوا نظرة الوداع على سلطان مصر، ولما شنق طومان باي على باب زويلة، وطلعت روحه صرخ عليه الناس صرخة عظيمة، وكثر الحزن والأسف عليه"، مشيراً إلى أن "السلطان المشنوق ظل ثلاثة أيام معلقاً حتى جافت رائحته".

    هذا الشنق الذي وصفه المؤرخ المصري ابن زنبل الرمال، في كتابه "انفصال دولة الأوان واتصال دولة بني عثمان" بأنه "أشأم الأيام على أهل المملكة حيث بكت عليه الأرامل والأيتام"، شبهه بن إياس باليوم الذي "شهدته بغداد، في عهد الدولة العباسية، على أيدي جند هولاكو (المغول) عام 1258م".

    ورغم "المشهد الدموي" لبداية مرحلة الحقبة العثمانية عربياً، يتمسك مؤرخون، بينهم عبد العزيز الشناوي الذي كتب في "الدولة العثمانية، دولة إسلامية مفترى عليها"، أنها "حمت العرب من الاحتلال البرتغالي وحافظت على الإرث الإسلامي ضد الحملات الصليبية"، بينما يرد المؤرخ عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بقوله إن "استخدام السياسة والدين في التأريخ يؤول وقائعه ويبعدنا عن الحقائق".

    ووفق ما استقرت عليه المصادر والوثائق التاريخية، فإن الدولة العثمانية منسوبة في تسميتها إلى مؤسسها الأول عثمان بن أرطغرل، وكانت عبارة عن قبائل رعوية تقيم في مناطق وسط آسيا، وتوافدت على الأناضول، واستقرت هناك.

    يقول الدسوقي، "أصل العثمانيين قبيلة كانت تقيم شمال غربي الصين القديمة، وشأن بقية القبائل كانوا يتنقلون من مكان لآخر بحثاً عن الرزق، وبالتالي ليسوا أصحاب حضارة". مضيفاً "أخذت تلك القبيلة تتنقل حتى وصلت آسيا الصغرى منتصف القرن الثاني عشر الميلادي، وكانت في هذا الطريق الطويل تتصادم مع قوى وقبائل أخرى مستقرة وتنتصر عليها بقوة السلاح وتأخذ منها جزءاً، ...

    وعندما وصلت إلى آسيا الصغرى منتصف القرن الرابع عشر، كان هناك نزاعٌ في منطقة بيزنطة، في عهد الإمبراطورية البيزنطية المسيحية، بين الأباطرة الطامحين في تولي الحكم في هذه الإمبراطورية، فاستعان أحدهم بالعثمانيين، وكان زعيم القبيلة وقتها يُدعى عثمان، ومن هنا أطلقت صفة العثمانيين على هذه القبيلة".

    وبحسب أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، فإن "توسع الدولة العثمانية كان محض صراع سياسي مصلحي بين القوى القائمة منتصف القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين، وليس له أي علاقة بالدين أو الخلافة، وتوصيف ما حدث تاريخياً أنه غزو وليس فتحاً".

    أضاف، "في عام 1453م، حيث دخول العثمانيين القسطنطينية وإسقاط الدولة البيزنطية، كانت هناك ثلاث قوى متنافسة في المنطقة، تمثلت في قوى الصفويين في إيران وهم شيعة، وقوى المماليك في مصر والشام، والعثمانيين القادمين من آسيا الصغرى وبيزنطة.

    وحدث الصراع بينها، القوى الأقدم تمثل الصفويين والمماليك، والأحدث تمثل العثمانيين، وبدأ الصراع على منطقة لا تزال موضع خلاف حتى الآن وهي منطقة الأكراد شمالي العراق وسوريا وإيران وجنوب شرقي الدولة العثمانية، حيث كانت هناك وقتها إمارات كردية مستقلة، وفي عام 1514م هزم العثمانيون الصفويين في موقعة شال ديران أو كالديران، قبل نحو عامين من تلقي دولة المماليك الهزيمة الأولى لها في معركة (مرج دابق) السورية في 24 أغسطس (آب) عام 1516، حيث خسروا سوريا،...

    ثم في موقعة (خان يونس) في 28 أكتوبر (تشرين الأول) 1516 في فلسطين، وفي 22 يناير (كانون الثاني) 1517، وقعت معركة الريدانية قُرب منطقة العباسية (وسط القاهرة اليوم) وكانت خارج العاصمة المصرية وقتذاك، وهزم الجيش المصري أمام نظيره العثماني قبل أن يدخل سليم الأول القاهرة في 26 يناير 1517 لتسقط دولة المماليك، وانتقلت للمرة الأولى عاصمة العالم الإسلامي خارج العالم العربي".

    بقيت ولا تزال مسألة "القرون الأربعة لحكم الدولة العثمانية لأغلب الدول العربية"، محل جدل ومسار خلاف بين المؤرخين، عما إذا كان يمكن اعتبارها "خلافة عثمانية أم غزواً واحتلالاً؟". ففي رأي الدسوقي، فإن "العثمانيين ليسوا سوى غزاة ومستعمرين احتلوا بلاد العرب لمدة أربعة قرون، مثلهم مثل الاستعمار الفرنسي والبريطاني، واستنزفوا ثروات العرب وأورثوهم الضعف والتخلف". نافياً عنهم صفة "الفاتحين"، إذ يقول "لا يمكن اعتبار دخول شعب مسلم لأرض شعب مسلم آخر فتحاً، هذا مناف للعلم والتاريخ. ومن يتحدث عن الفتح العثماني فإن حديثه قائم على العاطفة والحماسة الدينية بحجة أن الدولة العثمانية حمت الدول العربية من التغلغل الشيعي، عبر تصديها للدولة الصفوية في إيران".

    يتابع "السلطان العثماني كان إمبراطوراً استعمارياً، والبلاد العربية في عهده عانت التبعية لمركز استعماري، ولم تشهد أي معالم نهضة أو حضارة". مضيفاً "الخلافة الإسلامية بالأساس مركزها مكة المكرمة في قبيلة قريش، وبالأخص في بني هاشم وهي خلافة عربية، ولهذا كان الخلفاء الراشدون من قريش والأمويين والعباسيين، وكمثال على إبعاد صفة الخلافة فإن صلاح الدين عندما قضى على الخلافة الفاطمية لم يسم نفسه الخليفة، وإنما سُمي بالسلطان لأنه كان كُردياً".

    يوضح، "رغم ترديد البعض مصطلح الخلافة العثمانية، فإن المراجع التركية ذاتها لا تذكر لقب الخليفة العثماني، والوحيد من السلاطين العثمانيين الذي ربط اسمه بلقب الخليفة وادعى الخلافة كان السلطان عبد الحميد، حين أصدر في عام 1876 دستوراً وذيله باسم عبد الحميد خليفة المسلمين، وتصدى له عبد الرحمن الكواكبي في كتاب (طبائع الاستبداد) وذكّره أن الخلافة عربية".

    في الاتجاه ذاته، يؤكد محمد صبري، المؤرخ وأستاذ التاريخ المصري في جامعة حلوان، أن "احتلال العثمانيين للمنطقة العربية وغزوهم دولها ليس محل وجهات نظر، بل هو حقيقة، وفكرة الخلافة لم تكن تطرح في الإمبراطورية العثمانية إلا في أوقات محددة ومتأخرة من عمرها".

    يضيف، "عندما اصطدم العثمانيون مع الفرس والروس وغيرهما، لم تكن تُطرح أبداً فكرة الخلافة، وبعض أتباعهم طرحها فقط مع غزوهم للدول العربية لإضافة بعدٍ ديني إلى الأمر، بالمخالفة للحقيقة جملة وتفصيلاً". ملخصاً الأمر في قوله "المسألة صراع سياسي بالأساس على بسط السيطرة والنفوذ، وباختصار هي دولة احتلت دولة أخرى كانت قائمة".

    في المقابل، يقول المؤرخ محمد حرب، في كتابه "العثمانيون في التاريخ والحضارة"، الذي ترجم مذكرات "السلطان عبد الحميد الثاني"، "تبدت الكثير من الشواهد التي عكست أن العرب لم يكونوا ينظرون إلى العثمانيين على أنهم محتلون، مثل تلك الاستغاثات والنداءات التي أطلقها علماء وأعيان الشام ومصر لإنقاذهم من الحكم المملوكي".

    مشيراً في ذلك إلى ما قال إنه "ترجمه لوثيقة تاريخية في متحف طوب كابي في إسطنبول تحمل رقم 11634، وهي عبارة عن رسالة من علماء ووجهاء وأعيان وأشراف أهل حلب إلى السلطان سليم الأول، يناشدونه تخليصهم من الحكم الشركسي، ويشكون إليه الظلم وتعطيل الشريعة".

    وهو ما نقله أيضاً المؤرخ العثماني عبد الله رضوان في كتابه "تاريخ مصر"، حين ذكر أن علماء مصر كانوا يلتقون سراً كل سفير عثماني يأتي إلى بلادهم ويقصون شكاواهم ويستنهضون السلطان لتخليصهم.

    في السادس والعشرين من يناير (كانون الثاني) عام 1517م، بدأت مصر رسمياً رحلتها في كنف الدولة العثمانية بإعدام السلطان طومان باي، ووفق رواية المؤرخين ممن عاصروا تلك الفترة، فقد كان ذلك اليوم "نكبة وحسرة"، وبحسب رواية المؤرخ محمد بن إياس في كتابه "بدائع الزهور في وقائع الدهور"، فقد "وقعت في القاهرة المصيبة العظمى التي لم يُسمع بمثلها فيما تقدم، ولم يقاس أهل مصر شدة مثل هذه". واصفاً ما شهدته البلاد في الأيام التي تلت "الاحتلال العثماني"، بالقول "انتهك ابن عثمان (سليم الأول) حرمة مصر، وما خرج منها حتى غنم أموالها وقتل أبطالها ويتّم أطفالها وأسر رجالها وبدّد أحوالها"، ثم يضيف في الجزء الخامس من كتابه "كان سليم رجلاً سيئ الخلق، سفاكاً للدماء شديد الغضب، ورُوي عنه أنه قال (إذا دخلت مصر أحرق بيوتها قاطبة)".

    وأوضح ابن إياس، في كتابه، الكثير من الوقائع التي أظهرت المآسي التي مر بها المصريون في أثناء دخول الحكم العثماني، من قتلِ الشيوخ والأطفال، وسبي النساء، واسترقاق المسلمين منهم قبل غيرهم، ومجاهرة الجنود العثمانيين بشرب الخمر في نهار رمضان، ناهيك بسعي السلطان العثماني سليم الأول، ومن بعده ابنه سليمان القانوني، إلى تدمير البنية الاقتصادية المصرية، حين بدأ عمليات نقل أصحاب الصناعة والحرفيين إلى إسطنبول.

    يذكر أيضاً، "نقل سليم الأول، أمهر الأعمال وأرباب الحرف في مصر إلى الأستانة ما سبب الخراب وتوقف الصناعات التي اشتهرت بها مصر، حتى انقرضت الحِرف. فالعثمانيون ما رحلوا عن الديار المصرية إلا والناس في غاية البلية وفي مدة إقامة ابن عثمان في القاهرة حصل لأهلها الضرر الشامل".

    ينقل المؤرخ ابن زنبل الرمال، في كتابه "واقعة السلطان الغوري مع سليم العثماني"، "أن سليم الأول أمر بجمع ألفين من المصريين من رجال الحرف والصناعات وكبار التجار والقضاة والأعيان والأمراء، وأرسل بهم إلى القسطنطينية، كما عمد العثمانيون مع بداية ولايتهم إلى نزع ما في بيوت مصر وأثمن ما فيها من منقول وثابت، حتى الأخشاب والبلاط والرخام والأسقف المنقوشة ومجموعة المصاحف والمخطوطات والمشاكي والكراسي النحاسية والمنابر".

    وكما يقول ابن إياس، "مع استمرار مقاومة المماليك والمصريين للعثمانيين، وزيادة بطش الأخيرين، هرب المصريون للاختباء والحماية داخل المساجد، ولم يتردد العثمانيون في اقتحامها، بل قتلوهم بداخلها"، وتابع "إذا هرب مصري منهم إلى المئذنة صعدوا إليها وألقوه منها إلى الأرض، إذ كانت المساجد مستباحة".

    من جهته، أرجع الدسوقي تلك الوحشية، إلى "إحساس الأتراك بالدونية الحضارية أمام الشعب المصري، فهم ليسوا أهل حضارة ولا يملكون موروثاً ثقافياً، وهو ما تجلى في عدم تقديمهم شيئاً للمصريين بعد نحو 3 قرون من حكمهم".

    يتابع، "استولى العثمانيون على فرش المساجد والأضرحة، ومنها فرش مسجد السيدة نفيسة ومقامها، ومسجد السيدة زينب، والجامع الأزهر، ومسجد ابن طولون، ولم يترددوا في دخول واقتحام المساجد، وسرقة أي شيء منها ".

    ووفق المؤرخ محمد صبري، فإن "مصر لم تشهد أي مظهر من مظاهر الحداثة طوال حكم الولاة العثمانيين حتى مجيء الحملة الفرنسية، سواء في البناء الاقتصادي أو الاجتماعي ومن ثم الثقافي، يجعل المجتمع يشعر بأي شيء مختلف عما كان عليه الحال من قبل".

    لم تكن الحال بالأفضل في بلاد الشام والعراق تحت سيطرة العثمانيين على مدار القرون الأربعة، ووفق ما سجّله المؤرخون ودوّنته الوثائق والأرشيفات الوطنية والدولية "تعددت المذابح بحق الشعوب، وانتشر الفقر والمجاعات، وزادت عمليات النهب منذ سنواتهم الأولى بالمنطقة"، ...

    فبعد معركة مرج دابق عام 1516 دخل العثمانيون حلب، ورغم استسلامها، قتل الآلاف من أهلها، واستباحوا نساءها طوال ثلاثة أيام، ثم تكرر الأمر ذاته بعد وصول سليم الأول إلى دمشق، حسب ما كتب المؤرخ ابن إياس.

    ويقول ابن ياس، "سجّل التاريخ استباحة حلب ومعرة النعمان في حملة سقط خلالها، 40 ألفاً في حلب، و15 ألفاً في معرة النعمان، كما سقط إبان استباحة دمشق عام 1516 قُرابة 10 آلاف شخص خلال ثلاثة أيام فقط، وفي العام نفسه اُستبيح ريف إدلب وحماة وحمص والحسكة، ما أدّى إلى تحوّل كامل في البنية السكّانية نتيجة الموت قتلاً أو جوعاً، أو الهروب باتجاه المدن الأخرى، ..

    ورُحِّل كثيرٌ من أرباب المهن والصناعات إلى داخل تركيا"، ثم يضيف: "عانت الشام النظام الإداري الفاسد للعثمانيين، والضرائب الثقيلة. أمّا على مستوى الجرائم الإنسانية، فاستبيحَت المدن، ودُمِّرت بنيتها الاجتماعية من خلال عمليات الإفقار والطرد السكاني واستجلاب مواطنين جدد، إضافة إلى عمليات الإبادة والقتل العشوائي".

    وعن أشكال الاستبداد والقهر التي عاصر بدايات العثمانيين في الشام، يقول بن طولون، "لم يعرف العثمانيون قانوناً سوى القتل، فكان الخازوق وسيلتهم المفضلة في تنفيذ أحكامهم البربرية التي تخالف الإسلام، ولم يفهم العثمانيون من الدين إلا قشوره، لذلك اعتمدوا القتل بالخازوق عقاباً للضعفاء".

    ويضيف، "أدخل العثمانيون الخوزقة إلى الشام، وقاموا بإرسال خازوق إلى كل حارة، كما جرى ترحيل أهل قيسارية القواسين في دمشق، وتحويل محالهم إلى مطبخ السلطان سليم"، بينما صدر أمر سلطاني بمصادرة جزء كبير من القمح والشعير من بيوت أهل دمشق.

    كما ألغى العثمانيون ملكية الأراضي الزراعية، وأعلنوا ضمها إلى ملكية السلطان، ورغم احتجاج الناس وتقديم صكوك الملكية فإن قاضي العسكر العثماني لم يستمع، وأثناء إقامة سليم جرى تسخير الناس في مسك الخيل وغيرها لخدمته، وأحصى الأتراك السكان، وفرضوا ضريبة على كل إنسان، وكانت أول مرة تفرض هذه الضريبة على المسلمين، حسب بن طولون.
    --------------------------------------------------------------------
    ✏ بعض ما كتب المدافعون

    يقول الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة عين شمس، إن الدولة العثمانية بلغت ذروة مجدها وقوتها خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، واتجهت فى غزواتها أولاً ناحية الغرب ووصلت إلى النمسا وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من روما ...

    ولكنها سرعان ما تخوفت من استمرار توجهها غرباً وهى تدرك أن المنطقة العربية تعانى من ضعف واضطراب شديد، وأنها معرَّضة لغزو فارسى، حيث تسعى الدولة الفارسية منذ أوائل القرن السادس عشر لنشر الفكر الشيعى فى المنطقة، ..

    ولذلك غيرت الدولة العثمانية اتجاهها وقامت بغزو الدول العربية وحولتها إلى ولايات تابعة لها، واستمر الحكم العثمانى للدول العربية حوالى 400 سنة واحتدم الخلاف بين المؤرخين العرب والأوروبيين على الآثار السلبية والايجابية للحكم العثمانى على الدول العربية ومستقبلها.

    ويؤكد شقرة أن هناك إجماعاً على أن نقل الدولة العثمانية الآلاف من العمال المهرة إلى إسطنبول كان وراء انهيار وتدمير الصناعات المصرية التقليدية وتراجعها وتراجع إبداعات الطوائف الحرفية المختلفة، وأن الجريمة الكبرى التى ارتكبتها الدولة العثمانية فى حق الولايات العربية هى العزلة التى فرضتها على العرب بحجة حمايتهم من الاستعمار الأوروبى الصليبى وحماية الحرمين من نبش قبر الرسول.

    ويضيف: «يرى المؤيدون للدولة العثمانية أنها أجَّلت وقوع الاستعمار الأوروبى للولايات حتى القرن التاسع عشر، ويعدون ذلك إيجابية من أهم إيجابياتها، والحقيقة أن هؤلاء تناسوا وتجاهلوا أن الاستعمار الأوروبى ظاهرة ترتبط بالتطور الرأسمالى للمجتمع الأوروبى، حيث ارتبطت ظاهرة الاستعمار بالنهضة الصناعية واتجاه الدول الرأسمالية إلى الاحتكار، الأمر الذى دفعها إلى احتكار الأسواق ونهب الموارد الطبيعية للولايات العربية».

    وأكد شقرة أن إحدى أهم سلبيات الدولة العثمانية هى التسهيلات التى منحتها للدول الأوروبية، والتى تحولت إلى امتيازات مهَّدت للهجمة الاستعمارية الشرسة، مشيراً إلى أن من أبرز إيجابياتها عدم انتهاجها المركزية فى بداية حكمها، الأمر الذى ساعد على احتفاظ الولايات العربية بشخصيتها القومية.

    وعن الاتهامات التى لاحقت الدولة العثمانية من تهريب الحرفيين يقول الدكتور محمد عفيفى، أستاذ التاريخ بآداب القاهرة، إن هذا الأمر أدى لتدهور الحرف، مشيراً إلى أن هذا الأمر كان عادة الدول الفاتحة آنذاك كدليل على الانتصار، وأنهم أخذوا من كل الدول التى دخلوها كالعراق وصربيا وفلسطين وسوريا وغيرهم، وأن الصناع أعجبهم الحال فبقوا بالقسطنطينية وإسطنبول وتزوجوا وحققوا نهضة هناك ولم يكونوا يريدون الرجوع.

    ( ونعلق نحن على هذا بأنهم لو أخذوا جيلا كاملا و هذا غير ممكن فما الذي كان يمنع نشأة أجيال أخرى ؟ الواقع أن الإبداع في الحرف قديما كان يتبع مراكز السلطة أينما حلت فهي من تستطيع الإنفاق الباهظ و بيدها القرار بالتالي فهؤلاء الحرفيون ذهبوا بارادتهم طمعا في تحسين معيشتهم .. و أما من بقي منهم فلم يجد من ينفق على أعمال ذات قيمة عالية فلم يتركوا أثرا يدل على صنعتهم التي ربما كانت في نفس مستوى من ارتحلوا .)

    وحول ما قدمته الدولة العثمانية لمصر يؤكد عفيفى أنها لم تضف إلى مصر بل أضعفتها وأفقدتها بريق وقوة الدولة، مشيراً إلى أن مصر رغم ذلك وبما تمتلكه من إمكانات طبيعية وبشرية ظلت أهم ولاية عثمانية لدرجة أنها كانت تشكل تهديداً للدولة العثمانية، حتى إن مجد الأزهر وقوته استمدها من العصر العثمانى، وبداية ظهور شيخ الأزهر فى العصر العثمانى، وظلت مصر منارة الثقافة العربية والإسلامية، وكانت تقدم السكر والأرز لإسطنبول.

    وأضاف: «مصر هى التى أضافت للدولة العثمانية، وأول من حصل على لقب (خادم الحرمين) هو السلطان العثمانى سليم الأول، وقد تم إرسال الغلال والكسوة للحجاز من مصر بقرار عثمانى، باعتبار مصر أغنى دولة فى المنطقة، وقد أثرت مصر فى الدولة العثمانية فى عهد محمد على باشا كثيراً لدرجة دفعت البعض للقول إن تجربة محمد على التحديثية علَّمت الباب العالى الإصلاح».

    وحول أبرز فترات التردى فى العصر العثمانى تابع أستاذ التاريخ بآداب القاهرة: «فترة القرن الـ18 بشكل عام كانت فترة صعبة على مصر نتيجة ضعف الامبراطورية العثمانية، وبالتالى الولاة العثمانيون على مصر صاروا ضعافاً وصارت سلطتهم أضعف من سلطة المماليك خاصة حينما حاول على بك الكبير استعادة أمجاد المماليك، وكان هناك صراع على السلطة بين المماليك والعثمانيين والحامية العثمانية وصارت السلطة الفعلية فى أواخر هذا القرن للمماليك، ومع ذلك فإن الدولة المصرية لم تضعف فى العهد العثمانى، فمصر كانت لديها مقومات تاريخية جعلتها تتصدى لهذا الضعف».

    ويقول الدكتور أيمن فؤاد، أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر، رئيس الجمعية التاريخية: «حدث تحول من دولة المماليك ومركز الخلافة الإسلامية منذ عهد الظاهر بيبرس، وكانت مصر تمثل دولة إسلامية قوية، وكانت هناك ثلاث قوى صاعدة فى آسيا الوسطى ومنها القوة العثمانية إثر دخول محمد الفاتح القسطنطينية وصاروا قوى صاعدة طموحة للسيطرةعلى البلقان واليونان وبلغاريا وغيرها، وبدأت القوى العالمية تظهر ممثلة فى البرتغاليين، وكان المماليك محتكرين طرق التجارة الشرقية، ومن ثم فقد بحثت هذه القوى الصاعدة عن طرق تجارة أخرى فلجأوا إلى طريق رأس الرجاء الصالح مما أثر بالسلب على إمكانات مصر وعلى الجانب الآخر كان العثمانيون يتوسعون فيما نسميه الآن العالم العربى كالخليج والشام ومصر إذن فمصر تحولت بعد دولة المماليك إلى ولاية عثمانية لكنها ولاية متميزة ذات عاصمة متميزة بعد إسطنبول».

    وعن عهود القوة والضعف فى عهد السلاطين العثمانيين يوضح فؤاد: «القوة تمثلت فى عهود السلاطين سليم الأول وسليمان القانونى رائد التشريع ومحمد الفاتح ومحمود الأول والثانى وعبدالحميد الأول إلى أن تم وضع حدود استعمارية لمناطق نفوذ بعد معاهدة فرساى وجاء أتاتورك ليلغى الخلافة».

    وحول اعتبار محمد على وإسماعيل من رجال وولاة الدولة العثمانية فى مصر قال: «محمد على دخل فى مواجهة مع الباب العالى فيما يشبه الندية ولم يكن يمانع فى أن يكون سلطاناً إلى أن حصل على الفرمان العثمانى بتوريث الحكم فى أسرته».

    وأكد فؤاد أنه يحسب للخلافة العثمانية أنها لم تسمح لليهود بإنشاء وطن قومى لهم فى فلسطين فى عهد السلطان عبدالحميد الثانى، وأنه سدد ضريبة رفضه بخلعه من الخلافة.
    ----------------------
    🔹 ️وفي مقال مشابه يبرز أحد الأساتذة المدافعين النقاط بشكل أكاديمي ممتاز فيقول :

    هذا الهجوم الروائي المسيئ للدولة العثمانية لم يتولد فقط نتيجة الصراع الإسلامي مع الغرب في العصور الوسطى فقط ؛ بل أعيد توليده بتوسع في مرحلة الصراع المملوكي – العثماني – الصفوي – الصليبي،..

    وقد حفلت تلك الروايات بالتوجس والعداء، وعلى هذا كان التصور الغربي والعربي سلبي تجاه الحكم العثماني.

    و كان آخر تطور لهذا الهجوم في القرن التاسع عشر عندما راجت فكرة القوميات و الثورات التى نجحت الماسونية فى بذرها فى أوربا أولا ثم فرضها الغرب على العالم ...

    فصارت الحركات المحلية و القومية تمارس ذلك الهجوم وتشويه تاريخ و أخبار الإمبراطوريات التى هي ضمن سيطرتها لتدعم انفلاتها و تحررها من السلطات المركزية للإمبراطوريات الكبيرة على رأسها العثمانية و إمبراطورية المجر النمسا و امبراطورية القيصر في روسيا ..

    و لنعد للمرحلة الوسطى وهي مرحلة الصراع المغولى الأوربي مع العثمانيين كان هناك طرف ثالث كان من المتوقع أن ينضم إلى أبناء مذهبه السنة العثمانيين ضد المغول بقيادة تيمورلنك وأيضا كان الصراع العثماني الأوربي على أشده لأن بايزيد لم يكف عن حصار القسطنطينية فأوشكت أن تسقط على يديه ..

    ▪︎إلا أن حملة التشويه استطاعت أن تعكس الآية .

    فمنذ أواخر القرن الرابع عشر الميلادي، حذر شيخ المؤرخين العرب عبد الرحمن بن خلدون - حذر السلطان المملوكي برقوق من عواقب قبول التحالف مع العثمانيين، مرددًا قولته المشهورة:
    "لا تخشوا على ملك مصر إلا من أولا عثمان".

    وكذلك مؤرخون عرب ومسلمون حملوا نفس التصور .

    الوحيد الذي خالف ذلك هو المؤرخ ابن تغري بردي المثقف بحسه العالي، إذ دعا الى تحالف عثماني مملوكي ضد المغول بقيادة تيمورلنك، غير أنه في ظل حال الالتباس والتوجس، تم تجاهل رأيه، مما أدى في النهاية الى تحقيق نبوءته، فاجتاح المغول أراضي المماليك والعثمانيين في الشام والأناضول كلها.

    و العجيب أن نجاح فكرة التشويه تلك إمتدت حتى جاء دور الصراع الصفوى الرافضى مع الدلة العثمانية فى ذات الوقت الذي كان فيه سليم الأول يقاتل في قلب أوربا و طلب من المماليك مساعدته ضد أوربا و اسماعيل الصفوي فما كان منهم إلا أنهم عقدوا تحالفا مع الشاه اسماعيل الصفوى ضد سليم ياووز الاول ❗

    فأدى ذلك لانشغاله عن حروب أوربا و عن اتمام ازالة الدولة الصفوية و سعى لهدم دولتهم فأزالهم من الوجود و فقد العالم الإسلامي طرفا كان من الممكن أن يعدل دفة الصراع مع أعدائه لو أنه اتبع الحق .

    أما بالنسبة لآراء الكتاب الأوروبيين من الحكم العثماني، فقد كانت محكومة بمواقف بلادهم من التقدم العثماني في أوروبا، خصوصًا بعد أن سقطت عاصمة الدولة البيزنطية (القسطنطينية) بيدهم، وحولها العثمانيون إلى عاصمة للإسلام (إسلام بول)،

    فتأثرت نفوس الأوربيين بنزعة الحقد ضد العثمانيين، خاصة الرهبان والبابوات وزعماء الإقطاع الذين أخذوا يغذون الشارع الأوروبي بالأحقاد والدسائس ضد المسلمين في خطاباتهم وكتابتهم، ووصفوهم بالبرابرة والكفرة والوحوش والرعاة.

    سيما بعد أن حاول العثمانيون السير لضم روما الى حظيرة الدولة الإسلامية، وأرادوا بلوغ ديار الأندلس لإنقاذ المسلمين فيها، وعاشت أوروبا في خوف وفزع وهلع ولم تهدأ قلوبهم إلا بوفاة السلطان محمد الفاتح.

    ومع بداية عصر النهضة في أوروبا، لم يستطع وجدان المجتمع الأوروبي أن يتخلص من تلك الرواسب الموروثة تجاه العالم الإسلامي بشكل عام وتجاه الدولة العثمانية بشكل خاص.

    ولذلك اندفعت قواتهم العسكرية المدعومة بحضارته المادية للانتقام من المسلمين، واستحواذ خيراتهم بدوافع دينية واقتصادية وسياسية وثقافية، وساندهم كتابهم ومؤرخوهم، للطعن والتشويه في الاسلام وتاريخه، فكان نصيب الدولة العثمانية من هذه الهجمة الشرسة كبيرًا.

    كما تأثر كثير من مؤرخين العرب بالاتجاهات الأوروبية المادية، ولذلك أسندوا كل ماهو مضيء في تاريخ بلادهم إلى بداية الاحتكاك بهذه الحضارة البعيدة كل البعد عن المنهج الرباني، واعتبروا بداية تاريخهم الحديث من وصول الحملة الفرنسية على مصر والشام وما أنجزته من تحطيم جدار العزلة بين الشرق والغرب.

    واحتضنت القوى الأوروبية الاتجاه المناهض للخلافة الإسلامية، وقامت بدعم المفكرين في مصر والشام إلى تأصيل الإطار القومي وتعميقه من أمثال البستاني واليازجي وجرجي زيدان وأديب إسحاق وسليم نقاش وفرح انطوان وشبلي شميل وسلامة موسى وهنري كورييل وهليل شفارتز وغيرهم، وكان أغلب هؤلاء من حملة التيار التغريبي المسيء لتاريخ الأمة الإسلامية وحضارتها. ❗

    وقد شارك بعض المؤرخين السلفيين في المشرق العربي في الهجوم على الدولة العثمانية مدفوعين إلى ذلك بالرصيد العدائي الذي خلّفه دور الخلافة العثمانية ضد الدعوة السلفية (الوهابية) في عديد من مراحلها !!!

    بسبب مؤامرات الدول الغربية الاستعمارية التي دفعت السلاطين العثمانيين للصدام مع القوى الإسلامية في نجد قلب الدعوة السلفية،...

    وكذلك بسبب مساندة العثمانيين للاتجاه الصوفي، فضلًا عن أن الدولة العثمانية في سنواتها الأخيرة سيطر عليها دعاة الطورانية التركية ( جمعية التحاد و الترقي و حزب تركيا الفتاه ) الذين ابتعدوا بها عن الالتزام بالمنهج الإسلامي الذي تميزت به الدولة العثمانية لفترات طويلة، وشجع كافة المسلمين للارتباط بها وتأييدها والوقوف معها.

    وأما المؤرخون الماركسيون فقد شنوا حربًا لاهوادة فيها على الدولة العثمانية، واعتبروا فترة حكمها تكريسًا لسيادة النظام الإقطاعي الذي هيمن على تاريخ العصور الوسطى السابقة،

    وأن العثمانيين لم يُحدثوا أي تطور في وسائل أو قوى الإنتاج، وأن التاريخ الحديث يبدأ بظهور الطبقة البورجوازية ثم الرأسمالية التي أسهمت في إحداث تغيير في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في بداية القرن التاسع عشر،..

    والتقوا في ذلك مع المؤرخين الأوربيين من أصحاب الاتجاه الليبرالي وكذلك مع أصحاب المنظور القومي، ممن نادوا بنزعات محلية مدعومة من الماسونية العالمية كأصحاب مشروع وحدة وادي النيل بين مصر والسودان، ودعاة الاتجاهات المحدودة كأتباع الفرعونية في مصر، والآشورية في العراق، والفينيقية في الشام..الخ.

    لقد غلبت على الدراسات المذكورة طابع الحقد الأعمى، بعيدة كل البعد عن الموضوعية، ❗

    وأدى ذلك الى ظهور رد فعل إسلامي للرد على الاتهامات والشبهات التي وجهت للدولة العثمانية،

    ولعل من أهمها تلك الكتابة المستفيضة التي قام بها الدكتور عبد العزيز الشناوي في ثلاث مجلدات ضخمة تحت عنوان "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها".

    ومن الجهود المشكورة في هذا الميدان ما قام به الباحث المتخصص في تاريخ الدولة العثمانية الأستاذ محمد حرب الذي كتب للأمة الإسلامية كتبا قيمة مثل :

    "العثمانيون في التاريخ والحضارة"
    "السلطان محمد الفاتح فاتح القسطنطينية وقاهر الروم" "السلطان عبد الحميد آخر السلاطين العثمانيين الكبار".

    ومن الأعمال القيمة في تاريخ الدولة العثمانية ماقدمه الدكتور موفق بني المرجة كرسالة علمية لنيل درجة الماجستير تحت عنوان
    "صحوة الرجل المريض أو السلطان عبد الحميد"

    واستطاع هذا الكتاب أن يبين كثيرًا من الحقائق المدعومة بالوثائق والحجج الدامغة، وغير ذلك من الكتاب المعاصرين.

    وقد اعتمد مؤرخون منصفون على إعادة كتابة التاريخ العثماني، ومنهم كتاب أتراك وعرب وغربيون، على المخطوطات والوثائق، وعلى سجلات المحاكم الشرعية، وحجج الأوقاف والدفاتر المالية، وسجلات المواني، وسجلات الروزنامة، والعقود التجارية المحفوظة كلها.

    ولجميع تلك المصادر التاريخية أهمية قصوى فهي تسجل التاريخ العربي اليومي تحت الحكم العثماني. وفضلًا عن ذلك تم الاعتماد على وثائق الأرشيف العثماني بإسطنبول، الذي احتوى على آلاف الوثائق الخاصة بالولايات العثمانية الشرقية والغربية.

    وعلى هذا، فقد وصف مؤرخون عرب معاصرون القراءات المتعددة للتاريخ العثماني بأوصاف منصفة وحيادية، فقد قال الباحث المصري محمد عفيفي :

    "إن صورة الدولة العثمانية تتغير من فترة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى، فصورتهم في مصر تختلف عن صورتهم في الشام".

    وكذلك الباحث السوري صقر أبو فخر إذ قال :

    "ليست الدولة العثمانية شريرة، بل كانت دولة عظيمة بلا ريب. ولم ينظر إليها العرب أنها دولة استعمارية، بل اعتبروها دولتهم، وكانوا يسمّون أبناءهم بأسماء مثل "تركي" و"تركية" و"دولت" وغيرها....
    لكنها مثل أي دولة عظيمة أخرى، مرّت بأطوار من الصعود والهبوط، أو التقدّم والانحطاط، أو التشدّد واللين، أو العدل والاستبداد. لذلك، تخضع دراسة التاريخ العثماني لتلك المتناقضات".

    في نهاية المطاف يمكننا القول:

    نجحت الدراسات التاريخية الحديثة في إزالـة الغـبـار عـن حـقـيـقـة الـواقـع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للدولة العثمانية، مما ساهم في إعادة النظر، بل ودحض فكرة تخلف الشعوب والأمم الخاضعة للحكم العثماني.

    وغالبية الكتاب ترى أن العثمانيين حكموا المنطقة العربية أربعة قرون، فيها سنوات نهضة وسنوات انتكاسة.

    وشارك في الدولة العثمانية أجناس متعددة ولغات مختلفة بما فيها العرب الذين شاركوا في الحضارة والسياسة في تلك الفترة. كما أن الصورة القاتمة التي رسمها بعض المؤرخين للحقبة العثمانية خاطئة.

    فالدولة العثمانية تميزت بالتسامح الديني والثقافي، وكانت الملاذ الآمن والبلد الحضاري لكل الفارين من الاضطهاد الديني والقهر السياسي في أوروبا والممالك الأخرى في العالم آنذاك.
    --------------------------------------------------------------------
    تعتبر هذه الفقرة تمهيدا لموضوع : (تاريخ الدولة العثمانية )
    #تاريخ_الدولة_العثمانية_جواهر [1]


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مصطفى سليمان أبوالطيب
    مدير عام


    عدد المساهمات : 14308
    السٌّمعَة : 29
    تاريخ التسجيل : 02/09/2010
    العمر : 50

     الامبراطورية العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني   Empty رد: الامبراطورية العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني

    مُساهمة  مصطفى سليمان أبوالطيب الأربعاء ديسمبر 28, 2022 1:47 pm

    الامبراطورية العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني

    اسطمبول

    تتحدث المآذن والقبب الشاهقة في استنبول عن تاريخ ألف عام من الإمبراطورية والعقيدة.

    هنا تحول العالم الإسلامي في القرن السادس عشر إلى إمبراطورية تشكل كوة عالمية طموحة.

    سعت سلالة الفاتحين هناك إلى فرض سلطانها على أوسع مساحة من السيطرة عرفها العالم الإسلامي في التاريخ.

    حتى جعلوا إمبراطوريتهم تدق أبواب أوروبا، سائرين خلف أعظم قادتهم، سليمان الكبير.

    كان هذا عصرا من المهابة والازدهار، نهض فيه الإسلام والإمبراطورية العثمانية الكبرى لتعزز سعيها لبسط السلطة والفتوحات ورفعة المصير.

    (العثمانيون)

    بدأ الأتراك العثمانيون شعوبا من الرحل خرجت من بطاح خلف بحر آرال.

    وقد جالوا في أرجاء تركيا الحالية لعدة قرون بحثا عن المراعي الجديدة.

    وقد جندهم السلاطين المسلمين لمقاتلة قطعان المغول. ولكن خلال الثورات التي تلت الاجتياح المغولي، أخذ الأتراك يطالبون بمناطق ومساحات خاصة بهم.

    وقد خرج من صفوفهم زعيم حرب ذو طموحات أسطورية، وكان اسمه عثمان بك.

    يقال أن عثمان رأى حلم عجيب، شاهد فيه شجرة فاتنة تمد أغصانها المتألقة لتعد بقوة ذريته ونسبه.

    لا تعرف حدود الحقيقة من الأسطورة في هذه القصة ولكنها جميلة بلا شك. كما يسهل استيعاب وتقبل الأعاجيب أكثر من الوقائع. لا يعتقد أنه كان يدرك ما يشكله من أساس لسلالة رائعة، كانت تحكم صلات حاسمة بين قارات ثلاث.

    عرف أتباع عثمان بك بالعثمانيين. وقد اعتبروا أنفسهم محاربي عقيدة، أو رجال غزوات قدرهم أن يحملوا الإسلام إلى العالم.

    كان رجال الغزوات مقاتلين أحرار يزيدون مساحات الإمبراطورية عبر العقيدة أو اللاهوتية أو لمجرد التوسع. ربما كانوا بالغي الشجاعة، لا يكترثون بأنفسهم أو بما يمكن أن تتعرض له مجموعاتهم من أذى في خوض المخاطر، ما جعل الإمبراطورية العثمانية قوة لا تعرف الخوف. حتى وصلت إلى مناطق لم يبلغها أحد من قبل.

    اتخذ العثمانيون الأوائل الغرب وجهة دائمة لهم، وذلك لأسباب وجيهة.

    لا يمكنهم التوسع شرقا أو جنوبا لأنها مناطق اخوتهم الأمراء الأتراك والمسلمين. ولا يمكن للمسلم أن يقاتل أخيه المسلم كما قيل حينها. أي أن المناطق الوحيدة للتوسع هي الأراضي الأوروبية نحو الغرب.

    عبر العثمانيون مناطق الأناضول متجهين نحو الشمال والغرب في آن معا، باتجاه مناطق وأراضي تسيطر عليها تقليديا الإمبراطورية البيزنطية القديمة.

    اعتبر العثمانيون أن الإمبراطورية البيزنطية قد أوشكت على نهايتها بعد بلوغها الألف عام، وذلك باقتصارها على منطقة مستعصية بين آسيا وأوروبا.

    سبق للحملات الصليبية أن زرعت في أرجائها الفوضى والدمار بعبور مناطقها في الطريق إلى القدس، فنهبوا العاصمة، وساهموا في جعل الإمبراطورية البيزنطية العظمى تقتصر على دول عسكرية صغيرة.

    سارع العثمانيون باجتياح هذه المناطق المشتتة، ليوحدوا الأراضي الممتدة إلى شمال غرب الأناضول.

    عام ألف وثلاثمائة وستة وعشرون، سيطر العثمانيون على مدينة بورسا البيزنطية الصلبة، ليحققوا نصرا قلب كيان العثمانيين الأتراك إلى الابد.

    أهم ما في مدينة بورسا هو أنها مكنت عثمان وخلفائه من إقامة مقر للحكومة.

    وهكذا استقرت شعوب الرحل المتنقلة لبناء الإمبراطورية.

    حين استولى العثمانيون على بورسا وجعلوها عاصمة لهم، بذلوا جهودا كبيرة لجعل أنفسهم، قوما، على، مستوى، من الجدارة، بالحضارة الإسلامية.

    الحضارة، هي النظام، لهذا عمل العثمانيون على إدارة المناطق التي يسيطرون عليها.

    حافظوا على كتبة الإمبراطورية البيزنطية في أماكنهم، وبدءوا ينظمون إمبراطوريتهم الجديدة.

    كرسوا جل اهتمامهم الأولي على الضرائب والسجلات، بلغ الأمر حدا فقدت فيه البيروقراطية معانيها النبيلة رغم ابتكاراتها الكبرى والتي لا تقل أهمية عن أي نصر تحققه المعارك.

    عرف العثمانيون باستيعاب واستساغة العناصر الثقافية المكتسبة من المناطق التي يمرون بها. وقد عرفوا بتشكيل يستطيع من خلالها الناس المقيمين هناك الاستمرار في حياتهم ومعتقداتهم بالطريقة التي يجدونها مناسبة.

    حتى أن العثمانيين واجهوا نزاعات أقل مع رعاياهم المسيحيين من نزاعاتهم مع المسلمين الذين لم يكفوا عن تحدي القوانين العثمانية.

    من المشاكل البيروقراطية أو الإدارية التي واجهت العثمانيين، هي أنهم كانوا محاطين بسلالات ملكية إسلامية، كانت محكومة من قبل العثمانيين وتحتفظ بضغائن قديمة هناك، ولم تتوقف عن التذمر والمطالبة بأمجاد خاصة بها وكثيرا ما كانت هذه العائلات الملكية تنهض وتعلن الثورات. وهكذا توصلوا إلى قناعة مفادها أنه من غير الحكمة تشكيل جيوش من هؤلاء الناس.

    وهكذا عملوا على جمع أطفال ليسوا على صلة بأي من العائلات الإسلامية المعادية. ويقال أنهم ذهبوا إلى المناطق البلقانية وجندوا أطفال من غير المسلمين.

    أطلق على هذه الممارسة لقب دفشرمي.

    تحول الفتية مع الوقت إلى نوع من عبيد السلطان، مع أنهم لم يعاملوا كعبيد.

    كانوا أولا يعتنقون الإسلام، ويتعلمون الاغتسال والوضوء والصلاة، واللغتين العربية والعثمانية.

    أدى ذلك إلى خدمة هدفين الأول سياسي والثاني هدف ديني. فمن خلال نظام الدفشرمي تمكن العثمانيون من خلق طبقة لا نزاع فيها مع القبائل والعائلات.

    تمتع الأطفال بمستقبل زاهر، حتى أن بعض الأتراك والمسلمين كانوا يدعون بأن أطفالهم من المسيحيين لتسجيلهم في نظام الدفشرمي. تمتع هذا النظام بعدة مزايا أهمها انتمائه الوحيد إلى السلطان، أي أنه حر من الروابط العائلية والمناطقية وغيرها.

    منح هؤلاء الأطفال أرقى مستوى من التعليم، متوفر في العالم أجمع حينها. وبعد ذلك كانوا يترفعون إلى أعلى مناصب السلطة في الإمبراطورية.

    انتقل الأذكياء منهم إلى مدارس القصر ليتخرجوا في مستويات مختلفة كوزراء وحكام. حتى أصبحوا من كبار الوزراء. أما الأقوياء منهم فيذهبون إلى القوات الانكشارية.

    كانت القوات الإنكشارية من نخبة المشاة التابعة للسلطان. وقد تحول إلى جيش نموذجي لعدة قرون تلت.

    كان الوحدة الأقوى، درب، كآلة عسكرية، لا يهاب الموت، بل لا يعرف الخوف. همهم الأوحد هو خدمة السلطان.

    لقد تدربوا على كل ما تحتاج إليه الجيوش العصرية من دقة ونظام. فكان أول جيش، يرتد لباسا موحدا في العالم، ويسير إلى المعارك وراء فرقة عسكرية. كان الجيش الانكشاري هو أكثر ما يهاب العالم الغربي. كانت قوة تستحقها الإمبراطورية الإسلامية الجديدة، برؤية فتوحات عسكرية لا تهدأ.

    امتدت الإمبراطورية العثمانية في أواسط القرن الخامس عشر من الحدود التركية المعاصرة المعروفة بالأناضول إلى أعماق البلقان. باستثناء حصن عصي واحد.

    لا شك أن السلطنة العثمانية الممتدة من قلب القارة الآسيوية إلى أعماق القارة الأوروبية في الغرب، قد استاءت من وجود عاصمة القسطنطينية في قلب مناطقها، وهي من أغنى عواصم العالم وأكثرها أهمية في ذلك العصر، وما زالت في أيدي الإمبراطورية البيزنطية التي لم تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد.

    قدر العثمانيون الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية العالية للقسطنطينية، كما أدركوا أهميتها الرمزية الأكبر.

    كانت مدينة واحدة، ولا شيء آخر من حولها. إذا أردت السيطرة على المنطقة، يجب أن تحكمها من تلك المدينة.

    يقال أن دعوة الاستيلاء على القسطنطينية قد صدرت عن النبي محمد بنفسه.

    سعى جميع السلاطين الأتراك منذ عصر عثمان للاستيلاء على المدينة. إلا أنها تمكنت من البقاء عصية على جميع الفتوحات.

    حتى وصل إلى الحكم سلطان لا يمكن التنكر لرؤى غزواته. حتى عرفه التاريخ بلقب محمد الفاتح.

    كان في الثانية عشرة من عمره عند توليه السلطة، ولكنه لم يكن حديث العهد في السياسة العثمانية، حتى أنه عزل جميع أشقائه للتخلص من احتمالات منافسته على السلطة.

    كانت الإمبراطورية تعني كل شيء، بل كانت أهم من العائلة. سعيا لحماية الإمبراطورية من الانشقاق، كما حدث لسلالات تركية أخرى حكمت العالم الإسلامي، حين يعتلي أحد الشبان السلطنة بعد موت والده، لا بد من تصفية جميع الأخوة الآخرين، ما يحول دون تمزق الإمبراطورية، قد يكون هذا قاسية، ولكنه أفاد العثمانيين.

    تولى الحكم مباشرة بعد موت والده، ما شكل تحولا هائلا في سياسة الإمبراطورية العثمانية فمنحها قوة وحيوية أكبر.

    وضع محمد الفاتح نصب عينيه الاستيلاء على مدينة كانت بمستوى تطلعاته.

    كان على محمد الفاتح أن يستولي على القسطنطينية لم يكن أمامه خيار آخر. فقد كانت أشبه بجوهرة ثمينة، أو ثمرة يانعة حان قطافها.

    لم يبق من المدينة أواسط القرن الخامس عشر إلا بعضا من ظلال ما كانت عليه. فقد انخفض عدد سكانها من أربعمائة ألف إلى مجرد خمسين ألف.

    إلا أن الجيش المحاصر سيبقى في وضع غير مؤات.

    أحيطت القسطنطينية بالمياه من جهات ثلاث، وقد تحصنت بالكامل.

    فقد أحيطت بثلاث حلقات من جدران يبلغ ارتفاعها مائة قدم بعرض ثلاثين قدم. وقد صمدت هناك منذ ألف عام.

    ولكن محمد الفاتح أعد سلاحا لاختراق الجدران.

    اعتمد في جانب من تفوقه العسكري على استخدامه المتنوع والمعقد لقدرات ملح البارود.

    شهد الحصار المفروض على القسطنطينية عام ألف وأربعمائة وثلاثة وخمسين بقيادة محمد الخامس، شهد أول تحول في استعمال ملح البارود على شكل مدافع هائلة لم يسبق لها مثيل وقد أعدها محمد لهذه المناسبة خصيصا.

    كانت المدافع السابقة قد أعدت من صفائح معدنية مصهورة تتماسك بالأطواق. كانت هذه المدافع تطلق الحصى والحجارة بقوة تتفوق على المنجنيق.

    تم التوصل إلى جيل جديد من المدافع صقلت من البرونز الصلب. لقمت هذه المدافع بما يكفي من ملح البارود القادر على إطلاق كريات معدنية باندفاع مذهل.

    ولكن محمد الفاتح لم يعلق آماله على المدافع وحدها.

    يبلغ عرض قناة مضيق البوسفور ميلا واحدا وهي تربط القسطنطينية بمياه البحر الأسود. أي أن قطع القناة يضع المدينة تحت رحمته.

    بدأ السلطان الشاب ببناء قلعة حصينة في موقع استراتيجية قادر على إقفال المضيق. وقد شيد القلعة في ظلال جدران المدينة الكبرى.

    لم يستغرق أكثر من أربعة أشهر في بناء قلعة هائلة تتألف من سبعة أبراج لتحمل لقب الحصار الرملي.

    يقال أن محمد الخامس شارك شخصيا بحمل الحجارة للتعجيل في البناء. ما أن اكتملت القلعة حتى عزز الحصار المفروض حول عنق البوسفور.

    تم إغراق أول سفينة تحدت الأوامر بالتوقف. أعدم بحارتها، وعلق القبطان على أحد الأعمدة فوق جدران الحصن.

    حاول البيزنطيون منع سفن الفاتح من الاقتراب فنصبوا سلسلة معدنية هائلة عبر المضيق.

    في الثاني والعشرين من نيسان أبريل من عام ألف وأربعمائة وثلاثة وخمسين، تملك سكان المدينة حالة من الرعب عندما حشد السلطان سبعين من سفنه المحاربة تنزلق على ألواح خشبية على الشاطئ الواقع ما بعد السلسلة المعدنية.

    احتشد أكثر من مائة ألف جندي عثماني أمام جدران القسطنطينية، لتساند أكبر عملية قصف مدفعي عرفها تاريخ الحروب حتى ذلك الوقت.

    رغم استمرار القصف تمكن سبعة آلاف من المدافعين عن المدينة من الصمود فترة تقارب الشهر.

    بلغ البيزنطيون المحاصرون حدا من اليأس جعلهم يلجئون إلى رفاقهم الأوروبيين في جميع أرجاء القارة.

    إلا أن أوروبا في القرن الخامس عشر كانت أعجز من أن تستطيع حشد أي قوة كفيلة باعتراض التهديد التركي المتفاقم لحدودها الشرقية.

    انشغل الملوك الأوروبيين في تلك الفترة بمواجهة نزاعات عسكرية وسياسية خاصة بهم.

    فكان على القسطنطينية أن تدافع عن نفسها بنفسها.

    فجر التاسع والعشرين من أيار مايو من عام ألف وأربعمائة وثلاثة وخمسين وصل الجيش الإسلامي إلى جدار المدينة. وبعد ساعات قليلة سقطت القسطنطينية بأيدي العثمانيين.

    امتطى محمد الخامس جواده عبر المدينة ليتوجه مباشرة إلى كنيسة هايا صوفيا الشهيرة جدا حينها.

    شيدت هذه الكنيسة في القرن التاسع على يد الإمبراطور جوستانيان، وقد لقبت حينها بالحكمة المقدسة، فكانت أوسع الأماكن المقفلة في العالم.

    لا شك أن المسلمين والعثمانيين أنفسهم قد مروا بأعداد كبيرة من الكنائس، ولكن لم يسبق لأحد أن رأى كنيسة مشابهة لكنيسة هايا صوفيا.

    كانت هايا صوفيا أو أياصوفيا كما يسمونها بالتركية، من الروائع العمرانية الأبرز في العالم لما فيها من أعلى وأكبر قبة في تلك الفترة. وقد زينت بروائع الفسيفساء المذهبة ضمن مساحة شاسعة. فاعتبرها محمد الفاتح غنية كبرى.

    ارتفع الصوت التركي داخل هايا صوفيا صارخا بالعربية أول أركان الإسلام: لا إله إلا الله محمدا رسول الله.

    وهكذا تحولت أكبر كنيسة في العالم المسيحي إلى جامع.

    أصبحت هايا صوفيا ملهمة لكثير من قبب المساجد العثمانية التي شيدت بعدها، رغم عدم بلوغها نفس الحجم أو المدى، الذي بلغه محمد الفاتح.

    بعث انتصاره موجة من الذهول حول العالم.

    اعتبره الأوروبيون كارثة هائلة، فقد اعتبرت القسطنطينية بمثابة روما الجديدة، كانت عاصمة القسطنطينية ورمزا للسيطرة المسيحية في الشرق.

    كثيرا ما تعمد سلاطين العثمانية منح أنفسهم ألقابا مختلفة، كالخان التي تعني إمبراطور بالتركية، أو شاهنشاه، التي تعني ملك الملوك بالفارسية. والسلطان التي تعني الحاكم العربية.

    أما بعد أن أصبحت الإمبراطورية البيزنطية تحت سيطرتهم، فقد لقب محمد الفاتح وخلفائه بالإمبراطور الروماني المقدس.

    دق العثمانيون أبواب الغرب، وأخذوا يتابعون التقدم نحو ما اعتبروه قدرهم النهائي في الفتح الأوروبي.

    وقعت هذه المهمة على كاهل أشهر السلاطين العثمانيين على الإطلاق.

    ولد في بداية القرن العاشر بالتقويم الإسلامي، وكان السلطان العاشر من سلالة عثمان، كان طفل مصيري تؤمل منه العظمة.

    سمي في لغة العصر بصاحب القران، حاكم الكون، وسيد الوحدة الميمونة المتوقع قدومه، والذي تأكدت هوية عبر الفلك.

    كان اسمه سليمان، تيمنا بالملك سليمان الحكيم. بلغت الإمبراطورية العثمانية ذروتها في عصر سليمان.

    تمتع سليمان بمستوى رفيع جدا من التعليم. وقد درب على السلطنة منذ الولادة.

    حين كان أمير شاب، أقام علاقة تركن أثرا عميقا على حياته وعلى الإمبراطورية أيضا.

    حين كان وليا للعهد أقام صداقة عميقة مع يوناني اعتنق الإسلام وأطلق على نفسه اسم إبراهيم.

    لقد تقاربا في السن وفي مسائل أخرى، شخصيا وفكريا كما تعلما معا إلى حد كبير. وعندما تولى سليمان الحكم بعد موت والده كما هي العادة، أخذ معه صديقه المخلص إبراهيم إلى استنبول.

    تسلم سليمان زمام الحكم في السادسة والعشرين، حاسما أمره لترك بصماته على العالم، إذا مكنه الوزراء من ذلك.

    أجبر سليمان في بداية حكمه على القبول بوزراء كبار وجنرالات يرفضون الانصياع لأوامره، واعتباره مجرد فتى في السادسة والعشرين لا يعرف الكثير عن حسن الأداء ولم ير الناس ما يجبرهم على طاعته.

    كانت المعارك وسيلة لإثبات جدارته. فعلى كل سلطان أن يبدأ عهده بتوسيع الإمبراطورية. أصبح العثمانيون يسيطرون على كردستان ومصر والمدن الإسلامية الأساسية القدس ومكة والمدينة.

    وضع سليمان نصب عينية فتح بلغراد الهنغارية لما تشكله من جسر عبوره إلى أوروبا.

    كان رأس السلالة العثمانية، وهناك واجبات عليه القيام بها، من أهمها الغزوات. من أبرز المهمات التي أخذها سليمان على عاتقه، بعد عام على توليه الحكم، كان التوجه نحو بلغراد وإسقاطها. تمتعت بلغراد بأهمية استراتيجية لأنه من هناك، سيتمكن من دفع الجيوش للتقدم نحو الغرب.

    بعد عام من ذلك أراد الاستيلاء على جزيرة رودوس.

    اعتبرت هذه الجزيرة رأس حربة وموقع متقدم للأوروبيين في المياه العثمانية. كما كانت مرتعا لقراصنة يهاجمون السفن التجارية الإسلامية.

    أعد خمسون ألف مقاتل في رودوس أحد أقوى الحصون في العالم.

    قرر سليمان الاعتماد على تكتيك مغاير لقصف النيران من مدافعه الهائلة. اعتمد تكتيك جديدا نادرا ما استعمل حتى ذلك الحين.

    لا شك أن العثمانيين كانوا أول قوة عظمى ابتكروا سبلا جديدة في استعمال ملح البارود لتحقيق التوسع العسكري بطرق مبتدعة.

    حفر خبراء الألغام العثمانيين شبكة من خمسين نفق حول قاعدة الحصن وذلك لتلغيم أساسها. قام بهذا العمل الخطير مجندين إجباريين من مسيحيي البلقان.

    شكل الانفجار الهائل إشارة لبدء هجوم عثماني شرس دام ست ساعات متواصلة. ولكنهم أجبروا على التراجع.

    وبعد حصار دام مائة وخمسة وأربعون يوما، أجبرت القوات المدافعة عن رودوس على قبول الهدنة، حتى فاز العثمانيون.

    ألحقت جزيرة رودوس بالإمبراطورية بعد هذا النصر، كما أصبح سليمان سلطانا لا بد من أخذه على محمل الجد.

    مسيرة فتوحاته قد بدأت.

    أخذت أوروبا تخشى اسم سليمان. أما داخل حدوده فكانت سمعته مختلفة.

    فالتاريخ الإسلامي يتذكره باسم سليمان القانوني، لشهرته بسن القوانين.

    اشتهر العثمانيون بالبيروقراطية، بكل معنى الكلمة. فحفظوا سجلات دقيقة حول جميع الشعوب التي شكلت جزءا من الإمبراطورية العثمانية وذلك انطلاقا من نظام قانونين بالغ الدقة.

    سُنت في عهد سليمان جملة من القوانين الفريدة التي حكمت الإمبراطورية الشاسعة. وقد تحولت هذه القوانين أساسا لعدد من الدساتير المعتمدة لاحقا من قبل عدة بلدان أخرى.

    كان سليمان السلطة الأعلى في المنطقة، بل كان محور العالم.

    افتتح سليمان عصرا كلاسيكيا في العمران العثماني. فشيد بعضا من أبرز المباني التي أذهلت العالم بأسره.

    احتل سليمان مكانة فريدة من الثراء والاستقرار وقد كرس اهتمامه على رفع صروح عمرانية تذكر بعظمته وسلالته.

    الصروح العمرانية الهائلة تمنح الناس فكرة عما في قلب العقيدة. المهابة والعظمة مواصفات يذكرها المسلم عندما يتحدث عن الله. والصرح الذي شيد بمهابة وعظمة يذكر الناس مباشرة بعظمة الخالق ومجده.

    توافقت رؤى سينان المسؤول العمراني لدى سليمان مع متطلبات البناء الإمبراطوري.

    كمّل سينان الصيغة العمرانية للإسلام عبر جامع القبة.

    احترف البناء خمسون عاما أنجز خلالها أكثر من ثلاثمائة مبنى، بما في ذلك ترميم أحد أبرز المعالم الإسلامية، قبة الصخرة في القدس.

    شيد لسليمان روعة عمرانية تجسدت مسجد السليمانية في استنبول. لا شك أنه يستحق لقب المعلم العظيم.

    تكلف هذه المباني مبالغ طائلة. هي منشآت هائلة استغرق بنائها سنوات طويلة، وأعداد كبيرة من المواهب الهندسية المعززة بالمهارة والخبرات. شيد مسجد السليمانية لمن أراد القول: أنا صاحب السلطة والثروة أنا السلطان وملك الملوك. ولكن في نفس الوقت هناك قيما روحية هائلة في هذه المباني. فهي لا ترمز للإمبراطورية وحدها بل وللمعتقد الديني.

    من التعاليم التي نقلت عن محمد قوله أن المسجد هو مركز للخدمات الاجتماعية، يكتمل بالمستشفى والمدرسة والمكتبة.

    يقال أنه عند افتتاح المسجد نظر سليمان إليه بإعجاب قائلا: يا سليمان، لقد تفوقت عليك.

    لم يكن قصر سليمان أقل شأنا. اعتبر قصر توبقابي مقرا للحكومة ومسكنا خاصا به.

    عرف سليمان بترويجه للفنون. وبما أنها كانت إمبراطورية ثرية اجتمع فيها أفضل الفنانين، فأخذ كل شيء يزدهر.

    العمران والفنون في عهده أبرزت أول عصر الذهبي للعالم العثماني. كان كل ما يخرج من قصره بالغ الإتقان.

    حتى أن سليمان نفسه كان صائغا. اعتقد العثمانيون أن على كل سلطان أن يتقن حرفة يدوية، فكونه سلطان لا يمنحه حرفة عملية أو يدوية.

    عرف عنه بكونه متطلبا ومثابر ومتابع لدقة العمل، ويعتقد أن كل مجموعة من الفنانين الحرفيين العاملين في القصر، حاولت التفوق على الفرقة الأخرى إرضاء للسلطان. إن إرضائه يعود بمكافأة رائعة.

    لا شك أن للعثمانيين بصمات واضحة في مخيلة الأوروبيين، حتى أن المراسيم السياسية والفخامة الملكية للعثمانيين كانت لتبهر أي مواطن في ذلك العالم. لا شك أنها كانت أعظم إمبراطورية في العالم ولا يمكن للمراقب الأوروبي إلا الشعور بالاحترام والتقدير لسلطة العثمانيين الهائلة.

    كان سليمان يطالب بصمت جميع المحيطين به في العلن. بينما كان يعبر عن رغباته بإشارة من رأسه أو يديه.

    من المدهش فعلا أن ترى البلاط الملكي في القصر المليء بسبعة آلاف انكشاري وموظف لا ينطق أي منهم بكلمة. أي أن ما يحدث هناك هو نوع من الملكية الغامضة والواسعة الانتشار، حتى يبلغ اعتبارها شبه إلهية.

    مع نمو سلطة سليمان، أخذ صديق طفولته إبراهيم يرقى في بنية بلاطه الملكي.

    سرعان ما أصبح إبراهيم باشا ثم تحول إلى أحد أهم وزرائه، حتى أنه تزوج من شقيقته. أي أنهما لم يكونا أصدقاء فقط بل أصبحا قريبان.

    انطلق إبراهيم بحملات على رأس جيش خاص به، فنمى نفوذه وطموحه حتى أصبح في مرتبة تلت سليمان مباشرة.

    ولكن لا أحد يقارن بعالم حريم السلطان السري من حيث الطموحات والسلطة.

    لا يقارن بيت الحريم العثماني بقاعات السمر الملكية في الغرب التي تحتل مكانة ثانوية، فهو في قلب حكم السلالة.

    يعتبر الحريم جناحا خاصا بالسلطان، يسود اعتقاد بأن الحريم هو جناح النساء ولكنه يعني المكان الذي لا يعد فيه تحت الأنظار،أي أنه يعني الدفء المنزلي.

    سمح العثمانيون للسلطان بأربع زوجات وعدد من الخليلات.

    صمم هذا النظام للحصول على أولياء عهد لا أكثر. عند التأمل بأدق التفاصيل هناك، ستجد أنها لم تكن مجرد مسألة شهوانية. لم يكن لدى السلطان حرية في اختيار رفيقته الأنثى. لم يكن السلطان في مكانة تسمح بالنظر من حوله والقول أريد هذه، لأن لأمه رأي في اختياره.

    أنجب سليمان من زوجته الأولى ولي عهده مصطفى.

    ولكنه عند بلوغه العقد الثالث من عمره أحب فتاة سلافية من سباياه اسمها هوريم. أما في الغرب فيعرفونها باسم آخر هو روكسلانا.

    أنجبت روكسلانا ولي عهد ند، أصبح محل ثقة لدى سليمان.

    يفترض أن تتم حماية السلطان من أي نفوذ غير ملائم، يفترض أن يلقى الحماية تجاه أي خصوم، ما يؤدي إلى خلق فراغ من حوله شخصه، لا يخترقه إلى الحريم. وهكذا فإن واقع حمايته البالغة، يجعله عرضة لمزيد من نفوذ رفيقته الأنثى التي يمضي معها فترات طويلة. والحقيقة أن النساء المحيطات به كن من شديدات الذكاء، والطموحات جدا. وكانت روكسيلانا من أكثرهن شهرة.

    تميز سليمان بشخصية مركبة، يعرف من خلال حياته الخاصة أنه مفرط الحساسية والشغف تجاه صديقه إبراهيم ومن خلال محبته العميقة لزوجته هوريم سلطان، إلى جانب علاقاته العائلية إذ كان لديه أبناء موهوبين جدا أغدق عليهم بكثير من العطف.

    أعد سليمان ابنه الأول مصطفى لتسلم السلطة. نصت التقاليد العثمانية على دخول الأمير الشاب إلى السلك العسكري ليكتسب سريعا شهرة جنرال موهوب.

    كان مصطفى وريث العرش بلا منازع. وقد اعتبر سليمان أن مستقبل إمبراطوريته لا تعرف الحدود.

    أنا عبد الله، وسلطان هذا العالم. هذا ما كان يحفره سليمان على الحصون التي يغزوها.

    أنا سليمان الذي تدع له صلوات الجمعة في مكة والمدينة. أنا الشاه في بغداد، وأنا القيصر في المملكة البيزنطية، وأنا السلطان في مصر.

    شعر في ذروة سلطانه بلا شك أنه قزّم خصومه. وربما كان محقا.

    كان أحد أبرز خصوم سليمان يقبع في الشرق. الإمبراطورية الصفوية في إيران. اعتبر هذا عدوا مسلما لخلافات عقائدية وضعته في مصاف الخصوم العثمانية لعدة قرون.

    اعتبر الصفويين من الأتراك في جذورهم الإثنية، حتى أنهم تحدثوا بالتركية في حياتهم اليومية، وكانوا يتوسعون في العالم الإسلامي على خلاف العثمانيين الذين كانوا يتوسعون على حساب الغرب.

    وهكذا شكلت الإمبراطورية العثمانية نوعا من الحدود اعتبرتها أقصى الحدود الشرقية المملكة العثمانية.

    كانت السلالة الصفوية من المسلمين الشيعة، المناهضين للسنية العثمانية.

    يقول بعض الشيعة أن على القائد أن يعين من قبل سلفه وأن يكون من سلالة محمد. أما السنة فلا يرون للتعيين أهمية كما يمكن للقائد أن يتزعم الناس دون أن ينحدر من سلالة محمد.

    يعتبر البعض أن هذه التحدي للشرعية سببا للشقاق بين السنة والشيعة، وهي مسألة ما زالت تشق العالم الإسلامي حتى يومنا هذا.

    يمكن القول أن العثمانيين لم يعتبروا أنفسهم من السنة، حتى جاء الصفويون يحملون لواء الخصم الشيعي.

    أي أن الصفوية شكلت معتقدا منافسا للعثمانيين، حتى تطورت الأمور وتحولت إلى حرب حول ما تشن الحروب من حوله عادة، من سيطرة على الأراضي والثروات والمناطق والمكانة.

    شن الصفويون حربا عقائدية على شرق الأناضول، التي كانت بالنسبة أكثر المناطق إثارة للقلاقل. فهي أراض يصعب غزوها ويصعب التحكم بها.

    امتاز الصفويون بالبراعة العسكرية، ولكنهم يشكلون خصما ثقافية للعثمانيين أيضا.

    شكلوا نماذج فنية رائعة يعتقد أنه أكثر شهرة بترويج الفنون مما كانوا عليه في الغزوات والقوانين والأنظمة الإدارية. عندما تنظر إلى أصفهان ترى أنها أجمل مدينة في العالم، وقد كانت مدينة الصفويين وعاصمتهم. ولكنها لا تمنح الزائر ذلك الإحساس بالقوة التي تراها في الإمبراطورية العثمانية أو عاصمتها. إنه نوع مختلف من القوة قد يكون أشد بلاغة، وأكثر غناء في تصميمه ومساحات مراسيمه، وكأنه جانب آخر من الإسلام يختلف كليا.

    يصنف الفن والعمران الصفوي على مستوى أرفع، فهي تعرف عادة بالزركشة، كما تعرف بالتخريم والتثقيب، وليس بأحجامها الهائلة.

    أعدت في القصور الملكية الشاهقة للصفويين الخطط والمشاريع المعادية لسليمان وسلالته حتى وصلت أنبائها إلى مسامعه.

    ولكن عيني سليمان كانت في الغرب، حيث كانت أوروبا الممزقة والضعيفة بانتظار غزواته. شملت المناطق العثمانية مناطق تمتد من مصر إلى كردستان، كما أصبحت تشمل هنغاريا أيضا.

    ولكن طموحاته كانت تدفعه إلى ما وراء ذلك لفرض سيطرته على أكبر مساحة ممكنة من العالم المعروف لديه حتى حينها.

    تكمن خطوة سليمان التالية بالاستيلاء على فينا ليوجه بذلك طعنة في قلب إمبراطورية هبسبورغ الأوروبية ويفتح الطريق نحو الغرب.

    ولكن مع توجه الجيوش العثمانية المدججة بالأسلحة نحو فينا انقلب المناخ عليهم.

    المدافع الثقيلة التي حصدت للعثمانيين النصر تلو الآخر غرقت عميقا في الوحل. أجبر سليمان على السير قدما بدونها.

    قصف العثمانيون المدينة بالمدافع الخفيفة دون توقف.

    ولكنهم جوبهوا بدفاعات شرسة.

    تسارع فصل الشتاء بعد حصار طويل فسحب سليمان قواته.

    لم يقلقه ذلك. كان متأكدا من عودته بالسرعة اللازمة.

    ولكنه لم يعد.

    اعتبر فشل سليمان في الاستيلاء على فينا حيويا بالنسبة لأوروبا. كانت هذه أول هزيمة كبرى، بعد زمن طويل من الهزائم الأوروبية الواحدة بعد أخرى. ما شكل منعطفا جديدا للقارة الأوروبية.

    ما كان سليمان ليخشى أوروبا، ذلك أن خصومه من المسلمين الصفويين إلى جانب عائلته جلبوا أشد المآسي على السلطان وأخيرا على الإمبراطورية جمعاء.

    كان سليمان نوعا من النموذج المختصر لحاكم القرن السادس عشر العاقل والمنصف والذي كان في الوقت نفسه شخصية مأساوية.

    لم تتوقف المكائد والمؤامرات من منزل السلطان العائلي.

    قصر توبكابي كما سمي أصلا، لا يحتوي على جناح للنساء، اللواتي أقمن فيما كان يعرف بالقصر القديم.

    ولكن هوريم كانت كثيرة التذمر من زوجها كغالبية الزوجات لتغيبه أيام وأشهر في حملاته خارج العاصمة.

    كثيرا ما كانت تشكو من الوحدة واشتياق أبنائه، والمفاجئ هو أن حريقا اشتعل في القصر القديم، اشتعل جناح هوريم. لهذا تم نقلها إلى قصر توبكابي مؤقتا ريثما يرممون الجناح القديم، وهكذا دخلت إلى القصر ولم تخرج منه.

    أصبحت هوريم في مركز السلطة، تروج ليصبح ابنها وليا للعرش، منغمسة وسط مجموعة من المكائد والشائعات والشبهات المميتة.

    كانت شديدة الوفاء لزوجها. فاعتبرت أي تهديد لسليمان، تهديدا لها لا بد من التخلص منه. وقد جاء التهديد الأول من إبراهيم باشا، الذي اتخذ ألقابا لا تمنح إلا للسلاطين. أدركت هوريم أن شيئا ما سيحدث في النهاية، فعملت على حماية الإمبراطورية، والسلالة، بالتخلص من إبراهيم باشا.

    في الخامس عشر من آذار مارس من عام ألف وخمسمائة وستة وثلاثون تعشى سليمان مع إبراهيم باشا كما جرت العادة. في الصباح عثر على جثة إبراهيم بعد موته شنقا.

    ولكن أحزن سليمان بخسارته كانت في بدايتها.

    بعد سنوات قليلة من موت إبراهيم باشا ادعت هوريم اكتشاف مؤامرة للإطاحة بسليمان أعدت بمساعدة الصفويين لابنه الأول وولي عرشه مصطفى.

    هذه مشكلة دائمة في التاريخ العثماني، الأبناء يحاولون الإطاحة بآبائهم. حدوث ذلك في التعاقب الملكي يسبب مشاكل كبيرة والحقيقة أن سليمان نال حصته منها وربما لم يقم بما هو مطلوب منه.

    لم يتردد سليمان بإصدار أمر بإعدام مصطفى. ثم جلس إلى جانب جثته عدة أيام، رافضا السماح لأي شخص بلمسه. وهكذا مات الأمل الأسمى لمستقبل الإمبراطورية.

    بعد موت هوريم نفسها في العام التالي، غاب سليمان في بأس عميق، ليجد عزاء في أشعاره.

    يعتقد أنه كتب غالبية أشعاره بعد موت زوجته. فهي تتحدث عن العزلة في العمل المكتبي وأنه لم يبقى له أحد، وأنه يموت شوقا للقائها.

    حتى لو بدا سلطانك على عرش الإمبراطورية خالدا، لا تنخدع. فالريح المعادية ستهب يوما وتأتي لبلادك الجميلة وجناتك سوء الطالع وعميق العذاب.

    لم يجد وسط عزلته إلا ملاذا واحدا لسلطان بدت أحزانه أكبر مساحة من سلطته.

    عاد إلى ساحات المعارك، إلى عهده في الغزوات.

    قاد شخصيا ثلاثة عشر حملة، كان آخرها في زيغتفار، وهي الآن في هنغاريا.

    يعتقد انه كان يعلم بأنها ستكون آخر حملاته، فقادها شخصيا، مدركا بأنه قد لا يعود حيا.

    عام ألف وخمسمائة وواحد وستون مات السلطان الذي حكم الإمبراطورية لفترة أطول من غيره، مات في السابعة والستين وهو في خيمته العسكرية الكبرى محاطا بجنرالاته.

    لم يتمكن أي سلطان آخر من إحراز عظمة مماثلة له. انتقلت سلسلة القوى العظمى من الأبيض المتوسط إلى المحيط الأطلسي، مخلفة العثمانيين وراءها تدريجيا.

    ما زال دراويش استنبول اليوم يلفّون بدوران راقص يعود إلى عصر سليمان. إنها حركة للتأمل تعود جذور طقوسها إلى فترة أبعد قد تصل إلى زمن النبي محمد.

    "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله". هذا ما يورده في القرآن لجميع المؤمنين.

    للحضارتين الإسلامية والغربية نفس الجذور. فهما تبزغان من الهلال الخصيب، والإيمان بالله الواحد للديانات التوحيدية الثلاث، والثقافات الفكرية كالإغريقية والبابلية، بين الحضارتين نسب روحي مشترك، فهما متشابهتان رغم الاختلاف الكبير بينهما.

    يتداخل الميراث الإسلامي مع الغرب، ومليارات المسلمين الذين يشكلون اليوم ثان أكبر ديانة في العالم ما زالوا يعتبرونه ميراث حي وجزء حيوي من مخاض البشرية في الحضارة الإنسانية.

    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى

    الرجوع الى أعلى الصفحة

    رد مع اقتباس نص المساهمة
    تعديل/حذف هذه المساهمة
    حذف هذه المساهمة


    _________________
    مصطفى سليمان أبوالطيب الهوارى

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 9:20 am